
علماء يابانيون يحولون أعضاء الجسد البشري إلى حاسوب
في وقت تزداد فيه سيطرة التكنولوجيا على كل جوانب حياتنا ووجود الأجهزة حولنا طوال الوقت، قد يبدو غريبا أن يتجه العلم لاستخدام الجسم البشري نفسه كأداة للحوسبة.
لكن دراسة حديثة من جامعة أوساكا اليابانية منشورة في دورية "آي تريبل إي أكسيس" العلمية تقلب الموازين وتطرح السؤال الصعب، ماذا لو كانت العضلات قادرة على التفكير؟ وماذا لو استطعنا استخدام أجسامنا لأداء الحسابات؟
طرح يو كوباياشي، المؤلف الرئيسي والوحيد في الدراسة، فكرة ثورية ضمن ما يُعرف باسم "الحوسبة بخزانات الأنسجة البيولوجية". يستخدم في هذا النهج الأنسجة الرخوة داخل الجسم البشري، وبشكل خاص العضلات، كبيئة حيوية لمعالجة المعلومات، تشبه في عملها طريقة عمل نماذج تعلم الآلة المعروفة باسم الشبكات العصبية.
وتقول مي مبروك، أستاذة المعلوماتية الحيوية الطبية بجامعة النيل الأهلية المصرية، وغير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "نحن لا نتحدث عن حاسوب داخل الجسم، بل عن جسم يتحول نفسه إلى حاسوب. فمن الممكن أن تتفوق الحوسبة عبر العضلات في بعض المجالات، خصوصا في الأمور التي تتعلق بالجسم البشري أو التي تحتاج إلى استجابة طبيعية وسريعة".
عضلات تفكر
الحوسبة بالخزّانات هي طريقة ذكية لمعالجة المعلومات، تقوم على مبدأ بسيط، بدلا من تصميم نظام يفهم البيانات خطوة بخطوة، نمرر البيانات من خلال "خزّان" مُعقد، مثل شبكة من العقد المتصلة عشوائيا.
ويتفاعل هذا الخزان مع البيانات ويحفظ آثارا من الماضي، ثم يأتي دور طبقة بسيطة تُسمى "القراءة" لاستخراج النتيجة المطلوبة.
وتشرح مبروك: "العضلة ليست مجرد لحم، إنها عقل صغير! ففي هذه الدراسة، استخدم الباحثون عضلات اليد كأنها عقل صغير يقوم بعمليات حسابية. فعندما يحرك الإنسان يده، تتحرك العضلات بطريقة معقدة، وتُضغَط وتتمدد" وتضيف "هذه الحركات الدقيقة تمثل 'لغة العضلة' التي تُستخدم لمعالجة معلومات، وكأن العضلة تُفكّر من خلال حركتها!".
الحوسبة بالخزانات الفيزيائية تستخدم جسما فيزيائيا بدلا من شبكة إلكترونية، فيستقبل الجسم الإشارة ويتفاعل معها بطرق معقدة، مثل تفاعل سطح الماء بالتموجات عند رمي حجر فيه.
هذه التفاعلات تعالج البيانات بطريقة طبيعية، ثم تُقرأ النتائج باستخدام أدوات بسيطة. والفرق أن الخزان هنا ليس جزءا من برنامج حاسوبي، بل مادة أو جسم يتحرك ويستجيب فيزيائيا.
المعالج التقليدي أم العضلة؟
تستخدم أجهزة الحاسوب العادية أشياء مثل الأسلاك والرقائق لمعالجة المعلومات. ففي الدراسة، جرّب العلماء شيئا جديدا، حيث استخدموا أنسجة عضلية حقيقية (من خلايا حية) بدلا من الأسلاك والرقائق.
لماذا؟ تتفاعل أنسجة العضلات بشكل طبيعي مع الإشارات (مثل النبضات الكهربائية أو المواد الكيميائية)، ويمكن استخدام هذه التفاعلات لإجراء "حسابات" بسيطة، تماما مثل جهاز حاسوب عادي.
فمثلا يمكن أن يرسل العلماء إشارات كهربائية دقيقة إلى العضلة، ثم يقيسون رد فعل العضلة (كيف تنقبض أو تتغير)، ويمكن أن يمثل هذا التفاعل إجابات (مثل "نعم" أو "لا"، أو أرقاما).
وفي التجارب الحقيقية التي قام بها كوباياشي كان الأمر أكثر تعقيدا، حيث طلب من المشاركين تحريك معصمهم بزوايا مختلفة (20°، 40°، 60°). أثناء ذلك، استخدم جهاز موجات فوق صوتية، مثل السونار المستخدم في الكشف عن الأجنة، لتصوير العضلات أثناء الحركة، ثم استخرج الباحث ألف نقطة حركة مميزة من الصور باستخدام تقنيات رؤية حاسوبية متطورة.
وكل صورة عضلية أنتجت ما يُعرف باسم "مجال التشوه"، وهو الوضع المكاني للنقاط المميزة في لحظة معينة. هذا يشبه ما تفعله بعض الطبقات في الشبكات العصبية الحاسوبية ضمن نماذج تعلم الآلة، إذ تحول الإشارة إلى فضاء عالي الأبعاد.
تخيل أنك ترمي كرة مطاطية في غرفة مليئة بالجدران المائلة والوسائد، سترتد الكرة كل مرة بطريقة مختلفة حسب قوة الرمية واتجاهها. هنا، لم تحسب الجدران أي شيء، لكنها حوّلت الإشارة بطريقة مفيدة، وهذا هو "الحساب غير المباشر" الذي اعتمدت عليه هذه الطريقة.
