
اعتقال إمام أوغلو يصعّد من الأزمة الاقتصادية في تركيا... وقهوة "الإسبريسو" تثير الجدل
عاد الاقتصاد التركي إلى مرحلة "عدم اليقين" مجدداً، ليطيح اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والتطورات اللاحقة بنتائج جهود مكافحة التضخم خلال العام الماضي، التي وإن اعتُبرت غير كافية، إلا أنها نجحت في ترقية تصنيف البلاد الائتماني من قبل وكالات التصنيف الدولية.
وبعد سنوات من التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الصرف، وتراجع القوة الشرائية لمعظم الفئات الاجتماعية، جاءت حملة المقاطعة الاقتصادية الواسعة التي أطلقها حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا ضد الشركات المالكة لوسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية، بسبب عدم تغطيتها للتجمعات الداعمة لإمام أوغلو، وتجاهلها للاحتجاجات، لتزيد الطين بلة.
وأبدى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رد فعل قوياً على دعوات المعارضة للمقاطعة، ما فُسر من قبل الأتراك كإشارة إلى فاعليتها. وقال إردوغان: "لن نعطي فرصة للسياسيين الطامعين الذين يطلقون دعوات للمقاطعة غير المسؤولة، والذين يعبثون بمصالح التجار، ولقمة عيش العمال، ويسعون لإفلاس الصناعيين والمستثمرين".
دعوة المعارضة "لاستخدام قوتها الاستهلاكية" ضد وسائل الإعلام المتجاهلة للأحداث، دفع "اتحاد شركات الأعمال التركية" (TÜRKONFED)، الذي يضم 31 اتحاداً و373 جمعية ويمثّل أكثر من 100 ألف شركة، لإصدار بيان حول حملة الاعتقالات شدد على أن "سيادة القانون هي الضمان الأساسي للمجتمع".
ووصف الاتحاد التطورات الأخيرة بأنها "لا تجد صدى في الضمير العام، وتترك انطباعاً بأن العملية القضائية لم تجرِ بحيادية كافية، وتثير القلق والانزعاج بشأن الشرعية الديموقراطية والحقوق والحريات الأساسية"، معتبراً أن "فقدان القدرة على التنبؤ القانوني يزيد من حدة التوتر المجتمعي ويؤثر على الأسواق، والشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص".
كما اضطرت بعض الشركات المستهدفة إلى إصدار بيانات توضيحية، وقام بعضها الآخر بتغيير أسمائها، وذلك بعدما أنشأ حزب الشعب الجمهوري موقعاً إلكترونياً "boykotyap.com" لنشر أسماء الشركات التي ستشملها المقاطعة.
واستهدف زعيم الحزب أوزغور أوزيل إحدى العلامات التجارية الشهيرة لقهوة الإسبريسو في البلاد، قائلاً: "لنبدأ بشرب فنجان قهوة، لكن لا تشربوا من (العلامة التجارية المذكورة) مهما كان".
رداً على هذه الدعوة، توجّهت مجموعة من برلمانيي حزب "العدالة والتنمية" إلى المقهى المذكور بعد الإفطار، وبثوا فيديوهات من داخله تأكيداً على دعمهم للعلامة التجارية، فيما أقام آخرون الصلاة في الشارع أمام المقهى كتعبير عن دعمهم له.
ومن المتوقع أن تشكّل دعوة المقاطعة نقطة تحوّل في تركيا، إذ لن يعود كافياً العمل بخصائص حماية البيئة والمساواة بين الجنسين، بل سيتعين على الشركات الكبرى أيضاً أن تُظهر التزامها بقيم وأولويات المجتمع، وأخذها على محمل الجد.
ونفى نائب الرئيس التركي جودت يلماز التقارير التي تشير إلى تأثير اعتقال إمام أوغلو سلباً على الاقتصاد، قائلاً إنه "قد يكون هناك تأثير جزئي على المدى القصير جداً، ولكن سيتم تعويضه من خلال اتخاذ التدابير اللازمة ضمن ميزانيتنا"، إلا أن مؤشرات السوق ونتائج استطلاعات الرأي تتعارض مع هذه التطمينات.
وكشف استطلاع للرأي أجرته شركة ForInvest بشأن التضخم وسعر الدولار مقابل الليرة التركية لشهر آذار/ مارس، أن متوسط توقعات الاقتصاديين للتضخم السنوي ارتفع إلى مستوى 38.67%، بعدما كان 28.25% قبل اعتقال إمام أوغلو، فيما أشارت التوقعات إلى أن سعر صرف الدولار قد يصل إلى 43 ليرة بنهاية عام 2025.
