
رسائل يومية الى القادة السياسيين (قواعد في السياسة): الحلقة الأولى
بعض القادة لا يُهيئ لهم الوقت للقراءة في تاريخ ومهارات صنع الفعل السياسي، ولهذا فبعضهم يعيد (اختراع الدولاب من جديد)؛ بمعنى أنه يُجرب بلا خبرة، منطلقاً مما ندعوه الصفحة البيضاء (Tabula Rasa)، ولهذا تكثر الأخطاء وتتكرر.
وهنا سنعرض على حلقات بعضاً من خبرة السياسة وممارساتها. وهذا لا يكون فيه استصغار لأحد. فأول دروس السياسة أن يبقى صدر السياسي منفتحًا على التعلم، استجابة لما تقتضيه القاعدة الشهيرة: (وحدهم الموتى هم الذين لا يتعلمون)، وأن يتجنب القائد باعتباره حكيما ً العُصاب الذي يربط التعلم بالطفولة وخبرات المدرسة السيئة حيث كان التعلم قسرًا، فالحكيم هو الذي يبقى يتعلم. (ويا بردها على الكبد من عالِم يقول لا أدري وهو يدري).
وسنقدم هنا بعضاً من خبرتنا التي نسجنا بعضها في كتابنا المخصص للقادة (القواعد النفسية للسلطة):
الواقع (أي الموجودات) هو الذي يتحكم في السياسة. وليس الأحلام وليس الرغبات. وأول دروس السياسة إذا أردنا أن تتحكم بالواقع، علينا الانصياع له؛ ولا يعني هذا الاستسلام لكل ما في الواقع، ولكن البداية تكون بالاعتراف بهذا الواقع والتعامل معه لتجاوزه؛ فشرط التجاوز التحقق، كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل. بمعنى أننا عندما نكون مهزومين؛ لا ينبغي أن نُقنع نفسنا والآخرين بأننا منتصرون، أو إننا في وضع مقبول. لنعترف بالهزيمة ولا نستسلم لها، ولنعلم أن أول دروس السياسة : (أن علينا أن نُجبر الظروف المتحجرة على الرقص بأن نُغني لها لحنها ذاته).
بنفس الوقت لا نجلد ذاتنا والآخرين، وبعلمٍ أن (الكرّة للضواري)، وبذات الوقت، كيف نطبق القاعدة الشهيرة في العمل السياسي: (تعلم كيف تُهزَم)؛ أي كيف تقع واقفاً. ذلك أن الصراع جولات، لذا فإن الكرّة تكون عندما نهيئ الواقع لكي يكون أفضل.
ألف باء السياسة: ميزان القوى. ولا يجوز توقع أي تغيير أو نيل لمكتسبات خارج ميزان القوى. (واللي ماعندوش ما يلزموش)، لذا فإنه يستوجب أن يُسعى إلى تغيير موازين القوى بحيث تصبح أقوى وأفضل.
والقاعدة هنا: أن نبني القوة بصمت ولا نتفاخر بها، ولا نعلن عنها بشكل مبكر والأفضل ألا نُعلن عنها أصلاً، لأننا نُعرضها بالإعلان المبكر إلى ما يسمى (fire back effect)؛ أي (أثر الاحتراق المبكر)، إذ أن أمرين يحرقان القوة والفكرة: الإعلان عنها قبل نضوجها، أو استخدامها في غير وقتها وفي غير مكانها وزمانها! ودون الإلتفات إلى ميزان القوى.
وعندما نصل إلى القوة الملائمة، وقتها لا يجب علينا أن نستخدمها مباشرة؛ فقط يمكننا أن نُلوّح بها؛ لأن ثلث القوة يذهب عندما تستخدمها.
إن جزءاً كبيراً من قيمة القوة (رهبتها وهيبتها). وعندما نُخيّر بين استخدام القوة وبين استخدام الدبلوماسية، لا يجب أن نتردد للحظة في استخدام الدبلوماسية، فهي الأقوى، ذلك أن استخدام القوة يكشفها، ويعرضها إلى القانون الأول في الفيزياء: (لكل فعل رد فعل)، ويصبح استخدام القوة (سجالاً)، وفي هذه الحالة لا تكون القوة ذات (رهبة)؛ لأن ما نستطيع أن نتعامل معه ونرد عليه، لا يكون مثلما ذاك الذين نتعامل معه كمجهول، لا نعرفه ونخشى تكاليفه.
