محمد صبيح يكتب: من الحقل إلى السيادة.. القمح الرقمي في مواجهة هيمنة الدولار
في زمنٍ أصبحت فيه العملات الأجنبية، وعلى رأسها الدولار الأمريكي، سلاحًا اقتصاديًا تمارَس به الهيمنة وتُفرض به الأزمات على الدول النامية، قررت مصر أن تمتلك سلاحًا خاصًا بها: وهو "القمح المصري".. هذا السلاح ليس مجرد محصول زراعي، بل منظومة سيادية استراتيجية تتطور على أسس رقمية حديثة، تقف في وجه موجات التضخم، وتقلبات أسعار الغذاء، وضغوط الاستيراد، وابتزاز الأسواق العالمية.
القمح المصري.. من سلعة إلى ركيزة أمن قومي
موسم توريد القمح 2025 ليس موسمًا عاديًا، بل هو إعلان صريح بأن مصر بدأت تفكر وتدير ملفاتها الزراعية بعقل رقمي، وهدف سيادي، ولأول مرة، نجد أن الدولة المصرية تبني تحصيناتها الاقتصادية من خلال "الحقول الذكية" و"الصوامع الإلكترونية" وغرف التحكم المتصلة بمنظومة مركزية تقيس وتراقب وتخطط بالبيانات الحية.
التحول الرقمي.. ضربة استباقية في معركة الغذاء
عندما تتفوق على نفسك وتدير ملفًا معقدًا مثل القمح بهذه الكفاءة، فأنت لا تحارب فقط شبح الجوع، بل توجه ضربة مباشرة لعجز الميزان التجاري، ولفاتورة استيراد تُدفع بالدولار، فكل طن قمح يتم توريده من الفلاح المصري، لا يمثل فقط محصولًا، بل يمثل 400 دولار لم تخرج من احتياطي البنك المركزي، وكل كيلو خبز مدعوم مرتبط بهذا التوريد، هو دعم للطبقة الوسطى والفقراء، من خارج ميزانية الدعم التقليدي.
الدولار يهاجم.. والبيانات ترد
في الوقت الذي تستمر فيه الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة وتحريك أسواق العملات لصالح الدولار، ترد مصر باستخدام سلاح البيانات.. منظومة القمح الرقمية لا تترك شيئًا للصدفة، بدءًا من صرف مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة، مرورًا بتطبيق "رادار الأسعار" القائم على الذكاء الاصطناعي، وانتهاءً بالتكامل بين التوريد والخبز المدعم، إنها شبكة دفاع إلكترونية ضد عدوان مالي لا يُرى، لكنه يُحسّ في الأسواق والموائد.
من الفلاح المصري إلى السيادة الوطنية
ليس جديدًا أن يكون القمح أداة سلطة في الجغرافيا السياسية، لكن الجديد أن مصر، ولأول مرة، تمسك بزمام المبادرة.. المزارع لم يعد مجرد منتج، بل شريك في حماية الاقتصاد الوطني، كل شحنة قمح يتم استلامها ببيانات موثقة، وكل سائق شاحنة يعرف مساره بدقة، وكل رغيف خبز يعرف مصدر دقيقه، إنها دولة تعرف قيمة "المعلومة" وتراهن عليها.
نحو استقلال غذائي حقيقي
أكثر من 2.2 مليون طن قمح تم توريدها حتى منتصف مايو 2025، بزيادة تتجاوز 18% عن العام الماضي، والدولة تستهدف 4 ملايين طن، هذا يعني ببساطة توفير ما يقارب 1.6 مليار دولار من الاستيراد، دون ضجيج أو اقتراض.. هذا هو الاستقلال الحقيقي: أن تأكل مما تزرع، وأن تبني قرارك على ما تملك، لا على ما تتسول.