وتوضح مبروك: "ربما تتفوق الحواسيب التقليدية في السرعة والدقة، لكنها لا تملك ما تملكه عضلاتنا من المرونة، والذاكرة القصيرة، والاستجابة الطبيعية للبيئة. الدراسة أثبتت أن العضلة يمكنها محاكاة نماذج رياضية معقدة وتقديم نتائج أدق من الطرق التقليدية في بعض الحالات".
الإنسان الآلة
واحدة من أهم نتائج الدراسة أن الأنسجة الرخوة موجودة في جميع أنحاء الجسم، وهذا يعني إمكانية بناء أنظمة حوسبة "موزعة" داخل الجسد.
ويمكن لتلك الأجهزة أن تستفيد من الجسد نفسه كمورد حسابي، بدلا من تحميل الأجهزة الذكية بكميات ضخمة من الشرائح والمعالجات. لقد أصبح جسدك، دون أي جهاز إضافي، قادر على تحليل إشارات معقدة، ويتحكم في أجهزة طبية فقط من خلال حركته الطبيعية.
يوضح كوباياشي في دراسته أن استخدام هذه الفكرة قد يحسّن من أداء الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الساعات الذكية أو الأجهزة الطبية التي تراقب الحالات الصحية، دون الحاجة لمعالجات ضخمة.
لكن العضلات ليست ثابتة، فهي تتحرك بحرية، تتمدد وتنقبض، وتتغير اتجاهاتها، مما يجعل تتبع النقطة نفسها بدقة عالية على مدى عدة ثوانٍ أمرا صعبا تقنيا، فأي انزياح بسيط أو ضياع لنقطة مميزة داخل العضلة قد يُفسد سلسلة البيانات المطلوبة للحوسبة.
كذلك، تختلف عضلات كل إنسان عن الآخر، فسُمك العضلة، ودرجة الليونة أو الصلابة، وشكل الألياف العضلية واتجاهها، وكمية الدهون تحت الجلد، قد تختلف من شخص لآخر. وبالتالي، فإن الوصول إلى مرحلة دمج هذه التقنية في أجهزة قابلة للارتداء يتطلب حلولا هندسية دقيقة تحترم طبيعة الجسم البشري وتضمن سلامته، بحسب مبروك.
وعند الوصول إلى هذا الحد من الدمج بين الجسم والتكنولوجيا، تقول مبروك: "من يملك البيانات التي تُولدها عضلاتنا؟ وهل يمكن التحكم في أجسامنا عن بُعد يومًا ما؟ مثل هذه الأسئلة الأخلاقية تزداد أهمية كلما اقتربنا من الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا. عندما نبدأ باستخدام أجزاء من جسم الإنسان، مثل العضلات، للقيام بعمليات حسابية، قد يصبح من الصعب التفرقة بين ما هو بشري وما هو آلي".
هذه المخاوف لم تعد مجرد افتراضات بعيدة ورفاهية فكرية، بل قد تصبح قضايا فعلية في المستقبل القريب، مع تطور الذكاء الهجين الذي يمزج بين الإنسان والآلة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
البروفيسور أنس باري للجزيرة نت: يجب إنشاء جامعة ووزارة للذكاء الاصطناعي في المغرب
في عالم تتزايد فيه أهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عصا سحرية تتمتع بالقدرة على إحداث نقلة نوعية وإحداث ثورة في مجالات مختلفة، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والمالية والسياسة. ومن بين الشخصيات العربية البارزة في مجال الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبئي، أثبت البروفيسور والباحث المغربي أنس باري مكانته في الابتكار والأبحاث بالولايات المتحدة، ويشغل حاليا منصب أستاذ في جامعة نيويورك (NYU) ومدير مختبر التحليل التوقعي والذكاء الاصطناعي في الجامعة. وفي لقاء خاص مع الجزيرة نت، أشار باري إلى ضرورة اهتمام الشباب ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مؤكدا على ضرورة إنشاء أول جامعة ووزارة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية. المسار الأكاديمي وُلد أنس باري في مدينة طنجة بالمغرب حيث درس في المدارس الحكومية وتخصص في الرياضيات. وأشار أنس في حديثه للجزيرة نت إلى أنه أكمل دراسته في جامعة الأخوين بإفران بتمويل من قرض طلابي، وحصل على بكالوريوس في علوم الحاسوب، متخرجا في صدارة دفعته عام 2007. وعند التحاقه للعمل بشركة "ميرسك"، كان باري من أوائل الموظفين الذين أسهموا في بناء البنية التحتية لميناء طنجة المتوسط، وهو أحد أكبر الموانئ الصناعية في العالم وأكبر ميناء في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. ولتحقيق طموحاته الأكاديمية، تقدم بطلبه في برنامج فولبرايت ـوهو أحد أكثر المنح الدراسية شهرة في العالمـ وحصل على المنحة الدراسية في المحاولة الثانية. وفي عام 2010، انتقل إلى واشنطن العاصمة ليكمل دراسة الماجستير ثم الدكتوراه في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، وتخرج في صدارة دفعته بمعدل 99%. وقد ركز بحثه في الدكتوراه على التنقيب في البيانات والذكاء الجماعي، وهما فرعان