
الاقتصاد الليبي يواجه خطر التفكك بسبب حرب المليشيات
في ظل اشتعال المشهد السياسي الليبي، بمواجهات مسلحة متجددة في
العاصمة طرابلس
، وصراعات سياسية على السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة
عبد الحميد الدبيبة
في طرابلس ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، الذي أعلن سعيه لتشكيل حكومة جديدة، تبرز تداعيات عميقة تطاول البنية الاقتصادية الهشة أصلاً، حيث تتشابك خيوط الأزمة بين انقسامات السلطة وتراجع الثقة الدولية وتأرجح المؤشرات المالية بين تحسن شكلي ومخاطر حقيقية تهدد بانهيارات مفاجئة. وفي خضم هذا المشهد المعقد، يحاول الاقتصاد الليبي الصمود أمام عاصفة من التحديات، بدءاً من استمرار الإنتاج النفطي شرياناً وحيداً للحياة، مروراً بمشاريع بنى تحتية متعثرة، ووصولاً إلى منظومة مصرفية تعاني آثار الاختلال الهيكلي والتشظي الأمني.
وبدأت ارتدادات الأزمة السياسية على الوضع الاقتصادي في الصعود مع عودة الاحتراب في طرابلس مؤخراً، على الرغم من محاولة المؤسسات الاقتصادية النأي بنفسها عن الصراع، ففي تأكيد من المؤسسة الوطنية للنفط عدم تأثرها بمجريات الأوضاع في البلاد، أعلنت استمرار الإنتاج عند 1.376 مليون برميل يومياً، وكذلك استمرار تصدير الغاز الطبيعي من دون انقطاع. ويبدو أن بيان مؤسسة النفط ينطلق من كون مناجم النفط وموانئ تصديره تقع خارج ساحة القتال في طرابلس. وعلى الرغم من أن الطمأنة التي أرسلتها المؤسسة حيال تأثيرات الوضع الظرفي في طرابلس على عمليات الإنتاج والتشغيل، لكنها تبدو طمأنة ظرفية بالنظر إلى واقع الصراع السياسي الذي احتد في الأيام الأخيرة، بين الحكومة في طرابلس بوضعها المعقد وبين مجلس النواب الذي يوظف الأحداث لإطاحتها.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
التجارة بين تونس وليبيا تنجو من تداعيات أحداث طرابلس
اختلالات عميقة
وفي جانب مصرف ليبيا المركزي فالصورة أكثر تعقيداً، فمن جهة، تشير بياناته الأخيرة إلى نمو إجمالي الأصول المصرفية بنسبة 5.7% خلال الربع الأول من السنة الحالية، وارتفاع السيولة الفائضة إلى 54.5 مليار دينار. لكن الأكاديمي والخبير المالي، مختار شنشوب، يرى أن هذه المؤشرات الإيجابية التي كشف عنها بيان المصرف المركزي، تخفي وراءها اختلالات عميقة، إذ يرى أن فائض السيولة الذي يرتفع باستمرار يقر المصرف المركزي نفسه، في البيان ذاته، أنه يعكس عجز المصارف التجارية عن توظيف الأموال بسبب غياب البيئة الاستثمارية الآمنة. وعليه فيعتبر شنشوب أن النظام المالي أمام طريقين، إما البحث عن آليات مبتكرة لتحفيز الاستثمار، وإما الاستمرار في تكديس أموال معطلة في خزائن المصارف. ويحدد شنشوب في حديثه لـ"العربي الجديد" عمق تأثير الصراعات السياسية المحتدة على واقع الاقتصاد في الحلقة المفرغة التي يمول فيها النفط المصارف.
وفي توضيح أكثر يرى شنشوب أن الفوائض في السيولة التي تكلم عنها بيان المصرف المركزي، هي تجلٍّ واضح على عجز المنظومة المالية عن تحويل المدخرات الى استثمارات تفتح موارد أخرى للخزينة، والاعتماد على النفط بشكل شبه كلي يجعل البلاد أمام خطر حقيقي ومخيف بانهيار سريع اذا وصل التصعيد السياسي إلى حد الانسداد الكلي بين الحكومة التي لا تملك إلا شرعية تصدير النفط عبر المؤسسة الوطنية للنفط، وخصومها السياسيين الذين لا يسيطرون على منابع النفط ومنافذ تصديره. وأبدى 26 نائباً في مجلس النواب، في بيان مشترك الاثنين الماضي بالتزامن مع عزم مجلس النواب تشكيل حكومة موحدة للبلاد، اعتراضه على ذهاب مجلس النواب نحو تشكيل حكومة موحدة للبلاد، وأكدوا تمسكهم بالحكومة الحالية في بنغازي المكلفة من مجلس النواب، محذرين من أن تغيير الحكومة سيؤدي إلى شلل في مشاريع إعادة الإعمار التي يمولها "صندوق التنمية" التابع لبلقاسم حفتر في الشرق.
