
85 عامًا من الحضور.. عيد عبدالحليم يروى تفاصيل عمله مع فريدة النقاش لـ 20 عاما
أيام قليلة ونحتفل ببلوغ الناقدة والكاتبة الصحفية الكبيرة فريدة النقاش سن الخامس والثمانين بعد رحلة عطاء حافلة في العمل الصحفي والنقدي؛ والإبداعي؛ من بينها أنها أول امرأة تصبح رئيسة تحرير لجريدة الأهالي التي تصدر عن حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي في مصر، وكذلك مجلة "أدب ونقد".
الناقدة والكاتبة الصحفية فريدة النقاش
فريدة النقاش ليست اسمًا في الحياة الثقافية المصرية بل حالة خاصة
فريدة النقاش التي تنتمي إلى أسرة ضمت مثقفين بارزين وأدباء ومفكرين وكتاب وصحفيون سياسيون بارزون، وهما الراحل وحيد النقاش مترجما وناقدا، وفكري النقاش كاتب وناقد أدبي مصري، وأبيه عبد المؤمن النقاش شاعر مصري، وأمنية النقاش صحفية وكاتبة، ورجاء النقاش ناقد أدبي وصحفي مصري؛ لعبت دورًا ثقافيًا بتوليها رئاسة تحرير جريدة "الاهالي ومجلة "أدب ونقد".
من جانبه قال الشاعر والكاتب عيد عبد الحليم رئيس تحرير مجلة أدب ونقد لـ"الدستور"؛ إن فريدة النقاش ليست مجرد اسم في الحياة الثقافية المصرية بل هي حالة خاصة من خلال رحلة وتجربة ثقافية تمتد لمايقرب من ستين عاما عمر تواجدها في الحياة الثقافية المصرية منذ بدايات ستينيات القرن الماضي، وتخرجاه في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية وإلتحاقها بالعمل في وكالة أنباء الشرق الاوسط، وعملها كمترجمة لفترة طويلة، ثم التحاقها بعد ذلك بجريدة الجمهورية كصحفية، وكناقدة مسرحية لها باع طويل، ثم بعد ذلك مشاركتها في تأسيس جريدة الأهالي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ورئاستها للقسم الثقافي في هذه الجريدة في فترة مهمة من تاريخ جريدة الاهالي.
الشاعر والكاتب عيد عبد الحليم
خطابها الثقافي واضح وجسور.. وفتحت المجال لكثير من الكتاب لنشر أعمالهم الجريئة في "أدب ونقد"
وأكد "عبد الحليم" في حديثه لـ"الدستور"، أن فريدة النقاش تميزت بخطابها الثقافي الواضح والجسور وخطابها الذي أعتمد علي فكرة الحرية الإنسانية بشكل عام، والثقافية، والإنسانية، والفكرية حيث دافعت عن الكثير من القضايا والمتعددة وكان مصيرها السجن في عهد الرئيس السادات لعدة فترات وهو ما سجلته في كتابين صدرا لها "يوميات المدن المفتوحة"،و"السجن دمعتان ووردة"؛ وأنه حينما شاركت في تأسيس مجلة "ادب ونقد" عام 1984 وصدر العدد الاول منها في يناير من هذا العام برئاسة المترجم الراحل الدكتور الطاهر أحمد مكي كانت فريدة النقاش مديرًا لتحرير المجلة لمدة ثلاث سنوات وحتي عام 1987؛ ومنذ هذا التاريخ وحتي عام 2007 كانت رئيسًا لتحرير المجلة في فترة من أهم فتراتها، وتميز خطابها الصحفي والثقافي خلال هذه الفترة بالجسارة الثقافية، والبحث عن المواهب الجديدة وتقديمها،حيث أكتشفت الكثير من الأدباء بل أن عصب الحياة الثقافية الآن هم عصب فريدة النقاش الذين نشرت لهم اول مرة على صفحات مجلة "أدب ونقد" من جيل الثمانينيات وجيل التسعينيات وما بعده حيث كان الفضل له.
وتابع: 'تميزت فريدة النقاش بالانفتاح على الثقافات المختلفة وهو ما نجده في تطور المجلة في عهدها من خلال مساحة زمنية أمتدت لعشرين عامًا، ومساحة من الحرية أعطتها فريدة النقاش للكثير من الكتاب مثل د.نصر حامد أبو زيد، وسيد القمني، وخليل عبد الكريم، وغيرهم من الكُتاب الذين فتحت لهم المجلة المجال لكتاباتهم الجرئية والصادمة أحيانًا ولكن كانت ترمي إلى تجديد الخطاب الديني والخطاب الثقافي بشكل عام'.