من الذكاء الاصطناعي. وأصبح من أوائل الباحثين الذي طوروا خوارزميات مستوحاة من الطبيعة، وتحديدا سلوك الطيور، لتصميم نماذج تحليل تنبؤية. ويعتقد باري أن حلول العديد من مشاكل العالم موجودة في الطبيعة "هذا الإيمان قادني إلى التخصص في الذكاء الجماعي ودراسة السلوك الجماعي للأنواع الذكية مثل الطيور والنحل والدلافين لتطوير خوارزميات تُستخدم اليوم على نطلق واسع في منصات مثل نتفليكس وأمازون وأنظمة صنع القرار". التدريس والبحث بعد حصوله على الدكتوراه، انضم البروفيسور المغربي إلى مجموعة البنك الدولي في واشنطن العاصمة كعالم بيانات رئيسي، قبل العودة إلى الأوساط الأكاديمية كأستاذ في علوم الحاسوب بجامعة جورج واشنطن، حيث حصل على جائزة أفضل أستاذ للسنة. وقبل 10 سنوات، انتقل إلى جامعة نيويورك ليشغل منصب أستاذ وباحث، ويدير مختبرا يضم أكثر من 29 عالما "أعمل مع نخبة من كبار العلماء في معهد كورانت، الذي يُعد أحد أفضل المراكز عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي". وبالتوازي مع التدريس، شغل باري عدة أدوار استشارية مع مؤسسات معروفة، مثل وول ستريت ومنظمات الرعاية الصحية والأمم المتحدة وغيرها. أول جامعة للذكاء الاصطناعي وأكد الأستاذ في جامعة نيويورك للجزيرة نت على ضرورة إحداث تغيير جذري للنظام التعليمي في الدول العربية، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات الحكومية بشكل خاص. وقال "يجب على الحكومات إعطاء الأولوية للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي لضمان ولوج الطلاب العرب سباق التنافس على المستوى العالمي والاستفادة من الإمكانات التكنولوجية لإعداد جيل جديد من المفكرين واستخدام الذكاء الاصطناعي في قطاعات رئيسية، كالزراعة والسياحة والطاقة المتجددة". وتابع البروفيسور باري "عندما شهدنا 3 ثورات تكنولوجية كبرى في القرن الماضي ـالحاسوب الشخصي والإنترنت والذكاء الاصطناعي- كنا في موقع المستهلك فقط. أما اليوم، فيمثل الذكاء الاصطناعي فرصة استثنائية لقيادة هذه الثورة بدل البقاء في مقعد المتفرجين والتابعين لها فقط". وبالتالي، يقترح باري إنشاء أول جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي في المغرب أو إحدى الدول العربية، تشمل كلية علوم الكمبيوتر وكلية التحليلات التنبؤية وكلية أخلاقيات الذكاء الاصطناعي. ويعتبر البروفيسور المغربي أن هذه المبادرة ستضمن تخرج الآلاف من الخبراء في هذا المجال "وسيكون ذلك أفضل استثمار تقوم به الدول العربية في تاريخها. ومن موقع الجزيرة نت، أدعو إلى العمل الفوري وأنا مستعد للتعاون بخطة واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق هذا الطموح واتخاذ خطوات جريئة وفعالة نحو المستقبل". كما حثّ باري كل دول المنطقة على تطوير إستراتيجية وطنية لإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي على غرار وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد في الإمارات العربية المتحدة. ويرى المتحدث أن التجربة الإماراتية نموذج يمكن الاحتذاء به بعد إطلاق جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي في أبو ظبي وتعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم. جوائز وابتكارات وتقديرا لما حققه في التعليم والبحث، حصل أنس باري على جائزة مارتن لوثر كينغ لعام 2025، وتُمنح هذه الجائزة لأعضاء هيئة التدريس المتميزين الذين يُجسدون روح الدكتور كينغ الابن في دراسته وحياته وعمله في مجال العدالة، والذين يُروجون لمبادئ وأخلاقيات مساهمات كينغ العالمية الواسعة في أبحاثهم وتدريسهم وقيادتهم وجهودهم في بناء المجتمع. وتعليقا على ذلك، قال البروفيسور إن "هذا التقدير يحمل معنى كبيرا لي ويعكس القيم التي أسعى لغرسها في طلابي، خاصة خدمة الناس والأمم، وهي قيم نجدها عند المغاربة والشعوب العربية". وقد قاد أنس باري أول فريق من علماء الحاسوب والأطباء لتطوير نظام ذكاء اصطناعي قادر على التنبؤ بالحالات الشديدة من كوفيدـ19 في عام 2020، من خلال الجمع بين التحليلات التنبؤية والبيانات السريرية والعوامل الديمغرافية للمرضى وغيرها. وفي عام 2021، أنشأ أداة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المعلومات المضللة حول فيروس كورونا وقياس مستوى الثقة في اللقاحات. وبعدها بعامين، شارك في إنشاء خوارزمية لإعادة تعريف أنظمة التوصية من خلال برنامج "بايرورانك" (PyRoRank) الذي استلهم سلوكه من الطريقة التي تنتظم بها أسراب الطيور ذاتيا. وخلال الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، قاد البروفيسور فريقا من العلماء لتصميم أداة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحليل نتائج الانتخابات والتنبؤ بها. وعند سؤاله عن المشاريع التي يعمل عليها حاليا، قال باري إنه يركز على البحث في الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية حيث يتعاون مع خبراء بارزين، من بينهم البروفيسور ديفيد ناغل ـوهو أحد كبار الباحثين العالميين في مجال الطاقةـ لتطوير أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة لاستكشاف مصدر جديد واعد للطاقة يُعرف باسم التفاعلات النووية منخفضة الطاقة (LENR). وأضاف "هدفنا هو تسريع البحث والتطوير التجاري لهذا المصدر النووي المبتكر، الذي قد يُحدث ثورة في إنتاج الطاقة العالمي. وقد تم عرض أعمالنا في أهم المؤتمرات الدولية للطاقة النووية، ولا نزال نواصل توسيع آفاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع". وإلى جانب ذلك، يعمل مختبره البحثي على تطوير أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، وعلوم المناخ، وتطوير الذكاء الاصطناعي. وصفة النجاح وعن وصفة النجاح في مجال الذكاء الاصطناعي، أكد أنه بالإضافة إلى الخبرة العملية والعلمية، يُعتبر الإصرار والالتزام وتعزيز حس الفضول والانفتاح على التعاون من كلمات السر للتفوق في هذا المجال. كما ركز في حديثه للجزيرة نت على قيم إنسانية عديدة، مثل التفاني في العمل والصدق، قائلا "والدتي الراحلة رشيدة بارگاش غرست فيّ قيمة النزاهة والصدق في كل الجهود التي أبذلها، وكانت تقول لي دائما: اعمل بجد وأمانة في كل ما تقوم به". وأضاف "المغاربة والشباب العربي شعوب موهوبة وملتزمة بالعمل الجاد لأنه يسري في دمائها. وبما أن الذكاء الاصطناعي مستمر في التطور والانتشار، سيتزايد الطلب على خريجي الجامعات الذين يملكون معرفة ومهارات متخصصة فيه. لذا، أنصحهم ببناء أسس قوية في الرياضيات وعلوم الحاسوب واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، فعلى الرغم من إمكانياته الهائلة فإنه يأتي مع اعتبارات أخلاقية مهمة للغاية". وقال البروفيسور "طوال مسيرتي المهنية، واجهت العديد من التحديات والرفض. عندما التحقت بجامعة الأخوين، كان تمويل دراستي صعبا ورغم مساعدة والديّ، اضطررت إلى أخذ قرض كبير من البنك. كما تم رفض طلبي للحصول على منحة فولبرايت في المرة الأولى، لكنني تقدمت مرة أخرى ونجحت". وتابع أنس باري "واجهت العديد من الرفض في فرص العمل، وكنت عاطلا عن العمل لمدة تزيد عن سنة. استمرت حالات الرفض والإخفاقات عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة. الرحلة لم تكن سهلة قط؛ فالفشل والرفض جزء من التجربة. نحن كبشر لا نفشل، بل نتعلم من إخفاقاتنا. وفي النهاية، أولئك الذين ينجحون هم الذين لا يستسلمون أبدا".


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
الذكاء الاصطناعي يكشف مستقبلا مناخيا أكثر قسوة في الشرق الأوسط
في عالم يزداد احترارا، تبدو منطقة الشرق الأوسط أكثر عرضة من غيرها لتداعيات المناخ. من الجفاف الطويل إلى الفيضانات المفاجئة، ومن التصحر الزاحف إلى تقلبات درجات الحرارة، تمثل التغيرات المناخية تحديا معقدا يهدد الموارد والاقتصادات وحتى الاستقرار السياسي. وسط هذا المشهد، يبرز نموذج جديد للتنبؤ المناخي، يعتمد على الذكاء الاصطناعي، كأداة واعدة لإعادة فهم المستقبل المناخي في الإقليم. في دراسة نشرت يوم 8 مايو/أيار في مجلة "إن بي جاي كلايمت آند أتموسفيريك ساينس"، طور فريق بحثي نموذجا يعرف باسم "ستاكينج إي إم إل"، يمزج بين تقنيات تعلم آلي متعددة ويظهر قدرة غير مسبوقة على التنبؤ بدقة بدرجات الحرارة وهطول الأمطار في الشرق الأوسط، حتى نهاية القرن الحالي. ما الجديد في هذا النموذج؟ يوضح المؤلف الرئيسي للدراسة "يونس خسروي"، الباحث في علم المعلومات الجغرافية في المعهد الوطني للبحث في كيبك، كندا، إن النموذج المقترح يعتمد على دمج 5 خوارزميات تعلم آلي مع 3 "نماذج ميتا" تقوم بتحليل مخرجات الخوارزميات وتجميعها للحصول على التنبؤ النهائي. ويضيف في تصريحات لـ"الجزيرة نت": "هذه التقنية المعروفة باسم التعلم الجماعي تتيح تقليص نسبة الخطأ وزيادة الدقة". ويضيف "خسروي" أن الفريق صمم هذا النموذج كي يتعامل مع بيئة مناخية معقدة كبيئة الشرق الأوسط، حيث تمتزج التلال والسهول والصحارى والبحار، مما يصعّب دقة التنبؤ باستخدام نماذج تقليدية، لافتا إلى أنه باستخدام تقنيات التعلم الآلي، أصبحنا قادرين على رؤية أنماط مناخية لا تلتقطها النماذج الكلاسيكية. إعلان تعتمد النماذج المناخية التقليدية، مثل نماذج الغلاف الجوي العام، على معادلات فيزيائية تحاكي تفاعلات معقدة بين المحيط والغلاف الجوي، لكنها غالبا ما تعاني من ضعف الدقة في التنبؤ على المستوى المحلي، خاصة في المناطق التي تفتقر إلى شبكات مراقبة مناخية كثيفة. وعلى النقيض من ذلك، يستند نموذج "ستاكينج إي إم إل" إلى تحليل البيانات المتاحة واستنباط الأنماط منها، دون الحاجة إلى معرفة مسبقة بقوانين الفيزياء، ويتميز بقدرته على التكيف مع البيانات غير المكتملة أو المناطق التي يصعب رصدها ميدانيًا، مثل المناطق الصحراوية أو الجبلية. "لا نقلل من أهمية النماذج الفيزيائية، لكننا نكملها بأسلوب جديد يجعل التوقعات أكثر واقعية على أرض الواقع"، يشرح المؤلف الرئيسي للدراسة، ويضيف: "باختصار: الذكاء الاصطناعي لا يستبدل العلماء، بل يمنحهم رؤية أعمق". نتائج دقيقة وتحذيرات ساخنة عند تطبيق النموذج الجديد على بيانات "سي إم آي بي 6″، وهي قاعدة بيانات عالمية شاملة للتنبؤ المناخي، حقق دقة تنبؤية غير مسبوقة في توقع درجات الحرارة القصوى وفي توقع هطول الأمطار، وفقا للمؤلفين. وتحت سيناريو الانبعاثات المرتفعة، كشف النموذج عن صورة مثيرة للقلق، فموجات الحر تتجاوز 45 درجة مئوية في جنوب الجزيرة العربية وجنوب إيران، كما كانت هناك زيادة غير متوقعة في كميات الأمطار شمالا، مما قد يؤدي إلى فيضانات. "لم نعد نتحدث عن تحذيرات عامة، بل عن خرائط دقيقة توضح أي المناطق ستعاني أكثر، ومتى"، كما أوضح "خسروي". ويقول "محمد توفيق"، أستاذ المناخ التطبيقي بجامعة سوهاج (لم يشارك في الدراسة) "هذه الدراسة تمثل خطوة متقدمة في ربط الذكاء الاصطناعي بمشكلات واقعية في أكثر مناطق العالم هشاشة مناخيا. النموذج المقترح لا يكتفي بتحسين الدقة التنبؤية، بل يفتح الباب أمام استخدامات عملية مباشرة، مثل إدارة المياه وتخطيط المدن". ويضيف "توفيق" في تصريحات لـ"الجزيرة نت" أن ما يثير الاهتمام حقا هو أن النموذج يعمل بكفاءة حتى في المناطق التي تعاني من نقص البيانات، وهذه ميزة إستراتيجية لدول مثل اليمن أو السودان. لكن يبقى التحدي في مدى استعداد صناع القرار للاستفادة الفعلية من هذه الأداة، وتحويل التنبؤات إلى سياسات قابلة للتنفيذ. التغير المناخي ليس مجرد طقس تنبؤات المناخ ليست فقط مسألة علمية، بل لها تبعات مباشرة على الاقتصاد، حسب أستاذ المناخ التطبيقي الذي يلفت إلى أن الزراعة، التي تمثل شريان الحياة في بلدان مثل العراق وسوريا والسودان، مضيفا أن "تغير توقيت الأمطار يعني اضطراب مواسم الزراعة، والجفاف المتكرر يهدد الأمن الغذائي". ويوضح توفيق "في الخليج، ترتفع كلفة التبريد والطاقة نتيجة درجات الحرارة القياسية، مما يزيد الضغوط على الميزانيات العامة. كما تؤثر الفيضانات المرتبطة بالأمطار غير المنتظمة على البنية التحتية الهشة في بلدان مثل اليمن ولبنان". من جانبه، يحذر "خسروي" من أنه في بعض الحالات، ستكون التغيرات المناخية مكلفة أكثر من أي أزمة اقتصادية تقليدية، ولهذا السبب يشدد على الحاجة إلى إدماج النماذج المناخية في كل خطة اقتصادية أو إستراتيجية تنموية. ما الذي يجب فعله الآن؟ يوصي الباحثون بالاعتماد على النموذج الجديد كأداة إستراتيجية لدعم اتخاذ القرار في مجالات متعددة، أبرزها تخطيط استخدام الأراضي وتوزيع الزراعات الموسمية وفقا لتوقعات المناخ، وتحسين إدارة الموارد المائية بين القطاعات الزراعية والصناعية والحضرية، إضافة إلى تصميم شبكات الكهرباء والطاقة المتجددة بما يتناسب مع الارتفاع المتوقع في درجات الحرارة. كما يؤكدون على أهمية ربط النموذج بأنظمة الإنذار المبكر لمواجهة مخاطر الفيضانات أو موجات الجفاف قبل وقوعها. ويشدد الفريق البحثي على ضرورة إتاحة النموذج كمورد مفتوح المصدر، قابل للتكييف والتدريب محليًا بما يتوافق مع ظروف واحتياجات كل دولة أو منطقة. ويوضح خسروي "نريد لهذا النموذج أن يخرج من المختبرات إلى الوزارات والمزارع والمجالس البلدية" ويضيف: "كلما كان القرار مبنيًا على العلم، كانت المجتمعات أكثر قدرة على الصمود".