وفي طرابلس تعرقلت أعمال ائتلاف شركات مصرية تنفذ مشروع الطريق الدائري الثالث، أكبر مشروعات الطرقات في العاصمة بتكلفة تزيد عن أربعة مليارات دينار ليبية، إثر اندلاع الاشتباكات في طرابلس، ورغم إعلان ائتلاف هذه الشركات عدم توقفها ورغبتها في استئناف أعمالها قريباً، تبدو عودة عمالها مشوبة بحذر ومخاوف تجدد الاقتتال في ظل هدنة بين طرفي الاقتتال لا تزال هشة. وكان ظل الاقتصاد والمال حاضراً في أسباب الأحداث الدامية الأخيرة في طرابلس، ففي توضيحه لأسباب العملية العسكرية التي شنتها الحكومة، الأسبوع الماضي، على مقرات جهاز دعم الاستقرار، أكبر مليشيات العاصمة طرابلس، قال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة إن هذا الجهاز "سيطر على ستة مصارف" وتنفذ خلالها عبر شخصيات موالية له، عقد صفقات لصالحه للحصول على أموال طائلة.
اقتصاد عربي
التحديثات الحية
مصرف ليبيا المركزي يطمئن على الاحتياطيات بعد اشتباكات طرابلس
انسحاب الشركات
والمصرف المركزي نفسه لم يكن بمعزل عن تأثيرات الفوضى الأمنية، فبعد تسرب أخبار عن محاولة اقتحام لمقر المصرف في طرابلس، جرت الأسبوع الماضي، تأكد ذلك بجولة أجراها محافظ المصرف، ناجي عيسى، وفريقه الإداري، داخل المقر، حيث أوضح بيان للمصرف أن مقره لم يتعرض إلا لأضرار طفيفة. ويرى وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق في حكومة الوحدة الوطنية ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الحالي التابع بمجلس النواب، سلامة الغويل، أن تأثيرات الوضع السياسي القائم الآن هو امتداد لما سبقه من غياب أفق الحل، مؤكداً أن الاحتداد السياسي الحالي سيكون له تأثيرات جمة على المستوى قصير ومتوسط الأجل على القطاعات النفطية والمصرفية التي يرى أنها تأثرت إدارتها بعقلية الولاءات والمصالح الشخصية المرتبطة بدوائر السلطة، خاصة في حكومة الوحدة الوطنية.
