
الأردن ما يزال ضمن 'الدخل المتوسط المنخفض'.. دعوات لمعالجة 'التشوهات' الاقتصادية
وبحسب الخبراء، فإن هنالك عدة ملفات عالقة ما تزال تؤثر على إمكانية تحسين معدلات النمو الاقتصادي التي تنعكس بطبيعة الحال على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعيد فتح النقاش حول مدى كفاية الإصلاحات الحالية في معالجة الاختلالات البنيوية وتحقيق نمو شامل يعود بالنفع على تحسن مستوى معيشة المواطنين.
وأوضح الخبراء في تصريحات خاصة لهم أن المتغيرات العالمية والإقليمية خلال السنوات الماضية من أزمة المد التضخمي وارتفاع أسعار الفائدة عالميا إلى جانب الحروب الإسرائيلية في المنطقة المستمرة منذ عام 2023، ألقت بظلالها على مؤشرات الاقتصاد الوطني، وقدرته على التعافي.
ورغم استمرار تصنيف الأردن ضمن شريحة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض للعام الثالث تواليا، أشار هؤلاء الخبراء إلى أن التصنيف، هو مؤشر فني لا يعكس جودة الحياة أو العدالة الاجتماعية، كما لا يأخذ بعين الاعتبار التفاوت الداخلي في توزيع الدخل، كما أنه لا يقيس عناصر التنمية البشرية مثل التعليم والصحة، أو جودة المؤسسات أو الاستدامة البيئية.
وبهدف تحسين تصنيف الأردن في قائمة الدخل العالمية، دعا الخبراء إلى ضرورة الاهتمام بتحفيز النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات، إضافة إلى وجوب اتباع سياسات اقتصادية ترتكز على معالجة تحديات الاقتصاد الوطني، والعمل على استقطاب المنح الخارجية ذات الأثر التنموي مقابل تخفيض الاقتراض.
الأردن في تصنيف دخل دول العالم
وكان أظهر تقرير البنك الدولي السنوي لتصنيفات الدخل لدول العالم، تثبيت تصنيف الأردن للعام الثالث تواليا ضمن الشريحة المنخفضة من البلدان متوسطة الدخل بعد أن تمكن خلال الفترة الممتدة منذ 2017-2022 من البقاء في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل.
وتصنف مجموعة البنك الدولي اقتصادات العالم إلى أربع مجموعات للدخل وهي البلدان منخفضة الدخل، والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، والبلدان مرتفعة الدخل.
ويتم تحديث هذه التصنيفات في الأول من تموز (يوليو) من كل عام، استنادا إلى نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي في السنة الميلادية السابقة.
ويتم التعبير عن مقاييس إجمالي الدخل القومي مقومة بالدولار الأميركي باستخدام عوامل تحويل مشتقة حسب طريقة 'أطلس' التي بدأ العمل بها في شكلها الحالي في عام 1989، وتهدف تصنيفات البنك الدولي لمستويات الدخل إلى تجسيد مستوى التنمية في بلد ما، اعتمادا على طريقة 'أطلس' لحساب نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي باعتبارها مؤشراً متاحاً على نطاق واسع للقدرة الاقتصادية.
وتم تعريف الاقتصادات ذات الدخل المتوسط المنخفض بالنسبة للسنة المالية الحالية 2026، بتلك التي يبلغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي فيها بين 1136 دولارا أميركيا و4495 دولارا أميركيا.
تحديات اقتصادية مستمرة
وقال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والاجتماعية أحمد عوض: 'تصنيف البنك الدولي للأردن ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض للسنة الثالثة على التوالي يشير بوضوح إلى استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد في مقدمتها تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع القوة الشرائية'.
وأوضح أن هذا التصنيف يستند إلى مؤشر فني يتعلق بنصيب الفرد من الدخل القومي، إلا أن دلالاته تتجاوز الجانب الإحصائي البحت، لتؤثر على قدرة الأردن في الحصول على التمويل والمنح، وجذب الاستثمارات.
