
استطلاع: أميركا اللاتينية تختار الصين شريكاً تجارياً مفضلاً على واشنطن
أظهر استطلاع جديد أجرته شركة "AtlasIntel" لصالح وكالة "بلومبرغ" الأميركية أن دول أميركا اللاتينية تنحاز إلى بكين وتقف إلى جانبها، كما أنها تميل بشكلٍ متزايد إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الصين، في ظل تصاعد التوترات التجارية بين بكين وواشنطن، ما يعكس تحوّلاً استراتيجياً في مواقف شعوب المنطقة من الشراكات الدولية.
ووفقاً لنتائج مسح "LatAm Pulse" الشهري الذي أجرته شركة "AtlasIntel"، تزايدت الدعوات إلى إقامة علاقات اقتصادية أوثق مع الصين في المنطقة، وخاصةً في المكسيك، الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة.
وعبّر نحو ثلثي المكسيكيين المشاركين في استطلاع شهر أيار/مايو عن تأييدهم لتعميق التعاون التجاري مع العملاق الآسيوي الصين، متفوقين بذلك على نسبة المؤيدين للعلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة. اليوم 16:55
اليوم 13:13
وفي السياق نفسه، أيد أكثر من نصف المشاركين في البرازيل تعزيز العلاقات التجارية مع الصين، وهي نسبة تقارب عدد من يفضلون زيادة التعاون مع واشنطن. كما أعربت أغلبية واضحة في دول مثل الأرجنتين، وتشيلي، وكولومبيا، وبيرو عن دعمها لزيادة التجارة بشكلٍ أوسع مع بكين.
وربطت الوكالة الأميركية النظرة الإيجابية للصين بين دول أميركا اللاتينية بتداعيات السياسات الحمائية التي انتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً فرض الضرائب على الواردات واعتماد سياسة دبلوماسية متشددة. فبينما سعى قادة دول من المكسيك إلى البرازيل إلى المناورة لتجنب غضب الرئيس الأميركي، يعتقد العديد من مواطني هذه المنطقة الآن أن بكين شريك تجاري أفضل من واشنطن.
وفي هذا الإطار، يرى العديد من مواطني أميركا اللاتينية أن بكين تمثل شريكاً تجارياً أكثر موثوقية واستقراراً من واشنطن، لا سيما على مستوى الاستثمار والتمويل، إذ أظهرت نتائج الاستطلاع أن الصين تتفوق على الولايات المتحدة في تقديم الفرص الاقتصادية في كل الدول المشمولة بالاستطلاع.
وتتزامن هذه النتائج مع تصريحات للرئيس الصيني شي جين بينغ في منتصف أيار/مايو، أكد خلالها استعداد بلاده لتعزيز التضامن مع دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، ما يعكس التوجه الصيني نحو ترسيخ موقع بكين كشريك استراتيجي بديل للولايات المتحدة، في ظل ما يعتبره البعض تراجعاً نسبياً في النفوذ الأميركي في عدد من دول أميركا اللاتينية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 7 ساعات
- الميادين
الشرع: لدى سوريا و"إسرائيل" أعداء مشتركون ويمكنهما تأدية دور في الأمن الإقليمي
