الغرب يتغير، فهل يتغير العرب؟
وإذا كان الديمقراطيون أكثر «واقعية» في خطابهم السياسي تجاه منطقتنا رغم أفعالهم الظالمة على الأرض، إلا أن حركة MAGA الرافعة الشعبية للرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأت تطرح أسئلة مُلحّة وواضحة إزاء سياسة الإدارة الحالية تجاه الشرق الأوسط وإسرائيل والقضية الفلسطينية وغزة تحديدًا.
MAGA هي اختصار لشعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا» تضم مؤيدين حتى من خارج حزب الرئيس الجمهوري، وهو الشعار الذي طرحه ترامب في حملاته الرئاسية الثلاث.
الأسئلة المتصاعدة في الولايات المتحدة، وإن لم تصل إلى حشد الأغلبية، تنطلق من مصالح شباب الولايات المتحدة الباحثين عن انعكاسات عظمة أمريكا على واقعهم ومستقبلهم، ومدى ارتباط شعار الحملة بجعل إسرائيل، وليس الولايات المتحدة فحسب، عظيمة هي الأخرى.
أما السؤال الأبرز بالنسبة إلى بقية دول العالم، فهو عن عدالة الولايات المتحدة، وليس عن عظمتها.
لئلا يصيبنا الوهم مرةً أخرى، فالتغيير الأميركي قد يأخذ وقتًا أكثر مما نتمنى، وأقل مما تتطلبه سياسة الأمر الواقع الذي تعيشه منطقتنا جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، بدعمٍ لا محدود من الولايات المتحدة خاصةً، والغرب عامةً.
التغيير في أوروبا أكثر وضوحًا. علينا ألا ننسى إسبانيا التي فتحت الباب وكسرت حاجز الصمت والظلم. فرنسا تقود اليوم جهدًا أوروبيًّا في غاية الأهمية. تصاعد موقف ألمانيا والبرتغال ومالطا وتَتَروّى إيطاليا.
أما بريطانيا، فقد كان حديث وزير خارجيتها في نيويورك الأسبوع الماضي واضحًا، ولو تأخر أكثر من مئة عام، عندما تحدث عن وعد بلفور الذي أعطى اليهود وطنًا في فلسطين، وليس في كل فلسطين.
خلاصة موقف بريطانيا أنها تريد حلّ الدولتين وتعتزم الاعتراف بدولة فلسطين، وتنضم إلى الدول الأوروبية لبناء زخمٍ أوروبي عالمي، ما لم تقم إسرائيل بخطواتٍ ملموسة خلال أسابيع.
سياسات الرئيس الأميركي دفعت بكندا لاتخاذ خطوةٍ جريئةٍ وقويةٍ بإعلان نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر المقبل.
وبالرغم من تأني بعض الدول الأوروبية، إلا أن دولًا غربيةً وشرقيةً وازنةً تطورت مواقفها السياسية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومنها دول من الحلفاء التقليديين للغرب مثل أستراليا وكوريا الجنوبية.
على الطرف الآخر، لن يبقى سوى الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول التي لا تجرؤ على الخروج من دائرة الخوف والعقاب، والنتيجة ستكون انحيازًا عالميًّا واضحًا للقضية الفلسطينية، وستكون الولايات المتحدة وإسرائيل ضمن الأقلية في مواجهة طوفانٍ عالمي يعترف بفلسطين.
الغرب يتغير اليوم، فماذا عن العرب؟
اعتاد العرب إضاعةَ الفرص، عانوا لعقودٍ من تحالفاتٍ وأوهامٍ ووعودٍ وبطولاتٍ لم تسفر سوى عن مزيدٍ من الضعف والاختلاف والاقتتال.
العرب اليوم، والفلسطينيون خصوصًا، أمام فرصةٍ قد لا تتكرر، فالأوروبيون يتغيرون، وهم الجار الأقرب والأعرف بالمنطقة وخصائصها وأزماتها، بصرف النظر عما إذا كان موقفهم الجديد ناتجًا عن شعورٍ بالذنب التاريخي، أو عن الرغبة في النأي عن السياسات الأميركية، أو التخلص من أكذوبة اللاسامية، أو جراء الوحشية العنصرية الإسرائيلية، فإنهم يتغيرون.
