logo
فرقة "ماسيف أتاك" تطلق تحالفا فنيا ضد الإرهاب الصهيوني لداعمي الحق الفلسطيني

فرقة "ماسيف أتاك" تطلق تحالفا فنيا ضد الإرهاب الصهيوني لداعمي الحق الفلسطيني

الجزيرة٢٢-٠٧-٢٠٢٥
أعلنت فرقة "ماسيف أتاك" (Massive Attack) الغنائية البريطانية عن إطلاق تحالف جديد يقوده الفنانون للدفاع عن حرية التعبير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في خطوة تتزامن مع حملة ترهيب قانونية وصفت بأنها ممنهجة ضد من يعبّرون علنا عن تضامنهم مع غزة ضد حرب التجويع والإبادة التي تتعرض لها. التحالف الذي شاركت فيه أسماء بارزة في عالم الفن، يستهدف حماية الفنانين الذين يواجهون دعوات قانونية وإعلامية بسبب تضامنهم مع الحقوق الفلسطينية.
تحالف فني ضد القمع الممنهج
في يوليو/تموز الجاري 2025، خرجت فرقة "ماسيف أتاك" ببيان رسمي عبر حسابها على منصة التواصل الاجتماعي "إنستغرام"، أعلنت فيه تأسيس "تحالف فني من أجل غزة"، بعد سلسلة من الحوادث التي حملت طابعا قانونيا ضد فنانين أبدوا دعمهم لفلسطين في ظل الحرب على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأضافت الفرقة أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي"، وأن هدفها حماية الفنانين من ظاهرة "إلغاء الوظائف أو الترهيب"، وخاصة من قبل منظمات مثل "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" (UK Lawyers for Israel)، التي تتولى تحريك حملات قانونية مكثفة ضد الفنانين، بهدف تقييد حريتهم على خلفية شعارات أو رموز سياسية مثل "من النهر إلى البحر".
وقد شاركت في البيان مجموعة من الأسماء الشهيرة، من بينها فرق "برايان إينو" (Brian Eno) و"غارباج" (Garbage)، و"فونتينز دي سي"(Fontaines D.C)، و"نيكاب" (Kneecap) الأيرلندية، والممثل بنديكت كامبرباتش، ومقدّم البرامج الرياضي غاري لينيكر. ولفت البيان إلى أن معظم الضحايا القانونيين من الفنانين هم من "الفنانين الشباب"، مشددا على أن التضامن مع غزة لا يجب أن يُعامل كجريمة، بل كعمل إنساني وأخلاقي أصيل.
وذكرت فرقة "ماسيف أتاك" في بيانها أن الرسالة موجهة بشكل مباشر إلى الجمهور والمؤسسات الفنية، مشيرة إلى أن "الفنانين الذين يعبرون عن رفضهم للقصف العسكري في غزة يواجهون ضغوطا وملاحقات تهدف إلى إسكاتهم أو إنهاء مسيرتهم المهنية. لقد آن الأوان لأن نقف إلى جانبهم وندعم قدرتهم على الاستمرار والمواجهة".
أدوات الضغط.. من القانون إلى الإعلام
تحالف الفرقة البريطانية لم يعتبر بطبيعة الحال خطوة منفردة، بل جاء في ظل تصاعد الضغوط التي تستخدم فيها أدوات قانونية وتنظيمية لفصل الأصوات الداعمة لغزة عن البيئة الفنية الرسمية. وتعد منظمة "محامون من أجل إسرائيل" القانونية البريطانية ذات التوجه المؤيد لإسرائيل، هي أكثر الجهات إقامة لدعاوى ضد فنانين في السنوات الأخيرة. وأبرز هذه الحالات كانت ضد الفنان "بوب فيلان" بعد رفعه شعار "الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي" خلال حفله في مهرجان غلاستون بيري، واستدعت المنظمة الشرطة إلى الحفل وتم إلغاء بعض الحفلات على خلفية البلاغ. وقامت المنظمة نفسها بإرهاب المطرب مو شارا من فرقة "نيكاب" (Kneecap) بعد أن وجهت إليه اتهاما بدعم الإرهاب إثر ظهور علم حزب الله في حفل له بلندن عام 2024.