اعتبر الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، أن "عصر القصف المتبادل بين سوريا وإسرائيل يجب أن ينتهي"، مضيفاً أن "لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين، ويمكننا أن نلعب دوراً رئيسياً في الأمن الإقليمي". وأعرب الشرع، في حوار مع "المجلة اليهودية"، عن رغبته في العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك الموقّع عام 1974، لكن "ليس فقط لوقف إطلاق النار، بل كضمان أساسي لضبط النفس المتبادل بين سوريا وإسرائيل وحماية المدنيين، خاصة المجتمعات الدرزية في مرتفعات الجولان جنوبي سوريا". ورفض الرئيس السوري الانتقالي الحديث عن التطبيع الفوري مع "إسرائيل"، مشيراً إلى انفتاحه على محادثات مستقبلية تقوم على مبادئ القانون الدولي، واحترام سيادة سوريا، مضيفاً: "يجب أن يُكتسب السلام بالاحترام المتبادل، لا بالخوف"، بحسب المجلة. اليوم 16:34 30 أيار وخلال حديثه، أبدى الشرع، رغبته في الحوار المباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "إذ تحتاج سوريا إلى وسيط نزيه"، بحسب تعبيره، لتحقيق الاستقرار في المنطقة. "تُعدّ منطقة جنوب #سوريا غنية بالمياه، وقد كانت هناك خطة إسرائيلية لتقاسم الموارد المائية مع سوريا، و #الأردن، و #لبنان" الصحافي السوري جعفر ميَّا لـ #الميادين إلى أنّ "المجلة اليهودية"، هي مجلة أميركية أسبوعية مستقلة وغير ربحية، تُعنى بشؤون الجالية اليهودية في منطقة لوس أنجلوس الكبرى، وتُعدّ من أبرز وسائل الإعلام اليهودية في الولايات المتحدة. وفي سياق متصل، طرد أهالي قرية رويحينة في ريف القنيطرة الأوسط جنوبي سوريا، أمس الجمعة، دورية إسرائيلية في إثر توغّلها في القرية وإيقافها للمارة، ما أثار غضب السكان الذين قاموا برشق الآليات بالحجارة، وحرق العلم الإسرائيلي بعد نزعه عن إحدى مركباتها في مشهدٍ يعكس استمرار حالة الرفض الشعبي للوجود الإسرائيلي في المنطقة، وفق ما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان.


الميادين
منذ 8 ساعات
- الميادين
مفهوم "السياسة الصناعية" وموسم العودة إلى فريدريك لِست Friedrich List
لم يستفز الاستراتيجيين الأميركيين شيءٌ مثل مبادرة "صنع في الصين 2025"، وهي خطة عشرية أطلقت سنة 2015 أيضاً لتطوير عشرة قطاعات تصنيعية صينية، من بينها الذكاء الاصطناعي والروبوتات المتقدمة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسيارات العاملة بغير الوقود الأحفوري، والتكنولوجيا الزراعية، وهندسة الفضاء الجوي، والخامات الاصطناعية الجديدة، والمعدات الكهربائية المتقدمة، والطب الحيوي الناشئ، والبنية التحتية للسكك الحديد المتطورة، والهندسة البحرية عالية التقنية. تُعد هذه الخطة نموذجاً رائداً لما يُسمى "السياسة الصناعية" (Industrial Policy)، وهي تدخّل الدولة بصورة استراتيجية للارتقاء نوعياً بالاقتصاد، وخصوصاً في مجال تطوير التصنيع. وهذا يعني كمياً زيادة حصة التصنيع، ولا سيما المتقدم منه، من الناتج المحلي الإجمالي. في حالة الصين سنة 2015، كان ذلك يعني الانتقال من التصنيع الخفيف، مثل المنتجات الاستهلاكية البسيطة، كالألبسة والأحذية، المعتمدة على انخفاض أجور العمال، والتي تدر قيمة مضافة منخفضة، إلى تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 70% في القطاعات عالية التقنية، والتي تدر قيمة مضافة مرتفعة، سنة 2025، على أن تصل الصين إلى موقع مهيمن فيها في الأسواق الدولية مع مجيء سنة 2049، في الذكرى المئة لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. وتُعد القطاعات عالية التقنية مفتاحية لتحقيق