
في قبضة القصر: ماذا حدث للصحفيين في تونس؟
لم يكن اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو/ أيار الجاري)، يومًا عاديًا بالنسبة لعدد واسع من الصحفيين التونسيين، وطيف أوسع من السياسيين، فضلًا عن الجيل المخضرم من الصحفيين، الذي قضى زهاء الأربعين عامًا أو تزيد في حضرة "صاحبة الجلالة"، كتّابًا وصحفيين ومحللين.
فقد صُدِم المحيط الإعلامي والسياسي، بتصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود"، لتونس، في المركز 129 عالميًا، بعد أن كانت في المراتب الخمسين الأولى خلال ما يربو عن 10 سنوات، بما يعني تدهورًا متزايدًا ولافتًا في مؤشر الحريات الإعلامية في بلد أنجز ثورة، وخاض معركة الانتقال الديمقراطي، وكان مصنّفًا "نموذجًا" في التحولات السياسية الهادئة، في وضع عربي شديد التعقيد والحساسية.
لقد حصلت انتكاسة كبيرة للقطاع الإعلامي، الذي سادَ الاعتقاد، بأنّه تحرّر نهائيًا من الوصاية السياسية والتعتيم وسياسات تكميم الأفواه، فإذا به يعود القهقرى إلى مصافّ المراتب الأخيرة بين دول العالم.
فما حصل في تونس منذ "انقلاب" 25 يوليو/ تموز 2021، والسنوات الأربع اللاحقة، ثقيل وضخم على الوعي والتجربة والتاريخ التونسي الحديث برمته، إلى درجة أنّ الملاحظين، باتوا يعقدون المقارنة، ليس بين السنوات العشر، التي أعقبت الثورة التونسية (14 يناير/ كانون الثاني 2011)، وإنما بين مسار الصحافة اليوم، والوضع السائد زمن النظام المخلوع، رغم أنّ تلك الفترة كانت توصف بـ "العهد الاستبدادي"، وبـ "سنوات الجمر".
لقد باتت فترة حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، "أرحم" (رمزيًا طبعًا) من المرحلة الراهنة، ووجد فيها الصحفيون والسياسيون والمراقبون، ما يجعلهم أقلّ قسوة في تقييمهم للسنوات الخمس التي مرّت من عمر نظام الرئيس التونسي الحالي، قيس سعيّد، ومرحلته التي لا يتردد البعض في وصفها بـ "السنوات العجاف"، أو سنوات "الحريات الغائبة"، كما يحلو لبعض الإعلاميين وصفها، بل كما تصفها نقابة الصحفيين التونسيين بوضوح شديد، في بياناتها، وفي خطابات قيادييها.
لم يعد الناس يقارنون بين المرحلة الراهنة، وسنوات ما بعد الثورة، لأنّ الجميع مدرك، أنّ المقارنة غير جائزة بالطول والعرض، كما يقال.
فـ "عشرية الانتقال الديمقراطي"، كما تسمى في الأدبيات السياسية، وضمن مراكز البحث في الداخل والخارج، لم يكن فيها سؤال الحريات الإعلامية، مطروحًا البتّة.. فالصحفيون والسياسيون والمواطنون، يكتبون ويتحدّثون ويعبّرون، وكأنهم في مهرجان مفتوح، بلا أبواب، ومن دون بوّابين.. ولا شيء أو فكرة أو شخصية، فوق النقد والملاحظة والمراقبة.
كان الإعلام، هو الرقيب على كلّ شيء: على السلطة الحاكمة، والرئاسة والبرلمان والأحزاب والنقابات، بل حتى على المؤسّسات الإعلاميّة فيما بينها.. فسيفُ النقد، طال الجميع بلا أيّ حدّ، من دون أي ضابط، إلى الدرجة التي لم يتردد ملاحظون، في وصف الوضع الإعلامي التونسي بـ "الخارج عن السيطرة" تمامًا.
فما الذي حصل للإعلام في تونس، لكي يدخل "نفقًا مظلمًا"، لا يعلم أحد متى وكيف يخرج منه.
