
"التحديث الاقتصادي" تحت المجهر: مراجعة علمية مؤسسية بامتياز
انطلقت في الديوان الملكي الهاشمي العامر، أمس، الورشة القطاعية في جلسة مراجعة لمتابعة الإنجازات في إطار رؤية التحديث الاقتصادي، تحت شعار "إطلاق الإمكانيات لبناء المستقبل"، على خلفية من الرضا في دوائر الخبراء وأصحاب المصلحة الآخرين حول منهجية الأداء الذي كان على درجة عالية من المؤسسية والحرفية المدفوعة بتحقيق النتائج.
وقد كانت الجلسات التفاعلية لمراجعة قطاع الأسواق والخدمات المالية والمياه، مثالا حيا على التزام الدولة بنهج المراجعة والتقييم المستمرين، بما يضمن بقاء الرؤية حيّة، قابلة للتطوير، ومتماشية مع المستجدات. ولا مناص من القول هنا إن هذا الأسلوب من المتابعة وقياس النتائج، ليس مألوفا تاريخيا في نطاق الإدارة العامة.
وما ميّز جلسات أمس، إلى جانب الحضور النوعي من ممثلي القطاعين العام والخاص، هو الطابع العلمي والمنهجي للحوار؛ بحيث لم تكن النقاشات مجرد استعراض للأرقام، بل عملية تقييم دقيقة لنقاط القوة والفرص المتاحة، وتحديد مساحات التحسين الممكنة، بما يتماشى مع مؤشرات الأداء والأهداف المرحلية للرؤية.
لم يكن انعقاد الجلسات والورشات في الديوان الملكي العامر، مجرد تفصيل بروتوكولي، بل يحمل رمزية واضحة تفيد بأن هذه الرؤية هي بالفعل "عابرة للحكومات"، كما شدد جلالة الملك عبدالله الثاني عند إطلاقها. إنها رؤية وطنية طويلة الأجل، تخضع للتنفيذ على ثلاث مراحل، وتُراجع قبل نهاية كل مرحلة، وفقًا لمبدأ التشاركية مع القطاع الخاص. ويعكس ذلك هذا النهج المتّسق مع ما تنشره منصة "رؤية الأردن" الرسمية، إصرار الدولة على تحويل التخطيط الإستراتيجي إلى ممارسة مؤسسية متجذّرة، لا تتأثر بتغيّر الأشخاص أو الحكومات.
وفي هذا النطاق، لم تكن النقاشات إنشائية أو عامة، بل تناولت بالتفصيل، نقاط القوة والتحديات التي جرى تحديدها في المرحلة الأولى من تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، ما يعكس الطابع الجاد والعلمي الذي اتسمت به الجلسات.
أما أبرز نقاط القوة التي سُجلت، فتجلت بوجود بنية تحتية رقمية قوية، وتوافر منظومة من التشريعات، بالإضافة لاستقرار مالي مستند على مؤشرات اقتصادية إيجابية. في المقابل، كشفت الجلسات عن تحديات جوهرية، أبرزها انخفاض عدد الشركات المدرجة، وضعف عمق السوق، وعدم وجود أدوات تمويل إسلامية ملائمة، ناهيك عن الحاجة لرفع كفاءة التنسيق بين الجهات الرقابية.
كما تناولت النقاشات، أهمية تنويع أدوات التمويل، وتعزيز الاعتماد على التصنيف الائتماني، ومعالجة ضعف تداول المستثمرين الأفراد، وسد الفجوة بين التعليم والمهارات، وهي قضايا جوهرية تمثل مفاصل حقيقية للنهوض بالقطاع المالي الأردني. هذا المستوى من التشخيص، يعكس فهماً دقيقاً للواقع، ويؤكد أن الرؤية لا تكتفي برسم الطموحات، بل تبحث بعمق في أدوات التنفيذ والمعيقات الواقعية. وكذا استعرض الحاضرون مؤشرات قطاع البنوك وقوتها.
