
مع تأييد 81% من المغاربة لحق المرأة في العمل.. هل تكون 'كوطا النساء' حلا لأزمة البطالة؟
رغم تعاقب الأزمات الاقتصادية والبيئية على المغرب خلال السنوات الأخيرة، يُظهر الاقتصاد المغربي علامات صمود لافتة في بيئة إقليمية مضطربة. فقد نجحت السياسات العمومية، بحسب دراسة صادرة عن إدارة الدراسات الاقتصادية لمجموعة 'كريدي أغريكول' الفرنسية، في الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، بما في ذلك استقرار العملة والتحكم في المالية العامة، رغم الضغوط المتتالية الناجمة عن جائحة كوفيد، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة جراء الحرب في أوكرانيا، فضلا عن الزلازل والجفاف المتكرر.
ومع أن هذا الاستقرار يُعد مكسبا مهما في محيط إقليمي يعاني من هشاشة واضحة، كما هو الحال في مصر وتونس اللتين تعانيان أزمات مالية عميقة، أو الجزائر التي لا تزال رهينة نموذج ريعي متآكل، أو ليبيا الغارقة في مرحلة انتقالية لم تكتمل، إلا أن المغرب يواجه تحديا جوهريا يُهدد استدامة ديناميته الاقتصادية: تفاقم البطالة، خصوصا في صفوف النساء والشباب.
وفي دراسة فرعية ستُنشر لاحقا، وتحيل عليها الوثيقة، تم إجراء مسح يُظهر أن 81 بالمائة من المغاربة يُقرون بحق النساء في العمل، لكن هذه النسبة تنخفض إلى 21 بالمائة فقط حين يتعلق الأمر بعمل المرأة التي لديها طفل يقل عمره عن ثلاث سنوات. كما أن 54 بالمائة فقط يؤيدون عمل النساء إذا لم يكن هناك دافع اقتصادي. الأخطر من ذلك هو التباين بين الرأي الشخصي والتصور الجماعي: فبينما يدعم الأفراد الفكرة، يظنون أن المجتمع لا يُشاركهم هذا الرأي، ما يخلق فجوة تُغذي الخوف من الحكم الاجتماعي، وتُعمّق الفجوة بين النساء وسوق الشغل.
وتقترح الدراسة حلولا عملية لتجاوز هذه المعضلة، من بينها إطلاق حملات توعية مُركّزة تستهدف تغيير المواقف الاجتماعية من خلال التعليم ووسائل الإعلام، إضافة إلى تشجيع السياسات التحفيزية، مثل الحوافز الضريبية للمؤسسات التي توظف النساء، أو تطبيق حصص (كوطا) كما فعلت المملكة العربية السعودية، حيث ساهمت هذه الإجراءات في خفض معدلات البطالة بشكل ملموس خلال السنوات الأخيرة رغم الطابع المحافظ للمجتمع.
تشير بيانات الدراسة إلى أن معدل النمو الاقتصادي قد تراجع من متوسط 4.3 بالمائة في الفترة ما بين 2004 و2014 إلى متوسط 2.5 بالمائة فقط في الفترة ما بين 2015 و2024، وهو ما يدفع لطرح تساؤل جوهري: هل أصبح الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي يُشكل كلفة على حساب الحيوية الاقتصادية؟ فمع تباطؤ خلق فرص الشغل، ارتفع معدل البطالة إلى 13.3 بالمائة في 2024، وهي أعلى نسبة مسجلة خلال العقد الأخير، مقارنة بـ13 بالمائة فقط في 2023.
تعزو الدراسة هذا الواقع إلى مجموعة من العوامل الهيكلية، مثل ضعف ارتباط النمو بخلق مناصب الشغل، حيث ارتفع عدد السكان في سن العمل بأكثر من 10 بالمائة خلال العقد الماضي، بينما لم ترتفع فرص العمل إلا بـ1.5 بالمائة فقط. وتضيف أن الضغوط البيئية – خاصة الإجهاد المائي – أدت إلى فقدان وظائف كثيرة في القطاع الفلاحي، في وقتٍ لا تزال فيه القطاعات الحضرية عاجزة عن تعويض هذا الفقدان.
