
«ذوبان وتيه».. تحولات ومشاهد مؤثرة من الحياة
صدرت حديثاً مجموعة قصصية جديدة بعنوان «ذوبان وتيه» للروائية مريم الغفلي، تضم نحو ثلاثين عملاً سردياً بين القصة القصيرة والأقصوصة المكثفة في لقطة درامية مكثفة. وفي هذه اللقطات السردية المدهشة والمكتوبة بكلمات محدودة يكتشف القارئ الحكمة المكتسبة من الحكاية.
القصة الأولى في المجموعة بعنوان «السيل» وبطلها رجل هارب من أعدائه وقد فقد أخته سلامة عبر الصحراء والمطر ينهمر، لكن السيل ينقذه من أولئك الأعداء، وكانت الناقة التي تنتظره بشارة الخلاص. وتنتهي القصة وقد «عاد ممسكاً بخطام الناقة وأخته سلامة على ظهرها».
هذه البداية المشحونة بالرعب والقلق تشكل فكرة رمزية لمعظم القصص، فالطبيعة القاسية تتجلى بأنوائها والوحشة، إضافة إلى مشاعر الخوف، والفقد، والاغتراب، والثقة أو انعدامها، الندم، الأرق، الحرمان، والانتظار، كلها هموم ومشاكل ومفاجآت شتى تواجه الإنسان في حياته، يقهر بعضها وتقهره مصاعب أخرى. وكل قصة في هذه المجموعة تصور جانباً من رحلة الحياة، غالباً ما يكون محفوفاً بالخطر، لكن الخلاص يأتي في الخاتمة.
ونتابع القراءة لنكتشف أن الأقصوصات بكلماتها القليلة لا تقل فائدة وتأثيراً عن القصص، فنرى امرأة لا مكان يؤويها غير الشارع لأن البيت الذي ورثته عن أبيها كانت قد سجلته باسم زوجها السابق. ونرى أيضاً رجلاً يركن سيارته جانباً ويمشي ليقف مقابل البحر ويبكي، ثم يسقط جاثياً على ركبتيه، يشعر ألا فائدة ترجى منه بعد أن أحيل للتقاعد. عنوان القصة (النهاية) وهي تلخص أن الحياة تكون مرتبطة بالعمل وبما يقدمه الإنسان لأهله ومجتمعه.
وأختم مع آخر أقصوصة وهي من أربعة أسطر بعنوان «دنيا»:«تجلس بهدوء، فجأة وُضع الحفيد بين يديها، تنهدت قائلة: «تزوجت البنت وفرحنا، مات الجد وحزنا، وجاء الحفيد كي يغسل كل شيء، يا لها من حياة».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ يوم واحد
- الاتحاد
المنطقة الثقافية بالسعديات.. منصات عالمية للإبداع الإنساني
فاطمة عطفة (أبوظبي) تحضر جزيرة السعديات حضوراً زاهياً من الناحية التاريخية والجغرافية، كما تمثل المنطقة الثقافية بالسعديات «أحد أكبر تجمعات المؤسسات الثقافية في العالم، حيث يلتقي فيها معلمو الأمس بمبدعي اليوم ومبتكري المستقبل، احتفاءً بإنجازات دولة الإمارات العربية والمنطقة والعالم». ومن خلال ما تضمه المنطقة من معالم ثقافية ومتحفية بارزة، مثل متحف اللوفر أبوظبي، متحف زايد الوطني، تيم لاب فينومينا أبوظبي، بيت العائلة الإبراهيمية، جوجنهايم أبوظبي، متحف التاريخ الطبيعي، منارة السعديات وبيركلي أبوظبي، تعد مقصداً للمبدعين وعشاق الفنون والتاريخ والتراث والحداثة. وعبر وجهات نظرهم، يؤكد الفنانون على الثراء المعرفي والثقافي والتعليمي الذي تتيحه «المنطقة الثقافية بالسعديات». وحسب ما أشاروا إليه، فإن المعارض التي تحتضنها المنطقة الثقافية بالسعديات تمنح كل زائر فرصة لاكتشاف ذاته قبل اكتشاف ما تعرضه من إبداع. وهذا بحد ذاته له تأثير ثقافي عميق؛ لأن الفن هنا لا يفرَّض، بل يقترح بلطف، ويدعو للتأمل لا للامتثال. فنانة إيمان الهاشمي: «بالنسبة لي، كفنانة إماراتية نشأت على نبض البيانو، وجدت في