logo
نهاية عصر التحالفات الرمزيّة

نهاية عصر التحالفات الرمزيّة

عكاظ٠٨-٠٥-٢٠٢٥

لقد قدّم الغرب للعالم إرثاً فكرياً وعلمياً وحضارياً أثّر في مسيرة الإنسانية جمعاء، من تقدم تكنولوجي وثورات طبية واختراعات غيّرت وجه الحياة. لكن هذه الإسهامات الإيجابية لم تكن منفصلة عن رؤية استعمارية توسعية، حيث حوّل الغرب تفوقه الصناعي والعلمي إلى أداة لتعزيز هيمنته، مستغلاً ثروات الشعوب ومقدراتها لضمان رفاهيته على حساب الآخرين.
وفي المجال السياسي، روّج الغرب لنموذج تحالفات دولية قائمة على «القيم المشتركة» كالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن الواقع كشف أن هذه الشعارات كانت في كثير من الأحيان غطاءً لمصالح جيوسياسية واقتصادية. فتحت مظلة «نشر القيم»، شهد العالم حروباً مدمرة وتدخّلات غير مشروعة، بينما تحوّلت «الصداقات الدولية» إلى علاقات تبعية تخدم الأجندات الغربية.
وهكذا، تحوّلت المثالية في الخطاب السياسي الغربي إلى مجرد أداة لترويج أيديولوجي، بينما ظلّت السياسات الفعلية تقوم على حسابات القوة والمصلحة. اليوم، مع صعود قوى عالمية جديدة وتنامي الوعي بضرورة التحرر من الهيمنة الأحادية، أصبحت هذه التحالفات الرمزية أمام اختبار حقيقي: إما أن تتحول إلى شراكات عادلة تقوم على المنفعة المتبادلة، أو أن تواجه الاندثار في نظام عالمي لم يعد يؤمن بالشعارات المجردة.
في السنوات الأخيرة، بدأ العالم يشهد انزياحاً واضحاً من التحالفات الرمزية القائمة على الخطابات الأيديولوجية إلى تحالفات أكثر واقعية، تقوم على المصالح المتبادلة والمنفعة الاقتصادية والأمنية. فالدول التي كانت تُعتبر حليفة تقليدية للغرب بدأت تبحث عن شراكات جديدة مع قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، ليس بسبب تقارب القيم، بل لأن هذه التحالفات تقدّم فرصاً استثمارية أو تعزّز الأمن القومي لتلك الدول.
حتى داخل الغرب نفسه، لم تعد «القيم المشتركة» ضمانةً للوحدة، كما رأينا في الخلافات الأوروبية حول سياسات الهجرة أو الطاقة، أو في تباين المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها تجاه قضايا مثل الصين أو الشرق الأوسط. الخلافات التجارية وسياسة فرض الضرائب بين الولايات المتحدة وكندا تظهر أن التحالفات الرمزية لم تعد بمنأى عن النزاعات، ولم تعد تخفي تناقضاتها، والولاءات أصبحت مشروطة بالمصالح المباشرة. الموقف الأمريكي يعكس أولوية الحماية التجارية حتى على حساب الحلفاء التقليديين. أن المصالح الاقتصادية تفوق «العلاقات الاستثنائية» المزعومة. ولا يعني ذلك انهيار التحالف الأمريكي-الكندي، لكنه لم يعد قائمًا على ثقة مطلقة؛ لأن العالم يتجه نحو تحالفات مرنة حيث أصبحت الدول تتعامل ببراغماتية، فالمصالح الاقتصادية قد تطغى على الولاءات السياسية.
أمريكا لم تعد الضامن الوحيد مع صعود الصين وتنامي التكتلات الإقليمية، لهذا قد تفضل دول مثل كندا تنويع تحالفاتها بدل الاعتماد الكلي على واشنطن.
في إطار هذا التغيير، يبرز التحول في طريقة تعامل روسيا مع دول مثل كوريا الشمالية، التي أصبحت جزءًا من المشهد التحالفي الروسي الجديد. ما يجعل هذه العلاقة أكثر وضوحًا هو الطريقة التي تم بها الإعلان عن هذا التعاون. بدلاً من أن يكون مجرد إعلان سياسي أو مجرد خطوة دبلوماسية، أصبح هذا التعاون إعلانًا عن بداية عهد جديد في العلاقات الدولية، حيث لا تقاس الصداقات والتحالفات بناءً على «القيم» المعلنة على المنابر الدولية، بل على القدرة الحقيقية على الوقوف معًا في لحظات الخطر.
تراجع النموذج الغربي للتحالفات الرمزية يشير إلى تحوّل عميق في السياسة الدولية، حيث لم تعد الأيديولوجيا كافيةً لضمان الولاء، ولم تعد الهيمنة الغربية أمراً مفروغاً منه. المستقبل سيكون للنموذج الأكثر مرونةً وقدرةً على التكيّف، حيث تتعاون الدول على أساس المنفعة المادية، لا الشعارات المجرّدة.
أخبار ذات صلة

