logo
مشكلة الاقتصاد الأردني إدارية لا مالية

مشكلة الاقتصاد الأردني إدارية لا مالية

السوسنةمنذ 2 أيام
ليس خافيًا على أحد أن الاقتصاد الأردني يعيش واحدة من أعمق أزماته في تاريخه الحديث، أزمة لا تعود جذورها إلى نقص الموارد أو غياب المال، بل إلى غياب الكفاءة في إدارتهما. فالأردن، رغم محدودية موارده الطبيعية، لم يكن يومًا معدمًا؛ دخلت إليه مليارات من المساعدات العربية والدولية، وتدفقت عليه عوائد الضرائب والفوسفات والبوتاس، ومع ذلك، لم تنعكس هذه الأموال على حياة المواطن ولا على بنية الاقتصاد الوطني. فالمشكلة لم تكن في المال، بل في من يدير المال، وفي الطريقة التي يُدار بها.تُدار الموارد في الأردن بعقلية عاجزة عن مواكبة مرونةالعصر، وبتخطيط يفتقر للرؤية بعيدة المدى، وتنفيذ يُسخّر غالبًا لخدمة الأجندات الشخصية لا الصالح العام. غابت الإدارة الرشيدة، وحلّ مكانها أسلوب الارتجال، وغياب المساءلة، وإعادة تدوير الوجوه ذاتها التي أثبتت فشلها لعقود، في مشهد لا يُعبر عن نقص الكفاءات، بل عن سطوة الشللية والمحسوبية. فحين يُقصى الكفء لصالح القريب أو التابع، فلا عجب أن تُهدر الأموال وتفشل المشاريع، ويتحول الاقتصاد إلى عبء ثقيل على المواطن.وإذا كانت الإدارة السيئة قد أصابت الاقتصاد بالشلل، فإن الفساد كان كالسرطان الذي نخر عظام الدولة. الفساد في الأردن ليس استثناءً، بل قاعدة تغلغلت في المؤسسات، وأصبحت جزءًا من بنية اتخاذ القرار. عقود من المحاباة والفساد المنظم للمال العام، وعشرات المشاريع الفاشلة التي صُممت لتُنهب لا لتُنتج، خلّفت اقتصادًا هشًا، ومجتمعًا منهكًا. يتكرر المشهد ذاته كل مرة: تُمنح العقود لمستفيدين بعينهم، تُمرر الصفقات عبر نوافذ ضيقة، وتُهدر الأموال التي لو أُحسن استغلالها، لتحولت إلى تنمية حقيقية.ووسط هذا كله، يستمر الدين العام في التصاعد حتى تجاوز حاجز الـ60 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 115% من الناتج المحلي. والمأساة لا تكمن في الرقم وحده، بل في أن هذه القروض لم تُستثمر في بنية إنتاجية، بل وُجهت لتغطية رواتب ومصاريف تشغيلية وفوائد ديون سابقة، مما وضع الدولة في دائرة مغلقة من الاقتراض لتسديد فوائد الاقتراض. ولمواجهة هذا العجز المزمن، لم تجد الدولة وسيلة إلا تحميل المواطن مزيدًا من الضرائب والرسوم، في وقت لم يعد فيه المواطن قادرًا على تأمين أبسط ضروريات الحياة. المواطن بات يُعامل كمصدر دخل لخزينة عاجزة، لا كإنسان يستحق حياة كريمة.وما إن يُصبح المواطن هو الحلقة الأضعف في معادلة الاقتصاد، حتى تبدأ الارتدادات الاجتماعية بالظهور. بطالة مرتفعة، خاصة بين الشباب، وشهادات جامعية تذروها الرياح، وهجرة متزايدة للعقول والأيدي العاملة بحثًا عن وطن بديل يوفر ما عجز وطنهم عن تأمينه. والبطالة لم تعد مشكلة رقمية فقط، بل تحولت إلى حالة نفسية جماعية من الإحباط، والشعور باللاجدوى، واليأس من الإصلاح. الشاب الأردني اليوم، لا يبحث عن الرفاه، بل عن فرصة للبقاء بكرامة.