على الفلسطينيين أن يتجاوزوا خلافاتهم ويتحدثوا بصوتٍ واحد وقرارٍ واحد، أن يكونوا بحجم المرحلة التي تواجه فيها قضيتهم العادلة أقسى التحديات، وألا يراهن أيٌّ منهم على أطرافٍ إقليميةٍ تضع مصالحها، لا مصالحهم، أهدافًا لتصرفاتها.
وعلى العرب، ولا سيما الدول القادرة على التأثير، الوقوف إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين صفًّا واحدًا، ونبذ أي خلافٍ لتجاوز المرحلة الأخطر في تاريخ المنطقة، والتي عصفت بأمتنا وقضيتنا المركزية.
على العرب أن يدركوا دور الأردن الكبير في هذه المرحلة الدقيقة، وجهود جلالة الملك والدبلوماسية الأردنية على الصعيد الدولي، وموقفه الصلب في مواجهة محاولات التهجير وحماية المقدسات، وكذلك إغاثة أهل غزة، ودعم صمود أهل الضفة الغربية، وفضح العدوان الإسرائيلي وجرائمه. هذه الجهود التي ساهمت بشكلٍ واضحٍ في التحرك الدولي تجاه المنطقة.
تحتاج مصر الشقيقة إلى تضامنٍ عربيٍّ قويٍّ كذلك، وليس غريبًا استهداف الأردن ومصر عبر الحملات الظالمة في الآونة الأخيرة ومحاولات تشويه موقفهما. فهذه الحملات لا تصب سوى في قناة الدعاية الصهيونية المتطرفة، وإن جاءت بألسنةٍ عربية، أصالةً أو وكالةً.
الأردن ومصر جارتا فلسطين وسندها الأول في مواجهة أحلام اليمين الإسرائيلي المتطرف ومخططاته التوسعية والتهجيرية.
صحيح أن الدولة الفلسطينية لن تقوم اليوم وتستقل غدًا، لكنها أصبحت أقرب إلى الواقع من أي وقتٍ مضى، فالأكثرية الساحقة من دول العالم ستعترف بها، رغم صلف الاحتلال وعنصريته، ورغم الدعم الأميركي اللامحدود اليوم، والذي سيغدو محدودًا في المستقبل القريب، لأنه سيكون وحيدًا، ولن تستطيع أي إدارة أميركية أن تبرر موقفها أمام شعبها الذي بدأ يستوعب ما يجري، ولا أمام الرأي العام العالمي الذي بات بأغلبيته الساحقة يدرك حجم الظلم الذي وقع على هذه المنطقة جراء زرع إسرائيل فيها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سواليف احمد الزعبي
منذ 4 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
مسؤولون سابقون في الموساد والشاباك يطالبون ترامب بإجبار نتنياهو على إنهاء الحرب
#سواليف طالب مسؤولون سابقون في ' #الموساد ' و' #الشاباك ' و #جيش_الاحتلال، في رسالة للرئيس الأمريكي دونالد #ترامب بالضغط على رئيس وزراء #الاحتلال بنيامين #نتنياهو لإنهاء الحرب بغزة، وفق ما نقلت صحيفة 'جيروزاليم بوست' الإسرائيلية. ونشرت الصحيفة، رسالة من رئيس 'الموساد' السابق تامير باردو ورئيس 'الشاباك' السابق آفي ديختر ونائب رئيس أركان جيش الاحتلال السابق ماتان فلنائي، والذين يديرون مجموعة 'قادة من أجل أمن إسرائيل' التي تضم أكثر من 600 من كبار المسؤولين الأمنيين السابقين. وكتبت المجموعة في الرسالة الموجهة إلى ترامب: 'أوقفوا حرب غزة! نيابة عن 'قادة من أجل أمن إسرائيل'، أكبر مجموعة من جنرالات جيش الاحتلال السابقين ونظرائهم في الموساد والشاباك والشرطة والسلك الدبلوماسي، نحثكم على إنهاء حرب غزة. لقد فعلتم ذلك في لبنان. حان الوقت للقيام بذلك في غزة أيضا'. وأضافت المجموعة: 'مصداقيتك لدى الغالبية العظمى من الإسرائيليين تعزز قدرتك على توجيه نتنياهو وحكومته في الاتجاه الصحيح: إنهاء الحرب، وإعادة الأسرى، ووقف المعاناة، وتشكيل تحالف إقليمي دولي يساعد السلطة الفلسطينية على تقديم بديل لسكان غزة وجميع الفلسطينيين بدلا من حماس وأيديولوجيتها