logo
مقعد الكوتا الفيلي.. تمثيل سياسي أم واجهة شكلية؟

مقعد الكوتا الفيلي.. تمثيل سياسي أم واجهة شكلية؟

شفق نيوزمنذ 21 ساعات
ماجد سوره ميري/ رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، لا يزال الكورد الفيليون، وهم من أقدم وأعرق المكونات العراقية، يرزحون تحت وطأة التهميش السياسي والإداري، بعد عقود من الاضطهاد الممنهج الذي طال هويتهم، وجودهم، وحقوقهم المدنية.
من التهجير إلى التهميش الجديد
الكورد الفيليون هم مكون كوردي (شيعي)، تمتد جذورهم في العراق لقرون، ويتوزعون جغرافيا بين بغداد، وديالى، وواسط، وميسان، فضلا عن مدن كوردستانية كخانقين ومندلي وبدرة وجصان وكركوك. بحسب تقديرات غير رسمية، يتراوح عددهم بين 1.5 إلى 2 مليون نسمة، يشكلون بذلك نسبة لا يستهان بها من سكان العراق. إلا أن هذا الثقل السكاني لم يترجم حتى الآن إلى تمثيل سياسي يعكس حجمهم الفعلي أو يسهم في ضمان حقوقهم.
وقد تعرّض الفيليون خلال حقبة النظام البعثي إلى حملة تهجير قسرية بدأت في سبعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها بين عامي 1980–1988، حين تم سحب الجنسية العراقية من مئات الآلاف منهم، وتم تهجيرهم قسرا إلى إيران بذريعة "أصولهم الإيرانية"، في حين أن غالبيتهم الساحقة كانت تحمل الجنسية العراقية أبا عن جد. وترافقت هذه الإجراءات مع مصادرة واسعة لممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وإعدام الآلاف من شبابهم في السجون والمعتقلات.
الكوتا الفيليّة: إنصاف أم تمييع؟
بعد سقوط النظام، وبعد التي واللتيا تم تخصيص مقعد كوتا واحد للكورد الفيليين في مجلس النواب العراقي في محاولة رمزية لـ"جبر الضرر" وتمثيل هذا المكون، ووقع الاختيار على محافظة واسط لاحتضان هذا المقعد باعتبارها من المحافظات التي تشهد حضورا فيليا تقليديا.
لكن مع الوقت، تحول هذا المقعد إلى ما يشبه "الجائزة الانتخابية" للقوى السياسية الكبرى، خاصة بعد أن تم تحويله من مقعد مخصص لمحافظة واسط إلى مقعد كوتا وطني، ما أتاح لجميع القوائم الانتخابية التنافس عليه دون مراعاة للهوية الاجتماعية أو قاعدة التمثيل المجتمعي.
في انتخابات 2021، على سبيل المثال، رصدت محاولات من بعض الأحزاب السياسية للزج بمرشحين لا يملكون امتدادا حقيقيا في الأوساط الفيلية، بل ولم يعرفوا سابقا بالنشاط في قضايا هذا المكون، في محاولة لاستثمار المقعد لأغراض سياسية بحتة.
واقع سكاني يُغفل عمدا
تشير معظم التقديرات السكانية المستقلة إلى أن العاصمة بغداد تحتضن اليوم ما بين 800 ألف إلى مليون كوردي فيلي، ما يجعلها أكبر تجمع فيلي على مستوى العراق. ومع ذلك، لا يتمتع الفيليون في بغداد بأي تمثيل نيابي مباشر، بل إن مقعد الكوتا الوحيد لا يعبّر لا عن هذا الامتداد الديموغرافي، ولا عن المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء هذا المكون.
بحسب مبدأ التمثيل السكاني النسبي المعمول به في النظم الديمقراطية، فإن مليون نسمة تعادل قرابة 5 مقاعد نيابية على الأقل، ما يعني أن حصر تمثيل الكورد الفيليين بمقعد واحد هو بمثابة إقصاء ممنهج، مغلف بغلاف "الرمزية التمثيلية".