وبين أن بقاء الأردن في هذه الفئة قد يتيح فرصا أفضل للحصول على منح ومساعدات تنموية من بعض الشركاء الدوليين، باعتبار أنه ما يزال ضمن دائرة الحاجة للدعم، كما قد يعزز من إمكانية التفاوض على شروط تمويل أكثر مرونة، مضيفا أن هذا التصنيف قد يحفز المؤسسات الدولية على التركيز على برامج الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر هشاشة.
لكنه حذر في الوقت نفسه من أن الاعتماد المتزايد على القروض، إن كانت بشروط ميسّرة، قد يؤدي إلى تفاقم الدين العام وما يرافقه من تداعيات سلبية على المدى المتوسط والطويل، مشددا على أن الحصول على منح يشكل مسارًا أكثر أمانا واستدامة من التوسع في الاقتراض.
وأشار إلى أن استمرار التصنيف الحالي يعد إشارة مقلقة، خاصة في ظل التزامات الدولة بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي 2033 والإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، مؤكدا أن نجاح هذه الرؤى يتطلب توسيع قاعدة الإيرادات، ورفع إنتاجية الاقتصاد الوطني، واستقطاب مزيد من الاستثمارات، وهو ما قد يتأثر سلبا إذا استمر ضعف المؤشرات الكلية وعدم تحسن تصنيف الدخل القومي.
تصنيف الأردن بدخل 'متوسط منخفض' يعكس تباطؤا هيكليا
بدوره، قال الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة 'إن استمرار تصنيف البنك الدولي للأردن ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض للسنة الثالثة على التوالي، بعد أن كان مصنفا في فئة الدخل المتوسط المرتفع خلال الفترة 2017-2022، يحمل دلالات اقتصادية مقلقة'.
وأشار إلى أن ذلك الأمر يعكس تباطؤ النمو الاقتصادي، وعدم قدرة الدخل القومي الإجمالي على تجاوز معدلات النمو السكاني أو التضخم بشكل كاف.
وأضاف مخامرة، 'الأردن وفق هذا التصنيف لم يستعد بعد مستويات الدخل التي كانت تؤهله للفئة الأعلى، وهو ما يشير إلى استمرار التحديات الهيكلية، وعلى رأسها ضعف الاستثمار الإنتاجي، وارتفاع معدلات البطالة خصوصا بين الشباب، إضافة إلى اعتماد الاقتصاد على التحويلات الخارجية والمساعدات، واستمرار تعرضه لأزمات جيوسياسية متواصلة'.
وأوضح أن تداعيات جائحة كوفيد 19 وارتفاع أسعار الطاقة واستمرار التوترات الإقليمية وتباطؤ النمو العالمي، كلها عوامل ضغطت على قدرة الأردن على التعافي السريع.
وفي رده على سؤال حول كيفية قراءة هذا التصنيف، أكد مخامرة أن البنك الدولي يعتمد في تصنيفه للدول فقط على نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (GNI per capita)، وهو مؤشر فني لا يعكس جودة الحياة أو العدالة الاجتماعية، كما لا يأخذ بعين الاعتبار التفاوت الداخلي في توزيع الدخل.
وأوضح أن هذا المؤشر أيضا لا يقيس عناصر التنمية البشرية مثل التعليم والصحة، أو جودة المؤسسات أو الاستدامة البيئية، وبالتالي يبقى مؤشرًا محدودًا في تفسير الصورة الكاملة.
وعن الأثر المحتمل على الاقتصاد الوطني، بين مخامرة أن هناك بعض الإيجابيات المحتملة مثل تسهيل الوصول إلى التمويل التنموي، إذ تقدم المؤسسات الدولية قروضا ميسرة للدول في هذه الفئة، إضافة إلى فرص أفضل للحصول على منح ودعم فني.