ويلقي الغويل، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، باللائمة على حكومة الوحدة الوطنية، فكونها تملك الشرعية الدولية فلديها القدرة على إدارة أموال الدولة واستثمارها وتوظيف الاعتراف الدولي. لكنه يرى أن الحكومة أخفقت في ذلك، ولم تستثمر حتى "الأموال المجنبة" التي تركها النظام السابق في خزائن الكثير من المؤسسات الاقتصادية المحلية. ويعود الغويل لتأكيد أن مؤسسات الاقتصاد معرضة كلها لخطر الأزمة السياسية المحتدة. وفي مؤشر متصل بخطورة ضياع مكتسب الاستقرار السياسي النسبي السابق على جانب الاستثمارات الأجنبية، تزامنت المواجهات المسلحة في طرابلس مع افتتاح "معرض ليبيا بيلد"، الأسبوع الماضي، بمشاركة 260 شركة دولية ومحلية، إذ انسحبت الشركات الأجنبية ونقلت ممثليها إلى مطار مصراتة، شرق طرابلس، وسفرتهم على الفور، ما يزيد من حالة التشكيك الدولي في البيئة الاستثمارية التي تعتمد على هدنة أمنية مؤقتة، خاصة أن هذه الاختراقات المسلحة المفاجئة تكررت عديد المرات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 5 ساعات
- العربي الجديد
إجراءات حكومية لمحاصرة السوق الموازية في الجزائر
تتجه حكومة الجزائر نحو اعتماد مزيد من التدابير لمحاصرة السوق الموازية التي تقول السلطات إنها "تخنق اقتصاد البلاد"، من خلال إجراءات جديدة لمنع الدفع نقدا لكل المعاملات التي تفوق 500 ألف دينار (3800 دولار)، في إطار خطة وطنية للرقمنة تمتد حتى العام 2030. وجاءت هذه التدابير ضمن الخطة الوطنية للرقمنة للحد من البيروقراطية وزيادة الشفافية في تسيير الشأن العام ودعم اقتصاد البلاد. وتسعى السلطات من خلال هذا الإجراء إلى محاربة الاقتصاد الموازي، وتشجيع المواطنين والمؤسسات على استخدام وسائل الدفع الإلكترونية. وتندرج هذه الخطوة ضمن جملة أهداف حددتها الحكومة في وثيقة التحول الرقمي، التي تحوز "العربي الجديد" على نسخة منها، أبرزها رقمنة جميع الخدمات العمومية والإجراءات الإدارية بنسبة 100%، بهدف تقليص البيروقراطية وتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن، من خلال تسهيل الولوج إلى الخدمات عبر منصات رقمية موحدة وآمنة. ونصت الوثيقة التي حملت عنوان "الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في الجزائر.. من أجل جزائر رقمية في أفق 2030"، على أن الخطة تستهدف إلغاء المعاملات المالية المدفوعة نقدا (كاش)، مع وضع هدف إلغاء كافة العمليات التي تتجاوز 500 ألف دينار (الدولار = 132 دينارا بسعر صرف البنك الرسمي). وحسب الوثيقة ذاتها، "يهدف هذا الإجراء إلى تشجيع استخدام وسائل الدفع الإلكتروني في المعاملات المالية من أجل ترقية الشمول المالي". مراكز بيانات ضخمة كما تشمل الخطة، وفق الوثيقة الحكومية، إطلاق خمسة مراكز بيانات وطنية ضخمة بمعايير دولية، تكون مخصصة لتخزين ومعالجة المعطيات محليا، ما يسمح بتعزيز السيادة الرقمية وضمان أمن المعلومات. وتسعى الحكومة من خلال هذه المراكز إلى توفير بنية تحتية رقمية متقدمة، تدعم مختلف مشاريع الرقمنة في القطاعات الحيوية. اقتصاد عربي التحديثات الحية اتفاقية الجزائر والبنك الإسلامي للتنمية: تمويل بـ3 مليارات دولار وفي سياق مواز، تسعى الجزائر إلى التموقع إقليميا بصفة مورد للخدمات الرقمية، حسب الحكومة، من خلال تصدير خدمات الحوسبة السحابية نحو بلدان الجوار، خاصة في منطقة الساحل الأفريقي، اعتمادا على قدراتها الوطنية في مجال الربط بالإنترنت والبنية التحتية الرقمية. وتركز الخطة الحكومية أيضاً على دعم رأس المال البشري، عبر هدف طموح لتكوين 500 ألف مختص في تكنولوجيات الإعلام والاتصال بحلول عام 2030، بهدف تغطية حاجات السوق وضمان تنفيذ ناجح لمشاريع التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص. كما تشمل الإجراءات المقترحة تقليص ظاهرة هجرة الكفاءات الرقمية بنسبة 40%، من خلال تحسين بيئة العمل وتوفير فرص مهنية محفزة داخل البلاد. 