معادلة جديدة
معادلة كاملة تغيّرت في غضون سنوات قليلة:
تمّ "قتل" السياسة، بما تعنيه من زخم فكري وحزبي، وما يتبع ذلك من جدل ونقاش، بل حتى صراعات ومناكفات سياسية، كان الإعلام يترجمها، ويشتغل عليها بتمظهراته المختلفة (إذاعية وتلفزيونية وصحافة مكتوبة وتدوين على وسائل التواصل الاجتماعي).
أُدخل الإعلام "بيت الطاعة"، طوعًا أو كرهًا، ليصبح بوق دعاية ركيكة للسلطة القائمة، لا يعيد إنتاج خطاب السلطة ويدافع عنها فحسب، بل أضحى مبررًا لسلوكها وممارساتها وخطابها، وحتى نواياها، في مقابل فتح النار بلا هوادة على خصومها ومعارضيها ومنتقديها.. فلا صوت يعلو فوق صوت السلطة.. ولذلك، تمّ إخلاء المنابر الإعلامية، أو ما تبقى منها، من كلّ صوت غير منسجم مع الطقس السائد سياسيًا.
تعيين "أبواق" بن علي، على رأس مؤسسات إعلاميّة بارزة، على غرار التلفزيون الحكومي، والإذاعات العمومية، واستعاد "فرسان القلم"، كما يطلقون على أنفسهم قبل الثورة، المنابر الإعلامية، متصدّرين المشهد، في نسخة رديئة من تلك الحقبة الآسنة من تاريخ تونس.
تم نزع رداء الاستقلالية عن كلّ المؤسسات الإعلامية، فمن ليس معنا، فهو ضدّنا بالضرورة، وجزاؤه معروف، بل إنّ أكبر صحيفة مستقلّة في البلاد، وهي جريدة "الصباح" (أسست في فبراير/ شباط 1951)، تم إدماجها ضمن مؤسسة جديدة بمعيّة صحيفة "لابريس" الحكومية، بما يعني إنهاء آخر قلاع الاستقلالية في الصحافة التونسية.
وللأسف الشديد، ساهم صحفيون من داخل المؤسسة في تشجيع السلطة على ذلك، اعتقادًا منهم أنهم ينقذون المؤسسة من الإفلاس والاندثار.
تحركت شتّى صنوف الرقابة، التي لم يعد يعرف المرء، مصدرها ورجالها ومؤسساتها، ليجد كل تعبير حرّ، أو ناقد للسلطة، مفتوحًا على احتمال وحيد وخطير، وهو الاعتقال والملاحقة القضائية، بتهم عديدة، بينها "تكوين وفاق إجرامي"، و"محاولة تغيير هيئة الدولة"، و"النيل من شخص رئيس الجمهورية"، و"نشر أخبار زائفة من شأنها التشجيع على التقاتل بين المواطنين".. إلى غير ذلك من التهم الجاهزة، التي تستند إلى قوانين بالية، تعود إلى عهود البايات والاستعمار والاستبداد.
وهكذا، يجد صحفيون عديدون اليوم أنفسهم خلف القضبان: (شذى مبارك، وسنية الدهماني، وبرهان بسيّس، ومراد الزغيدي)، فيما تتم الملاحقة القضائية لعدد آخر، على غرار عامر عيّاد، ومحمد بوغلاب (الخارج مؤقتًا من السجن)، وقبلهم كاتب هذه السطور.. فضلًا عن عدد من المدوّنين، ممن اعتقدوا أنّ "الفضاء الأزرق" (فيسبوك)، ملاذهم أمام التعتيم على مواقفهم وآرائهم في المنابر الإعلامية العادية.. بل حتى بعض الإعلاميين، ممن صفقوا لانقلاب الرئيس سعيّد في البداية، ووصفوه بـ "العملية التصحيحية الضرورية"، لمسار تونس السياسي، صرحوا عكس ذلك، بعد أن استفاقوا لحقيقة المشهد الشعبوي المهيمن في البلاد، وخطورة النهج الجديد الذي يتبعه النظام، فوجدوا أنفسهم وراء القضبان.
