
جيل الاتفاق النووي بإيران بين رحى الخيبة وضريبة العقوبات
لكن قبل شهر فقط، تعرضت إيران ل هجوم عسكري إسرائيلي بمشاركة أميركية ، وكان البرنامج النووي أبرز الذرائع لتبرير هذا التصعيد. وكان لهذا تأثير على جيل نشأ بين أروقة الاتفاق وأزمات الحرب، واستمرار معاناته.
كان يوم 14 يوليو/تموز 2015 لحظة تؤشر لفجر جديد لإيران واقتصادها ومجتمعها، خصوصا لجيل الشباب الذي نشأ في ظل العقوبات والتوترات، وتربى على وعود الانفتاح والسلام، لكن الحلم تبخر بعد عقد من الزمن، وبات كثير من هؤلاء الشبان ينظرون إلى تلك اللحظة كسراب سياسي لم يفضِ إلا إلى الإحباط، والكساد الاقتصادي، وشعور عام بالخذلان والانفصال عن الدولة والمجتمع الدولي.
يقول أستاذ الاقتصاد إيزاك سعيديان إن الاتفاق النووي في بداياته منح الاقتصاد الإيراني بعض الاستقرار النسبي، واستعادت العملة الوطنية شيئا من قيمتها، وعبّرت عديد من الشركات الأوروبية عن استعدادها لدخول السوق الإيراني، مما أعطى انطباعا عاما بأن مرحلة الانفتاح قادمة.
لكن تلك الطموحات -كما يوضح سعيديان للجزيرة نت- اصطدمت بالواقع سريعا، مع انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق بشكل أحادي خلال فترة حكمه الأولى، مما أدى إلى موجة جديدة من العقوبات التي أرعبت الشركات الدولية وأغلقت أبواب الاستثمار الأجنبي.
ويضيف سعيديان أن الريال الإيراني فقد نحو 20 ضعفا من قيمته مقابل الدولار منذ انسحاب الولايات المتحدة عام 2018، في حين سجّل التضخم قفزات كبيرة، وارتفعت مؤشرات البطالة، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما انعكس سلبا على فئة الشباب التي كانت تأمل بجني ثمار الاتفاق.
إعلان
وقال إن القطاعين العام والخاص كانا يأملان أن يقطف الاقتصاد الإيراني ثمار الاتفاق، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق، وخلّف الأمر خيبة أمل حقيقية.
أما أستاذ علم الاجتماع السياسي محمد علي صنوبري، فيرى أن السنوات العشر الماضية شكّلت "عقدا من تفويت الفرص والخسائر المتراكمة نتيجة الرهانات السياسية الخاطئة".
ويضيف صنوبري -للجزيرة نت- أن جزءا من المجتمع الإيراني وثق بنخب سياسية اتبعت نهجا "عاطفيا مبالغا في الاعتماد على الغرب"، وهو ما أدى إلى انحراف المسار الوطني، وتعطيل التنمية، وزرع عقلية الانتظار في المجتمع، لا سيما بين الشباب.
ويضيف أن الخسارة لم تكن فقط اقتصادية، بل نفسية واجتماعية، فهناك جيل كامل دخل الحياة العامة منذ عام 2009، وتكوّن وعيه في ظل هذه الصراعات، "عاش إحباطا مستمرا، ووجد نفسه في بلد يعاني البطء في التنمية، والانقسام السياسي، والقلق من المستقبل".
ويحمّل صنوبري جزءا من المسؤولية للقطيعة مع صناديق الاقتراع، وقال إن "كثيرين قاطعوا الانتخابات احتجاجا، لكنهم الآن يشتكون من ضعف الموقف السياسي الوطني. لا يمكن أن نبتعد عن القرار، ثم نلوم من يتخذه".
جيل بلا أفق
داخل قاعات جامعة طهران، تتردد أحاديث الخيبة على ألسنة طلاب وطالبات عاشوا في طفولتهم أحلام الاتفاق النووي أو "البرجام" كما يطلق عليه محليا، وشهدوا انهياره في مراهقتهم، ثم دخلوا الجامعة في ذروة أزماته.
يقول أمير حسين، طالب دراسات عليا في الاقتصاد، إن الاتفاق النووي كان لحظة أمل، لكن سرعان ما تحوّلت إلى خيبة وجودية، "كنا نعتقد أن العالم سيفتح ذراعيه لنا، وأننا سنكون جزءا من السوق العالمية، لكنّنا وجدنا أنفسنا نُطارد الدولار، ونحسب كل قرش".
