
«أرضنا» التي تبحث عن أصحاب...
وما لبث «كاتب وسياسيّ» سوريّ يُدعى كمال اللبواني أن صرّح بأنّ «طرابلس كلُّ عمرها سوريّة، ولماذا لا نستعيدها مع مدينة صيدا ونُعيد لبنان الكبير إلى لبنان الصغير؟».
أغلب الظنّ أنّ الخبر من أصله ضعيف لا يُبنى عليه. مع هذا فمسألة الأراضي وحدود الأوطان تُعاد إلى التداول في منطقة المشرق العربيّ بكثير من الهمّة والنشاط.
وكنّا عرفنا، عبر «جيروزاليم بوست» و»وول ستريت جورنال»، أنّ وجهاء في مدينة الخليل يطالبون بإقامة «إمارة الخليل» المستقلّة عن السلطة الفلسطينيّة. ونعلم أنّ تعبيري «فيدراليّة» و»تقسيم»، على ما بينهما من اختلاف، فتتّسع رقعة المطالبة بواحد منهما، فيما تتزايد، في سائر بلدان المشرق، الأصوات الرسميّة وغير الرسميّة التي تردّ على مطالبة كهذه.
وليسوا قلّة أولئك الذين فاجأهم المبعوث الأميركيّ توم برّاك حين أدلى بدلوه في أمر اتّفاقيّة سايكس بيكو، فرأى أنّها «قسّمت سوريّا والمنطقة لأهداف استعماريّة، وليس من أجل السلام، وأنّ ذلك التقسيم كان خطأ رتّب أكلافاً على أجيال بأكملها، وهو لن يتكرّر مرّة أخرى».
لكنْ لئن استعار برّاك لغة القوميّين العرب الأوائل، بقي الفارق كبيراً بين الإدانة القديمة لسايكس بيكو وإداناتها الجديدة: فنقّاد الاتّفاقيّة القدامى كانوا يطمحون، من وراء النقد، إلى بلد أكبر هو «أمّة عربيّة» أو «إسلاميّة» أو سوريّة». أمّا الآن فينصبّ المزاج العامّ على طلب بلدان أصغر تكون أوعية للطوائف والأديان والإثنيّات. كذلك صدر النقد القديم حين لم تكن الدول القائمة قد اختُبرت وجُرّبت بما فيه الكفاية، بينما يترافق النقد الحاليّ مع تجريب مديد لتلك الدول أنتج قناعة، ليست قليلة الشيوع، بفشلها. ولئن ارتبطت نتائج الحرب العالميّة الأولى بقيام الدول، ونتائج الحرب العالميّة الثانية باستقلالها، أو استكمال استقلالها، فالسائد اليوم يتفاوت بين الحيرة بصدد المشكلة، والتجاهل العالميّ لها، والبحث عن حلول سريعة وموضعيّة لتجلّياتها النافرة.
لكنْ في الحالات كافّة بات يمكن القول إنّ الموقف من «الأرض» شهد تغيّراً كبيراً في المشرق جاءت الحرب الأخيرة/الراهنة تفصح عنه. واليوم يُستسهل العبث بالأرض من دون أيّة خطة، والعبث تالياً بقاطنيها من السكّان. وبالمعنى هذا بات يُستسهل النظر إليها، على ما هي الحال في غزّة، بوصفها عقاراً، تماماً كما يجري الخلط الواسع بين حقوق المُلكيّة وحقوق السيادة.
ولئن اختلطت المنازعات الألمانيّة – الفرنسيّة الشهيرة حول ألزاس لورين بنقاش فكريّ يطال الهويّة، وما إذا كانت الأولويّة فيها تعود إلى مشيئة السكّان أو إلى أصولهم ولغتهم، فإنّ نقاشاً كهذا لم تعرفه أراضينا، بالسليب منها وغير السليب. ولئن انفجر، في بيئة الثوريّين الروس مطالع القرن الماضي، نقاش بالغ الغنى والحدّة حول معاهدة برِست ليتوفسك مع ألمانيا، وجواز التنازل عن الأرض مقابل تعزيز سلطة ما، فالعياذ بالله من كلّ نقاش عامّ ظلّ لسان حالنا العمليّ في ما خصّ أراضينا.