ويأسف المرء حقًا، أن يقرّ هنا بمرارة شديدة، بأنّ إعلاميين ومؤسسات وسياسيين ورجال قانون، وشخصيات، كانت توصف بـ "الاعتبارية"، شجعوا السلطة ودفعوها باتجاه هذا المنزلق، في سياق بحثهم عن تموقعات سياسية وإعلامية في الوضع الجديد، ما بعد "الانقلاب".
حالة سياسية "بائسة"
وتزامنت هذه التطورات اللافتة والمتسارعة، مع حالة سياسية جديدة بائسة، ولدت مع 25 يوليو/ تموز 2021.
فقد أغلق البرلمان التعددي المنتخب انتخابًا حرًّا ونزيهًا، رغم كل ما تخلله من مماحكات حزبية، وخطاب سياسي موغل في التطرف من عدّة أطراف.. واستُبدل ببرلمان، بالكاد، تتسلل منه مواقف جديرة بالاهتمام.
تمّ استبدال الدستور الذي كتبته أجيال وقوى ومنظمات وأحزاب وفعاليات ورجال قانون (دستور 2014)، بدستور صاغه الرئيس قيس سعيّد بخطّ يده، رافضًا حتى النسخة التي أعدّتها لجنة شكّلها هو بنفسه، فألقاها في سلّة المهملات جملة وتفصيلًا.
تمّ حلّ المجالس البلدية المنتخبة، وتعويضها بهيئات جديدة، لا يعرف المرء، كيف تشتغل، وكيف تمّ تعيينها، ولا مضمون المشروع الذي تعتمده في قراراتها وخياراتها.
بات القضاء، وظيفة، بعد أن تمّ التنصيص في دستور 2014، على استقلاليته، وحُلّ المجلس الأعلى للقضاء، وأحيل عشرات القضاة ممن يوصفون بـ "الشرفاء" على البطالة القسرية.
زُجّ بالفاعلين السياسيين البارزين خلال العشرية الماضية (2011- 2021) في السجون، بتهم "التآمر1″، و"التآمر2″، و"الإرهاب"، و"الخيانة"، وبعد أن كان هؤلاء (الذين باتوا يسمّون معارضة)، في وسائل الإعلام بالليل والنهار، يتطارحون مشكلات تونس وقضاياها، في محاورات عاصفة وشديدة، أصبحوا موزعين على أكثر من سجن.
الأغرب من ذلك، أنّ هذه الطبقة السياسية، قد عانت من محاولات الانقلاب عليها، و"خيانة الثورة" واستحقاقاتها، وكابدت الإرهاب المصنوع محليًا وخارجيًا، وواجهت الوضع بالحوار، ومحاولات الوفاق مع الخصوم السياسيين، والحرص على جعل صندوق الاقتراع، هو الفيصل والحكم في التمثيل الشعبي، هي اليوم متهمة بكلّ العناوين والاتهامات التي كان يمكن أن تتهم خصومها بها.. لكنّها آثرت عدم جعل السجن، هو المنطق الحاسم في الخصومة السياسية.. فلم تفتح السجون لمعارضيها، ولم تسكِت صوتًا رغم أنّ عديد الأصوات كانت تعبيرًا عن "الفوضى"، وناطقة باسم جهات ولوبيات وقوى داخلية وخارجية، وساهمت في ترذيل كامل المشهد، بقوانينه ومؤسساته وشخوصه وفاعليه.
لقد بات الانتقال الديمقراطي في الوضع الجديد، "لعنة".. والحريات "نكبة".. والانتخابات "مجرّد محاصصة حزبية".. والأحزاب، "سبب البلاء والبليّة".. والسياسيون "سماسرة".. وحكومات ما بعد الثورة، مجرّد "واجهة" لمصالح أجنبية.
كانت السنوات الأربع الماضية، شاهدة على عملية "فرم ممنهج" لكل الوضع الذي أنتجته ثورة 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 / 14 يناير/ كانون الثاني 2011، فهبّت العاصفة على الجميع، وأكلت الأخضر واليابس، تمامًا مثل ذلك الأخطبوط الذي إذا لم يجد ما يأكله، يلتهم أصابعه.. فتونس التي كانت شمعة مضيئة، في ظلام عربي كالح، انطفأت اليوم، أو هي في الهزيع الأخير من النور المنبعث منها.