4 معاملات ممنوعة من الدفع نقداً وكانت السلطات قد شرعت في مطلع العام الجاري في منع البيع نقدا (كاش) في أربع معاملات تجارية بموجب تدابير وردت ضمن قانون الموازنة العامة لسنة 2025، واشترطت إتمامها عبر المصارف ومؤسسة البريد، في إجراء يهدف لزيادة التحصيل الضريبي ومحاصرة السوق الموازية بعدما قارب حجمها 90 مليار دولار، وكشف حالات محتملة لتبييض الأموال. طاقة التحديثات الحية الجزائر تستبق انقطاع الكهرباء صيفاً بهذه الإجراءات وحسب تعميم صادر عن وزارة المالية (الخزانة)، في يناير/ كانون الثاني الماضي، فإن المعاملات الممنوعة من استخدام الدفع نقدا هي العمليات العقارية التي تشمل أملاكاً مبنية وغير مبنية، ومعاملات البيع التي يجريها وكلاء وموزعو السيارات والآلات والمعدات الصناعية، وشراء اليخوت وقوارب النزهة، واستخراج وثائق التأمين الإجبارية، على غرار المركبات مثلا، بحكم أن التأمين على البيوت والحقول الزراعية ليس إلزاميا في الجزائر. محاصرة السوق الموازية السلطات الجزائرية تسعى منذ عدة سنوات إلى محاصرة السوق الموازية التي زاد انتشارها وبلغ مستويات مقلقة باعتراف الرئيس عبد المجيد تبون، الذي صرح قبل فترة بأن حجمها فاق 90 مليار دولار. وينتشر الاقتصاد الموازي في الجزائر على نطاق واسع، سواء في القطاعات التجارية التي لا تصرح بنشاطها للسلطات ولا بموظفيها، أو الشركات، وبدرجة أولى في القطاعات الخاصة، التي توظف عمالة بدون تغطية اجتماعية (ضمان). وجراء الاقتصاد غير الرسمي، تنتشر في الجزائر ظاهرة اكتناز الأموال في البيوت أو ما يعرف محليا بـ"الشكارة" أو الأكياس المملوءة بالأموال، والتي تتأتى خصوصا من نشاطات تجارية واقتصادية غير مصرح بها، معظمها يتم تحويله إلى نقد أجنبي باعتباره من الملاذات الآمنة. وبالنظر لاتساع رقعة الاقتصاد الموازي، انتشر الدفع نقدا (كاش) بعيدا عن الفواتير أو الدفع الإلكتروني أو المعاملات البنكية. ونتيجة لهذا الانتشار، ارتفع حجم الكتلة النقدية المتداولة في الأوساط الموازية.


العربي الجديد
منذ يوم واحد
- العربي الجديد
الاقتصاد الليبي يواجه خطر التفكك بسبب حرب المليشيات
في ظل اشتعال المشهد السياسي الليبي، بمواجهات مسلحة متجددة في العاصمة طرابلس ، وصراعات سياسية على السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس ومجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، الذي أعلن سعيه لتشكيل حكومة جديدة، تبرز تداعيات عميقة تطاول البنية الاقتصادية الهشة أصلاً، حيث تتشابك خيوط الأزمة بين انقسامات السلطة وتراجع الثقة الدولية وتأرجح المؤشرات المالية بين تحسن شكلي ومخاطر حقيقية تهدد بانهيارات مفاجئة. وفي خضم هذا المشهد المعقد، يحاول الاقتصاد الليبي الصمود أمام عاصفة من التحديات، بدءاً من استمرار الإنتاج النفطي شرياناً وحيداً للحياة، مروراً بمشاريع بنى تحتية متعثرة، ووصولاً إلى منظومة مصرفية تعاني آثار الاختلال الهيكلي والتشظي الأمني. وبدأت ارتدادات الأزمة السياسية على الوضع الاقتصادي في الصعود مع عودة الاحتراب في طرابلس مؤخراً، على الرغم من محاولة المؤسسات الاقتصادية النأي بنفسها عن الصراع، ففي