لكنه، في المقابل حذر من أن التصنيف قد يضعف جاذبية الأردن للاستثمار الأجنبي، إذ قد ينظر إليه كسوق محدود أو غير مستقر، كما أن كلفة الاقتراض قد ترتفع بسبب تصاعد المخاطر المحيطة بالاقتصاد، إلى جانب التأثير النفسي السلبي على ثقة المستثمرين والمستهلكين.
خريطة طريق لتحسين التصنيف مستقبلا
وفيما يتعلق بما هو مطلوب لتحسين تصنيف الأردن مستقبلا، وضع مخامرة خريطة طريق من خمسة محاور رئيسة، تتمثل بتحفيز النمو الاقتصادي الحقيقي من خلال دعم القطاعات الإنتاجية (الصناعة، التكنولوجيا، الزراعة الحديثة)، وتحسين بيئة الأعمال، وتقليل البيروقراطية، بالإضافة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة لخفض فاتورة الطاقة الوطنية، إلى جانب معالجة التشوهات الهيكلية بخفض معدل البطالة، خصوصا بين الشباب، عبر توافق مخرجات التعليم مع سوق العمل وتشجيع ريادة الأعمال، إلى جانب إصلاح النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة وكفاءة.
ويضاف إلى ذلك تعزيز الصادرات الوطنية من خلال تفعيل اتفاقيات التجارة الحرة، وتحسين جودة المنتجات والقدرة التنافسية، والدخول بقوة إلى أسواق ناشئة في أفريقيا وآسيا، إلى جانب حسين الحوكمة عبر مكافحة الفساد، ورفع كفاءة المؤسسات، وتبسيط إجراءات الاستثمار، وضمان الشفافية، وذلك وفق مؤشرات البنك الدولي للحوكمة، علاوة على الاستفادة من الموقع الجغرافي والبشري للأردن بتحويله إلى مركز إقليمي للخدمات اللوجستية، والتعليم العالي، والرعاية الصحية، واستقطاب شركات التكنولوجيا الناشئة من خلال حوافز ذكية وموجهة.
المتغيرات العالمية والإقليمية تلقي بظلالها على تصنيف الدخل المحلي
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي زيان زوانة أن المتغيرات العالمية والإقليمية على مدار السنوات الماضية تحديدا منذ عام 2022، والمتمثلة بالحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها على الاقتصاد العالمي من مد تضخمي وارتفاع أسعار الفائدة، وصولا إلى العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أواخر عام 2023 والتي ألقت بظلالها على المشهد السياحي والاستثماري الأردني، كان لها دور في استمرار تواضع معدلات النمو الاقتصادي المسجلة محليا، وبالتالي استمرار تخفيض تصنيف مستوى الدخل المشار إليه.
وأشار زوانة إلى هناك اختلالات ما تزال قائمة في الاقتصاد الأردني وتؤثر على ديناميكية مؤشراته، لا سيما اختلال القطاعات الأساسية كالطاقة والنقل والتعليم، إلى جانب اختلالات سوق العمل والإدارة العامة وما يرتبط بهما من استمرار تفاقم مشكلة البطالة، إلى جانب مستويات الفقر المرتفعة، إذ ما زالت هذه الاختلالات تثقل كاهل الاقتصاد الأردني.
ولفت زوانة إلى أن جهود البنك المركزي خلال السنوات الأخيرة كان لها دور في المحافظة على استقرار مستوى الدخل والمعيشة محليا، رغم الأزمات المتتالية سياسيا واقتصاديا على المستوى العالمي والإقليمي.
وأكد زوانة، أن تحسين واقع الاقتصاد الأردني بما يسمح بعودة تصنيف الأردن في قائمة الدخل المتوسط المرتفع، يتطلب من الحكومة انتهاج سياسات اقتصادية مركزة لمعالجة التحديات الرئيسة للاقتصاد الأردني، بما يتيح إيجاد تنمية حقيقية تنعكس على النشاط الاقتصادي ومستوى الدخل للمواطنين، إضافة إلى تسريع وتيرة الإصلاح الإداري وتعزيز مبدأ الشفافية والكفاءة، ووضع ضوابط على تصريحات المسؤولين والابتعاد عن المبالغات بما يضمن عدم انعكاس ذلك سلبا.