ممارسات إقصائية مستمرة
لم تتوقف معاناة الفيليين عند حد التمثيل النيابي المحدود. إذ لا يزال الآلاف منهم محرومين من استعادة الجنسية العراقية رغم مرور أكثر من 40 عاما على إسقاطها تعسفا، ما يحرمهم من الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك الترشح والانتخاب، والتوظيف في المؤسسات الحكومية، والحصول على الوثائق الرسمية.
في المقابل، لم تتخذ الحكومات العراقية المتعاقبة أي خطوات جادة نحو تسوية الملفات القانونية للمُهجّرين، ولا نحو رد الاعتبار القانوني والرمزي لضحايا الإعدامات والمجازر التي ارتُكبت بحق هذا المكون. كما لا توجد برامج رسمية لإعادة دمج الفيليين في مؤسسات الدولة، أو لاسترداد ممتلكاتهم المصادرة، رغم صدور قرارات قضائية لصالح بعضهم من قبل "هيئة دعاوى الملكية".
الكوتا كأداة احتواء رمزي
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن مقعد الكوتا الفيلي قد تحوّل من وسيلة للتمثيل العادل إلى أداة احتواء رمزي تُستخدم لتجميل صورة النظام السياسي أمام الداخل والخارج. فالمشاركة السياسية لا تُقاس بعدد المقاعد بقدر ما تُقاس بالقدرة على التأثير في السياسات العامة، والدفاع عن الحقوق، وصياغة التشريعات، وكل ذلك يغيب عن النائب الفيلي "الشكلاني" الذي يُفرض من خارج البيئة المجتمعية التي يفترض أن يمثّلها.
بل إن التمثيل النيابي الحالي غالبا ما يكون مفروضا من قبل أحزاب تفتقر لأي امتداد حقيقي بين الفيليين، ما يجعل من مقعد الكوتا أداة فارغة المضمون، لا تعكس حجم المظلومية التاريخية ولا الاستحقاق السياسي والديموغرافي.
مطالب مستحقة ومؤجلة
إن المطالبة بإعادة مقعد الكوتا إلى محافظة واسط، رغم رمزيتها، لا يجب أن تُختزل بإجراء فني أو تقني ضمن مفوضية الانتخابات، بل يجب أن تُفهم ضمن سياق العدالة التمثيلية التي تقوم على مبادئ واضحة: الجغرافيا، الثقل السكاني، والهوية المجتمعية.
كما أن إعادة تقييم تمثيل الفيليين يجب أن يشمل تخصيص مقاعد نيابية جديدة في بغداد وديالى، والمعالجة القانونية الشاملة لملف الجنسية، والتعويض المادي والمعنوي للمهجرين، بالاضافة الى ضرورة إدماج الكفاءات الفيلية في مؤسسات الدولة، لا سيما في الأجهزة التشريعية والتنفيذية، فضلا عن الاعتراف الرسمي بما جرى من جرائم بحقهم كمكون وطني.
عدالة مؤجلة ومشاركة غائبة
لا يمكن الحديث عن بناء دولة عادلة وتعددية في العراق دون تحقيق مشاركة سياسية حقيقية لجميع مكوناتها، وفي مقدمتهم الكورد الفيليون، الذين كانوا وما زالوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني العراقي، وقدموا تضحيات جسيمة من أجل وحدة البلاد.
الفيليون لا يطالبون بمنحة أو صدقة سياسية، بل بحقهم المشروع في التمثيل العادل، والمواطنة الكاملة، والعدالة الانتقالية. وهم لا يستحقون مقعدا شكليا في البرلمان فقط، بل اعترافا صريحا بتاريخهم، وإعادة إدماجهم في مستقبل العراق بوصفهم شركاء حقيقيين، لا مجرد أرقام انتخابية أو أدوات سياسية ظرفية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مقعد الكوتا الفيلي.. تمثيل سياسي أم واجهة شكلية؟
مقعد الكوتا الفيلي.. تمثيل سياسي أم واجهة شكلية؟

