logo
واغادوغو تخلد ذكرى توماس سانكارا بنصب يروي حكاية الثورة والاستقلال

واغادوغو تخلد ذكرى توماس سانكارا بنصب يروي حكاية الثورة والاستقلال

الجزيرةمنذ 2 أيام

في خطوة تحمل في ظاهرها تكريما لبطل وفي داخلها صراعا مع الاستعمار وتاريخه، وضمن حملة جديدة تهدف لتعزيز السيادة والاستقلال، شهدت مدينة واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو الأحد الماضي افتتاح نصب تذكاري (تمثال) لتوماس سانكارا، القائد الثوري الذي حكم البلاد بين عامي 1983 و1989، ولا يزال الغموض يلفّ ظروف اغتياله الذي أنهى تجربة تحرّرية كانت ملهمة في أفريقيا وخارجها.
النّصب، الذي جاء تصميمه على شكل عين مع درجات تنازليّة تُمثّل توماس سانكارا (1949-1987) ومساعديه الـ12 الذين اغتيلوا معه، تمّ افتتاحه بحضور ممثّلي عدد من الدول الأفريقية.
وخلال وقائع حفل الافتتاح، قال جان إيمانويل ويدراوغو رئيس وزراء بوركينا فاسو إن هذا النصب هو "أكثر من مجرد مبنى، بل موقع يُجسّد الوعي الجماعي لأهل بوركينا فاسو وللمناضلين من أجل الحرية، ولكل من يُقدّر السلام والعدالة الاجتماعية، وللتضحيات التي بذلها الرئيس توماس سانكارا ومعاونوه".
وحملت اللوحة التذكارية للنصب جملة لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم النقيب إبراهيم تراوري، وهي "الثورة التي تركها لنا توماس سانكارا هي الروح والفعل.. نحن مصمّمون على إبقاء الشعلة متقدة لإضاءة المسيرة المشرقة لشعبنا نحو أفق السعادة.. لن ننحني. الوطن أو الموت، سننتصر".
إعلان
ويُعتبر هذا النصب جزءا من منتزه كبير يضمّ مطعما ومكتبة إعلامية وورشا أخرى، وذلك ضمن مشروع يكرّم إرث توماس سانكارا عبر التثقيف والتوعية، وتوفير بيئة مناسبة لاستحضار مبادئ الزعيم الراحل في الحرية والعدالة الاجتماعية.
وجاء هذا النّصب التذكاري تتويجا لعمل "اللجنة الدولية لإحياء ذكرى توماس سانكارا" التي تم تشكيلها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2016 بهدف كشف الحقيقة في ملف اغتيال الرجل ورفاقه، وللحفاظ على إرثه السياسي والفكري، وإحياء ذكراه في قلوب مواطنيه الذين يعتبرونه "أب الثورة" في بوركينا فاسو.
ملهم الرئيس الجديد
ويعكس هذا المشروع توجّهات الحاكم العسكري الحالي لبوركينا فاسو إبراهيم تراوري (37 عاما) الذي استولى على السلطة عبر انقلاب عسكري في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 2022 ويحاول تقديم نفسه كمنقذ للبلاد مما يسميه الاستعمار الجديد.
ومن أهمّ القرارات التي اتّخذها الرئيس تراوري إعلان فك الارتباط مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، والدخول في تحالف مع روسيا ، واعتماد سياسات اقتصادية جديدة مثل تأميم مناجم الذهب.
ويبدو الرئيس تراوري من خلال تصريحاته ومواقفه معجبا بأفكار سانكارا وتوجّهاته في روح الاستقلالية والحرّية، وفي السياسات العامة المتعلّقة بالسيادة الوطنية والاقتصاد.
وتجسّد ذلك الإعجاب أيضا في قرار تراوري نقل رفات سانكارا إلى النصب التذكاري الذي تم تدشينه رسميا، بدلا من المدفن المتواضع السابق.
وكان الرئيس تراوري قد أشاد العام الماضي بالزعيم سانكارا في الذكرى الـ37 لاغتياله، ووصفه بـ"رجل الرؤية العظيم الذي ترك بصمة لا تُمْحى في تاريخ أمتنا من خلال نزاهته ووطنيته".
الزعيم الحاضر في الوجدان
ولا يزال اسم توماس سانكارا حاضرا بقوة في ضمير أبناء بلده الذي كان يُسمّى "فولتا العليا" قبل أن يقوم سانكارا بتغييره إلى "بوركينا فاسو"، أي "أرض الأنقياء" باللغة المحلية، إضافة إلى تغيير العلم والنشيد الوطنيين.