مجلة" أدب ونقد"
تلميذها الأول.. وأمه الثانية
وأكد"عبد الحليم"، أنه يفتخر بكونه تلميذًا من تلاميذ الكاتبة الكبير فريدة النقاش؛ بل كاد يكون التلميذ الأول لفريدة النقاش الذين يتواجدون الآن على الساحة حيث عمل معها لما يقرب من عشرين عامًا وربما أكثر سواء في مجلة أدب ونقد سكرتيرًا للتحرير ثم مديرًا للتحرير حتي وصوله رئيسًا لتحرير مجلة "أدب ونقد"، وهو بدعم منها حيث يعتبرها أمًا ثانية له روحيًا وفكريًا؛ حيث أعطته ثقة كبيرة في مجلة "أدب ونقد" وفي جريدة "الأهالي".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الدستور
منذ 3 أيام
- الدستور
وفاة الناقد محمد سيد إسماعيل عن عمر ناهز الـ63 عاما
أعلن الشاعر والكاتب الصحفي عيد عبد الحليم، رئيس تحرير مجلة "أدب ونقد" رحيل الناقد الأدبي والشاعر الدكتور محمد السيد إسماعيل (1962-2025) عن عمر ناهز 63 عاما. وكتب "عبد الحليم" عبر حسابه بموقع "فيس بوك" ناعيًا الشاعر والناقد الأدبي: "أغلى الأصدقاء، الشاعر والناقد والإنسان، عشرة العمر والزمن الجميل، يغادرنا إلى مكان أرحب وعالم أنقى، مع السلامة يا محمد، الدنيا بتضيق ليه كده، الله يرحمك يا حبيبي". محمد السيد إسماعيل محمد، ولد سنة 1962 في قرية طحانوب مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية، تخرج في كلية دار العلوم جامعة القاهرة سنة 1985، وحصل من نفس الكلية على درجة الماجستير في الدراسات الأدبية والدكتوراه. مسيرته عمل مدرسًا للغة العربية بالمدارس الثانوية بعد تخرجه، بدأ في كتابة الشعر سنة 1977، ونشر العديد من قصائده ودراساته النقدية في المجلات المصرية والعربية. شارك في العديد من المهرجانات الشعرية في الجامعات وقصور الثقافة. ومن أبرز مؤلفاته في الشعر منذ صدور ديوانه الشعري الأول تحت عنوان "كائنان في انتظار البعث"، وصدر عن الهيئة العامة للكتاب المصرية، ثم صدور ديوانه الثاني "الكلام الذي يقترب"، وديوانه الثالث "استشراف إقامة ماضية"، ثم الرابع "تدريبات يومية"، والخامس بعنوان "قيامة الماء". ومن أعماله المسرحية: 'السفينة، زيارة ابن حزم الأخيرة، وجوه التوحيدي، رقصة الحياة'. كتب العديد من الكتابات النقدية منها: 'رؤية التشكيل قراءات تطبيقية في القصيدة الحديثة، الحداثة الشعرية في مصر، بناء فضاء المكان في القصة العربية القصيرة، غواية السرد'. حصل الدكتور والشاعر والناقد الأدبي محمد السيد إسماعيل على العديد من الجوائز منها، تكريمه أفضل ناقد أدبي في مؤتمر أدباء مصر، واختياره أمينا عاما لمؤتمر القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، واختيار شاعرا ضمن معجم البابطين، كما حصل على جائزة النقد الأدبي من هيئة قصور الثقافة، وجائزة الشعر من صندوق التنمية الثقافية، وجائزة النقد الأدبي من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وجائزة الشارقة للإبداع العربي من دائرة الشارقة بالإمارات، وجائزة التميز في النقد الأدبي.


