
الجامعة في عصر ما بعد التعليم
كثير من الانتقادات الموجهة للجامعات تركز على تسييسها المفرط، حيث يطغى التوجه الليبرالي بين الأساتذة، مما يعزز الفكر المناهض للمؤسسات. لكن خلف هذا الضجيج، هناك تحولات هادئة وأكثر عمقا تُثير السؤال: هل ما زالت الجامعات مؤسسات للتعليم العالي، أم أصبحت مجرد مصانع لشهادات بلا مضمون؟
عندما كنت طالبا في سبعينيات القرن الماضي في كلية بروكلين، كان أستاذ الفلسفة يصف الجامعة بأنها مدرسة لصقل شخصيات شباب مثقفين قادرين على خوض أي نقاش، لكن هذه الرؤية أصبحت أثرا من الماضي.
اليوم يغادر كثير من الخريجين وهم أقل اكتمالا معرفيا، حتى أن مستوى الثقافة العامة لدى خريج الجامعة يعادل تقريبا مستوى خريج الثانوية في خمسينيات القرن الماضي.
وأظهرت دراسة حديثة أن طلاب الجامعات يفتقرون للمعرفة الأساسية في التربية المدنية، في مفارقة لافتة مع حماسهم للمطالبة بإصلاحات سياسية لا يعرفون أسس النظام الذي يريدون تغييره. حتى جامعة هارفارد تقدّم الآن مقررات في الرياضيات الأساسية للطلاب الجدد لتعويض ضعفهم في الجبر، وإن كانت تتحاشى وصفها بـ «التمهيدية».
أحد أسباب هذا التراجع أن إدارات الجامعات، الساعية لزيادة أعداد المسجلين والحفاظ عليهم، أصبحت تلبي تفضيلات الطلاب في المناهج، فتسعى لتقديم تجربة دراسية «مريحة» أكثر من كونها صارمة أكاديميا. وقد أظهرت الاستطلاعات أن معظم الطلاب الجدد يريدون تعليما «عمليا» يركز على التدريب المهني ومهارات التقنية الحديثة، بدلا من التعليم الليبرالي الشامل.
قبل نصف قرن، كان أحد أهم أهداف الطالب الجامعي «امتلاك فلسفة حياة ذات معنى». أما اليوم، فالهدف هو «الثراء المادي»، وحتى من يقيّمون تجربتهم الجامعية إيجابيا، فإنهم يفعلون ذلك، لأن شهاداتهم ساعدتهم على إيجاد وظائف.
ولتلبية هذه العقلية الجديدة، خففت الجامعات من متطلبات المواد العامة، وأتاحت للطلاب التخرج بحدّ أدنى من المعرفة خارج تخصصاتهم، بل وتزايد الضغط على الأساتذة لمنح درجات مرتفعة، في توجُّه يقترب من فلسفة «الجميع يتخرج». ومع انتشار التعليم عن بُعد عقب جائحة كورونا، أصبح كثير من الطلاب يفضّلون الدراسة من غرفهم على الحضور الفعلي.
لكن إذا تحولت الجامعات إلى مدارس مهنية متقدمة، فكيف يمكن تبرير الرسوم الباهظة التي تُنفق على أساتذة يدرّسون مواد لا علاقة مباشرة لها بالوظائف، مثل الأدب الكلاسيكي، أو الرياضيات المتقدمة، أو الدراسات الثقافية؟
السؤال الجوهري هو: هل يجب أن يكون التعليم الجامعي موجها بالكامل وفق رغبات الطالب، أم أن هناك معارف أساسية ينبغي أن يكتسبها كل خريج، حتى إن لم يرغب بها؟ وإذا لم يكن مستعدا لذلك، فربما لا يكون مؤهلا للدراسة الجامعية من الأساس.
هذه أسئلة معقدة، لكنها تستحق التفكير الجاد قبل إرسال طلب الالتحاق التالي أو دفع قسط الرسوم القادمة.