الصحافة، تتحرك في سياقات سياسية، وتقتات من مناخ الحريات، وضمن "لعبة سياسية" واضحة من حيث أدواتها ومعاييرها والفاعلين فيها، وفي إطار قوانين متطورة ومستجيبة لذلك العصر.. وعندما يتحول كل ذلك، إلى صحراء قاحلة جرداء، لا يمكن أن يكون المنتوج، إلا هذا المناخ من القهر الذي يعيشه الإعلام في تونس.
أما لماذا بلغنا هذا الوضع بكل ملابساته؟
فلأنّ الإعلاميين، والسياسيين، لم يعملوا على تغيير القوانين المنظمة للمهنة الصحفية، وكان من السهل جدًّا ــ بسبب ذلك ــ الالتفاف على المشهد بيسر شديد.. فالفراغ القانوني أو القوانين البالية، لا يمكن أن تنتج إلا الفوضى.
ولأنّ هياكل المهنة في تونس، انشغلت بمعارك أيديولوجية عفا عليها الزمن، فلم تحرص على خلق وإنشاء مؤسسات إعلامية قوية، بمجالس تحرير منتخبة، وسياسات تحريرية واضحة، وقامات صحفية تزخر بها الساحة الإعلامية، بل راهنت على وضعيات وشخوص ضعيفة، تميل مع الريح إذا مالت.
ولأنّ كامل الطيف الإعلامي، لم يتحرك للبحث عن صيغ وأفكار ومقاربات جديدة، تخص تمويل المؤسسات الإعلامية، التي ظلت – نتيجة لذلك ــ فقيرة، وبالتالي من السهل ابتزازها واستمالتها من قبل السلطة، بما أثّر على استقلالية قرار هذه المؤسسات، ومنتوجها الإعلامي، وعلاقتها بنظام الحكم.
ولأنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، لم تحاول تغيير الوضع الإعلامي القديم، بل إنّ بعضها استقرب رموز منظومة الرئيس المخلوع، وشبّكت أيديها معها، ضمن سياسات "الوفاق"، ومنطق (بوس خوك / قبّل أخاك)، أو ما يعرف بـ (عفا الله عما سلف)، و(اذهبوا فأنتم الطلقاء)، رغم اختلاف السياقات وموازين القوى وطبيعة المواقع.. فكانت تلك الشخوص، من أسباب المشكل، وليست جزءًا من الحلّ.
وأخيرًا وليس آخرًا، لم تتمّ المحاسبة اللازمة والضرورية لعدد هام من الصحفيين، ممن كانوا جزءًا من "ماكينة الاستبداد" قبل الثورة التونسية، رغم أنّ اللوائح والتقارير الرسمية، كشفت عن تورطهم في الحصول على أموال طائلة لقاء تقارير استعلاماتية، وتلميع مزيّف لنظام الحكم، وعدد واسع منهم، يعدّ اليوم جزءًا من المنظومة الحالية.. وتلك أبرز عوامل الصحافة المنكوبة في تونس..
إعلان
لقد قال شكسبير يومًا مقولته الشهيرة: "أعطني شعبًا.. أعطِك مسرحًا".. وتونس اليوم ترفع صوتها عاليًا: "أعطني إعلاما جديدًا.. أعطِك شعبًا مثقفًا، مهيّأ لحياة ديمقراطية".
