
الخطاب الشرعي والمعاصرة المنشودة
إن مظاهر المعاصرة المنشودة في الخطاب الشرعي تتجلى في جوانب عديدة، منها توسيع دوائر الخطاب الشرعي لتشمل بجانب مجالاتها التقليدية قضايا الإنسان كما يعيشها اليوم، مثل قضايا المواطنة الصالحة، وأمن الأوطان، ونهضة المجتمعات، ومكافحة التطرف بكافة أشكاله ومنطلقاته، والحوكمة الأخلاقية للتقنية الحديثة، والهوية الوطنية والثقافية في زمن العولمة، والأسرة وتحدياتها المتغيرة، والتساؤلات العقدية والفكرية من منطلقاتها الجديدة، والوعي البيئي وحماية الأرض، وقضايا الصحة العامة، وغير ذلك من القضايا التي أصبحت اليوم جزءاً من الواقع المعاصر.
كما تتجلى المعاصرة في المنهجية الفقهية المتوازنة التي تعتمد على الجمع بين النصوص الشرعية ومقاصدها، وربط الأحكام بعللها، وتقديم الفهم الاستيعابي للمسائل قبل إصدار الفتوى، والانفتاح على الاجتهاد الجماعي الرشيد في مواجهة النوازل الكبرى، مستنداً إلى التمكن في العلم الشرعي، والفهم الدقيق للواقع بكل أبعاده، بل ويمتد إلى استشراف ما هو آتٍ عبر تحليل الوقائع، وتوقع النتائج، والتفكر في مآلات الأمور واستباق آثارها، بما يرسخ دور الخطاب الشرعي في الوقاية قبل العلاج، وفي البيان الاستباقي قبل الاستفتاء، وفي التوجيه الحضاري المتقدم قبل أن يكون خطاباً متأخراً قائماً على ردود الأفعال.
ومن أبرز صور المعاصرة كذلك استخدام لغة عصرية جامعة قريبة من الأذهان والقلوب، يُخاطِبُ الإنسان بلغته وهمومه وتجربته وتطلعاته، لغة قائمة على تسهيل الفهم، وتيسير المفردات، وترسيخ القيم، لغة مشحونة بالرحمة، مفعمة بالتحفيز والأمل، قادرة على توليد المعنى في قلب المتلقي، سواء بحسن العبارة والسبك اللغوي الرصين، أو بقوة الرسالة وسمو المضمون والمعنى.
ومن صور المعاصرة كذلك البناء المؤسسي للخطاب الشرعي، خصوصاً في المسائل العامة، وبالأخص فيما يتعلق بالإفتاء وتناول النوازل والمستجدات المعاصرة، بحيث يتحول الخطاب في هذه المجالات من جهد فردي إلى جهد جماعي، قائم على تكامل التخصصات، واستثمار المعرفة الحديثة، وتوظيف أدوات البحث العلمي والنشر والتأثير والقياس، ومن واجب المؤسسات الدينية الرسمية في العالم الإسلامي أن تعتني بإنتاج خطاب حي متجدد، يلامس هموم المجتمعات، ويُقدم نمطاً معتدلاً متزناً من التمازج الحضاري القائم على القيم دون تصادم أو تنازل، ويُسهم في استقرار المجتمعات وتنميتها، وتشكيل الضمير الإنساني المعاصر، بما يحقق الخير والسلام للعالم أجمع.
ومن الجوانب المهمة كذلك العناية بالوسائط الحديثة، التي لم تعد اليوم مجرد خيار تواصلي يمكن الاستغناء عنه، بل أصبحت بيئة تواصلية معرفية متكاملة تفرض نفسها في كل مكان، ومن مظاهر المعاصرة الذكية في الخطاب الشرعي التعامل مع هذه الوسائط بفضاءاتها الرحبة وأدواتها الخاصة، ابتداءً من المنصات الرقمية والتطبيقات الذكية ومروراً بالذكاء الاصطناعي التوليدي وما تنتجه التقنية الحديثة في قابل الأيام، ليصل الخطاب الشرعي إلى الناس أينما كانوا بالوسيلة العصرية المثلى.
كما تبرز المعاصرة المنشودة في إعداد أجيال واعية من حملة الخطاب الشرعي، تمتلك العلم الصحيح والفكر الوسطي المعتدل واللغة القريبة السهلة والقدرة على التفاعل والتأثير والإقناع والإبداع، أجيال تهندس الخطاب الشرعي باتزان وإحكام انطلاقاً من قواعده الثابتة وأسسه الراسخة ومقاصده العليا وكلياته الجامعة، ليحقق الخير للأفراد والمجتمعات والأوطان، ويصبح فاعلاً في النهوض الإنساني، والبناء الأخلاقي والحضاري، وتعزيز الأمن والاستقرار المجتمعي.