*ستيف ساليرنو أستاذ سابق للصحافة في جامعة نيفادا - لاس فيغاس

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة
منذ 3 أيام
- الجريدة
الجامعة في عصر ما بعد التعليم
مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يستعد نحو 19 مليون طالب و1.4 مليون عضو هيئة تدريس لبدء الدراسة في الجامعات الأميركية، ولأول مرة منذ عقود، لن أكون من بينهم، بعد مسيرة تدريسية امتدت 28 عاما في أربع جامعات، كنت خلالها أعيش مفارقة الجمع بين كوني صحافيا ممارسا ومؤمنا برسالة التعليم، وفي الوقت نفسه ناقدا لممارسات الوسط الأكاديمي. كثير من الانتقادات الموجهة للجامعات تركز على تسييسها المفرط، حيث يطغى التوجه الليبرالي بين الأساتذة، مما يعزز الفكر المناهض للمؤسسات. لكن خلف هذا الضجيج، هناك تحولات هادئة وأكثر عمقا تُثير السؤال: هل ما زالت الجامعات مؤسسات للتعليم العالي، أم أصبحت مجرد مصانع لشهادات بلا مضمون؟ عندما كنت طالبا في سبعينيات القرن الماضي في كلية بروكلين، كان أستاذ الفلسفة يصف الجامعة بأنها مدرسة لصقل شخصيات شباب مثقفين قادرين على خوض أي نقاش، لكن هذه الرؤية أصبحت أثرا من الماضي. اليوم يغادر كثير من الخريجين وهم أقل اكتمالا معرفيا، حتى أن مستوى الثقافة العامة لدى خريج الجامعة يعادل تقريبا مستوى خريج الثانوية في خمسينيات القرن الماضي. وأظهرت دراسة حديثة أن طلاب الجامعات يفتقرون للمعرفة الأساسية في التربية المدنية، في مفارقة لافتة مع حماسهم للمطالبة بإصلاحات سياسية لا يعرفون أسس النظام الذي يريدون تغييره. حتى جامعة هارفارد تقدّم الآن مقررات في الرياضيات الأساسية للطلاب الجدد لتعويض ضعفهم في الجبر، وإن كانت تتحاشى وصفها بـ «التمهيدية». أحد أسباب هذا التراجع أن إدارات الجامعات، الساعية لزيادة أعداد المسجلين والحفاظ عليهم، أصبحت تلبي تفضيلات الطلاب في المناهج، فتسعى لتقديم تجربة دراسية «مريحة» أكثر من كونها صارمة أكاديميا. وقد أظهرت الاستطلاعات أن معظم الطلاب الجدد يريدون تعليما «عمليا» يركز على التدريب المهني ومهارات التقنية الحديثة، بدلا من التعليم الليبرالي الشامل. قبل نصف قرن، كان أحد أهم أهداف الطالب الجامعي «امتلاك فلسفة حياة ذات معنى». أما اليوم، فالهدف هو «الثراء المادي»، وحتى من يقيّمون تجربتهم الجامعية إيجابيا، فإنهم يفعلون ذلك، لأن شهاداتهم ساعدتهم على إيجاد وظائف. ولتلبية هذه العقلية الجديدة، خففت الجامعات من متطلبات المواد العامة، وأتاحت للطلاب التخرج بحدّ أدنى من المعرفة خارج تخصصاتهم، بل وتزايد الضغط على الأساتذة لمنح درجات مرتفعة، في توجُّه يقترب من فلسفة «الجميع يتخرج». ومع انتشار التعليم عن بُعد عقب جائحة كورونا، أصبح كثير من الطلاب يفضّلون الدراسة من غرفهم على الحضور الفعلي. لكن إذا تحولت الجامعات إلى مدارس مهنية متقدمة، فكيف يمكن تبرير الرسوم الباهظة التي تُنفق على أساتذة يدرّسون مواد لا علاقة مباشرة لها بالوظائف، مثل الأدب الكلاسيكي، أو الرياضيات المتقدمة، أو الدراسات الثقافية؟ السؤال الجوهري هو: هل يجب أن يكون التعليم الجامعي موجها بالكامل وفق رغبات الطالب، أم أن هناك معارف أساسية ينبغي أن يكتسبها كل خريج، حتى إن لم يرغب بها؟ وإذا لم يكن مستعدا لذلك، فربما لا يكون مؤهلا للدراسة الجامعية من الأساس. هذه أسئلة معقدة، لكنها تستحق التفكير الجاد قبل إرسال طلب الالتحاق التالي أو دفع قسط الرسوم القادمة. *ستيف ساليرنو أستاذ سابق للصحافة في جامعة نيفادا - لاس فيغاس


الجريدة
٠٤-٠٨-٢٠٢٥
- الجريدة
سفيرة كندا: الكويت وطني الثاني وتجربتي فيها فريدة