ختامًا.. في مواجهة عدوان الدولار، لم تلجأ مصر إلى رفع أسعار الفائدة، ولا إلى إجراءات تقشف، بل لجأت إلى المزارع، إلى الحقل، إلى الرقمنة، إلى القمح.. سلاح لا يقتل، بل يُشبِع.. سلاح لا يُستورد، بل يُزرع، ومع كل موسم توريد رقمي، تقترب مصر من معادلة مستحيلة في عالم اليوم: أن تكون دولة نامية، لكنها صاحبة قرار غذائي، وصاحبة سيادة اقتصادية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 20 دقائق
- النهار
رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية
بعد 14 سنة من الحرب والعقوبات، بدأت تلوح في أفق سوريا بوادر خروج من العزلة الاقتصادية. مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، والتحرك السريع نسبياً من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل معها أملاً بالتعافي، لا فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأكملها، حيث كانت تداعيات الانهيار السوري عبئاً ثقيلاً على دول الجوار. منذ عام 2011، فرض الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات شاملة شلّت حركة الاقتصاد السوري. شملت هذه العقوبات حظراً على قطاع النفط والغاز، وتجميداً للأصول، ووقفاً للصادرات التكنولوجية إلى البلاد، ومنعاً للتعاملات المالية معها. هذه الإجراءات، وإن كانت موجهة ضد النظام، تسبّبت بانهيار شبه كامل في البنية التحتية، وحدّت من قدرة السوريين على الوصول إلى أبسط مستلزمات الحياة اليومية. توضح أرقام البنك الدولي حجم الكارثة: تقلّص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 23.6 مليار دولار فقط عام 2022، بانخفاض يقارب 44 في المئة. أما الليرة السورية، ففقدت أكثر من مئة في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية. ومع تعذر الاستيراد، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية، وتعطّل القطاع الطبي، وانتشرت البطالة والفقر. لكن أبرز القطاعات التي تأثرت بالعقوبات كان قطاع النفط والغاز، والسلعتان من أهم مصادر دخل البلاد قبل الحرب. كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف برميل يومياً من النفط قبل عام 2011، وتصدّر جزءاً كبيراً منه إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، ما كان يعود بمليارات الدولارات سنوياً. ومع فرض العقوبات، انخفض الإنتاج إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً، وفق تقديرات مستقلة، فيما توقفت أغلب الآبار عن العمل بسبب تدمير البنية التحتية ونقص المعدات والتكنولوجيا. اليوم، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري الرفع الكامل للعقوبات، بدأت الليرة السورية بالتعافي وسجّلت ارتفاعاً بنسبة ثمانية في المئة أمام الدولار، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية. وبعد أيام، تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مشابهاً، منهياً واحدة من أعقد حزم العقوبات التي فرضها في تاريخه. ولا شك في أن رفع العقوبات عن سوريا سيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية وتدفقات مالية كانت مجمّدة، ما قد ينعش بعض القطاعات الحيوية ويطلق عجلة إعادة الإعمار، كما قد يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يخفّف من أزمة المعيشة ويدعم استقرار الليرة السورية. هذان القراران فتحا الباب أمام احتمال عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. مثلاً، تشير تقديرات أولية إلى أن عودة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته السابقة قد تدر على الدولة ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار سنوياً في المرحلة الأولى، وهو مبلغ كفيل بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية وتوليد فرص عمل واسعة في المناطق المنتجة للطاقة. ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال الحرب. ويمثل رفع العقوبات وإعادة الإعمار فرصة لتقليص أعداد اللاجئين عبر توفير بيئة آمنة واقتصادية محفّزة لعودتهم التدريجية. كذلك من المتوقع أن تسهم عودة سوريا إلى الأسواق الإقليمية في تنشيط التبادل التجاري مع الأردن والعراق، وفتح المجال أمام شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، والزراعة. لكن على رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فالمجتمع السوري خرج من الحرب منهكاً، ومؤسسات الدولة تحتاج إلى إصلاح عميق. ولا يزال الانتقال السياسي هشاً، فالاتحاد الأوروبي نبّه إلى أن أي تراجع للسلطات السورية عن مبادئ الشفافية والتعددية قد يؤدّي إلى إعادة فرض العقوبات. ومع ذلك، يعكس قرار رفع العقوبات تحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي تجاه سوريا: من سياسة الضغط والردع إلى المشاركة والبناء. ويبقى الأمل معقوداً على أن تستغل القيادة السورية الجديدة هذه اللحظة التاريخية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة مع شعب أنهكته الحرب، وجيران ينتظرون منذ سنوات نهاية لهذا النزاع الطويل.