والانعطاف الكبير هذا ليس مفاجئاً إلاّ في حدود علنيّته المستجدّة. فقد مهّدت له العقود الأخيرة بأكثر من شكل وصيغة: ففي سوريّا مثلاً، حيث احتُلّت هضبة الجولان في 1967، ثمّ ضُمّت رسميّاً إلى إسرائيل في 1981، تصرّف النظام الأسديّ كما لو أنّ الحياة تمضي على رسلها بهضبة جولان أو من دونها. وعمليّاً تولّت معادلة «اللاحرب واللاسلم»، المقرونة بـ»التزام حافظ الأسد بتعهّداته»، والمستندة إلى اتّفاقيّة فضّ الاشتباك في 1974، تصنيف أرض الجولان التي لا يبحث صاحبها عنها كأنّها هي الأخرى «أبد»، إلاّ أنّ «خلوده» من طبيعة سالبة. وأمّا «لبنانيّة مزارع شبعا» فبدت لأكثر اللبنانيّين أشبه بزرع عبوة ناسفة في أحضانهم، تنفجر بهم وببلدهم كلّ يوم.
وأغلب الظنّ أنّ هذا جميعاً ما كان ليحصل لولا موقف أصليّ من الأرض عكس نفسه في بناءات سياسيّة غدت معها أرض الطائفة الأخرى أرضها وحدها، دون باقي «شركاء الوطن». وهذا فيما ظلّت «الأمّة» التي يريدها الفكر السياسيّ العربيّ، ضدّاً على سايكس بيكو، أشبه بمعجون الأطفال. فمع نجيب عازروي مثلاً اقتصرت «الأمّة العربيّة» على الجزء الآسيويّ من العالم العربيّ، ومع ساطع الحصري وميشيل عفلق تمدّدت لتضمّ جزءه الأفريقيّ. وفي حالة أنطون سعادة بلغت المهزلة ضمّ قبرص إلى «الأمّة السوريّة»، وضمّ العراق والكويت أيضاً مع اكتشاف النفط فيهما. وأخيراً جاء الإسلاميّون فطالبونا بأن ننسى الأمم على أنواعها ما خلا «أمّة المؤمنين».
وهذا على امتداد زمن مديد كنّا فيه، ولا نزال، في أشدّ الحاجة إلى أراضٍ مستقرّة في دول وطنيّة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 44 دقائق
- عكاظ
فيديو: لماذا وصف مسؤولو البيت الأبيض نتنياهو بـ«الجنون»؟
وصف مسؤولون في البيت الأبيض نتنياهو بـ«المجنون»، وذلك على خلفية تدخلاته السافرة في سورية، وإصراره على إثارة النعرات الطائفية والفتنة بين العشائر والدروز عبر استهداف المؤسسات الحكومية في دمشق والمعسكرات ومقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان. ويشكل استمرار نتنياهو في جرائم الإبادة الجماعية في غزة واستخفافه بالقوانين والأعراف الدولية أكبر تحدٍّ للمجتمع الدولي الحريص على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة والوصول إلى صفقة نهائية لتبادل الأسرى وتحقيق السلام الدائم المبني على إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية. ويسعي نتنياهو إلى تهجير الفلسطينيين من غزة واستهداف المنظمات الأممية والإنسانية ودور الإيواء وعرقلة كل الجهود الرامية لتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، متخذاً من هذه الحروب وسيلة للهروب من الأزمة الداخلية التي تواجهه في ظل الخلافات مع المعارضة. وتواصل إسرائيل خططها الإجرامية لإثارة الفوضى والعنف في المنطقة خصوصاً بعد توسيع جرائمها لتشمل لبنان، ولا تزال تعرقل اتفاقية الهدنة حتى اليوم، وترفض الانسحاب من 5 نقاط، إضافة إلى حربها على إيران. أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ ساعة واحدة
