
أخبار العالم : بلاد الشام: هل كان لبنان حقاً جزءاً من سوريا؟
نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
مصطلح بلاد الشام كان يُستخدم لوصف مساحة شاسعة من الأرض في غرب قارة آسيا
Article Information Author, محمد عبد الرؤوف Role, بي بي سي عربي
قبل 3 ساعة
عاد مصطلح "بلاد الشام" ليثير الكثير من الجدل بعد التصريح الذي أدلى به مؤخراً المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توماس باراك، الذي حذّر من "عودة لبنان إلى بلاد الشام" في حال لم يسارع إلى حل مشكلة سلاح حزب الله، مشيراً إلى حقيقة تغير النظام الحاكم في سوريا.
ورغم أن باراك سرعان ما شدّد لاحقاً على أنه يعتقد أن قادة سوريا الجدد "لا يريدون سوى التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان"، إلا أن هذا لم يحُلْ دون عاصفة النقاش حول تصريحات المبعوث الأمريكي ومصطلح بلاد الشام.
فما الذي يعنيه مصطلح بلاد الشام؟ وما تاريخ التقسيم السياسي لتلك المنطقة؟
لمتابعة أهم الأخبار وأحدث التطورات في منطقة الشرق الأوسط، انضم إلى قناتنا على واتساب (اضغط هنا).
ساحة صراع
بلاد الشام هو مصطلح جغرافي وتاريخي كان يُستخدم لوصف مناطق واسعة تشمل اليوم: سوريا ولبنان والأردن وفلسطين التاريخية، وأحياناً كان يشمل أجزاء من جنوب تركيا وشمال السعودية وشبه جزيرة سيناء في مصر.
خضعت هذه المنطقة، الواقعة في غرب آسيا، لسيطرة العديد من الإمبراطوريات الكبرى عبر التاريخ، مثل المصرية القديمة، والآشورية، والبابلية، والفارسية، والإغريقية، والرومانية.
ونظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كانت هذه الرقعة الشاسعة من الأرض مسرحاً لصراعات كبرى بين قوى وإمبراطوريات متنافسة، مثل المواجهات بين المصريين القدماء، في عهد تحتمس الثالث، وشعوب كنعانية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أو الحرب بين الإمبراطورية البيزنطية (الرومانية الشرقية) والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) في القرن السابع الميلادي، وهي الحرب التي ورد ذكرها في القرآن في سورة الروم.
وفي القرن السابع الميلادي، ومع انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية، انطلقت حملات الفتح الإسلامي التي بسطت سيطرتها على مساحات واسعة من آسيا وأفريقيا، وامتدت لاحقاً إلى أجزاء من أوروبا.
ومع انتشار الإسلام واللغة العربية، بدأ يترسّخ مصطلح "بلاد الشام" في الأدبيات العربية.
وهناك عدة تفسيرات لإطلاق اسم الشام على تلك المنطقة من الأرض، فمنها ما يربط بين التسمية واشتقاقات قديمة قد تكون مرتبطة بالسماء في بعض اللغات السامية، كذلك هناك ما يربط بينها وشخصية سام بن نوح المذكورة في التوراة، كما يرجع البعض التسمية إلى كون تلك المنطقة تقع على يسار(شِمال) مكة من جهة شروق الشمس بينما يقع اليمن على اليمين.
أما في المصادر الغربية، فكانت تُعرف بعدة مصطلحات من بينها "ليفانت" (Levant) و"سوريا"، وهو الاسم الذي ورد في كتابات قديمة، مثل كتاب التاريخ للمؤرخ اليوناني هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد.
عاصمة الأمويين
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
صورة للمسجد الأموي أحد أهم معالم دمشق التي كانت عاصمة للدولة الأموية
ازدادت أهمية المنطقة بعد أن اتخذ الأمويون من دمشق عاصمةً لدولتهم التي استمرت نحو تسعين عاماً.
وبعد سقوط الدولة الأموية وصعود العباسيين إلى الحكم، نُقلت عاصمة الخلافة الإسلامية إلى بغداد، فتراجعت المكانة السياسية لدمشق لصالح العاصمة الجديدة. ومع ذلك، شهد العصر العباسي، الذي امتد قروناً، صعود مدينة حلب كمركز سياسي وثقافي بارز، نافس دمشق على النفوذ في بلاد الشام.
وتشير كتب التاريخ الإسلامي إلى أن بلاد الشام في العهد العباسي لم تكن تُدار كوحدة سياسية موحدة تحت سلطة والٍ واحد، بل قُسمت إلى كيانات إدارية متعددة، مثل ولايتي دمشق وحمص، وكان لكل منهما والٍ مستقل.
ومع تراجع نفوذ الخلافة العباسية، برزت في بلاد الشام إمارات وممالك محلية، بعضها تمتّع باستقلال شبه تام، وبعضها الآخر خضع للخلافة اسمياً فقط، بينما خضعت أجزاء من الشام لسيطرة الفاطميين، الذين نافسوا العباسيين في الشرعية الدينية والسياسية.
كذلك شهدت فترة الخلافة العباسية خسارة المسلمين للسيطرة على مناطق مختلفة في بلاد الشام، كما حدث أثناء الحروب الصليبية التي امتدت نحو مئتي عام.
وبعد رحيل الصليبيين عن الشرق عام 1291، آلت السيطرة على بلاد الشام إلى دولة المماليك في مصر، التي واصلت تقسيم المنطقة إلى عدة وحدات إدارية، كانت في الغالب ستّ وحدات، عُرفت بـ'نيابات' أو 'ممالك'، من بينها دمشق وحلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك.