تأكيد من المؤسسة الوطنية للنفط عدم تأثرها بمجريات الأوضاع في البلاد، أعلنت استمرار الإنتاج عند 1.376 مليون برميل يومياً، وكذلك استمرار تصدير الغاز الطبيعي من دون انقطاع. ويبدو أن بيان مؤسسة النفط ينطلق من كون مناجم النفط وموانئ تصديره تقع خارج ساحة القتال في طرابلس. وعلى الرغم من أن الطمأنة التي أرسلتها المؤسسة حيال تأثيرات الوضع الظرفي في طرابلس على عمليات الإنتاج والتشغيل، لكنها تبدو طمأنة ظرفية بالنظر إلى واقع الصراع السياسي الذي احتد في الأيام الأخيرة، بين الحكومة في طرابلس بوضعها المعقد وبين مجلس النواب الذي يوظف الأحداث لإطاحتها. اقتصاد عربي التحديثات الحية التجارة بين تونس وليبيا تنجو من تداعيات أحداث طرابلس اختلالات عميقة وفي جانب مصرف ليبيا المركزي فالصورة أكثر تعقيداً، فمن جهة، تشير بياناته الأخيرة إلى نمو إجمالي الأصول المصرفية بنسبة 5.7% خلال الربع الأول من السنة الحالية، وارتفاع السيولة الفائضة إلى 54.5 مليار دينار. لكن الأكاديمي والخبير المالي، مختار شنشوب، يرى أن هذه المؤشرات الإيجابية التي كشف عنها بيان المصرف المركزي، تخفي وراءها اختلالات عميقة، إذ يرى أن فائض السيولة الذي يرتفع باستمرار يقر المصرف المركزي نفسه، في البيان ذاته، أنه يعكس عجز المصارف التجارية عن توظيف الأموال بسبب غياب البيئة الاستثمارية الآمنة. وعليه فيعتبر شنشوب أن النظام المالي أمام طريقين، إما البحث عن آليات مبتكرة لتحفيز الاستثمار، وإما الاستمرار في تكديس أموال معطلة في خزائن المصارف. ويحدد شنشوب في حديثه لـ"العربي الجديد" عمق تأثير الصراعات السياسية المحتدة على واقع الاقتصاد في الحلقة المفرغة التي يمول فيها النفط المصارف. وفي توضيح أكثر يرى شنشوب أن الفوائض في السيولة التي تكلم عنها بيان المصرف المركزي، هي تجلٍّ واضح على عجز المنظومة المالية عن تحويل المدخرات الى استثمارات تفتح موارد أخرى للخزينة، والاعتماد على النفط بشكل شبه كلي يجعل البلاد أمام خطر حقيقي ومخيف بانهيار سريع اذا وصل التصعيد السياسي إلى حد الانسداد الكلي بين الحكومة التي لا تملك إلا شرعية تصدير النفط عبر المؤسسة الوطنية للنفط، وخصومها السياسيين الذين لا يسيطرون على منابع النفط ومنافذ تصديره. وأبدى 26 نائباً في مجلس النواب، في بيان مشترك الاثنين الماضي بالتزامن مع عزم مجلس النواب تشكيل حكومة موحدة للبلاد، اعتراضه على ذهاب مجلس النواب نحو تشكيل حكومة موحدة للبلاد، وأكدوا تمسكهم بالحكومة الحالية في بنغازي المكلفة من مجلس النواب، محذرين من أن تغيير الحكومة سيؤدي إلى شلل في مشاريع إعادة الإعمار التي يمولها "صندوق التنمية" التابع لبلقاسم حفتر في الشرق. وفي طرابلس تعرقلت أعمال ائتلاف شركات مصرية تنفذ مشروع الطريق الدائري الثالث، أكبر مشروعات الطرقات في العاصمة بتكلفة تزيد عن أربعة مليارات دينار ليبية، إثر اندلاع الاشتباكات في طرابلس، ورغم إعلان ائتلاف هذه الشركات عدم توقفها ورغبتها في استئناف أعمالها قريباً، تبدو عودة عمالها مشوبة بحذر ومخاوف تجدد الاقتتال في ظل هدنة بين طرفي الاقتتال لا تزال هشة. وكان ظل الاقتصاد والمال حاضراً في أسباب الأحداث الدامية الأخيرة في طرابلس، ففي توضيحه لأسباب العملية العسكرية التي شنتها الحكومة، الأسبوع الماضي، على مقرات جهاز دعم الاستقرار، أكبر مليشيات العاصمة طرابلس، قال رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة إن هذا الجهاز "سيطر على ستة مصارف" وتنفذ خلالها عبر شخصيات موالية له، عقد صفقات لصالحه للحصول على