المقاومة'. وعندما سُئلت المجموعة عما يجب أن يفعله ترامب إذا تجنبت حماس المفاوضات، أجاب كبار المسؤولين الدفاعيين أن ما تحتاج 'إسرائيل' إلى فعله هو الإعلان عن قبولها إنهاء الحرب مقابل إعادة جميع الأسرى المتبقين – وهو العرض الذي قدمته حماس باستمرار منذ بداية الحرب. كما تريد المجموعة أن تقبل 'إسرائيل' الإطار الدولي المقترح المتمثل في قيام مصر والإمارات والسعوديين وسلطة فلسطينية مُعاد تشكيلها بإدارة غزة بعد الحرب. وأخبر مسؤولون من المعارضة نتنياهو أنهم سيتدخلون للحفاظ على حكومته لفترة من الوقت إذا أبرم مثل هذه الصفقة مع حماس، لكنه رفض هذا الخيار أيضا. كما رفض نتنياهو منح السلطة الفلسطينية أي موطئ قدم في غزة، نظرا لأنه يعارض الآن بشدة أي اتجاه يعزز إمكانية قيام دولة فلسطينية، حتى لو كانت تحت إدارة السلطة الفلسطينية وليس حماس.

الدستور
منذ 7 ساعات
- الدستور
هل يفعلها ترامب
هل ذهب كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني من تلقاء نفسه باتجاه التصعيد ضد إسرائيل، بإعلان عزمه الاعتراف بدولة فلسطين من تلقاء نفسه، واستجابة لضغوط داخلية فقط أم بعد تشاور مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تذهب تقارير بريطانية الي تحول في موقف دونالد ترامب من أزمة غزة ، وأشارت إلى موقف ترامب الرافض لبيان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بشأن ما يحدث في غزة من «تجويع». واعتبرت الإندبندنت البريطانية ان إعطاءَ ترامب الضوء الأخضر للحكومة البريطانية لكي تعترف بدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة - أحد أكثر مفاجآت الرئيس الأمريكي أهمية. ورأت الإندبندنت أنّ إقدام قوى غربية على اتخاذ مثل هذه الخطوة الخاصة بالاعتراف بدولة فلسطينية، كان يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، أو على الأقل بنتائج غير بنّاءة، دون موافقة أمريكية فعّالة. ترى هل ذلك صحيح؟ وإذا كان كذلك فما الذي يعنيه هذا التحوّل المفاجئ في الموقف الأمريكي؟ وهل من الممكن أن تلقي واشنطن بثقلها وراء تسونامي الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ومحاولة الوصول لتسوية شاملة لأزمات الشرق الأوسط؟ وتبشر الإندبندنت في افتتاحية بعنوان: «أخيراً، ترامب يختلف مع الحكومة الإسرائيلية» بقولها إنّ الضغوط المكثفة من قِبل المجتمع الدولي يمكن أن تُثمر عن دخول المساعدات إلى قطاع غزة، لكنّ تدخُّلاً من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كفيلٌ بتمهيد الطريق للوصول إلى حلّ دائم واعتراف عالميّ بدولة فلسطينية. ويأتي ذلك بعد الإعلان في الأمم المتحدة عن الاتفاق على إطار زمني لإقامة دولة فلسطينية خلال 15 شهراً، و ضرورة إنشاء لجنة انتقالية في غزة فوراً تحت مظلة السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه اتفق المشاركون في مؤتمر حل الدولتين، المنعقد في نيويورك، على ضرورة «إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين»، بحسب ما جاء في بيان صادر عن المؤتمر، مشددين على أهمية الاعتراف بدولة فلسطين ومنحها عضوية كاملة بالامم المتحدة. وجاء في البيان أنه «لا يمكن تحقيق علاقات طبيعية وتعايش سلمي بين شعوب ودول المنطقة إلا بإنهاء الحرب في غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وإنهاء الاحتلال، ونبذ العنف والإرهاب، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وديمقراطية، وإنهاء