نقلة نوعية في ما يسمى "الثورة الصناعية الرابعة"، أي تكامل الحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات الناشئة في التصنيع المتقدم وفي سلاسل إمداد منتجاته دولياً. ويمكن هنا، لمن يهمه الأمر، مراجعة مادة "نقد مفهوم الثورة الصناعية الرابعة". لدى ألمانيا واليابان خطط تطوير تصنيعية أيضاً. لكن شيئاً لا يضاهي خطة "صنع في الصين 2025"، في حجمها، ومدى التحول الذي راحت تحدثه في موقع الصين في التكنولوجيا المتقدمة، وفي موقع الاقتصاد الصيني دولياً. وهي خطة استفزت الغرب الجماعي إلى حدٍ جعل المسؤولين الصينيين يصفونها بأنها "غير رسمية"، و"ليست أكثر من طموح"! بدأ تجاهل الصين الرسمية للخطة منذ عام 2018 فعلياً، مع الاستمرار في تنفيذها تحت عناوين أخرى. وفي افتتاح مؤتمر الشعب القومي سنة 2019، أعلى هيئة حاكمة في الصين، تجاهل شي جين بينغ خطة "صنع في الصين" تماماً، وهي من الحالات القليلة التي يتعمد فيها الحكام تجاهل إنجاز عملاق كي يمضوا في مراكمته بهدوء وسلام، بدلاً من اصطناع إنجازات وهمية حيث لا يوجد شيء. وإذا كان توسع الصين في مبادرات مثل "الحزام والطريق"، وتوقيعها اتفاقيات تجارة حرة مع المزيد والمزيد من البلدان، توسعاً أفقياً في مديات الجغرافيا السياسية، وكان آخرها، الأسبوع الفائت، الإعلان عن تطوير اتفاقية التجارة الحرة مع الدول العشر لمنظومة "آسيان"، شريك الصين التجاري الأول عالمياً ككتلة إقليمية، إلى النسخة "3.0". وإذا كان انخراط الصين الحاسم في إنشاء مصارف دولية مثل "بنك الاستثمار الآسيوي في البنية التحتية"، و"بنك التنمية الجديد"، وغيرهما، والدفع باتجاه وضع اليوان كأحد خيارات العملات الدولية، ومحاولة زيادة مشاركة الصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية القائمة، مثل صندوق النقد الدولي، كسراً لاحتكار الغرب الجماعي لمفاصل المالية الدولية، وبالتالي تعديلاً لموازين العلاقات الاقتصادية الدولية. فإن مشروع "صنع في الصين 2025" يمثل توسعاً عمودياً متمحوراً على الذات من أجل تطوير الاقتصاد الصيني جذرياً عبر الانتقال به إلى مستويات أعلى تقنياً. وثمة تقرير في "بلومبرغ"، في 26/5/2025، بأن الصين تعكف الآن على إعداد الجزء التالي لخطة "صنع في الصين 2025"، تحت عنوان بعيد عن تلك التسمية، كجزء من التحضيرات لإطلاق الخطة الخمسية المقبلة مع بداية سنة 2026. وتركز الخطة الجديدة، في ما تركز عليه، على تطوير الآلات المنتجة للرقائق الإلكترونية المتقدمة. يشير تقرير مهم في موقع "مجموعة روديوم" الأميركية، في 5/5/2025، تحت عنوان (هل كانت خطة "صنع في الصين 2025" ناجحة؟)، إلى أن "الغموض المتزايد بشأن القدرات التكنولوجية الصينية، مدفوعاً بمتطلبات الأمن القومي، يعقد الجهود المبذولة لتقييم وضعها المستقبلي ومسارها بصورة كاملة. تبدو الشركات الصينية، على الرغم من ذلك، في وضع جيد لتحقيق تقدمٍ كبيرٍ في العديد من قطاعات التكنولوجيا المتقدمة في إطار برنامج "صنع في الصين 2025"، بما في ذلك التكنولوجيا الحيوية، والأجهزة الطبية، والروبوتات". يضيف التقرير: "علاوةً على ذلك، فإن ريادة الصين في الذكاء الاصطناعي – وهو مجال لم يكن في