وإنّ غدًا لناظره قريب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
إدارة ترامب تفرض قيودا جديدة على الصحفيين داخل البنتاغون
أصدر وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث ، أمس الجمعة، تعليمات جديدة تُلزم الصحفيين المعتمدين بالحصول على مرافقين رسميين عند دخول معظم مرافق وزارة الدفاع (البنتاغون) في أرلينغتون بولاية فرجينيا. ودخلت الإجراءات الجديدة حيّز التنفيذ الفوري، وهي تمنع دخول الصحفيين إلى مناطق في الوزارة من دون تصريح رسمي ومرافق معتمد، وقد أثارت انتقادات حادة من رابطة صحافة البنتاغون التي رأت في القرار "هجوما مباشرا على حرية الصحافة". وقال هيغسيث في مذكرة إن الوزارة لا تزال "ملتزمة بالشفافية"، لكنها "ملزمة بالقدر نفسه بحماية المعلومات الاستخباراتية السرية والمعلومات الحساسة، والتي قد يؤدي الكشف غير المصرح عنها إلى تعريض حياة الجنود الأميركيين للخطر". وأضاف وزير الدفاع أن أمن العمليات وحماية المعلومات الحساسة يمثلان أولوية قصوى. لكن رابطة الصحفيين قالت في بيانها إن القرار يستند إلى "مبررات أمنية واهية"، مشيرة إلى أن الصحفيين المعتمدين تمكنوا طوال عقود من الوصول إلى مناطق غير حساسة في البنتاغون من دون إثارة قلق بشأن الأمن، حتى في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتحت إدارات جمهورية وديمقراطية على حد سواء. إعلان ولم يصدر تعليق رسمي من البنتاغون ردا على بيان الرابطة حتى الآن. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الإجراءات التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب للتضييق على المؤسسات الإعلامية التي تتهمها بتسريب المعلومات، إذ تم مؤخرا منح 3 مسؤولين إداريين إجازة مؤقتة في إطار تحقيق داخلي في تسريبات. كذلك طُلب من مؤسسات صحفية بارزة مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي إن إن" و"إن بي سي نيوز" إخلاء مكاتبها في البنتاغون، ضمن نظام تدوير يسمح بدخول مؤسسات إعلامية أخرى، بينها جهات موالية للرئيس مثل نيويورك بوست وبرايتبارت وديلي كولر ووان أميركا نيوز. وبحسب وكالة رويترز، نشرت الإدارة مؤخرا أجهزة لكشف الكذب في عدد من المؤسسات الحكومية، من بينها وزارة الأمن الداخلي، للتحقيق في تسريبات غير سرية، وهُدّد بعض الموظفين بالفصل إن رفضوا الخضوع للاختبار. ويؤكد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب "لن يتسامح مع التسريبات"، وأن من يثبت تورطه فيها "يجب أن يُحاسب".


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
هكذا تعقّد خارطة القوى السياسية "المتنافرة" المشهد في ليبيا
طرابلس – في قلب صحراء شمال أفريقيا، تقف ليبيا كمتاهة سياسية معقّدة، تتشابك فيها خيوط النفوذ المحلي وسط انقسام السلطة بين الشرق والغرب، والتدخلات الدولية المتعثرة لمبادرات الأمم المتحدة. فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، لم تتمكن ليبيا من الخروج من متاهتها نحو برّ استقرار سياسي حقيقي لدولة دستورية موحدة، بل تحولت إلى ساحة لصراعات نفوذ داخلية وخارجية، وتنازع المصالح بين من يمثلون السلطة السياسية، وصراع النفوذ الميداني بين المجموعات المسلحة، وهي صراعات تتجدد مع كل محاولة لإعادة بناء الدولة. شهدت العاصمة طرابلس، خلال مايو/أيار الجاري، اشتباكات عنيفة في إطار تفكيك الأجهزة الأمنية الموازية لحكومة الوحدة الوطنية، بين قوات اللواء 444 قتال التابع لهذه الحكومة بقيادة محمود حمزة، وقوات جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي بقيادة عبد الرؤوف كارة، مدعومة بقوات تابعة لمدينة الزاوية. فوضى أمنية اندلعت شرارة