
"فورين بوليسي": عودة "داعش"
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً بعنوان تنظيم "داعش" يعود إلى الواجهة، وتشرح فيه الأسباب التي تشجع على تعاظم قوّة التنظيم وتهديداته التي ستتصدر إلى الغرب ولن تبقى محليّة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
تضاعفت في العام الماضي هجمات تنظيم "داعش" في سوريا 3 أضعاف مقارنة بالعام السابق. ولم يكن هذا التصاعد في وتيرة الهجمات مرتبطاً بعددها فحسب، بل أيضاً بنوعيتها، إذ كانت هجمات معقّدة، وتشي بازدياد قدرة المهاجمين على القتل، ونشر العمليات في النواحي الجغرافية.
وأثناء ولاية ترامب الأولى، تمكّن الجيش الأميركي، بمساعدة الجماعات المسلحة الكردية والميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران، من القضاء على تنظيم "داعش" في الموصل، واستعادة آخر قطعة من الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا، وقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. في آب/أغسطس 2020، زعم ترامب أنّه "تم القضاء على داعش كلياً".
ولكن، بعد مرور ما يقرب من 5 سنوات على هذا البيان، لم يعد تنظيم "داعش" حيّاً وبخير فقط، بل إنّه يزدهر في مواقع محدّدة في العالم، مستغلاً الأحداث الجيوسياسية الرئيسية، وتراجع الضغوط لمكافحة الإرهاب في عدد من المناطق الساخنة عالمياً، بما فيها تلك التي يسعى ترامب إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي فيها.
في سوريا، أصبح تنظيم "داعش" جاهزاً للتوسّع. وبعد انهيار نظام بشار الأسد وظهور حكومة جديدة برئاسة أحمد الشرع، زعيم تنظيم "هيئة تحرير الشام"، يظهر أنّه من غير المرجّح أن تتمكّن الحكومة الحالية من إرساء احتكار استخدام القوّة والسيادة على كامل الأراضي السورية. وعلاوة على ذلك، بينما يتصارع الشرع مع المهمّة الشاقّة المتمثّلة في إعادة توحيد سوريا، من المتوقّع أن يكون هناك عناصر من ائتلافه لن تقتنع باستبدال الرصاصة بالانتخابات. فالمقاتلون المتمرّسون في المعارك من القوقاز والبلقان وسوريا وفنزويلا وتركيا وغيرهم من بلدان في آسيا الوسطى غير مهتمّين بمشروع الحكم، وقد يفضّلون الانضمام إلى تنظيم "داعش" ومواصلة "الجهاد" في سوريا، أو في بلدانهم الأصلية، من ضمنها الصين وطاجيكستان وروسيا.
وتتمثّل القضية الأخرى الصارخة في سوريا في وضع السجون ومعسكرات الاعتقال التي تحتجز مقاتلي تنظيم "داعش" وأسرهم، حيث تتعرّض هذه المنشآت، التي تحرسها "قوّات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الكرد لضغوط متزايدة. والأمر الأكثر قساوة هو أنّ الميليشيا الكردية تخوض معارك بوجه "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، وهو ما يفرض ضغوطاً على القوى البشرية لديها. إضافة إلى ذلك، مع تجميد المساعدات والتمويل الأخير من المؤسّسات الأميركية نتيجة لقرارات ترامب التقشفية في تمويل برامج المساعدات، أصبحت المخيّمات في شمال شرق سوريا تحت المجهر.
إنّ أيّ عملية هروب قد تحدث من معسكر سجن الهول، الذي يضمّ نحو 39 ألفاً من أسر "داعش"ومقاتليه، ستكون بمنزلة كارثة. وهذا لن يعزّز صفوف تنظيم "داعش" بالمتطرّفين العنيفين فحسب، بل سيزيد تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا والعراق. ولكنّ هذا من شأنه أن يخدم كدعاية للجماعة. ففي كانون الثاني/يناير في العام 2022، خطّط "داعش" لاقتحام سجن في الحسكة بسوريا، واستمرّ القتال لمدّة 10 أيام، وأسفر عن إطلاق سراح عدّة مئات من مقاتلي التنظيم، واستدعى تدخلاً من القوّات الأميركية للمساعدة على صدّ الهجوم.