قاعدة مهمة في معاملات القوة، لا يجوز عند الاضطرار لاستخدامها الذهاب بعيداً في استخدامها؛ لأن ذلك يضعف القدرات اللاحقة.
فقط يمكننا استخدامها بالتقسيط، ولكن لا يجب أن نتردد في توجيه الضربات القوية؛ لأن (الضربة التي لا تقتل تقوّي).
ولا تجب المبالغة في استخدام القوة إلى اللانهاية، ولتترك لخصمنا منفذًا وحيداً يمر منه عبرنا؛ لأننا إذا لم نترك له ذلك المنفذ سيستميت، بينما وجود المنفذ يشكِّل في العامل النفسي فرصة له للهروب، سيختارها بدلاً من القتال حتى الموت! ففي الاعتبارات النفسية يفضل البشر حب الحياة على تعشّق الموت. وبكلمة بعلم النفس: (تفضيل ال Biophilia على ال Necrophilia).
ولنتذكر أنه: لا يجب أن يُكسر الخصم بشكل كامل، فهذا ممنوع في العمل السياسي؛ ذلك أن قاعدة: رابح/رابح هي الوصفة الأساسية التي تمنع الصراع الاستنزافي. بينما قاعدة رابح/خاسر وصفة لحرب قادمة؛ لأن الخاسر سيحاول الانتقام من جديد باستعادة ميزان القوى والكرّة من جديد. بينما قاعدة خاسر/ خاسر فهي قاعدة الحروب العنيدة التي لا يتوقف أصحابها؛ إما على أمل النصر الكامل أو بسبب العناد الشخصي أحياناً، أو لعدم امتلاك المرونة الكافية والبراغماتية التي تقدم بعض التنازلات للوصول إلى تخفيض الصراع إلى أدنى درجاته أو الذهاب به إلى الغياهب.
إن ميزان القوى هو الذي يحدد القدرة على (المنح /والمنع) وهو الذي يعطي الدبلوماسية أدواتها.
لا شيءَ نهائيٌ في السياسة؛ لأن الأحداث تتحرك بشكل ديناميكي. الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير. لذا علينا الصبر والعمل التدريجي لتغيير الوقائع. ولكن الأهم هو أن نكون مستعدين عندما تتغير تلك الوقائع من خارج حساباتنا، لاستثمار تلك المتغيرات، وبحيث لا نكون مجرد متلقين بفاعلية سلبية (passive).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الجزائرية
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق الجزائرية
رسائل يومية الى القادة السياسيين (قواعد في السياسة): الحلقة الأولى
بعض القادة لا يُهيئ لهم الوقت للقراءة في تاريخ ومهارات صنع الفعل السياسي، ولهذا فبعضهم يعيد (اختراع الدولاب من جديد)؛ بمعنى أنه يُجرب بلا خبرة، منطلقاً مما ندعوه الصفحة البيضاء (Tabula Rasa)، ولهذا تكثر الأخطاء وتتكرر. وهنا سنعرض على حلقات بعضاً من خبرة السياسة وممارساتها. وهذا لا يكون فيه استصغار لأحد. فأول دروس السياسة أن يبقى صدر السياسي منفتحًا على التعلم، استجابة لما تقتضيه القاعدة الشهيرة: (وحدهم الموتى هم الذين لا يتعلمون)، وأن يتجنب القائد باعتباره حكيما ً العُصاب الذي يربط التعلم بالطفولة وخبرات المدرسة السيئة حيث كان التعلم قسرًا، فالحكيم هو الذي يبقى يتعلم. (ويا بردها على الكبد من عالِم يقول لا أدري وهو يدري). وسنقدم هنا بعضاً من خبرتنا التي نسجنا بعضها في كتابنا المخصص للقادة (القواعد النفسية للسلطة): الواقع (أي الموجودات) هو الذي يتحكم في السياسة. وليس الأحلام وليس الرغبات. وأول دروس السياسة إذا أردنا أن تتحكم بالواقع، علينا الانصياع