على الرغم من ذلك، فإن المغرب شرع منذ 2021 في تنفيذ خطة إصلاحية طموحة تُعرف بـ'النموذج التنموي الجديد'، وهي، حسب الدراسة، مبنية على تشخيص واقعي دقيق يُلامس عن قرب عنق الزجاجة المؤسساتي والاختلالات البنيوية التي تُعيق النمو. تتقاطع هذه الخطة مع توصيات المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، الداعي إلى تحسين مناخ الأعمال، وتحفيز الاقتصاد المهيكل، وتعزيز المنافسة، ورفع جودة الخدمات العمومية.
ورغم أن المؤشرات الأولية تظهر تحسنا في بعض المجالات – لا سيما على مستوى الصادرات التي قفزت إلى معدل 41 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ما بين 2021 و2024 مقارنة بـ33.5 بالمائة ما بين 2016 و2020، إلا أن هذا التقدم لم ينعكس بشكل ملموس على مستوى البطالة.
وتبرز الدراسة معطى صادما فيما يتعلق بمشاركة النساء في سوق الشغل، حيث انخفضت من 30 بالمائة في 1999 إلى 19 بالمائة في 2024، وهو من أدنى المعدلات عالميا، رغم تحسن مؤشرات التعليم وتراجع معدل الخصوبة. وتؤكد أن النساء يُواجهن تحديات مركبة، ليس فقط في المجال القروي حيث القطاع الفلاحي هو المُشغل الأكبر لهن، بل أيضا في المدن بسبب غياب سياسات داعمة، مثل توفير حضانات للأطفال وتكييف ظروف العمل، ناهيك عن أعراف اجتماعية لا تزال تُقيّد دور المرأة خارج المنزل.
وتؤكد الدراسة أن المغرب، رغم كل التحديات، أظهر قدرة كبيرة على التكيف وإدارة الأزمات، ويملك الآن فرصة تاريخية لتحويل هذه القدرة إلى زخم تنموي فعلي، شرط أن تُستكمل الإصلاحات الجارية بسياسات اجتماعية واقتصادية جريئة تعالج الاختلالات البنيوية، وعلى رأسها ضعف إدماج النساء في الاقتصاد الوطني. لأنه، كما تُشير الوثيقة، فإن الحل الفعلي لتحفيز النمو وتقليص البطالة قد لا يكمن فقط في مزيد من الاستثمارات أو التصدير، بل في استغلال الطاقات البشرية المُهمّشة داخل المجتمع.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


لكم
منذ يوم واحد
- لكم
مع تأييد 81% من المغاربة لحق المرأة في العمل.. هل تكون 'كوطا النساء' حلا لأزمة البطالة؟
رغم تعاقب الأزمات الاقتصادية والبيئية على المغرب خلال السنوات الأخيرة، يُظهر الاقتصاد المغربي علامات صمود لافتة في بيئة إقليمية مضطربة. فقد نجحت السياسات العمومية، بحسب دراسة صادرة عن إدارة الدراسات الاقتصادية لمجموعة 'كريدي أغريكول' الفرنسية، في الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، بما في ذلك استقرار العملة والتحكم في المالية العامة، رغم الضغوط المتتالية الناجمة عن جائحة كوفيد، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة جراء الحرب في أوكرانيا، فضلا عن الزلازل والجفاف المتكرر. ومع أن هذا الاستقرار يُعد مكسبا مهما في محيط إقليمي يعاني من هشاشة واضحة، كما هو الحال في مصر وتونس اللتين تعانيان أزمات مالية عميقة، أو الجزائر التي لا تزال رهينة