الأصل جزءاً من خطة "صنع في الصين 2025"، لكنه الآن يبدو مهيأً لتحويل أنظمة الابتكار والتصنيع العالمية – تختزن إمكانية تقليل الحواجز أمام الابتكار في التصنيع وتمكين الصين من تحقيق اختراقات مستقبلية". ليصل تقرير "روديوم" إلى الآتي: "تشير هذه التطورات إلى أن مسار الصين في الريادة التكنولوجية قد يتسارع في السنوات المقبلة، مع تأثيرات واسعة النطاق عبر الصناعات العالمية". يأتى تجاوز الخط الأحمر هنا من اقتحام الصين لمواطن قوة الشركات متعدية الحدود، وبالتالي من الإخلال بمصادر نفوذ الإمبريالية العالمية. فالغرب الجماعي يمكن أن يتساهل مع التصنيع في الجنوب العالمي عندما يتعلق الأمر بالصناعات الخفيفة منخفضة الأجور أو الملوثة للبيئة أو الاستخراجية، وبما لا يخلّ بالتقسيم الدولي للعمل، أما عندما يحاول قطب رئيس خارج منظومته أن يمسك بالحلقات العليا للتصنيع المتقدم، وبصورة مستقلة عنه، فإن ذلك يدعوه إلى قرع طبول الحرب، لأن التكنولوجيا والتصنيع المتقدم ليسا محايدين، على الرغم من محاولة الصين الوصول إليهما بصفة مهنية محايدة، وغير أيديولوجية، ومن دون رفع رايات الثورة العالمية على طريقة ماو تسي تونغ. اتبعت الولايات المتحدة، بدورها، "سياسة صناعية" تبلورت في ظل إدارة بايدن في خطة عملاقة لتقديم دعم حكومي وحوافز للاستثمار في البنية التحتية وأشباه الموصلات والتصنيع الصديق للبيئة. وتجلت خطة إدارة بايدن تلك في "قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف" لعام 2022، والذي كرس 1.2 تريليون دولار لتشجيع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية. جمد ترامب الإنفاق على ذلك القانون عندما عاد إلى الحكم بأوامر تنفيذية، مع أنه أُقِر رسمياً من طرف الكونغرس، والموضوع عالقٌ في المحاكم الآن. واستعاض ترامب عن ذلك بآلية الرسوم الجمركية، والتي تمثل استمراراً لما بدأه في فترته الأولى، إضافةً إلى مزيج من التخفيضات الضريبية لتشجيع القطاع الخاص، وإلغاء التنظيم، ولا سيما قوانين المسؤولية الاجتماعية وحماية البيئة، والحمائية، مع الاستعداد لتقديم الدعم الحكومي لحالات بعينها مثل بناء السفن. 29 أيار 08:53 26 أيار 08:30 وجدت الردة الأميركية عن أصولية السوق الحرة، منذ حملة ترامب الانتخابية سنة 2016، تأصيلاً لها في ألكسندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية. وضع هاملتون كراساً قدمه كتقرير للكونغرس سنة 1791 بعنوان "تقرير بشأن المصنوعات" دعا فيه إلى سياسة صناعية تقوم على فرض رسوم جمركية معتدلة على المستوردات توجه عائداتها إلى دعم التصنيع محلياً، وإلى دعم تطبيقات العلوم والتكنولوجيا في مناحي الاقتصاد الأميركي كافة. للعلم، لا توجد دولة صناعية متقدمة، من غرب أوروبا إبان الثورة الصناعية إلى النمور الآسيوية في القرن العشرين، لم تحمِ صناعاتها الناشئة، ولم تنخرط فيها الدولة بنشاط في سياسة صناعية ترتقي باقتصادها نوعياً. ولا يوجد إنسان مثقف في العالم لم يسمع بطرفي نقيض في الفكر الاقتصادي، آدم سميث من جهة، وكارل ماركس من جهة أخرى، لكنّ قلةً قليلة سمعت أو قرأت عن المفكر الاقتصادي الألماني فريدريك لِست Friedrich List، الذي