له؛ ولا يعني هذا الاستسلام لكل ما في الواقع، ولكن البداية تكون بالاعتراف بهذا الواقع والتعامل معه لتجاوزه؛ فشرط التجاوز التحقق، كما يقول الفيلسوف الألماني هيغل. بمعنى أننا عندما نكون مهزومين؛ لا ينبغي أن نُقنع نفسنا والآخرين بأننا منتصرون، أو إننا في وضع مقبول. لنعترف بالهزيمة ولا نستسلم لها، ولنعلم أن أول دروس السياسة : (أن علينا أن نُجبر الظروف المتحجرة على الرقص بأن نُغني لها لحنها ذاته). بنفس الوقت لا نجلد ذاتنا والآخرين، وبعلمٍ أن (الكرّة للضواري)، وبذات الوقت، كيف نطبق القاعدة الشهيرة في العمل السياسي: (تعلم كيف تُهزَم)؛ أي كيف تقع واقفاً. ذلك أن الصراع جولات، لذا فإن الكرّة تكون عندما نهيئ الواقع لكي يكون أفضل. ألف باء السياسة: ميزان القوى. ولا يجوز توقع أي تغيير أو نيل لمكتسبات خارج ميزان القوى. (واللي ماعندوش ما يلزموش)، لذا فإنه يستوجب أن يُسعى إلى تغيير موازين القوى بحيث تصبح أقوى وأفضل. والقاعدة هنا: أن نبني القوة بصمت ولا نتفاخر بها، ولا نعلن عنها بشكل مبكر والأفضل ألا نُعلن عنها أصلاً، لأننا نُعرضها بالإعلان المبكر إلى ما يسمى (fire back effect)؛ أي (أثر الاحتراق المبكر)، إذ أن أمرين يحرقان القوة والفكرة: الإعلان عنها قبل نضوجها، أو استخدامها في غير وقتها وفي غير مكانها وزمانها! ودون الإلتفات إلى ميزان القوى. وعندما نصل إلى القوة الملائمة، وقتها لا يجب علينا أن نستخدمها مباشرة؛ فقط يمكننا أن نُلوّح بها؛ لأن ثلث القوة يذهب عندما تستخدمها. إن جزءاً كبيراً من قيمة القوة (رهبتها وهيبتها). وعندما نُخيّر بين استخدام القوة وبين استخدام الدبلوماسية، لا يجب أن نتردد للحظة في استخدام الدبلوماسية، فهي الأقوى، ذلك أن استخدام القوة يكشفها، ويعرضها إلى القانون الأول في الفيزياء: (لكل فعل رد فعل)، ويصبح استخدام القوة (سجالاً)، وفي هذه الحالة لا تكون القوة ذات (رهبة)؛ لأن ما نستطيع أن نتعامل معه ونرد عليه، لا يكون مثلما ذاك الذين نتعامل معه كمجهول، لا نعرفه ونخشى تكاليفه. قاعدة مهمة في معاملات القوة، لا يجوز عند الاضطرار لاستخدامها الذهاب بعيداً في استخدامها؛ لأن ذلك يضعف القدرات اللاحقة. فقط يمكننا استخدامها بالتقسيط، ولكن لا يجب أن نتردد في توجيه الضربات القوية؛ لأن (الضربة التي لا تقتل تقوّي). ولا تجب المبالغة في استخدام القوة إلى اللانهاية، ولتترك لخصمنا منفذًا وحيداً يمر منه عبرنا؛ لأننا إذا لم نترك له ذلك المنفذ سيستميت، بينما وجود المنفذ يشكِّل في العامل النفسي فرصة له للهروب، سيختارها بدلاً من القتال حتى الموت! ففي الاعتبارات النفسية يفضل البشر حب الحياة على تعشّق الموت. وبكلمة بعلم النفس: (تفضيل ال Biophilia على ال Necrophilia). ولنتذكر أنه: لا يجب أن يُكسر الخصم بشكل كامل، فهذا ممنوع في العمل السياسي؛ ذلك أن قاعدة: رابح/رابح هي الوصفة الأساسية التي تمنع الصراع الاستنزافي. بينما قاعدة رابح/خاسر وصفة لحرب قادمة؛ لأن الخاسر سيحاول الانتقام من جديد باستعادة ميزان القوى والكرّة من جديد. بينما قاعدة