وانخفض صافي احتياطات البنك المركزي التركي بنحو 26.6 مليار دولار خلال الأسبوع الأول من اعتقال إمام أوغلو، نتيجة لضخ كميات كبيرة من الدولار في السوق لتجاوز صدمة الاعتقال على سعر الصرف، إذ تم ضخ 11.22 مليار دولار في اليوم الأول، و2.97 مليار دولار في اليوم الثاني، و12.39 مليار دولار نهاية الأسبوع. ويعادل هذا الانخفاض تقريباً نصف صافي الاحتياطات التي جمعها المركزي التركي على مدار العام الماضي.
كذلك، تحركت هيئة التنظيم والرقابة المصرفية (BDDK) وصندوق الثروة السيادي التركي (TVF) للحفاظ على قيمة الشركات المدرجة في بورصة إسطنبول والحد من عمليات شراء الدولار، إذ لعبت المصارف الحكومية، مثل "زراعات بنك"، "هالك بنك"، "وقف بنك"، و"غارنتي بنك"، دوراً رئيسياً في دعم السوق، كما فعل "زراعات بنك" الذي قام بشراء 5.8 مليارات ليرة تركية من الأسهم.
دوامة جديدة من المخاطر الاقتصادية
ويمر الاقتصاد التركي بمرحلة من "عدم اليقين" مرة أخرى، بعد سنوات من التضخم المرتفع، وارتفاع أسعار الصرف، والصعوبات التي تواجه الفئات الاجتماعية ذات القوة الشرائية المنخفضة. ورغم أن جهود مكافحة التضخم خلال العام الماضي اعتُبرت غير كافية، إلا أن تركيا حظيت بترقيات في تصنيفها الائتماني من قبل وكالات التصنيف الدولية. ومع ذلك، تعيش البلاد الآن فترة توتر جديدة تتمحور حول القانون والسياسة، ما يزيد المخاوف من تأثيرات دائمة على الاقتصاد.
وبدأ المستثمرون الأجانب بالعودة تدريجياً إلى تركيا منذ نهاية عام 2023، حيث اشتروا حوالى 30 مليار دولار من الأسهم والسندات التركية، مستفيدين من السياسات النقدية التي ركزت على مكافحة التضخم ورفع معدلات الفائدة.
لكن الأحداث الأخيرة دفعت العديد من المستثمرين الأجانب إلى الخروج من السوق التركي، حيث تؤكد المعارضة خروج نحو ثلث الأموال الساخنة التي دخلت إلى تركيا خلال العام الماضي، ما دفع الحكومة للتركيز على الإجراءات التي تستهدف المستثمرين المحليين.
وأصدرت وكالة "ستاندرد آند بورز" (S&P) تقريراً تحذر فيه من أن المكاسب الاقتصادية التي حققتها تركيا منذ نهاية 2023، والتي أدت إلى تحسين تصنيفها الائتماني، أصبحت الآن معرضة للخطر بسبب التوترات السياسية الأخيرة.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن أزمة اعتقال إمام أوغلو هي أزمة سياسية في الأساس، لكن تداعياتها على الاقتصاد ستكون خطيرة، ضمن دوامة ستؤدي إلى استمرار الضغوط على سعر الصرف بسبب تصاعد المخاطر السياسية، ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف وبالتالي إلى زيادة التضخم، بالتوازي مع زيادة تكاليف الاقتراض الخارجي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
الأخضر يودع الـ50.. تراجع جديد في سعر الدولار اليوم بالبنوك
شهد سعر الدولار مقابل الجنيه تراجعًا في 7 بنوك خلال نهاية تعاملات اليوم الأحد 25 مايو 2025، عقب قرار البنك المركزي المصري بخفض سعر الفائدة بنسبة 1% للمرة الثانية على التوالي. سعر الدولار اليوم مصر وفقًا لبيانات البنوك المنشورة على مواقعها الرسمية، سجّل سعر الدولار تراجعًا طفيفًا في عدد من البنوك تراوح بين قرش و6 قروش مقارنة بيوم الخميس الماضي، مع استقرار في بنكين فقط، وارتفاع محدود في بنك قناة السويس. سعر الدولار في البنك اليوم سجل سعر الدولار في البنك الأهلي المصري 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، بتراجع قرش عن الخميس. أما في بنك مصر فجاء السعر 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، في حين سجل السعر ذاته في بنوك القاهرة، الإسكندرية، والتجاري الدولي بنفس معدلات الانخفاض. في بنك كريدي أجريكول، تراجع الدولار إلى 49.80 جنيه للشراء و49.90 جنيه للبيع، بتراجع 4 قروش. سعر الدولار اليوم بنك مصر جاء سعر الدولار في بنك مصر اليوم عند 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع، وهو نفس السعر في البنك الأهلي وبنك القاهرة. سعر الدولار اليوم البنك الأهلي استقر سعر