
كالكاليست: احتلال غزة سيكون المقامرة الأعلى تكلفة لإسرائيل
فبعد مرور أكثر من 20 شهرا على بدء الحرب، ومع استمرار عجز الحكومة الإسرائيلية عن تحقيق الأهداف المعلنة، بدأت تتصاعد أصوات في المؤسسة العسكرية والاقتصادية تحذر من الانزلاق إلى مستنقع سياسي وأمني واقتصادي لا يمكن التحكم بتبعاته.
وبينما تتبنى القيادة السياسية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو ، خطابا متشددا يدفع نحو "الحسم العسكري الشامل"، تُظهر التقارير الرسمية والتقييمات الاستخباراتية والاقتصادية أن هذا الخيار لا يستند إلى خطة إستراتيجية متماسكة، ولا إلى تقدير مالي مدروس، بل يعكس في جوهره "رؤية أيديولوجية غير قابلة للتطبيق"، وفق تعبير أحد الخبراء الأمنيين الذين نقلت عنهم كالكاليست.
أعباء مالية ضخمة
ونقلت الصحيفة عن دراسة أعدّها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن "احتلال قطاع غزة من جديد سيكون باهظ التكلفة من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية".
وبحسب التقديرات، فإن إسرائيل ستضطر إلى إنفاق ما يتراوح بين 16 و18 مليار شيكل سنويا إذا قررت إعادة احتلال القطاع بالكامل، أي ما يعادل نحو 4.5 إلى 5 مليارات دولار سنويا.
وتشمل هذه التكاليف نشر 3 إلى 4 فرق عسكرية ميدانية، وتأمين شبكة مواصلات، وتعزيز البنية التحتية الأمنية، بالإضافة إلى الأعباء غير المباشرة على الاقتصاد.
ووفقا للصحيفة، فإن وزارة المالية ترى في هذه السيناريوهات "خطرا حقيقيا على استقرار الميزانية العامة".
وفي هذا السياق، يؤكد شاؤول كلوغمان، أحد كبار مسؤولي المالية الإسرائيلية السابقين، أن "احتلال غزة سيُثقل الميزانية على نحو لا يمكن استيعابه دون تقليصات ضخمة في بنود مدنية أو رفع الضرائب، وربما الأمرين معا".
مستنقع سياسي وأمني
ولا تقف التحذيرات عند حدود المال، فقد أوضح مصدر رفيع في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن "دخول غزة مجددا لا يشبه الدخول إلى جنين أو نابلس، بل هو مستنقع عسكري وأمني من طراز مختلف تماما".
ويضيف المصدر ذاته أن الجيش الإسرائيلي "يواجه حاليا تحديات جدية في تأمين موارد بشرية كافية، بمن في ذلك الجنود النظاميون والاحتياط، فضلا عن نقص في العتاد والجاهزية اللوجستية".
أما عن الموقف السياسي، فتشير الصحيفة إلى أن "التأييد الدولي لإسرائيل يتآكل سريعا، خاصة في ظل التغطية الإعلامية المكثفة لما يجري في غزة، والتقارير المتكررة عن سقوط ضحايا مدنيين".
وترى الصحيفة أن احتلال القطاع سيُفاقم هذا التآكل و"يفتح الباب أمام تحقيقات دولية محتملة في المحكمة الجنائية الدولية".
النموذج العراقي
ومن بين المقارنات اللافتة في التقرير، تشبيه سيناريو احتلال غزة بـ"التورط الأميركي في العراق بعد عام 2003″، حيث تحملت واشنطن تكاليف بشرية ومادية ضخمة، و"تورطت في إدارة حياة ملايين المدنيين في بيئة عدائية".
وترى كالكاليست أن "إسرائيل، إذا تبنّت سيناريو الاحتلال الكامل، ستجد نفسها أمام مسؤولية إدارية مستمرة عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني، وسط واقع إنساني صعب، ونقص في الخدمات الأساسية".
