
أوروبا غاضبة من رسوم ترمب وسط قلق من تصاعد تداعياتها الاقتصادية
وبينما يرى الأوروبيون أن هذه الإجراءات «غير عادلة» وتنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، يتجه الاتحاد إلى دراسة مجموعة من الردود التي تتراوح بين المسار الدبلوماسي ومحاولة الحوار مع واشنطن، مروراً بإجراءات انتقامية محسوبة، وصولاً إلى سياسات تعزيز المرونة الاقتصادية الداخلية وتنويع الأسواق الخارجية.
ويُعد الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وأكبر تكتل تجاري في العالم
وقال حمزة دويك، رئيس قسم التداول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ساكسو بنك»، إن هذه الرسوم أحدثت «اضطراباً واضحاً في الأسواق المالية، لا سيما الأوروبية»، لافتاً إلى أن القطاعات الأكثر تضرراً هي السيارات والصلب والمنتجات الزراعية، ما انعكس فوراً على أرباح الشركات الأوروبية.
وفي السياق ذاته، أوضح فيجاي فاليشا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في «سينشري فاينانشال»، أن الأسواق بدأت تظهر بوادر التأثر المباشر، مشيراً إلى تراجع مؤشر «يورو ستوكس 50» بنسبة 0.6 في المائة، ومؤشر «داكس» الألماني بنسبة 0.8 في المائة. وأضاف أن المستثمرين باتوا يتجهون نحو أصول بديلة، مثل الذهب والبتكوين، بوصفها ملاذات آمنة في ظل تصاعد حالة عدم اليقين.
منظر للوحة إلكترونية تُظهر رسماً بيانياً لتطور مؤشر الأسهم الرئيس الإسباني في سوق مدريد للأوراق المالية بمدريد (أ.ف.ب)
وفي المدى المتوسط، يقول دويك إن الرسوم الأميركية قد تدفع الشركات الأوروبية إلى إعادة النظر في خططها الاستثمارية أو نقل عملياتها خارج القارة لتفادي الخسائر، وسط خطر تباطؤ النمو وزيادة تكاليف التشغيل، وهو ما يهدد بانخفاض تنافسية الصناعات الأوروبية.
ويضيف فاليشا أن الدول الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وآيرلندا هي الأكثر عرضة للخسائر، نظراً إلى حجم صادراتها إلى الولايات المتحدة، التي بلغت نحو 533 مليار يورو في عام 2024، بحسب بيانات «يوروستات». وتستحوذ ألمانيا وحدها على ما يقارب 30 في المائة من هذه الصادرات، خصوصاً في قطاعي السيارات والمعدات الصناعية.
كما حذر من أن كلاً من ارتفاع تكلفة المدخلات وتضييق هوامش الأرباح قد يضرب قطاعات صناعية رئيسية، من بينها الصناعات الدوائية في آيرلندا، ومنتجات الأجبان والنبيذ في فرنسا وإيطاليا.
ويرى دويك أن استمرار هذه السياسات قد يؤدي إلى تحولات هيكلية في النظام التجاري العالمي، بما في ذلك تراجع الثقة في الشراكة الاقتصادية الأطلسية، واتجاه أوروبا إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع قوى مثل الصين والهند. كما حذّر من أن صناعات استراتيجية مثل السيارات قد تفقد قدرتها التنافسية إذا استمرت الإجراءات الحمائية الأميركية.
من جهته، لفت فاليشا إلى أن الأثر الطويل الأمد سيتوقف على حجم الرسوم الفعلية وسيناريو الرد الأوروبي. لكنه أشار إلى أن تنفيذ هذه الرسوم فعلياً سيؤدي إلى تآكل الناتج المحلي في عدد من دول التكتل، ويرفع معدلات البطالة، ما قد يضع أوروبا أمام أزمة مزدوجة من التباطؤ والتضخم.
الغضب الأوروبي من هذه الخطوة ينبع، وفق دويك، من شعور بأن الولايات المتحدة تخلّت عن مبادئ التجارة الحرة التي أرستها بعد الحرب العالمية الثانية، مما يهدد ملايين الوظائف في قطاعات تعتمد على التصدير. لكن الرد الأوروبي ليس سهلاً، إذ إن تصعيداً مباشراً قد يفاقم الأزمة، بينما الصمت قد يُفهم على أنه ضعف.
ويؤكد الخبراء أن الحل الدبلوماسي هو الخيار الأمثل لتفادي حرب تجارية شاملة. ويرى فاليشا أن على بروكسل أن تركز على فتح قنوات التفاوض للحصول على استثناءات أو تخفيضات في الرسوم، إلى جانب تنويع الشراكات التجارية باتجاه آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتقديم دعم مباشر للقطاعات المتضررة.