الدولار في البنك الأهلي المصري على 49.84 جنيه للشراء و49.94 جنيه للبيع بانخفاض قرش واحد فقط عن تعاملات الخميس الماضي. سعر الدولار اليوم في البنوك بنك البركة: 49.83 جنيه للشراء، و49.93 جنيه للبيع (انخفاض قرشين) بنك قناة السويس: 49.88 جنيه للشراء، و49.98 جنيه للبيع (ارتفاع قرشين) بنك التعمير والإسكان: 49.85 جنيه للشراء، و49.95 جنيه للبيع (استقرار) مصرف أبو ظبي الإسلامي: 49.88 جنيه للشراء، و49.98 جنيه للبيع (تراجع 6 قروش) سعر الدولار اليوم 25 مايو يسجل اليوم الأحد 25 مايو 2025 حالة من التباين الطفيف في أسعار الدولار بين البنوك، مع توجه عام للانخفاض بعد قرار السياسة النقدية بخفض أسعار الفائدة، وهو ما يعزز من قدرة الجنيه المصري على التعافي التدريجي أمام الدولار. سعر الدولار اليوم 25/5 المتغيرات في سعر الدولار بتاريخ 25/5 تشير إلى أن قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة إلى 24% للإيداع و25% للإقراض قد بدأ ينعكس فعليًا على سوق الصرف، حيث بدأت أسعار الدولار تتجه للانخفاض بعد موجة ارتفاعات متلاحقة منذ بداية العام. سعر الدولار اليوم في السوق السوداء انتهت السوق السوداء للدولار، مع اعتماد كامل على البنوك الرسمية لتدبير العملة الأمريكية ،، نظرا لجهود البنك المركزي في ضبط سوق الصرف وتوفر الدولار. كم سعر 100 دولار في البنك؟ وفقًا لمتوسط الأسعار في البنوك اليوم، فإن سعر 100 دولار في البنك يصل إلى نحو 4994 جنيهًا عند البيع، ويبلغ 4984 جنيهًا عند الشراء. سعر الدولار اليوم في مصر تحديث يومي تشير التحديثات اليومية لأسعار الدولار في مصر إلى وجود حالة من الاستقرار النسبي في البنوك، مع تراجع تدريجي نتيجة التحركات النقدية للبنك المركزي ونجاح الحكومة في تعزيز تدفقات الدولار من مصادر متعددة. هل يستمر الدولار في التراجع؟ يتوقع محللون ماليون أن يواصل سعر الدولار تراجعه في ظل التزام الحكومة المصرية بسياسات مرنة لجذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الصادرات، إلى جانب تحسن مؤشرات السياحة والتحويلات من الخارج، مما يدعم موقف الجنيه أمام الدولار خلال النصف الثاني من 2025.


بيروت نيوز
منذ 4 ساعات
- بيروت نيوز
بعد قراره منع هارفرد من قبول طلاب أجانب.. هذا ما قاله ترامب
دافع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، عن قرار إدارته القاضي بمنع الطلاب الأجانب من التسجيل في جامعة هارفرد، وهي خطوة اعتبرتها الجامعة غير دستورية، وأوقفت قاضية تنفيذها مؤقتا. وكتب ترامب على منصته 'تروث سوشال': 'لماذا لا تعلن جامعة هارفرد أن نحو 31 في المئة من طلابها يأتون من دول أجنبية، بينما هذه الدول، وبعضها لا يعتبر صديقا للولايات المتحدة، لا تدفع شيئا مقابل تعليم طلابها، ولا تنوي أن تفعل ذلك'. وأضاف: 'نريد أن نعرف من هم هؤلاء الطلاب الدوليون، وهو طلب منطقي، خصوصا أننا نقدم لهارفرد مليارات الدولارات، لكن الجامعة لا تتسم بالشفافية'، داعيا المؤسسة التعليمية إلى التوقف عن طلب الدعم من الحكومة الفدرالية. وكانت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم قد أعلنت، الخميس، إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد. لكن القاضية أليسون باروز في ولاية ماساتشوستس علقت القرار، الجمعة، بعد أن تقدمت الجامعة بدعوى قضائية ضده صباح اليوم نفسه. ويأتي قرار ترامب ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذها ضد هارفرد، الجامعة التي تخرج منها 162 من الحائزين على جائزة نوبل، والتي يتهمها بأنها معقل لما يسميه 'أيديولوجيا اليقظة' ومعاداة السامية، على حد وصفه. وكانت الحكومة الأميركية قد أوقفت منحا مالية مخصصة لهارفرد تزيد قيمتها على ملياري دولار، ما أدى إلى تجميد عدد من برامج البحوث العلمية. وتستقبل جامعة هارفرد، بحسب موقعها الإلكتروني، نحو 6700 طالب دولي هذا العام، أي ما يعادل 27 في المئة من إجمالي عدد طلابها، وتفرض رسوما دراسية سنوية تُقدّر بعشرات آلاف الدولارات.


