الحقائب "على الأبواب".. "نزوح صامت" من ضاحية بيروت الجنوبية
فقد قتل شخص في غارة إسرائيلية على بلدة بيت ليف بقضاء بنت جبيل جنوب لبنان حسبما أفادت وزارة الصحة، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي "القضاء على عنصر من حزب الله".
وفي ضاحية بيروت الجنوبية ، التي تعد أبرز معقل لحزب الله في لبنان، لا يختلف الوضع كثيرا، حيث تسود مخاوف دفعت الكثيرين للرحيل.
فقد حوّلت ضربة جوية عشية عيد الأضحى سماء الضاحية الجنوبية إلى كتلة من الذعر، لم تكن الانفجارات قوية فحسب بل كانت رسالة قاسية: لا أمان حتى في الأيام المفترض أن تكون للطمأنينة ولم الشمل.
في تلك الليلة، لم يكتمل إعداد الحلوى، ولم تشعل أضواء الزينة، بل حزمت الحقائب، وبدأ كثيرون ينسحبون من منازلهم بصمت.
لكن الهروب هذه المرة ليس من حرب معلنة، بل من شعور متصاعد بأن الأمور تنفلت من بين الأيدي، فالقلق بات مادة يومية في الأحاديث، يتنقل بين الهواتف والمجموعات العائلية، ويترجم إلى قرارات فردية ربما لم تُناقَش علنا بعد.
وهي ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الضاحية، لكنها المرة التي تتداخل فيها الذاكرة القديمة بالخوف الحاضر، وتفتح فيها أبواب النزوح لا بفعل حرب شاملة، بل بفعل شعور داخلي بأن القادم أسوأ.
ولم يكن صباح العيد عاديا في منزل عائلة رزق في منطقة الحدث بالضاحية، التي تحدثت إلى "سكاي نيوز عربية" بعدما غادرتها إلى منزل أقارب في مدينة صيدا إلى الجنوب من بيروت.
أمسك الأب سمير يدي طفليه وسحبهما خارج الشقة، من دون أن يلتفت إلى شيء، لا حقيبة ولا كتب ولا ألعاب، أما الأم ميساء فكانت تبكي بصمت وهي تغلق الباب خلفهم للمرة الأخيرة، غير واثقة من موعد العودة، أو إن كانت ستعود إلى الضاحية أصلا.
ويقول سمير لموقع "سكاي نيوز عربية": "نسينا كتب الدراسة"، وقاطعته زوجته بينما تجلس في غرفة ضيقة بمنزل أقاربها في صيدا، وتحاول إقناع ابنها البكر بمواصلة الدراسة استعدادا للامتحانات التي تبدأ بعد أيام.
وأضاف الأب: "هربنا ليس لأننا أردنا ذلك، بل لأننا شعرنا بأن الأمان لم يعد موجودا. حتى الكتب لم نأخذها معنا".
في الأيام الماضية، لوحظت موجة نزوح هادئة من بعض مناطق الضاحية الجنوبية بل و بيروت أيضا، نحو بلدات جنوبية أكثر هدوءا أو مناطق داخل العاصمة تعد "أقل تهديدا".
الحركة التي رصدتها "سكاي نيوز عربية" ليست جماعية لكنها متزايدة، وتمثل رد فعل مباشرا على تصاعد التوترات الأمنية وتكثيف التحذيرات من تجدد الهجمات الإسرائيلية.
في هذا السياق تقول رلى (50 عاما) وهي أم لأربعة أولاد، لموقع "سكاي نيوز عربية": "هذه ليست المرة الأولى التي نغادر فيها منزلنا، لكنها ربما تكون الأخيرة. لقد تعبت. أمضيت أكثر من 25 سنة بين التهديدات والحروب والهدن الكاذبة".
واختارت رلى الرحيل إلى النبطية ، حيث لا يزال منزل أهلها قائما، وإن كان مهجورا منذ سنوات.
لكن ليس الجميع اتخذ القرار نفسه، ومن بينهم أبو نبيل، الرجل السبعيني من سكان حي الغبيري في ضاحية بيروت الجنوبية الذي يرفض مغادرة منزله.
ويقول أبو نبيل: "منزلي هنا ومماتي سيكون هنا أيضا. ماذا يعني أن أهرب؟ أعيش الغربة داخل وطني؟"، ثم يضحك بمرارة ويضيف: "الموت مرة واحدة، أما التهجير فآلاف المرات".
هذا الانقسام في الرأي ليس جديدا، لكنه هذه المرة يتسلل إلى داخل العائلة الواحدة، فالأبناء يبحثون عن الأمان والكبار يتمسكون بالبقاء، وبعض العائلات افترقت فعليا بين من غادر ومن بقى، وكل طرف يشعر بالذنب تجاه الآخر.
تقول الاختصاصية النفسية ريم فاخوري لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "ما يحدث هو تكرار جراح لم تُشف. الخوف المتراكم من الماضي، من الحروب، من فقدان السيطرة، يولّد ردات فعل متطرفة".