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
كيف يغير الذكاء الاصطناعي طريقة بناء الحواسيب حول العالم؟
عبر العصور، استطاعت قلّة من الابتكارات التقنية تحويل العالم إلى ما هو عليه الآن، إذ ساهمت في تغيير شكل صناعات كاملة حتى أصبح العالم بالشكل الذي نعرفه اليوم، ويمكن تشبيه هذه الابتكارات بالثورة الصناعية التي كان لها أثر ممتد عبر السنين. وعلى غرار التغير الحادث في آلية بناء الحواسيب وتعاملنا معها تزامنًا مع إطلاق شبكة الإنترنت في بداية تسعينات القرن الماضي، فإن الذكاء الاصطناعي الآن بدء في تغيير آلية بناء الحواسيب الذكية حول العالم، وهذا التغيير يتخطى مستوى المستخدمين المعتادين، فهو تغيير يمتد إلى قواعد البيانات والحواسيب التجارية التي تعتمد عليها الشركات بشكل رئيسي. وبينما تسعى بعض الشركات التقنية لبناء نماذج ذكاء اصطناعي يمكن للمستخدمين الاستفادة منها وتسخيرها لصالحهم، فإن قطاع آخر من الشركات يسعى لتلبية الاحتياجات الصناعية للشركات التي تطور نماذج الذكاء الاصطناعي، إذ تحول الأمر إلى سباق مستعر بين كبرى الشركات في كلا القطاعين. البطاقات الرسومية كنواة للثورة القادمة أعادت الشركات بناء أنظمة الحواسيب وابتكرت نوعًا جديدًا من المنشآت يدعى مراكز البيانات لمواكبة ثورة الإنترنت والحاجة المتزايدة لهذه الخدمة، والآن، تعيد الشركات بناء مراكز بياناتها والحواسيب بشكل يلائم تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبينما كانت قواعد البيانات في السابق تعتمد بشكل أكبر على سعة التخزين والاتصال بالإنترنت من أجل مشاركة البيانات، أصبحت الآن تعتمد على مكون مختلف تمامًا، وهو البطاقات الرسومية التي تمثل اللبنة الأولى لبناء مراكز بيانات ملائمة للذكاء الاصطناعي. توفر البطاقات الرسومية قوة حوسبة تتفوق في غالب الأحيان على المعالجات المركزية ووحدات المعالجة العصبية، لذا اتجهت إليها الشركات من أجل بناء مراكز البيانات، وعبر دمج أكثر من 100 ألف شريحة رسومية وتوصيلها معًا، ولدت الحواسيب الخارقة الجديدة التي تكون مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي. حواسيب خارقة من بطاقات رسومية في الماضي، كان استخدام البطاقات الرسومية يقتصر على العاملين في القطاعات التي تحتاج إلى قوة معالجة رسومية، مثل قطاعات الإعلام المختلفة التي تحتاج لبناء نماذج ثلاثية الأبعاد وتحريكها أو مونتاج الأفلام ومقاطع الفيديو فضلًا عن ألعاب الفيديو التي كانت تحتاج إلى قوة رسومية كبيرة. لذا كانت تبني الشركات بطاقاتها الرسومية بكمية وآلية تلائم هذه الاستخدامات تحديدًا، دون النظر إلى بقية القطاعات، وربما كان هذا السبب الرئيسي وراء حدوث أزمة البطاقات الرسومية في الأعوام الماضية مع انتشار جهود تعدين العملات الرقمية واكتشاف قدرات هذه البطاقات على التعدين. وبشكل يماثل أجهزة التعدين الخارقة التي تجمع بين أكثر من بطاقة رسومية واحدة، ولدت الحواسيب الخارقة المكونة من 100 ألف بطاقة رسومية أو أكثر، وهي حواسيب قادرة على تشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي وتلبية احتياجاته من قدرات الحوسبة الكبيرة. بالطبع، لا يتكون مركز بيانات الذكاء الاصطناعي من حاسوب خارق واحد فقط، بل يضم عشرات وربما مئات الحواسيب الخارقة، وهذا يجعل تكلفة بناء هذه المراكز والمحافظة عليها أعلى من مراكز البيانات التقليدية. في عام 2006، استثمرت " غوغل" لبناء أول مركز بيانات لها في دالاس بولاية أوريغون وذلك بتكلفة تقريبية وصلت إلى 600 مليون دولار، واليوم بعد مضي ما يقرب من عقدين، تحاول "أوبن إيه آي" مع شركائها بناء 5 مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي بتكلفة 100 مليار دولار، مع توقعات بضخ 400 مليار دولار أخرى قبل إنتهاء المشروع، أي بتكلفة تزيد عن 1000 ضعف تكلفة أول مركز بيانات بنته "غوغل". وبينما تتسابق " أوبن إيه آي" مع الشركات الأميركية لبناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الخارق مع هذه التكاليف المهولة، فإن شركة " ديب سيك" الصينية جاءت لتأخذ السباق في إتجاه مختلف تمامًا، إذ استطاعت تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها دون الحاجة إلى إنفاق المليارات لبناء مركز بيانات خاص به. أثر ممتد على الاقتصاد العالمي لم يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات التابعة له على الشرائح وآليات بناء هذه المراكز فقط، بل امتد إلى كل ما تحتاجه هذه المراكز لتعمل بكفاءة وطوال الوقت، وكما تسببت الثورة الصناعية في ظهور المحركات البخارية التي احتاجت إلى شبكات طرق ونقل تلائمها، تحتاج مراكز الذكاء الاصطناعي إلى مصادر طاقة ملائمة لها فضلًا عن آليات تبريد تلائمها. إذ تكمن نقطة الضعف الأكبر في