الديار
منذ 4 ساعات
- الديار
الصناعة البيتروكيماويّة... تموضع استراتيجي ومُستقبل واعد للبنان
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب يمتلك لبنان قطاعا كيميائيا متخصصا في إنتاج البلاستيك والمستحضرات التجميلية والأدوية والأسمدة والصابون. وبحسب البيانات الاقتصادية المتوافرة، تُقدّر القيمة المضافة الصافية لهذا القطاع بحوالى 450 مليون دولار أميركي في فترة ما قبل الأزمة. وبالتالي يمكن الارتكاز على هذه البنية التحتية الموجودة والخبرة المتوافرة، للتوسع في إنتاج مواد بتروكيماوية التي تتطلّب آليات أكثر تعقيدا، خصوصا أن لبنان يتمتّع بثروة غازية قابعة في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة له ، والتي تُقدّر بأكثر من مئتي مليار دولار أميركي (بأسوأ الأحوال). هذه الثروة تُعطي لبنان إمكانات طبيعية كبيرة، لإنشاء صناعة بتروكيماوية من باب توفير المواد الخام لصناعة البتروكيماويات، قادرة على المنافسة، وتدرّ أرباحا كبيرة إذا تمّ الاستثمار فيها. الفوائد الناجمة عن الاستثمار في صناعة البيتروكيماويات في لبنان عديدة، على رأسها دخول استثمارات أجنبية مباشرة إلى الماكينة الاقتصادية اللبنانية، ومعها التكنولوجيا والخبرات العلمية العالمية. وهذا الأمر سيكون له تداعيات مباشرة على عدّة أصعدة، منها التحوّل الاقتصادي الاستراتيجي للبنان، من خلال الاستثمار في قطاع استراتيجي فيه الكثير من المنافسة، وهو ما يفرض تموضع محدّد لهذا القطاع في لبنان. أيضا من بين هذه التداعيات التخفيف من الاستيراد، وهو ما يعني توفير كبير في الفاتورة الاستيرادية ومعها توفير في العملة الصعبة، حيث من المتوقّع أن يؤدّي تحويل إنتاج الطاقة من الوقود إلى الغاز الطبيعي (خطوة أولى نحو الصناعات البيتروكيماوية)، إلى توفير مُقدّر بين 1.5 إلى 2 مليار دولار أميركي سنويا. أيضا من التداعيات لدخول الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تمكين القطاع من تصدير منتجات بتروكيماوية تُغطّي حاجات السوق الداخلي وتسمح بالتصدير، وهو ما سيدّر مدخولا سنويا بالعملة الصعبة، مما يعني خفض عجز الحساب الجاري. هذا النمو في قطاع البتروكيماويات سينسحب من دون أدنى شكّ على قطاعات أخرى تعتمد على المنتوجات البتروكيماوية أو داعمة لها، وهو ما سيؤّدي إلى تفعيل ما يُعرف بالتأثير المضاعف في النمو الإقتصادي، وخلق الوظائف التي تُقدّر بالآلاف وحتى عشرات الآلاف، بحسب نسبة الاستثمارات التي يمكن القيام بها، وذلك على فترة تمتد إلى عشرين عاما. وكنتيجة لذلك يزداد الاستهلاك ومعه النمو الاقتصادي، الذي قد يكون مستداما (ضروري للاستقرار النقدي) إذا تمّ تنويع الاقتصاد والتخفيف من الاعتماد على السياحة والخدمات. هذا النمو سيؤدّي بدوره إلى تحسين المالية العامة ، من خلال الضرائب الناتجة من صناعة البتروكيماويات، وبالتالي تقليص العجز واستطرادا الدين العام. تقدير حجم الفوائد بالأرقام مُهمّة صعبة، نتيجة غياب بيانات دقيقة تسمح بمعرفة مستوى الاستثمارات والأسواق المحتملة وكفاءة العمليات التشغيلية، إلا أن هذا الأمر لا يمنع من القيام بمحاكاة تُعطي فكرة عن الفوائد على