وخلال فترة حكمه، شنّ سانكارا حربا على الطبقات التقليدية النافذة في الدولة، كما قام بحملة على الفساد ونهب الثّروات العامة، وسعى إلى ترشيد الإنفاق العام في المجالات غير الضرورية.
وأطلق برامج صحية واجتماعية وتعليمية واسعة، ودشن مشروعا لمكافحة التصحر مكّن من غرس 10 ملايين شجرة، ووزع الأرض على السكّان المحتاجين.
وعلى الصعيد الدولي، اكتسبت بوركينا فاسو في ظل قيادة سانكارا زخما وحضورا واسعا في المحافل العامة، وذلك بفضل تأييده قضايا الشعوب المظلومة والوحدة الأفريقية وتصفية الاستعمار.
وطيلة حياته، ظلّ مدافعا عن العالم الثالث منتقدا ما سمّاه "الاستقلال الشكلي" الذي ابتكرته دول "العالم الآخر" لكي تضمن الاستلاب الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي في مستعمراتها.
وكان سانكارا كثير الانتقاد لفرنسا ولطبيعة علاقاتها بمستعمراتها السابقة والقائمة على استمرار نهج التبعية والاستغلال.
ومقابل تدهور العلاقات مع فرنسا والأنظمة الموالية لها، حرص سانكارا على توطيد الروابط مع بلدان المعسكر الاشتراكي مثل كوبا وأنغولا ونيكاراغوا.
البحث عن قاتل سانكارا
وعام 1987 بدأت تلوح في الأفق ملامح انقلاب حضّر له رفيق دربه بليز كومباوري، حيث اندلعت احتجاجات واضطرابات واسعة، استمرّت عدة أشهر وبلغت ذروتها يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول في العام ذاته حيث قُتل سانكارا مع 12 من مساعديه بالرصاص في العاصمة واغادوغو أثناء اجتماع رسمي، وتكتّمت السلطات على ظروف مقتله.
ووُجّهت أصابع الاتهام في ذلك الاغتيال إلى بليز كومباوري، ومن ورائه فرنسا عبر شبكات نفوذها في مستعمراتها السابقة.
وكان أول قرار اتخذه كومباوري هو حرق جثة سانكارا، وتجريم كل من ينطق باسمه أو يحمل صورته في عموم بوركينا فاسو.
وبعد اغتيال سانكارا، حكم كومباوري البلاد بقبضة من حديد طيلة 27 عاما إلى أن تنحّى عن السلطة يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2014، وهرب خارج البلاد أمام مظاهرات شعبية غاضبة احتجاجا على مساعيه لتعديل إحدى مواد الدستور للسماح له بالترشّح لولاية رئاسية ثالثة.
وقد وعدت أول حكومة تشكّلت بعد سقوط نظام كومباوري بـ"إعادة فتح ملف سانكارا وبنبش قبره لإخضاع الرفات الموجود بداخله لفحوص الحمض النووي"، لأن عائلته وأنصاره يشككون فيها.
وفي أولى إجراءات البحث عن حقيقة اغتيال سانكارا، سعت الحكومة الانتقالية لاستجلاب الرئيس المخلوع كومباوري الذي فرّ إلى كوت ديفوار، رغم أن حالته الصحية تدهورت كثيرا.
وبعد سلسلة من التحركات والمساعي لمحاكمة المتورطين في الاغتيال، أدان القضاء في أبريل/نيسان 2021 كلا من كومباوري والضابطين المقربين منه جلبير ديندريه وهياسينتو كافاندو بالسجن المؤبد بتهمة المسؤولية عن اغتيال سانكارا ومساعديه.
في غضون ذلك، تواصل اللجنة الدولية لإحياء ذكرى توماس سانكارا المساعي لكشف الحقيقة، وتطالب برفع السرّية الدفاعية من قبل فرنسا فيما يتعلّق بملف سانكارا ورفاقه.
ونفت باريس رسميا تورّطها في اغتيال سانكارا، ووعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017 برفع السرية عن الوقائع المتعلقة بالحادثة، لكنّ بعض الوثائق الأرشيفية التي سلمتها باريس إلى القضاء في بوركينا فاسو لم تتضمّن معلومات جديدة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحكومة السودانية تنفي استخدام أسلحة كيميائية بعد اتهامات أميركية
الحكومة السودانية تنفي استخدام أسلحة كيميائية بعد اتهامات أميركية