وتضيف فاخوري: "هناك خياران، إما تمسك بالمكان كنوع من التحدي، أو انسحاب سريع كآلية دفاع. اللافت هذه المرة أن حتى من عاش الحروب السابقة بدأ يشعر بأن هذه المرحلة مختلفة، فيها الكثير من الغموض والقليل من الثقة، ولا أفق واضح".
وأكد مصدر تربوي لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن بعض المدارس في بيروت بدأت تسجل تغيب الطلاب في المراحل الرسمية.
وتقول مديرة مدرسة رسمية بمنطقة بئر حسن: "هناك طلاب عالقون بين منطقتين، يأتون من صور إلى بيروت لأداء الامتحانات، ويسألوننا بعد كل تطور أمني إن كنا سنستمر في الدوام".
وبين من اختار أن يبقى على أرضه ومن غادر خوفا على أولاده، تترنح الضاحية ومحيطها على حافة الخطر، والخوف، والانتظار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 2 ساعات
- سكاي نيوز عربية
لبنان.. حزب الله تحت الضغط والجيش يواصل تحركاته
لبنان يحاول التوفيق بين الضغوط الدولية، الواقع الداخلي الحساس.. والحديث هنا عن سلاح حزب الله..


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
لبنان يتمسك بتجديد ولاية «اليونيفيل» لتثبيت الاستقرار وبدء الإعمار
أكد وزير الدفاع اللبناني، اللواء ميشال منسى، أمس الخميس، ضرورة التجديد لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) من دون أي تعديل، مع افتراب انتهاء ولايتها في أغسطس المقبل، فيما حذر المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى بيروت جان إيف لودريان من افتعال توترات ميدانية من شأنها أن تقوض دورة القوة الأممية المنتشرة في جنوب لبنان منذ 1978. ومع اقتراب موعد التجديد لقوات «اليونيفيل» تكثفت المشاورات بهذا الخصوص، حيث من المتوقع ان تتقدم الحكومة اللبنانية بطلب التمديد من مجلس الأمن الدولي من دون أي تعديل في تفويض القوة الاممية وصلاحياتها المعمول بها حالياً، مع التأكيد على تمسك لبنان بها وبدورها في تطبيق القرار 1701، وبالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني لاستكمال انتشاره في منطقة جنوب الليطاني، الذي تعوقه إسرائيل بتفلّتها من اتفاق وقف إطلاق النار، واستمرار اعتداءاتها، وامتناعها عن الانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلها، ولاسيما النقاط الخمس، في وقت لم يتبلغ لبنان من أي جهة ما حُكيَ عن رفض أمريكي لتمديد مهمّتها، بل إن مصادر دبلوماسية لفتت الى فرنسا تنوي طرح مشروع تمديد مهمّة «اليونيفيل» من دون أي تعديل أو تغيير في مهامها، وهو ما أكده الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان خلال جولته على المسؤولين والفعاليات السياسية عندما كشف عن وجود جهات خارجية تعمل وتضغط باتجاه عدم التجديد لمهمة القوات الدولية أو الدفع نحو تعديل قواعد عملها، محذّراً من محاولات افتعال توتّرات ميدانية يُراد توظيفها كذرائع لبلوغ هذا الهدف، ومؤكداً أن بلاده تولي أهمية كبيرة لملف «اليونيفيل»، وتعتبر أن إنهاء مهامها يُفقِد فرنسا دورها الإقليمي انطلاقاً من لبنان. وفي هذا السياق دان وزير الدفاع اللبناني ميشال منسى خلال زيارته أمس زيارة مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة بعد لقائه قائدها العام الجنرال أرولدو لازارو، الاعتداءات على اليونيفيل التي «تخدم إسرائيل»، وأكد «ضرورة تجديد ولايتها من دون أي تعديل»، معرباً عن أمله في أن «تنجح الجهود لذلك»، وأكد أن «الهدف هو تثبيت الاستقرار في جنوب لبنان وبدء عملية إعادة الإعمار». بدوره أكد المتحدث باسم قوات «اليونيفيل» أندريا تنينتي في حديث تلفزيوني أمس أن «القوة الدولية تواصل دعم الجيش اللبناني في مهامه»، مشددًا على ضرورة «انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وفقًا للقرارات الدولية»، وقال: إن «الوضع في الجنوب لا يزال هشاً ويتطلب ضبط النفس من جميع الأطراف»، داعياً إسرائيل إلى «وقف الانتهاكات المتكررة للسيادة اللبنانية حفاظًا على الاستقرار في المنطقة». ولفت تيننتي إلى أن «بعض الجهات تؤثّر في حرية تحرك قوات «اليونيفيل» في الجنوب. وبالتزامن، تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية مترافقة مع ادعاءات يومية بوجود مستودعات أسلحة ل«حزب الله»، ما يجعل لجنة الإشراف على تتفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بأن تطلب من الجيش اللبناني القيام بعمليات تفتيش في الاماكن التي تحددها اسرائيل، وآخرها في منطقة السانت تيريز- الحدث أمس الاول، من دون العثور على ما يؤكّد صحة الادّعاءات الإسرائيلية.