الرسالة التي يجب أن تترسخ اليوم، هي أن رؤية التحديث، ليست مجرد وثيقة طموح، بل مسار عملي يخضع للتقييم والمساءلة، وإعادة التوجيه حسب الحاجة. وما شهدناه أمس من مراجعات علمية وواقعية، دليل إضافي على أنها قيد المتابعة الجدية، وأن الأردن ماضٍ بثقة نحو بناء مستقبل اقتصادي متين ومستدام، يستند على المعرفة، ويستثمر في الإمكانات الكامنة لموارده البشرية والطبيعية.
ففي زمن تتسارع فيه التحولات الإقليمية والدولية، لا بد من الإشادة بمأسسة الرؤية، وبالإرادة السياسية التي تحرص على تجديدها وتطويرها باستمرار، بما يضمن أن تبقى البوصلة الوطنية متجهة بثبات نحو المستقبل.
ولعل من المجدي، أن نطرح اقتراحا يتضمن دعوة صغار الموظفين في دوائر الدولة والمتفوقين من طلبة الجامعات، لحضور جلسات المراجعة كمراقبين ليستفيدوا من هذه الممارسات، ذاك أنهم قادة المستقبل، والأمل معقود عليهم بأن يرسخوا هذا النهج العلمي المتزن والحصيف في سياساتهم وقراراتهم، عندما يؤول تدبير أمور الدولة لهم في المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 3 دقائق
- عمون
روسيا: تصريحات زيلينسكي عن زيادة زخم المفاوضات إشارة إيجابية
عمون - أعلنت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الجمعة، عن أن موسكو تعتبر تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن مسار المفاوضات يحتاج إلى المزيد من الزخم إشارة إيجابية. وذكرت الخارجية الروسية في بيان صحفي، أن تصريحات الرئيس الأوكراني كانت إيجابية، وموسكو ترى وترغب في إضافة ديناميكية على عملية المفاوضات مع أوكرانيا، خلال جولات المفاوضات المقبلة في مدينة إسطنبول التركية. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أكد في وقت سابق، أهمية أن تستمر عملية تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في الاجتماع الثاني في إسطنبول، لكن هذه العملية بحاجة إلى المزيد من الزخم. سكاي نيوز

عمون
منذ 3 دقائق
- عمون
الرئاسة السورية: إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباك إلى الجنوب
عمون - أصدرت الرئاسة السورية، بيانًا صحفيًا مساء اليوم الجمعة، أعربت فيه عن قلقها البالغ وأسفها العميق ع ما يجري من أحداث دامية في الجنوب السوري جراء تمدد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون. وقالت الرئاسة إنّ الهجوم على العوائل الآمنة، وترويع الأطفال، والتعدي على كرامات الناس في بيوتهم، هو أمر مدان ومرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والإنسانية، ولن يُقبل تحت أي ذريعة أو تبرير. وبينت أنها تبذل جهودًا حثيثة لإيقاف الاقتتال، وضبط الانتهاكات التي تهدد أمن المواطنين وسلامة المجتمع. واوضحت أن الجهات المختصة تعمل على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات وحل النزاع ميدانيًا، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضمان عودة الهدوء إلى المحافظة في أسرع وقت. وتاليًا نص البيان: تابعت الجمهورية العربية السورية، بقلق بالغ وأسف عميق، ما جرى ويجري من أحداث دامية في الجنوب السوري، والتي جاءت نتيجة تمدد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، اتخذت من