نموذج ريعي متآكل، أو ليبيا الغارقة في مرحلة انتقالية لم تكتمل، إلا أن المغرب يواجه تحديا جوهريا يُهدد استدامة ديناميته الاقتصادية: تفاقم البطالة، خصوصا في صفوف النساء والشباب. وفي دراسة فرعية ستُنشر لاحقا، وتحيل عليها الوثيقة، تم إجراء مسح يُظهر أن 81 بالمائة من المغاربة يُقرون بحق النساء في العمل، لكن هذه النسبة تنخفض إلى 21 بالمائة فقط حين يتعلق الأمر بعمل المرأة التي لديها طفل يقل عمره عن ثلاث سنوات. كما أن 54 بالمائة فقط يؤيدون عمل النساء إذا لم يكن هناك دافع اقتصادي. الأخطر من ذلك هو التباين بين الرأي الشخصي والتصور الجماعي: فبينما يدعم الأفراد الفكرة، يظنون أن المجتمع لا يُشاركهم هذا الرأي، ما يخلق فجوة تُغذي الخوف من الحكم الاجتماعي، وتُعمّق الفجوة بين النساء وسوق الشغل. وتقترح الدراسة حلولا عملية لتجاوز هذه المعضلة، من بينها إطلاق حملات توعية مُركّزة تستهدف تغيير المواقف الاجتماعية من خلال التعليم ووسائل الإعلام، إضافة إلى تشجيع السياسات التحفيزية، مثل الحوافز الضريبية للمؤسسات التي توظف النساء، أو تطبيق حصص (كوطا) كما فعلت المملكة العربية السعودية، حيث ساهمت هذه الإجراءات في خفض معدلات البطالة بشكل ملموس خلال السنوات الأخيرة رغم الطابع المحافظ للمجتمع. تشير بيانات الدراسة إلى أن معدل النمو الاقتصادي قد تراجع من متوسط 4.3 بالمائة في الفترة ما بين 2004 و2014 إلى متوسط 2.5 بالمائة فقط في الفترة ما بين 2015 و2024، وهو ما يدفع لطرح تساؤل جوهري: هل أصبح الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي يُشكل كلفة على حساب الحيوية الاقتصادية؟ فمع تباطؤ خلق فرص الشغل، ارتفع معدل البطالة إلى 13.3 بالمائة في 2024، وهي أعلى نسبة مسجلة خلال العقد الأخير، مقارنة بـ13 بالمائة فقط في 2023. تعزو الدراسة هذا الواقع إلى مجموعة من العوامل الهيكلية، مثل ضعف ارتباط النمو بخلق مناصب الشغل، حيث ارتفع عدد السكان في سن العمل بأكثر من 10 بالمائة خلال العقد الماضي، بينما لم ترتفع فرص العمل إلا بـ1.5 بالمائة فقط. وتضيف أن الضغوط البيئية – خاصة الإجهاد المائي – أدت إلى فقدان وظائف كثيرة في القطاع الفلاحي، في وقتٍ لا تزال فيه القطاعات الحضرية عاجزة عن تعويض هذا الفقدان. على الرغم من ذلك، فإن المغرب شرع منذ 2021 في تنفيذ خطة إصلاحية طموحة تُعرف بـ'النموذج التنموي الجديد'، وهي، حسب الدراسة، مبنية على تشخيص واقعي دقيق يُلامس عن قرب عنق الزجاجة المؤسساتي والاختلالات البنيوية التي تُعيق النمو. تتقاطع هذه الخطة مع توصيات المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، الداعي إلى تحسين مناخ الأعمال، وتحفيز الاقتصاد المهيكل، وتعزيز المنافسة، ورفع جودة الخدمات العمومية. ورغم أن المؤشرات الأولية تظهر تحسنا في بعض المجالات – لا سيما على مستوى الصادرات التي قفزت إلى معدل 41 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ما