- الشرق الأوسط
رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية: خروج العائلات من السويداء «نزوح مؤقت»
قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، الشيخ مضر حماد الأسعد، إن إخراج عائلات القبائل والعشائر العربية من مدينة السويداء التي بدأت يوم الاثنين، «ليست عملية تهجير إنما عملية نزوح مؤقت». وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» أوضح الأسعد، أن المنازل التي كانت تقطن بها تلك العائلات في إحياء مدينة السويداء جرى تدميرها وحرقها وتعفيشها، بالإضافة إلى تقطيع أوصال الأحياء والشوارع، مشيراً إلى أن العملية تأتي أيضاً من أجل انتشار الجيش والأمن على كامل مدينة السويداء وفي القرى والبلدات. وذكر أنه بعد إعادة تأهيل تلك المنازل ستتم إعادة النازحين إليها معززين مكرمين، بوجود الجيش والأمن الداخلي الذي سينشر الأمن والأمان والاستقرار في مدينة السويداء والمحافظة. وبدأت صباح الاثنين، عملية إجلاء عوائل البدو، التي كانت محتجزة في مدينة السويداء، بعد جهود حثيثة بذلتها وزارة الداخلية السورية للتوصّل إلى اتفاق يقضي بإخراج جميع المدنيين الراغبين في مغادرة محافظة السويداء بسبب الظروف الراهنة، إلى حين تأمينهم وضمان عودتهم الآمنة إلى ديارهم، وفق ما ذكرت وكالة «سانا» الرسمية. وفي تصريحه، لفت الأسعد إلى أن «الذباب الإلكتروني» الذي يعمل على نشر الفتن والدسائس هو من يزعم بأن ما يجري هي عملية «تهجير للعرب بشكل كامل من محافظة السويداء، وهذا غير صحيح نهائياً». وأن الهدف من تلك الإشاعات هو استمرار المشكلة بين الحكومة وميليشيات الشيخ حكمت الهجري مع أبناء العشائر العربية من أجل بث فوضى المنطقة ودفعها إلى حالة من عدم الاستقرار. قوافل تُقلّ عائلات البدو المحتجزة في مدينة السويداء إلى محافظة درعا لتأمينها (سانا) وعدّ الشيخ مضر حماد الأسعد، أن هناك «جهات مستفيدة، هي فلول نظام الأسد و(حزب العمال الكردستاني) وتجار السلاح والمخدرات، وكذلك الهجري الذي من مصلحته الوضع الحالي، وأن يكون هو الرجل رقم واحد في السويداء، دينياً واجتماعياً وسياسياً وفي كل المجالات، وصولاً إلى إنشاء (كانتون) يدار من قبله وميليشياته»، حسب كلامه. وأوضح الأسعد، أن من يتم إخراجهم هم عائلات مدينة السويداء أغلبهم من النساء والأطفال، وكذلك هناك عدد كبير من عائلات العشائر العربية التي تقطن في ريف السويداء يعملون في الزراعة والتجارة، وكانوا هربوا في السنوات الماضية من نظام بشار الأسد وأغلبيتهم من أبناء المحافظات السورية الأخرى. مسعفون ينقلون أحد جرحى المواجهات في السويداء إلى مستشفى ميداني في درعا الجمعة (رويترز) الأسعد قال إن الانسحاب من السويداء، ليس رضوخاً للهجري، مشدداً على أنه «لولا البيان الذي صدر عن رئاسة الجمهورية يطالبهم بمغادرة السويداء لكانت السيطرة المطلقة اليوم لأبناء القبائل والعشائر في المحافظة». مشدداً أنهم لن يسمحوا للهجري بتقسيم سوريا حتى لو أن إسرائيل تدعمه، خصوصاً أن القبائل تلقوا الدعم من شيوخ عقل في الطائفة الدرزية ومن أغلبية القيادات الاجتماعية والسياسية في السويداء لإيقاف الهجري عن مشروعه التدميري في المنطقة. يذكر أن العشائر العربية تقطن في محافظة السويداء منذ ما قبل الإسلام، ويشكّلون نسبة 30 في المائة من سكان المحافظة، بينما يشكل السريان المسيحيين أكثر من 10 في المائة، وباقي النسبة هي للدروز الذين سكنوا المنطقة في القرن الحادي عشر. مقاتلون من أبناء العشائر السورية يستعدون في درعا للتوجه إلى السويداء (رويترز) ولفت الأسعد إلى أن عدد أبناء العشائر الذين لبُّوا الفزعة من أجل القضاء على الفتنة في السويداء يتجاوز عددهم الـ150 ألف شاب. وذكر أن المشروع الصهيوني يتمثل بإقامة ما يسمى «ممر داود» بمحاذاة الحدود الأردنية والعراقية وصولاً إلى نهر الفرات، ومن ثم منطقة الجزيرة، لافتاً إلى أنه وحتى الآن تم إفشال هذا المشروع المراد منه إضعاف سوريا وتقسيمها إلى دويلات. قافلة تابعة للهلال الأحمر السوري تحمل مساعدات إنسانية تعبر مدينة بصرى الشام متجهةً إلى مدينة السويداء (أ.ف.ب) وشدد الأسعد على أن العشائر العربية ليس لديها طموح في أن تكون بديلاً عن الحكومة السورية وعن الأمن العام والجيش العربي السوري، وأنها مؤمنة بأن القيادة السورية تستطيع أن تسير بالبلاد نحو الأمن والأمان والاستقرار، ولكن التحديات التي تواجه البلاد جعلتها تنتفض دفاعاً عن مكتسبات الثورة السورية، وهي مكملة وداعمة للقيادة السورية وفي المجالات كافة. وعدَّ أن دخول الأمن والجيش السوري إلى السويداء يعني إنهاءً للمشكلة، مؤملاً أن «تنزع الحكومة السورية السلاح الموجود سواء عند الدروز أو العشائر وكل أبناء الشعب السور،ي وحصره بيد الجيش والقوى الأمنية فقط». وأكد أن القبائل والعشائر السورية تسعى إلى نشر المحبة والسلام بين أبناء الشعب السوري والعمل على فض النزاعات وتعزيز السلم الأهلي والمجتمعي ووأد الفتن، وأن تكون يداً واحدة مع كل مكونات الشعب السوري.


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
سوريا.. ارتفاع حصيلة ضحايا أحداث السويداء إلى 1265 قتيلاً
ارتفعت حصيلة القتلى جراء أعمال العنف الدامية التي شهدتها محافظة السويداء جنوب سوريا إلى 1265 شخصًا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الاثنين. وأوضح المرصد أن القتلى يشملون 505 مقاتلين و298 مدنيًا من الدروز، بينهم 194 أُعدموا ميدانيًا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية، فيما قُتل 408 من عناصر وزارة الدفاع وجهاز الأمن العام و35 من أبناء العشائر بينهم ثلاثة مدنيون أُعدموا ميدانيًا على يد مسلحين دروز. كما أسفرت الغارات الإسرائيلية خلال التصعيد عن مقتل 15 عنصرًا من القوات الحكومية. بدأت الاشتباكات في 13 يوليو بين البدو ومسلحين من طائفة الدروز قبل أن يدخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ أمس الأحد مع انتشار قوات الأمن على مشارف السويداء، فيما أكّد وزير الداخلية أنس خطاب أن الهدنة ستتيح تبادل الأسرى وعودة الاستقرار تدريجيًا للمحافظة.