أموال طائلة. اقتصاد عربي التحديثات الحية مصرف ليبيا المركزي يطمئن على الاحتياطيات بعد اشتباكات طرابلس انسحاب الشركات والمصرف المركزي نفسه لم يكن بمعزل عن تأثيرات الفوضى الأمنية، فبعد تسرب أخبار عن محاولة اقتحام لمقر المصرف في طرابلس، جرت الأسبوع الماضي، تأكد ذلك بجولة أجراها محافظ المصرف، ناجي عيسى، وفريقه الإداري، داخل المقر، حيث أوضح بيان للمصرف أن مقره لم يتعرض إلا لأضرار طفيفة. ويرى وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق في حكومة الوحدة الوطنية ورئيس مجلس المنافسة ومنع الاحتكار الحالي التابع بمجلس النواب، سلامة الغويل، أن تأثيرات الوضع السياسي القائم الآن هو امتداد لما سبقه من غياب أفق الحل، مؤكداً أن الاحتداد السياسي الحالي سيكون له تأثيرات جمة على المستوى قصير ومتوسط الأجل على القطاعات النفطية والمصرفية التي يرى أنها تأثرت إدارتها بعقلية الولاءات والمصالح الشخصية المرتبطة بدوائر السلطة، خاصة في حكومة الوحدة الوطنية. ويلقي الغويل، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، باللائمة على حكومة الوحدة الوطنية، فكونها تملك الشرعية الدولية فلديها القدرة على إدارة أموال الدولة واستثمارها وتوظيف الاعتراف الدولي. لكنه يرى أن الحكومة أخفقت في ذلك، ولم تستثمر حتى "الأموال المجنبة" التي تركها النظام السابق في خزائن الكثير من المؤسسات الاقتصادية المحلية. ويعود الغويل لتأكيد أن مؤسسات الاقتصاد معرضة كلها لخطر الأزمة السياسية المحتدة. وفي مؤشر متصل بخطورة ضياع مكتسب الاستقرار السياسي النسبي السابق على جانب الاستثمارات الأجنبية، تزامنت المواجهات المسلحة في طرابلس مع افتتاح "معرض ليبيا بيلد"، الأسبوع الماضي، بمشاركة 260 شركة دولية ومحلية، إذ انسحبت الشركات الأجنبية ونقلت ممثليها إلى مطار مصراتة، شرق طرابلس، وسفرتهم على الفور، ما يزيد من حالة التشكيك الدولي في البيئة الاستثمارية التي تعتمد على هدنة أمنية مؤقتة، خاصة أن هذه الاختراقات المسلحة المفاجئة تكررت عديد المرات.


العربي الجديد
منذ 4 أيام
- العربي الجديد
القمة العربية تكشف عن مصفاة نفط عراقية منسية في الصومال
شكّل لقاء رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، خلال أعمال القمة العربية التي استضافتها بغداد السبت الماضي، حدثًا اقتصاديًا بارزًا شغل الباحثين وخبراء الاقتصاد، بعد مطالبة الرئيس الصومالي العراق بصيانة مصفاة نفط عراقية قائمة في الصومال، والتي لم تكن الحكومات العراقية المتعاقبة بعد الغزو الأميركي عام 2003 على علم بوجودها أساسًا. وتأتي هذه المفاجأة امتدادًا لحادثة سابقة تم خلالها الكشف عن مزارع شاي مملوكة للعراق في فيتنام، كانت الدولة العراقية قد استثمرت فيها ضمن جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول الشاي، ولم تكن السلطات في بغداد على علم بهذه المزارع إلى أن كشفت الحكومة الفيتنامية عن تفاصيلها، ما دفع وزارة التجارة العراقية إلى التحرك بالتعاون مع شركات محاماة ومحاسبة بريطانية لاستعادة حقوقها فيها. ومنذ ستينيات القرن الماضي، تمتلك بغداد مجموعة واسعة من الأصول الاستثمارية في دول مختلفة، في مجالات الطاقة والزراعة والصناعات التحويلية. لكن بعد غزو العراق عام 2003، وتفكيك المؤسسات والوزارات، وطرد كوادرها، وما أعقب ذلك من أعمال نهب وسلب، ضاعت تفاصيل كثيرة من تلك الأصول. وعقب الاجتماع صرّح المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي بأن الرئيس الصومالي كشف خلال اللقاء عن وجود مصفاة