الغد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرأي
منذ 12 دقائق
- الرأي
البكار يؤكد ضرورة بناء المهارات الفنية والحياتية للشباب الملتحقين ببرامج التدريب المهني
بحث رئيس مجلس إدارة مؤسسة التدريب المهني، وزير العمل، الدكتور خالد البكار، بحضور مدير عام المؤسسة الدكتور، أحمد مفلح الغرايبة، مستهدفات المرحلة المقبلة ضمن إطار إعداد خارطة طريق استراتيجية للأعوام 2026–2029. وأكد البكار خلال الاجتماع أهمية الارتقاء بجودة العملية التدريبية، مشددًا على ضرورة التركيز على بناء المهارات الفنية والمهارات الحياتية لدى الشباب والشابات الملتحقين ببرامج المؤسسة، وذلك من خلال تطوير برامج تدريب مهني طويلة الأمد تمتد حتى سنة كاملة، تواكب متطلبات سوق العمل. وأشار إلى أهمية تعزيز دور المؤسسة في رفع كفاءة العاملين في القطاع الخاص، من خلال إطلاق دورات تدريبية متخصصة، داعيًا إلى التوسع في إنشاء أكاديميات تدريبية متخصصة بالشراكة مع القطاع الخاص، مستشهدًا بتجربة الشراكة الناجحة مع جامعة جدارا كنموذج فعّال للتكامل بين القطاعين العام والخاص. وفي هذا السياق، وجه البكار بإنشاء وحدة متخصصة تُعنى بمتابعة جميع المشاريع التدريبية المنتهية بالتشغيل، بالتعاون مع القطاع الخاص، لضمان استمرارية الأثر التدريبي وربطه بفرص العمل الحقيقية. وضمن الرؤية المستقبلية للتحول الرقمي، وجّه البكار إلى ربط كافة معاهد المؤسسة المنتشرة في مختلف المحافظات إلكترونيًا مع الإدارة الرئيسية، من خلال نظام رقمي شامل يغطي جميع إجراءات التدريب المهني، بحيث تتم مراقبة الأداء عبر لوحة تحكم مركزية تعتمد على مؤشرات أداء دقيقة. وشدد على ضرورة ضبط عملية الالتزام بالحضور والدوام التدريبي من خلال تفعيل نظام البصمة الإلكتروني للطلبة داخل المعاهد وأثناء التدريب الميداني. وفي سياق تعزيز الكفاءة والتخصصية، أكد البكار أهمية أن تتخصص كل معاهد المؤسسة المنتشرة في المحافظات في مجالات مهنية محددة، تأخذ بعين الاعتبار طبيعة السوق المحلي واحتياجات كل محافظة على حدة. كما أكد ضرورة تكامل جهود وزارة العمل وصندوق دعم التشغيل والتدريب مع برامج ومستهدفات مؤسسة التدريب المهني، ضمن رؤية وطنية شاملة تهدف إلى تنظيم سوق العمل وإحلال العمالة الوافدة بعمالة أردنية مؤهلة ومدربة.