تأتي نورا، طالبة هندسة، لتعبر عن وجهة نظر مختلفة "بالنسبة لي، الاتفاق النووي كان خطوة تاريخية نحو عالم أكثر انفتاحا. لقد كان بإمكانه أن يغيّر مسار الاقتصاد الإيراني ويحسن حياتنا، لكن انسحاب الولايات المتحدة والضغط الدولي جففا هذه الفرصة. ليس الخطأ في الاتفاق نفسه، بل في إخلال الأطراف الدولية بتعهداتها".
وتضيف نورا أن "جيلنا لم يخسر بسبب الاتفاق، بل بسبب الظروف السياسية التي جعلت الاتفاق هشا".
أما مريم، طالبة علاقات دولية، فتؤكد أن الانهيار الاقتصادي رافقه شعور أعمق بانهيار الثقة في المجتمع الدولي، وتقول إن "الغرب انسحب دون أن يدفع ثمنا، وأوروبا صمتت، والحكومة لم تفعل كثيرا لحمايتنا. أشعر أن جيلي كان مجرد ضحية لصراع أكبر منه".
بدوره، يقول طالب الهندسة علي إن أغلب زملائه "باتوا مهووسين بالهجرة، لا لأنهم لا يحبون بلدهم، بل لأنهم فقدوا الشعور بأن لهم مكانا في مستقبله".
بين القنبلة والتفاوض
وفي سؤال عن موقفهم من الملف النووي نفسه، ينقسم الشباب بين من يرى أن امتلاك القنبلة النووية قد يكون "الضامن الوحيد" لردع التهديدات الخارجية، كما عبّر سهيل، طالب الفيزياء، وبين من يرفض هذا الخيار جملة وتفصيلا.
تقول سحر، طالبة علم الاجتماع، إن "السلاح النووي لن يحل أزماتنا الداخلية، ولن يعيد لنا ثقة المستثمرين أو الأمل بالوظائف. نحتاج إلى تفاوض جديد، لكن دون وهمٍ، ودون تسليم مفتاحنا للآخرين".
وتعود مريم لتقول "نحن جيل لا يثق بأحد، لا في السياسيين ولا في الغرب ولا في الإعلام. نعيش في منطقة رمادية، حيث كل شيء مؤقت، وكل أمل مشروط".
ورغم ذلك، فلا يغيب عن هذا الجيل حس الواقعية، وكما يقول أمير "لسنا متفائلين، لكننا أيضا لسنا مستسلمين، نحتاج فقط إلى رؤية سياسية تفهم لغتنا، وتخاطب همومنا، لا شعارات الماضي".
هذه الشهادات ليست مجرد كلمات، بل يعتبر كثيرون في إيران أنها تُعبّر عن حاجة لإعادة بناء الثقة بين الدولة وشبابها، وبين إيران والعالم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 24 دقائق
- الجزيرة
رونالدو يستهدف نجم البرتغال لضمه إلى النصر السعودي
بعد تعاقده مع البرتغالي جواو فيليكس من تشلسي مقابل 50 مليون يورو، يسعى نادي النصر السعودي لكرة القدم إلى عقد صفقة أخرى ضخمة في الأيام المقبلة. ويشير المصدر إلى أن دور رونالدو وجيسوس قد يكون حاسما في إتمام الصفقة، رغم أن لاعب خط الوسط، البالغ من العمر 30 عاما، والمرتبط بعقد مع مانشستر حتى عام 2027، لم يقدم حتى الآن أي التزامات رسمية، لكن الملف بات مطروحا على الطاولة. ويرغب النصر السعودي في جمع برونو فرنانديز مع مواطنيه كريستيانو رونالدو، وجواو فيليكس، وخورخي جيسوس مدربه السابق خلال أيامه الأولى في سبورتينغ. وذكرت الصحيفة أن فرنانديز سبق أن رفض عرضا بقيمة 229 مليون يورو من الهلال السعودي براتب قدره 70 مليون يورو بناء على طلب مديره الفني في مان يونايتد، روبن أموريم. في سياق متصل، انضم فرنانديز إلى مانشستر يونايتد في عام 2020. ومنذ ذلك الحين، برز كقائد للفريق، حيث سجل 19 هدفا وقدم 19 تمريرة حاسمة في 57 مباراة الموسم الماضي.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
أكثر من ألف موظف أوروبي يدعون لتعليق العلاقات مع إسرائيل
وجّه أكثر من ألف موظف في مؤسسات الاتحاد الأوروبي ، بينهم دبلوماسيون وخبراء قانونيون، نداء عاجلا إلى قادة الاتحاد في رسالة، مطالبين باتخاذ إجراءات فورية ضد إسرائيل بسبب ما وصفوه بـ" الإبادة الجماعية الجارية في غزة" والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. وأكدت الرسالة، التي صيغت بلغة قانونية حاسمة، أن المجاعة في قطاع غزة تتفاقم بسرعة، ولا يمكن وقفها بمساعدات مؤقتة أو إسقاطات جوية، مشددة على أن استمرار الحصار الإسرائيلي يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والقانون الدولي العرفي. وأشار الموظفون إلى أن فشل مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة أوروبيا أدى إلى مقتل أكثر من ألف فلسطيني بنيران القوات الإسرائيلية منذ مايو/أيار