صوت لبنان
منذ 26 دقائق
- صوت لبنان
الصدّي: اتّجاه نحو الـ BOT لإنشاء معملين جديدين على الغاز
باتريسيا جلاد - نداء الوطن حِملٌ ثقيلٌ يقع على عاتق وزير الطاقة والمياه جو الصدّي، المطلوب منه حلّ مشكلات متراكمة منذ أكثر من 15 سنة في وقت قصير. متحفّظ في الكلام، ولا يحبّذ الخوض في تفاصيل اتفاقات شفهية غير رسمية، ريثما تتبلور الصورة الرسمية والقانونية. وهو يطبّق منذ وصوله إلى الوزارة أي منذ شهرين، المثل اللبناني المعروف «ما تقول فول تيصير بالمكيول». ولهذا السبب لا يسمع اللبنانيون ضجيجاً، إذ يؤمن بالعمل بعيداً عن الصخب. حوار «نداء الوطن» معه، تناول خطة الوزارة، زيادة التغذية الكهربائية وضع المعامل والمصافي في طرابلس والزهراني، التنقيب عن النفط وكيفية معالجة معضلة المياه... - ما هي خطة وزارة الطاقة بالنسبة إلى مشكلة التغذية الكهربائية في لبنان؟ قرّرنا المضي في الالتزام بتطبيق قانون الكهرباء رقم 462/2002 وبدأنا بذلك فعلياً من خلال الهيئة الناظمة للكهرباء التي تعتبر العمود الفقري لإعادة هيكلة القطاع بأكمله. باب الترشيح للهيئة أقفل منذ 10 أيام، وتقدّم إلى الوزارة نحو 341 طلب ترشيح لخمس وظائف باعتبار أن الهيئة تتشكّل من رئيس و 4 أعضاء. اليوم مع OMSAR ومجلس الخدمة المدنية سنبدأ بغربلة السير الذاتية لمقدمي الطلبات والتأكّد ممن تتوفر لديه الشروط المطلوبة، لنتوصّل إلى ما يعرف بالـ Short list وسيستغرق ذلك نحو أسبوعين، وسيتمّ بعدها إجراء مقابلات عمل قد تستغرق ثلاثة أسابيع نظراً إلى رقم المرشحين الكبير. وكما تقتضي الآلية سيشارك في ذلك الوزير المعني، وزير التنمية الإدارية، رئيس مجلس إدارة الخدمة المدنية وخبراء لتأمين الشفافية التامة لاختيار أعضاء الهيئة، لحين اقتراح الوزير المعني عضويتهم. هناك مواصفات بحدّ أدنى مطلوبة ومن لا تتوفّر لديه تلك المواصفات تتمّ تنحيته. وبذلك يكون موضوع تشكيل الهيئة الناظمة وضع على السكّة الصحيحة . - ماذا عن زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، كيف سيتمّ ذلك وكم تبلغ الكلفة؟ لدى مؤسسات كهرباء لبنان اليوم طاقة إنتاجية بقدرة 1200 ميغاواط، مقابل طلب يتراوح بين مرتين و3 مرات أكثر. القرار المهمّ الذي يجب أن يُتّخذ، إنشاء معامل حديثة تعمل على الغاز. وهذا القرار كان يجب أن يتّخذ والسير به منذ 15 عاماً. بالنسبة إلى الكلفة، تكلفة معمل بطاقة إنتاجية بسعة 800 ميغاواط يكلّف نحو 800 مليون دولار. نحتاج أقلّه إلى معملين وسنبدأ العمل بمعمل واحد وذلك بالشراكة مع القطاع الخاص، وتصوّري أن يتمّ ذلك من خلال اعتماد نظام البناء والتشغيل والتحويل المعروف بالـ BOT (يُعطى ترخيص من الحكومة لتشييد وتشغيل معمل توليد الكهرباء). وفي الوقت نفسه نعمل على تأمين تغذية المعامل الحالية والمستقبلية بالغاز الطبيعي لأنه مع الوقت سنستغني عن استخدام الفيول المكلف مادياً والمضرّ بيئياً . - كيف سيتمّ استقدام الغاز ليحلّ مكان الفيول؟ هناك طريقتان لاستقدام الغاز إلى معاملنا: أولاً، من خلال الـ Arab Gaz pipeline خط أنابيب الغاز العربي، استخدم لفترة قصيرة منذ سنوات عدة. وثانياً، تأمين مصدر ثان للغاز عبر الـ FSRU (Floating storage regasification unit)، وهي عبارة عن محطّة عائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي (وتكون عادة باخرة مجهزة بخزانات وتقنيات لإعادة الغاز المسال المستورد إلى طبيعته الغازية، تمهيداً لنقله مباشرة إلى معامل الكهرباء). إذاً، أمامنا خياران كما قلت سابقاً، خيار خط أنابيب الغاز العربي (بُني لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى الأردن وسوريا ولبنان، مع خطوط فرعية تحت الماء وأخرى برية). يبلغ طوله الإجمالي 1200 كلم، بتكلفة 1.2 بليون دولار، كما هناك خيار محطّة تخزين وتغويز الغاز الطبيعي العائمة لتأمين المواد. - هل بدأتم بالعمل وفق نظام الـ Bot وهل القوانين اللبنانية تسمح بذلك؟ بدأنا بالعمل على كيفية عرض إنشاء المعامل من خلال الـ BOT وتأمين التمويل والضمانات اللازمة لإنشائها. القوانين اللبنانية الموجودة تسمح بذلك، لكن المطلوب اليوم مواكبة البنك الدولي لتحديث دفاتر الشروط وإعادة النظر بها. وإذا احتجنا إلى موافقة قانونية من مجلس الوزراء، طبعاً سنتوجه إليه لنحصل عليها. - كم تستغرق مدة التحضير لعملية للتلزيم؟ ليس لدي الوضوح الكامل حول المدة الزمنية لذلك عندما تتّضح الصورة سأعلنها. - زرت قطر منذ أسابيع، ماذا تحمل المبادرة القطرية في مجال الكهرباء؟ اجتمعت في قطر مع وزير الطاقة القطري وتطرقنا إلى مواضيع عدة، وتوافقنا على مسار سنسلكه لكن بعيداً عن الإعلام، لأننا لا نزال في إطار المحادثات. وعندما تثمر تلك المحادثات قرارات واضحة ومحددة، يمكن الإعلان عنها. لا أعلن عن شيء قبل التأكّد من قدرتنا على تنفيذه. - ماذا عن مؤسسة كهرباء لبنان؟ لناحية مؤسسة كهرباء لبنان، تبلغ نسبة جبايتها من الطاقة الإنتاجية 60 % من المدخول المفروض أن يتحقّق. بما يعني أن هناك هدراً بنسبة 40 %، 10 % منها هدر فني بسبب قِدَم الشبكة التي تحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل، و30 % نسبة التعدّيات والسرقة. في هذا المجال طلبت من مؤسسة كهرباء لبنان وضع خطة لمعالجة تلك المسألة، ووضعت رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بالصورة. إذ قد نحتاج إلى مواكبة أمنية لإزالة التعديات الموجودة في كل المناطق، وهذا الأمر يتمّ العمل عليه، علماً أن هناك مناطق تشهد تعدّيات أكثر من غيرها. فالتعديات على الشبكة الكهربائية هي سرقة، نسبتها 30 % وتحتاج إلى معالجة. -هل يمكن خفض تعرفة الكهرباء الحالية البالغة 27 سنتاً لكل كيلواط/ساعة للاستهلاك الذي يتجاوز 100 كيلواط/ساعة شهرياً؟ تُعد كلفة الكهرباء في لبنان من بين الأعلى عالمياً، ويرتبط ذلك بكلفة الإنتاج المرتفعة الناتجة عن أسباب تقنية، أبرزها معامل الإنتاج المتهالكة، التي يتجاوز عمرها 30 عاماً، واعتمادها على الفيول أويل، ما يؤدي إلى هدر كبير. هذه الكلفة المرتفعة تُثقل كاهل المواطنين، وتُعتبر غير ملائمة للصناعيين اللبنانيين. من هنا، فإن خفض كلفة الإنتاج يُعد أولوية، ويمكن تحقيقه من خلال التوسّع في استخدام الطاقة الشمسية، عبر إنشاء محطات إنتاج بطاقة تتراوح بين 100 و150 ميغاواط، بما يُساهم في تقليص الكلفة. كما أن إنشاء معامل جديدة تعمل على الغاز بدلاً من الفيول من شأنه أن يخفض الكلفة الإنتاجية بشكل أكبر. يجب العمل على هذه المحاور مجتمعة لتحقيق انخفاض فعلي في كلفة الإنتاج، وهو ما سينعكس بدوره على خفض التعرفة للمستهلكين. - سافرت مع وزير المالية إلى العراق للبحث في مسألة مدّ لبنان بالفيول العراقي والذي يوفّر التغذية بين 6 و8 ساعات يومياً. على ماذا توافقتم ليستمرّ العراق في مدّنا بالفيول، رغم أن لبنان لم يسدّد متوجّباته المادية؟ أمضيت مع وزير المالية يومين في العراق، شكرنا في خلالها دولة العراق على استمرارها بتزويد لبنان بالفيول، وتناولنا هذا الموضوع في مجلس النواب. كما تطرقنا الى دراسة كيفية إعادة تشغيل خط الأنابيب الذي يمتد من العراق وصولاً إلى طرابلس مع مصفاة IPC، واتفقنا على ضرورة درس ذلك من الناحية الفنيّة. هل هذا الأنبوب لا يزال صالحاً عبر سوريا وهل يحتاج إلى صيانة وهل تضرر بسبب الحرب؟ وهناك الشقّ المادي، أي الكلفة وما هو الاستثمار الذي نحتاجه لتسديدها. - كم تبلغ قيمة الدين المترتّب على لبنان تسديده إلى العراق مقابل الفيول؟ تبلغ قيمة الدين المتراكم في السنوات الثلاث المنصرمة نحو 1,2 مليار دولار. طريقة الدفع تتمّ من خلال حساب للدولة العراقية فتح بمصرف لبنان. فتسدّد الدولة متوجباتها بالليرة وفق سعر الصرف الحالي، عبر منصّة تشغلها «إيدال» من خلال مطالبة العراق بخدمات يمكن أن تكون طبية وغيرها... هناك ثلاثة عقود أبرمت. العقد الأول أودع بناء عليه كامل المبلغ المطلوب من الدولة اللبنانية للعراق، وذلك خلال العام 2021 ويبلغ نحو 500 مليون دولار. أما اليوم فيترتّب على الدولة اللبنانية نحو 1,2 مليار دولار، لم تسدّد بعد. - ما هي الإجراءات التي ستتّخذ في ما يتعلق بمصافي النفط؟ بالنسبة إلى مصافي النفط، سنجتمع مع ممثلين عن الدولة العراقية لبدء البحث في مسألة الأنابيب. في الماضي كانت هناك مصافي تكرير، وسنطّلع على ما كان ينص عليه الاتفاق القديم بالنسبة إلى الأنبوب الذي يصل إلى طرابلس والمصفاة. ستتشكل لجنة فنية لدراسته من كل النواحي التقنية والمالية. - ما وضع معامل إنتاج الكهرباء مثل معمل الزوق التي زرته ويتضمن مواد خطرة على السلامة العامة؟ هناك مواد في طرابلس والزهراني تتمّ معالجتها. واتخذت وزارة الطاقة كل الإجراءات اللازمة وأرسلت العيّنات إلى البلد الذي يجب أن يستقبل تلك المواد، وسأعقد مؤتمراً صحافياً للحديث عن تلك المواد الموجودة في المعامل. - هل صحيح أن تقرير «توتال إنرجيز» عن نتائج الحفر للبلوك 9 في المياه البحرية اللبنانية سيصدر خلال أسابيع؟ إجتمعت مع المدراء العامين للشركات الثلاث في الـ«كونسورتيوم» («توتال إنرجيز» الفرنسية و «إيني» الإيطالية وقطر للطاقة القطرية)، وتعهّدوا بتسليم التقرير خلال الأسابيع المقبلة. ومن المرتقب أن يفصح التقرير عن نتائج الحفر، حينها نبني على الشيء مقتضاه، أي على أساس التقرير نخرج بنتيجة الخطوة التالية. مع العمل أننا ندرس مع الـ «كونسورتيوم» الخطوات التالية التي يجب اتّخاذها بعد صدور التقرير. - ما انعكاس وجود نفط في سوريا في البلوك 1 و 2 على لبنان؟ يجب أولاً ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، ولا يزال هناك شيء مشترك بين البلدين. - مقبلون، كما بات معروفاً في ظلّ الأمطار القليلة التي هطلت هذه السنة، على أزمة مياه، هل من تصوّر لحلول؟ المياه مسألة حيوية، وهي للأسف شحيحة هذه السنة، وفي السياق طلبت من مدراء مصالح المياه إعداد خطة طوارئ لمعالجة الشحّ، وصلت التوصيات الوزارة منذ يومين وعند التوافق على الخطّة سنعلن عنها قريباً. ومن السيناريوات المطروحة في تلك الخطة طلب ترشيد المياه من المواطنين في ظلّ التقنين. كميّة الأمطار التي هطلت هذه السنة تساوي نصف تلك التي سجّلت في فصل الشتاء في العام الماضي. - هناك آبار فردية تشيّد بشكل عشوائي تتسبّب بشحّ المياه للمزارعين، ماذا تفعلون في هذا السياق؟ ما يحصل أن هناك آلية متّبعة لترخيص الآبار، نعيد النظر بها للتأكّد ما إذا كانت المعايير صحيحة ويُمنح الترخيص بالطريقة المناسبة، وقد نتّخذ إجراءات أخرى بالنسبة إلى التراخيص لتعطى بطريقة مدروسة وملائمة. وفي هذا المجال نعمل مع الجامعة الأميركية في بيروت التي لديها فريق مختص بهذه المسألة. كما نسعى لفتح المجال أمام أكثر من شركتين لإصدار تقارير فنية حول طلب ترخيص إنشاء أي بئر. نريد ان نفتح المجال لغير الشركتين لكسر الحصرية وفتح المجال للمنافسة أمام شركات عدة، خلال شهرين أو ثلاثة ننجز الآلية الجديدة التي سنتبعها في ما يتعلق بترخيص الآبار.


النهار
منذ 35 دقائق
- النهار
اتفاق بقيمة 800 مليون دولار بين سوريا وموانئ دبي العالمية: بداية مسيرة الألف ميل نحو إنعاش الاقتصاد السوري
في خطوة مفصلية تعكس تحوّلاً اقتصادياً وسياسياً في المشهد السوري، وقّعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا مذكرة تفاهم مع شركة "موانئ دبي العالمية" (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار، لتطوير محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس. هذه الخطوة جاءت بعد إعلان الإدارة الأميركية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ما أتاح المجال أمام اتفاقات استثمارية جديدة لطالما كانت معطّلة بفعل "قانون قيصر". ووفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السورية الرسمية، فإن المذكرة تشمل تطوير وإدارة وتشغيل محطة متعدّدة الأغراض، بما يسهم في رفع كفاءة الميناء، وزيادة طاقته التشغيلية، وتعزيز موقعه كمركز محوري في حركة التجارة الإقليمية والدولية. كما اتفق الطرفان على التعاون في إنشاء مناطق صناعية وحرة، وموانئ جافة، ومحطات عبور للبضائع في مواقع استراتيجية داخل سوريا. وتُعدّ شركة "دي بي ورلد" التابعة لمجموعة "دبي العالمية" من أبرز الشركات العالمية في إدارة الموانئ وسلاسل التوريد، ما يعطي الاتفاق بعداً اقتصادياً وجيوسياسياً مهماً، خصوصاً في ظل توقيعه في الأسبوع نفسه الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى الرياض، عن قراره رفع العقوبات عن سوريا، بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ولقائه الرئيس السوري أحمد الشرع. رفع قانون قيصر "حبل الخلاص" للاقتصاد السوري في حديثه لـ"النهار"، يرى الدكتور محمد موسى، الباحث في الشأنين الاقتصادي والسياسي، أن رفع "قانون قيصر" يمثل "حبل الخلاص" الذي طال انتظاره للاقتصاد السوري، مشيراً إلى أن العقوبات كانت تخنق سوريا وتكبّل اقتصادها كما كانت تؤثر سلباً على دول الجوار. ويؤكد موسى أن رفع العقوبات سيعيد فتح نافذة مالية مهمة أمام الدولة السورية والقطاع الخاص، من خلال استعادة الاتصال بالنظام المالي العالمي، وعودة