توفي سنة 1846. كان لِست صاحب "المدرسة التاريخية في علم الاقتصاد"، ورائد النظرية القومية في الاقتصاد السياسي، وداعية تبني الدولة "سياسة صناعية"، وأحد أهم المفكرين الألمان الداعمين لمشروع بِسمارك لتوحيد ألمانيا بـ"الحديد والدم"، على حد قول بِسمارك. كان لِست في زمانه، إلى جانب كارل ماركس، أحد عالمي الاقتصاد الأكثر ترجمةً من الألمانية إلى الإنكليزية، لكنّ هيمنة المشروع الإنكليزي على الفضاء الأوروبي تجلت في مجال الفكر الاقتصادي بإطاحة البعد الاجتماعي لدى ماركس، والقومي لدى لِست، لمصلحة الخط البراغماتي الفردي الذي تجلى في مفهوم الإنسان (الفرد) الاقتصادي Homos Economicus الذي يحقق مصلحته الفردية بعقلانية. وكان تجاهل ماركس والماركسيين لأعمال فريدريك لِست، أحد أهم أسباب نشوء ثغرة كبيرة في الفكر الماركسي عندما تعامل مع كل مجتمع رأسمالي كنسخة طبق الأصل عن كل مجتمع رأسمالي آخر يحكمها الصراع الطبقي، بغض النظر عن التفاوت في مستويات التطور الاقتصادي-الاجتماعي، الأمر الذي يفسح مجالاً للصراعات بين الأمم عندما تحاول الأمم الرأسمالية الأكثر تطوراً أن تسيطر على الأمم الأخرى، أو عندما يخل صعود الصاعد بموازين القوى ويحاول إعادة صياغة المنظومة الدولية بناءً على معطيات موازين القوى الجديدة. كانت تلك الثغرة الكبيرة سبباً رئيساً في الحاجة إلى نشوء المذهب اللينيني في الماركسية، والذي يتضمن، فيما يتضمنه، فكرة صراع المستعمرات وأشباه المستعمرات مع المراكز الإمبريالية. ولم يكن لينين وحده من أمسك بذلك الخيط الجوهري في تفسير عالمنا المعاصر، كما تجلى ذلك في كتابه "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، بل سبقه إلى ذلك نيقولاي بوخارين وروزا لوكسمبورغ وكارل ليبخنت في مجلدات خاصة بهم عن مفهوم الإمبريالية جاء كتاب لينين تتويجاً لها. للأمانة، وجدت مسودة مقالة غير منشورة لكارل ماركس، من سنة 1845، ينقد فيها "النظام القومي للاقتصاد السياسي"، درة أعمال فريدريك لِست، من منظور فلسفي، يهمشه فيها تماماً، ويعده تعبيراً عن تعفن البورجوازية الألمانية. وقد أعاد السوفيات نشر تلك المسودة سنة 1971. كما أن المدرسة النمساوية في علم الاقتصاد، التي أصبحت أحد محركات المذهب النيوكلاسيكي في علم الاقتصاد، والتي كتب روادها بالألمانية، ومنهم كارل منجر، وبوم بوفريك، وفون ويزر، كانت معادية بشدة للمدرسة التاريخية والقومية التي مثلها لِست. لا تُحسب أعمال مفكري المدرسة النمساوية إذاً على "الأيديولوجيا الألمانية" (وهو عنوان كتاب لماركس وإنجلز وضعاه في ربيع 1846، ولم يجد ناشراً آنذاك، حتى نشره السوفيات للمرة الأولى سنة 1932). لكنّ تجاهل ماركس لفريدريك لِست يبقى ثغرة في منهجه، إذ إن تجاهل حقيقة الوجود القومي، وطريقة انتشاره، وكثافتها عبر الجغرافيا، وموازين القوى الناشئة عن ذلك الانتشار، والتحولات التي تطرأ عليه نتيجة عوامل داخلية أو خارجية، كانت أحد أهم محركات الصراع السياسي عبر التاريخ. كما أن المدرسة النمساوية التي نشأت سنة 1871، عشية توحيد ألمانيا، مثلت ردةً فكرية على الأيديولوجيا الألمانية (التاريخية الجمعية، في مقابل النزعة البراغماتية