احتلال جميع الأراضي العربية، وتوفير ضمانات أمنية متينة لإسرائيل وفلسطين». وشدد البيان على أنه «لا يمكن للحرب والاحتلال والنزوح تحقيق السلام»، و أن «حل الدولتين هو السبيل لتلبية تطلعات الإسرائيليين والفلسطينيين»، مشيراً إلى ضرورة «إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل». ودعا المشاركون في المؤتمر جميع الأطراف إلى الامتناع عن الإجراءات الأحادية التي تُعيق جهود السلام وتؤدي إلى تصعيد التوترات على الأرض، مشددين على أهمية استئناف مفاوضات جادة ومباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضمن إطار زمني محدد، بهدف التوصل إلى اتفاق دائم وشامل. وأعربوا عن دعمهم الكامل للمبادرات الإقليمية والدولية الهادفة إلى تيسير هذه العملية، بما في ذلك دور اللجنة الرباعية وشركاء دوليين معنيين. كما حث البيان المجتمع الدولي على تكثيف الجهود لتهيئة ظروف مواتية لتحقيق السلام، بما في ذلك تقديم الدعم الاقتصادي والمؤسسي للفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في غزة. وكشف المشاركون في المؤتمر عن «التزامهم باتخاذ خطوات محددة زمنياً لتنفيذ حل الدولتين»، مشيرين إلى أن «الإطار الزمني لتحقيق دولة فلسطينية هو 15 شهراً». وأشار البيان إلى ضرورة «تأمين اليوم التالي للفلسطينيين والإسرائيليين»، مضيفاً أنه «بغياب حل الدولتين سيتعمق الصراع». وأكد»رفض التهجير القسري للفلسطينيين»، داعياً إسرائيل إلى «إنهاء العنف والتحريض ضد الفلسطينيين»، كما دعا القيادة الإسرائيلية إلى «إصدار التزام علني واضح بحل الدولتين، بما يشمل دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للاستمرار»، والوقف الفوري للعنف والتحريض ضد الفلسطينيين، ووقف جميع أنشطة الاستيطان والاستيلاء على الأراضي، بما في ذلك داخل القدس الشرقية. وشدد البيان على «ضرورة الوقف الفوري للحرب في غزة، وإطلاق سراح الرهائن والمعتقلين، وانسحاب القوات الإسرائيلية» من القطاع، مشيراً إلى «الاتفاق على إجراءات جماعية لإنهاء الحرب في غزة». وأضاف أنه يتوجب على حركة حماس الإفراج عن الأسرى و»إنهاء حكمها في غزة»، معرباً عن إدانته لـ»هجمات حماس في 7 أكتوبر، وهجمات إسرائيل ضد المدنيين». ويبقى أن هذه الخطوة رغم جسارتها ربما لا تكفي، والأرجح أن ترامب لن يفعلها، وليس بمقدوره فرض التسوية الشاملة، بل سوف يراهن على إدارة الازمة، وشراء الوقت، وربما يحاول ترامب وستارمر وبقية أصدقاء إسرائيل امتصاص الغضب العارم داخل أمريكا، وبريطانيا وأوروبا، وبقية العالم من حرب الإبادة في غزة، وإدخال عملية إقامة الدولة الفلسطينية في مسار عملية طويلة. وفي المقابل ثمة قناعة راسخة في أوساط الرأي العام العربي والدولي، وحكومات عدة أن الطريق الوحيد لإقامة دولة فلسطينية هو فرض عقوبات دولية، وعزل إسرائيل كدولة عنصرية منبوذة مثل جنوب أفريقيا، ومحاكمة قادتها عن جرائم حرب غزة. ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وها هو ماكرون بدأ خطوة مهمة، ويجب على العالم العربي أن يدعم الخطوة الفرنسية بخطوات أكثر قوة، وأن يعلن بقوة أن لديه مصالح مهمة مهددة، وأن الغرب عليه أن يراعي استقراره، وأمنه القومي الذي تهدده إسرائيل، ولم يعد بمقدوره منح ترامب ونتنياهو هدايا مجانية، لأن الرأي العام غاضب بشدة من نفاق الغرب، ولا يريد إيماءات، ولا اقوال، بل أفعال محددة بزمن.