هذه الاشتباكات بعد مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة) ، رئيس جهاز دعم الاستقرار ، خلال اجتماع رسمي بحضور قيادات عسكرية من حكومة الوحدة، وقد أسفرت المواجهات عن مقتل عدد من المدنيين وتدمير ممتلكاتهم. إعلان ويصف المحلل السياسي مصباح الورفلي -في تصريح للجزيرة نت- هذه المواجهات بأنها نتيجة طبيعية لـ"تغوّل التشكيلات المسلحة التي تبتز مؤسسات الدولة وتتحكم في منافذها"، مضيفا أن غياب مؤسسة أمنية موحدة بعقيدة مهنية ساهم في ترسيخ حالة الفوضى. في السياق ذاته، يرى أحمد دوغة، نائب رئيس حزب الأمة، أن هذه الاشتباكات تعكس غياب بنية أمنية موحدة بين الحكومة و المجلس الرئاسي ، وتعدد مصادر الشرعية بين الأطراف، معتبرا أن ذلك يولّد صراعا على النفوذ السياسي والاقتصادي. وأضاف للجزيرة نت، أن انتشار السلاح يفرغ أي مسار سياسي من مضمونه، ويحتاج "تدخلا دوليا فاعلا لكبح هذا الانفلات". أثارت المواجهات الأخيرة دعوات سياسية لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، إذ وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الدبيبة بـ"نيرون العصر"، في حين بدأ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إجراءات لتشكيل حكومة موحدة بديلة. ويرى دوغة، أن تقارب المشري وصالح "ليس سوى تحالف مصالح مؤقت، يتقاطعان فيه عند العداء المشترك لحكومة الدبيبة"، لافتا إلى أن هذا التحالف أعيد إحياؤه بعد أن فشل سابقا في تونس وجنيف، وهو الآن يستغل الوضع الأمني لتحقيق مكاسب سياسية. بدوره، يؤكد الورفلي، أن هذا التقارب تقاطع هش هدفه إعادة التموضع داخل المشهد، وليس مدفوعا برؤية إستراتيجية موحدة، مشيرا إلى أن أطراف الصراع تتمسك بالمرحلة الانتقالية لتمديد بقائها وتفادي انتخابات قد تطيح بها. خارطة متنافرة تنقسم مراكز النفوذ في ليبيا اليوم إلى 4 كتل رئيسية: حكومة الوحدة الوطنية في الغرب. القيادة العامة للجيش بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق. المجلس الأعلى للدولة. مجلس النواب. وبحسب المحلل الورفلي، فإن القوة في الشرق تتمثل في الجيش النظامي والدعم الإقليمي، بينما تتركز قوة الغرب في الاعتراف الدولي والسيطرة على المؤسسات المالية، كمصرف ليبيا المركزي والشركات القابضة. أما دوغة، فيعتبر أن مصادر القوة الفعلية لا تتعلق فقط بشرعية القانون بل بامتلاك السلاح والسيطرة الميدانية و"ابتزاز الأطراف الدولية"، مشيرا إلى أن الاتفاقات السياسية السابقة كجنيف وتونس لا تزال تُستخدم كورقة ضغط للبقاء رغم فشلها في إنتاج تسوية دائمة. يتولى محمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي الليبي، إلا أن دوره العملي لا يتجاوز الرمزية بسبب غياب أدوات تنفيذية وأذرع أمنية فاعلة. ويعزو دوغة ضعف هذا المجلس إلى فشله في إدارة شؤونه الداخلية مع وجود خلافات بين أعضائه الثلاثة، مشددا على أنه أصبح كيانا غير قادر على التأثير في المشهد الليبي". بينما يرى الورفلي أن المجلس يحاول أخيرا استغلال بعض التعديلات في الاتفاق السياسي لممارسة ضغط سياسي، لكنه يظل بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي ليلعب دورا فعالا. أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الثلاثاء الماضي، تقريرا تضمن توصيات اللجنة الاستشارية لحل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، بما يشمل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بصورة متزامنة. لكن تقييم المحللين لجهود البعثة الأممية جاء متشائما، فدوغة يقول، إن البعثة تكرر نفس الحوارات الفاشلة وتستبعد الفاعلين الحقيقيين كالأحزاب والمجتمع المدني، مفضلة التعامل