أما منظمة "مجتمع الإبداع من أجل السلام" (Creative Community for Peace)، فهي تعمل على تنشيط لوبيات الفن المؤيد لإسرائيل في الغرب، وتقدم الدعم الفني واللوجيستي للفنانين الذين يغنون في إسرائيل ضد ضغوط حركة مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات "بي دي إس" (BDS).
مواقف سابقة وتضامن متواصل
لم يكن موقف "ماسيف أتاك" من فلسطين نتيجة للمجازر الحالية فقط، بل يتجاوزها إلى سنوات طويلة من التضامن. ففي 1999، قرر المؤسس روبرت دل ناغا بعد زيارة إلى الضفة الغربية عدم السماح بأي نشاط للفرقة في إسرائيل. وقال لاحقا في تصريح نقلته عنه جريدة "الغارديان": "مشاهد الحواجز والجدران كانت صادمة. لا يمكننا أن نغني في بلد يفرض أبارتهايد على شعب".
وأصدرت "ماسيف أتاك" في 2023 ألبوما مشتركا بعنوان "وقف إطلاق النار"(Ceasefire) بالمشاركة مع فنانين مثل "فونتينز دي. سي" (Fontaines D.C). و"يونغ فاذرز" (Young Fathers)، وخصصت جميع الإيرادات لدعم الطواقم الطبية في غزة والضفة من خلال منظمة "أطباء بلا حدود" واعتبرت ذلك "التزاما أخلاقيا، وليس سياسيا".
ومع خروجها من مأزق ترهيب منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" لأول مرة بشكل مباشر عبر تحالف مؤازر، بات موقف الفرقة البريطانية يمثل خطا فاصلا شكليا بين من يؤمن بأن حرية التعبير يجب الحفاظ عليها حتى في أصعب الأوقات الإنسانية، وبين محاولة تقويض هذا الحق عبر "تحويله إلى تهديد".
وتعد فرقة "نيكاب" (Kneecap) الأيرلندية المعروفة بموسيقاها الاحتجاجية واللهجتين الإنجليزية والغيلية من بين أعضاء التحالف الأبرز، وتشكل منذ تأسيسها عام 2017 قاعدة من الشباب الغاضب من الواقع السياسي في أيرلندا، لكن تطورها أخيرا جعلها مادة إعلامية ساخنة، إذ هتفوا خلال حفل لهم في أبريل/نيسان 2025 في مهرجان كواشيلا الموسيقي بكاليفورنيا: "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني"، وهذا أدى إلى مطالبة بعض الأصوات بإلغاء تأشيراتهم إلى الولايات المتحدة.
وفتحت الشرطة البريطانية تحقيقا بعد تصريحات المطرب مو شارا، التي تضمنت عبارات مثل "تحيا حماس" و"يحيا حزب الله"، ورفع علم الحزب على المسرح، لكن التحالف أطلق -في مواجهة ذلك- دعوة واضحة للدفاع عن حقهم في التعبير، واعتبر ما يحصل "انتهاكا ممارسا بدوافع سياسية منظمّة".
وكانت مجموعة "يقودنا حمير" (Led By Donkeys) السياسية الساخرة قد نشرت تغريدة عبر صفحتها الرسمية على الشبكات الاجتماعية، قالت فيها: "منظمة محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" حاولت إسكات العديد من الأصوات المؤيدة لفلسطين. جناحها الخيري أصدر تصريحات علنية ترفض القانون الدولي. الناشطة إيم هيلتون الآن أمام مفوضية الجمعيات الخيرية للمطالبة بالتحقيق".
وجاءت التغريدة كتصعيد مباشر بين المجموعة والمنظمة القانونية، التي تتعرض لانتقادات من قضاة ومحامين في بريطانيا، بعد إصدارها بيانات تشكك في قرارات المحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع القانوني في غزة والضفة الغربية. وتؤكد منظمات حقوقية أن هذا الخطاب يفتح الباب أمام استغلال الصفة الخيرية لأغراض سياسية مناهضة للقانون الدولي.