الرأي
منذ 31 دقائق
- الرأي
"الفوسفات - البوتاس".. لقاء العمالقة
"لقاء العمالقة" ليس مجرد عنوان، بل هو تعبير دقيق عن المعنى الحقيقي لإعلان توقيع "اتفاقية استراتيجية" بين شركتي البوتاس ومناجم الفوسفات، بهدف إنشاء "مجمع صناعي متكامل"بمنطقتي العقبة الخاصة والشيدية لإنتاج حامضي الفوسفوريك والفوسفوريك النقي، فما أهمية هذه الاتفاقية؟. الاتفاقية تعلن عن مرحلة جديدة من التعاون الصناعي بين اثنتين من كبريات الشركات الوطنية بهذا المجال، كما تؤكد التزامهما بتطبيق مستهدفات رؤية التحديث الاقتصادي، لا سيما بمجالات التعدين والصناعات الكيماوية والتحويلية، بما يعزز مكانة الأردن على خارطة الدول المنتجة والمصدرة للأسمدة عالية القيمة، وبكل تأكيد، سترفع الاتفاقية من مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي. يمثل المشروع نقلة نوعية في فلسفة استثمار الموارد الطبيعية، إذ يسعى إلى تحويل الفوسفات والبوتاس لمنتجات صناعية متقدمة تخدم قطاعات متعددة؛ كالزراعة، والصناعات الدوائية والتجميلية والغذائية، لأجل الوصول إلى أسواق متخصصة ذات طلب متنام عليها، ما يشكل نموذجا متقدما للاقتصاد الإنتاجي. هذه الاتفاقية تعتبر توظيفا أمثل للموارد الوطنية، وتكاملا للخبرات الفنية والإدارية المتراكمة بكلتا الشركتين، مما سيفتح آفاقا جديدة أمام الصناعات التحويلية في المملكة، ويعزز فرص التوسع والتطور، ويرفع من قدرتهما على التشغيل وزيادة الصادرات، بما يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي، ألم يقولوا إن"في الاتحاد قوة"؟. تأتي هذه الخطوة في ظل النجاحات اللافتة التي حققتها شركتا البوتاس والفوسفات بالسنوات الأخيرة، حيث أثبتتا قدرة استثنائية على النمو والتوسع وتحقيق نتائج مالية مبهرة، ما يعكس متانة وفعالية أدائهما الإنتاجي واستراتيجياتهما التصديرية وكفاءة الإدارة العامة لتلك الشركات وحصافتها المهنية. الجانب الجميل والمميز في هذه الاتفاقية، لا يقتصر على الفوائد الاقتصادية، بل يشمل البعد التنموي أيضا، إذ من المتوقع أن يسهم هذا المجمع الصناعي بخلق فرص عمل متعددة، من خلال "برامج تدريب" وتأهيل مهني في مجالات الهندسة، والصناعات الكيماوية، وإدارة العمليات والجودة، مما يمنح الأردن "ميزة تنافسية" مهمة كمزود موثوق للأسمدة المتخصصة في الأسواق الإقليمية والدولية. خلاصة القول؛ التعاون بين شركتي الفوسفات والبوتاس لا يقتصر على مشروع صناعي ضخم، على أهمية ذلك، بل هو أيضاً تجسيد عملي لرؤية وطنية تستند إلى تعظيم القيمة المضافة للموارد المحلية، وتعزيز "الدور الصناعي" الأردني في الاقتصاد العالمي، ما يضع المملكة في موقع متقدم على خارطة الإنتاج والتصدير بقطاع الصناعات الكيماوية المتقدمة ذات القيمة العالية.