الدستور
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الدستور
البيئة تتدخل لوقف تلوث شواطئ رأس سدر.. وإلزام "العامة للبترول" بأعمال التطهير
في استجابة عاجلة، أرسلت وزارة البيئة صباح اليوم السبت لجنة فنية إلى إحدى المناطق البيئية المتدهورة قرب مدينة رأس سدر، عقب بلاغات من مواطنين وصيادين محليين بشأن تلوث بحري واضح بالشاطئ. وقال عبدالعزيز سعد، أحد صيادي البحر الأحمر ومكتشف الواقعة، في تصريحات خاصة لموقع "الدستور": "وزارة البيئة تفاعلت فورًا مع البلاغ، وأرسلت لجنة قامت بتطهير الشاطئ وألزمت الشركة العامة للبترول بإزالة التلوث وتنظيف المنطقة بالكامل". كان عدد من المواطنين وجّه نداءً عاجلًا إلى محافظ جنوب سيناء ومسئولي مدينة رأس سدر، مطالبين بسرعة التدخل لإنقاذ منطقة بحرية مهددة بالتلوث والإهمال، تقع قبل مدينة أبورديس بنحو 50 كيلومترًا، في اتجاه شرم الشيخ. وحسب منشور رسمي على صفحة مدينة رأس سدر، فإن الموقع يعاني تدهورًا بيئيًا يستدعي تدخلًا فوريًا، مع رصد ظهور سرطان البحر على الشواطئ. وأشار الأهالي إلى أن استمرار الوضع الحالي ينذر بكارثة بيئية محتملة قد تصيب الحياة البحرية بوباء قد يقضي عليها تمامًا، ما يتطلب تحركًا فوريًا على كل المستويات. وتضمن النداء دعوة خاصة لجمعية "هيبكا" المعنية بحماية البيئة البحرية في البحر الأحمر، للتحرك العاجل، مع مطالبات بتحديد المسئول عن التلوث وتحميله كامل تكاليف التطهير وفرض الغرامات عليه. وقال الأهالي: "نرجو من الجهات المسئولة أن تنظر إلى هذه المنطقة بعين الاعتبار قبل أن تُفقد تمامًا"، مختتمين منشورهم بعبارة "حسبي الله ونعم الوكيل"، تعبيرًا عن حجم الغضب والاستياء من المشهد البيئي الحالي. وتواصل المهندس أيمن معوض، مدير عام إدارة الأزمات والكوارث بوزارة البيئة، مع أصحاب النداء، موضحًا أن الوزارة تحركت بتكليف من وزيرة البيئة، لتحديد موقع التلوث، وبدء التدخل صباح الغد للسيطرة على الوضع. وأكد المتحدثون أن لقاءً قريبًا سيُعقد لمناقشة أسباب غلق البحر أمام الهواة، بهدف تحقيق التوازن بين حماية البيئة وممارسة الأنشطة البحرية.


بوابة الأهرام
٠٦-٠٤-٢٠٢٥
- بوابة الأهرام
سعد القرش يكتب: فريدة النقاش.. وردتان للسيدة
مثل أي قارئ عصامي، نشأ في دار تخلو من كتاب، كنت أحتاج إلى إخلاص مجانيّ، لا يريد صاحبه شيئا ولا ينتظر، ولا يتذكر أنه قدّم معروفا؛ ولا يُحمّلني أعباء فاتورة حتى من دون المطالبة بردّ الجميل. وماذا يملك طالب في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، يحمل حقيبة من الكلمات والأحلام والأشواق والرهانات، ويقف في أول طريق لا يعرف كيف يمضي فيه، ولا تتضح له معالمه، ولا يرى ملامح النهاية. أنا ذلك الحالَم القلِق المؤرَّق، أردتُ أن أقول «كنتُ»، وتبيّن لي أن تمام الطمأنينة لا يزال حُلما، وأن اليقين مراوغ، يَعِدني ويُمنّيني، يقترب وينأى، وكلما شارفتُ على اليأس، وسحبتُ الخيطَ أرخاه، ووهبني أمثلة على النُبل. في إحدى المحطات المبكّرة، في الموعد تماما، وجدتُ فريدة النقاش. موضوعات مقترحة عرفت رجاء النقاش أولا، كان رئيس تحرير مجلة «الدوحة»، وفيها تابعتُ محاورات مهمة تكتبها السيدة سارة من القاهرة، بحماسة وعمق وإيمان منها بجيل الستينيات. في أغسطس 1985، قال لها جمال الغيطاني إنه في مرحلة متأخرة قرأ قصصا ليوسف إدريس «لمجرد الفضول، وقصصه تكرار لتشيكوف.. يكتب بلغة عادية». وأضاف أنه تجاوز نجيب محفوظ وتولستوي ودوستويفسكي، فكتب أحمد بهاء الدين يتساءل عن سارة، مَن تكون؟ فالحوارات مزعجة، تجترئ ـ بكفاءة مهنية ـ على رموز الكتابة وأعلامها. عاد رجاء النقاش إلى مصر، وحرصتُ على لقائه في دار الهلال، وأحببت تواضعه، ولم تنقطع علاقتي به حتى وفاته. في اللقاء الأول نصحني بالنشر في مجلة «أدب ونقد»، ومقابلة «فريدة»، هكذا نطق اسمها، ولم ينس أن يؤكد أن محمد روميش قاسٍ، «ذوقه صعب في اختيار القصص». وأنا لا أعرف مَن محمد روميش. هززتُ رأسي، وبحثت في شارع ثروت المحاذي لجامعة القاهرة عن عنوان مجلة «أدب ونقد»، 23 شارع عبد الخالق ثروت، ثم قال زميلي مسعد صالح، الأستاذ بكلية الإعلام حاليا، إن الشارع في «وسط البلد»، ولم أعرف ماذا يعني وسط البلد؟ أي بلد؟ دافعت عن قيثارتي دافعت عن قيثارتي في مكتبها المتواضع رحّبت بي فريدة النقاش، كأنها تعرفني وتنتظر زيارتي. أخبرتها أنني نشرت قصصا متفرقة، وأعطيتها قصتين. وعدَتْ بإعطائهما للأستاذ روميش ليقرأهما، فإذا أعجبه شيء أقرّه، ثم يأخذ دوره في النشر. والنشر في المجلة له طعم الفرح بالتحقق، أسعدني كثيرا نشر قصتي «في حديقة الحيوان»، في فبراير 1988، في عدد يتضمّن قصصا لكل من محمد المخزنجي، وسليمان الشيخ (الكويت)، وأحمد زغلول الشيطي، ورضا البهات، ومحمد عبد الواحد أبو قمر، وقصتي بالاسم الثلاثي «سعد علي القرش». ثم الشعر ابتداء بقصيدة سعدي يوسف، وانتهاء بقصيدة سميح القاسم. الطريف أن محمد روميش، في العدد نفسه، ردّ على كتاب معروفين، منهم طلعت فهمي وحسين الجوخ وغنام غنام، قاسٍ في صراحته، كما قال لي رجاء النقاش، فهذا قاصٌّ «لم يستكمل أدواته»، وهذه قصة سلسة الأسلوب، «وهي سلاسة فارغة»، وهذه قصة «بلا فلسفة»، وتلك «تنتسب للتجريد الذهني». وعن قصتي وعنوانها «أخي أيوب» كتب: «ينقصنا رهافة الإحساس باللغة وببناء الجملة، وأن نقول شيئا يتضمن بعدا ثانيا. ننشر لك قصة أخرى، جديدة، في هذا العدد». يقصد قصة «في حديقة الحيوان». دافعت عن قيثارتي دافعت عن قيثارتي تساءل زملاء في الكلية: كيف تنشر في مجلة الماركسيين؟ ورأى آخرون أن النشر في المجلة شهادة ميلاد، وأن النشر السابق في الصحف لا يُكسبني الاعتراف بأنني كاتب قصة قصيرة. والأجمل من النشر هو تعرفي إلى روميش، الأب المقدس كما يدعوه أبناء جيله. قرأت مجموعته القصصية «الليل الرحِم»، أجمل وأعمق القصص «في» القرية المصرية. وكان موعدنا في نقابة الصحفيين، وظللت أتأمل ملامح الحضور في الحديقة حول الشجرة، وفي الداخل، ثم سألني أحدهم عمن أبحث؟ ظننته هو، فقال: «أنا سليمان الحكيم»، وأعطاني كتابه عن جمال عبد الناصر. شغلتني حكايات سليمان الحكيم إلى أن وصل روميش، بصحبة سعد التايه. حكى سليمان أن أنيس منصور فصله من مجلة «أكتوبر»، بسبب رفضه لكامب ديفيد، وأن صلاح منتصر لم ينصفه. وقال إنه سينتظرني في مكتب صحيفة «الأنباء» الكويتية. وفي «الأنباء» نشرتُ بمكافأة أعانتني على سداد بعض ديوني. ثم كانت «الأنباء» أولى محطاتي في يناير 1991، بعد انتهاء تجنيدي مباشرة. سعد القرش ومصطفى عبادة سعد القرش ومصطفى عبادة تؤمن فريدة النقاش بمقولة سيمون دو بوفوار «المرأة لا تولد امرأة، لكنها تصير امرأة»؛ فأدركتْ مبكرا حكمة أن تكون الكتابة إنسانية، لا تستبدل بضعفها دعاوى نسوية. هي في العموم لا تحب الشعارات، ولا تحتمي بها. أعمالها تستمد رسوخها من تماسك البناء، وقوة الحجة، ونديّةٍ ذاتيةِ الصلابة، تكتسب عزمها من داخلها، ولا ترتهن بدعم جموع المتحمسات لفكرة أو تيار. يمكن مراجعة ذلك في كتبها «السجن.. دمعتان ووردة»، و«يوميات الحب والغضب»، و«دافعتُ عن قيثارتي»، و«حدائق النساء»، و«لا أحد يخاف إسرائيل». هذه الكتب بعض ثمارها، في زحام الانشغال برئاسة تحرير المجلة، والعمل الحزبي، ورئاسة تحرير صحيفة «الأهالي»، كأول مصرية تترأس تحرير صحيفة حزبية أسبوعية. في بداية عام 1991، وأنا مفلس، خارج من الجيش أبحث عن غرفة وعن عمل، خذلني كاتب استخسر فيّ اتصالا بصديقه عاطف الغمري نائب رئيس تحرير «الأهرام». نصحني بالذهاب إلى الغمري، وإبلاغه أنني أتيت بتوصية صديقه. أين التوصية؟ لا رسالة مكتوبة، ولا اتصال هاتفي. قلت له: أي عابر يستطيع لقاء الغمري، واستخدام اسمك. لا أريد أكثر من مكالمة تعفيني من حرج الذهاب، أو تدعم موقفي إذا كنت مستحقًّا وفي الأهرام مكان. بماذا يعِد شاب يبدو بلا مستقبل؟ ليس مفيدا لأصحاب الخطط قصيرة الأجل، قصيرة النظر. بخل الكاتب بالاتصال بصديقه؛ فغادرته بيته ولم أعد، قاطعته حتى وفاته. خروجي الغاضب استفزّ ذاكرتي؛ فاستدعت رقم هاتف منزل فريدة النقاش. ذكرت لها اسمي، فرحّبتْ. خشيتُ أن يكون الترحيب بداعي السلوك الراقي ويخلو من الخصوصية، فسألتها: «فاكراني؟»، فضحكتْ وقالت: طبعا. حلمي سالم حلمي سالم في مكتبها من جديد، وليس معي قصة جديدة، وإنما هموم جديدة. ليس في «الأهالي» مكان. أعرف هذا، والسيدة تفكر في اقتراحات، وتفاضل بين بدائل. سألتني: تشتغل في «الشعب»؟ تردّدتُ وتشاغلتُ برشفة من الشاي؛ لأمنح نفسي لحظات للتفكير. وأجبتْ: أشتغل. قالت إنها حاليا لا تكلم عادل حسين، وسوف تكلم المستشار طارق البشري بشأني، وله حظوة عند عادل حسين. وسألتني عن رأيي في العدد الأخير من «أدب ونقد». السؤال نفسه تكرر في كل لقاء أو اتصال، ولم أكن قد تمكنت من ترويض لساني، وأعتبر كل مجاملة تنازلا، وحلو الكلام تملّقا. لازمتني خسارات مرتبطة بمصارحات، خسرت كثيرا وكثيرين بسبب وضوح إجابات لم أكن فيها مبادرا، بل مجيبا عن سؤال، مستجيبا لطلب ينتظر صاحبه الإشادة والمديح، فتصدمه صراحتي، ما أتصور أنه الحقيقة. ولم أخسر فريدة النقاش. أدب ونقد عدد خاص عن يوسف إدريس أدب ونقد عدد خاص عن يوسف إدريس الخوف من الوقوع في دائرة التودّد المفتعل منعني أن أقول لها إن العدد رقم 34 من «أدب ونقد»، ديسمبر 1987، احتفالا ببلوغ يوسف إدريس سن الستين، وقد أشرف على تحريره صبري حافظ، نموذج للأعداد الخاصة، هو الأهم