وتحذر الصحيفة من أن هذا السيناريو "لن يؤدي فقط إلى مزيد من التآكل في صورة إسرائيل الدولية، بل سيؤجج أيضا توترات داخلية ويعمق الشرخ السياسي والاجتماعي".
فخ إستراتيجي
وقال مسؤول استخباراتي سابق للصحيفة إن "الجهات المعادية في غزة تعرف تماما أن دخول إسرائيل في حالة احتلال طويل هو مكسب إستراتيجي لها".
وأضاف "إنهم يراهنون على أن إسرائيل ستنزف في الداخل والخارج، بينما هم يستنزفونها ببطء".
وقد يكون هذا استنزافا طويل الأمد للجيش الإسرائيلي الذي يعاني أصلا من نقص متزايد في عدد المجندين المؤهلين، فضلا عن تراجع المعنويات في صفوف قوات الاحتياط، وتزايد حالات الرفض والتسرب من الخدمة.
انقسام سياسي
من زاوية أخرى، تُبرز كالكاليست التحدي السياسي المتنامي داخل إسرائيل في مواجهة هذه الخطة التي لا توافق حولها والتي تدفع إلى تنفيذها أحزاب اليمين المتطرف في الحكومة.
وتضيف الصحيفة أن "الجيش لا يريد احتلال القطاع، ووزارة المالية تعارض بشدة، لكن الصوت السياسي هو الأعلى، والقرار في النهاية بيد الحكومة".
وبحسب مصادر مطلعة نقلت عنها الصحيفة، فإن نقاشات مغلقة جرت مؤخرا داخل المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، أظهرت وجود انقسام حاد بين مؤيدين للاجتياح الكامل ومعارضين يخشون أن يتحول القطاع إلى "فيتنام إسرائيلية".
"ثم ماذا؟"
أحد أبرز الانتقادات التي أوردتها كالكاليست يتعلق بغياب ما يسمى "إستراتيجية الخروج"، فحتى في حال قررت إسرائيل احتلال غزة، فإنه "لا توجد رؤية واضحة لما سيحدث بعد ذلك".
هل ستبقى القوات الإسرائيلية إلى أجل غير مسمى؟ من سيدير شؤون السكان؟ هل ستتدخل أطراف دولية؟ كل هذه الأسئلة، بحسب الصحيفة، لا تجد جوابا مقنعا حتى داخل الحكومة نفسها.
ويختم التقرير بتحذير لافت يقول فيه أحد المحللين: "قد تدخل إسرائيل إلى غزة بقوة، لكنها قد تجد صعوبة في الخروج، وكل يوم إضافي داخل القطاع سيزيد من الكلفة البشرية والمالية والسياسية".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
خبراء أمميون: عقوبات واشنطن على ألبانيزي تهدف لإسكات الأصوات المعارضة
أدان خبراء حقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة -أمس الجمعة- قرار واشنطن فرض عقوبات على فرانشيسكا ألبانيزي المقررة الأممية الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، معتبرين أن الأمر يدخل في إطار إستراتيجية أوسع لإسكات الأصوات المعارضة وحماية البنى السلطوية من المساءلة. وندد خبراء حقوق الإنسان بقرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على ألبانيزي، مجددين التزامهم بالدفاع عن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ضد الجهود الرامية إلى تقويضها، أو تخويف أو إسكات من يعملون على حمايتها. كما أعرب الخبراء الأمميون عن تضامنهم الكامل مع المقررة الأممية التي يعتبر تفويضها وتقاريرها أساسيين في دعم المعايير القانونية الدولية والمساءلة. واعتبروا أن عمل ألبانيزي يمثل التزاما مبدئيا بتفويض قائم على حقوق الإنسان، حيث يقدم تحليلا مستقلا ودقيقا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك "النقل القسري والتمييز المنهجي ومجموعة واسعة من الجرائم الدولية التي يستهدف العديد منها أو يؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال". وأشار