الفردية)، لأن الصراع المحتدم بين مقاطعة بروسيا والنمسا في القرن الـ 19 على قيادة الفضاء الألماني كان من المحتم أن يجد تعبيره في فضاء الاقتصاد السياسي حتى لا يجتاح الألمانُ النمسا فكرياً. ولا تختلف ردة المدرسة النمساوية على فكر فريدريك لِست كثيراً عن الفرق بين مشروع الداهية النمساوي ميترنيخ من جهة، الذي سعى إلى الحفاظ على الأمر الواقع في أوروبا القرن 19، ومشروع بِسمارك، من جهةٍ أخرى، الذي سعى إلى قلبه. المهم أن لِست كان خصماً فكرياً عنيداً لآدم سميث، وكان يرى في نشوء الوحدة القومية شرطاً ضرورياً، غير كافٍ، لتقدم التصنيع، إذ لا بد من تبني الدولة لمشروع التصنيع وتعبئة كل طاقات المجتمع، ومن ضمنها القطاعان العام والخاص، لتحقيقه. وكان لِست مناهضاً لهيمنة السلعة البريطانية التي دعا إلى مواجهتها بالرسوم الجمركية، مع إبقاء الباب مفتوحاً لاستيراد التكنولوجيا المتقدمة من بريطانيا. ركز لِست في كتاباته على الفروق بين السلوك الاقتصادي للفرد، الذي يستند إليه الفكر النيوكلاسيكي، والسلوك الاقتصادي للأمة، الذي نظّر له لِست. ويبقى هذا الخيط منطلقاً ضرورياً لنقض خط العولمة والمؤسسات الاقتصادية الدولية في عالمنا المعاصر، وهو السؤال المركزي في الفلسفة السياسية في عالمنا المعاصر: أيهما أولى، مصلحة الجماعة أم مصلحة الفرد؟ انظروا مثلاً إلى ما يرد به لِست على دعوة آدم سميث للتجارة الحرة غير المقيدة بالتدخل الحكومي بين الأمم: "لو ترك الإنكليز كل شيء على حاله – "دعه يعمل، دعه يمر"، كما توصي المدرسة الاقتصادية السائدة – لكان التجار الألمان في ستيل يارد لا يزالون يمارسون تجارتهم في لندن، ولكان البلجيكيون لا يزالون يصنّعون القماش للإنكليز. كانت إنكلترا ستظل مزرعة أغنام لعائلة هانزارد، تماماً كما أصبحت البرتغال كرماً للنبيذ المصدر إلى إنكلترا، وظلت كذلك حتى أيامنا هذه، بفضل حيلة دبلوماسي ماكر. في الواقع، من المرجح للغاية أنه من دون سياستها التجارية، الحمائية للغاية، لم تكن إنكلترا لتتمكن من تحقيق مثل هذا القدر الكبير من الحرية الفردية والبلدية التي تمتلكها الآن، لأن مثل هذه الحرية هي ابنة الصناعة والثروة." انكشف "الطابق" إذاً عندما وجد الغرب أن العولمة لا تسير وفقاً لمصلحته، فبدأ يعود أدراجه إلى "النظام القومي في الاقتصاد السياسي"، أي بدأ يعود إلى فريدريك لِست. لكنها عودة متأخرة، لأن الصين اخترقت العولمة أصلاً استناداً إلى ذلك النظام. ويبدو أنها، بخطتها الصناعية الجديدة، على وشك أن تحقق اختراقاتٍ مدهشةً في مجالي التصنيع المتقدم والتكنولوجيا المتطورة. لكنْ، كما هو قانون التاريخ، لن يحدث الانقلاب في موازين القوى من دون احتكاكات وصراعات حادة.


LBCI
منذ 11 ساعات
- LBCI
ترامب يقيل مديرة المتحف الوطني للبورتريه زاعمًا أنها متحيزة حزبيًا بشدة
أقال دونالد ترامب مديرة المعرض الوطني للبورتريه، زاعمًا أنها متحيزة حزبيًا بشدة، في وقت يدفع فيه الرئيس الأميركي بخطته لإعادة هيكلة المؤسسات الثقافية في البلاد. وتعد إقالة مديرة المعرض أحدث خطوة هجومية من قبل الجمهوريين في عالم الفنون الذي يرونه معاديًا لهم ومعقلًا لخصومهم من الحزب الديموقراطي.