يُذكر أنّ تنظيم "داعش" حين ظهر في عامي 2012 و2013، اعتمد سياسة "تحرير" العناصر المتطرّفة من المعتقلات كحجر زاوية في استراتيجيته، وأطلق عليها اسم حملة "هدم الجدران" للسجون في مختلف أنحاء العراق.
لا تعدّ سوريا الجزء الوحيد من العالم الذي يشهد على عودة تنظيم "داعش". فقد توسع التنظيم بسرعة في مختلف أنحاء أفريقيا، وفي جنوب الصحراء الكبرى. وكذلك، عزّز سيطرته على الأراضي في أجزاء من منطقة الساحل الممتدّة حتّى حوض بحيرة تشاد.
13 شباط 09:33
7 شباط 09:38
ويظلّ تنظيم "داعش" في غرب أفريقيا وفي الصحراء الكبرى يشكّل تهديداً هائلاً، خاصّة في ظلّ عدم وجود قوّات أمنية مدعومة من الدولة أو إقليمية قادرة على كبح جماح هذه الجماعات.
وفي أماكن أخرى في القارة السمراء، شنت فروع تنظيم "داعش" في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية هجمات مؤخّراً، ويعمل فرع التنظيم في الصومال كعقدة لوجستية في الشبكة العالمية للمنظّمة، ويساعد على إدارة العمليات العامّة بين الأقاليم، ويشكّل العصب الذي يعتمد عليه التنظيم لتسهيل حركة الأموال والمقاتلين الأجانب من ذوي الخبرة العسكرية. كما لعب أعضاء رفيعو المستوى في فرع الصومال دوراً أساسياً في إعادة هيكلة قيادة المجموعة وتكتيكاتها واستراتيجياتها، حسب ما يقول الخبير المتخصّص في شؤون تنظيم "داعش" آرون زيلين.
التقييم الشامل للتهديد الذي يشكّله تنظيم "داعش" على الصعيد العالمي لن يكون مكتملاً من دون مناقشة نوايا التنظيم وقدراته في ولاية خراسان، وهو فرع الجماعة في جنوب آسيا الذي يعمل في جميع أنحاء أفغانستان وباكستان. وفي الآونة الأخيرة، تحوّل اهتمام هذا الفرع للقيام بعمليّات خارجية. وفي عام 2024 فقط، شنّت الجماعة هجمات إرهابية معقّدة في داغستان وإيران وعُمان. كما سعت إلى تنفيذ هجمات في أوروبا، على الرغم من إحباط هذه المؤامرات، بما في ذلك خطط معقّدة لاستهداف دورة الألعاب الأولمبية في باريس في تمّوز/ يوليو الفائت، وبعدها حفل تايلور سويفت في فيينا في الشهر التالي.
في مثال آخر مروّع على كيفية استمرار الدعاية التي يروّج لها تنظيم "داعش" في التأثير في المؤيّدين والمجنّدين في الغرب، قام أحد أفراد الجيش بقتل المشاة في نيو أورليانز في الساعات الأولى من صباح يوم رأس السنة الجديدة، مستخدماً شاحنة لدهس المشاة، ما أسفر عن مقتل 14 شخصاً وإصابة العشرات.
وتعكس هذه الحوادث مدى التطوّر الهائل الذي شهده تنظيم "داعش" في ولاية خراسان، من حيث توسيع قدراته كافة منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في العام 2021. ومن دون حملة قوية لمكافحة الإرهاب لإبقاء الجماعة فاقدة التوازن، فسوف تستمرّ في بسط نفوذها نحو أراض جديدة في الخارج، وبالتالي تنتج كمّيات أكبر من الدعاية وتحتفل بنجاحاتها، ما يشجّع أتباعها على ارتكاب أعمال إرهابية وعنف سياسي ضدّ أَعداء "داعش"، وخاصّة أولئك الموجودين في الغرب. وفي مقال نشر في يونيو/حزيران الماضي بعنوان "أضواء التحذير من الإرهاب تومض باللون الأحمر مرّة أخرى"، حذّرَ غراهام أليسون ومايكل جيه موريل من "نتيجة غير مريحة، ولكن لا مفرّ منها"، بأنّ الولايات المتّحدة قد تواجه تهديداً خطيراً بوقوع هجوم إرهابي في الأشهر المقبلة.