شفق نيوز

timeمنذ 21 ساعات

  • شفق نيوز

مقعد الكوتا الفيلي.. تمثيل سياسي أم واجهة شكلية؟

ماجد سوره ميري/ رغم مرور أكثر من عقدين على سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003، لا يزال الكورد الفيليون، وهم من أقدم وأعرق المكونات العراقية، يرزحون تحت وطأة التهميش السياسي والإداري، بعد عقود من الاضطهاد الممنهج الذي طال هويتهم، وجودهم، وحقوقهم المدنية. من التهجير إلى التهميش الجديد الكورد الفيليون هم مكون كوردي (شيعي)، تمتد جذورهم في العراق لقرون، ويتوزعون جغرافيا بين بغداد، وديالى، وواسط، وميسان، فضلا عن مدن كوردستانية كخانقين ومندلي وبدرة وجصان وكركوك. بحسب تقديرات غير رسمية، يتراوح عددهم بين 1.5 إلى 2 مليون نسمة، يشكلون بذلك نسبة لا يستهان بها من سكان العراق. إلا أن هذا الثقل السكاني لم يترجم حتى الآن إلى تمثيل سياسي يعكس حجمهم الفعلي أو يسهم في ضمان حقوقهم. وقد تعرّض الفيليون خلال حقبة النظام البعثي إلى حملة تهجير قسرية بدأت في سبعينيات القرن الماضي، وبلغت ذروتها بين عامي 1980–1988، حين تم سحب الجنسية العراقية من مئات الآلاف منهم، وتم تهجيرهم قسرا إلى إيران بذريعة "أصولهم الإيرانية"، في حين أن غالبيتهم الساحقة كانت تحمل الجنسية العراقية أبا عن جد. وترافقت هذه الإجراءات مع مصادرة واسعة لممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، وإعدام الآلاف من شبابهم في السجون والمعتقلات. الكوتا الفيليّة: إنصاف أم تمييع؟ بعد سقوط النظام، وبعد التي واللتيا تم تخصيص مقعد كوتا واحد للكورد الفيليين في مجلس النواب العراقي في محاولة رمزية لـ"جبر الضرر" وتمثيل هذا المكون، ووقع الاختيار على محافظة واسط لاحتضان هذا المقعد باعتبارها من المحافظات التي تشهد حضورا فيليا تقليديا. لكن مع الوقت، تحول هذا المقعد إلى ما يشبه "الجائزة الانتخابية" للقوى السياسية الكبرى، خاصة بعد أن تم تحويله من مقعد مخصص لمحافظة واسط إلى مقعد كوتا وطني، ما أتاح لجميع القوائم الانتخابية التنافس عليه دون مراعاة للهوية الاجتماعية أو قاعدة التمثيل المجتمعي. في انتخابات 2021، على سبيل المثال، رصدت محاولات من بعض الأحزاب السياسية للزج بمرشحين لا يملكون امتدادا حقيقيا في الأوساط الفيلية، بل ولم يعرفوا سابقا بالنشاط في قضايا هذا المكون، في محاولة لاستثمار المقعد لأغراض سياسية بحتة. واقع سكاني يُغفل عمدا تشير معظم التقديرات السكانية المستقلة إلى أن العاصمة بغداد تحتضن اليوم ما بين 800 ألف إلى مليون كوردي فيلي، ما يجعلها أكبر تجمع فيلي على مستوى العراق. ومع ذلك، لا يتمتع الفيليون في بغداد بأي تمثيل نيابي مباشر، بل إن مقعد الكوتا الوحيد لا يعبّر لا عن هذا الامتداد الديموغرافي، ولا عن المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء هذا المكون. بحسب مبدأ التمثيل السكاني النسبي المعمول به في النظم الديمقراطية، فإن مليون نسمة تعادل قرابة 5 مقاعد نيابية على الأقل، ما يعني أن حصر تمثيل الكورد