
النكبة: اللحظة التأسيسية للانكسار العربي
لم تكن النكبة الفلسطينية العام 1948 حدثًا محليًا عابرًا. كانت بكل وضوح لحظة فارقة، أسست لمرحلة طويلة ما تزال ماثلة من الانكسار العربي الشامل. كانت، بالإضافة إلى اغتصاب أرض فلسطين العربية، اغتصابًا للوعي الجمعي العربي، وتحطيمًا لإرادة الفعل، وتكريسًا لحالة من العجز البنيوي في النظام السياسي العربي بطريقة سمحت بترسيخ كيان استعماري غريب في قلب المنطقة. وإذا مرض القلب فسد العقل، واضطرب الحكم، وغام البصر وعميت البصيرة.
اضافة اعلان
لم يكن العجز العربي الذي أدى إلى تضييع فلسطين تقنيًا بقدر ما كان في جوهره بنيويًا، ناجمًا عن غياب الديمقراطية، وتفكك الإرادة السياسية، وتقديم المصالح الضيقة على التطلعات القومية. وبعد النكبة تفجرت تناقضات العالم العربي، بلا انتهاء، بين شعارات التحرر وواقع التبعية؛ وبين خطابات السيادة وممارسات الخضوع. منذ تلك اللحظة، دخل العرب في دوامة من الانقسام والتآكل، وجرى بمرور الزمن تسليع فلسطين وتوظيفها كأداة في الصراعات الداخلية والخارجية، لتبرير القمع أو للمساومة السياسية.
اليوم، بعد مرور ما يقرب من ثمانية عقود، ما تزال النكبة تُختزل في «ذكرى» سنوية تُستعاد ربما للتظاهر وليس للتأمل. وهي تُعامل، كما يريد لها العدو أن تكون: كلحظة منتهية وماضٍ تام. لكنها لم تكن كذلك في أي لحظة، سواء بالنسبة للفلسطينيين أو العرب. كانت في الواقع بداية عملية شكلت الحاضر العربي كما هو الآن. لا يمكن فهم واقع الانحدار، ولا الهزائم المتلاحقة، ولا التفكك الاجتماعي والسياسي، من دون الإحالة إلى النكبة كمفتاح لتحليل الانهيار القومي، وتعطيل مشروع النهضة العربي لصالح تكريس وجود الكيان الصهيوني وتوسّعه.
إن ما نراه في راهن العالم العربي من صراعات طائفية، وضعف السيادة، وتفكك داخلي، يرتبط بشكل مباشر بتلك اللحظة التأسيسية في العام 1948، حين فُرض المشروع الاستعماري– الصهيوني بقوة السلاح وبغطاء دولي، في غياب مقاومة عربية موحدة وفاعلة. ومنذ ذلك الحين، تحوّلت فلسطين إلى رمز للمأساة والتواطؤ الدولي، وتم استخدام الصراع لتفكيك بنية الأمة من الداخل، بينما عزز فشل النظام العربي شعور الشعوب بالخذلان وفقدان الثقة.
لم يكن التفوق العسكري للعصابات الصهيونية وحده هو الذي أنتج النكبة. كانت النكبة نتاجًا لتآمر استعماري دولي وتواطؤ داخلي رسمي. وقد مهدت هشاشة النظام العربي الطريق أمام العصابات الصهيونية، وأدخلت المنطقة في مرحلة طويلة من القبول الضمني بالهزيمة، سواء بالتسويات الفاشلة أو التطبيع المجاني. وبذلك، لا يُقتصر فهم النكبة على سرد وقائع النكبة نفسها بقدر ما يتطلب فهم السياق الذي جعلها ممكنة، والواقع الذي يجعلها مستمرة.
لم تنته النكبة بخروج الفلسطينيين في العام 1948. وليس ما يجري في غزة والضفة، وفي القدس والمخيمات من اضطهاد وإذلال وإبادة؛ وما نراه من تهويد واستيطان وفقر وتهميش، سوى امتداد مباشر لتلك اللحظة الأصلية. وهي تتعمق وتترسخ كلما تم تغييبها عن الوعي العربي واختزالها في خطاب مناسباتي من دون مشروع وعي ولا تحليل ولا مقاومة. وكان حذف تاريخ النكبة من المناهج المدرسية وتهميشها في الخطاب العام جهدًا غير بريء للتبرؤ من اللوم وقطع السياق عن مقدماته. ولذلك، على المثقفين مسؤولية تثقيف الأجيال بالنكبة كضرورة استراتيجية لفهم آليات السيطرة التي ما تزال تحكم الإقليم: من الحدود المصطنعة، إلى الأنظمة المفروضة، إلى الخطاب الإعلامي المشوَّه، وصولًا إلى تطبيع الوحشية الإبادية التي يمثلها الوجود الاستعماري نفسه.