من المؤكّد أنّ إدارة ترامب ليست ساذجة فيما يتّصل بطبيعة التهديد. ففي مطلع الشهر الجاري، أمر ترامب طائرات حربية تابعة للبحرية بشنّ ضربات ضدّ أهداف تابعة لـ "داعش" في الصومال. ويرى البعض أنّ هذه الضربة والأخرى التي نفّذت ضد تنظيم "القاعدة" في سوريا تمهّد الطريق لانسحاب الجنود الأميركيين من هذه الدول. وفي تشرين الأول/ أكتوبر في العام 2019، وفي إثر مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قرّر ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا.
من خلال القضاء على أهداف ذات قيمة عالية بضربات جوّية، ربّما تكون إدارة ترامب بصدد صياغة توجه بما يعرف بنهج "فوق الأفق" لمكافحة الإرهاب، أي الاعتماد على الضربات البعيدة المدى. لكن، هذا النهج وحده لا يكفي، وأنّ استراتيجية الولايات المتّحدة في التعامل مع الأزمات الدولية تعتمد بشكل مبالغ فيه على التكنولوجيا باعتبارها الحلّ السحري، وتتجاهل أهمّية تدريب القوّات المحلّية وبناء أسس شبكة استخبارات بشرية على الأرض. كما أنّ الانسحاب الأميركي من سوريا من شأنه أن يسلّم أنقرة مهمّة مكافحة تنظيم "داعش".
ورغم أنّ الأتراك يمتلكون أحد أكثر الجيوش كفاءة في المنطقة، فإنّهم لا يستطيعون أن يتصوّروا أنّ بلادهم وحدها قادرة على إلحاق الهزيمة بتنظيم ""داعش". لقد كانت أولويّتهم، وستظلّ القتال ضدّ الكرد في شمال سوريا، مع أنّهم يحرسون السجون المليئة بمسلّحي التنظيم.
وسوف تستغل فروع تنظيم "داعش" الأسباب الجذرية للتطرّف العنيف، وهي المشكلات الناجمة عن الفقر وانعدام العدالة والمساءلة على نطاق واسع، وخاصّة في مناطق الصراع وبين اللاجئين والنازحين داخلياً. وفي حين قد ترى إدارة ترامب أنّ زيادة الإرهاب من غرب أفريقيا إلى جنوب شرق آسيا هي مشكلة الآخرين، فإنّ فريق مكافحة الإرهاب الذي عيّنه الرئيس سيكون من الحكمة أن يذكّره بأنّ هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، كانت مأساة من هذا الطراز، حيث خطّطت مجموعة صغيرة من "الجهاديين" الذين كانوا يتمتّعون بملاذ آمن في دولة فاشلة يحكمها متطرّفون على الجانب الآخر من العالم من شنّ الهجوم القاتل. ولا شكّ، في أنّ تنظيم "داعش" يولي هذا التوجّهَ الآن قدراً كبيراً من الاهتمام.