وكانت صيدا وبيروت تتبعان نيابة دمشق.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
تزايدت أهمية حلب في العصر العباسي
العثمانيون
جاء القرن السادس عشر الميلادي حاملاً معه صعود قوة جديدة. فالأتراك العثمانيون هزموا المماليك ليؤسسوا إمبراطورية ستهيمن لقرون على أغلب بلدان العالم الإسلامي، ومن بينها منطقة بلاد الشام.
وبحسب المؤرخ اللبناني شارل الحايك، في مقابلة مع بي بي سي عربي، فإن المنطقة الجغرافية التي تعرف باسم بلاد الشام كانت مقسمة في زمن العثمانيين إلى عدة وحدات سياسية تغيّر شكلها وترتيبها كثيراً، لكن لأطول وقت كانت هناك أربع وحدات إدارية كبرى (إيالات) - وهي إيالة حلب، وإيالة دمشق، وإيالة طرابلس، وإيالة صيدا.
وكانت كل إيالة تتشكل من وحدات إدارية أصغر يُطلق عليها "سنجق".
فبيروت مثلاً ظلت لفترة طويلة زمن العثمانيين سنجقاً تابعاً لولاية صيدا.
وبمرور الزمن بدأ نفوذ الدولة العثمانية في التراجع، ليفسح المجال أمام تنامي النزعات الاستقلالية، كما حدث في عهد والي مصر محمد علي (1805–1848)، حين سيطرت قواته على بلاد الشام فيما عُرف بالحكم المصري (1831- 1841).
ثم جاءت الأحداث الكبرى التي شهدها القرن التاسع عشر لتُلقي بظلالها على التقسيم الإداري لتلك المنطقة.
فبداية من عام 1850 وقعت أعمال عنف طائفية دموية في حلب، ثم في جبل لبنان ودمشق بعد 10 سنوات، راح ضحيتها أعداد كبيرة من المسيحيين، ما أثار موجة غضب في أوروبا.
وعقب تلك الأحداث الدموية، وتحت ضغوط أوروبية، قرّرت السلطة العثمانية إحداث تغييرات في النظام الإداري للوحدات التي كانت تتشكل منها منطقة المشرق، فبدأت بإنشاء وحدة إدارية هي متصرّفية جبل لبنان، التي كانت تتمتع بنوع من الحكم الذاتي يحكمها زعيم مسيحي ليس من أبناء منطقة الجبل.
ثم في عام 1864، أُسّست ولاية سوريا التي ضمت الكيانات الإدارية لدمشق وطرابلس وصيدا.
ويقول شارل الحايك إنّ إطلاق اسم سوريا على الولاية الجديدة يعكس وعياً تاريخياً لدى النخب المحلية التي اقترحت هذا الاسم.
وبحسب كتاب المؤرخ البريطاني يوجين روغان "أحداث دمشق: مذبحة عام 1860 وتشكيل الشرق الأوسط الجديد"، فإن دمشق وبيروت تنافستا على نيل شرف أن تكون إحداهما عاصمة ولاية سوريا بشكلها الجديد، قبل أن يستقر العثمانيون على دمشق.
ثم عاد العثمانيون وعدّلوا من شكل التقسيم الإداري لمنطقة الشرق العثماني، فأعلنوا تأسيس متصرفية القدس، ثم لاحقاً أسسوا وحدة إدارية جديدة هي ولاية بيروت، التي ضمت الأراضي التي كانت ضمن ولايتي صيدا وطرابلس.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
صورة لميناء بيروت في أواخر القرن التاسع عشر
الحرب العالمية الأولى وتأسيس لبنان وسوريا
مثلما كان للقرن التاسع عشر تأثير كبير على منطقة المشرق العثماني، فإن القرن العشرين بدوره حمل الكثير من رياح التغيير.
فالدولة العثمانية انخرطت في الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) بجانب ألمانيا وإمبراطورية هابسبورغ (التي كانت تضم أساساً النمسا والمجر) ضد معسكر بريطانيا وفرنسا وروسيا، ولاحقاً الولايات المتحدة، لتشهد منطقة الشرق الأوسط معارك عنيفة.
ومن بين الأحداث الكبرى، الانتفاضة التي قادها حاكم مكة، الشريف حسين، ضد العثمانيين، مدعوماً من قبل بريطانيا.
ومع انتهاء الحرب وسيطرة بريطانيا وفرنسا على الأراضي التي كانت تابعة للعثمانيين، بدت منطقة الشرق الأوسط على أبواب تغيير كبير، خاصة في ظل الوعود المتضاربة التي قطعتها الدول المنتصرة، خاصة بريطانيا، خلال الحرب.
فبريطانيا تعهدت للشريف حسين بدعمه في تأسيس دولة عربية مستقلة، كما أبرمت اتفاقاً سرياً مع فرنسا وروسيا القيصرية (اتفاق سايكس-بيكو) على تقسيم مناطق النفوذ في الشرق العثماني، بجانب وعد بلفور الخاص بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وفي خضم هذه الأحداث المتلاحقة، ظهرت تيارات سياسية في منطقة المشرق تباينت مواقفها حيال مستقبل المنطقة.