الشرائح الرسومية المطلوبة لتشغيل تقنيات الذكاء الاصطناعي في حجم الطاقة اللازم لتشغيل هذه الشرائح والحرارة الناتجة عنها، وهو ما يجعلها تحتاج إلى آليات تبريد خاصة تسخر المياه الجارية. ومع تزايد الطلب على مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، يرتفع الطلب على الشرائح الرسومية اللازمة لتشغيل هذه المراكز فضلًا عن الحاجة إلى المزيد من الطاقة الكهربائية ومصادر الطاقة الجديدة إلى جانب كميات مياه أكبر من أجل التبريد أو آليات تبريد جديدة. شرائح جديدة تناسب الذكاء الاصطناعي ربما تمكنت الشرائح الرسومية الحالية المطورة من قبل "نفيديا" وغيرها من الشركات، تلبية احتياجات الذكاء الاصطناعي وتشغيل نماذجه في الوقت الحالي بكفاءة، ولكن هذه النماذج تطور بمعدل أسرع من معدل تطور الشرائح الرسومية في الوقت الحالي، وهو الأمر الذي يدفع الشركات لتطوير شرائح جديدة قادرة على تلبية المتطلبات الجديدة. تحاول "غوغل" و"نفيديا" بناء شرائح جديدة ذات قوة أكبر ومتطلبات أقل لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر توفير ما يعرف باسم الأنوية العصبية، وهي أنوية مخصصة لتشغيل الشبكات العصبية التي تعد المكون الرئيسي لنماذج الذكاء الاصطناعي المعتادة. لماذا الحاجة للشرائح الرسومية وليس الشرائح المعتادة؟ تستطيع الشرائح الرسومية تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي ومعالجة الأوامر الموجهة إليه بشكل أفضل من شرائح المعالج المركزي المعتادة، وذلك بفضل آلية عملها الفريدة والمختلفة من نوعها، فبينما تعتمد المعالجات المعتادة على وحدات المعالجة الفردية التي تعالج البيانات بشكل متتابع، فإن الشرائح الرسومية تعتمد على عدد أكبر من وحدات المعالجة القادرة على معالجة البيانات معًا في وقت واحد. ومن أجل تبسيط الفارق بين الوحدتين، لنتخيل وجود صورة أمامنا يحتاج الذكاء الاصطناعي لقرائتها وتحليلها ثم إعادة بنائها مجددًا، فبينما يقوم المعالج المركزي المعتاد بقراءة كل سطر من الصورة بشكل متتالية، أي يقرأ الجزء العلوي منها ثم ينتقل إلى الجزء الأسفل منه وهكذا، فإن المعالج الرسومي يقوم بقراءة الصورة كلها معًا في آن واحد، وذلك لأن كل وحدة معالجة تقوم بقراءة جزء من الصورة بشكل منفصل عن الوحدة المجاورة لها وفي الوقت ذاته. تتيح آلية التواصل بين وحدات المعالجة المختلفة في المعالجات الرسومية بناء ما يعرف باسم الشبكة العصبية، وهي التي تبني نماذج الذكاء الاصطناعي ونماذج الدردشة الفريدة المعتمدة عليها، ومن أجل زيادة قوة هذه الشبكات العصبية وتجهيز البطاقات لتشغيلها بكفاءة تامة، قامت "نفيديا" كشركة رائدة في قطاع بطاقات الشاشات ببناء بطاقات جديدة تحمل أشباه موصلات أكثر في الشريحة ذاتها، ولاحقًا، بدأت "غوغل" في جهود بناء شرائح الذكاء الاصطناعي الخاصة بها. مراكز بيانات أكثر إزدحامًا بفضل الطريقة المختلفة التي تعمل بها البطاقات الرسومية عن بقية المعالجات، فإن قوة البطاقة الفردية ليست العامل الوحيد المؤثر في قوة مركز البيانات وسعته، بل عدد البطاقات المتواجدة معًا في المركز الواحد، فكلما ضم المركز عددًا أكبر من البطاقات، تمكنت هذه البطاقات من العمل معًا بشكل أفضل وأصبحت قادرةً على إنتاج بيانات أكثر وذات جودة أعلى. وبالتالي، بدأت الشركات في وضع عدد أكبر من بطاقات الشاشة والشرائح الخاص بها داخل مراكز البيانات، وقامت بعض الشركات الأخرى مثل "ميتا" ببناء المزيد من مراكز البيانات المتجاورة لزيادة قوة نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها. فبعد أن بنت "ميتا" 5 مراكز بيانات في عام 202 على بعد ساعة من جنوب مدينة سولت ليك في قلب الصحراء الأميركية، قامت في عام 2022 بعد ظهور "شات جي بي تي" وبدء سباق الذكاء الاصطناعي بتحويل هذه المراكز لتصبح ملائمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي وقامت ببناء مركزين جديدين إلى جوارهم، مع العمل أن حجم المركز الواحد يتخطى 65 ألف متر مربع. التوجه الجديد لبناء مراكز الذكاء الاصطناعي رفع من معدل إستهلاك الطاقة بشكل كبير، إذ تحتاج البطاقات الرسومية إلى طاقة أكبر من الحواسيب المعتادة، وهذا أثر سلبًا على استهلاك الطاقة في هذه المراكز والمناطق المحيطة بها. ذكاء اصطناعي أقوى يعني استهلاك طاقة أكبر في عام 2023، قامت شركة "سيراسكيل" (Cirrascale) بتأجير مركز بيانات تقليدي تبلغ مساحته 13 ألف متر مربع، مركز البيانات هذا كان يضم 80 صفًا من الحواسيب التقليدية ويستهلك شهريًا 5 ميغاواط من الطاقة، وهي كمية كافية لتشغيل 3600 منزل أميركي متوسط. لاحقًا، قامت "سيراسكيل" بازالة الحواسيب التقليدية الموجودة في المركز واستبدلتها بحواسيب مزودة ببطاقات شاشة، وبعد أن كانت تستهلك 5 ميجاواط لتشغيل 80 صفًا