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

الحكومة السودانية تنفي استخدام أسلحة كيميائية بعد اتهامات أميركية

رفضت الحكومة السودانية -اليوم الجمعة- الاتهامات الأميركية للجيش باستخدام أسلحة كيميائية في نزاعه المستمر منذ أكثر من عامين مع قوات الدعم السريع ، وفق ما جاء على لسان المتحدث باسمها. وقال وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة خالد الإعيسر في بيان إن هذه "اتهامات وقرارات تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق بشأن الأوضاع في السودان". كذلك نقلت وكالة الأنباء السودانية "سونا" عن وزارة الخارجية السودانية نفيها واستغرابها "للنهج الذي اتبعته الإدارة الأميركية في هذه المسألة". وجاء النفي السوداني بعد أن دعت الولايات المتحدة -أمس الخميس- الحكومة السودانية إلى التوقّف عن ما وصفته باستخدام الأسلحة الكيميائية، لكن من دون تحديد المكان المفترض لهذا الاستخدام أو تاريخه، في حين ندّدت الخرطوم بما وصفته بادعاءات "لا تستند إلى أي دليل". ويأتي البيان السوادني غداة إعلان واشنطن عن عقوبات تدخل حيّز التنفيذ اعتبارا من السادس من يونيو/حزيران تشمل تقييد نفاذ الحكومة السودانية إلى خطوط القروض الأميركية وقيودا على الصادرات الأميركية إلى السودان. ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربا مستمرة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو " حميدتي". وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص ونزوح 13 مليونا، وتسبب بما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث.

"إيلون ماسك" و"المعادن النادرة" و"إسرائيل".. كلمات سر ترامب ضد جنوب أفريقيا
"إيلون ماسك" و"المعادن النادرة" و"إسرائيل".. كلمات سر ترامب ضد جنوب أفريقيا