وكانت حملة "يقودنا حمير" (Led By Donkeys) جزءا من تحرك أوسع يتضمن عرض فيديوهات ومقاطع بصرية على جدران مبانٍ حكومية في لندن، إلى جانب دعم تحالف فرقة "ماسيف أتاك" في مساعيه لتوثيق الترهيب القانوني ضد الفنانين.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وفق الدراسات: يوتيوب وجهة التلفاز الأولى للأطفال
وفق الدراسات: يوتيوب وجهة التلفاز الأولى للأطفال

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

وفق الدراسات: يوتيوب وجهة التلفاز الأولى للأطفال

وجدت الإحصائيات الأخيرة أن واحدا من كل 5 أطفال في العمر بين 4 أعوام وحتى 15 عاما يتجه إلى منصة " يوتيوب" مباشرة عند تشغيل التلفاز، وذلك وفق تقرير نشرته "ذي غارديان". ويستند التقرير إلى إحصائيات أجرتها هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية "أوف كوم" (OfCom) حول المنصات التي يتجه إليها المستخدمون عند تشغيل التلفاز، حسب ما جاء في التقرير. وتضمنت هذه القائمة مجموعة من منصات البحث من بينها "نتفليكس" التي احتلت المركز الثاني بالقائمة مع تأخر المنصات البريطانية مثل "بي بي سي" في القائمة ذاتها، وذلك وفق ما جاء بالتقرير. ويعكس هذا التقرير توجها جديدا في عالم الترفيه المنزلي، إذ انتقل استخدام منصة "يوتيوب" من أجهزة الحواسيب والهواتف المحمولة إلى أجهزة التلفاز الذكي مستبدلا بذلك منصات التلفاز المعتادة التي تعتمد على البث المباشر حسب التقرير. ويضيف أن المستخدمين البالغين من العمر 55 عاما فأكبر بدؤوا بمشاهدة "يوتيوب" عام 2024 لفترات أطول من 2023، إذ ارتفع معدل مشاهدتهم اليومي بنسبة 42%. ويعزز هذا التقرير من أهمية منصة "يوتيوب" في عالم الإعلام المعاصر، إذ إن نسب المشاهدة المرتفعة للمنصة تجعله قادرا على استبدال محطات البث التقليدية، وربما كان هذا السبب الذي جعل غالبية محطات البث تنشر محتواها على المنصة رغم أن هذا يخفض من نسب المشاهدة الخاصة بها بقنوات البث التقليدية. ويشير إلى أن هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية وجهت هيئات البث المهددة بالانقراض إلى العمل مع منصة "يوتيوب" لإضافة محتواهم داخل المنصة، ومحاولة الوصول إلى صفقة تجارية عادلة تحافظ على حقوق كلا الطرفين. كما تتجه "بي بي سي" أيضا لتعزيز وجودها في "يوتيوب" خلال الفترة القادمة، وذلك بعد أن كان غالبية المحتوى الذي تنتجه موجودا بالموقع الخاص بها، إذ قالت ديبورا تورنيس رئيسة قسم الأخبار في "بي بي سي" -في حديثها مع موظفي الهيئة- أن قسم الذكاء الاصطناعي الجديد سيكون مسؤولا عن تعزيز النمو خارج المنصة، مع التركيز على الجمهور الأصغر سنا باستخدام "يوتيوب" حسب ما جاء في التقرير. ويذكر تقرير هيئة تنظيم الاتصالات البريطانية سياسةَ توزيع الأرباح التي يعتمد عليها "يوتيوب" وهي توفر لصناع المحتوى وأصحاب حقوق البث نسبة ضئيلة من الأرباح مقارنة بالنسبة التي تقتطعها المنصة لنفسها.