الفيليين بمقعد واحد هو بمثابة إقصاء ممنهج، مغلف بغلاف "الرمزية التمثيلية". ممارسات إقصائية مستمرة لم تتوقف معاناة الفيليين عند حد التمثيل النيابي المحدود. إذ لا يزال الآلاف منهم محرومين من استعادة الجنسية العراقية رغم مرور أكثر من 40 عاما على إسقاطها تعسفا، ما يحرمهم من الحقوق السياسية والمدنية، بما في ذلك الترشح والانتخاب، والتوظيف في المؤسسات الحكومية، والحصول على الوثائق الرسمية. في المقابل، لم تتخذ الحكومات العراقية المتعاقبة أي خطوات جادة نحو تسوية الملفات القانونية للمُهجّرين، ولا نحو رد الاعتبار القانوني والرمزي لضحايا الإعدامات والمجازر التي ارتُكبت بحق هذا المكون. كما لا توجد برامج رسمية لإعادة دمج الفيليين في مؤسسات الدولة، أو لاسترداد ممتلكاتهم المصادرة، رغم صدور قرارات قضائية لصالح بعضهم من قبل "هيئة دعاوى الملكية". الكوتا كأداة احتواء رمزي في ظل هذه المعطيات، يبدو أن مقعد الكوتا الفيلي قد تحوّل من وسيلة للتمثيل العادل إلى أداة احتواء رمزي تُستخدم لتجميل صورة النظام السياسي أمام الداخل والخارج. فالمشاركة السياسية لا تُقاس بعدد المقاعد بقدر ما تُقاس بالقدرة على التأثير في السياسات العامة، والدفاع عن الحقوق، وصياغة التشريعات، وكل ذلك يغيب عن النائب الفيلي "الشكلاني" الذي يُفرض من خارج البيئة المجتمعية التي يفترض أن يمثّلها. بل إن التمثيل النيابي الحالي غالبا ما يكون مفروضا من قبل أحزاب تفتقر لأي امتداد حقيقي بين الفيليين، ما يجعل من مقعد الكوتا أداة فارغة المضمون، لا تعكس حجم المظلومية التاريخية ولا الاستحقاق السياسي والديموغرافي. مطالب مستحقة ومؤجلة إن المطالبة بإعادة مقعد الكوتا إلى محافظة واسط، رغم رمزيتها، لا يجب أن تُختزل بإجراء فني أو تقني ضمن مفوضية الانتخابات، بل يجب أن تُفهم ضمن سياق العدالة التمثيلية التي تقوم على مبادئ واضحة: الجغرافيا، الثقل السكاني، والهوية المجتمعية. كما أن إعادة تقييم تمثيل الفيليين يجب أن يشمل تخصيص مقاعد نيابية جديدة في بغداد وديالى، والمعالجة القانونية الشاملة لملف الجنسية، والتعويض المادي والمعنوي للمهجرين، بالاضافة الى ضرورة إدماج الكفاءات الفيلية في مؤسسات الدولة، لا سيما في الأجهزة التشريعية والتنفيذية، فضلا عن الاعتراف الرسمي بما جرى من جرائم بحقهم كمكون وطني. عدالة مؤجلة ومشاركة غائبة لا يمكن الحديث عن بناء دولة عادلة وتعددية في العراق دون تحقيق مشاركة سياسية حقيقية لجميع مكوناتها، وفي مقدمتهم الكورد الفيليون، الذين كانوا وما زالوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني العراقي، وقدموا تضحيات جسيمة من أجل وحدة البلاد. الفيليون لا يطالبون بمنحة أو صدقة سياسية، بل بحقهم المشروع في التمثيل العادل، والمواطنة الكاملة، والعدالة الانتقالية. وهم لا يستحقون مقعدا شكليا في البرلمان فقط، بل اعترافا صريحا بتاريخهم، وإعادة إدماجهم في مستقبل العراق بوصفهم شركاء حقيقيين، لا مجرد أرقام انتخابية أو أدوات سياسية ظرفية.