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اتفاق صيني باكستاني على توسيع "الممر الاقتصادي" ليشمل أفغانستان
اتفاق صيني باكستاني على توسيع "الممر الاقتصادي" ليشمل أفغانستان

الشرق السعودية

timeمنذ 42 دقائق

  • الشرق السعودية

اتفاق صيني باكستاني على توسيع "الممر الاقتصادي" ليشمل أفغانستان

اتفق وزراء خارجية باكستان والصين وأفغانستان، الأربعاء، على تعزيز التعاون في مبادرة "الحزام والطريق"، وتوسيع نطاق "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" ليشمل أفغانستان. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية خلال مؤتمر صحافي، إن وزير الخارجية الصيني وانج يي ونظيره الباكستاني إسحاق دار، والقائم بأعمال وزير خارجية أفغانستان أمير خان متقي، عقدوا اجتماعاً غير رسمي في بكين، حسبما ذكرت وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا). وقال وزير خارجية الصيني وانج يي، إن الاجتماع اتفق على التعاون الأمني ومكافحة القوى الإرهابية ومنع القوى الخارجية من التدخل في الشؤون الداخلية الإقليمية. وأضاف أن الصين وباكستان تدعمان إعادة إعمار وتنمية أفغانستان، وعلى استعداد لتوسيع التبادل التجاري مع أفغانستان. وأشار إلى أن أفغانستان وباكستان "أعربتا بوضوح" عن استعدادهما لرفع مستوى العلاقات الدبلوماسية، موضحاً أن الدولتين اتفقتا من حيث المبدأ على إرسال سفراء إلى كل منهما في أقرب وقت ممكن. والشهر الماضي، أعرب القائم بأعمال وزير خارجية أفغانستان عن قلقه إزاء ترحيل عشرات الآلاف من الأفغان من باكستان في اجتماع نادر مع دار، مثّل انفراجاً محتملاً في العلاقات بين البلدين. وطردت باكستان أكثر من 80 ألف أفغاني منذ نهاية مارس، في إطار حملة إعادة توطين متجددة بدأت في عام 2023. تعزيز التعاون ومكافحة الإرهاب وأفادت وسائل إعلام باكستانية بأن الوزراء ناقشوا خلال الاجتماع، تعزيز العلاقات الدبلوماسية، والتجارة، وتطوير البنية التحتية، والتعاون في قطاعات التنمية الرئيسية. وذكرت قناة "Samaa Tv" أن الوزراء أشار إلى ضرورة تعميق التعاون في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وتوسيع "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" ليشمل أفغانستان. وأكد وزراء الخارجية الثلاثة على أهمية التعاون الثلاثي لتعزيز الأمن الإقليمي والترابط الاقتصادي، وأن التعاون بين باكستان والصين وأفغانستان أمر حيوي للسلام والتواصل الإقليمي. وناقش الوزراء تعزيز المشاركة الدبلوماسية والاتصالات، واتخاذ خطوات عملية لتعزيز التجارة والبنية التحتية والتنمية، باعتبارها محركات رئيسية للازدهار المشترك. وأكد الوزراء التزامهم المشترك بمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار والتنمية في المنطقة، واتفقوا على عقد الجولة السادسة من الحوار الثلاثي لوزراء خارجية الدول الثلاثة في كابول في موعد قريب.

مناقشات روسية-أمريكية لتبادل السجناء
مناقشات روسية-أمريكية لتبادل السجناء

الرياض

timeمنذ ساعة واحدة

  • الرياض

مناقشات روسية-أمريكية لتبادل السجناء

قال الكرملين اليوم إن روسيا والولايات المتحدة تعملان على تبادل سجناء بين البلدين، لكن موعد التبادل لم يُحدد بعد. جاء ذلك بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ناقشا خلالها احتمال تبادل تسعة سجناء من كل جانب. وقال دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين ردا على سؤال بشأن آخر المستجدات، إن "الجهات الحكومية المختصة" من الجانبين على اتصال مع بعضها بشأن المسألة. وقال مصدر مقرب من الكرملين لرويترز إن الجانب الأمريكي قدم لموسكو سابقا قائمة بأسماء تسعة أمريكيين محتجزين في روسيا وتطالب واشنطن بإعادتهم. على صعيد آخر، قال الكرملين إن تطورات الأوضاع تستدعي استئناف الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الاستقرار الاستراتيجي.