لا يمكن أن ينجح أي مشروع نهضوي عربي حقيقي ما لم تتم استعادة الوعي بالنكبة باعتبارها لحظة كاشفة لجذور التبعية، والنفسية المهزومة، وفقدان السيادة، والقطوع الأفقية والعمودية في بنية المجتمعات العربية. ولم يكن تحويل فلسطين إلى «قضية فلسطينية» فقط، سوى مساهمة في تغطية الكارثة، وطريقة للتخلي عن المسؤولية التاريخية والجمعية. وكما لم تكن النكبة ممكنة من دون الغطاء الدولي، فإن استمرارها اليوم غير ممكن من دون الصمت العربي عن ذبح العرب وتعميق تدجينه وتطبيع عجزه –وهو كله من نتاجات النكبة.
ينبغي استعادة مركزية النكبة لا كاستغراق في الماضي، بل كضرورة لفهم الحاضر وتفسير اختلالاته: من تصاعد الاستبداد، إلى انهيار التضامن العربي، إلى الوقوع في فخ الاستعمار الجديد. وكما كانت النكبة لحظة تأسيسية للانحدار، فإن استعادتها بهذه الصفة ستكون لحظة تأسيسية لتغيير المسار وتصحيح الخلل -وشفاء القلب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
67 يوما على عودة الحرب .. عشرات الشهداء والجرحى واستهداف عناصر حماية المساعدات
واصلت طائرات الاحتلال قصفها لمختلف مناطق قطاع غزة في اليوم 67 لعودة الحرب مخلفة أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى. وأدت الغارات الإسرائيلية إلى استشهاد أكثر من 85 مواطن منذ فجر اليوم الخميس. واستهدف جيش الاحتلال عناصر حماية المساعدات بسلسلة من الغارات الجوية. وسط قطاع غزة واستشهد ستة مواطنين وأصيب عدد آخر جراء قصف طائرات الاحتلال عناصر تأمين المساعدات أثناء محاولتهم التصدي للصوص قرب 'رمزون' دير البلح وسط قطاع غزة. واستشهد مواطنان بقصف إسرائيلي مساء الخميس استهدف تجمع للمواطنين بمنطقة البركة بدير البلح. وارتقى أربعة شهداء في استهداف منزل لعائلة البربراوي في مخيم المغازي وسط القطاع وهم محمد منال الدباكي، حاتم البربراوي، علاء البربراوي وهاشم البربراوي. غزة وشمال القطاع وارتكب جيش الاحتلال مجزرة في جباليا البلد شمال قطاع غزة. وقال الدفاع المدني إنه انتشل جثامين أربعة شهداء وأن هناك نحو خمسين مفقود بقصف طائرات الاحتلال منزلاً مكوناً من أربع طوابق يعود لعائلة 'دردونة' في جباليا البلد شمال قطاع غزة. وارتقى أربعة شهداء بينهم طفلتان وامرأة باستهداف طائرات الاحتلال شقة سكنية قرب مفترق عبد العال على شارع الجلاء بمدينة غزة. وأصيب عدد من المواطنين في قصف منزل لعائلة عليوة في محيط مركز الشرطة بحي الزيتون شرقي مدينة غزة. جنوب قطاع غزة واستشهد طفل وطفلة وأصيب عدد آخر في قصف شقة في مخيم خان يونس وهما: الطفلة هبة نايف غازي أبو عكر والطفل محمد نايف غازي أبو عكر. واستشهد اثنان من المواطنين ومصابون في قصف من مسيرة إسرائيلية على خيمة شمال بئر زنون غرب خان يونس. وأعلنت وزارة الصحة بغزة أنه وصلت مشافي القطاع خلال الـ 24 ساعة الأخيرة 107 شهيد و 247 مصاب. وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 53762 شهيد و 122197 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م. وبلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 بلغت (3613 شهيد 10156 إصابة).