الوحدة العربية والحصاد المر
الوحدة العربية والحصاد المر

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

الوحدة العربية والحصاد المر

تتشابك أيدينا الصغيرة، وبمجرد أن نجلس في دائرة على الأرض استعدادا للعب، يُخرج أحدنا منديلا من القماش استعدادا للغناء: "طاق طاق طاقية.. تعيش الوحدة العربية.. رن رن يا جرس.. محمد راكب ع الفرس.."، وصولا إلى نهاية الأغنية. ثم نضع المنديل خلف شخص من الدائرة، ونعيد الغناء بأعلى صوت لنا: "طاق طاق طاقية.. تعيش الوحدة العربية"، على أمل أن يخترق صوتنا الحدود، على أمل أن يقطع المسافات برسالة صغيرة مفادها: "تعيش الوحدة العربية". ولكنْ، ثمة شيء غريب؛ منذ ذلك الحين وأنا أسمع صدى الصوت في قلبي فقط، رغم أننا غنيناها من أعلى مكان في غزة؛ على "الجبل الكاشف"، الذي نرى منه أراضينا المحتلة 1948، وجبال الخليل. مارس/ آذار 2008 في آخر يوم من فبراير/ شباط، لفظت جدتي آخر أنفاسها. مضت ساعات قليلة، فبدأت أفاوض أمي: "لن أذهب إلى المدرسة طوال أيام العزاء! جدتي ماتت". كانت هذه الفرصة الوحيدة بالنسبة لي لتحقيق الأمنية المنتظرة: الغياب عن المدرسة ولو ليوم واحد! ويا ليتني ذهبت.. في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، في الأول من مارس/ آذار 2008، استيقظت على همسات أمي لتنقلنا من بيتنا إلى بيت عمي المقابل لنا، البيت الأكثر أمنا مقارنة ببيتنا المطل على الشارع. بعيون نصف مغمضة، أخبرنا عمي أن الكهرباء قد قُطعت، وأننا الآن محاصرون من قبل القوات الخاصة الإسرائيلية، لذلك علينا البقاء طوال الليل على ضوء شمعة واحدة. في تلك الليلة، تخيلت جنود الاحتلال كأنهم كائنات ضخمة، بذيول طويلة، يشبهون ما أراه في الرسوم المتحركة "دراغون بول"؛ فلست سوى طفلة في العاشرة! تلك الليلة، كانت الليلة الأولى التي تصطدم فيها طفولتي بجنود الاحتلال الإسرائيلي. وكانت تلك الأيام الثلاثة كابوسا يلاحقني طوال السنوات الماضية، كابوسا أتجنب مواجهته، كابوسا بصوت "الحاجة رضا" التي كانت تصرخ على أحفادها الذين قُتلوا في غرفتهم.. كابوسا بصوت جارنا "أبو إياد"، وهو يناشد لإنقاذ شاب من شباب الحارة: "المسكين أُعدم في الشارع وحيدا!". في عملية أسماها الاحتلال "عملية الشتاء الساخن"، انطلق صراعي مع الحياة.. في لحظات كنت أقرأ القرآن بقلب عابد، وفي لحظات أخرى أسأل الله بقلب طفل لا يشاهد سوى "سبيستون": "لماذا لا تعطيني يا الله قدرات خارقة؟ أريد فقط غلافا يحمينا من الخطر!". في سن العاشرة، بدأت أطرح أسئلتي الوجودية عن البشر، عن حقوق الإنسان التي تشرحها لنا المعلمة في المدرسة. في سن العاشرة، فقدت إحساسي بأن هناك من يشعر بنا.. الجميع خارج حدود هذه المنطقة- حارتنا- تسير حياته بشكل طبيعي! يذهبون إلى الحمام دون الخوف من دبابة أو جرافة متمركزة أمام البيت، يأكلون ويشربون دون خوف من رصاصة قد تقتلهم، يصلون على ضوء الكهرباء.. أما نحن، فنخشى ظلنا؛ نخشاه لأنه أصبح دلالة على وجودنا، أصبح إشارة للقناص الإسرائيلي لإطلاق رصاصته نحونا. لثماني عشرة سنة، وأنا أبحث عن تفسير منطقي لـ"حكم الإعدام" الذي يُفرض علينا.. لثماني عشرة سنة، وأنا أتحسس صدى غنائنا: "تعيش الوحدة العربية".. أصغي، أراقب، أرتقب.. هل سيلوح أحد لنا من بلاد بعيدة، ليقول: "لقد وصل الصدى"؟ فقد صعدت إلى الجبل مرات عديدة، ولكني لم أرَ أي منديل يلوح لي. لربما لا يملكون منديلا! فإن لم يملكوا منديلا، فسأمنحهم ميراثي من جدتي حليمة.. سأعطيهم منديلها! منديل جدتي حليمة قيل لي إنه بمجرد دخول جدتي حليمة لأي عرس داخل المخيم، يتحول إلى ساحة انتفاضة، إلى ميدان ثوري. تُخرج المنديل من زنارها، تمسكه بيدها، ومع أول تلويح به، يعلو تصفيق النساء؛ تحية لزوجة الشهيد وأم الأسرى، تحية لثوبها المطرز بأناملها، لزنارها، لشالها، ولحذائها الذي لطالما حفظته سجون الاحتلال. تغني بصوت مرتفع.. بصوت القرية المسلوبة، بصوت يصارع للبقاء، بصوت الشعب الغريق: "بارودنا اللي ضرب ورصاصنا مصري.. لاس بدي (لازم ولا بد) يا دولة إسرائيل تنكسري".. كانت تعتقد، كغيرها من المنكوبين، أننا لن نُترك وحدنا! كانت تغني لحلم أبدي، لمطلب شعبي: "بدي لأبو عمار طيارة حربية.. تضرب مطار اللد وتنزل ع سوريا". حوصر أبو عمار في رام الله، ولم يأتِ زعماء العرب له برغيف خبز واحد، أو كوب من الماء! مات ببطء.. مات بصمت.. لا بد أن يموت؛ هذا ما تستوجبه المرحلة. وحوصرت غزة أيضا، يا جدتي، ورأينا طائرات "العروبة"، لكنها لم تضرب مطار اللد، بل جاءت بالطعام لنا في مجاعتنا التي لم تنتهِ! تماما كمشهد المروحية التي أتت لنقل عرفات إلى آخر محطات حياته! جاءت، وعُقدت لها الأفراح، أتت بالطعام لشعب يباد! لشعب يُقتل شبابه لأجل رغيف خبز واحد! جاءت.. لتشاهد احتضار غزة! وتغني نداء فلسطين: "زارعنا الميرمية ع باب الدار.. فلسطين بتنادي على الثوار.. زارعنا الميرمية في القنية.. فلسطين بتنادي ع الفدائية". سمع ثوارها وفدائيوها النداء، لكن لم يكفهم منديل الطفولة، ولا منديل جدتي! لم يكفهم سوى منديل واحد: "سبل عيونه ومد إيده يحنوله.. خصرو رقيق وبالمنديل يلفونه..". كثيرة هي المناديل يا جدتي، كثيرة هي.. كثيرة إلى الحد الذي وصلت فيه أن تكون "مساعدات إنسانية عاجلة"! أ كتوبر/ تشرين الأول 2023 عاد المشهد أمامي مجددا؛ أيدي الأطفال متشابكة، تبدأ إشارة اللعب والغناء، ولكن.. بدون منديل، وبأغنية مختلفة عما اعتدت عليه.. يغنون: "طاق طاق طاقية.. شبكين بعلية". لا أعلم، أملّ الأطفال من النداء على العروبة، أم نضجوا للدرجة التي أدركوا فيها أن النداء ما عاد مجديا؟! لا أعلم، أضاع المنديل، أم دُفن؟ هذه المرة، غنيت معهم بصوت الرثاء لا الأمل؛ بصوت العجز، بصوت الخذلان، بصوت أرهقه الزمان: "طاق طاق طاقية.. تعيش الوحدة العربية"! لم أقبل بأغنية لا يغنَى فيها للعروبة التي أعرفها.. عروبة الكرامة. أما المنديل، فأخذت في البحث عنه بسوق الكرامة: هل رأيت يا سيدي منديلا اسمه: "تعيش الوحدة العربية"؟ هل رأيته؟ أم يتوجب عليّ البحث عن منديل آخر؟! منديل يناسب معايير "المجتمع الدولي"، منديل يناسب معايير "العروبة الحديثة"، منديل يلوح به صاحبه مناديا: "مين يشتري الكرامة ويعطينا طحينا؟!". علمتنا فلسطين أن العروبة ما زالت على قيد الحياة، أما الإبادة فقد علمتنا أن ضريح العروبة هناك! في مقبرة الفالوجة، بين قبور المنسيين، بجوار قبر جدتي.

الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم
الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

الترجمة الأدبية.. جسر غزة الإنساني إلى العالم

في عالم تعج فيه الأخبار العاجلة والصور القاسية، تقف الترجمة الأدبية كجسر إنساني حساس، يربط بين القلوب والعقول، وينقل معاناة الشعوب من وراء الجدران والصمت الدولي. غزة، هذه الرقعة الصغيرة التي أصبحت عنوانا للألم والمعاناة والجوع، تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أدوات تعبير تتجاوز الحصار، وتصل إلى وجدان الشعوب، لا سيما من خلال الأدب المترجم. فالترجمة الأدبية ليست مجرد نقل لغوي، بل فعل مقاومة ثقافية وأخلاقية، تتحول عبره القصص والقصائد والنصوص الشعرية والنثرية من أصوات محلية إلى شهادات عالمية، تكسر التعتيم، وتعيد للإنسان الغزي صورته الحقيقية كفرد لديه أحلام وأوجاع. في حديثه للجزيرة نت، يرى أستاذ الأدب والنقد الإنجليزي في جامعة الأزهر بغزة، مروان حمدان، أن الترجمة الأدبية تلعب دورا حيويا في إبراز البعد الإنساني بعيدا عن التجاذبات السياسية، وكشف التفاصيل اليومية للمعاناة من منظور شخصي وعاطفي، وتعزيز التضامن الدولي عبر إشراك القراء في معاناة وآمال الكتاب الغزيين، وإحياء الذاكرة الغربية حول النكبة والإبادة والحصار من خلال الأدب. وتهدف الترجمة إلى نقل الأدب الفلسطيني إلى جمهور عالمي متنوع، لا سيما أعمال الكتاب من غزة، وبناء شبكات تضامن ثقافي عالمية عبر أعمال أدبية مترجمة، وتمكين الكتاب الفلسطينيين من التواجد في محافل أدبية دولية، وتعزيز الصورة الثقافية لغزة بوصفها حاضنة للإبداع، لا مجرد مسرح للحرب. إن الترجمة الأدبية من غزة ليست عملا ثقافيا فحسب، بل شهادة على واقع إنساني يجب أن يسمع. وهي دعوة للعالم كي ينصت، لا إلى دوي الطائرات والصواريخ فقط، بل إلى صوت الشاعر والروائي. وقد أكد على أهمية تسليط الضوء على الأصوات الأدبية والأعمال الإبداعية في قطاع غزة، من خلال ترجمة مختارات منها إلى لغات عالمية، لنقل صورة أعمق عن القضية الفلسطينية إلى العالم بلغات مختلفة، وفتح آفاق جديدة أمام المترجمين المهتمين بها، ودعم الكتاب والمترجمين الشباب، وتوفير منصات لنشر أعمالهم. تثبيت الهوية وتعزيز السردية تمثل الكتابة الإبداعية في السياق الفلسطيني ضرورة ملحة، وسلاحا يعبر الأجيال ويخترق حدود اللغة نحو العالم، فهي ليست ترفا أدبيا، بل فعل مقاومة، وصرخة وعي، وذاكرة تحفظ ما يحاول المحتل طمسه. إنها أداة لاسترداد الحق، وتثبيت الهوية، وعين لا تغفو في زمن المسخ الإعلامي والتزييف السياسي. فالكاتب الفلسطيني ليس مجرد راو، بل شاهد ومقاتل، وناقل لنبض شعبه بلغة لا تهادن ولا تساوم. الشاعر حيدر الغزالي، الذي كانت له إسهامات جليلة في تسليط الضوء على أهمية القضية الفلسطينية، ومظلومية الشعب الفلسطيني، وتعزيز السردية القائمة على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في أرضه، شارك في فعاليات أدبية كبيرة في فرنسا وإيطاليا والبرازيل والولايات المتحدة. وقال في حديثه للجزيرة نت: "كانت لي مشاركات أدبية من خلال نصوص شعرية عن القضية الفلسطينية والإبادة في غزة، فقد أسهمت مع مجموعة من الشعراء الغزيين، منهم يوسف القدرة، هند جودة، مروان مخول، علي أبو خطاب، الشهيد رفعت العرعير، نعمة حسن، الشهيدة هبة أبو ندى، دارين الطاطور، ويحيى عاشور، الذين شعروا بمسؤوليتهم تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الإبادة في غزة، في إصدار مجموعة شعرية مشتركة باللغة الإيطالية بعنوان (صراخكم من صوتي)، وكانت واحدة من أكثر المجموعات الشعرية مبيعا في إيطاليا". وأضاف: "ترجمت لي قصيدة (أعدني إلى صباي) ونشرت على صفحات مجلة Ord