وسيكون من الأفضل لإدارة ترامب أن تتجنّب إثارة المتطرّفين العنيفين بشكل غير ضروري، كما حدث مؤخّراً عندما تحدّث ترامب علناً عن تولّي الولايات المتّحدة "ملكية طويلة الأجل" لقطاع غزّة ونقل الفلسطينيين من وطنهم إلى مصر والأردن. ونظراً لحساسية هذه القضية في العالمين العربي والإسلامي، فمن المرجّح أن يستخدم تنظيم "داعش" هذا الأمر كوقود لإنتاجه المنتظم من الخطابات المعادية للولايات المتّحدة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 6 ساعات
- ليبانون 24
كيف ستتشكّل ملامح الحرب المقبلة بين روسيا والناتو؟
قالت مجلة فورين بوليسي إن روسيا خططت لغزو أوكرانيا كحملة حاسمة لمدة 3 أيام تطيح خلالها بالحكومة في كييف ، ولكن هذا السيناريو لا يزال بعد أكثر من 3 سنوات حلما روسيا بعيد المنال. وأوضحت المجلة -في مقال بقلم الباحث فابيان هوفمان- أن الدول الأوروبية في حلف شمال الأطلسي (ناتو) تسارع إلى إعادة تسليح نفسها استعدادا لمواجهة أي هجوم روسي على أحد أعضائه في غضون سنوات، بل ربما 6 أشهر من انتهاء الحرب في أوكرانيا، حسب مسؤولين دانماركيين. ومع أنه يصعب التوفيق بين الصورتين المرسومتين لروسيا باعتبارها بلدا فشل في تحقيق طموحاته في أوكرانيا ثم باعتبارها في الوقت نفسه تهديدا وجوديا لحلف الناتو فإن فهم هذه المفارقة يكمن في إدراك أن حربا بين الناتو وروسيا لن يكون الهدف منها الاستيلاء على أراض واسعة، بل تدمير التحالف ككيان سياسي وعسكري، ولن يتطلب ذلك هزيمة قوات الناتو في معركة مفتوحة والزحف نحو برلين، بل تدمير وحدة الناتو وعزيمته، مع رهان الكرملين على أن التحالف سيتصدع تحت الضغط. تمزيق تماسك الناتو السياسي وعلى عكس الدعاية الروسية العدوانية تدرك النخب السياسية والعسكرية في موسكو أن روسيا ستخسر على الأرجح حربا تقليدية شاملة مع الناتو حتى بدون تدخل الولايات المتحدة ، وهي لذلك ستسعى إلى تجنب حرب شاملة والتركيز على كسر إرادة التكتل. ولن يهدف أي هجوم روسي على الناتو في المقام الأول إلى تدمير القدرة الكلية للحلف على شن الحرب، بل سيركز على حملة قصيرة وعالية الكثافة مصممة لتمزيق التماسك السياسي للناتو. قد يبدأ هذا السيناريو بتوغل محدود في أراضي الناتو عند نقطة ضعف متصورة في واحدة أو أكثر من دول البلطيق، وبعد الهجوم الأولي قد تعلن روسيا أن أي محاولة لاستعادة المنطقة المحتلة ستشعل فتيل تصعيد نووي، وهي إستراتيجية يطلق عليها المحللون العسكريون اسم "التحصين العدواني". ومع أن صانعي القرار الروس لا يتوقعون استسلاما في جميع أنحاء الناتو فقد يعتقدون أن الولايات المتحدة وحلفاءها الرئيسيين في أوروبا الغربية عند مواجهة عواقب حقيقية على أراضيهم سيترددون ويمتنعون عن الدفاع عن شركائهم، علما أن أي تردد في الدفاع عن عضو في الناتو يعني الانهيار الفعلي للتحالف، وهو هدف روسيا الرئيسي وشرط تأكيد هيمنتها الإقليمية، حسب المجلة. ماذا تحتاج روسيا؟ لكن التحرك الروسي يتطلب قوة هجومية سريعة قادرة على اختراق حدود الناتو، كما يتطلب قوات متابعة كافية لاحتلال جزء صغير، ولكنه ذو أهمية إستراتيجية من أراضي الناتو، ثم إلى قوات متحركة تقليدية للسيطرة على الأراضي والاحتفاظ بها. وتشير تقارير استخباراتية حديثة إلى أن روسيا تمكنت من حشد ما يكفي من الرجال، ليس فقط لتغطية خسائرها القتالية، بل لتوسيع قواتها، كما يشير مسؤولون غربيون إلى أنها تنتج المزيد من المعدات والذخيرة -بما في ذلك الدبابات الحديثة وقذائف المدفعية -أكثر مما ترسله إلى الجبهة. وذكّر الكاتب بأن روسيا تتمتع بوضع نووي جيد، بمخزون يقدر بنحو ألفي رأس حربي غير إستراتيجي، إضافة إلى سلاح تقليدي يشمل إنتاج قرابة 1200 صاروخ كروز هجومي بري ، و400 صاروخ باليستي قصير ومتوسط المدى، وأكثر من 6 آلاف طائرة مسيرة بعيدة المدى سنويا، وهي تسعى إلى زيادة هذا الإنتاج. كيف يستعد الناتو؟ ومع أن شن هجوم روسي على أراضي الناتو يظل مستبعدا فإنه يجب على أوروبا الاستعداد للحرب التي يرجح أن روسيا تخطط لها، وهي حرب تختلف اختلافا كبيرا عن الصراع المطول الذي يتكشف الآن في أوكرانيا، حسب الكاتب. وأفضل طريقة لمواجهة حملة روسية قصيرة وعالية الشدة -حسب الكاتب- هي منع أي توغل على الحدود، وهذا يتطلب وضعا دفاعيا أماميا موثوقا، وهو ما لا يزال الناتو يفتقر إليه، لأن تمكين الدفاع الأمامي يعني نقل المزيد من القوات والمعدات إلى خط المواجهة، ولكن الولايات المتحدة تحول تركيزها إلى أماكن أخرى، ومن المحتمل أن تسحب تشكيلاتها القتالية من أوروبا. ولخلق ردع يجب على الدول الأوروبية الاستثمار فيما يجعلها قادرة على هجوم مضاد مع توضيح استعدادها للرد الفوري، بما في ذلك ضد البنية التحتية الحيوية الروسية، وتوضيح أنه لا يسعى إلى التصعيد النووي وأنه لن يرضخ للتهديدات النووية. وخلص الكاتب إلى أنه سيكون من التهور عدم الاستعداد للحرب لمنع وقوعها في المقام الأول، لأن موسكو إذا واجهت الناتو فسوف تستغل نقاط ضعفه وتلعب على نقاط قوتها.


الديار
منذ 8 ساعات
- الديار
الخبراء يجمعون على التداعيات الايجابية للبنان لرفع العقوبات عن سورية الخوري للديار :لبنان سيشعر سريعا بتأثير هذا التحول
تستمر الأصداء الإيجابية وتتواصل ردود الفعل المرحبة بإعلان الرئيس الأميركي رفع العقوبات المفروضة على سورية، في خطوة مفاجئة تأتي بعد مشاورات أجراها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفق ما أعلنه في خطابه. وقال ترامب خلال كلمته، إن القرار يهدف إلى "منح الشعب السوري فرصة جديدة"، مشيرا إلى أن النقاش حول هذا الملف تم بشكل مباشر مع القيادة السعودية التي أدّت دورا محوريا في الوصول إلى هذه الخطوة. الخبراء و المحللون والسياسيون يجمعون على أن لهذه الخطوة البالغة الأهمية تداعيات إيجابية ليس فقط على الاقتصاد السوري والليرة السورية التي شهدت تحسناً فور إعلان القرار بل تشمل أيضاً الاقتصاد اللبناني نظراً الى ارتباط البلدين جغرافياً بالدرجة الأولى واقتصادياً بالدرجة الثانية، وكما كان لفرض العقوبات تأثير سلبي في لبنان من المغترض أن يكون لرفع هذه العقوبات تأثير إيجابي على لبنان. فمنذ بداية الحرب عام 2011، فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على الحكومة السورية وعلى الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعدد من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية في البلاد. وفي العام 2020، دخلت مجموعة جديدة من العقوبات حيز التنفيذ بموجب قانون "قيصر" استهدفت العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بينهم زوجته أسماء