المنطقة الثقافية بالسعديات انعكاساً لطموحاتنا الفنية الأصيلة والحديثة، حيث يتحول المكان إلى فضاء للهوية، وليس فقط للعرض»، مبينة أن هذه المنطقة/ المنصة لا تقتصر على تجميع الفنون، بل تعيد تعريفها، وتجعل من الإمارات كوكباً ثقافياً إنسانياً. وهذا المشروع الحضاري أثره ملموس في بناء جسور بين الفنانين من مختلف الخلفيات، كما أنه يعيد تشكيل المشهد الفني المحلي، بحيث يصبح متنوعاً، حياً، ومتميزاً بين التصنيفات النمطية المعهودة. وحول دور المنطقة الثقافية في إثراء الحراك، وبناء علاقات إبداعية بين الرواد والناشئة، تشير الهاشمي إلى أن المنطقة الثقافية في السعديات لا تصنع الفنون فقط، بل تصنع الحوارات التي تنتج فناً، وتخلق بيئة إبداعية خصبة لجميع فئات المجتمع، فما يميزها هو قدرتها على الجمع بين جيل المؤسسين، الذين شكلوا البدايات، وجيل الناشئة الذين يُعيدون صياغة اللغة الفنية بلغتهم الخاصة، وتضيف: «كوني واحدة من الفنانات اللواتي صنعن بصمة إماراتية في التلحين والتوزيع، أقدر هذا التداخل الذي يجعل من التجربة حلقة متصلة لا تنفصم». وترى الفنانة إيمان الهاشمي أن من بين الأعمال التي أثرت في وجدانها كفنانة، كانت المعارض الصوتية والبصرية التي جمعت بين الحداثة والتقاليد، ومنها ما عرض في اللوفر أبوظبي من قطع تدمج التكنولوجيا بالفكر الإنساني. وتضيف: «شدتني أعمال لفنانين عالميين من الذين يطرحون الفن كقضية، لا كزينة. أما على صعيد النقاد والمفكرين، فقد حضرت ندوات شارك فيها مثقفون من طراز رفيع، وكانت رؤاهم مصدر إلهام فكري يوازي أثر الموسيقى في روحي بشكل شخصي. هنا بيئة تعليمية بامتياز». حراك فني وثقافي من جانبها، تقول الفنانة التشكيلية كريمة الشوملي: «الحراك الفني في منصة السعديات هو أيضاً حراك ثقافي، كما تقدم فيها المعارض العلمية والشخصية لفنانين عالميين ومحليين، ولا ننسى أيضاً القمة الثقافية التي تقام سنوياً في المنطق نفسها؛ لذلك نرى أن لها تطوراً وتعزيزاً إيجابياً للثقافة بشكل عام، وللتشكيل بشكل خاص، كما أن المنطقة الثقافية بالسعديات تضم متحف زايد الوطني، وأيضاً «متحف اللوفر أبوظبي»، الذي يعتبر مركزاً أساسياً للفنون إضافة إلى عرض الأعمال الفنية العالمية والمحلية، إلى جانب متحف «جوجنهايم»، فالمنطقة ذات أهمية ثقافية بكل جوانبها». وتكشف الشوملي عن أن تأثير المنطقة الثقافية بالسعديات، في الحراك الثقافي كبير ومهم جداً، ومنها «فن أبوظبي»، وأهمية هذه المنصة لا يقتصر فقط على الجاليرهات التي تقدم الأعمال الفنية فيه، بل تعتبر مركزاً عالمياً، حيث يحضرها فنانون وزوار من كل الدول، وتقام فيها عروض ثقافية وتشكيلية عالمية ومحلية فيه. وترى الشوملي المنطقة الثقافية منصة رئيسة للحراك الثقافي، خصوصاً أن الفعاليات الثقافية والفنية، تكون مصحوبة بمحاضرات وجلسات عمل فنية، نطلع من خلالها على أهم الإنجازات الجديدة التي تحدث بالعالم. وهذا يعطي تحفيزاً مهماً للفنان المحلي والمقيم. منارة ثقافية حول أهمية المنطقة الثقافية بالسعديات وتأثيرها في الحراك الفني المحلي والعربي والعالمي، يقول الفنان محمد مندي: «وجود المنطقة الثقافية وخاصة للفن والثقافة يشكل مركزاً حافلاً بإقامة برامج ومعارض ومحاضرات