في لقاء جمع عدداً من ممثلي وسائل الإعلام المحلية في منزلها بمناسبة قرب انتهاء مهامها في الكويت، تحدثت سفيرة كندا لدى البلاد عليا مواني عن أبرز محطات تجربتها الدبلوماسية التي امتدت ثلاث سنوات ونصف السنة، ووصفتها بأنها «فرصة استثنائية لبناء شراكات حقيقية مع الكويت». وقالت مواني: «وصلت الكويت في نوفمبر 2021، وكان العالم يخرج لتوه من قيود جائحة كورونا. كان الجميع يعيد اكتشاف التفاعل الإنساني، وقد شكّل ذلك التوقيت فرصة مثالية لي كسفيرة للانخراط في علاقات نشطة ودافئة». وأوضحت أن كندا تنظر إلى الكويت باعتبارها شريكاً استراتيجياً منذ سنوات، لافتة إلى الدور المحوري الذي أدته الكويت في تمكين كندا من تنفيذ عمليات إنسانية وأمنية بالمنطقة، قائلة: «خلال عمليات الإجلاء بعد سقوط كابول، كان لدور الكويت أثر كبير في مساعدتنا على نقل نحو 4000 أفغاني وكندي إلى كندا». وتحدثت مواني عن توسّع التعاون الثنائي في مجالات التجارة، الاستثمار، التعليم، الصحة، الذكاء الاصطناعي، الأمن والدفاع، التنمية الدولية، مشيرة إلى توقيع مذكرة تفاهم للتشاور الاستراتيجي وأخرى للتنمية الإنسانية. وفي القطاع الصحي، أكدت أهمية الشراكة بين وزارة الصحة الكويتية والكلية الملكية للأطباء والجراحين في كندا، حيث يعقد اختبار البورد الكندي سنوياً بالكويت، إلى جانب تزايد إقبال المؤسسات الصحية على طلب الاعتماد الكندي. سفيرة كندا: اللقاء المرتقب لوزيري الخارجية سيشكّل خطوة رئيسية لتعميق العلاقات وأشارت إلى أن نحو 450 طالباً كويتياً يدرسون الطب في كندا سنوياً، وغالباً ما تُشغَل جميع المقاعد، مع تزايد اهتمام الطالبات الكويتيات بخوض التجربة التعليمية في الجامعات الكندية، وقالت: «نعمل على تعزيز التعاون الجامعي، ونشارك الكويت العديد من القيم، مثل احترام التعددية والالتزام بالنظام الدولي». وأضافت أن عملية طلب التأشيرة الكندية أصبحت الآن إلكترونية بالكامل، وأن عملية أخذ بصمات الأصابع وتقديم جواز السفر تتم من خلال مكتب VFS لتقديم الطلبات في مدينة الكويت، مشيرة إلى أن التأشيرات تُمنح عادةً بناءً على صلاحية جواز السفر، وذلك لتسهيل الإجراءات على المسافرين. ووصفت مواني تجربتها كسفيرة امرأة في الكويت بأنها إيجابية جدا: «لم أشعر يوماً بالتمييز، بل على العكس حظيت بحرية كاملة في الوصول إلى مختلف الفعاليات واللقاءات، وأدهشني الدور الريادي للنساء الكويتيات في التعليم والأوساط الأكاديمية»، كما عبرت عن تقديرها للإعلام الكويتي الذي وصفته بـ«النشط والمهني»، مؤكدة أن العلاقة بين السفارة ووسائل الإعلام ساعدت في ترسيخ الثقة والشفافية. وكشفت أنها ستغادر الكويت لتتولى منصباً جديداً في وزارة الخارجية الكندية لتنفيذ سياسة بلادها الخارجية في القطب الشمالي، وهي أولوية قصوى لحكومة بلادها، معربة عن رغبتها في قضاء مزيد من الوقت مع عائلتها، وأعلنت أن خليفتها ستكون السفيرة تارا شووتر التي عملت سابقاً في اليابان والهند. وشددت مواني على أهمية استمرار التواصل وبناء الجسور في مجالات جديدة مع بروز تحديات وفرص مختلفة، كاشفةً أن وزيري الخارجية الكندي والكويتي سيجتمعان في الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ما سيشكّل خطوة رئيسية نحو تعميق العلاقات الثنائية، وستستمر المحادثات بعد ذلك في مجالات مثل التعاون الاستراتيجي والتنقل وغيرها. واختتمت حديثها بالقول: «الكويت بلد مميز، وتجربتي فيه كانت فريدة من نوعها. سأفتقد العلاقات التي بنيتها وفرص التعاون التي تحققت. لقد شعرت هنا وكأنني في وطني الثاني، وأتطلع إلى رؤية هذه العلاقة تزدهر أكثر في المستقبل».