فأنصار الاستقلال كانت تحذوهم الكثير من الآمال والتطلعات لمبدأ حق تقرير المصير الذي تبناه الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون. ومما يدل على قوة هذه الآمال أن أحد أبرز رموز السلفية المعاصرة، الشيخ محمد رشيد رضا، المولود في القلمون بطرابلس، كتب مقالاً يمتدح فيه بشدة ويلسون، بحسب ما جاء في كتاب "كيف سرق الغرب الديمقراطية من العرب" للمؤرخة إليزابيث تومسون.
في المقابل، ظهرت في جبل لبنان أصوات، خصوصا في الأوساط المارونية، تدعو إلى قيام كيان مستقل عن باقي ولايات الشام، بدعم من فرنسا.
وفي عام 1920 أعلن عن إنشاء مملكة سوريا على أجزاء من ولايتي دمشق وحلب تحت حكم الأمير فيصل (الملك فيصل لاحقا).
لكن تجربة المملكة السورية الوليدة لم تدم سوى لأشهر، إذ تعارضت مع تفاهمات دولية تم الاتفاق عليها في مؤتمر سان ريمو، وتم تطبيقها لاحقاً بالقوة العسكرية، لتخضع الأراضي الواقعة حالياً في سوريا ولبنان لسلطة الانتداب الفرنسي، بينما خضعت فلسطين لسلطة الانتداب البريطاني.
صدر الصورة، Getty Images
التعليق على الصورة،
لم تستمر المملكة السورية التي تولى عشرها الأمير فيصل بن الشريف حسين (الملك فيصل ملك العراق لاحقا) سوى بضعة أشهر
وفي عام 1920، أعلنت فرنسا إنشاء لبنان الكبير، الذي ضم، بجانب جبل لبنان، مناطق متعددة من بينها بيروت وطرابلس وصيدا، وهو لبنان الذي نعرفه بشكله الحالي.
أما في سوريا، فقد تم تقسيم المنطقة إلى عدة دويلات: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة الساحل، ودولة جبل العرب.
وفي عشرينيات القرن العشرين، اندلعت ثورة في المناطق السورية ضد الانتداب الفرنسي، قبل أن يتم إعلان دولة سورية موحدة عام 1930.
وبعد استقلال لبنان وسوريا عن فرنسا في أربعينيات القرن العشرين، شهدت العلاقات بين البلدين العديد من التطورات الهامة التي أسفرت عن تداخل كبير في مصائرهما، فخلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية وما أعقبها، كان لسوريا نفوذ سياسي وعسكري كبير في لبنان.
وفي عام 2005 انسحب الجيش السوري من لبنان بعد تنامي الضغوط الدولية على دمشق، خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
كذلك، فإن حزب الله اللبناني شارك بجانب قوات الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الصراع ضد المعارضة المسلحة، وهو الصراع الذي انتهى في عام 2024 بسقوط حكم الأسد.
لكن هل يمكن لهذا التاريخ الثري والمتداخل لتلك المنطقة أن يبرر الحديث عن عودة سياسية لبلاد الشام؟
يقول المؤرخ اللبناني شارل الحايك إن أصحاب هذا الطرح يعتمدون على "قراءات خيالية ليس لها علاقة بالتاريخ. فالمغالطة هنا تكمن في اعتبار بلاد الشام مصطلحاً يدل على كيان سياسي، وهو أمر غير صحيح. فلبنان وسوريا لم ينشآ كدولتين بالمعنى الحديث إلا بعد الحرب العالمية الأولى".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ 44 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : كل ما تريد معرفته عن انتخابات مجلس الشيوخ المصري
الجمعة 1 أغسطس 2025 08:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، Khaled DESOUKI / AFP via Getty Images قبل ساعة واحدة رحاب إسماعيل – القاهرة انطلق اليوم الجمعة التصويت في انتخابات مجلس الشيوخ المصري للمصريين في الخارج على مدار يومين، عبر 136 سفارة وقنصلية حول العالم. ومن المقرر أن يتبعه تصويت المصريين في الداخل يومي الإثنين والثلاثاء المقبلين، الموافقين للرابع والخامس من أغسطس/آب الجاري. ما هي انتخابات مجلس الشيوخ المصري؟ هي استحقاق دستوري يجرى كل خمس سنوات لانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ. وقد أُعيد المجلس (المعروف باسم مجلس الشورى سابقا) إلى الحياة النيابية بموجب التعديلات الدستورية التي أجرتها مصر عام 2019. ويتولى المجلس دراسة واقتراح ما يراه كفيلا بتعزيز الديمقراطية ودعم السلام الاجتماعي، بالإضافة إلى إبداء الرأي في تعديلات الدستور ومشروعات القوانين المحالة إليه وفقا لأحكام القانون. ما هو نظام الانتخابات؟ يتألف مجلس الشيوخ من 300 عضو، يُنتخب ثلثاهم (200 عضو) عبر الاقتراع العام السري المباشر، بينما يعين رئيس الجمهورية الثلث المتبقي (100 عضو). ويتم انتخاب الأعضاء المائتين بنظام مختلط يجمع بين النظامين الفردي والقائمة المغلقة، كالتالي: 100 مقعد بالنظام الفردي: يتنافس عليها المرشحون في 27 دائرة انتخابية على مستوى الجمهورية. 100 مقعد بنظام القوائم: يتم التنافس عليها من خلال 4 قوائم مغلقة على مستوى الجمهورية، مع تخصيص ما لا يقل عن 10% من إجمالي مقاعد المجلس للمرأة. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، KHALED DESOUKI/AFP via Getty Images ما هي الأحزاب المشاركة في انتخابات 2025؟ تشهد الانتخابات تنافسًا بين عدد من الأحزاب والتحالفات السياسية، أبرزها "القائمة الوطنية من أجل مصر"، التي يقودها حزب "مستقبل وطن"٬ صاحب الأغلبية البرلمانية الحالية، وتضم تحالفا يشارك فيه نحو 12 حزبا سياسيا، من بينهم: حزب حماة الوطن٬ حزب الشعب الجمهوري٬ الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي٬ حزب الوفد٬ حزب التجمع٬ حزب العدل٬ تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين. ما تأثير وجود قائمة واحدة فقط على المنافسة؟ من أبرز الملاحظات في انتخابات مجلس الشيوخ الحالية هو أن "القائمة الوطنية من أجل مصر" تخوض السباق على مقاعد القوائم المائة دون أي منافس، مما يطرح تساؤلات حول مدى التنافسية في هذا المسار الانتخابي. قانونيًا، يعني هذا أن القائمة ستفوز على الأرجح بالتزكية. فوفقا للمادة 25 من قانون مجلس الشيوخ رقم 141 لسنة 2020، "إن لم يتقدم في الدائرة الانتخابية المخصصة للقوائم إلا قائمة واحدة، يعلن انتخاب القائمة بشرط حصولها على نسبة (5%) على الأقل من أصوات الناخبين المقيدين بتلك الدائرة". وإذا لم تحقق هذه النسبة، يعاد فتح باب الترشح من جديد. ولتفسير هذا المشهد، يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريحات لـبي بي سي، أن السبب في وجود قائمة واحدة يعود إلى أنها "محسوبة على الدولة"، حيث تضم أحزابا دعمت السلطة نشأتها، مما يقلل من قدرة الكيانات الأخرى على تشكيل قائمة منافسة. لكن على النقيض من ذلك، يعتقد ربيع أن المنافسة ربما تظهر بشكل أكبر في السباق على المقاعد الفردية، خاصة مع وجود أكثر من 400 مرشح يمثلون حوالي 35 حزبا، وترتفع نسبة المرشحين المستقلين بينهم إلى ما يزيد عن 40%. وبحسب ربيع، كان بإمكان كيانات أخرى، مثل أحزاب "الجبهة الديمقراطية"، أن تتقدم بقائمة منافسة لضمان وجود تعددية حقيقية، مما كان سيعزز من حيوية العملية الانتخابية. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، 2020 /KHALED DESOUKI/AFP via Getty Images من يشرف على العملية الانتخابية؟ تُشرف على الانتخابات بالكامل الهيئة الوطنية للانتخابات، وهي هيئة مستقلة أُنشئت بموجب دستور 2014. تختص الهيئة وحدها بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وحتى إعلان النتائج النهائية. ويتألف مجلس إدارتها من عشرة أعضاء من جهات وهيئات قضائية مختلفة، يتم ندبهم دون تدخل من السلطة التنفيذية. ما هي مواعيد وجولات الانتخابات؟ يبدأ تصويت المصريين بالخارج يومي الجمعة والسبت، 1 و2 أغسطس/آب. بينما يتوجه المصريون بالداخل للاقتراع يومي الإثنين والثلاثاء، 4 و5 أغسطس/آب. ومن المقرر إعلان النتائج يوم 12 من ذات الشهر. وفي حالة وجود جولة الإعادة ستكون يومي 25 و26 أغسطس/آب للخارج، و27 و28 أغسطس/آب للداخل، على أن تُعلن النتائج النهائية في 4 سبتمبر/أيلول. ما هو الفرق بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب؟ الفرق الجوهري يكمن في الاختصاصات؛ فمجلس النواب هو السلطة التشريعية الرئيسية، والمسؤول عن سن القوانين وإقرار الموازنة العامة ومراقبة أداء الحكومة. أما مجلس الشيوخ، فطبيعته استشارية إلى حد كبير، حيث يختص بـ "دراسة وإبداء الرأي" في القضايا التي تُحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ورأيه استشاري وغير ملزم. ما هو موعد انتخابات مجلس النواب؟


نافذة على العالم
منذ 44 دقائق
- نافذة على العالم
أخبار العالم : قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
الجمعة 1 أغسطس 2025 08:40 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Getty Images Article Information برز الأسبوع الماضي خبر لافت أشار إلى توتّر بين الدوحة وبروكسل. التوتّر يعود إلى تحذير قطري من احتمال إعادة توجيه الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق بديلة، إذا لم يُعدّل الاتحاد الأوروبي قانون "العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية" (CSDDD)، الذي أُقرّ رسميا في يونيو/ حزيران 2024. ويطرح هذا التحذير، الذي حمل نبرة تصعيدية، أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لا سيما في ملف الطاقة الذي يُشكلّ أحد الأعمدة الاستراتيجية لأمن القارة الأوروبية. التلويح ببدائل: رسالة رسمية وتحذير صريح صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، سعد بن شريدة الكعبي، وزير الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لشركة قطر للطاقة في رسالة موجّهة إلى الحكومة البلجيكية بتاريخ 21 مايو/ أيار، ردت قطر على لسان وزير الطاقة فيها سعد الكعبي، على توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن العناية الواجبة، والذي يُلزم الشركات الكبرى بالكشف عن