تشارك بهذه الفعاليات جميع الفئات، حيث تضم أيضاً الرواد جنباً إلى جنب الجيل الجديد من الفنانين الشباب، إضافة إلى ورش العمل». ويشير مندي إلى حضور الجمهور والفنانين من شتى أنحاء العالم إلى السعديات، خاصة خلال معرض «فن أبوظبي» حيث تتجمع أكبر الجاليريهات المحلية والدولية، وهذا الحراك الثقافي الفني والأدبي يجعل من أبوظبي منارة ثقافية متميزة ومتجددة، حيث يعمل الفنانون على تطوير أعمالهم وإغناء تجاربهم، من خلال مشاركاتهم بالحوار وتبادل الرؤى والأفكار التي تحتضنها المنصة كمركز عالمي خاص بالفنون. قلب نابض الفنان محمد الأستاد يؤكد من ناحيته أهمية المنطقة الثقافية بالسعديات كمنصة ثقافية فنية عالمية هي نافذة للعالم والمنطقة العربية، والمنطقة بما تنظم من معارض، سواء معارض شخصية أو عالمية إضافة، إضافة للندوات والمتاحف الموجودة بالمنطقة، وجميع هذه المعالم التاريخية والمراكز الفنية تؤكد أن منصة السعديات أصبحت القلب النابض للثقافة والفنون في الإمارات والعالم العربي والعالم. ويرى الفنان محمد الأستاد أن تأثير منصة السعديات قوي، حيث أصبحت مظلة فنية متميزة تحتوي كل الفنون بلا استثناء ومن جميع الجنسيات، ومن كل الأساليب الفنية: المفاهيمي، الكلاسيكي ومن جميع الفنون الحديثة أيضاً.


الاتحاد
٢٥-٠٧-٢٠٢٥
- الاتحاد
«ذوبان وتيه».. تحولات ومشاهد مؤثرة من الحياة
فاطمة عطفة (أبوظبي) صدرت حديثاً مجموعة قصصية جديدة بعنوان «ذوبان وتيه» للروائية مريم الغفلي، تضم نحو ثلاثين عملاً سردياً بين القصة القصيرة والأقصوصة المكثفة في لقطة درامية مكثفة. وفي هذه اللقطات السردية المدهشة والمكتوبة بكلمات محدودة يكتشف القارئ الحكمة المكتسبة من الحكاية. القصة الأولى في المجموعة بعنوان «السيل» وبطلها رجل هارب من أعدائه وقد فقد أخته سلامة عبر الصحراء والمطر ينهمر، لكن السيل ينقذه من أولئك الأعداء، وكانت الناقة التي تنتظره بشارة الخلاص. وتنتهي القصة وقد «عاد ممسكاً بخطام الناقة وأخته سلامة على ظهرها». هذه البداية المشحونة بالرعب والقلق تشكل فكرة رمزية لمعظم القصص، فالطبيعة القاسية تتجلى بأنوائها والوحشة، إضافة إلى مشاعر الخوف، والفقد، والاغتراب، والثقة أو انعدامها، الندم، الأرق، الحرمان، والانتظار، كلها هموم ومشاكل ومفاجآت شتى تواجه الإنسان في حياته، يقهر بعضها وتقهره مصاعب أخرى. وكل قصة في هذه المجموعة تصور جانباً من رحلة الحياة، غالباً ما يكون محفوفاً بالخطر، لكن الخلاص يأتي في الخاتمة. ونتابع القراءة لنكتشف أن الأقصوصات بكلماتها القليلة لا تقل فائدة وتأثيراً عن القصص، فنرى امرأة لا مكان يؤويها غير الشارع لأن البيت الذي ورثته عن أبيها كانت قد سجلته باسم زوجها السابق. ونرى أيضاً رجلاً يركن سيارته جانباً ويمشي ليقف مقابل البحر ويبكي، ثم يسقط جاثياً على ركبتيه، يشعر ألا فائدة ترجى منه بعد أن أحيل للتقاعد. عنوان القصة (النهاية) وهي تلخص أن الحياة تكون مرتبطة بالعمل وبما يقدمه الإنسان لأهله ومجتمعه. وأختم مع آخر أقصوصة وهي من أربعة أسطر بعنوان «دنيا»:«تجلس بهدوء، فجأة وُضع الحفيد بين يديها، تنهدت قائلة: «تزوجت البنت وفرحنا، مات الجد وحزنا، وجاء الحفيد كي يغسل كل شيء، يا لها من حياة».