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

"إيلون ماسك" و"المعادن النادرة" و"إسرائيل".. كلمات سر ترامب ضد جنوب أفريقيا

واشنطن- رغم تحذير عدد من مستشاريه بعدم الذهاب للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، وصل سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا إلى البيت الأبيض في محاولة لوقف الجفاء وتضييق هوة الخلافات بين بلاده والولايات المتحدة. لكن ترامب نصب كمينا للرئيس الزائر، وقام بمفاجأة الضيف بعرض مقاطع فيديو أمام العالم حول ما سماه زورا "الإبادة الجماعية" ضد المزارعين البيض، لكن الرئيس الجنوب أفريقي من جانبه نجح في الحفاظ على هدوئه. وأكدت الحادثة آراء الرئيس ترامب المشوّهة عن جنوب أفريقيا، ومدى صعوبة تغييرها خاصة وأن محركيها ومن يقف وراءها لهم من القوة والنفوذ الكثير عليه، في وقت لا يكترث فيه ترامب أساسا بكل القارة الأفريقية ، بما فيها جنوب أفريقيا. واستبقت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي مركز بحثي يميني بواشنطن، الزيارة بعرضها 5 نقاط يجب على ترامب التطرق لها في لقائه مع رامافوزا، وذكرت علاقات جنوب أفريقيا القوية بروسيا والصين وإيران، كما ادعت وجود علاقات قوية لها مع حركة حماس و حزب الله. إلا أن ذلك كله كان للتمهيد لدفع ترامب للضغط بسبب موقف جنوب أفريقيا الصلب أمام محكمة العدل الدولية ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة بدعم أميركي كامل. في الوقت ذاته، لعب إيلون ماسك ؛ صاحب الأصول الجنوب أفريقية، دورا كبيرا يتوافق مع الجناح اليميني المتعصب المؤيد لترامب ضمن تيار "أميركا أولا"، والذي يؤمن بسمو الجنس الأبيض. ومن ناحية مادية بحتة، لعب "لوبي المعادن النادرة"، ومصالح واشنطن في مواجهة هيمنة الصين الكبيرة عليها، دورا في الضغط على رئيس جنوب أفريقيا سعيا لحصة أميركية أكبر في معادن جنوب أفريقيا النادرة. إسرائيل أولا في عهد رامافوزا، كثف حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حملته القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. وادعى اللوبي اليهودي أن "جنوب أفريقيا نصّبت نفسها محامية لحركة حماس على الساحة الدولية". ودشنت بريتوريا هجومها القانوني ضد ممارسات إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2023، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. واعتبر وزير الخارجية السابق توني بلينكن أن هذه الاتهامات "سخيفة" ولا تستحق الرد عليها، وأن المحكمة غير مؤهلة للنظر في هذه الاتهامات المصطنعة. إلا أن المحكمة أصدرت مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. وفي حين أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، أصبحت 125 دولة عضوا فيها مطالَبة -قانونيا- باعتقال نتنياهو إذا وطئت قدمه أراضيها، وهو ما يجعله منبوذا في معظم أنحاء العالم. ويصف ترامب جنوب أفريقيا بأنها تتخذ "مواقف ضد الولايات المتحدة وحلفائها". في أوائل فبراير/شباط، أعلن وزير الخارجية ماركو روبيو أنه لن يحضر قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ، مدعيا أن جنوب أفريقيا تستخدم المنتدى لتعزيز التنوع والإنصاف والشمول وجهود تغير المناخ، وهي سياسات تعارضها إدارة ترامب. ولم تتراجع جنوب أفريقيا، بل أعاد رامافوزا التأكيد على دعمه "مساءلة إسرائيل عن جرائم الحرب". ماسك و"الأفريكانيز" جاءت الزيارة في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين واشنطن وبريتوريا إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية نظام الفصل العنصري عام 1994. وادعى ترامب أن "أشياء فظيعة تحدث" في جنوب أفريقيا، ثم تحدث عن تقارير "إبادة جماعية للبيض"، ودعا البيض هناك إلى التقدم بطلب للحصول على وضع اللجوء في الولايات المتحدة. وبالفعل وصلت طائرة حكومية أميركية أولى تحمل نحو 59 من مواطني جنوب أفريقيا البيض الذين طلبوا اللجوء للولايات المتحدة. وحثّ صديق ومستشار ترامب المقرب الملياردير إيلون ماسك على هذا الموقف، وهو ما يدعم رؤيته اليمينية التي ترى أن البيض أمام تهديد وجودي سواء داخل الولايات المتحدة، بسبب الهجرة، أو في بقية العالم خاصة وطنه الأم جنوب أفريقيا بسبب اتباعها سياسات تدعم العدالة المجتمعية. وركز الإعلام اليميني داخل الولايات المتحدة على سردية أن حكومة جنوب أفريقيا "تأخذ الأراضي من البيض على أساس لون بشرتهم"، ودعم إيلون ماسك هذه الفرضية. وجدير بالذكر أن إدارة ترامب ألغت اعتماد سفير جنوب أفريقيا السابق إبراهيم رسول، بعد وصولها للحكم في يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن جادل بأن حركة "ماغا" (MAGA) المؤيدة للرئيس ترامب "عنصرية" وتلعب على وتر تراجع أعداد الأغلبية البيضاء بسبب الهجرة. ويقول منتقدو ترامب إن سياسات ترامب الخارجية المتعلقة بالهجرة بما فيها قبوله للاجئين "الأفريكانيز" (الأفريقيون البيض)، ليست سوى امتداد لأجندته المناهضة للسود في الولايات المتحدة. ويرفض رامافوزا مزاعم ترامب ومستشاره ماسك بمصادرة أراضي "الأفريكانيز" أو معاملتهم بشكل غير عادل، مشيرا إلى أن بلاده "هي الوحيدة في القارة الذي جاء فيه المستعمرون للبقاء ولم نطردهم قط من بلدنا". المعادن النادرة من ناحية أخرى، جاء قرار ترامب في وقت سابق من هذا العام بقطع المساعدات عن جنوب أفريقيا صادما لمشاركة بلاده في مشروع للأتربة والمعادن النادرة يقع في منطقة فالابوروا، في شمال شرق جنوب أفريقيا، ويراه عدد من المعلقين حاسما لآمال الولايات المتحدة في تحقيق تقدم في السباق لإنتاج الإلكترونيات المختلفة والسيارات والأسلحة. وتحتكر الصين بصورة كبيرة توريد وتكرير بعض المعادن الحيوية، وخاصة الأتربة النادرة، وهي مجموعة من 17 معدنا تستخدم لبناء منتجات تدعم الاقتصاد الحديث. ويساعد مشروع جنوب أفريقيا، حسب الخبراء، على مواجهة التحدي المتمثل في تطوير مصادر المعادن التي لا تسيطر عليها الصين. ومن المتوقع استخراج 4 أتربة نادرة رئيسية من الموقع، وفقا لما ذكرته شركة "قوس قزح للمعادن النادرة" (Rainbow Rare Earths) التي تدير المشروع. وفي تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن تشير الخبيرة غراسيلين باسكاران، إلى أن منطقة "فالابوروا هي أصل إستراتيجي للمصالح الأميركية". ولأهميتها، زار وفد من موظفي الكونغرس الأميركي مختبرات الشركة في جنوب أفريقيا بمارس/آذار الماضي. ويشير تقييم أجرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية أن هذه المنطقة يمكن أن تنتج أكثر من 10 آلاف طن من أكاسيد الأرض غير المغناطيسية سنويا. وتسيطر الصين بحصة تبلغ 70% على الإنتاج العالمي من هذه المواد النادرة والقيّمة. ويعرض الخلاف بين إدارة ترامب وجنوب أفريقيا مصالح واشنطن الاقتصادية للخطر، في وقت يشير فيه مراقبون إلى رغبة ترامب في أن تمنح جنوب أفريقيا المزيد من حقوق التنقيب واستخراج المعادن والأتربة النفيسة للشركات الأميركية. في النهاية، تمثل مشاركة ترامب من عدمها في قمة مجموعة العشرين التي تستضيفها جنوب أفريقيا، في وقف لاحق من هذا العام، اختبارا جديا لحجم وعمق خلافات الدولتين.