الخبراء الحقوقيون إلى أن ألبانيزي تعرضت أثناء قيامها بمهامها لضغوط كبيرة، مما يبرز أهمية حماية التقارير الحقوقية المحايدة المبنية على الأدلة، وشددوا على أن هذا التفويض يلعب "دورا جوهريا في توثيق الظلم الهيكلي وتعزيز المساءلة بموجب القانون الدولي" مؤكدين أن هذا الجهد يجب الحفاظ عليه وحمايته. كما ذكروا أن فرض عقوبات على المقررة الأممية بسبب قيامها بهذه المسؤولية -التي كلفها بها مجلس حقوق الإنسان- يمثل "هجوما مباشرا على نزاهة نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" واعتبروا أن هذه الإجراءات تشكل "انتهاكا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية عام 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة، التي تمنح خبراء الأمم المتحدة الامتيازات والحصانات اللازمة لممارسة وظائفهم باستقلالية". وأوضح الخبراء أن هذا الانتهاك يبعث برسالة خطيرة، ويهدد استقلالية نظام الإجراءات الخاصة، ويؤثر سلبا على المناصرة العالمية لحقوق الإنسان. كما شددوا على ضرورة أن تتعامل الدول التي تختلف مع آراء خبراء الأمم المتحدة بشكل بناء عبر القنوات الدبلوماسية القائمة. وأكدوا أن استهداف المقررة الخاصة لا يمكن فصله عن الجرائم الدولية الجسيمة والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، إضافة إلى الجهود المستمرة لتجريد المدافعين عن حقوقهم من الشرعية. ويرى الخبراء الأمميون أن التحيز والتهديدات التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان -سواء كانوا باحثين أو فاعلين في المجتمع المدني أو مسؤولين أو خبراء في الأمم المتحدة- تعكس "إستراتيجية أوسع لإسكات الأصوات المعارضة وحماية البُنى السلطوية المسيئة من المساءلة". وختموا بيانهم بدعوة جميع الدول إلى الإدانة العلنية لهذه العقوبات (على ألبانيزي) وإلى رفض التعاون في تنفيذها، وإلى تجديد التزامها بالمقررين الخاصين للأمم المتحدة وهيئات العمل، والخبراء المستقلين، بمن فيهم المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
ما السيناريوهات المتوقعة بعد إقرار خطة احتلال مدينة غزة؟
تشهد الحدود مع قطاع غزة حشودا عسكرية إسرائيلية مكثفة بعدما أقر المجلس الإسرائيلي الأمني المصغر خطة لاحتلال مدينة غزة شمالي القطاع. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
هل أفسدت حماس خطط نتنياهو؟
تعد المقاومة في غزة، وفلسطين عامة، نتاجا طبيعيا لوجود الاحتلال الذي بدأ في فلسطين مع مطلع القرن العشرين، بأشكال مختلفة، وعبر أسماء وتنظيمات وهبّات شعبية متنوعة. وبعد حدوث النكبتين في فلسطين: (1948، 1967)، لم تقف تلك المقاومة، بل أخذت أشكالا أكثر تنظيما ودقة، في العمل الفدائي الفلسطيني ضد وجود الاحتلال. واستمر النضال الفلسطيني دون توقف لسنوات عديدة، وإن اختلفت أشكاله بين مرحلة وأخرى، حتى جاءت الانتفاضة الأولى 1987، والتي استمرت حوالي سبعة أعوام، واكبتها موجة من العمليات الاستشهادية علق عليها رئيس وزراء دولة الاحتلال إسحاق رابين قائلا: "لا أستطيع أن أوقف شخصا يريد أن يموت".. وقد دخلت تلك الانتفاضة/ الثورة القاموس العربي، والغربي، وأصبحت كابوسا يطارد الاحتلال.. فكان لا بد من احتوائها. وهكذا، فيما كان الوفد الفلسطيني يفاوض في مدريد، للحصول على أفضل ثمرة