الرأي
٢٧-٠٦-٢٠٢٥
- الرأي
البنك الدولي: تزايد سريع لمعدلات الفقر المدقع في الاقتصادات المتأثرة بالصراعات وعدم الاستقرار
ذكر تقرير صادر عن البنك الدولي اليوم الجمعة أن الاقتصادات المتأثرة بالصراعات وعدم الاستقرار عانت من تفاقم معدلات الفقر المدقع بوتيرة أسرع مقارنة بالاقتصادات الأخرى مما أدى إلى صعوبة تحقيق العديد من الأهداف الإنمائية الرئيسية. وقال التقرير الدولي الذي تناول أول تقييم شامل يصدر بعد جائحة كورونا (كوفيد - 19) إنه «مع ازدياد تواتر الصراعات واشتداد وطأتها وآثارها المدمرة في عشرينيات القرن الحالي يتراجع أداء هذه الاقتصادات مقارنة بجميع الاقتصادات الأخرى على مؤشرات التنمية الرئيسية». وأشار إلى انكماش نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2020 في هذه الاقتصادات بمعدل 8ر1 في المئة سنويا مقابل ارتفاعه بنسبة 9ر2 في المئة في الاقتصادات النامية الأخرى. وأظهر التقرير أن نحو 421 مليون شخص في هذا العام يعيشون على أقل من ثلاثة دولارات للفرد في اليوم في الدول التي تعاني اقتصاداتها من الصراعات أو عدم الاستقرار متوقعا ارتفاع هذا العدد إلى 435 مليون شخص أو ما يقرب من 60 في المئة من أشد الناس فقرا في العالم بحلول عام 2030. من جهته قال رئيس الخبراء الاقتصاديين في مجموعة البنك الدولي اندرميت جيل في تعليقه على التقرير إن أكثر من 70 في المئة من الذين يعانون من الصراعات وعدم الاستقرار هم من الأفارقة. وحذر جيل من أنه في حال لم تتم معالجة هذه الظروف فان «هذا الحجم من البؤس حتما سيطال الجميع نظرا لآثاره المعدية والشديدة». وذكر التقرير أن هذه الدراسة الجديدة تؤكد على أسباب عدم تحقق الهدف العالمي لإنهاء الفقر المدقع حتى الآن خصوصا أن أشد سكان العالم فقرا يتركزون في مناطق حول العالم يصعب فيها للغاية تحقيق أي تقدم في معدلات التنمية مشيرا إلى أن هناك 21 بلدا في العالم يشهد صراعات لا تزال دائرة ونشطة. بدوره دعا نائب رئيس الخبراء الاقتصاديين ومدير مجموعة آفاق التنمية في البنك الدولي أيهان كوسي المجتمع الدولي إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لهذه المحنة التي تواجه تلك الاقتصادات. وأضاف كوسي «لن يكون من السهل الآن دفع عجلة النمو والتنمية لكن كل شيء ممكن وقد حدث ذلك من قبل فمن خلال السياسات الموجهة والهادفة والدعم الدولي القوي يمكن لواضعي السياسات منع نشوب الصراعات وتدعيم أنظمة الحكم الرشيد والحوكمة الجيدة وتسريع وتيرة النمو وخلق فرص العمل». ولفت إلى أن وتيرة الصراعات على مدى الخمس السنوات الماضية زادت شدتها وآثارها الفتاكة بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي وكانت الخسائر واضحة على مستوى جميع مؤشرات التنمية. وخلص التقرير إلى أن هذه الاقتصادات على الرغم من التحديات التي تواجهها فان منها ما يتمتع بالعديد من المزايا المحتملة التي يمكن أن تسهم في إعادة تنشيط عجلة النمو إذا تم اتباع السياسات الصحيحة.