والأكمل عن إدريس في حياته. احتاجت نفسي إلى سنوات من المجاهدة، لكي أقول للجميل إنه جميل، «والحلو أقول له: يا حلو، في عيونه». وفي المقابل، لم تفلح السنوات نفسها في كبْح الصراحة. وفريدة النقاش لم يغضبها اقتراحي ألا تكتب افتتاحية المجلة، أن تدّخر جهد كتابة «أول الكلام» لإنجاز دراسة، أو إنهاء مشاريع كتب مؤجلة. بعض الافتتاحيات تلائم القارئ الكسول، تُغنيه فيكتفي بها. قالت إن الافتتاحية مرهقة. وعدتْ ألا تكتبها، وواصلت الكتابة. اقتراح آخر لم يغضبها، في مصادفة لقاء أعقبه اجتماع لمجلس التحرير. طلبت بقائي، «أنت مش غريب». وجاء الأصدقاء: الدكتور صلاح السروي وطلعت الشايب وحلمي سالم ومصطفى عبادة وغادة نبيل. قلت إن المجلة يجب ألا تستمر بصيغة المونولوج، ثمار يقتصر استهلاكها على منتجيها، وعلى نسبة قليلة من قراء يتوقعون الموضوعات المنشورة. الثقافة تتجدد، وقارئ «أدب ونقد» يكاد يفقد الأمل في الانفتاح على أفكار جديدة، ومراجعة أفكار قائمة. وهناك تيار محافظ يتهم الماركسيين بالإلحاد، ويرى «أدب ونقد» صوت الكفرة. قطاع كبير من القراء ضحايا التسطيح الإعلامي، وقود جاهز للتعصب. فما المانع من توجّه المجلة إلى هؤلاء، ليس من الحكمة البدء بالصدمة، توجد وسائل جاذبة تفتح آفاقا للحوار. ذكرتُ أيضا أنني نشرت في «أدب ونقد»، في أغسطس 1995 ضمن ملف عن قضية نصر حامد أبو زيد، مقالا عن عزلة المثقفين، وتحولهم إلى «كائنات غامضة تعيش في جيتو»، يحاورون أنفسهم ولا يسمعهم أحد. وقلت إن الأستاذ أبو العاطي أبو النجا دلّني على كتاب جمال البنا «ما بعد الإخوان المسلمين؟؟؟» (1996)، وأدهشتني جرأة الرجل، وتواصلنا وأرسل إليّ كتبه. رجل مجهول مثل جمال البنا يجب الاهتمام به، والإشادة بأعماله، ومناقشة أفكاره. وفي مصر أكثر من جمال البنا، وقراء ينتظرون معرفة الاجتهادات الجديدة. استحسنتْ الفكرة، وقالت: اكتب. وكتبت في عدد سبتمبر 1998 مقالا أغضب جمال البنا. لكنه نشط في الكتابة للمجلة ولغيرها. صار نجما. فريدة النقاش، بمؤلفاتها وبمرونة إدارتها، سيدة فريدة حقا. كانت «أدب ونقد» منبر المستضعفين من الكتاب المبدعين، تهتم بما يخشى الآخرون نشره. لا حسابات خاصة، ولا مراعاة لتوازنات، فضاء يتسع للأرواح الحرة والأخيلة الطليقة، انحياز إلى العدل والحق في الحرية للمواطنين وللأوطان. أكتب هذا على وقع إبادة صهيونية لقطاع غزة، وتواطؤ عربي رسمي على المقاومة الفلسطينية، وصمت على الْتهام قطاعات من الضفة الغربية من آثار اتفاقية السلام. أكتب هذا وأستعيد ملف «أدب ونقد» عن فرانز فانون، وأراجع مقدمة سارتر لكتاب «معذبو الأرض»، في فضح عنصرية تجرد الضحايا «من إنسانيتهم»، فالأوروبي «لم يستطع أن يجعل نفسه إنسانا إلا بخلق عبيد ومسوخ». أما العنف المقدس، والحق في مقاومة الاحتلال، فهو «آخر ملجأ تفزع إليه إنسانيتهم... جنون القتل إنما هو اللاشعور الجمعيّ للمستعمَـرين في زمن عجزهم». سخر سارتر من «الوحشية الاستعمارية الهرمة» وشعارها: «دعوهم يعووا، فذلك يسرّي عنهم. إن الكلب الذي ينبح لا يعضّ». أكتب هذا، وأصرّ على التفاؤل ما دام بيننا أمثال فريدة النقاش.