الأسد، بما يشمل تجميد أصولهم في الولايات المتحدة. في قراءة شاملة لرفع العقوبات عن سورية وتداعياته، رأى الباحث الأكاديمي والخبير في الشؤون المالية والاقتصادية وعميد كلية الإدارة والأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الدكتور بيار الخوري في حديث للديار، أن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن الوقت قد حان لرفع العقوبات الأميركية عن سورية لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي والدولي المتغير، ولا عن التحول الكبير في بنية النظام السوري بعد سقوط بشار الأسد ووصول الرئيس أحمد الشرع، أحد قادة المعارضة، إلى الحكم في دمشق، معتبراً أن هذا التغيير أتاح للإدارة الأميركية الحالية فرصة لإعادة صياغة علاقتها بسورية وفق منطق جديد يوازن بين المصالح الاستراتيجية والاعتبارات الاقتصادية، خصوصًا في ظل منافسة محتدمة مع روسيا والصين على النفوذ في المنطقة. ووفقاً للخوري الرغبة في رفع العقوبات ليست انعطافة عاطفية أو انفعالية، بل تستند إلى اعتبارات براغماتية، أبرزها محاولة الاستثمار في التحول السياسي الذي حدث، واستباق القوى الأخرى الساعية إلى ملء الفراغ الاقتصادي واللوجستي في سورية الجديدة، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية ترى أن إبقاء العقوبات كما هي يفقد واشنطن قدرتها على التأثير في المرحلة الانتقالية ويترك الباب مفتوحًا أمام الحلفاء السابقين للأسد لإعادة التموضع عبر بوابات مختلفة. لذلك يرى الخوري أن رفع العقوبات يمكن أن يكون أداة ضغط إيجابية لدعم استقرار النظام الجديد، وتحفيزه على تبني إصلاحات وسياسات اقتصادية تتوافق مع الرؤية الاميركية مؤكداً أن القرار، في حال ترجم إلى خطوات تنفيذية، سيحمل أثرًا كبيراً في الاقتصاد السوري المنهك وتحرير الاقتصاد من قيود العقوبات سيسمح بعودة تدريجية للاستثمارات، وبتحريك عجلة إعادة الإعمار عبر الشركات الخليجية والأوروبية التي كانت تنتظر هذا الإطار القانوني للدخول. في المقابل يشير الخوري إلى أن الحكومة الجديدة ستحتاج إلى آليات رقابة صارمة لتفادي تحول هذه التدفقات المالية إلى أدوات لإعادة إنتاج الفساد أو هيمنة مجموعات المصالح. سياسيًا يقول الخوري : رفع العقوبات سيشكل إشارة ضمنية إلى الاعتراف الأميركي بشرعية الحكومة الجديدة، وسيمهد لتطبيع تدريجي في علاقاتها مع العواصم الغربية، بشرط أن تُظهر التزامًا واضحًا بعزل نفسها عن المجموعات المتشددة. لكن في الداخل السوري أردف الخوري قد لا يمر الأمر بسهولة، فالتفاهمات السياسية التي أفرزت النظام الجديد لم تطوِ كل الخلافات، لافتًا ان بعض القوى التي شاركت في الثورة ولكن لم تنخرط في التسوية السياسية قد ترى في الانفتاح الأميركي انحيازًا مبكرًا وغير مشروط، كما أن الفصائل المتطرفة ستجد في رفع العقوبات مادة دعائية لتشويه النظام الجديد واتهامه بالتبعية. لذلك يعتبر الخوري أن التعاطي مع هذا القرار يتطلب توازنًا داخليًا دقيقًا من قبل السلطة الجديدة، يمنع اهتزاز الشرعية الشعبية التي بدأت لتوّها في التشكّل. أما بالنسبة لتداعيات رفع العقوبات عن سورية على لبنان، الذي يشترك في الجغرافيا والاقتصاد والتاريخ مع سورية، فيؤكد الخوري ان لبنان سيشعر سريعاً بتأثير هذا التحول، فالتبادل الحدودي