مأساة الفیلیین.. شرارة التمییز وموت الذاکرة
مأساة الفیلیین.. شرارة التمییز وموت الذاکرة

شفق نيوز

time٠٣-٠٨-٢٠٢٥

  • شفق نيوز

مأساة الفیلیین.. شرارة التمییز وموت الذاکرة

من المواطنة إلى العدم يُعتبر التطهير العرقي الذي تعرض له الكورد الفيليون في العراق واحداً من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ المعاصر للمنطقة. هذه العملية الشنيعة التي امتدت عبر عقود من الزمن وبلغت ذروتها في أواخر السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، تمثل صفحة مؤلمة من صفحات التاريخ العراقي الحديث. وکان الهدف من هذە الجریمة المنهجیة التي هي جزء لا يتجزأ من عمليات الإبادة الجماعية التي استهدفت الکورد في العراق طوال القرن الماضي، طمس الهویة القومیة للکورد الفیلیین وتجریدهم من حقوق المواطنة. أبناء الحدود المنسيون الكورد الفيليون هم مجموعة عرقية كوردية تنتمي إلى المذهب الشيعي، وتتميز بلغتها الكوردية الخاصة (اللهجة الکلهوریة) وتقاليدها الثقافية المميزة. استوطنت هذه المجموعة منذ قرون في المناطق الحدودية بين العراق وإيران (بغداد، واسط، ديالى، ميسان والبصرة في العراق. لورستان، کرماشان وایلام في إیران)، وأما فیلیي العراق كانوا يشكلون جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي العراقي، حيث اندمجوا في المجتمع العراقي وساهموا في بنائه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. تميز الكورد الفيليون بنشاطهم في التجارة والحرف، وكان لهم حضور بارز في الأسواق التجارية في بغداد وباقي المدن العراقية. كما برز منهم شخصيات مهمة في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، مما جعلهم جزءاً أساسياً من تاريخ العراق الحديث. جریمة الهویة بدأت المحن الحقيقية للكورد الفيليين مع وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق عام 1968، وتفاقمت بشكل دراماتيكي في عهد صدام حسين الذي تولى السلطة الفعلية في أواخر السبعينيات. كانت السياسات العنصرية للنظام البعثي تستهدف كل المكونات غير العربية في العراق، لكن الكورد الفيليين واجهوا اضطهاداً مضاعفاً بسبب هويتهم الثنائية القومیة والمذهبیة. تزامنت هذه السياسات مع توتر العلاقات العراقية-الإيرانية، حيث استُغل وجود الكورد الفيليين على الحدود كذريعة لاتهامهم بالولاء لإيران، رغم أنهم كانوا مواطنين عراقيين أصليين. هذا الوضع الجيوسياسي المعقد جعلهم ضحايا لسياسة 'التعريب' والتطهير العرقي التي انتهجها النظام العراقي. مراحل التطهير العرقي مرت عملیة التطهیر العرقي للفیلیین بثلاثة مراحل مأساویة، انطلاقا من التمییز وتضییق الخناق الی مرحلة التهجیر القسري، انتهاءا بالعملیة الوحشیة من خلال سیاسة الابادة المنهجیة، حیث یمکن تلخیصها کالأتي: أولاً: شرارة التمييز و تساقط الحقوق (1968 - 1975) بدأت السياسات التمييزية ضد الكورد الفيليين بشكل تدريجي من خلال فرض قيود على حقوقهم المدنية والسياسية. تم منعهم من شغل مناصب حكومية مهمة، وفُرضت عليهم قيود في التعليم والعمل. كما بدأت حملات مصادرة الممتلكات تحت ذرائع مختلفة، وتم تجريد الكثير منهم من الجنسية العراقية بحجة عدم إثبات أصولهم العراقية. ثانياً: شاحنات الموت ورحلة اللاعودة (1975 - 1980) مع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة بعد اتفاقية الجزائر عام 1975، تكثفت سياسات التهجير القسري. بدأت الحكومة العراقية بترحيل عشرات الآلاف من الكورد الفيليين إلى إيران، حيث تم نقلهم في شاحنات وقطارات في ظروف إنسانية مأساوية. كان يُسمح لهم بحمل أمتعة محدودة فقط، بينما تُصادر جميع ممتلكاتهم من عقارات ومحال تجارية وأموال. صمت آخر صوت (1980 - 1988) خلال الحرب العراقية-الإيرانية، وصلت عمليات التطهير العرقي إلى ذروتها الدموية. تم اعتقال آلاف الشباب الكورد الفيليين وإرسالهم إلى معتقلات سرية، حيث تعرضوا للتعذيب والقتل. كما تم تنفيذ عمليات إعدام جماعية، واختفاء قسري لآلاف الأشخاص الذين لم تُعرف مصائرهم حتى