وفي هذا الإطار، يبرز دور البنك المركزي الأوروبي، الذي بدأ بالفعل في تكييف سياساته النقدية من خلال خفض أسعار الفائدة، بهدف تخفيف آثار التباطؤ وتقليص مخاطر الركود التضخمي.
حمزة دويك رئيس قسم التداول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ساكسو بنك»
ويتفق المحللون على أن الرسوم الجمركية تمثل تهديداً حقيقياً لاستقرار العلاقات الاقتصادية بين أوروبا والولايات المتحدة، وأن أي تصعيد إضافي قد يُعيد عقارب الساعة إلى الوراء في مسيرة التكامل الاقتصادي العالمي.
ومع دخول هذه القضية مرحلة حرجة، تبقى خيارات أوروبا بين التصعيد والتفاوض. لكن المؤكد، كما يقول الخبراء، أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة في رسم ملامح النظام التجاري العالمي الجديد، وفي تحديد ما إذا كانت أوروبا ستبقى شريكاً اقتصادياً فاعلاً أو ضحية في مواجهة عاصفة تجارية يقودها ترمب.
وكان الاتحاد الأوروبي أتهم الولايات المتحدة بمقاومة الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق تجاري، محذراً من اتخاذ إجراءات مضادة في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وفي غضون ذلك، أكد ترمب أنه منفتح على إجراء محادثات مع الاتحاد الأوروبي وشركاء تجاريين آخرين، مضيفاً أن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي سيزورون الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات تجارية.
وصعّد ترمب التوترات التجارية خلال عطلة نهاية الأسبوع، مهدداً بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المائة على معظم واردات الاتحاد الأوروبي بدءاً من 1 أغسطس المقبل.
فيجاي فاليشا الرئيس التنفيذي للاستثمار في «سينشري فاينانشال»
وكان وزراء التجارة الأوروبيون، قد عبروا في اجتماعهم الاثنين الماضي بالعاصمة البلجيكية بروكسل، عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري تفاوضي، وفي الوقت ذاته، شدّد الوزراء على عزيمتهم في اتخاذ تدابير مضادة قوية ومتوازنة حال فشل المحادثات، مؤكدين وحدة الصف الأوروبي في مواجهة هذه التحديات.
وبحسب تقرير لـ«بلومبرغ» يستعد الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون مع الدول الأخرى المتضررة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب.
وتُعدّ العلاقة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأكبر والأكثر تكاملاً على مستوى العالم، حيث تشكلان معاً ما يقارب 30 في المائة من إجمالي التجارة العالمية في السلع والخدمات، ونحو 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتشير بيانات عام 2024 إلى أن حجم التجارة بين الجانبين في السلع والخدمات تجاوز 1.68 تريليون يورو، ما يعكس عمق التشابك الاقتصادي بين ضفتي الأطلسي. وفي التفاصيل، بلغت قيمة تجارة السلع وحدها بين الطرفين 867 مليار يورو، لتعزز الولايات المتحدة مكانتها بوصفها الشريك التجاري الأول لصادرات الاتحاد الأوروبي، وثاني أكبر مصدر لوارداته بعد الصين، ما يجعل أي توتر تجاري بين الجانبين ذا أثر مباشر ومتشعب على الاقتصاد العالمي بأسره.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرجل
منذ 25 دقائق
- الرجل
البيتكوين يكسر حاجز 123 ألف دولار: ما الذي يقود هذه الارتفاعات القياسية؟
واصل البيتكوين تحطيم الأرقام القياسية، حيث وصل سعره إلى أكثر من 123,000 دولار يوم الإثنين الماضي، قبل أن يتراجع قليلاً عن هذا الرقم. لكن ما الذي يقف وراء هذه الارتفاعات القياسية؟ تشير العوامل الرئيسية إلى زيادة الشراء المؤسسي من شركات مثل Strategy (المعروفة سابقًا باسم MicroStrategy)، التي أعلنت عن شراء 472.5 مليون دولار من البيتكوين الأسبوع الماضي. هذه المشتريات ترفع إجمالي احتياطيات Strategy من البيتكوين إلى 601,550 عملة بيتكوين، ويعتمد هذا الاستحواذ على الأموال التي تم جمعها من خلال برامج التمويل السوقية للشركة، وهذه الخطوات تساهم في تعزيز أسعار البيتكوين بشكل مستمر، مما يعكس الثقة المتزايدة من قبل المستثمرين المؤسسيين. تدفق الأموال إلى صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين إلى جانب شراء الشركات الكبرى، شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين (ETFs) تدفقًا كبيرًا من الأموال في نهاية الأسبوع الماضي، ووفقًا للبيانات من Farside Investors، سجلت صناديق البيتكوين ETFs تدفقًا صافياً يصل إلى 1 مليار دولار يومي الخميس والجمعة الماضيين، بينما بلغ إجمالي التدفقات للأسبوع الماضي حوالي 2.7 مليار دولار. سيطرة Blackrock عبر صندوق iShares Bitcoin Trust (IBIT) على الجزء الأكبر من هذه الأموال، مما يعزز من طلب المستثمرين على البيتكوين، ويدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع، تعمل صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين على شراء المزيد من البيتكوين مع زيادة الطلب من المستثمرين، مما يساهم في رفع أسعاره. التفاؤل بشأن التشريعات الجديدة في "أسبوع التشفير" عامل آخر يساهم في الارتفاع المستمر لسعر البيتكوين هو التفاؤل بشأن التشريعات المستقبلية، يتوقع العديد من المتابعين أن يكون هناك وضوح تنظيمي في صناعة العملات المشفرة بعد "أسبوع التشفير"، الذي يركز على مشاريع القوانين المتعلقة بالعملات الرقمية في الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يصوت مجلس النواب الأمريكي هذا الأسبوع على ثلاثة مشروعات قوانين رئيسية: قانون CLARITY، وقانون Anti-CBDC Surveillance، وقانون GENIUS. وتهدف هذه القوانين إلى تقديم إرشادات تنظيمية أوضح حول كيفية تصنيف الأصول الرقمية، مع التركيز على العملة المستقرة، وفي هذا السياق، يرى العديد من الخبراء أن هذه التشريعات ستقلل من المخاطر وتقلبات السوق، وهو ما سيساهم في تعزيز استقرار السوق. ويعتقد مات هوغان، كبير مسؤولي الاستثمار في Bitwise، أن هذه التشريعات ستقلل من التقلبات الكبيرة التي شهدتها السوق في الماضي.


أرقام
منذ 33 دقائق
- أرقام
معهد البترول: ارتفاع مخزونات النفط الأمريكية 19 مليون برميل
ارتفعت مخزونات النفط في الولايات المتحدة بأعلى وتيرة أسبوعية منذ عقد تقريباً، في مؤشر قوي على ضعف الطلب على الخام في أكبر اقتصاد على مستوى العالم. قال معهد البترول في تقرير الثلاثاء، إن مخزونات النفط الخام ارتفعت 19.1 مليون برميل خلال الأسبوع المنتهي في الحادي عشر من يوليو، خلافاً لتوقعات انخفاضها مليوني برميل. وتعد هذه أكبر زيادة أسبوعية منذ عقد على الأقل حين بدأ معهد البترول رصد البيانات، لكن في الوقت ذاته، تراجعت مخزونات البنزين بمقدار 4.53 مليون برميل خلال نفس الفترة. وأشار التقرير إلى انخفاض مخزونات المقطرات -بما يشمل الديزل وزيت التدفئة- بمقدار 2.39 مليون برميل. ويترقب المستثمرون صدور البيانات الرسمية يوم الأربعاء عن إدارة معلومات الطاقة، وسط توقعات استقرار مخزونات النفط الخام عند 426 مليون برميل. وعند تسوية تعاملات الثلاثاء، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي تسليم سبتمبر بنسبة 0.72% أو 50 سنتاً لتغلق عند 68.71 دولار للبرميل. وانخفضت العقود الآجلة لخام نايمكس الأمريكي تسليم أغسطس بنسبة 0.69% أو ما يعادل 46 سنتاً إلى 66.52 دولار للبرميل.


أرقام
منذ ساعة واحدة
- أرقام
رئيسة الفيدرالي في بوسطن تدعو للتأني بشأن أسعار الفائدة
دعت "سوزان كولينز" رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، صناع السياسة النقدية إلى التحلي بالصبر فيما يتعلق باستئناف خفض أسعار الفائدة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي السائدة. وقالت في خطاب مُعد للإلقاء في فعالية للجمعية الوطنية لاقتصاديات الأعمال في واشنطن، إن تحديد السياسة المناسبة في هذا السياق أمر صعب، لكن استمرار الظروف الاقتصادية القوية بشكل عام يُمكّن الفيدرالي من تخصيص الوقت الكافي لتقييم البيانات الواردة بعناية. وأوضحت أن البيانات الواردة تشير إلى أن التضخم سيرتفع جراء الرسوم الجمركية، لكن من المحتمل ألا يكون التأثير الكلي سيئًا كما كان يُخشى سابقاً. وأضافت أن الرسوم الجمركية ستترك أثراً على الاقتصاد، وهناك بعض الأدلة على حدوث ذلك بالفعل استناداً إلى حركة أسعار بعض السلع.