ثلاثة مستويات: النمو الاقتصادي، التقليل من الاستيراد وخلق الوظائف. المحاكاة التي قمّنا بها هي عبارة عن نموذج أوّلي، أو إطار مبدئي لتأثير تطوير صناعة البتروكيماويات في لبنان، خصوصا في الناتج المحّلي الإجمالي وحجم الاستيراد وعدد الوظائف. وقد تمّ وضع فرضيات لاستخدامها مثل مُعدّل الاستثمارات، عامل مضاعفة الناتج المحلّي الإجمالي (GDP Multiplier)، نسبة الاستبدال للسلع المستوردة (Import Substitution Rate )، عدد الوظائف المخلوقة لكل مليون دولار أميركي استثمار، نمو الناتج المحلي الإجمالي يتناسب طرديا مع مستوى الاستثمار... كما أخذنا بعين الاعتبار كمّية الاستيراد الحالي من المنتجات البتروكيماوية، والناتج المحلّي الإجمالي. نتائج المُحاكاة (أنظر إلى الرسم البياني) تُظهر حتمية النمو الاقتصادي بما يقارب ثلاثة مليارات دولارات أميركية خلال عشرة أعوام (سيناريو مُتحفّظ)، وتوفير في الاستيراد بأكثر من ملياري دولار أميركي، ووظائف بقمية 30 ألف وظيفة على الفترة نفسها. بالطبع هذه المحاكاة تُقدّم إطارا مبدئيا كما سبق الذكر، ويهدف إلى إعطاء فكرة واضحة عن الفوائد بالأرقام، ويمكن استخدامها كنقطة بداية لتطوير نموذج اقتصادي أكثر تطورا يسمح بأخذ القرارات. إذا كان لبنان يمتلك نقاط قوّة لتطوير صناعته البتروكيماوية، منها موقعه الاستراتيجي وامتلاكه ثروة غازية ونفطية مُهمّة، إلا أن تحقيق الفوائد الآنفة الذكر، يتطّلب تحقيق عددٍ من الشروط: - أولا : المضي قدما في عملية التنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، خصوصا في الرقع رقم 4، و8، و9. وهو أمر ضروري لضمان توفير مصدر خام مستدام لصناعة البتروكيماويات. - ثانيا : العمل على تأمين استثمارات في البنى التحتية الغازية (منشآت استخراج الغاز، خطوط أنابيب، معالجة وتحويل، تخزين..) وهو ما يفرض «شراكات» دولية مع القطاع الخاص. - ثالثا : تحديد تموضع تجاري في السوق نظرًا الى شدّة المنافسة في هذا المجال (خصوصا مع السعودية والإمارات) واستخراج الميزة التفاضلية (الكلفة، الموقع الجغرافي قريبًا من الأسواق...). - رابعا : تحديد الأثر البيئي عملًا بالقانون 444 واستكمالًا تدعيم التشريعات القائمة للمحافظة على البيئة من هذه الصناغات الملوّثة. بالطبع كل هذه هذه العملية مرهونة بالقيام بإصلاحات، لطالما طالب بها المجتمع الدولي كما وحصرية السلاح. وتُعتبر الإصلاحات المالية والقضائية على رأس هذه الإصلاحات، وخصوصا قانون إعادة الانتظام المالي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستقلالية القضاء، ومكافحة الفساد. أضف إلى ذلك أن مثل هذه العملية تُشكّل تحولا استراتيجيا في الاقتصاد اللبناني، وبالتالي تحتاج إلى أفق زمني بعيد. من هنا ضرورة التحلّي بصبر استراتيجي على صعيد التخطيط الاقتصادي. في الختام، يمتلك لبنان إمكانات طبيعية لإنشاء صناعة بتروكيماوية تفرض عليه الاستفادة منها، وتحويلها إلى واقع اقتصادي ملموس. هذا الواقع الاقتصادي الملموس لا يمكن أن يرى النور، إلا بوجود إرادة سياسية واضحة وتخطيط دقيق للمستقبل، من خلال رؤية واضحة لدور لبنان الاقتصادي في النشاط الاقتصادي العالمي.