بين 2021 و2024 مقارنة بـ33.5 بالمائة ما بين 2016 و2020، إلا أن هذا التقدم لم ينعكس بشكل ملموس على مستوى البطالة. وتبرز الدراسة معطى صادما فيما يتعلق بمشاركة النساء في سوق الشغل، حيث انخفضت من 30 بالمائة في 1999 إلى 19 بالمائة في 2024، وهو من أدنى المعدلات عالميا، رغم تحسن مؤشرات التعليم وتراجع معدل الخصوبة. وتؤكد أن النساء يُواجهن تحديات مركبة، ليس فقط في المجال القروي حيث القطاع الفلاحي هو المُشغل الأكبر لهن، بل أيضا في المدن بسبب غياب سياسات داعمة، مثل توفير حضانات للأطفال وتكييف ظروف العمل، ناهيك عن أعراف اجتماعية لا تزال تُقيّد دور المرأة خارج المنزل. وتؤكد الدراسة أن المغرب، رغم كل التحديات، أظهر قدرة كبيرة على التكيف وإدارة الأزمات، ويملك الآن فرصة تاريخية لتحويل هذه القدرة إلى زخم تنموي فعلي، شرط أن تُستكمل الإصلاحات الجارية بسياسات اجتماعية واقتصادية جريئة تعالج الاختلالات البنيوية، وعلى رأسها ضعف إدماج النساء في الاقتصاد الوطني. لأنه، كما تُشير الوثيقة، فإن الحل الفعلي لتحفيز النمو وتقليص البطالة قد لا يكمن فقط في مزيد من الاستثمارات أو التصدير، بل في استغلال الطاقات البشرية المُهمّشة داخل المجتمع.


المغرب الآن
منذ 2 أيام
- المغرب الآن
غاز البوطان بين تحيين الأسعار وتكلفة الدعم: هل دخلنا مرحلة إعادة هيكلة غير معلنة؟
دخل حيز التنفيذ، في 29 ماي 2025، قرارٌ جديد صادر عن وزيرة الاقتصاد والمالية نادية فتاح، يقضي بتغيير وتحيين أسعار نقل غاز البوطان بين أماكن التزويد ومراكز التعبئة. هذا القرار، الذي حمل الرقم 1149.25، وجرى اعتماده بعد استطلاع رأي اللجنة المشتركة بين الوزارات للأسعار، يبدو في ظاهره تقنيًا وإجرائيًا. غير أن تمحيص خلفياته يفتح الباب لسؤال أوسع: هل يشكّل هذا التحيين مقدمةً لإعادة هيكلة الدعم الطاقي بالمغرب، في سياق الضغوط المالية المتزايدة ومتغيرات السوق الدولية؟ من المحمدية إلى بزو: أرقام تنقل… ولكنها تُفصح عن ما هو أعمق ينص الملحق الثالث من القرار المحدث على أن تكلفة نقل الطن-المتر من غاز البوطان من مدينة المحمدية – قلب صناعة الغاز المغربي – إلى مركز التعبئة ببزو تُقدّر بـ266 درهما دون احتساب الرسوم. أما التكاليف بين المحمدية ومديونة، فقد حُدّدت بـ27 درهما فقط. ولعل الفرق الشاسع بين هذين الرقمين يشي بتفاوتات جغرافية واقتصادية في البنية التحتية، ويعيد إلى السطح السؤال القديم الجديد حول العدالة المجالية في توزيع كلفة الدعم والخدمات الأساسية. لكن اللافت أكثر هو التنصيص على تكلفة النقل من ميناء طنجة المتوسط – المنصة الاستراتيجية المرتبطة بشبكات التجارة الدولية – إلى مركز سوق الأربعاء، والتي بلغت 169 درهما للطن متر. هذه الأرقام، وإن بدت محاسباتية، تعكس دينامية أعمق: هل نحن أمام تمهيد لإدخال مبدأ 'التكلفة الحقيقية' في تسعير المواد المدعّمة؟ سياق اقتصادي مضغوط… وصندوق المقاصة في عين العاصفة ضمن قانون مالية 2025، خُصّص أكثر من 16.5 مليار درهم لصندوق المقاصة، خصصت أساسًا لدعم غاز البوطان والسكر والدقيق الوطني. ورغم ارتفاع سعر قنينة غاز البوطان من فئة 12 كلغ بـ10 دراهم في ماي 2024، فإن الدولة لا تزال تتحمل عبئًا ماليًا كبيرًا لتثبيت الأسعار في السوق الداخلية. لكن، إلى متى سيستمر هذا النهج؟ فوفقًا لتقارير سابقة صادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية، تتجاوز تكلفة دعم قنينة واحدة من فئة 12 كلغ 80 درهما في بعض الأحيان، خصوصًا مع التقلبات الحادة في الأسعار العالمية المرتبطة بالأزمات الجيوسياسية (أوكرانيا، الشرق الأوسط، تأرجح النفط…). أليس تحيين مصاريف النقل إذن، خطوة أولى نحو مراجعة شاملة لنظام الدعم، عبر بوابة تقنية؟ بين الإصلاح الصامت والخوف من ارتدادات شعبية إذا كان القرار الصادر حديثًا قد استند إلى نصوص تنظيمية سابقة تعود لحكومات عبد الإله بنكيران ثم العثماني، فإن تفعيله في عهد حكومة عزيز أخنوش لا يخلو من دلالات سياسية: فرئيس الحكومة الحالي، القادم من عالم المال والأعمال، يجد نفسه محاطًا بتحديات معقدة: الحفاظ على التوازنات المالية، الاستجابة للمؤسسات الدولية المانحة، وفي الوقت ذاته تفادي أي غضب شعبي قد يُلهب الشارع. فهل يتجه المغرب، مثلما حصل في بلدان مثل مصر أو تونس، إلى تفكيك منظومة الدعم بشكل تدريجي عبر إجراءات جزئية تمهيدية؟ أم أن الدولة عازمة على التوفيق بين دعم الفئات الهشة من جهة، وتحقيق 'عدالة اقتصادية' في توزيع كلفة النقل والخدمات من جهة ثانية؟ تجربة مقارنة: ما الذي تُخبرنا به السياسات الدولية؟ في تجارب عدة، اعتمدت حكومات أمريكا اللاتينية وآسيا نموذجًا يقوم على توجيه الدعم مباشرة للفئات المستهدفة، عوض دعم المواد. البنك الدولي نفسه أوصى المغرب منذ سنوات بتبني هذا التوجه، من خلال ما يُعرف بـ'التحويلات المالية المباشرة المشروطة'. هل هذا هو السيناريو المقبل في المغرب، حيث يتحول المواطن من مستفيد غير مباشر إلى متلقي دعم نقدي مباشر مقابل رفع أسعار السوق؟ خلاصة تحليلية: التحيين ليس مجرد تحديث للأرقام… بل إعادة طرح لسؤال العدالة الطاقية في الظاهر، قرار وزيرة المالية يتعلق فقط بتحيين أسعار نقل غاز البوطان. لكنه في العمق، يمثّل إشارات أولى لتحولات قد تكون جذرية في سياسة الدعم، وربما تمهيدًا لمرحلة 'ما بعد المقاصة'. وبين من يرى في هذا خطوة عقلانية لتقليص العجز، ومن يخشى من آثار اجتماعية محتملة، يبقى السؤال الأساسي مطروحًا: هل نحن أمام إصلاح تقني هادئ، أم بداية 'تحرير صامت' للأسعار؟ ولأن الجواب لا يوجد فقط في نصوص القرارات، بل في تفاعلات الشارع وأرقام الفاتورة العمومية، فإن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد وجهة هذا المسار.


أريفينو.نت
منذ 2 أيام
- أريفينو.نت
أكبر صناعة مغربية في مهب العاصفة هذه الأيام!