المصارف، وشركات التأمين، والتحويلات المالية، وكذلك أنظمة الدفع العالمية مثل "SWIFT" و"CHIPS"، وبطاقات الائتمان. ويتابع موسى أن هذه التطورات ستعيد الحيوية إلى المالية العامة السورية، وستوفر بيئة استثمارية مؤاتية للقطاع الخاص العربي والدولي دون الخوف من العقوبات الأميركية، لافتاً إلى أن سوريا باتت اليوم محطّ أنظار العديد من الشركات التي ترى فيها فرصة شبيهة بتجربة الخليج في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، نظراً لحجم الفرص المتاحة داخلياً. ويضيف: "اللقاء بين الرئيس السوري والرئيس الأميركي، وحديث ترامب عن تطبيع العلاقات والانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، يعكس نية سياسية واضحة قد تنعكس بشكل إيجابي على البيئة الاستثمارية، في ظل الارتباط العضوي بين واشنطن وتل أبيب، والدفع الأميركي لدمج سوريا ضمن محيطها الإقليمي من جديد". نقلة دراماتيكية واستثمارات "فريش" في قلب الاقتصاد السوري يصف موسى الاتفاق مع "موانئ دبي العالمية" بأنه تطور دراماتيكي على المستويات السياسية والجيوسياسية والجيواقتصادية، خصوصاً أن هذه الاستثمارات تأتي بـ"أموال طازجة" يحتاجها الاقتصاد السوري بشدة. فالاتفاق لا يضخ السيولة فقط، بل يحرّك أيضاً قطاع النقل واللوجستيات المتوقّف منذ عقود، ويفتح الموانئ السورية على العالم من جديد بقبول دولي جديد بعد رفع العقوبات. ويضيف أن دخول الخليج العربي إلى سوريا عبر البوابة الإماراتية خطوة رمزية واستراتيجية، وقد تكون باكورة استثمارات مستقبلية أوسع، فـ800 مليون دولار قد لا تكون سوى البداية. ويشدّد على أن هذه الخطوة تمهّد لعودة سوريا كدولة فاعلة في محيطها الاقتصادي، ومحطة ترانزيت للنقل البحري والبري، وربما لاحقاً بوابة عبور لنفط المتوسط. التحديات لا تزال قائمة: البيئة التشريعية والأمنية على المحك رغم التفاؤل، لا يُنكر الدكتور موسى وجود جملة من التحديات التي قد تعوق تحويل سوريا إلى مركز اقتصادي وصناعي جاذب. أول هذه التحديات هو الوضع الأمني غير المستقر، خصوصاً في بعض المناطق كالمناطق الدرزية والكردية. كما أن البنية التحتية السورية، التي كانت تعاني حتى قبل عام 2011، تحتاج اليوم إلى استثمارات ضخمة لإعادة تأهيلها، سواء من حيث الأموال أو من حيث الكفاءات البشرية. ويؤكد موسى أن أي استثمار جدي يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، وإلى قضاء مستقل، وتشريعات واضحة وعادلة، لطمأنة المستثمرين. ويضيف: "لا يكفي رفع العقوبات، بل لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة على الأرض، من بينها تسوية سياسية داخلية شاملة، وضمان مشاركة جميع الأطراف، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي". ويختم بالقول: "توقيع الاتفاق مع موانئ دبي العالمية هو الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل. ولكن لكي تصبح سوريا فعلاً على المسار الصحيح، لا بد من خطوات إضافية على المستوى السياسي والأمني والتشريعي. وعندما نرى زيارة رسمية رفيعة مثل زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو حتى الرئيس الأميركي إلى دمشق، فهذه ستكون الإشارة الحقيقية إلى انطلاقة مسار اقتصادي جديد، مدعوم بثقة دولية وإقليمية".