صحيفة الخليج
منذ 3 ساعات
- صحيفة الخليج
التقارب المصري الإيراني
د. عبدالله أحمد آل علي * يشهد التقارب المتدرج بين القاهرة وطهران بعد 7 أكتوبر 2023 تحولاً لافتاً في سياق التوازنات الإقليمية المتغيرة، إذ دفعت تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وما خلّفته من استقطابات حادة العديد من العواصم إلى إعادة النظر في تموضعاتها وتحالفاتها. هذا التقارب لا يأتي من فراغ، بل يعكس تحولات عميقة في فهم كل من مصر وإيران لدورهما الإقليمي ومجال حركتهما الاستراتيجية، خاصة في ظل تراجع نفوذ طهران النسبي في الساحات التي اعتُبرت تقليدياً ساحات نفوذها المباشر كلبنان وسوريا والعراق، مقابل سعي القاهرة إلى إعادة تثبيت موقعها كقوة توازن في محيط إقليمي مضطرب ومتداخل. فرضت حرب غزة مشهداً جديداً اختلط فيه الميداني بالرمزي، والدبلوماسي بالعسكري. ومصر، التي لطالما احتفظت بموقعها كوسيط عقلاني في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وجدت نفسها أمام تصاعد غير مسبوق للصراع، ومعه تراجع في فاعلية الوساطات التقليدية، ما دفعها إلى استكشاف مسارات جديدة للتأثير، لا تقتصر على العمل مع الحلفاء التقليديين فحسب، بل تمتد إلى القوى الإقليمية المؤثرة بما فيها إيران. في المقابل، وجدت طهران نفسها على هامش التفاعلات الميدانية، وسط تراجع قدرتها على استخدام أدواتها التقليدية في المنطقة. فحزب الله بات محكوماً بحسابات داخلية لبنانية، والحشد الشعبي في العراق لم يعد يمتلك نفس الهامش السابق، بينما تقلص الدور الإيراني في سوريا تحت ضغط التوازنات الدولية. من هنا، جاء إرسال طهران لإشارات سياسية هادئة تجاه القاهرة كتعبير عن رغبة استراتيجية في إعادة التموضع، وليس مجرد مناورة تكتيكية. الانفتاح المصري تجاه طهران لا ينبع من تغير في العقيدة السياسية أو انحراف عن الثوابت، بل من إدراك براغماتي لحجم التحديات وتعقيداتها، خاصة تلك المرتبطة بأمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي. وهو انفتاح محكوم بضوابط دقيقة، تتعلق بأمن الخليج ومصالح مصر الوطنية في مساحات النزاع العربي-الإيراني. الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى القاهرة في يونيو 2025 كانت بمثابة خطوة رمزية ثقيلة الوزن، فتحت الباب أمام حوار منضبط لا يزال في بداياته، لكنه يعكس نوايا مشتركة لاستكشاف فرص التلاقي. هذا المسار لم يمر دون رصد دقيق من القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، التي تنظر بعين الحذر لأي تقارب قد يُفهم كتحوّل في ميزان الاصطفافات الإقليمية. أما إسرائيل، فعبّرت عن انزعاجها غير المعلن من هذا التطور، رغم قناعتها أن القاهرة – بحكم موقعها وثقلها – تحتفظ بخطوطها الحمراء، خاصة في ما يتعلق بدعم الفصائل الفلسطينية المسلحة أو تهديد أمن الملاحة. وفي المقابل، لوحظ من بعض العواصم الخليجية، لا سيما الرياض وأبوظبي، نوع من الترقب الإيجابي الحذر لهذا المسار، مع إدراك متزايد لأهمية تنويع أدوات التهدئة وضبط الإقليم عبر قنوات تواصل غير تقليدية، شرط التزام طهران بعدم توظيف هذه العلاقات للإضرار بالمنظومة الأمنية الخليجية. وبرغم هذا التقدّم الحذر، لا تزال العديد من العقبات قائمة، لاسيما ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والدور الإيراني في الساحات المتوترة كسوريا واليمن. كما أن المزاج السياسي في البلدين لا يزال مثقلاً بتراث من القطيعة وسوء الفهم. ومع ذلك، فإن حسابات المصالح لدى الطرفين بدأت تتجاوز الخطاب التقليدي، باتجاه صياغة نهج واقعي قد يسهم في إعادة إنتاج الدور الإقليمي لمصر من جهة، ويخفف من حدة الضغط السياسي على إيران من جهة أخرى. التقارب هنا لا يعني اصطفافاً جديداً، بقدر ما يعكس وعياً متبادلاً بأن معادلات ما بعد 7 أكتوبر تتطلب أدوات أكثر مرونة وشراكات أكثر تنوعاً. خاتمة القول وحين تتغير قواعد الاشتباك السياسي في الإقليم، تفرض الحكمة أن تتحرك الدول بحسّ استباقي لا بردود أفعال. والتقارب بين مصر وإيران اليوم، ليس انقلاباً على الماضي، بل هو استثمار واعٍ في ضرورات الحاضر وإشارات المستقبل، تحت أنظار ترقّب خليجي إيجابي يأمل أن يكون هذا المسار جسراً للتفاهم، لا ثغرة للنفوذ.