أريفينو.نت/خاص تواجه صادرات قطاع السيارات المغربي، الذي يُعد إحدى ركائز الاقتصاد الوطني، تحديات متزايدة في مطلع عام 2025، حيث سجلت انخفاضاً ملحوظاً بنسبة 7% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام. هذا التراجع، الذي يعتبر الأدنى للقطاع منذ أزمة كوفيد-19 خلال الربع الأول من العام، لا يبدو مجرد عارض ظرفي، بل مؤشراً على تباطؤ هيكلي أكثر عمقاً مما كان متوقعاً، مما يستدعي قراءة استراتيجية معمقة لتداعياته وسبل التعامل معه. فالطلب على السيارات ذات المحركات الحرارية التقليدية في السوق الأوروبية، الوجهة الرئيسية للصادرات المغربية، يشهد تراجعاً مستمراً، بينما تتسارع وتيرة التحول نحو السيارات الكهربائية، وتتكاثر القيود التنظيمية والمعايير البيئية والأمنية. هذا الوضع الجديد يضع النموذج الصناعي المغربي، الذي أثبت نجاحه وكفاءته حتى الآن، تحت ضغط متزايد. تحولات أوروبية عميقة.. النموذج المغربي أمام اختبار التكيف! يرى كبار مصنعي السيارات العاملين في المغرب، كمجموعتي 'رونو' و'ستيلانتيس'، أن المشكلة لا تكمن في مستوى تنافسية المنصة الصناعية المغربية، بل في طبيعة التحولات الجذرية التي يشهدها الطلب في السوق الأوروبية. فالمستهلك الأوروبي يتجه بشكل متزايد بعيداً عن السيارات التقليدية العاملة بالبنزين والديزل، بينما يتقدم التحول نحو السيارات الكهربائية والهجينة بخطى متسارعة. ويُشكل هذا تحدياً كبيراً، خاصة وأن الغالبية العظمى من السيارات المصدرة من المغرب لا تزال تعتمد على المحركات الحرارية. ولا يقتصر هذا التحول على التفضيلات التكنولوجية فحسب، بل يمتد ليشمل عامل التكلفة أيضاً. فاللوائح التنظيمية الأوروبية الجديدة تفرض معايير متزايدة الصرامة فيما يتعلق بالسلامة، والانبعاثات الكربونية، وغيرها من المتطلبات التقنية. وكل قيد تنظيمي جديد يضيف عبئاً على تكلفة الإنتاج، ويدفع المصنعين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم الإنتاجية، ويؤدي إلى تباطؤ الطلب على بعض فئات السيارات. يُضاف إلى ذلك، بحسب مراقبين، إشارات أقل وضوحاً ولكنها لا تقل أهمية استراتيجية، تتمثل في التوترات التجارية المتصاعدة مع بروكسل. فمن خلال اعتبار بعض الإجراءات التحفيزية المغربية بمثابة 'إعانات غير قانونية'، تفتح المفوضية الأوروبية الباب أمام تحديات جديدة. ويمثل فرض رسوم جمركية مؤخراً على عجلات الألمنيوم المصدرة من المغرب رسالة واضحة بأن المناخ التجاري يزداد صعوبة. فالمغرب، الذي بنى جاذبيته الاستثمارية طويلاً على مزيج من البنية التحتية المتطورة، واليد العاملة المؤهلة، والمزايا الضريبية، يجد نفسه اليوم مطالباً بالدفاع قانونياً عن نموذج تنافسيته. ورغم هذه التحديات، يؤكد خبراء أن المغرب لا يزال يحتفظ بميزات تنافسية قوية، كال قرب اللوجستي من أوروبا والاستقرار الاقتصادي الكلي. وزارة الصناعة ترد: تشخيص دقيق.. واستراتيجية استباقية للتحول! وفي حوار خاص، قدمت السيدة عايدة فتحي، مديرة صناعة السيارات بوزارة الصناعة والتجارة، إيضاحات هامة حول هذا الوضع. وأكدت فتحي صحة التشخيص الذي قدمته شركتا 'رونو' و'ستيلانتيس'، مشيرة