اليوم. استخدم النظام العراقي أساليب وحشية في هذه العمليات، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية في بعض المناطق الكوردية، والتي أثرت أيضاً على المدنيين الكورد الفيليين في المناطق الحدودية. أرقام تبكي تشير التقديرات إلى أن عدد ضحايا التطهير العرقي ضد الكورد الفيليين يتراوح بين (100,000) إلى (200,000) شخص، منهم عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين، وأكثر من (150,000) مهجر قسرياً. هذه الأرقام تجعل من هذه الجريمة واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في المنطقة خلال القرن العشرين. موت الذاكرة لم تقتصر آثار التطهير العرقي على الخسائر البشرية فحسب، بل امتدت لتشمل تدمير النسيج الاجتماعي والثقافي للكورد الفيليين. تم تشتيت العائلات، وفُقدت التقاليد الثقافية، وتراجعت اللغة الفيلية نتيجة التشتت والتهجير. كما تم تدمير المقابر والمواقع التراثية الخاصة بهم. أطفال بلا وطن وآباء بلا قبور عانى الناجون من صدمات نفسية عميقة نتيجة ما تعرضوا له من عنف وتشريد. كما واجهوا صعوبات في الاندماج في المجتمعات التي هجروا إليها قسرا، خاصة في إيران حيث تم ترحيل معظمهم. والأطفال الذين وُلدوا في المنفى نشأوا دون هوية واضحة، محرومين من جنسية أو وطن يعترف بهم واما ابائهم الذین قتلتهم الجلاوزة ودفنوهم بلا اکفان في حفر لا یعلم بها الا اللە، بقوا بلا قبور. مأساة بلا شهود رغم فداحة الأبعاد الإنسانية والقانونية للجريمة التي ارتكبت ضدهم، لكن لم يجد الفيليون انذاك آذانا صاغية لصرختهم وعونا لنجدتهم في المأساة التي اصابتهم يوم كانت طاغية بغداد الأمر الناهي الأول والأخير ولم تحظ قضيتهم بالاهتمام المطلوب. لأن السياق الجيوسياسي للحرب الباردة، والحرب العراقية-الإيرانية، والمصالح الاقتصادية للقوى الكبرى مع العراق في وقتها، كلها عوامل ساهمت في طمس وتجاهل هذه المأساة الإنسانية على المستويين الإقليمي والعالمي. عدالة منقوصة بعد اسقاط نظام صدام حسین عام 2003، عاد بعض الكورد الفيليين إلى العراق، وسرعان ما بدأت الشخصیات والجمعيات الكوردية الفيلية بنشاطات مدنیة وحملات اعلامیة ودعوات قانونیة للمطالبة بالحقوق الكاملة للناجين، بما في ذلك التعويضات، وإعادة الممتلكات، والاعتراف الرسمي بالجرائم المرتكبة، وإحياء الذكرى سنوياً، لكنهم واجهوا تحديات جمة في استعادة ممتلكاتهم وحقوقهم. الفساد، والبيروقراطية، والوضع الأمني المتردي، كلها عوامل أعاقت عملية إعادة التأهيل والاندماج. وبالرغم من أن المحكمة الجنائية العراقية العليا التي شكلت بعد 2003 نظرت في بعض القضايا المتعلقة بجرائم النظام السابق واعترفت رسمياً بجرائم الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الكورد الفيليين، لكن العدالة الشاملة لم تتحقق بعد! لئلا تُنسى الجريمة التطهير العرقي ضد الكورد الفيليين في العراق يمثل واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ المنطقة الحديث. هذه المأساة تذكرنا بأهمية الدفاع عن حقوق ضحایاها وحماية ما تبقی منهم من السياسات العنصرية والتمييزية. كما تؤكد على ضرورة عدم السماح للاعتبارات السیاسیة والایدیولوجیة بالتغطية على هذه الجریمة الشنعاء التي ارتکبت بحق اعرق مکون في تأریخ هذا البلد الذي کان من المفروض بأن یصبح بلد (الأمل والسلام) في حین وبعد مضي اکثر من قرنین، مازال الفیلیون یأملون بين الرماد والسراب وجراحهم لم تندمل بعد. "صرخة في البرّية!" إن إحياء ذكرى هذه المأساة وتوثيقها ليس فقط واجباً أخلاقياً تجاه الضحايا وذويهم، بل ضرورة لبناء مستقبل يقوم على العدالة والمساواة واحترام حقوق جميع المكونات. العراق الجديد بحاجة إلى مواجهة هذا التاريخ المؤلم والتعلم منه، لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي في المستقبل. إن قضية الكورد الفيليين تظل رمزاً لمقاومة الإنسان للظلم والعنصرية، وتذكيراً دائماً بأن كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات السياسية والطائفية والعرقية.