نفط عراقية في الصومال، وطالب بصيانتها وإعادة تشغيلها. وأضاف العوادي أن الرئيس الصومالي طرح التعاون في مجال الطاقة، وفوجئ رئيس الوزراء بوجود أكبر مصفاة عراقية في الصومال، تم إنشاؤها في سبعينيات القرن الماضي، وهي حالياً متضررة، وطالب بإعادة تأهيلها لتعود إلى العمل مجددًا. وفي هذا السياق، قال مسؤول في وزارة النفط العراقية لـ"العربي الجديد"، إنه لا يعلم ما إذا كانت الحكومة قد قررت اتخاذ خطوات عملية بشأن هذا الاكتشاف، لكنه أكد أن الوزارة ستتواصل مع الجانب الصومالي للاطلاع على أوضاع المصفاة وتقدير تكاليف صيانتها، إلى جانب دراسة الجوانب القانونية والفنية المتعلقة بالعراق، مرجحًا إرسال وفد من الوزارة إلى الصومال قريبًا. من جانبه، كشف الخبير الاقتصادي العراقي والأستاذ بجامعة البصرة نبيل المرسومي عما وصفه بـ"المفاجأة"، بشأن وجود مصفاة نفط عراقية في الصومال. وقال المرسومي في تصريح مكتوب نقلته وسائل الإعلام العراقية، إن المصفاة تأسست عام 1974 من قبل الشركة العامة للمشاريع النفطية العراقية، بطاقة إنتاجية تبلغ نصف مليون طن سنويًا، وذلك على أساس الشراكة بين العراق والصومال بنسبة 50% لكل طرف. وأوضح أن العراق تكفّل بتكاليف تأسيس المشروع بالعملات الأجنبية، فيما كان من المقرر أن تسدد الصومال حصتها خلال ثلاث سنوات من بدء تشغيل المشروع، بفائدة رمزية، مشيراً إلى أن الرئيس الصومالي طلب في قمة بغداد إعادة تأهيل المصفاة المتوقفة حاليًا عن العمل. اقتصاد عربي التحديثات الحية العراق يخصص 40 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان وغزة بدوره، قال الخبير النفطي جمال الكناني في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المصفاة من بين المشاريع العراقية الخارجية التي أُقرت عام 1974، وتم الانتهاء من إنشائها وافتتاحها عام 1978، حيث بدأت العمل فعليًا بإدارة مشتركة، وأكد وجود وثائق عراقية تثبت ذلك. وبيّن الكناني أن المصفاة كانت تعمل بطاقة إنتاجية تبلغ عشرة آلاف برميل يوميًا، وتنتج البنزين، و وقود الطائرات ، وزيت الغاز، والنفط الأبيض، والزيوت بأنواعها. وقد تم إنشاؤها بكلفة ثمانية ملايين دينار عراقي آنذاك، إذ كان الدينار العراقي الواحد يعادل نحو 3.5 دولارات. كما تمت إعارة الصومال عددًا من مهندسي النفط والخبراء العراقيين لمدة عام، لتدريب وتأهيل الكوادر الصومالية على تشغيل المصفاة. وأبدى الكناني تشككه بشأن ما إذا كانت المصفاة لا تزال مملوكة للعراق بالكامل، مرجحًا وجود بند في العقد ينص على انتقال الملكية إلى الدولة المستضيفة بعد فترة زمنية معينة، وهو أمر شائع في مثل هذه الاتفاقيات، وأعرب عن اعتقاده بأن ما يُثار في العراق قد يكون مبالغة، مرجحًا أن تكون المصفاة مشروعًا مشتركًا، أو حتى قد تم إهداؤها للصومال في وقت سابق، كما أشار إلى أن المصفاة خرجت عن الخدمة منذ مدة طويلة بسبب الأوضاع الأمنية والعسكرية في الصومال. وأضاف الكناني أن اتفاقية إنشاء المصفاة نُشرت في مجلة الوقائع العراقية الرسمية في حينها، وكانت الفكرة الأساسية قائمة على تصدير النفط الخام من العراق إلى الصومال، حيث تتم تصفيته في المصفاة المقامة هناك، ثم يُعاد بيع مشتقاته من البنزين والكاز وغيرها إلى الصومال ودول الجوار، بما يمثل استثمارًا اقتصاديًا ذكيًا للعراق، وأكد أن المصفاة تقع على بُعد 12 كيلومترًا من ميناء مقديشو، لكن حجم الضرر الذي لحق بها، وتكاليف الصيانة، ومدى جدوى المشروع اقتصاديًا، كلها عوامل ستحدد القرار العراقي النهائي بشأن إعادة تأهيلها أو تركها.