الاتحاد
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- الاتحاد
محمد المر: الصحف الإماراتية لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني
فاطمة عطفة «فكرة معرض الصحافة العربية انطلقت من مسؤوليتنا الإنسانية وإيماننا الراسخ ورسالتنا في مكتبة محمد بن راشد، التي نهدف من خلالها للحفاظ على الأدب والإرث والذاكرة الثقافية العربية، ونقلها جيلاً بعد جيل، خاصة أن الصحافة شكلت ولا تزال تشكل على مر العقود أداة محورية في نقل المعرفة، وتوثيق التحولات الاجتماعية، وصياغة الرأي العام». بهذه الكلمات يضيء معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، على المعرض الذي لاقى إقبالاً وإعجاباً كبيرين حيث يحتضن أكثر من 500 دورية ومطبوعة بعضها يعود إلى القرن التاسع عشر، موزعة على 7 أقسام رئيسة: قسم المرأة، وقسم الطفل، وقسم الأدب، وقسم الفن، وقسم الصحافة الإماراتية، وقسم الصحافة المتخصصة، وقسم الصحف. مبيناً في حديثه لـ(الاتحاد) أن الرسالة التي يجسدها المعرض «تنسجم بشكل واضح مع رؤية قيادتنا الرشيدة في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز إشعاع ثقافي ومعرفي على مستوى العالم العربي، حيث يبرز المعرض الدور الرائد للدولة في دعم الإعلام المسؤول وتعزيز الحوار الفكري البناء». ويضيف معالي محمد المر: «حين نعود إلى بدايات الصحافة العربية فإن البوصلة يجب أن تتجه إلى مصر، الدولة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للصحافة العربية، وكانت صحفها منابر للفكر والتنوير، ومصانع لتشكيل الوعي العربي في مفترق تاريخي بالغ الأهمية». وأكد معاليه أن الصحافة المصرية جسدت، منذ القرن التاسع عشر، روح التجديد والإصلاح، وأسهمت في إرساء قواعد التعبير الحر، وكانت ملاذاً للمفكرين، ومسرحاً للجدل الثقافي والسياسي، ومحركاً للحركات الاجتماعية. وفي هذا المعرض، حين نطالع بأعيننا أعداداً نادرة من الوقائع المصرية، وروز اليوسف، وصباح الخير، وآخر ساعة، فإننا نقرأ فصولاً حية من سيرة العقل العربي، ومن إرث لا يزال يلهمنا حتى اليوم. ويكفي القول: إن بعض هذه الصحف لا يزال يصدر إلى الآن رغم مرور مئة عام على انطلاقتها». وعن بداية الصحافة في الإمارات، قال معاليه: « لقد ارتبطت نشأة الصحافة في دولة الإمارات ارتباطاً وثيقاً بحركة التنوير الثقافي والفكري التي رافقت بدايات التأسيس، حيث لعبت دوراً جوهرياً في نقل المعرفة وترسيخ الهوية الوطنية، وأسهمت في نشر الثقافة الإماراتية والعربية محلياً وعالمياً، كما شكلت الصحافة منبراً لتوثيق التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع». وأضاف أن نشأة الصحف في دولة الإمارات كانت في ستينيات القرن الماضي، وكانت تطبع في مطابع متواضعة لكنها حملت التنوير والتثقيف للقارئ، وقد أسهمت هذه الصحف المبكرة في خلق مساحة للتعبير في زمنٍ كانت في وسائل الاتصال محدودة، وكانت الكلمة المطبوعة هي الوسيط لتداول الأخبار والأفكار. ومع إعلان قيام دولة الاتحاد في العام 1971، شهدت الصحافة الإماراتية نهضة نوعية، حيث صدرت صحف كبرى مثل «الاتحاد» و«الخليج» و«البيان»، ثم لاحقاً «الإمارات اليوم»، حيث لعبت هذه الصحف دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني، وتعزيز الانتماء للدولة الحديثة، لم تكن تلك الصحف مجرد ناقل للأخبار، بل كانت منابر لبناء اللغة المشتركة والهوية الثقافية، وقدمت على صفحاتها أقلاماً محلية وعربية، طرحت قضايا الفكر والتنمية والحداثة، وكانت المجلات الأسبوعية ترافق الصحف، مما ساعد على ازدهار الصحافة المحلية واتساع رقعة تأثيرها. صياغة الواقع ولفت معالي محمد المر إلى أن الصحافة في الإمارات كانت شاهداً وفاعلاً، لا تكتفي برصد الواقع، بل تُسهم في