الفيليون: تعبت اقلامنا وبحت اصواتنا!عبد الخالق الفلاح
الفيليون: تعبت اقلامنا وبحت اصواتنا!عبد الخالق الفلاح

ساحة التحرير

time٠٥-٠٧-٢٠٢٥

  • ساحة التحرير

الفيليون: تعبت اقلامنا وبحت اصواتنا!عبد الخالق الفلاح

الفيليون: تعبت اقلامنا وبحت اصواتنا! عبد الخالق الفلاح * نحن نقراء في الكثير من المرات ما يكتبه كتابنا الاجلاء بحرص حول ما يعانية الكورد الفيليون منذ بداية تشكيل الحكومة العراقية الاولى عام 1921 ولحد اليوم والذي اشتهرهذا المكون برفض الظلم ومقاومته له رغم كل المعاناة ، فهم على علم بأن الحياة لا تسير أبدًا في خطٍ مستقيمٍ فهي لا تصفو لأحد فالمشقة والشدائد والمصائب والبلايا ضيفٌ وهي حقيقة يؤكدها الله تعالى في القرآن الكريم حيث يقول سبحانه وتعالى في الآية 4 من سورة البلد 'لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ' يكابد فيها المشقة والمصائب فهذا أمرٌ حتميٌّ في هذه الدنيا فقد جعلها الله وسيلةً لتصفية نفوس النَّاس ومعرفة الصَّادقين من المنافقين وذلك لأنَّ المرء قد لا يتبيَّن في أوقات الرَّخاء لكنه يتبيَّن في أوقات الشِّدَّة ، ان شدائد الزمان هي محكٌّ لإيمان المرءِ واختبارٌ لصبر المحتسبين وثْباتهم عند حصول المصائب والبلاء ليتبين الصادق من الكاذب والصابر والشاكر ان الجهود المبذولة حتّى الان من قبل شرائح مختلفة من الكتاب والمحللين والمساهمين في الكتابة حول القضية الفيلية بلاشك مشكورة ولكن لا تكفي لتوثيق واستجلاء جوانبها المختلفة فالمصيبة كبيرة في حدي ذاتها ولعل التقصير يقع على اهلنا في البداية وممن يتحملون المسؤولية التنظيمة الغارقون في غياث لذائذ اعمالهم واهملهم الجانب الانساني ، وتقع مسؤولية كبيرة على ابناء المكون انفسهم ان يستنهضو جهودهم و أن يشمّروا عن سواعدهم لسدّ هذه الفجوة، فالذاكرة التاريخية والقضية الإنسانية تخصهم اولا واخراً وتحتّمان تسجيل كلّ الأبعاد الثقافية والتاريخية والاجتماعية لإبادة الجماعية التي لحقت بهذا المكون الاصيل ، المطلوب من الاخوة الذن استلموا المسؤوليات باسم المكون الفيلي او الذين يعملون في المنظمات التي تحمل اسم هذا المكون لابد ان يكون الاهتمام بالهوية كدافع اول لهذه المسؤولية وعدم الاكتفاء بحملهم الالقاب والجلوس خلف المناضد الملونة المغرية بالشكل وخلوها من تحقيق الاهداف العامة والاكتفاء بالمصالح الشخصية والفئوية وعليهم دراسة التاريخ السياسي والاجتماعي للكورد الفيليين ضمن هذين المنظومين ومن ثمة تناول الابعاد التاريخية للإبادة الجماعية التي لحقت بهم ، لانه كان اضطهادًا منهجيًا لهذا المكون من قبل نظام البعث بين عامي 