للانتفاضة، كانت كواليس النرويج وغرفها المغلقة تشهد مفاوضات سرية بين منظمة التحرير وبين الاحتلال، لتخرج علينا في سبتمبر/ أيلول 1993، بما عرف باسم "إعلان المبادئ لاتفاقيات أوسلو"، والذي تخلت فيه المنظمة عن فكرة الكفاح المسلح، وقبلت الاعتراف بشرعية الاحتلال، وتعديل ميثاقها، تحت عناوين المرحلية، والتكتيك، وخذ وطالب.. وهكذا. الأخطر في اتفاقيات أوسلو، أن صاحب الحق، وهو الفلسطيني، يعطي المحتل ما لا يستحق، ويعترف بشرعيته في فلسطين. ومما جاء ضمن بنودها، أنه تم الاتفاق على الذهاب إلى انتخابات فلسطينية عام 1996، يتم من خلالها اختيار رئيس السلطة الفلسطينية، وأعضاء المجلس التشريعي. في تلك الانتخابات، توافق الاجتهاد السياسي لدى حركتي حماس والجهاد، على مقاطعة الانتخابات باعتبارها من إفرازات أوسلو.. فلم تشارك أي من الحركتين فيها. وقد تم انتخاب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، رحمه الله، رئيسا للسلطة الفلسطينية. وبعد عقد من الزمان، شهد حالات من الرخاء والشد بين فصائل المقاومة، وخاصة الإسلامية منها، وبين السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، تمت الدعوة إلى انتخابات جديدة في مناطق السلطة الفلسطينية.. وكان 2006 هو عام الانتخابات الثانية للسلطة الفلسطينية. وشاركت حركة حماس في الانتخابات، في محاولة منها للجمع بين المقاومة والحكم، في حال فازت في الانتخابات، مقاربة بنموذج حزب الله في لبنان. وجاءت نتائج الانتخابات، خارج توقعات الجميع، فقد حصلت حركة حماس على أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي، بما يؤهلها لتشكيل الحكومة.. ولم يرُق ذلك لصناع أوسلو. فكانت سياسة وضع العصي في الدواليب، هي الأكثر حضورا في حق حركة حماس، الفائزة عبر صندوق الانتخابات.. وبدأت الشروط تنهال من الغرب والعرب عليها: إذا أردتم أن تشاركوا في السياسة فعليكم بالاعتراف "بدولة إسرائيل". ولم ترضخ حماس، وتواصلت ضغوط أجهزة أمن السلطة في حق حركتي حماس والجهاد حتى بلغت حدا لا يطاق، من اعتقالات وتعذيب، وملاحقة ومحاكم أمن دولة، وسنوات سجن تمتد من سنة إلى المؤبد. وهنا جاءت لحظة التغيير عندما قامت حركة حماس برفض قرارات السلطة، خاصة الأمنية منها. وبدأت اشتباكات مسلحة في قطاع غزة بين أجهزة أمن السلطة، والحركة عام 2007، حتى أسفرت عن سيطرة حماس على قطاع غزة بالكامل، ليُفرض بعدها الحصار الشديد على قطاع غزة. البداية والتجهيز للطوفان تعتبر حماس، حركة مقاومة ذات صبغة عقائدية ملتزمة، تتيح مساحة للاجتهاد السياسي وفقا للسياسة الشرعية ومتغيرات الواقع. وهي حركة ذات هيكلية تنظيمية قوية وصلبة، يعود تاريخها إلى ما قبل التأسيس، من خلال خبرتها في العمل المؤسساتي المجتمعي في غزة، تحت لافتات أخرى. وبعد أن بدأت الحركة مرحلة الحكم في غزة، كان جليا أن لها مشروع مقاومة واضح الملامح، ظهرت قدرته لاحقا في طوفان الأقصى.. فمن اللحظة الأولى، وفي ظل عدم ملاحقة أجهزة أمن السلطة في غزة، بدأت حماس تعمل على مشروع المقاومة بطرق عملية ومنهجية تمثلت في النقاط التالية: العمل على بناء الإنسان "الجندي والقائد"، بناء عقائديا وروحيا وتدريبيا، ليصبح قادرا على مواجهة جنود الاحتلال في أي مواجهة قادمة. حفر وبناء شبكة الأنفاق، التي زادت عن مئات الكيلومترات، والتي آتت