سيصبح أكثر مرونة، والأسواق اللبنانية قد تجد متنفسًا لتصريف منتجاتها، والقطاعات التي تعتمد على سورية كممر أو مزوّد ستنتعش تدريجيًا"، والأهم من ذلك هو ملف النازحين، حيث يعمل من رفع العقوبات ان تشكل خطوة تهيئ الأرضية لعودة منظمة للجزء الاساسي منهم. من الناحية القانونية يشرح الخوري : لا يستطيع الرئيس الأميركي رفع العقوبات المفروضة بموجب قوانين صادرة عن الكونغرس مثل قانون قيصر دون المرور عبر السلطة التشريعية، و ما يمكنه فعله هو استخدام صلاحياته التنفيذية لتعليق بعض البنود أو توسيع نطاق الإعفاءات، خصوصًا الإنسانية والاقتصادية. لكن الإلغاء الكامل يتطلب توافقًا سياسيًا داخل الكونغرس، وهو ما لن يكون سهلًا في ظل الانقسام الحاد في المؤسسة التشريعية، وضغط مجموعات الضغط المرتبطة بالملف السوري. و لفت الخوري إلى أن التحديات لا تقتصر على الداخل الأميركي، فرفع العقوبات دون تنسيق أوروبي أو من دون إطار دولي واضح قد يؤدي إلى تباينات بين الحلفاء ويضعف مصداقية الخطوة، كما أن بعض الدول الإقليمية قد لا ترى في النظام الجديد حليفًا مضمونًا بعد، مما يبطئ مسار التطبيع الشامل، مشيراً إلى أن الجدول الزمني لتنفيذ القرار بشكل كامل سيعتمد على تطور التوازن داخل الكونغرس، ومدى التزام سورية الجديدة بتنفيذ خطوات إصلاحية، "وقد يستغرق بين ستة أشهر إلى عام ونصف ليتحول من واقع سياسي إلى واقع فعلي ملموس". ويختم الخوري بالقول: ما قاله ترامب ليس مجرد مبادرة رمزية، بل هو كإعلان نيات لسياسة جديدة تجاه سورية وامتداداتها، سياسة تقوم على مزيج من الانفتاح المشروط، والدعم الانتقائي.


الديار
منذ 9 ساعات
- الديار
الأفضل لسورية... التطبيع أم التقطيع؟
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب بامتياز، نحن أمة الضلال والتضليل (الأمة الضالة بدل الفئة الضالة). عبثًا نبحث عن شاشة لا تقدس أولياء أمرها، وأولياء أولياء أمرها، ولو كانوا بمواصفات الذباب أو بمواصفات الذئاب، وتلعن خصومهم ولو كانوا في قبورهم من ألف عام... على مدى سنوات طويلة، كنا مع النظام في سورية (لمن يعرف ما معنى دمشق، وما روح دمشق). لم نلاحظ العفن الذي كان يأكل الوجوه، بعد تلك السنوات الطويلة من عبادة الفرد، وهي ظاهرة تنتقل من جيل الى جيل، ومن رجل الى رجل، كما كنا نتغاضى عن الأداء الوحشي لأجهزة الاستخبارات، التي كانت تمثل ذروة الأمية وذروة الغباء. ذات مرة قلت لوزير الاعلام "كل الصور التي تنشر للرئيس بشار الأسد ولضيوفه، يبدو وهو يتكلم ويلوّح بيديه (يدي الأستاذ أو يدي المايسترو) فيما جليسه، ولو كان فلاديمير بوتين أو آية الله خميني، يصغي كما التلميذ المنبهر بعبقرية استاذه". الوزير استجاب وأمر بتنويع الصور. ردة فعل أجهزة الاستخبارات كانت مروعة (مؤامرة على سيادة الرئيس). هذه ظاهرة كلاسيكية في الأنظمة الثورية. خلال القمة العربية في مدينة فاس المغربية، كان المركز الاعلامي عبارة عن قاعة دائرية زجاجية. رجال الاستخبارات العراقية لم يتركوا سنتيميتراً من الجدران الزجاجية، الا وغطوه بصور الرئيس صدام حسين. في سورية، كل سيارة، ولو كانت سيارة الاسعاف، ينبغي أن تحمل صورة الرئيس بشارالأسد، أو الصورة الثلاثية للرئيسين حافظ وبشار وبينهما باسل، دون أن نعرف ما مزايا الأخير، لكي يطلق اسمه