1980 و1990 لثلاثة أسباب معروفة اولا لأنهم كورد يعتزون بهويتهم وهم جزء من المكون الكوردي الاصيل صاحب الحق في هذه الارض بشهادة التاريخ، وثانيا لأنهم من الطائفة الشيعية و يحترمون مذهبهم ويساهمون في احياء مناسباته، والثالثة لأنهم اوفياء للوطن بتضحاتهم المعروفة في مقاومة كل اشكال الظلم الذي مس الشعب العراقي وانضموا للحركة الوطنية العراقية والقومية والدينية ، لقد اقتيد على اثر اصدار القرارات الجائرة أكثر من 600 ألف إنسان بين عام 1980الى عام 1990 بمختلف الاعمار مع الاحتفاظ بعشرات الاف من الشباب في السجون وتم تصفيتهم دون ايجاد اي اثر لهم رغم هذه السنوات من التغيير في النظام عام 2003 وأخذوا من منازلهم ومدارسهم وأماكن عملهم الى مديرية الامن العامة ووحداتهم العسكرية إلى مكاتب سجون الانضباط العسكري من بغداد والمحافظات الاخرى من العراق ، بعد أن جردوا من الوثائق الرسمية (شهادات الميلاد وجوازات السفر والشهادات المدرسية والجامعية، وصكوك الملكية، وعقود الزواج، وغيرها)، يخضعوا للتفتيش الجسدي والاستجواب، وتعرضوا للإهانة بشتى الطرق، ثم وُضعوا في شاحنات وحافلات و اقتيدوا إلى المناطق الحدودية الشرقية. وكانوا يحملون الجنسية العراقية وشهادة الجنسية العراقية وامتلاكهم الاملاك والشركات ولهم دور كبير في الاقتصاد العراقي المؤثر. أدت هذه الحملات اضطهاد و تهجير ونفيهم وابعادهم عن أراضي أجدادهم. بدأ الاضطهاد عندما تعرّض عدد كبير من الأكراد الفيليين لحملة كبيرة من قبل النظام الصدامي الهمجي بدأت بإصدار بدأت بإصدار قرار RCCR المنحل بالقرار666 الذي حرم الكورد الفيليون من الجنسية العراقية واجريت عمليات الإعدام الممنهجة بحق شريحة كبيرة من مختلف الاعمار والاجناس من ابنائهم التي امتدت الى مختلف المحافظات العراقية دون استثناء وتغيب اثرهم . أخيرا ملاحظة مهمة للاخوة للعاملين في الساحة السياسية :أن تباين المواقف السياسية للأحزاب الفيلية في ما بينها، ولا سيما بشأن التحالف مع القوى السياسية الرئيسة في البلاد والالتجاء الى كيانات اخرى يؤكد الضرورة العودة الى تجاوز تلك الخلافات فيما بين، و خلق تشكيل يعمل على تنظيم وتنسيق الجهود لضمان تمثيل فاعل للكورد الفيليين في الانتخابات القادمة، والدفاع عن حقوقهم المشروعة في مختلف المجالات، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز من وحدة الصف الفيلي ضمن اطار تحالف واحد ولا نظن ان التشتت الذي نشاهده اليوم في الساحة الفيلية يؤدي الى نتيجة مرضية إلا بالعمل الموحد. – كاتب واعلامي فيلي ‎2025-‎07-‎05

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store