أكلها في كل الحروب التي تعرضت لها غزة.. آخرها طوفان الأقصى. إعطاء فصائل المقاومة فرصة للعمل بحرية أفضل، وتوفير أراضٍ مخصصة للتدريبات العسكرية لأبناء تلك الفصائل، خاصة حركة الجهاد الإسلامي. عملت على إيجاد أدوات القتال، من عتاد وقوة.. فكانت الصواريخ، والعبوات، والقذائف، والمسيرات. ملاحقة شبكات عملاء الاحتلال في قطاع غزة، حتى ضيقت على أجهزة مخابرات الاحتلال من خلال هذه الملاحقة.. ومن خلال الأمن الهجومي، بدلا من الأمن الدفاعي. وما إن بدأت حركة حماس العمل بنمط جديد، حتى زاد الحصار، واشتد الخناق، لتبدأ رحلة السعي لاستئصالها، هي وكل المقاومة في غزة.. فكانت الحروب المتتالية: (2008، 2012، 2014) لتحقيق هذا الهدف. السلطة والمقاومة مشروعان متناقضان كل متابع موضوعي للشأن الفلسطيني، يستطيع أن يرى الفرق الواضح بين مشروع السلطة الفلسطينية في رام الله، ومشروع المقاومة في فلسطين عامة، وغزة خاصة. السبب في هذا الفرق، يرجع إلى سببين هما: إعلان الخلفية السياسية والفكرية لكلا المشروعين. الاتفاقيات التي كبّل الفلسطيني نفسه بها من خلال أوسلو. فالمشروع الأول، يقوم على التعايش والسلام مع دولة الاحتلال، وبقائها في فلسطين. والمشروع الثاني، يقوم على مقاومة الاحتلال، وتحرير فلسطين، وكنس الاحتلال منها. لكن السؤال هنا: ما علاقة طوفان الأقصى بالمشروع الوطني الفلسطيني والشرق الأوسط الجديد؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الذكر أن الطوفان، كسر وإلى الأبد صورة هذا الاحتلال/الأسطورة. فمنذ عقود طويلة، يتم العمل على تدجين العقول في العالم، ولا سيما العربي والإسلامي، للتسليم بأن هذا الاحتلال أسطورة، لا يمكن هزيمتها أو كسر هيبتها، فجاء الطوفان، وكسر هذه الأسطورة. وهذا يعني، أن هزيمة دولة الاحتلال ممكنة، ولم تعد مستحيلة. فإذا كانت غزة وحدها بمقاومتها وحاضنتها الشعبية، قد حطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، فكيف سيكون الحال لو كان هناك مشروع وطني جامع للكل الفلسطيني، ومعه حركات التحرر العربية والإسلامية التي تؤمن بتحرير فلسطين؟ وهذا يأخذنا إلى السؤال، عن الطوفان، وعلاقته بالشرق الأوسط الجديد. طوفان الأقصى محطة فارقة في الصراع قبيل الطوفان بفترة وجيزة، وقف رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمام الأمم المتحدة، رافعا خريطة للشرق الأوسط الجديد. وهو الذي دأب على التبشير بتغيير وجه الشرق الأوسط، إلى آخر جديد خالٍ من كل حركات المقاومة، وتكون دولة الاحتلال، هي الكبرى فيه، من حيث المساحة والقدرة والنفوذ. ولكن المفاجأة هي ما ذكرته كتائب القسام، من أنها كانت لديها معلومات دقيقة عن نية الاحتلال بدء هجوم كبير على المقاومة في غزة، ومن بعدها في الإقليم، ضد كل من يؤمن بالمقاومة في مواجهة دولة الاحتلال التوسعية. وهنا بادرت الحركة ببدء الطوفان في فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ردًّا على تلك الخطط التي أعدّها الاحتلال، ولتدمير أحلام نتنياهو بخريطة جديدة للشرق الأوسط. ويمكن القول إن طوفان الأقصى استطاع، حتى هذه اللحظة، تأخيرَ تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وعرقلته، رغم كل ما فعله الاحتلال ضد حركات المقاومة. البناء على الطوفان رغم تكلفته العالية التي قدمها الشعب