الغد
منذ ساعة واحدة
- الغد
الأصوات الإسرائيلية المعارضة لحرب غزة.. هل تضع الاحتلال بمواجهة مع المجتمع الدولي؟
محمد الكيالي اضافة اعلان عمان – في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تشتد الاتهامات الموجهة للاحتلال بارتكاب أعمال ترقى لمستوى الإبادة الجماعية، وتكريسها نهجا يقوم على العنف الممنهج والتدمير الواسع.ولم يعد هذا الاتهام حكرا على الأصوات الدولية أو النشطاء الحقوقيين، بل بات يتردد أيضا على لسان شخصيات إسرائيلية بارزة من داخل المؤسسة السياسية والعسكرية السابقة، ما يكشف عن تصدعات داخلية تعكس حالة ارتباك عميقة في بنية القرار الإسرائيلي.ويعكس تنامي هذه الأصوات المعارضة قلقا حقيقيا من أن استمرار الحرب بمظاهرها الحالية لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل يضع الكيان بمواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي ويقوض سرديتها التقليدية كدولة ديمقراطية تنتمي إلى الفضاء الغربي.ومع تراجع التأييد الدولي بخاصة من بعض القوى الأوروبية، تحاول بعض النخب الإسرائيلية التنصل من سياسات حكومة نتنياهو سعيا لدرء المحاسبة القانونية وحماية صورة الدولة.في هذا السياق، أكد مراقبون أن جزءا من هذه التصريحات ليس نابعا من دافع أخلاقي بحت، بل من حسابات سياسية دقيقة تهدف لعزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتحميله منفردا تبعات الحرب تفاديا لاتهام دولة الاحتلال كمؤسسة سياسية بارتكاب جرائم حرب.مساع لعزل نتنياهوسياسيا وقانونياورأى المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي د. منذر الحوارات، أن التصريحات المتزايدة داخل الاحتلال والتي تندد بما يجري في قطاع غزة وتنتقد أداء حكومة بنيامين نتنياهو، تحمل بطياتها مؤشرات سياسية عميقة قد تؤثر على مستقبل الحكومة الإسرائيلية ومسار أي اتفاق محتمل، لاسيما في ما يتعلق بصفقة التبادل مع حركة حماس.وأوضح، أن هذه المواقف تعكس بداية تصدع في الإجماع الداخلي حول استمرار الحرب خصوصا في أوساط النخب العسكرية، وقد تمتد لتشمل قطاعات سياسية وإعلامية يهودية بدأت تصف ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية.وفي الوقت ذاته، شدد 'على ضرورة فهم هذه التصريحات ضمن سياقها السياسي، فهي ليست تعبيرا عن صحوة أخلاقية بقدر ما هي محاولة مدروسة لعزل نتنياهو عن الكيان الصهيوني'.وأضاف الحوارات أن هناك جهات داخل الاحتلال تحاول التمايز أخلاقيا عن سياسات رئيس الحكومة، بهدف حماية الدولة من المحاسبة أمام المحاكم الدولية، وخصوصا المحكمة الجنائية الدولية.وقال 'يجري هذا التمايز عبر تحميل نتنياهو وحده مسؤولية الجرائم لتفادي اتهام دولة الاحتلال ككيان سياسي'.وأشار إلى أن هذه الجهود تُدار بمهارة سياسية عالية والهدف منها تقويض شرعية نتنياهو داخليا تمهيدا لإزاحته، إما عبر انتخابات مبكرة أو من خلال إعادة تشكيل الائتلاف الحكومي.ولفت الحوارات إلى أن هذا التوجه يحظى باهتمام خاص من قوى دولية، خاصة داخل الولايات المتحدة، التي بدأت تراجع دعمها غير المشروط لحكومة نتنياهو في ظل تزايد الخلافات بين القيادة العسكرية والحكومة السياسية.ونبه إلى أن هذه التصريحات لا تعبر بالضرورة عن تحول أخلاقي في مواقف المؤسسة الإسرائيلية، بل هي جزء من إعادة تموضع سياسي يهدف لإنقاذ صورة الدولة دوليا، والتأكيد على قدرتها على محاسبة المسؤولين داخليا دون الحاجة إلى تدخل القضاء الدولي.وشدد الحوارات على أن كل هذه التحركات تصب في اتجاهين: الأول عبر دفع نتنياهو نحو التراجع أو الخروج من المشهد السياسي؛ والثاني عبر التمهيد لعقد صفقة تبادل شاملة قد تتضمن وقفا طويل الأمد لإطلاق النار، مع ضمانات داخلية بمحاكمة بعض القادة الإسرائيليين لتفادي الملاحقة القضائية الدولية وتأكيد أن دولة الاحتلال قادرة على محاسبة مجرمي الحرب ضمن أطرها القضائية الخاصة دون تدخل من محاكم دولية.