Bild السويدية، وهي أقدم مجلة أدبية في السويد، كما ترجمت قصيدة (كلما خرجت من البيت أودعه) إلى اللغة المالايالامية ، ونشر نص قصيدة (انتفاضة الشباب الحر في الجامعات) في جريدة (The New York War Crimes) الأميركية، التي كانت تصدر في وقت اعتصام طلاب الجامعات في أميركا ضد الحرب على غزة". مقاومة الصمت واختراق الحدود وفي معرض رده على سؤال حول جدوى هذه الفعاليات الأدبية ودورها، أضاف: "الترجمة الأدبية ضرورة ملحة، وأداة لا بد منها لعبور المسافات واختراق الحدود نحو نبض الشارع، وصوت الإنسان البسيط، وحكاية الوطن المسلوبة. إنها الكلمة التي تقاوم الصمت، وتمنح اللغة حرارة الرفض، وكرامة البوح في وجه القهر. وهي التي تواجه سردية الكذب الإسرائيلية، وتوقع على القاتل صفة الإجرام والدموية. فالكتابة في زمن الإبادة تتطلب انغماسا تاما في الوجع، للدفاع عن الروح البشرية، واقتحام أغوار آلامها، إلى درجة تتطلب أحيانا أن يتجاهل النص خلفيته القومية والوطنية، لصالح ما هو أعم وأشمل. والترجمة هي التي توصل النص إلى حده العالمي، وتطوع اللغات لخدمة أهدافها". جوديث كيزنر ، كاتبة وفنانة تشكيلية ألمانية، وعضو أكاديمية قصر العزلة في برلين، ومن أكثر الداعمين للقضية الفلسطينية ومساعدة اللاجئين الفلسطينيين، أسهمت في إقامة مدرسة "زهرة أمل" للطلاب الفلسطينيين في منطقة المواصي. ورأت في تصريحها للجزيرة نت أن "الكتابة الأدبية وترجمتها تمنح أهل غزة صوتا غالبا ما يتم تجاهله في السياسة. فمن خلال الكتب والقصص والقصائد، يتمكن الغرب من التعرف على تجاربهم الشخصية ومشاعرهم، وفهم معاناتهم بشكل أعمق، مما يسهم في اتخاذ مواقف أو القيام بأفعال من أجلهم". وأضافت: "الترجمة الأدبية لا تنقل فقط أخبار الحرب والدمار في غزة، بل تكشف عن تفاصيل الحياة اليومية التي تستمر رغم كل شيء، وتجعل المعاناة ملموسة، وتعيد للضحايا أسماءهم وملامحهم، وتذكرنا بمسؤوليتنا تجاههم كأفراد ومجتمعات". حكايات حية وشهادات موروثة إن الترجمة الأدبية من غزة ليست عملا ثقافيا فحسب، بل شهادة على واقع إنساني يجب أن يسمع. وهي دعوة للعالم كي ينصت إلى صوت الشاعر، والروائي، والأديب، لأن الأدب هو المصدر الإنساني الصادق لرصد ما يجري عبر العصور. إعلان هذا ما قالته رئيسة الملتقى الثقافي وملتقى الأدب الفلسطيني في أوروبا، والمختصة في الترجمة الأدبية، نجوى غانم، وتروي للجزيرة نت كيف أسهمت في ترجمة جميع قصائدها التي كتبتها خلال الحرب على غزة إلى الإنجليزية والألمانية، تحت عنوان: "أغنية الحياة على تلة الذبح، قصائد الإبادة"، كما ترجمت القصيدة التي كتبتها ابنتها نيسان أبو القمصان بعنوان "خان حرب" إلى اللغة الإنجليزية. كما شاركت في ترجمة كتاب "الوصايا: شهادات مبدعات ومبدعين من غزة في مواجهة الموت" (2024)، الذي يضم 17 نصا لعدد من الكتاب الفلسطينيين، وقد جاء إهداء لروح الفنانة التشكيلية الفلسطينية هبة زقوت، التي ارتقت مع طفلها جراء قصف غادر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقد تضمن الكتاب لوحاتها كتعزية فنية وعاطفية. كذلك ترجمت كتاب "الكتابة، كل ما ظل لي" للكاتبة الغزية الشابة دانا فليفل إلى الإنجليزية والفرنسية (2025)، وكتاب "48 قصة قصيرة فلسطينية" لـ 48 كاتبا فلسطينيا من الوطن والشتات إلى اللغة الإنجليزية، وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره. واعتبرت غانم أن هذه الترجمات الأدبية تمثل شهادات موروثة للغربيين، عرفوا من خلالها "قصة أبي اللاجئ المنكوب، وجدي الذي عاش ومات رافضا الخنوع والاعتراف بأنه لاجئ، ومعاناة جدتي، وقصصي على الحواجز العسكرية، والإبادة التي يعيشها شعبي".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store