
قراءة نقدية في قرار المحكمة الدستورية بشأن قانون نقابة المعلمين
أصدرت المحكمة الدستورية مؤخرًا قرارًا يقضي بعدم دستورية قانون نقابة المعلمين رقم 14 لسنة 2011، مستندةً إلى تفسيرها لأحكام المواد (16) و(128) من الدستور الأردني. وقد أثار هذا القرار جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والتربوية والنقابية، لما له من تداعيات مباشرة على الحق في التنظيم النقابي، وحرية المهنة، واستقرار المؤسسات المهنية القائمة. ويهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة نقدية للقرار، من خلال تحليل أبعاده القانونية والدستورية، ومناقشة مدى انسجامه مع المبادئ المستقرة في الفقه الدستوري الأردني والمقارن.
جاء في المادة (16) من الدستور الأردني "للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات... ضمن حدود القانون"، وقد فسرت المحكمة الدستورية هذا الحق تفسيرًا ضيقًا، عندما اعتبرت أن مهنة التعليم لا تدخل ضمن مفهوم "المهن التي تستوجب ترخيصًا مهنيًا"، كما هو الحال في الطب والهندسة والمحاماة، وبالتالي لا يجوز إنشاء نقابة مهنية خاصة بالمعلمين.
غير أن هذا التفسير يتناقض مع المفهوم الواسع للحق في التنظيم النقابي الذي كرسته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية Demir and Baykara v. Turkey (2008)، حيث اعتُبر أن "الحق في التنظيم النقابي هو أحد أشكال حرية تكوين الجمعيات، ولا ينبغي تقييده بتعريف ضيق للوظائف أو المهن".
قد تجاهلت الهيئة مبدأ الحقوق المكتسبة ووالاستقرار للمراكز القانونية، فقد مضى على تأسيس نقابة المعلمين أكثر من عقد من الزمن، وتمت المصادقة على قانونها من قبل مجلس الأمة ونشره في الجريدة الرسمية، كما مارست النقابة وظائفها كاملة ضمن الإطار الدستوري، وبذلك، فإن إلغاءها بعد هذه المدة الطويلة يشكل خرقًا واضحًا لمبدأ الأمان القانوني الذي يُعد من المبادئ الدستورية الضمنية (implicit constitutional principles)، حيث يجب أن تكون القواعد القانونية واضحة ومستقرة، ولا تُغيّر فجأة بأثر رجعي.
كما أن مبدأ الحقوق المكتسبة الذي قررته المحكمة الدستورية الأردنية نفسها في قرارات سابقة، ومنها القرار رقم (3) لسنة 2013، يوجب الحفاظ على الوضع القانوني للأفراد الذين رتبوا أوضاعهم استنادًا إلى قانون قائم وقت صدوره، ومخالفته تعد تهديد مباشر لحرية التنظيم والتمثيل، حيث يعتبر الحق في التنظيم النقابي هو أحد أركان الدولة الحديثة، ويُصنَّف ضمن الحقوق المدنية والسياسية الأساسية، وقد نصت عليه المادة (23) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي صادق عليه الأردن بموجب قانون التصديق رقم 29 لسنة 2006.
قرار الهيئة يُعدّ تقليصًا لهذه الحقوق، ويقود عمليًا إلى منع فئة كبيرة من المواطنين – المعلمين – من أن يكون لهم إطار قانوني موحد يعبّر عن مصالحهم ويدافع عنها، مما يعد من السياق السياسي تأثير على استقلال التفسير الدستوري، فمن الصعب فصل القرار عن السياق السياسي الذي شهد في السنوات الأخيرة تضييقًا متزايدًا على نقابة المعلمين، تجلّى بحل مجلسها، وتوقيف أعضائها، وإغلاق مقارّها، بقرارات إدارية وأمنية، وبهذا، فإن القرار القضائي الدستوري قد يُفهم – ولو ضمنًا – كاستكمال لمسار سياسي هدفه إنهاء وجود النقابة بشكل كامل.
استقلال التفسير الدستوري شرط أساسي لحماية الحقوق والحريات، وقد نصت عليه مبادئ البندقية (Venice Commission) التابعة لمجلس أوروبا، التي شددت على أن "أي سلطة تفسيرية دستورية يجب أن تكون بمنأى عن التأثيرات السياسية المباشرة أو غير المباشرة".
إن قرار الهيئة (المحكمة الدستورية) بشأن قانون نقابة المعلمين، رغم مشروعيته من حيث الشكل، يطرح إشكاليات عميقة على مستوى المضمون الدستوري والمبادئ العامة للقانون، وهو يشكل، بحسب هذا التحليل، خطوة إلى الوراء في مسار الحقوق النقابية في الأردن، ويهدد بانكماش الحيز المدني الذي تُمارس فيه الحريات العامة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جفرا نيوز
منذ 9 ساعات
- جفرا نيوز
ترامب يدفع باتجاه خفض أسعار الفائدة
جفرا نيوز - دعا الرئيس دونالد ترامب مجددا، اليوم الأربعاء، مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) إلى خفض أسعار الفائدة القياسية بعد أن أظهرت بيانات انتعاش النمو الاقتصادي الأمريكي بأكثر من المتوقع في الربع الثاني. وكتب ترامب على منصة (تروث سوشيال) بينما يستعد البنك المركزي لإصدار قراره بشأن السياسة النقدية "الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني صدر للتو: ثلاثة بالمئة%، وهو أفضل بكثير من المتوقع!… بعد فوات الأوان، يجب الآن خفض سعر الفائدة. لا تضخم! دعوا الناس يشترون منازلهم ويسددون ثمنها!'.