مشكلات حقوق الإنسان والبيئة، في سلاسل الإمداد ومعالجتها. وجاء في الرسالة التي نقلتها وكالة رويترز: "ببساطة، إذا لم تُجرَ تعديلات إضافية على توجيه CSDDD، فلن يكون أمام دولة قطر وشركة قطر للطاقة خيار سوى النظر بجدية في أسواق بديلة خارج الاتحاد الأوروبي، لبيع الغاز الطبيعي المسال ومنتجات أخرى، في بيئة أعمال أكثر استقرارا وترحيبا." ويبدو أنها ليست المرة الأولى التي تبعث فيها قطر رسالة مماثلة، فقد أكّد متحدث باسم المفوضية الأوروبية لوكالة رويترز، بأن المفوضية تلقّت رسالة أخرى من قطر بتاريخ 13 مايو/ أيار، موضحا أن الأمر متروك الآن للدول الأعضاء والمشرّعين "للتفاوض واعتماد التعديلات الجوهرية للتبسيط التي اقترحتها المفوضية". وكانت بروكسل قد اقترحت بالفعل تأجيل بدء تنفيذ القانون، حتى منتصف 2028 وتخفيف بعض متطلباته. ما هو قانون "العناية الواجبة" ولماذا تعارضه قطر؟ قانون "العناية الواجبة" الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي رسميا في يونيو/ حزيران 2024، يُلزم الشركات الكبرى، لا سيما العاملة في قطاعات حيوية كقطاع الطاقة، بالتحقّق من امتثال سلاسل التوريد التابعة لها، لمعايير صارمة تتعلّق بحقوق الإنسان، وظروف العمل، وحماية البيئة. صدر الصورة، Getty Images ويلزم القانون هذه الشركات باتخاذ تدابير عملية لمنع الانتهاكات البيئية والاجتماعية عبر شبكاتها العالمية، تحت طائلة غرامات قد تصل إلى 5% من إجمالي إيراداتها السنوية على مستوى العالم. ومن المرتقب أن يدخل القانون حيّز التنفيذ تدريجيا بدءا من عام 2027، وهو ما تعتبره دول مصدّرة للغاز، مثل قطر، عبئا قانونيا وماليا يهدّد استدامة علاقاتها مع السوق الأوروبية. إلى ماذا يستند التهديد القطري؟ اعتبر عبد العزيز الدليمي، الخبير القطري في شؤون الطاقة، أن القانون الأوروبي الجديد المعروف بـ"قانون العناية الواجبة"، يشكّل تحديا كبيرا لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا، وقد يدفع الدوحة إلى إعادة النظر في استمرار الإمدادات إلى أوروبا. وأوضح الدليمي في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، أن هذا القانون سيفرض أعباء مالية كبيرة على قطر، ليس فقط على مستوى شركة "قطر للطاقة"، بل أيضا على كل من شارك في تطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز، بمن في ذلك المقاولون، وكذلك شركات التشغيل. وأضاف: "في حال تم تطبيق القانون بصيغته الحالية، قد تصبح صادرات الغاز إلى أوروبا غير مجدية اقتصاديا، بل قد تُكبّد الدوحة خسائر مباشرة، وهو أمر غير مقبول من منظور تجاري واستراتيجي". واعتبر أن المنطق التجاري لا يسمح لقطر بتصدير الغاز إلى أوروبا إذا كانت النتائج المالية سلبية بسبب الغرامات، مضيفا: "هذا واقع غير عقلاني". وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت تهديدات قطر مجرّد ورقة ضغط، أكد الدليمي أن الدوحة قد تلجأ فعليا إلى وقف الإمدادات، في حال أصرّ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون بصيغته الحالية، مشيرا إلى أن قطر لا تمانع الدخول في مفاوضات لتحسين فعالية سبل تقليل الانبعاثات الكربونية، لكنها ترفض العقوبات المالية المشروطة. وتوقّع أن تُسفر المفاوضات عن التوصل إلى تسويات تقنية أو بيئية، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية متبادلة، بحسب تعبيره. هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى أزمة طاقة في أوروبا؟ التهديد القطري بإعادة توجيه صادرات الغاز لا يعني بالضرورة انقطاعا فوريا في الإمدادات المتجهة لأوروبا، لكنه يكشف عن هشاشة الاعتماد الأوروبي على شركاء خارجيين، في لحظة مفصلية من عملية التحوّل في سياسات الطاقة. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وتراجع الإمدادات الروسية، تحوّلت أوروبا إلى الغاز القطري كمصدر بديل استراتيجي يصعب التخلي عنه بسهولة. ولكن التحذيرات الأخيرة الصادرة من الدوحة، تذكّر مجدّدا بأن أمن الطاقة الأوروبي، لا يزال خاضعا لحسابات جيوسياسية متقلّبة. في هذا السياق، يربط الخبير القطري في شؤون الطاقة عبد العزيز الدليمي احتمالات حدوث أزمة طاقة أوروبية، بقرار الدوحة النهائي بشأن التصدير، مشيرا إلى أن البدائل الأمريكية أو الكندية ليست كافية أو مضمونة، خصوصا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويتساءل: "هل سيجرؤ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون على الولايات المتحدة، وهي التي سبق أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ؟" ويجيب: "لا أعتقد ذلك"، داعياً في المقابل إلى إعادة النظر في القانون، مؤكداً أن قطر تتخذ خطوات جدّية، نحو خفض الانبعاثات، وتستثمر في مشاريع صديقة للبيئة. بدورها، ترى لوري هايتيان، الخبيرة اللبنانية في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن قانون "العناية الواجبة" يمثل مصدر قلق كبير لقطر، نظرا لأن الدوحة تعتبر أن القانون ينطوي على تدخل مباشر في سيادتها وفرض لأعباء تنظيمية ومالية تفوق قدراتها. وتوضح هايتيان في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن التزامات القانون لا تقتصر على شركة قطر للطاقة، بل تمتد لتشمل سلسلة الإمداد بأكملها، من الموردين الكبار إلى الشركات الصغيرة، بل حتى "شركات القهوة" المتعاملة مع "قطر للطاقة"، بحسب تعبيرها. وتضيف أن تطبيق هذا القانون يتطلّب موارد ضخمة، فيما قد تصل الغرامات في حال عدم الامتثال لما ورد فيه من التزامات إلى 5٪ من الإيرادات العالمية، وهو ما ترفضه الدوحة تماما. وتشير هايتيان إلى أن قطر قد تجد في الانسحاب من بعض عقود تصدير الغاز مع أوروبا، خيارا أقل تكلفة من الالتزام بمنظومة بيروقراطية معقّدة. وتُحذّر هايتيان من أن تنفيذ الاتحاد الأوروبي لخطة وقف استيراد الغاز الروسي بنهاية 2027، سيجعل أوروبا أكثر اعتمادا على خيارات بديلة في التوريد، وعلى رأسها قطر. وفي حال نفّذت الدوحة تهديدها، فإن القارة الأوروبية ستواجه أزمة طاقة حقيقية، قد تدفعها مجدّدا للاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر بديل. وتتفق هايتيان مع الدليمي في التشكيك في إمكانية التزام واشنطن الصارم ببنود القانون الأوروبي الجديد، ما يثير تساؤلات حول مدى تطبيق الاتحاد لمعاييره بشكل متوازن على جميع الشركاء. وتلفت هايتيان إلى أن التشريع الجديد لا يواجه رفضا من الموردين فقط، بل يثير تحفظات لدى عدد من الشركات الأوروبية التي تعتبره صعب التطبيق، ما يعزّز فرص تعديل شروطه أو تخفيفها في المرحلة المقبلة. ما هي الأسواق البديلة؟ هل تتجه قطر أكثر نحو آسيا؟ يرى الخبير القطري عبد العزيز الدليمي، أن القانون لا يُهدّد قطاع الطاقة القطري، بل يقتصر تأثيره على السوق الأوروبية فقط، إذ تستمر صادرات الغاز القطري إلى آسيا والأسواق الأخرى بشكل طبيعي. وأضاف: " تملك قطر هامشا واسعا للمناورة، بفضل علاقاتها المتينة مع الدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، الهند وباكستان، وهي تملك أكبر أسطول في العالم لنقل الغاز المسال، ما يمنحها مرونة عالية في إعادة توجيه صادراتها". صدر الصورة، Getty Images أما بشأن الخيارات البديلة أمام قطر، فتشير لوري هايتيان، إلى أن أسواقا في آسيا وأفريقيا، وعلى رأسها الصين، تمثل بديلا استراتيجيا محتملا، في حال تعثّرت العلاقات مع أوروبا. وتستند في ذلك، إلى أحدث البيانات الرسمية التي تُظهر أن الصين تحتل المرتبة الأولى في استيراد الغاز القطري، مع توقيع اتفاقيات توريد تمتد حتى 27 عاما، مع شركات صينية كبرى. ووفق آخر الأرقام الرسمية، تأتي بعد الصين، كوريا الجنوبية، الهند، واليابان، إذ تُمثّل آسيا الوجهة الأهم لصادرات الغاز القطري، بحصة تفوق 70 % من إجمالي الصادرات. اختبار توازن بين البيئة والمصالح المستشار النفطي الكويتي والخبير في شؤون الطاقة د. مبارك الهاجري، اعتبر أن التصعيد القطري تجاه قانون "العناية الواجبة" الأوروبي، لا يتعدّى حتى الآن إطار المناورة التفاوضية المدروسة، لا سيما أن الدوحة تدرك تبعات الخروج عن العقود الطويلة الأمد التي تربطها بدول الاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى القانوني أو على صعيد السمعة كمصدّر موثوق للطاقة. ويشرح الهاجري في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: " لدى قطر عقود طويلة الأجل مع معظم الدول الأوروبية وبالتالي الانسحاب منها أو ممارسة أي أمور تخلّ بهذه الاتفاقيات، يمكن أن يعرّضها لمخاطر قانونية وأيضا لغرامات تجارية". ويضيف: " أتوقع أن تحافظ قطر على سمعتها كمصدر موثوق لبيع الغاز المسال، لأنه برأيي، في حال هدّدت بفسخ العقود الآجلة، فإن ذلك سيؤدّي إلى امتناع كثيرين عن توقيع عقود آجلة معها في المستقبل". صدر الصورة، Getty Images ويرى الهاجري، أنه إذا كانت قطر تملك من أدوات التحرّك ما يمكّنها من إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق آسيوية أو التحالف مع شركاء جدد، فإن هذه البدائل تبقى، حتى اللحظة، ورقة ضغط أكثر منها خيارا استراتيجيا فعليا. فكما أنه لا يمكن لأوروبا التفريط بمورد حيوي مثل الغاز القطري في مرحلة انتقال حسّاسة بالنسبة للطاقة، تدرك الدوحة بدورها أن الحفاظ على موقعها في السوق الأوروبية يوازي، وربما يفوق، أهمية تنويع الزبائن، بحسب الهاجري. من هنا، يعتقد الخبير الكويتي في شؤون الطاقة أن المسار المرجّح، هو محاولة الطرفين التوصّل إلى تسوية تقنية وربما سياسية، تتيح تخفيف حدّة التزامات القانون الأوروبي من دون المساس بجوهر أهدافه البيئية والحقوقية.


الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
سقوط الأقنعة.. اختراق أسوار «الإخوان الإسرائيليين»: يحملون الجنسية ويتحالفون مع اليهود
منذ تأسيسها فى مصر عام ١٩٢٨ على يد حسن البنا، روجت جماعة الإخوان لنفسها باعتبارها تيارًا إسلاميًا يعادى المشروع الإسرائيلى عقائديًا، أو كما يطلقون عليه «المشروع الصهيونى»، ويضع «تحرير فلسطين» فى صلب قضيته المركزية. غير أن الواقع السياسى والاجتماعى على الأرض، خاصة داخل إسرائيل نفسها، كشف عن علاقات مركبة، وأحيانًا متشابكة، بين الجماعة وأفرعها المختلفة وبين إسرائيل، وصلت فى بعض تجلياتها إلى تحالفات حكومية ومشاركة برلمانية مباشرة فى «الكنيست». «الحركة الإسلامية» فى الداخل شاركت فى ائتلافات الحكومات العبرية علاقة الإخوان بفلسطين بدأت من البوابة العقائدية، حيث اعتبر حسن البنا القضية الفلسطينية «قضية الأمة الإسلامية» و«بوابة الجهاد الأسمى»، وهذه الرؤية التى تكرست فى ميثاق حركة حماس عام ١٩٨٨، والذى اقتبس قول البنا: «ستقوم إسرائيل وتستمر حتى يبيدها الإسلام كما أباد ما قبلها». هذا الطرح النظرى، الذى ادعته الجماعة، مع الأحاديث التاريخية المبالغ فيها عن إرسال التنظيم متطوعين للدفاع عن فلسطين، لم يصمد كثيرًا أمام اعتبارات الواقع السياسى، خاصة بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وصعود فروع الإخوان داخل إسرائيل. وقبل أوسلو، تأسست الحركة الإسلامية داخل إسرائيل فى سبعينيات القرن الماضى، على يد عبدالله نمر درويش، أحد شيوخ مدينة كفر قاسم، وبدأت كحركة دعوية وخيرية، لكنها سرعان ما اكتسبت طابعًا سياسيًا وتنظيميًا حركيًا مشابهًا لباقى أفرع جماعة الإخوان فى العالم العربى. وفى التسعينيات انقسمت الحركة إلى جناحين هما: الجناح الشمالى، بقيادة رائد صلاح، الرافض علنًا الاندماج فى السياسة الإسرائيلية، والمتبنى علنًا خطابًا صداميًا يرتكز على شعار «الأقصى فى خطر»، بالإضافة إلى الجناح الجنوبى، بقيادة إبراهيم سرسور، ثم منصور عباس، الداعى إلى المشاركة فى انتخابات «الكنيست» والعمل من داخل مؤسسات إسرائيل. وابتداء من هذه الفترة، بدأت مرحلة غير مسبوقة من التعاون بين الجماعة وإسرائيل، أسفرت عن وجود ممثل فعلى للحركة ذات الأصول الإخوانية داخل الكنيست الإسرائيلى، بل وضمن الائتلاف الحاكم نفسه، ما يعنى أن عناصر «الحركة الإسلامية» أقسموا قسم الولاء لإسرائيل والعمل على تحقيق مصالحها، لا غير ذلك. وفى عام ٢٠٢١، دخلت القائمة العربية الموحدة «راعم»، المنبثقة من الجناح الجنوبى للحركة الإسلامية، الائتلاف الحكومى، الذى قاده نفتالى بينيت ويائير لابيد، رئيسا وزراء إسرائيل السابقان. ورغم أن «بينيت» حاول حينها تصوير «راعم» كحزب إسلامى براجماتى يسعى لتحسين حياة العرب داخل إسرائيل، إلا أن جذور الحزب التنظيمية والعقائدية تعود بوضوح إلى جماعة الإخوان، ويعلن زعيمه منصور عباس عن أنه يدين بالولاء الفكرى لتيار عالمى ينادى بما يسمى بـ«عودة الخلافة». دعم مالى وتنظيمى متبادل بين «إخوان الداخل» و«حماس» تنظر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى الحركة الإسلامية، حتى بجناحها الجنوبى، باعتبارها جزءًا من البنية التنظيمية العالمية لجماعة الإخوان، وتشير تقارير جهاز الأمن العام الإسرائيلى «الشاباك» إلى عدة ملاحظات عنها، أبرزها أن هناك نموذجًا هرميًا للتنظيم، يشمل قيادات من قطاعات مختلفة بهدف السيطرة على مراكز التأثير داخل المجتمع العربى فى إسرائيل، بالإضافة إلى تدفق التمويل عليها، وأنه رغم تعهدات الحكومات الإسرائيلية بتضييق الخناق على هذا التدفق إلا أن الأموال استمرت فى الوصول للحركة عبر جمعيات خيرية ومصادر خارجية فى أوروبا. كما لفت «الشاباك» فى بعض تقاريره إلى ارتباط «الحركة الإسلامية» بـ«حماس»، وأنها تعد الذراع التمويلية لها داخل إسرائيل، حيث تمر الأموال فى الاتجاهين، وتستخدم لتقديم رواتب لعائلات منفذى العمليات، أو لإنشاء مؤسسات تعليمية ودينية واجتماعية تخدم أجندة الجماعة. ورغم ما يبدو من تعارض ظاهر، فإن