الماضي، معتبرين أن صمت الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذه الانتهاكات "تواطؤ فعلي يقوّض القيم الأوروبية". وتضمنت الرسالة 5 مطالب أساسية لقادة الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل: التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل ، استنادا إلى البند المتعلق بحقوق الإنسان في الاتفاقية (المادة 2) والمادة 60 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات. فرض حظر شامل على الأسلحة والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج المصدّرة إلى إسرائيل ، وفقا لموقف الاتحاد الأوروبي المشترك ومعاهدة تجارة الأسلحة. وقف جميع أشكال التعاون التجاري والبحثي والتكنولوجي التي تساهم في الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي ، بما في ذلك برنامج "أفق أوروبا" (Horizon Europe). تعليق العلاقات الدبلوماسية وسحب سفير الاتحاد من تل أبيب، ووقف مشاركة إسرائيل في الفعاليات الثقافية والعلمية والرياضية داخل دول الاتحاد. إنشاء آليات مساءلة لمحاسبة المؤسسات والدول الأعضاء التي تخرق التزاماتها القانونية تجاه حقوق الإنسان. التواطؤ مع الإبادة الجماعية وأوضحت الرسالة أن إسرائيل، باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد في المنطقة (يمثل نحو 30% من تجارتها)، تعتمد على الامتيازات الأوروبية لتثبيت احتلالها وممارساتها، وأن الاستمرار في منحها هذا الوضع التفضيلي يجعل الاتحاد شريكا في الانتهاكات. واختتم الموقعون الرسالة بالقول: "الوقت ينفد، والكلمات لم تعد كافية. على الاتحاد الأوروبي أن يختار بين القيم التي يدعي الدفاع عنها وبين التواطؤ مع الإبادة الجماعية. تعليق الاتفاقية لم يعد خيارا، بل ضرورة قانونية وأخلاقية عاجلة". وقد وقّع الرسالة "التحالف الأوروبي للعدالة التجارية"، وهو تجمع واسع لموظفي الاتحاد المعنيين بحقوق الإنسان، مؤكدين أنهم يخاطبون المفوضة الأوروبية أورسولا فون دير لاين بشكل مباشر لتحمّل المسؤولية بشأن حرب الإبادة في غزة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تقرير بريطاني: إسرائيل تفعل في غزة ما لم تفعله ألمانيا بالحرب العالمية
نقل موقع "ديكلاسيفايد" عن تقرير للجيش البريطاني أن إسرائيل تقصف مستشفيات قطاع غزة بطرق لم تفعلها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وأن هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه المستشفيات تشبه هجمات روسيا في أوكرانيا. وأوضح التقرير أن قلق الجيش البريطاني من سلوك إسرائيل يتناقض مع دفاع الحكومة عن تصدير أسلحة إليها واعتبارها لا ترتكب جرائم في غزة، مدعيا أن قواتها تنتهك معاهدات اتفاقية جنيف التي تحدد حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب والنزاعات المسلحة. وذكرت الصحيفة أنه تم السماح بمواصلة صادرات الذخيرة لمقاتلات "إف-35" الأكثر تقدما في إسرائيل عبر دول وسيطة، كما قامت القوات الجوية الملكية البريطانية بالمئات من رحلات المراقبة الجوب فوق قطاع غزة منذ 2023. ولفت التقرير إلى أن أفراد الجيش يتحدثون بصراحة أكثر من الوزراء عن جرائم حرب إسرائيل في القطاع، وأنه بات من الشائع أن تجد قلقا عميقا بين القوات البريطانية بشأن سلوك إسرائيل في غزة. أقل احتراما وحسب "ديكلاسيفايد"، وصف المقدم ديريك تيدير القوات العسكرية الروسية والإسرائيلية بأنهما أقل احتراما لأجزاء من اتفاقية جنيف مقارنة بالجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. وقال تيدير "في الحرب العالمية الثانية حتى الألمان احترموا هذا الجزء من اتفاقية جنيف"، وعبّر عن مخاوفه من مصير قوات الجيش البريطاني في حال مشاركته للقتال في صراع مشابه، متسائلا "ماذا سيحدث لجنودنا المصابين بجروح بالغة على أرض المعركة؟". ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرب إبادة في غزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري ، وسط تفاقم أزمة المجاعة مؤخرا، وهي الأزمة التي تسببت بها سياسات إسرائيلية ممنهجة في إطار الحرب.