الرأي
منذ ساعة واحدة
- الرأي
"الاستباق لا الارتجال": نهج الإصلاح من منظور البنك المركزي
في ظل التحولات الاقتصادية العالمية المتسارعة، يأتي خطاب محافظ البنك المركزي، عادل شركس، ليؤكد أن الأردن بات يتبنى نموذجاً إصلاحياً مختلفاً جوهرياً عن السنوات السابقة. فقد غادر الاقتصاد الوطني مرحلة "الإصلاح كردة فعل"، وانتقل إلى "الإصلاح كاستراتيجية"، من خلال رؤية التحديث الاقتصادي التي أعادت صياغة الفلسفة الاقتصادية للمملكة، ليس فقط من حيث الأهداف، بل أيضاً من حيث الأدوات والآليات. هذا التحول ينعكس في ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، في تبني مقاربة استباقية تعزز مناعة الاقتصاد أمام الصدمات؛ ثانياً، في تعزيز مرتكزات الاستقرار الكلي كمدخل للنمو المستدام؛ وثالثاً، في هيكلة أدوات السياسة المالية والنقدية ضمن منطق تكاملي طويل الأجل. اقتصاديًا، يمكن رصد تطور النمو ليس كمجرد تحسن رقمي، بل كمؤشر على اتساع القاعدة الإنتاجية وتحول هيكل النمو نحو قطاعات أعلى إنتاجية وأكثر ارتباطًا بالطلب الخارجي. مساهمة الاستثمار (40%) والقطاع الخارجي (38%) في النمو خلال 2021-2024 تكشف أن قوى الدفع الجديدة أصبحت خارجة من قطاعات قابلة للتوسع، وهو ما يضع الاقتصاد على مسار نمو نوعي لا يعتمد فقط على حجم الاستهلاك المحلي أو الإنفاق العام كما في السابق. طبع هذا التحول يعكس أيضاً فعالية السياسات الهيكلية التي استهدفت تحفيز الإنتاجية وتنمية رأس المال البشري، وهي العناصر التي تُشكّل العمود الفقري لما يسمى بـ"الناتج المحتمل" الذي يُعدّ مقياسًا لقدرة الاقتصاد على النمو دون توليد تضخم مفرط. من جهة أخرى، يوضح الأداء الخارجي مرونة واضحة: ارتفاع مساهمة الصادرات غير التقليدية في الناتج من 16.2% في 2016 إلى 20.9% في 2024، وتراجع فاتورة الطاقة إلى 7% من الناتج، وتحسن تحويلات العاملين (3.6 مليار دولار)، جميعها عناصر تعزز الاستقلالية النسبية للاقتصاد الأردني في بيئة تجارية وجيوسياسية مضطربة. وفي السياق النقدي، فإن استقرار معدل التضخم (نحو 2%) والاحتياطات الأجنبية التي تغطي أكثر من 8 أشهر من الواردات، يؤكدان على صلابة الإطار النقدي وفعالية أدوات السياسة النقدية. كما أن تراجع الدولرة إلى 18.1% يعكس ثقة محلية متزايدة بالدينار، في وقت يُعد فيه الاستقرار النقدي نادراً في الاقتصادات الناشئة المحاطة بتوترات إقليمية. أما القطاع المصرفي، فهو يشكل ركيزة أساسية في المعادلة. النمو في التسهيلات الائتمانية (أكثر من 7 مليارات دينار منذ 2020) والارتفاع في الودائع (47.7 مليار دينار) يدل على توسع في القدرات التمويلية وتكامل متزايد بين البنوك والاقتصاد الحقيقي. التقدم في التحول الرقمي المالي، ببلوغ المدفوعات الرقمية 146% من الناتج، يؤكد القطاع المصرفي حضوره المميز في المشهد الاقتصادي من حيث "الوصول، الكفاءة، والمرونة". النقطة الأهم تكمن في أن البنك المركزي لم يعد مجرد جهة تنظيمية، بل أصبح شريكًا استراتيجيًا في تنفيذ الرؤية الوطنية، من خلال مبادرات متقدمة في الشمول المالي والرقمنة والسياسة النقدية المرنة. إن ما طرحه محافظ البنك المركزي ليس مجرد عرض لإنجازات مالية أو نمو اقتصادي، بل تأكيد على أن الأردن بدأ فعلياً في الخروج من دوامة الهشاشة الاقتصادية المزمنة نحو اقتصاد أكثر اعتمادًا على الذات، وأكثر قدرة على التعامل مع المستقبل بكفاءة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في ضمان الاستمرارية المؤسسية لهذا المسار، وتعميق الشراكة مع القطاع الخاص لتوليد فرص العمل والنمو المشترك، وهي عناصر لا تُبنى فقط بالأرقام، بل بثقافة اقتصادية جديدة تعي متطلبات المرحلة القادمة!