الحركة الإسلامية فى إسرائيل نجحت فى ترسيخ وجودها تحت مظلة «المواطنة داخل إسرائيل»، وشاركت فى الانتخابات، حيث فازت ببلدية أم الفحم، وتمددت نحو العمل البرلمانى داخل الكنيست. ولم يعارض إخوان إسرائيل أبدًا المشاركة والتصويت فى انتخابات الكنيست، كونهم جميعًا يحملون الجنسية الإسرائيلية، وحتى «الجبهة الشمالية» للتنظيم- والتى تعد الأكثر تشددًا من الجبهة الجنوبية- لا تدعو إلى مقاطعة الكنيست، بل تُبرر المشاركة بأنه واقع قانونى. وفى ذلك، تمارس جماعة الإخوان نوعًا من «التقية السياسية»، حيث يتماهى الخطاب العام مع لغة مدنية، بينما يبقى الخطاب الداخلى إسلاميًا محافظًا ذا بعد إخوانى. الجماعة بنت سرديتها الزائفة باعتبارها تيارًا إسلاميًا يعادى المشروع الصهيونى العلاقات وصلت إلى تحالفات حكومية ومشاركة برلمانية مباشرة فى «الكنيست» أئمة الجماعة موظفون فى «الداخلية» الإسرائيلية ويقودون التظاهر ضد مصر نموذج الإخوان فى إسرائيل لا نظير له فى أى مكان آخر حول العالم، فالعلاقة ليست علاقة صدام كما يبدو فى الخطاب الإعلامى، بل هى علاقة أكثر تعقيدًا وتشابكًا مما يعتقد، تمتزج فيها البراجماتية بالمراوغة، والانخراط السياسى بالانتماء العقائدى، والخطاب المدنى بالسردية الدينية. وتبرز تلك العلاقة أكثر عند التدقيق فى معايير اختيار أئمة المساجد فى بلدات «عرب ٤٨»، خاصة البلدات التى ينتشر فيها تنظيم الإخوان، فالأئمة يعدون موظفين فى وزارة الداخلية الإسرائيلية، والتى تتضمن قسمًا خاصًا بالأقليات، ويتبعون الدائرة الإسلامية بالوزارة. وتشمل المعايير ألا تكون للإمام سوابق جنائية، وأن يكون حسن السلوك، وحاصلًا على شهادات عليا فى الشريعة، وأن يكون حاملًا الجنسية الإسرائيلية. وتتضمن المعايير خضوع الأئمة لاختبارات شفوية وتحريرية، عن طريق اللجنة الإسلامية فى الوزارة، وتشمل الاختبارات التحريرية ما يخص الدين والشريعة، أما الشفوية فتكون للتعرف على شخصية الإمام وتوجيه عدة أسئلة اجتماعية ودينية، والحديث حول كيفية التعامل مع اليهود والمسيحيين والعلاقة معهما. وفى واحدة من أبرز المؤشرات الحديثة على تشابك العلاقة بين إسرائيل وجماعة الإخوان، سمحت وزارة الداخلية الإسرائيلية بترخيص مظاهرة أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، يقودها هؤلاء الأئمة من «إخوان الداخل»، بدعوى «دعم غزة» و«إنهاء المجاعة هناك»، رغم أن إسرائيل هى المتسبب فيها من الأساس. المدهش فى تلك الواقعة لم يكن فقط طبيعة الرسائل المعادية لمصر، بل فى التفاصيل التنظيمية والتعاون الأمنى الإسرائيلى مع فرع الإخوان لديها. ونشرت الشرطة الإسرائيلية ترخيص المظاهرة رسميًا، لكنها تعمدت إخفاء اسم الجهة المنظمة، رغم أن المعلومة كانت معروفة مسبقًا، وهى أن «اتحاد أئمة المساجد فى الداخل الفلسطينى»، وهو هيئة معروفة بانتمائها المباشر لجماعة الإخوان داخل إسرائيل، هو من دعا إلى تنظيم تلك التظاهرة. اللافت أن رئيس الاتحاد، نضال أبوشيخة، أعلن بنفسه عن تقديم طلب الترخيص، ما يؤكد أن التعتيم الإسرائيلى لم يكن بدافع الغموض، بل بهدف حماية «الواجهة الإخوانية»، وتفادى ربط المؤسسة الإسرائيلية بتمكين جماعة تصنفها العديد من الدول كـ«تنظيم إرهابى». والأكثر دلالة كان ظهور الشيخ رائد صلاح، رئيس «الجناح الشمالى للحركة الإسلامية»، وسط المتظاهرين وإلى جانب نواب الكنيست، من «القائمة العربية الموحدة»، رغم أنه مصنف سابقًا كمتطرف ومحرض لدى إسرائيل وسبق اعتقاله وتحريره بعد عدة ساعات أكثر من مرة، فى سياسة توضح مدى التناقض فى العلاقة بين التنظيم والدولة العبرية. وذلك الظهور لم يكن رمزيًا فحسب، بل رسالة صريحة مفادها أن الجهة المنظمة الحقيقية هى كامل «الحركة الإسلامية داخل إسرائيل»، التى تعد «الذراع المحلية» لجماعة الإخوان، وأن إسرائيل، رغم معرفتها الدقيقة بطبيعة الهيكل الحركى الإخوانى لديها، تغض الطرف عن التنظيم، بل وتسهل له التحرك، طالما أن تحركاته لا تهدد أمنها المباشر بل تخدم بعض مصالحها، خصوصًا حين توجه العداء نحو طرف مشترك، مثل مصر.