الدستور
منذ 7 ساعات
- الدستور
الحكومة تُعزز فرص التصدير إلى السوق الأميركي
عمان – ينال البرماوي إنجاز اقتصادي وسياسي حققه الأردن بالحصول على أدنى نسبة ارتفاع على الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات المتجهة إلى السوق الأمريكي بموجب قرار شمولي أصدره الرئيس دونالد ترامب في نيسان الماضي وبدأ بتطبيقه اعتبارا من يوم الجمعة الماضي الأول من آب 2025. وجاء هذا الإنجاز ثمرة لجهود ومفاوضات مكثفة قامت بها الحكومة خلال الأشهر الماضية تستند إلى عقود طويلة من تميز العلاقات بين البلدين والتي ترسخت بقيادة جلالة الملك، ما يجعل أي مسار تفاوضي أكثر سهولة بالشكل الذي يحقق مصلحة الأردن والإبقاء على المزايا التنافسية للصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكي وتعزيزها دون أن تتأثر بذلك القرار. ورغم المخاوف التي أبداها القطاع الخاص الأردني وخاصة الصناعيين - ولذلك ما يبرره من خسارة فرص تصديرية - فإن الرهان كان أكبر بقدرة الأردن على تخطي الآُثار المترتبة على زيادة الرسوم الأمريكية من خلال المسار التفاوضي الذي يعززه متانة العلاقات الثنائية واتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين البلدين منذ العام 2001 وساهمت في ارتفاع كبير للصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة وزيادة الجاذبية الاستثمارية للمملكة. والأردن كان رابع دولة في العالم والأولى عربيا في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة أدت إلى ارتفاع كبير في حجم صادرات الأردنية، والفائض التجاري يميل لصالح المملكة. وبموجب الرسوم الجمركية الأمريكية التي بدأ تطبيقها اعتبارا من يوم الجمعة الماضي، وبناء على الجهود والمفوضات المكثفة، فقد فرض على الأردن رسوم جمركية بنسبة 15%، وهي أدنى نسبة في القرار، فيما الدول الأخرى تضاف النسبة الجديدة إلى الرسوم السابقة التي كانت مفروضة عليها قبل اتخاذ القرار. كما أن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين أعطت مزايا تفضيلية للأردن، ذلك أن الرسوم الجمركية التي فرضت على معظم دول العالم تتراوح بين 15% و40% وبالتالي فإن هنالك هامشا كبيرا ما بين الرسوم المفروضة على الصادرات الأردنية وصادرات البلدان الأخرى، ما يعزز فرص زيادة تجارة الأردن إلى الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة. وسيساهم هذا الإنجاز في تحفيز الاستثمارات داخل الأردن خلال الفترة المقبلة في ظل تطلع كثير من رجال الأعمال والمستثمرين والشركات العالمية لدخول السوق الأمريكي ضمن رسوم جمركية أقل مما هو مطبق على البلدان الأخرى، وذلك بحكم اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية وما تشتمل عليه من مزايا متعددة إضافة إلى الامتيازات التي تمنح للمستثمرين وفق قانون البيئة الاستثمارية وما تم اتخاذه من قرارات مؤخرا كتسهيل عمليات منح الجنسية والإقامة المرتبطة بإقامة المشاريع الاستثمارية والودائع في البنوك المحلية. ما تحقق مهم وكان متوقعا منذ قرار الرئيس ترامب برفع الرسوم الجمركية على واردات بلاده من مختلف