جفرا نيوز
منذ 10 ساعات
- جفرا نيوز
أكسيوس: المبعوث الأميركي يتوجه إلى "إسرائيل" لبحث أزمة غزة
جفرا نيوز - نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين مطلعين، قولهم إن مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، سيتوجه إلى إسرائيل الأربعاء لمناقشة الأزمة الإنسانية في غزة. وتُعد هذه أول زيارة لويتكوف إلى إسرائيل منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، وتأتي في ظل جمود في وقف إطلاق النار في غزة ومحادثات الأسرى، والأزمة الإنسانية الكارثية في غزة.


جفرا نيوز
منذ 11 ساعات
- جفرا نيوز
اعرف توجهك الحزبي- رابط
جفرا نيوز - أطلقت منظمة رشيد للنزاهة والشفافية "الشفافية الدولية – الأردن"، اليوم الأربعاء، النسخة المحدثة من الأداة الرقمية التفاعلية " اعرف توجهك الحزبي"، ضمن فعاليات مشروع "نزاهة" الذي تنفذه المنظمة بدعم مشترك من الوكالة الإسبانية للتعاون الإنمائي الدولي والاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز الوعي السياسي والمساءلة المجتمعية وتمكين المواطنين من فهم توجهاتهم السياسية ومقارنتها مع برامج الأحزاب في الأردن. وأكد رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب المهندس موسى المعايطة، خلال رعايته حفل الإطلاق، أهمية العمل الحزبي المنظم في تطوير الحياة السياسية، مشددا على أن التحديث السياسي في الأردن يستند إلى رؤية شاملة يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني، وأن الالتزام بالدستور والقانون هو الضمان الحقيقي لنجاح واستمرارية هذا التوجه. وأشار إلى أن الأردن يواصل تنفيذ استحقاقات التحديث السياسي رغم التحديات الإقليمية والعدوان المستمر على قطاع غزة، مستشهدا بإجراء الانتخابات النيابية الماضية كدليل على الالتزام بالمضي قدما في العملية الديمقراطية. ودعا المعايطة، الأحزاب السياسية إلى تقديم البرامج الواضحة والمحددة والابتعاد عن الشعارات العامة، لتكون ممثلة حقيقية للآراء المختلفة في المجتمع من خلال صناديق الاقتراع، مشيرا إلى جهود الهيئة في دعم وبناء قدرات الأحزاب عبر برامج تدريبية تتناول إدارة الحملات الانتخابية وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة. من جانبها، أكدت المديرة التنفيذية لمنظمة رشيد المهندسة عبير مدانات، أن المشاركة السياسية الفاعلة تسهم في تعزيز الثقة المجتمعية وتدعيم اللحمة الوطنية، مشيرة إلى أن المشاركة الحزبية هي ركيزة أساسية لدعم الحكم الرشيد، وتمكين الفئات المهمشة وتعزيز المساواة والعدالة الاجتماعية، فضلا عن دعم السياسات التنموية الشاملة والشراكة بين مختلف القطاعات. وأوضحت مدانات، أن منصة "الحوار الحزبي" التي أطلقتها المنظمة العام الماضي، تطورت إلى أداة رقمية تتيح مساحة تفاعلية للمواطنين من مختلف المحافظات، لطرح قضاياهم ومناقشتها مع الأحزاب السياسية، بما يعزز التواصل والمساءلة ويقلل الفجوة بين المواطن والحزب، مشيرة إلى أن المنصة تتضمن أداة "تبنى قضيتي" التي تشبك المواطنين مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لتبني القضايا ذات الأولوية. وأضافت، إن الأداة التفاعلية "اعرف توجهك الحزبي" تم تحديثها بعد تحليل شامل لبرامج الأحزاب السياسية ومواقفها من القطاعات الحيوية كالتعليم والاقتصاد والسياسة الخارجية والزراعة والسياحة، بما يتماشى مع رؤية التحديث السياسي في الأردن. من جهته، أكد ممثل بعثة السفارة الإسبانية فرانسيس بيلا، عمق الشراكة الأردنية الإسبانية وأهمية مشروع "نزاهة" في تعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية، وأن الدعم الإسباني لهذا المشروع ينبع من التزامها بنشر قيم النزاهة والمساءلة على المستوى الدولي، مشيدا بجودة الأداة ومحتواها بالشراكة الفاعلة مع منظمة رشيد. بدوره، شدد ممثل مفوضية الاتحاد الأوروبي آدم جونسون، على أهمية دور المجتمع المدني في إنجاح مسار التحديث السياسي في الأردن، مؤكدا التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساءلة وتمكين الشباب للمشاركة الفاعلة في الشأن العام من خلال أدوات تفاعلية تساعدهم على التمييز بين البرامج السياسية المختلفة. وشهد حفل الإطلاق عرضين، الأول قدمه مدير مشروع "نزاهة" نزار يوسف، تناول خلاله مكونات منصة "الحوار الحزبي" وأداة "تبنى قضيتي"، فيما قدمت مطورة أداة "اعرف توجهك الحزبي" الخبيرة ميسم الحديدي عرضا حول مراحل تطوير الأداة وخطوات إعدادها. واختتم الحفل بفتح المجال لتجربة الأداة واستقبال استفسارات الحضور من قبل فريق المرصد الحزبي. يشار إلى أن أداة "اعرف توجهك الحزبي" تعتمد على تحليل إجابات المشاركين في استبيان رقمي ومقارنتها بمواقف الأحزاب السياسية الأردنية من قضايا محورية تشمل التعليم والاقتصاد والبيئة والحوكمة والصحة بهدف تمكين الأفراد من تحديد موقعهم على الخريطة السياسية بشكل موضوعي ومدروس وتعزيز وعيهم السياسي وإشراكهم في عملية الإصلاح الوطني.