السلاح وسيلة لفرض الأمر الواقع، وعرّضت حياة المدنيين - من أطفال ونساء وشيوخ - للخطر المباشر. إن الهجوم على العوائل الآمنة، وترويع الأطفال، والتعدي على كرامات الناس في بيوتهم، هو أمر مدان ومرفوض بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والإنسانية، ولن يُقبل تحت أي ذريعة أو تبرير. إن احترام المدنيين وضمان أمنهم هو واجب وطني لا نقاش فيه، وأي انتهاك لهذه القيم هو طعن في جوهر المجتمع وتهديد لوحدة البلاد. وتنطلق الجمهورية العربية السورية في موقفها من هذه الأحداث، من مبدأ راسخ، وهو: الحرص على السلم الأهلي، لا منطق الانتقام، فهي لا تقابل الفوضى بالفوضى، بل تحمي القانون بالقانون، وترد على التعدي بالعدالة، لا بالثأر. وتثبت الجمهورية العربية السورية مرة تلو أخرى أنها دولة لكل أبنائها، بمختلف انتماءاتهم ومكوناتهم، من الطائفة الدرزية وقبائل البدو على حد سواء، وليست لطائفة أو جماعة بعينها، فالمسؤولية الوطنية تقتضي أن يكون الجميع تحت سقف واحد هو الوطن، وتحت مرجعية واحدة هي القانون. وإزاء هذه التطورات تدعو الجمهورية العربية السورية جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتغليب صوت العقل، وتؤكد أنها تبذل جهودًا حثيثة لإيقاف الاقتتال، وضبط الانتهاكات التي تهدد أمن المواطنين وسلامة المجتمع. وفي هذا السياق، تعمل الجهات المختصة على إرسال قوة متخصصة لفض الاشتباكات وحل النزاع ميدانيًا، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية تهدف إلى تثبيت الاستقرار وضمان عودة الهدوء إلى المحافظة في أسرع وقت. ختامًا، تدعو الجمهورية العربية السورية جميع أبناء الوطن، من أهل الحكمة والمسؤولية، إلى التكاتف من أجل تجاوز هذه المحنة، ونبذ دعوات التصعيد، والعمل سويا لحماية النسيج الاجتماعي المتنوع الذي ميز سوريا عبر القرون. رئاسة X Sy

الدستور
منذ 3 دقائق
- الدستور
تعهدات «الحكومة» لـ«النقد الدولي»
الحكومة الأردنية نجحت باجتياز المراجعة الثالثة مع صندوق النقد الدولي للاقتصاد الأردني، وذلك في إطار المراجعة الثالثة لاتفاق (التسهيل الممدد/EFF) مع الأردن، كما سبق وأُعلن عن ذلك نهاية الشهر الماضي، لكن الحكومة وفي إطار ذلك الاتفاق مع صندوق النقد.. تعهدت (وفقًا لخطاب نوايا، وجّهته الحكومة للصندوق) بإجراء مجموعة إصلاحات اقتصادية ومالية، تغطي مجالات الدَّين العام، والطاقة، والمياه، والسياسات الاجتماعية والنقدية، إضافة إلى إصلاحات في الحوكمة والشفافية والمناخ، مؤكدة - الحكومة أيضًا - التزامها بـ»مواصلة تنفيذ إصلاحات دقيقة وطويلة الأجل تضمن الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتدعم توفير الوظائف، وتعزز النمو بقيادة القطاع الخاص، وتحمي الفئات الأكثر ضعفًا».كل تلك التعهدات مهمة جدًا، وتستوجب استعراض أبرزها، للوقوف على ما هو ممكن منها، وما يحتاج إلى جهد أكبر لتحقيق تلك التعهدات، ليبقى الاقتصاد الأردني قادرًا على تجاوز التحديات وتحويلها إلى فرص - كما هو دائمًا -.. وفي مقدمة تلك التحديات ما يلي:1 - ارتفاع نسبة الدَّين العام: ولمواجهة تحدي ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، والذي بلغ مؤخرًا ما نسبته 92.7% (حتى أيار الماضي)، تعهدت الحكومة بمواصلة سعيها نحو خفض الدين العام تدريجيًّا ليصل إلى ما دون 83% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وذلك من خلال تحقيق فائض أولي تدريجي يبدأ في عام 2025.. فهل هذا ممكن؟ خصوصًا وأن تحدي ارتفاع المديونية في مقدمة التحديات «المزمنة» التي يواجهها الاقتصاد الأردني، نظرًا للظروف والمتغيرات الإقليمية والعالمية التي تجعل الحكومات مضطرة للجوء نحو مزيد من الاقتراض لمواجهة تحدٍ آخر، وهو عجز الموازنة.لتنفيذ ما تعهدت به الحكومة في مواجهة تحدي «المديونية» يتطلب الأمر جهدًا أكبر في:أ)- تحسين إدارة الإيرادات.ب)- توسيع القاعدة الضريبية (دون رفع لمعدلات الضرائب).ج)- تعزيز الامتثال من خلال التوسع في استخدام الفوترة الإلكترونية والرقابة الجمركية الرقمية.د)- خفض الاعتماد على الاقتراض المحلي المرتفع الكلفة، والاعتماد بشكل أكبر على التمويل الميسَّر من الشركاء الدوليين.2 - من التحديات - المؤثرة جدًا على الاقتصاد الأردني - خسائر قطاع الكهرباء، والذي يلقي بثقله على كاهل الموازنة العامة في كل عام، ليزيد من عجزها. ولذلك فقد تعهدت الحكومة لـ»النقد الدولي» بإصلاحات في هذا القطاع، في مقدمتها العمل على خفض خسائر شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) إلى ما دون 1% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوسيع نطاق تطبيق تعرفة الاستخدام الزمني لتشمل 100% من الاستهلاك الكهربائي بحلول أيلول 2026.كما تشمل الخطط أيضًا:أ)- إطلاق مشاريع جديدة لتوليد الطاقة الشمسية بسعة 200 ميغاواط.ب)- مشاريع تجريبية لتخزين الكهرباء لا تقل عن 40 ميغاواط/ساعة.ج)- تعهد حكومي بالعمل على تحسين شروط اتفاقيات شراء الطاقة القديمة.د)- إنشاء مركز تحكم ذكي لتعزيز القدرة على إدارة الأحمال وتتبع مصادر الطاقة المتجددة في الزمن الفعلي.3 - على صعيد سياستَيها النقدية والمالية «وهما سرّ نجاح الاقتصاد الأردني» فقد تعهدت الحكومة لـ»النقد الدولي» بـ:أ)- مواصلة التزام الحكومة بسعر صرف الدينار مقابل الدولار، مع مواصلة البنك المركزي إدارة السياسة النقدية لضمان الاستقرار النقدي والمالي.ب)- الاستمرار بالحفاظ على مستوى احتياطيات أجنبية أكبر (زادت على 22.8 مليار دولار حتى نيسان الماضي).ج)- تحسين الرقابة المصرفية، وتعزيز أدوات مراقبة المخاطر في النظام المالي، وتطبيق معايير الإفصاح المتعلقة بالمناخ والامتثال المصرفي.*باختصار:العلاقة بين الأردن و»النقد الدولي» تمثل أنموذجًا لنجاح برامج الصندوق مع الدول، ويعود ذلك إلى التزام الحكومات الأردنية بما تتعهد به وببرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تصوغه أيادٍ أردنية، هي من تُعدّه وتتابعه وتحرص على تنفيذه، وما مراجعات «النقد الدولي» إلا من أجل الحصول على شهادة دولية تعزز ثقة الجهات الإقراضية الدولية، وتُشجع على جذب مزيد من الاستثمارات التي تُساهم برفع معدلات النمو وخلق مزيد من الوظائف.الالتزامات الحكومية تمتد ضمن البرنامج الحالي حتى عام 2027، وتشمل أهدافًا كمية وهيكلية قابلة للقياس، تخضع لمراجعات نصف سنوية من قبل بعثات صندوق النقد الدولي، تبدأ بالمراجعة الرابعة نهاية عام 2025.