خاسر/ خاسر فهي قاعدة الحروب العنيدة التي لا يتوقف أصحابها؛ إما على أمل النصر الكامل أو بسبب العناد الشخصي أحياناً، أو لعدم امتلاك المرونة الكافية والبراغماتية التي تقدم بعض التنازلات للوصول إلى تخفيض الصراع إلى أدنى درجاته أو الذهاب به إلى الغياهب. إن ميزان القوى هو الذي يحدد القدرة على (المنح /والمنع) وهو الذي يعطي الدبلوماسية أدواتها. لا شيءَ نهائيٌ في السياسة؛ لأن الأحداث تتحرك بشكل ديناميكي. الثابت الوحيد في السياسة هو المتغير. لذا علينا الصبر والعمل التدريجي لتغيير الوقائع. ولكن الأهم هو أن نكون مستعدين عندما تتغير تلك الوقائع من خارج حساباتنا، لاستثمار تلك المتغيرات، وبحيث لا نكون مجرد متلقين بفاعلية سلبية (passive).


الميادين
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- الميادين
"شاينا دايلي": إغلاق الأبواب أمام المفكرين لن يجعل أميركا عظيمة مرة أخرى
صحيفة "شاينا دايلي" الصينية تنشر مقال رأي يتناول تداعيات إلغاء تأشيرات الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة، ويستخدم هذه القضية كنقطة انطلاق لمناقشة التغيّر في السياسات الأميركية تجاه الطلاب الدوليين، والآثار السلبية لهذا التوجّه، مشيراً إلى أنّ الانفتاح على الطلاب الدوليين كان جزءاً أساسياً من عظمة أميركا، والتخلي عنه يهدّد مكانتها القيادية عالمياً. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: إنّ الدعوى القضائية التي رفعها أربعة طلاب دوليين في 11 نيسان/أبريل ضدّ وزارة الأمن الداخلي ومسؤولين آخرين في إدارة الهجرة، مُشيرين إلى أنّ وضعهم كطلاب قد أُنهي بشكل غير قانوني، والتي أعقبتها جلسة استماع في المحكمة، لا تُمثّل تحدّياً قانونياً فحسب، بل تُمثّل أيضاً جرس إنذار مُلِحاً للإدارة الأميركية. تُمثّل الموجة الأخيرة من إلغاء تأشيرات الطلاب، والتي نُفِّذ الكثير منها من دون أيّ تفسير علني أو وضوح إجرائي، تحوّلاً جذرياً عن التقليد الراسخ المتمثّل في الترحيب بالمواهب الأجنبية في الولايات المتحدة. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة بمثابة مغناطيس لألمع العقول في جميع أنحاء العالم، حيث يُشكّل الطلاب الدوليون ركيزة أساسية لهيمنة البلاد العلمية والتكنولوجية. ومع ذلك، في ظلّ إدارة دونالد ترامب الثانية، أصبح هذا التقليد مُهدّداً. بحلول 11 نيسان/أبريل، تمّ إلغاء تأشيرات ما يصل إلى 700 طالب دولي - بعضهم قبل أسابيع فقط من تخرّجهم. وأُمر العديد منهم فجأةً بمغادرة البلاد، مما ترك الجامعات تُكافح لإيجاد سبل تسمح لهم بإكمال دراستهم عن بُعد. ولم يُقدَّم أيّ مبرّر مُقنع لهذه الحملة الشاملة. يبدو أنّ الدافع وراء هذا هو الحماسة الأيديولوجية أكثر من أيّ تحليل سياسي سليم. إنّ الضرر الذي يلحقه هذا بالولايات المتحدة فوري وطويل الأجل. فعلى المستوى الاقتصادي، يُساهم الطلاب الدوليون بمليارات الدولارات سنوياً، وهو تمويل لا يدعم الجامعات فحسب، بل يدعم أيضاً الاقتصادات المحلية في المدن والبلدات التي يعيش فيها هؤلاء الطلاب ويدرسون. 