إن الخطاب الشرعي الجامع بين الأصالة والمعاصرة لجدير بأن يصل إلى قلب كل مسلم وإنسان، لأنه يخاطب فطرته، ويحقق مصلحته، ويُقنع عقله، ويضيء طريقه، ويزيد معرفته، ويفتح له أبواب الأمل، ويجعله عنصراً إيجابياً صالحاً في مجتمعه ووطنه، وينشد له السعادة في الدنيا والآخرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 4 ساعات
- صحيفة الخليج
وزير العدل: الإمارات تطور منظومة وطنية رقمية ترتكز على العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان
أكد عبد الله سلطان بن عواد النعيمي، وزير العدل، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر، التزام دولة الإمارات الراسخ بمحاربة جريمة الاتجار بالبشر التي تُعد انتهاكاً للكرامة الإنسانية. وقال النعيمي، في تصريح له بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يصادف 30 يوليو/تموز من كل عام، إن دولة الإمارات تعمل باستمرار على تطوير منظومة وطنية رقمية متكاملة ترتكز على العدالة والشفافية وحماية حقوق الإنسان، مشيراً إلى الأهمية الكبيرة التي توليها الدولة لتوظيف التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لدعم الجهود الوطنية في تسريع الإجراءات، والتنسيق بين الجهات المعنية بما يسهم في التخفيف من معاناة الضحايا وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب. وأكد النعيمي، أن التصدي الفاعل لهذه الظاهرة يتطلب تعاوناً دولياً شاملاً، لافتاً إلى حرص الإمارات على تعزيز شراكاتها مع جميع الدول والمنظمات العالمية وتبادل الخبرات والمعلومات من أجل بناء جبهة موحدة ضد الاتجار بالبشر، باعتبار أن القضاء على هذه الجريمة مسؤولية مشتركة لا تتحقق إلا بتكاتف الجميع.


العين الإخبارية
منذ 4 ساعات
- العين الإخبارية
دعوات الحية.. نداءات موت جماعي أم استعراضات إعلامية؟
في زمن المجازر، لا يحتاج الناس إلى خطب حماسية تزاحم ركام الموت بعبارات منفلتة من حسابات الواقع والعقل، بل يحتاجون إلى قيادات تحمي ما تبقى من الأرواح لا أن تقايضها على موائد الخطابة. لكن يبدو أن خليل الحية، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، لم يصله صوت أنين الجوعى في غزة، ولا صدى انفجار العظام تحت ركام البيوت، حين خرج في كلمة مصوّرة ليخاطب الشعوب العربية والإسلامية بدعوة تتجاوز حدود العبث السياسي، إلى حدود الانتحار الجماعي. في خضمّ المجازر والمأساة الإنسانية المتواصلة في غزة، يطل الحية بموقف لا يقل كارثية عن مشهد الموت هناك، داعيا شعوب الدول المجاورة لفلسطين إلى "الزحف نحو فلسطين"، و"محاصرة السفارات الإسرائيلية"، و"قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية" مع تل أبيب، وكأن هذه الشعوب تملك رفاهية الانخراط في مغامرات تفتقر إلى أبسط أشكال العقلانية والخطة. دعونا نكن واضحين، غزة اليوم لا تحتاج إلى شعارات تطلق من أبراج مشيدة بالمايكروفونات، بل إلى فتح المعابر، وتفعيل الجسور الإنسانية، وضمان الحماية الدولية للمدنيين، وتأمين الغذاء والدواء والكرامة لمن تبقى تحت الحصار والقصف. أما مطالبة "الجماهير بالزحف" برا وبحرا نحو غزة، فهي ليست سوى دعوة مفتوحة للفوضى والدم، وربما تصفية حسابات على ظهور الشعوب التي لم تتعافَ أصلا من كوارثها. وإذا كانت هذه التصريحات تأتي من منطلق الضغط السياسي، فإنها في حقيقتها ضغط على الشعوب لا على المحتل، ودعوة لصب الزيت على نار المأساة دون أدوات إطفاء، ودون حتى تصور عملي أو سياسي لما بعد هذا "الزحف". فهل المطلوب أن يترك الناس أعمالهم وحدودهم وحياتهم ليخوضوا مغامرة بائسة؟ وهل المطلوب من دول محاصرة اقتصاديا أن تقفل أبواب التجارة والاقتصاد المتبقي من أجل خطاب قد لا يحمي طفلا واحدا من الجوع في مخيم الشاطئ؟ الأخطر في خطاب الحية أنه يُحمّل "علماء الأمة" مسؤولية قيادة هذه التعبئة، وكأن الأمانة الدينية أصبحت تفويضا بجر الجماهير إلى حتفها تحت راية الشعارات الحماسية. في حين أن المسؤولية الحقيقية للعلماء، إن كنا نتحدث عن أخلاق الإسلام وضرورات الحياة، هي حماية الإنسان، وتوجيه الحكام والشعوب نحو ما يُبقي الحياة، لا ما يحيلها إلى رماد. الخطاب الذي نحتاجه اليوم هو خطاب النجاة، لا خطاب الهلاك. نحتاج إلى رؤية تضمن بقاء غزة حيّة، لا أن نزيد خنقها بتصريحات تزيد من عزلة قضيتها. نحتاج إلى قيادات تفهم أن الغضب لا يعني تهورا، وأن الغضب الحقيقي يترجم في المحافل الدولية، في قاعات المحاكم الدولية، في مقاطعة استراتيجية مدروسة، في كسر الحصار لا بكلمات مكرورة بل بخطوات ملموسة. أما أن تلقى مسؤولية غزة على أكتاف الشعوب المنهكة، بينما تبقى القيادات تمسك بالميكروفون دون رؤية، فهذه ليست قيادة... بل هروب إلى الأمام على حساب دم الناس.