إلى أن 'السوق الأوروبية تجتاز بالفعل مرحلة تحول عميقة، تتسم بانخفاض هيكلي في الطلب، وسياق تضخمي، وضغط تنظيمي متزايد'. وأضافت أنه بناءً على طلب المصنعين، وافقت المفوضية الأوروبية على فتح حوار استراتيجي حول مستقبل صناعة السيارات الأوروبية بهدف دعم هذا القطاع وتخفيف القيود التنظيمية. وأوضحت أن المغرب، كمنصة صناعية متكاملة مع أوروبا، يتأثر حتماً بهذه التطورات، بل ويشكل امتداداً تنافسياً للقارة العجوز. وشددت على أن 'صناعة السيارات المغربية قد بُنيت على أسس متينة من التنافسية والجودة والمرونة، وهذه الميزات لا تزال قائمة وفعالة، حتى في ظل السياق الأوروبي المتوتر'. وأشارت إلى أن تصدير المغرب لغالبية إنتاجه نحو أوروبا 'ليس خيار تبعية، بل هو واقع اقتصادي تفرضه الجغرافيا والشراكات التاريخية، فأوروبا هي جارتنا وشريكنا التجاري الرئيسي، وسوقها يتميز بديناميكية تاريخية'. وأضافت: 'ومع ذلك، فإن سياراتنا وقطع غيارنا تُصدر حالياً إلى أكثر من 90 دولة حول العالم'. إقرأ ايضاً المغرب في قلب ثورة 'الكهربة'.. ومشاريع واعدة لبطاريات المستقبل! وفيما يتعلق بالتحول نحو السيارات الكهربائية، أكدت عايدة فتحي أن 'المغرب قد انخرط في هذا التوجه منذ سنوات، وليس متأخراً كما قد يعتقد البعض، بل على العكس تماماً'. وأوضحت أن المملكة تنتج حالياً سيارات كهربائية مخصصة للتنقل الحضري المصغر (مثل سيتروين AMI، وأوبل Rocks-e، وفيات توبولينو، وموبيلايز)، بالإضافة إلى سيارات هجينة (مثل رونو جوغر)، 'وتتموقع المملكة في طليعة الدول المرشحة لتصنيع موديلات جديدة من السيارات الكهربائية، سواء كانت أوروبية أو صينية أو غيرها'. وأضافت أن 'التوطين التدريجي لسلسلة قيمة بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب يعزز ويرسخ مكانة المملكة كمنصة عالمية من بين الأكثر تنافسية في مجال إنتاج وتصدير السيارات النظيفة'. وحول الانخفاض المسجل في الصادرات خلال الربع الأول من عام 2025 بنسبة 7.8%، والذي وُصف بأنه غير مسبوق خارج فترة جائحة كوفيد، أوضحت فتحي أن 'هذا التباطؤ يعود في المقام الأول إلى عوامل ظرفية، مرتبطة بصعوبات في التصدير نتيجة قيود تقنية، وعمليات سحب لبعض المركبات المجهزة بمحركات معيبة من الأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى عمليات صيانة مبرمجة على خطوط الإنتاج'. وأكدت أنه 'من المهم وضع هذا التطور في سياقه العالمي، حيث يشهد سوق السيارات الأوروبي تراجعاً عاماً في المبيعات، خاصة فيما يتعلق بالسيارات الحرارية منخفضة التكلفة. وفي المقابل، فإن السيارات المكهربة المنتجة في مصنعي القنيطرة وطنجة تواصل تحقيق نمو متزايد'. وأشارت إلى أن بعض المكونات المصدرة، مثل ظفائر الأسلاك، شهدت زيادة في الطلب من أسواق أخرى، حيث بلغت حصة المغرب السوقية منها في أوروبا 34%. وخلصت إلى أنه 'في سياق عالمي متغير، من الأنسب تحليل أرقام القطاع على أساس سنوي وليس ربع سنوي'. وشددت مديرة صناعة السيارات على أن 'الصناعة المغربية قد دخلت مرحلة جديدة، مسترشدة بالرؤية المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، التي