على الملاعب الرياضية وعلى الساحات. العدوى انتقلت الى لبنان، تمثال له في مدينة شتورة، وهو يمتطي حصانه بقبعة الفيلدمارشال فيليب مونتغمري. لكننا وبالصوت العالي كنا مع النظام وهو يتداعى من الداخل، لأنه كان ضد "اسرائيل"، وكان يمد يد العون الى المقاومة في لبنان، ودون أن يكون صحيحاً ما يشاع حول علاقة مع "اسرائيل"، لو كان الأمر كذلك لما كان الحصار القاتل. وزير للنقل في عهد الأب أخبرني "بقينا 8 أشهر نبحث عن عجلة لطائرة بوينغ دون جدوى، الى أن حصلنا عليها ولكن بطريقة ملتوية". منذ ايام أعلن مكتب رئيس الوزراء "الاسرائيلي" بنيامين نتنياهو استعادة 2500 وثيقة وصورة، وأغراض شخصية لايلي كوهين، الجاسوس "الاسرائيلي" الذي أعدم في ساحة المرجة عام 1967، بعدما تنكر بشخصية مغترب سوري في الأرجنتين، وتمكن من اختراق المنظومة القيادية في سورية. "الموساد" أصدر بياناً أوضح فيه أن ما حدث كان نتيجة عملية سرية، نفذها جهاز العمليات الخاصة في "الموساد" مع جهاز شريك استراتيجي، دون أن يوضح هوية ذلك الشريك (أميركي أم تركي؟). القاصي والداني يدرك مدى الهلهلة في أجهزة الاستخبارات السورية، مال ونساء، كل ذلك السلاح الذي دخل الى البلاد وفجّر الحرب فيها، جرى تهريبه بالمال. الآن، يحكى الكثير عن الأجهزة التي تنتشر في المواقع السورية الحساسة. وفي هذا الاطار شراء قادة الفصائل، أبعد من ذلك بكثير... ضلال وتضليل. نعلم أن قناة "الجزيرة" معادية لنظام الاسد، هذه مسألة طبيعية، ولكن أن تتبنى تلك التغريدات التافهة في مقاربة الحدث الاستخباراتي؟ احدى التغريدات قالت "ربما حصلت "اسرائيل" على أغراض ايلي كوهين منذ سنوات، سواء في عهد حافظ الأسد أو في عهد وريثه بشار الأسد، لكن "اسرائيل" حافظت على سرية عمليتها"، مع أن الكل يعلم مدى مبدئية الرئيس الراحل في التعامل مع "اسرائيل"، ولقد تابعنا تفاصيل مفاوضاته مع اسحق رابين، واصراره على سورية ضفاف بحيرة طبريا. المفاوضات التي كانت السبب في اغتيال هذا الأخير برصاصة ييغال عمير عام 1995. من التغريدات أيضاً التي تكشف مدى ضلالنا وتضليلنا، أن العملية تمت في عهد "الرئيس المخلوع"، لكن الاعلان عنها الان هو لـ "توجيه ضربة سياسية الى النظام الجديد"، مع أن كل المعلومات تؤكد أن رئيس هذا النظام أحمد الشرع أبلغ نظيره الأميركي دونالد ترامب، أثناء لقائه في قصر اليمامة، استعداده للتطبيع حتى دون قيد أو شرط. لو كان هذا موقف بشار الأسد لورث ابنه السلطة من بعده... خطوة أخرى في الصراحة وفي الواقعية. كنا نبرر للنظام السابق تلك البيانات العسكرية الصادمة، لدى تنفيذ أي غارة "اسرائيلية" على أهداف سورية، وحتى داخل دمشق، وكنا نقول إن الدولة ما زالت تلملم جراح الحرب والتداعيات الرهيبة للحرب، ناهيك بالاختلال في موازين القوى، مقابل أحدث القاذفات الأميركية وكذلك المنظومات الدفاعية الحديثة، الطنابر الطائرة من سورية، والمنظومات الدفاعية التي لا تستطيع اسقاط حتى الطائرات الورقية. كثيرة الأيدي الغليظة التي تمسك بالخيوط السورية الآن، كوكتيل عجيب وعجائبي من اصحاب المصالح. من سنوات سقط الدور السوري، وسقط ذلك الشيء الذي يدعى الصراع العربي – "الاسرائيلي". قناة "فوكس نيوز" تقول ان دونالد ترامب اخرج الشرق الأوسط من التيه الايديولوجي والتيه الاستراتيجي.