سبوتنيك بالعربية
منذ 4 ساعات
- سبوتنيك بالعربية
خامنئي: البرنامج النووي وعمليات التخصيب مجرد "ذريعة" لمهاجمة إيران
خامنئي: البرنامج النووي وعمليات التخصيب مجرد "ذريعة" لمهاجمة إيران خامنئي: البرنامج النووي وعمليات التخصيب مجرد "ذريعة" لمهاجمة إيران سبوتنيك عربي اتهم المرشد الإيراني علي خامنئي، اليوم الثلاثاء، "الغرب بالتذرع بالبرنامج النووي والتخصيب، لمهاجمة إيران". 29.07.2025, سبوتنيك عربي 2025-07-29T10:52+0000 2025-07-29T10:52+0000 2025-07-29T10:52+0000 إيران أخبار إيران الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاق النووي الإيراني أخبار العالم الآن العالم العربي وقال خامنئي إن "البرنامج النووي وعمليات التخصيب مجرد ذريعة لمهاجمة إيران"، مؤكدًا أن "إيران أظهرت للعالم متانة غير مسبوقة"، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية "إيرنا".وأضاف: "ما يعارضه الاستكبار العالمي، وفي مقدّمته الولايات المتحدة، هو الدين الذي تتمسكون به، وهذه المعرفة التي تمتلكونها"، متابعًا: "إنهم يعادون إيمان هذا الشعب العميق والواسع، ويعارضون هذه الوحدة التي تتجلى تحت راية الإسلام والقرآن، ويقفون ضد تقدمنا العلمي".وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة الأمريكية، "مستعدة لضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، مجددًا إذا واصلت إيران العمل على إمكاناتها النووية".ووفقًا لمجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، أبلغ الجانب الإيراني ممثلي "الترويكا الأوروبية" (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، الجمعة الماضية، أن من حقه مواصلة تخصيب اليورانيوم على أراضي الجمهورية الإسلامية فقط.وفي ليلة 13 يونيو/ حزيران الماضي، شنّت إسرائيل عملية ضد إيران، متهمة إياها بتنفيذ برنامج نووي عسكري سري، إذ استهدفت الغارات الجوية منشآتٍ نووية وجنرالات وعلماء فيزياء نووية بارزين، وقواعد جوية.بدورها، رفضت إيران هذه الاتهامات، وردّت بهجماتها الخاصة. وتبادل الطرفان الضربات لمدة 12 يومًا، وانضمت إليهما الولايات المتحدة، التي نفذت هجومًا لمرة واحدة على المنشآت النووية الإيرانية، ليلة 22 يونيو الماضي. بعد ذلك، شنّت طهران ضرباتٍ صاروخية على قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، مساء الـ23 من الشهر ذاته ، مؤكدةً أن الجانب الإيراني لا ينوي التصعيد أكثر.ثم أعرب ترامب عن أمله في أن يكون قصف القاعدة العسكرية الأمريكية في قطر، قد "أدّى إلى تفريغ غضب إيران"، وأن "طريق السلام والوئام في الشرق الأوسط أصبح ممكنًا الآن". كما قال إن "إسرائيل وإيران اتفقتا على هدنة من شأنها، بعد 24 ساعة، أن تنهي رسميًا حرب الأيام الـ12 يوما". إيران أخبار إيران الولايات المتحدة الأمريكية سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 2025 سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 الأخبار ar_EG سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 1920 1080 true 1920 1440 true 1920 1920 true سبوتنيك عربي +74956456601 MIA 'Rossiya Segodnya' 252 60 سبوتنيك عربي إيران, أخبار إيران, الولايات المتحدة الأمريكية, الاتفاق النووي الإيراني, أخبار العالم الآن, العالم العربي