للمرة الأولى منذ تحريرها.. بوتين يزور مقاطعة «كورسك» الروسية
للمرة الأولى منذ تحريرها.. بوتين يزور مقاطعة «كورسك» الروسية

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

للمرة الأولى منذ تحريرها.. بوتين يزور مقاطعة «كورسك» الروسية

تابعوا عكاظ على للمرة الأولى منذ تحريرها، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقاطعة كورسك في غرب البلاد، اليوم (الأربعاء)، بعد استعادة السيطرة عليها وطرد القوات الأوكرانية منها، بمشاركة قوات كورية شمالية، وفق ما نقلت وسائل إعلام روسية رسمية. وأفادت وكالة «تاس» بأن الرئيس بوتين التقى بمتطوعين في مقاطعة كورسك في ملجأ إنساني، وزار محطة كورسك 2 النووية. وحضر الاجتماع القائم بأعمال حاكم المنطقة، ألكسندر خينشتاين، والنائب الأول لرئيس الإدارة الرئاسية، سيرجي كيريينكو. وتقع كورسك في غرب روسيا، على حدود منطقة سومي الأوكرانية. وفي الـ6 من أغسطس 2024، فجرت أوكرانيا إحدى أكبر مفاجآت الحرب عندما اجتاحت قواتها الحدود، وسيطرت على قطعة أرض قالت إن مساحتها بلغت 1,376 كيلومتراً مربعاً (530 ميلاً مربعاً) في ذروتها، وتضمنت حوالى 100 بلدة وقرية. ومنذ ذلك الحين، استعادت القوات الروسية وقوات من كوريا الشمالية، حليفة موسكو، معظم تلك الأراضي. وقال الرئيس الروسي خلال اجتماع مع متطوعين إن «تشكيلات الجيش الأوكراني دمّرت نصب تذكارية تعود لحقبة الحرب العالمية الثانية، ما يكشف عن جوهرها الوحشي»، وفق تعبيره. وأشار أحد المشاركين في الاجتماع إلى أن «الأوكرانيين يهاجمون النصب التذكارية، ويكثفون ضرباتهم بالطائرات المسيرة خصوصاً عند وجود المتطوعين في عين المكان»، وفق قوله. وقال بوتين: من الواضح من نحارب عندما يقومون بشكل مباشر بتدمير النصب التذكارية للحرب العالمية الثانية، مضيفاً: هذا يمنحنا كل الحق في القول إننا نواجه أشخاصاً يتبنون أيديولوجيا النازية الجديدة، على حد وصفه. ونشرت كوريا الشمالية آلاف الجنود ووفرت كميات هائلة من ذخيرة المدفعية والصواريخ؛ ما ساعد روسيا في صد التوغل الأوكراني في منطقة كورسك بغرب البلاد. واستمرت العملية في المنطقة حتى استعادتها 264 يوماً. وفي 26 أبريل الماضي، أبلغ رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في الاتحاد الروسي فاليري جيراسيموف بوتين باستكمال عملية تحرير منطقة كورسك. ووفقاً لاستخبارات كوريا الجنوبية، لقي نحو 600 جندي كوري شمالي حتفهم أثناء مشاركتهم في القتال إلى جانب روسيا ضد أوكرانيا، من إجمالي 15 ألف جندي جرى نشرهم في المنطقة. وكان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، اعتبر مشاركة كوريا الشمالية في الحرب بين روسيا وأوكرانيا مبررة، واصفا إياها بأنها ممارسة للحقوق السيادية دفاعاً عن «شعب شقيق». أخبار ذات صلة /*.article-main .article-entry > figure img {object-fit: cover !important;}*/ .articleImage .ratio{ padding-bottom:0 !important;height:auto;} .articleImage .ratio div{ position:relative;} .articleImage .ratio div img{ position:relative !important;width:100%;} .articleImage .ratio img{background-color: transparent !important;} الرئيس الروسي في كورسك.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store