18 نيسان 14:46 18 نيسان 13:34 إن التكلفة الفعلية لطرد الطلاب تتجاوز الحسابات المالية بكثير. فعلى مرّ التاريخ الحديث، كان الطلاب الدوليون في صميم أعمق الإنجازات العلمية والتكنولوجية للولايات المتحدة. وتدين الولايات المتحدة ببعض أهمّ اكتشافاتها للمهاجرين الذين وصلوا إليها في البداية كطلاب. ومن بينهم حائزون على جائزة نوبل من أصل صيني مثل يانغ تشن نينغ، وتسونغ داو لي، ودانيال تشي تسوي، وهم روّاد في الفيزياء شكّلت أعمالهم مجالات علمية بأكملها. كما أثرى العلماء الدوليون الحياة الثقافية والسياسية. التقى والد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الكيني، بوالدته الأميركية أثناء دراسته في الولايات المتحدة. وعندما أصبح ابنهما رئيساً، غيّر الخطاب السياسي للبلاد. درس إيلون ماسك، المنحدر من جنوب أفريقيا، في جامعة بنسلفانيا قبل أن يؤسّس شركات ثورية مثل سبيس إكس ويستحوذ على المنصة المعروفة الآن باسم إكس (المعروفة سابقاً باسم تويتر). على المرء أن يتخيّل الولايات المتحدة من دون هؤلاء الأفراد ليدرك ما هو على المحكّ. هل كانت ستظلّ منارة للابتكار والحرية والقيادة العالمية لو أنها رفضت الأشخاص الذين ساهموا في تحديد هويتها الحديثة؟ قد يوفّر طرد الطلاب الدوليين رضاً مؤقتاً لقاعدة سياسية مدفوعة بـ"مخاوف من التضاؤل الثقافي أو المنافسة الاقتصادية". قد يخلق وهماً بـ"الاهتمام بمصالحنا الخاصة". لكنّ هذه القومية قصيرة النظر تقوّض مصالح البلاد على المدى الطويل. إنّ الولايات المتحدة الأقلّ تنوّعاً، والأقلّ ترابطاً، والأقلّ ابتكاراً لن ينتهي بها الأمر إلا إلى انكماش في الفطيرة الاقتصادية. لحسن الحظ، ليس الجميع في الولايات المتحدة يغضّ الطرف. في 25 آذار/مارس، رفع معهد نايت للتعديل الأول في جامعة كولومبيا دعوى قضائية ضدّ سياسات الحكومة المتعلّقة بالتأشيرات. يوم الجمعة، حثّ مدّعون عامّون من 19 ولاية ديمقراطية قاضياً فيدرالياً على منع قرار إدارة ترامب بإلغاء مئات تأشيرات الطلاب الدوليين. تُظهر هذه الإجراءات أنّ الكثيرين في أجزاء من الولايات المتحدة ما زالوا يدركون ما يجعل الولايات المتحدة عظيمة حقاً. إنها ليست الجدران التي تبنيها أو الحدود التي تُضيّقها، بل الانفتاح الذي أتاحته سابقاً للحالمين والفاعلين والمفكّرين في العالم. إنّ التخلّي عن هذا الانفتاح الآن لن يخون إرثه فحسب، بل سيُسرّع من تراجعه. نقله إلى العربية: الميادين نت


الجمهورية
١١-٠٤-٢٠٢٥
- الجمهورية
جائزة «نوبل» للطائرات المسيَّرة
يقول الفيلسوف الألماني «هيغل»: «تندلع الحروب عندما تكون ضرورية، ثمّ تنمو المواسم من جديد وتتوقّف الألسنة عن الثرثرة أمام جدّيـةِ التاريخ» (1). ولكنّ الحروب، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط، تندلع، ويندلع معها التاريخ، وتندلع المواسم، كأنما الله قد صبَّ غضبَهُ على هذه المنطقة بما يشبه الطوفان. قبل نشوء المنظمات الدولية: الأمم المتحدة (1945)، شرعة حقوق الإنسان (1948)، مجلس الأمن الذي يُعتبر «المسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليَّين»، كانت الدولُ كما القبائل، تحلّ الصراعات فيما بينها بالغزو الدموي. تصَّوروا أبرز مشاهدها التاريخية في الشرق العربي: جيش المغول يدخل بغداد 1258 بقيادة «هولاكو» يدمّر معالمها الحضارية، يغرق في نهر دجلـة دماء الملايين من البشر «ودماء» الملايين من الكتُب، حتى قال المؤرّخ «إبن الأثير»: «إنّ العالم منذ أنْ خُلِقَ آدم وحواء لم يشهد مثل هذه المجازر». وها هو تيمورلنك في المقابل، يغزو دمشق (1400)، يفرش الأرضَ بالجثث، يحرق المدينة والمسجد الأموي، يبني الأبراج والمآذن بالجماجم، على ما يذكر «إبن أياس»، والغريب أنَّ تيمورلنك كما يقول المؤرّخون، كان متديِّناً، وكان يحمل مع جيشه مسجداً متحرّكاً ليؤدّي فيه الصلاة. بعد نشوء المرجعيات والمنظمات الدولية المعنية بالسلام العالمي وحقوق الإنسان، ماذا تغيّر في هذا العالم عمّا كان من مجازر في عهد المغول. المشكلة في أنّ هذه المرجعيات وفي طليعتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن أصبحت محكومةً من جبابرة الدول الكبرى. والمشكلة الثانية: في هذا الإنخفاض الذريع في مستوى قيادات الدول الكبرى التي تحتكر قرار الحرب وقرار السلم. حين كانت مثلاً، معاهدة «يالطا» للسلام في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945 موقَّعة من: الولايات المتحدة بزعامة «روزفلت»، والإتحاد السوفياتي بزعامة ستالين، وبريطانيا بزعامة تشرشل. تصوّروا اليوم كيف انحدر مستوى الزعامات الدولية إلى مجاهل القرون الوسطى، فانخرط معها العالم في الحشود العسكرية الخاضعة لنظام الإرهاب. وحين أصبحت القوانين والعلائق الدولية محكومةً بحكم الميادين، فإذا الحرب تصنع الدولة والدولة تصنع الحرب، أصبحت المحافظة على الوجود الكياني والإنساني مرتبطة بالتفوق العسكري المسلّح. من هنا، برزت تلك الجنيّة الساحرة التي اسمها الطائرات المسيَّرة، فراحت تشكِّل تنافساً محموماً بين الدول، تُخصَّصُ لها كبرى الموازنات على حساب شؤون الحياة ومعيشة الإنسانية المعذَّبة. هذه المسيّرات: تخفّف أعباء الحروب الباهظة، تحول دون المواجهة الكلاسيكية المباشرة بين الجيوش، تحقّق أهداف الحرب بالإغتيالات، تشكّل توازناً نسبيّاً في القدرة القتالية بين الدول الكبرى والصغرى، كما هي الحال بين روسيا وأوكرانيا، فهي إذاً تستحقّ جائزة «نوبل للحرب» ولا تستبشروا بعد ذلك مع «هيغل» «بأنّ الحروب تتوقَّف مع جدّية التاريخ». مع سقوط المواثيق الدولية، لا يبقى إلاّ الرجوع إلى رحاب الله خلاصاً... إلى رحاب الله الذي فوق، وليس الله الذي حمله تيمورلنك في مسجد متحرّك إلى الشام، وليس الله الذي يؤْمنُ به اليهود قائداً عسكرياً لتحقيق انتصاراتهم على الشعوب، وليس الله الذي تجنّده التنظيمات الإرهابية جندياً معها في القتال. وحدَه اكتشاف الله الذي انطفأ نورُه في أعماق أُلوهيَّةِ السلاطين، هو القادر على تحقيق السلام لبني البشر. يقول أرسطو «إذا كان الله غير موجود فعلينا اكتشاف الله كي لا يفقد الناسُ عقولهم»، وليس الجنون هو الوسيلة الفضلى لاكتشاف الله.