العقوبات الأميركية الجديدة على السودان.. اقتصادية أم سياسية؟
العقوبات الأميركية الجديدة على السودان.. اقتصادية أم سياسية؟

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

العقوبات الأميركية الجديدة على السودان.. اقتصادية أم سياسية؟

الخرطوم- توعّدت الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على السودان، بعدما اتهمت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان، الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية العام الماضي خلال صراعه مع قوات الدعم السريع. وأوضحت بروس أن العقوبات ستدخل حيز التنفيذ في موعد قريب من السادس من يونيو/حزيران المقبل، بعد إخطار الكونغرس، وستتضمن قيودا على الصادرات الأميركية وخطوط الائتمان الحكومية الأميركية. من جانبها، رفضت الحكومة السودانية بشدة الاتهامات الأميركية. وقال وزير الثقافة والإعلام خالد الإعسر إن ما صدر عن واشنطن من اتهامات وقرارات "تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق"، كما وصف الادعاءات الأميركية بـ "الكاذبة" معتبرا أنها استهدفت الجيش السوداني مجددا بعد إنجازات ميدانية غيرت واقع المعركة، وبعد تعيين رئيس للوزراء". كما رجّح مراقبون ومحللون أن تكون دوافع العقوبات سياسية، لتزامنها مع تقدم الجيش عسكريا وفرضه واقعا جديدا على الأرض، وأن الإدارة الأميركية استعجلت بفرض العقوبات قبل التحقق من صحة الاتهام. أهداف سياسية وتعليقا على الموقف الأميركي الجديد، يرى الكاتب والمحلل السياسي ضياء الدين بلال أن اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية "فِرية جديدة ذات دوافع سياسية، تستهدف تقويض الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة مؤخرا على مليشيا الدعم السريع". وتساءل بلال عبر صفحته بموقع فيسبوك قائلا "كيف لجيش يعاني منذ أكثر من عام من نقص الذخيرة والمعدات، وتُحتجز سفنه في الموانئ، أن يمتلك أسلحة كيميائية باهظة الثمن؟"، معتبرا أن الهدف من هذه الاتهامات هو "منح غطاء زائف للمليشيا وداعميها، بعد خسائرهم السياسية والعسكرية والدبلوماسية". ويعتقد الكاتب أن هذه الاتهامات تعيد إنتاج سيناريوهات معروفة، بهدف التأثير على مسار الأحداث في السودان، مذكرا بأن واشنطن قصفت مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم في أغسطس/آب 1998 ودمرته بحجة إنتاج أسلحة كيميائية، قبل اعتراف مسؤولين أميركيين في وقت لاحق أن الأدلة التي دفعت الرئيس بيل كلينتون لأن يأمر بقصف المصنع "لم تكن موثوقة". أما الخبير العسكري علي سالم، فيقول للجزيرة نت إن الإدارة الأميركية لم تقدم دليلا أو بيّنات كافية على اتهام الجيش باستخدام أسلحة كيميائية ضد قوات الدعم السريع التي لم تزعم ذلك، ولم تحدد واشنطن موقع استخدامها أو تاريخه، أو تحدد عدد ضحايا الواقعة إن تم حدوثها. ووفقا للخبير للعسكري، فإن إثبات استخدام الأسلحة الكيميائية يتم إما بوجود أجهزة ومعدات تم استخدامها، أو بإخضاع الضحايا لفحوصات طبية، أو بأخذ عينات من التربة لفحصها، أو التحقيق من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكل ذلك لم يحدث. ويضيف المتحدث أن من مفارقات الموقف الأميركي أن السودان تم انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لعضوية المجلس التنفيذي ل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للفترة من 2025 إلى 2027، وذلك خلال أعمال الدورة 29 لمؤتمر الدول الأعضاء في المنظمة، الذي عقد في مقرها بلاهاي. ضغوط على البرهان ويعتقد مراقبون ومحللون أن الإدارة الأميركية لم تكن ترغب في إقرار وقف الحرب خلال محادثات السلام بين الجيش والدعم السريع في منبر جدة الذي رعته مع السعودية، وإنما كانت تسعى لإدارة الأزمة واستمرار القتال لإضعاف الطرفين، وفرض تسوية لا تكون فيها يد الجيش هي العليا، حتى لا تستثمر سياسيا من قبل التيار الإسلامي الذي يقاتل شبابه مع الجيش، وتقصي قوى مدنية معارضة. ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني، أن القرار الأميركي محاولة للضغط على الحكومة حتى تتجه للمفاوضات والتسوية السلمية. وحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن القرار سببه عزوف الحكومة -وخاصة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان – عن المشاركة في مفاوضات سويسرا بأغسطس/آب 2024. وبرأيه فإن القرار سيصيب الاقتصاد السوداني في مقتل، وسيؤدي إلى تجميد تواصل المصارف السودانية مع البنوك العالمية، وسينسحب ذلك سلبا حتى على القطاع الخاص. خنق الاقتصاد كما يرى خبراء أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية على السودان منذ 1997 وتم رفعها بعد أكثر من 20 عاما في مارس/آذار 2020، لا تزال مستمرة، حيث لا تزال المصارف العالمية لا تتعامل مع السودانية، إلى جانب عدم وفاء الأخيرة بتحقيق متطلبات وضوابط مرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل "الإرهاب". ويقول الخبير الاقتصادي هيثم فتحي للجزيرة نت إن "العقوبات صارت عبئا أخلاقيا وإنسانيا وليس أداة ضغط سياسي، وهي لا تسقط الأنظمة ولكنها تسقط الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي السوداني". ووفقا للخبير فإن العقوبات الأميركية السابقة التي لم ترفع بشكل عملي، تسببت في تعطيل بعض القطاعات الاقتصادية الصناعية والخدمية، والتجارة الخارجية، والتحويلات المصرفية العالمية والإقليمية مع السودان. ويوضح أنه لا يوجد تعاون اقتصادي أو تبادل تجاري بين السودان والولايات المتحدة، سوى صادر الصمغ العربي من السودان، وبما لا يتجاوز 100 مليون دولار سنويا في أفضل حالاته. ويذكر أن واشنطن كانت قد فرضت في يناير/كانون الثاني الماضي عقوبات على البرهان، واتهمته بالتمسك بإنهاء الصراع عن طريق الحرب وليس عبر المفاوضات. كما خلصت الولايات المتحدة إلى أن أعضاء من قوات الدعم السريع و"المليشيات" المتحالفة معها ارتكبوا إبادة جماعية في دارفور ، حيث فرضت عقوبات على بعض قياداتها، بما في ذلك قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي).

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store