الفلسطيني، لا بد من استثمار هذا الطوفان، والبناء عليه بقوة، وهذا البناء يكون من خلال: أولا: في داخل فلسطين: إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري، مع ضرورة العمل على توسيع دائرته لتشمل كل ألوان الطيف السياسي المقاوم في فلسطين، التي تؤمن بضرورة العمل لتحرير فلسطين. ويجب القفز عن العراقيل التي يمكن أن يضعها البعض أمام تحقيق هذا الهدف، ومن ذلك زعم بعضهم أن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني هو خطوة لاستبدال منظمة التحرير الفلسطينية.. وهو ليس كذلك، بل إن من أبجديات هذا المشروع، إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية نفسها، كبيت جامع للكل الفلسطيني تحت مشروع مقاومة الاحتلال. ثانيا: خارج فلسطين وإذا تم التوافق على مشروع وطني فلسطيني موحد- ويفضل أن يكون تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية- فإن العمل خارج فلسطين يصبح خطوة مكملة وداعمة لهذا المشروع، من خلال التعاون مع جميع حركات التحرر التي تؤمن بضرورة تحرير فلسطين، وكذلك مع الأنظمة التي تتبنى هذا الهدف. وينبغي أن يتم هذا التعاون ضمن إطار وطني موحد تشرف عليه مؤسسة جامعة تمثل الكل الفلسطيني، لأن وجود مثل هذا الإطار يسهل التنسيق مع تلك الأنظمة، ويعزز من قوة المشروع، ويراكم الإنجازات. وعلى عاتق هذا المشروع الجامع تقع المهام الأصعب، وفي مقدمتها طلب الدعم بكافة أشكاله من الأنظمة الملتزمة بقضية فلسطين، وذلك وفق قاعدة العمل المشترك التي يجسدها شعار: "فلسطين تجمعنا". محددات نجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد وينبغي أن ندرك أنه حتى يتم تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، فإن هناك محددات لا بد من توفرها، وهي: إعلان توفر الرغبة لدى أصحاب المشروع ووجود الإرادة لتحقيق تلك الرغبة. وجود أنظمة تساعد على ذلك. غياب وانتهاء حركات المقاومة من المشهد. غياب الجماهير عن دورها الفاعل في التصدي للمشروع. ويمكن القول إن طوفان الأقصى أسهم في تثبيت حضور المقاومة في الميدان، لا سيما في غزة، وأعاد للجماهير دورها الفاعل في الساحات، وإن كان هذا الدور يشهد تراجعا وتقدما بحسب الظروف. أما ما يتعلق بالأنظمة، فهو جزء أساسي من المشروع الوطني الفلسطيني، الذي يحملها مسؤولياتها التاريخية تجاه فلسطين وشعبها، ويطالبها بالوقوف إلى جانب هذا المشروع التحرري. أما المحدد الأول، والمقصود به توفر الإرادة لدى أصحاب مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، فيمكن القول إن المقاومة، حتى الآن، نجحت في تعطيل هذا المسار وعرقلة تقدمه. خلاصة فكرة هزيمة الاحتلال ممكنة، وممكنة جدا، خاصة بعد ما فعله طوفان الأقصى. وسنن الله في التغيير حاضرة وبقوة.. وأحد أخطر سننه في هذه المواجهة: "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم". فكرة إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني من خلال منظمة التحرير، وعلى قاعدة تحرير فلسطين، هي الرد الأقوى على حجم الزيف والموت الذي يوزعه الغرب ومشروعه الصهيوني في فلسطين. من أجل الجيل القادم، لا بد من العمل والمثابرة، حتى لو لم نحضر التغيير والنصر.. فيكفينا شرفا، أننا كنا من أهل غزة.. ولا زلنا نقبض على جمرة الدين، وجمرة الوطن.. حتى نلقى الله، ونحن كذلك.