مع أطراف مسلحة أو فاقدة للشرعية الشعبية. ويذهب الورفلي أبعد من ذلك، معتبرا أن الازدواجية داخل الأمم المتحدة وانقسام المجتمع الدولي، إلى جانب غياب مشروع وطني جامع، أفشلت كل المبادرات السابقة، مضيفا أن الارتكاز على قوى تفتقر إلى الشرعية الشعبية جعل البعثة تدور في حلقة مفرغة. رغم ذلك، يبدي دوغة بعض الأمل، موضحا أن تشكيل لجنة الـ20 التشاورية أخيرا ربما يعكس تغييرا في نهج البعثة، وأن الأيام القادمة كفيلة بإظهار مدى الجدية في الضغط على الأطراف الليبية لاعتماد أحد المقترحات المطروحة. في ظل هذا المشهد المعقد، تتضاءل فرص إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، ويؤكد دوغة أن الانقسام الحالي وانتشار السلاح وغياب الضمانات، كلها عوامل تجعل من الاستحقاق الانتخابي حلما مؤجلا، داعيا إلى ملتقى ليبي جامع يعيد الثقة ويوحد الصفوف. أما الورفلي، فيتوقع استمرار حالة الانقسام وبناء مزيد من التحالفات المسلحة والسياسية، محذرا من أن الشارع الليبي قد ينزلق إلى دعوات للحكم الذاتي في بعض المناطق كنوع من البحث عن حماية ذاتية. هكذا، تظل ليبيا في حاجة ماسة إلى توافق وطني حقيقي يتجاوز الاصطفافات الضيقة ويضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الفئوية، على أمل أن تكون المراحل القادمة فرصة لاستعادة زمام المبادرة، لا مجرد محطة أخرى في متاهة لا تنتهي.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الصراع بالكونغو الديمقراطية يجبر عشرات الصحفيين على الفرار
اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن الوضع الأمني المتدهور في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ بداية عام 2025، أجبر عددا من الصحفيين على الفرار من مناطقهم بسبب نشاطهم المهني. وقالت المنظمة المعنية بالدفاع عن الصحفيين في أنحاء العالم، إنها تكثف جهودها لتلبية احتياجات الصحفيين الذين أُجبروا على الفرار من مناطقهم بسبب عملهم الإعلامي. وأضاف أنها تمكنت من دعم نحو 40 صحفيا كانوا مهددين، ودعت جميع أطراف النزاع إلى اتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية الصحفيين في ظل الصراع المسلح في البلاد. وسجلت المنظمة أن حوالي 50 هجوما استهدف صحفيين ومقار إعلامية في منطقة شمال كيفو منذ يناير/كانون الثاني من عام 2024. وأفادت بأن التهديدات والاعتداءات الجسدية والاختطافات ونهب مقرات وسائل الإعلام اضطرت عددا كبيرا من الصحفيين إلى مغادرة مناطق سكنهم. وأكدت المنظمة أن مكتب المساعدة في "مراسلون بلا حدود" تلقى منذ بداية 2025 "عشرات طلبات الدعم من صحفيين كونغوليين غادروا بشكل طارئ مناطق المعارك شرق البلاد"، وسط تبادل للعنف بين جماعة إم-23 المسلحة والجيش الوطني. واستجابت المنظمة، وفق ما ذكرت، لـ40 من هذه الطلبات، وقدمت مساعدات مباشرة للصحفيين المستهدفين بسبب عملهم الإعلامي بمبلغ إجمالي قدره 47 ألف يورو، لتغطية تكاليف إعادة التوطين الطارئ وتأمين الحماية. كما تم إعادة توطين 32 صحفيا داخل البلاد في مناطق أقل خطورة، بينما لجأ 8 إلى دول مجاورة، إذ كان معظمهم يعملون في إذاعات مجتمعية تعمل على إيصال المعلومات للسكان المحليين خاصة في فترات النزاع. ووفق "مراسلون بلا حدود" فإن هذه الإذاعات أضحت هدفا للجماعات المسلحة، إذ تم نهب وإغلاق 26 إذاعة مجتمعية في شمال كيفو، منها 10 إذاعات تعرّضت لهجمات مباشرة من قبل "جماعة إم-23″، حسب المنظمة ذاتها. يذكر أن جمهورية الكونغو الديمقراطية فقدت 10 مراتب في تصنيف حرية الصحافة العالمي لعام 2025 الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود"، إذ احتلت المرتبة 133 من أصل 180 دولة.