من الحواسيب، أصبحت الآن تستهلك معدل الطاقة زادته لتشغيل 10 صفوف من الحواسيب المزودة ببطاقات الشاشة، وحتى إن زادت الشركة من استهلاكها للطاقة بمعدل 10 أضعاف، فإن هذا لن يكون كافيًا لتشغيل 80 صفًا من الحواسيب ذات بطاقات الشاشة المخصصة للذكاء الاصطناعي. ورغم الاستهلاك الضخم للطاقة الذي استعرضته شركة "سيراسكيل"، فإنها تظل من الشركات الصغيرة في قطاع الذكاء الاصطناعي التي لا تقارن مع شركة عملاقة مثل "أوبن إيه آي" التي تحتاج إلى أضعاف هذه الطاقة، وقد ظهر تقرير مؤخرًا يشير إلى الشركة تنوي بناء 5 مراكز بيانات تستهلك طاقة كهربائية أكثر من 3 مليون منزل أميركي. بحسب التقارير، فإن مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي استهلكت أكثر من 4% من إجمالي الطاقة المولدة في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تحتاج هذه المراكز إلى المزيد من الطاقة وحجم أكبر مستقبلًا مع نمو وتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والشرائح المستخدمة لتشغيلها. هذا الاحتياج المبالغ فيه للطاقة دفع العديد من الشركات إلى النظر لحلول مستدامة لتشغيل مراكز البيانات الخاصة بها، بين الاعتماد على الطاقة النووية والطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، أو التوجه إلى الصحارى وتسخير طاقة الرياح، ولكن استهلاك الطاقة المبالغ فيه ليس المشكلة الوحيدة، إذ أن استهلاك هذا الكم من الكهرباء يولد طاقة حرارية يصعب التخلص منها وقد تسبب في تلف الحواسيب والشرائح الرسومية، لذا كان يجب على الشركات البحث عن حل للتخلص من هذه الحرارة. حلول مبتكرة للتبريد جرت العادة أن يعتمد تبريد مراكز البيانات على أجهزة تبريد هوائية، تقوم بسحب الهواء الساخن والدافئ وضخ الهواء البارد بدلًا منه، وقد كانت هذه الآلية قادرة على تبريد الهواء بشكل ملائم حتى ظهرت الحاجة إلى مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. لذا احتاجت الشركات لابتكار آلية تبريد جديدة قادرة على مواكبة درجات الحرارة الناتجة من شرائح الشاشة والحواسيب المتلاصقة معًا، وما تقوم به "غوغل" في مركز البيانات الخاص بها في بريور، وهي بلدة زراعية ومربية للماشية تقع في الزاوية الشمالية الشرقية من أوكلاهوما، يعد الحل الأقرب للمثالية. اختارت "غوغل" اللجوء إلى المياه الباردة من أجل تبريد مراكز البيانات الخاصة بها، إذ يضم مقر "غوغل" هناك 13 مركز بيانات مختلف مع عشرات الآلاف من البطاقات الرسومية تستهلك مئات الميغاواط من الطاقة، وبين هذه المباني الأسمنتية، تجد مضخات المياه البادرة التي تعمل على تبريد مراكز البيانات هذه. ولضمان جودة التبريد، فإن "غوغل" تجعل المياه الباردة تمر في مسارات ملاصقة للحواسيب والشرائح لتسحب الحرارة وتستبدلها بالأجواء الباردة الملائمة، وهذه الطريقة تشبه ما يحدث مع مضخات التبريد المائي المعتاد للحواسيب المنزلية. بالطبع، تمثل المياه خطرًا مباشرًا على شرائح ومعالجات مراكز البيانات الخاصة، إذ قد تتعرض الشرائح للتلف فور وصول المياه إليها، ومن اجل تفادي هذا الأمر، تستخدم "غوغل" موادًا كيميائية لتجعل المياه أقل توصيلًا للكهرباء وبالتالي أقل ضررًا. في عام 2023، استهلكت مراكز البيانات من "غوغل" 6.1 مليار غالون من المياه، وذلك قبل أن تفتح 11 مركز بيانات جديد في عدة ولايات أميركية، ناهيك عن مراكز البيانات التابعة للشركات الأخرى، وهذا يضع مخزون المياه العالمي تحت ضغط استهلاك مهول قد لا يكون قادرًا على تلبيته. مركز بيانات الذكاء الاصطناعي المثالي تحاول الشركات بشتى الطرق أن تجدًا حلولًا ملائمة للتغلب على التحديات المختلفة التي تواجه مراكز البيانات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ورغم نجاح بعض هذه الحلول، إلا أنها لم تخاطب المشكلة الرئيسية والمتسبب الرئيسي في الأزمة، وهي المتطلبات المرتفعة لهذه المراكز. وبينما أثبتت "ديب سيك" إمكانية طرح نموذج ذكاء اصطناعي خارق بالاعتماد على المصادر المفتوحة للذكاء الاصطناعي، إلا أن هذا ليس حلًا مستدامًا لكافة الشركات التي تسعى لطرح وتقديم هذه النماذج مفتوحة المصدر. وبالتالي، يصبح تقديم مراكز بيانات ذكاء اصطناعي ذات متطلبات أقل هو الحل الأكثر جدوى أمام الشركات، إذ تحتاج الشركات إلى تقديم شرائح أقوى قادرة على تشغيل الذكاء الاصطناعي دون استهلاك الطاقة بشكل مبالغ فيه أو تحتاج إلى مئات المليارات من الدولارات لبناء مئات الآلاف من الشرائح. ربما يكون الحاسوب الكمومي هو الحل المثالي، وربما يكون الحل في جيل جديد من بطاقات الشاشة والشرائح الذكية أو نموذج ذكاء اصطناعي غير متطلب، ولكن الأمر الأكيد أن استمرار مراكز البيانات في استهلاك الطاقة والمياه بهذا الشكل سيكون له أثر سلبي واسع على حياتنا اليومية.