أزمة داخلية لدى الكيانبدوره، أشار الباحث والمحلل السياسي جهاد حرب، إلى أن التصريحات المتكررة التي تصدر عن عدد من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين السابقين، تعكس بوضوح عمق الأزمة التي تمر بها دولة الاحتلال في ما يتعلق بمواصلة حربها الجارية.ولفت إلى أن هذه المواقف تُظهر تراجع الثقة الداخلية خصوصا مع تنامي الانطباع بأن دوافع الحرب لم تعد دفاعية، بل أصبحت مرتبطة بطموحات ومصالح شخصية لنتنياهو.وأوضح حرب أن نظرة المجتمع الإسرائيلي إلى هذه الحرب بدأت تتبدل، حيث لم تعد تُعد حربا عادلة أو ضرورية لأمن المواطنين ولا حتى عملا انتقاميا مبررا لما وقع في 7 أكتوبر 'تشرين أول'.واعتبر أن هذا التحول في المزاج الشعبي ينعكس بزيادة الانتقادات الموجهة لنتنياهو والتي قد تمثل بداية لتحرك مجتمعي أوسع ضد الحكومة الحالية.وأضاف حرب أن ما يميز هذه التصريحات ليس فقط مضمونها بل الجهة التي تصدر عنها.وقال إنها 'جاءت على لسان شخصيات بارزة سبق أن كانت جزءا من البنية الرسمية لدولة الاحتلال ومن أصحاب القدرة على التأثير في الخطاب السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية'.ويرى حرب أن هذه الأصوات تعكس قلقا داخليا حقيقيا، بخاصة في ظل تراجع المكانة الأخلاقية لإسرائيل على الساحة الدولية.وتابع أن هذا الانحدار في صورة الكيان الصهيوني بات واضحا مع التغير في مواقف عدد من الدول وخصوصا الأوروبية منها، التي بدأت تعيد النظر في دعمها غير المشروط.وقال 'مع هذا التغير، يُتوقع أن تتزايد انتقادات النخبة الإسرائيلية السابقة للحكومة، ليس بدافع التعاطف مع الجانب الفلسطيني وإنما انطلاقا من الخشية على مصير الاحتلال السياسي والدبلوماسي'.وأكد حرب أن ما يقلق هذه النخبة هو فقدان الاحتلال لصورتها كدولة تنتمي إلى المنظومة الغربية تتبنى القيم الليبرالية والديمقراطية وتحظى بقبول عالمي، لتجد نفسها في موقع الدول التي لا تشارك الغرب مفاهيمه، وربما تصبح عرضة للعزلة أو الملاحقة كما هو حال دول العالم النامي وهو ما يمثل تهديدا مباشرا لما كانت تعده دولة الاحتلال أحد أهم أعمدة شرعيتها الدولية.


الغد
منذ 3 ساعات
- الغد
جيش الاحتلال يقتحم بروقين وعشرات المستوطنين يعتدون على سكان البلدة
اضافة اعلان تزامن ذلك مع مهاجمة عشرات المستوطنين للبلدة وإحراق منازل ومركبات الفلسطينيين هناك، وسط اعتداءات واسعة على سكان البلدة.وقالت مصادر فلسطينية إن "جيش الاحتلال الإسرائيلي اقتحم بلدة بروقين بعدد من الآليات العسكرية وأغلق عددًا من الشوارع داخل البلدة، وباشر بعمليات تفتيش شملت عددًا من المنازل".وأشارت إلى أن قوات الاحتلال أخذت قياسات بيت الأسير ماهر سمارة، بعد يوم من أخذ قياسات بيت ابن عمه نائل سمارة الذي قتله جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق، في بلدة بروقين غربي سلفيت، قبل أن ينسحب منها.وانسحب جيش الاحتلال، في الساعات الأولى من مساء الخميس، من بروقين غربي سلفيت بعد اقتحامها منذ نحو 9 أيام، قتل خلالها شابًا بدعوى أنه المسؤول عن تنفيذ عملية إطلاق نار وقعت قرب سلفيت، وأدت لقتل مستوطِنة.وتعرضت المستوطنة تسيلا جيز لإطلاق النار يوم الأربعاء قبل الماضي، قرب مستوطنة بروقين، وأُعلنت وفاتها في المستشفى، حيث وُلد طفلها بعملية قيصرية.وفجّرت عملية بروقين، التي نفذها مسلح فلسطيني قرب سلفيت بالضفة الغربية، ليل الأربعاء، غضب الأوساط اليمينية الإسرائيلية، وسط دعوات لإجراءات عقابية شديدة وواسعة بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.