تضع السيادة الصناعية في صميم الأولويات الوطنية. وهذا يعني تحقيق قيمة مضافة محلية أكبر، وتطوير الهندسة والتصميم المحلي، بالإضافة إلى تعزيز قدرة القطاع على الصمود في مواجهة التحولات العالمية'. وأكدت أن المغرب ليس متأخراً في مجال الكهربة، 'فمن بين ثلاثة عشر طرازاً من السيارات المنتجة حالياً في المغرب، هناك خمسة طرازات بالفعل كهربائية أو هجينة، أي ما يقرب من 40% من الإنتاج المحلي. ومن المتوقع أن ترتفع هذه الحصة في السنوات القادمة، مع إقرار مشاريع صناعية جديدة في قطاعات السيارات المكهربة'. وأوضحت أن المغرب 'يتابع عن كثب متطلبات السوق الأوروبية فيما يتعلق بإزالة الكربون ويستجيب لها بطرازات ملائمة. ولكن من الضروري أيضاً الحفاظ على توازن معين في مزيج إنتاجنا، خاصة لتلبية الطلب المتزايد في أسواق أفريقيا والشرق الأوسط، حيث لا تزال المحركات الحرارية هي السائدة لأسباب تتعلق بالتكلفة والبنية التحتية'. وأكدت أن 'الانتقال نحو السيارات الكهربائية قد بدأ بالفعل وبقوة في المغرب، ليس فقط على مستوى إنتاج المركبات، ولكن أيضاً من خلال الاستثمارات الهيكلية في كامل سلسلة قيمة البطاريات. وبالتالي، فإن هذا التحول يتم بشكل تدريجي ومدروس، ويتماشى تماماً مع استراتيجية السيادة الصناعية للمملكة'. وحول إمكانية إعادة توجيه القاعدة الصناعية المغربية نحو إنتاج سيارات كهربائية منخفضة التكلفة، خاصة في فئة سيارات المدينة الكهربائية ذات الأسعار المعقولة والتي تحقق فيها الصين تقدماً كبيراً، قالت عايدة فتحي إن هذا الأمر 'ليس ممكناً فحسب، بل قد بدأ بالفعل بشكل ملموس. فالمغرب ينتج اليوم سيارات كهربائية فائقة الصغر، موجهة بشكل شبه حصري للتصدير'. وذكرت كمثال أن 'سيارة سيتروين AMI قد تم تصميمها وتطويرها من قبل مهندسين وتقنيين مغاربة داخل مركز أفريقيا التقني (ATC) التابع لمجموعة ستيلانتيس بالدار البيضاء، وبمشاركة من المنظومة الهندسية المحلية. كما أطلقت رونو من جانبها إنتاج سيارة موبيلايز في مصنعها بطنجة، وأنشأت مؤخراً مركزها الهندسي الخاص'. واعتبرت أن 'هذا التموقع الاستراتيجي في قطاع سيارات المدينة الكهربائية ذات الأسعار المعقولة يسمح للمغرب بمواكبة التوجهات العالمية الجديدة في مجال التنقل الحضري، مع تعزيز ارتقائه في سلم القيمة الصناعية'. رسوم بروكسل.. الوزارة تدرس سبل الطعن وتأسف للتوجهات الأوروبية! وفيما يتعلق بقرار المفوضية الأوروبية اعتبار بعض الحوافز المغربية بمثابة 'إعانات غير قانونية' وفرض رسوم تعويضية على شركات مصنعة لعجلات الألمنيوم في المغرب، أوضحت عايدة فتحي أن 'الوزارة تعتبر أن الرسوم التعويضية المفروضة (31.45% على شركة Dika Morocco Africa، و5.60% على شركة Hands) تشوبها نقاط عدم توافق مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية. وبالتالي، فإن الوزارة تعكف حالياً على دراسة سبل الطعن القانونية المناسبة ضد هذه الإجراءات'. وأعربت عن أسف الوزارة 'للتوجهات التي اتخذتها المفوضية الأوروبية، والتي يبدو أنها تهدف إلى تقييد الاستثمارات الصينية في المغرب وتشجيع توجيهها نحو أوروبا بدلاً من ذلك'.