صياغته، وقد تحولت خلال العقود الأخيرة إلى قوة ناعمة تعكس صورة الدولة إقليمياً وعالمياً، من خلال المهنية العالية، والانفتاح الثقافي، والدور الحضاري في تعزيز قيَم التسامح والتواصل بين الشعوب. وحول أهمية المعارض الأرشيفية، قال معاليه: «يمثل الأرشيف ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الإنسانية، وهو أداة مهمة لفهم تحولات المجتمعات وتوثيق إنجازاتها. وعلى الصعيدين المحلي والعالمي، تبرز أهمية الأرشيف في حفظ الوثائق التاريخية والفكرية والثقافية، بما يتيح للأجيال الجديدة الاطلاع على المسارات التي صنعت حاضرها وأسست لمستقبلها. ومن هنا فإن المعارض الأرشيفية المتخصصة، كمعرض الصحافة العربية في مكتبة محمد بن راشد وغيرها، تؤدي دوراً محورياً في إبراز هذا البعد الحضاري». وحول أهمية إقامة معرض للصحافة العربية في توعية الأجيال الجديدة بتاريخ الإعلام وهويته الثقافية، يقول معالي محمد المر: «تكمن أهمية هذا المعرض في كونه جسراً يربط الأجيال الجديدة بجذور الصحافة العربية ومسيرتها الطويلة، بما تحمله من أحداث، تحولات، وأصواتٍ شكّلت جزءاً كبيراً من الوعي الجمعي في المنطقة. فالمعرض لا يقتصر على عرض صفحات من صحف ودوريات قديمة، بل يمثل أرشيفاً حيّاً لأصوات الناس، نبض المجتمعات، وتحولات الفكر العربي عبر عقود، كما أن المعرض يتيح فرصة فريدة للجيل الرقمي الحالي لفهم كيف كانت الكلمة المطبوعة ذات تأثير نافذ، وكيف كان للصحافة دور رئيس في إشعال النقاشات الفكرية، وتأريخ الوقائع ونقلها بصورتها الأصلية، كما يساعد على توضيح السياقات التي ولدت فيها تلك الأحداث، والتي تحمل تيارات فكرية مختلفة، عبر المقالات الافتتاحية، الكاريكاتيرات والرسومات المعبرة، والتحقيقات التي كانت تتصدر الصفحات الأولى، إضافة إلى أن المعرض يمنح فرصة للزوار للتعرف على تاريخ الإعلام المكتوب، بوصفه أداة البناء للهويات الثقافية والاجتماعية، ويبرز مدارس فكرية واتجاهات تحريرية مختلفة من الصحافة القومية، إلى المستقلة، وصولاً إلى الصحافة المتخصصة الموجهة لكل شرائح المجتمع، وهو ما يعزز لدى الجيل الجديد فهماً عميقاً لكيفية تشكل السرديات الإعلامية، من خلال عرض مجموعات مميزة من صحف ومجلات، والتعرف إلى الأسماء اللامعة في عالم الصحافة العربية من كتَّاب ومفكرين». أبرز المقتنيات وعن أبرز المقتنيات المعروضة في أقسام معرض الصحافة العربية، يقول معالي محمد المر: «يضم المعرض مجموعة نادرة واستثنائية من المقتنيات الصحفية والمجلات المتخصصة والعامة، موزعة على عدة أقسام تعكس تنوع المحتوى وتطوره الزمني والثقافي. من بين أبرز المعروضات في قسم الصحافة الإماراتية نذكر: «أخبار دبي» (1969)، و«درع الوطن» (1971)، و«جريدة الاتحاد» (1969)، التي تمثل بدايات الإعلام الوطني. أما قسم الأطفال فيحتوي على مجلات أيقونية مثل «السندباد» (1952) و«ميكي» (1962) و«مانجا العربية» (2021)، ما يُظهر تطور صحافة الطفل عبر الأجيال. وفي قسم الفنون نجد إصدارات مثل «العفريت» (1924) و«الحياة السينمائية» (1978)، بينما يوثق قسم المرأة حضوراً مبكراً ومؤثراً من خلال مجلات مثل «أنيس الجليس» (1899) و«سيدتي» (2016). ورأى معاليه أن الصحف التاريخية تحضر بقوة في قسم الصحف مثل «الوقائع المصرية» (1893)، إلى جانب مجلات أدبية مؤثرة مثل «المقتبس» و«عالم الفكر» في قسم الأدب. كما يتضمن المعرض مجلات متخصصة مبكرة كـ«الفلاحة المصرية» (1898) و«روز اليوسف» (1925). ويبرز من بين الأندر: «صباح الخير» (1962)، و«أبو نظارة» بخط اليد (1895)، و«جريدة الخلافة» (1881). كما يعرض المعرض أحدث الإصدارات مثل «المقطع» (2023)، ليجمع بذلك بين التراث والحداثة، ويوفر توثيقًا حياً لمسيرة الصحافة العربية في مختلف مجالاتها وحقبها.