البلدان، ولكن تعظيم الاستفادة من هذه المزايا التنافسية يتطلب مضاعفة الجهود لدخول السوق الأمريكي وزيادة حجم الصادرات الوطنية من مختلف السلع في ضوء التطور الذي شهدته الصناعة الوطنية في السنوات الأخيرة وقدرتها على دخول كثير من الأسوق العالمية. وارتفع حجم التبادل التجاري بين الأردن والولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر الخمسة الأولى الأولى من العام الحالي ليصل إلى 1.521 مليار دينار مقابل حوالي 1.39 مليار دينار لذات الفترة من العام الماضي. وبلغ حجم الصادرات الوطنية إلى السوق الأمريكي 886 مليون دينار خلال 5 أشهر. ومن أهم الصادرات الأردنية إلى السوق الأمريكي الألبسة والأدوية والصناعات الهندسية والتكنولوجية. وقال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان فتحي الجغبير إن الصناعة الأردنية أثبتت قدرتها على المنافسة رغم التحديات وإن الميزان التجاري بين الأردن والولايات المتحدة حقق فائضاً بقيمة 877 مليون دينار (1.24 مليار دولار) في عام 2024، كما بلغت صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة 2.208 مليار دينار (3.12 مليار دولار)، مقارنة بـ 1.958 مليار دينار (2.77 مليار دولار) في عام 2023، بزيادة نسبتها 12.8%. في المقابل، بلغت قيمة واردات الأردن من الولايات المتحدة 1.331 مليار دينار (1.88 مليار دولار) في عام 2024، مقارنة بـ 1.161 مليار دينار (1.64 مليار دولار) في عام 2023، بزيادة نسبتها 14.6%. ونتيجة لذلك، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 3.539 مليار دينار (5.01 مليار دولار) في عام 2024، مقابل 3.119 مليار دينار (4.41 مليار دولار) في عام 2023. ومن الجدير التأكيد على أن التعامل مع قرار فرض رسوم جمركية على الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة والذي جاء في إطار شمولي وبنسبة متفاوتة على معظم البلدان جاء في إطار المصلحة الوطنية ومراعاة كافة الأبعاد المرتبطة به والنظرة العميقة لتاريخ ومستقبل العلاقات الأردنية الأمريكية التي تميزت في تطورها المستمر وخاصة في المجالات الاقتصادية وتكلل ذلك قبل حوالي 25 عاما بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة إلى جانب حزم المساعدات المالية والفنية المقدمة للمملكة والتي ساهمت في دعم الموازنة العامة وتخفيض عجزها وتنفيذ مشروعات استراتيجية ذات أولوية في العديد من القطاعات الأساسية وغير ذلك. أمام المنتجات الأردنية فرص متعددة لزيادة قدراتها التنافسية في مختلف الأسواق ومضاعفة جهودها التسويقية وتعظيم الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة الأردنية الأمريكية التي توفر فرصا متعددة لزيادة النفاذ إلى السوق الأمريكي إضافة إلى اتفاقيات التجارة الحرة الأخرى التي يرتبط بها الأردن بشكل ثنائي أو متعدد الأطراف. ويتجدد الحديث عن أهمية المساعي الحكومية لإيجاد أسواق تصديرية جديدة للمنتجات الأردنية في أفريقيا وتسهيل نفاذ المنتجات الوطنية إلى مختلف الأسواق. وتساهم برامج الدعم الحكومية في دعم تنافسية الصناعة الوطنية وزيادة قدراتها التصديرية.