وفي هذا المناخ القاتم، يُمعن الخطاب الرسمي في الغياب عن الواقع. يُطلّ المسؤول بتصريح مفصول عن حياة الناس، ليحدثهم عن نمو اقتصادي، وعن خطط مستقبلية واعدة، وكأن الأردنيين لا يعيشون في الوطن ما يعيشونه من غلاء وحرمان. هذه الفجوة بين الدولة ومواطنيها لم تعد تُقاس بالكلام، بل بالشعور العميق بأن الدولة تخلّت عن دورها، أو في أحسن الأحوال، لم تعد قادرة على أدائه. الصدق غائب، والمكاشفة ممنوعة، والشفافية في أدنى مستوياتها، في وقت أصبح فيه الناس بحاجة إلى الحقيقة أكثر من أي وقت مضى.ولأن الكارثة لا تأتي فرادى، فإن تآكل العدالة الاجتماعية بات ملموسًا، حيث تُحتكر الفرص من قبل طبقة صغيرة تستأثر بكل شيء، بينما يُترك الباقون في العراء. اختفت الطبقة الوسطى تقريبًا، واتسعت الهوة بين من يملكون ومن لا يملكون، لا نتيجة لتفاوت طبيعي في الجهد، بل بسبب نظام اداري يُكافئ الولاء لا الإنجاز. هذه الفجوة الطبقية، حين تتعمق، لا تُهدد الاقتصاد فقط، بل الاستقرار السياسي والاجتماعي برمّته.أما البنية التحتية، التي كان يفترض أن تكون المظهر الملموس لأي تنمية، فقد أصبحت شاهدة على غياب الرؤية. شوارع متهالكة، مدارس مكتظة، مستشفيات تعاني نقص الكوادر والمعدات، كلها تُبنى بتمويل خارجي، وكأن الدولة غير قادرة حتى على بناء مدرسة أو إصلاح طريق. الإدارة المحلية فاشلة، إما لأنها مسيّسة أو لأنها فاسدة، والمواطن في الأطراف يشعر أنه مواطن مهمش في وطنه.وإذا كان هذا هو الحال اقتصاديًا واجتماعيًا، فإن الارتدادات السياسية لا بد أن تطرق الأبواب. تآكل الثقة بالمؤسسات، غياب المشاركة السياسية الفاعلة، توسع الفجوة بين الشعب والمسؤل، كلها مقدمات لمشهد لا يتمنى أحد أن يراه. المواطن الذي يفقد ثقته بالدولة، ويشعر بأن حقوقه مسلوبة، لن يبقى ساكنًا إلى الأبد. فكل صمت طويل يُولد انفجارًا.من هنا، فإن إنقاذ الاقتصاد الأردني لا يكون بتغيير وزير أو تعيين باشا أو إطلاق شعار، بل بإصلاح جذري وشامل يبدأ من الإدارة. يجب أن تعود الكفاءة إلى موقعها، ويُفصل القرار الاقتصادي عن الحسابات السياسية الضيقة، وتُحاسب شبكات الفساد بجدية لا بمجاملة. كما يجب وقف الاعتماد على الجباية والاقتراض، وتوجيه المال نحو الاستثمار الحقيقي الذي يُنتج ويُشغل، لا نحو الإنفاق الاستهلاكي الذي يُبدد. المطلوب اليوم إصلاح يُعيد الثقة، ويُعيد للناس إحساسهم بالعدالة، ويُشعرهم أن الوطن لهم لا عليهم.الأردن لا تنقصه العقول ولا الموارد ولا الإرادة الملكية في التوجيه نحو الإصلاح، لكن ما ينقصه فعلًا هو إدارة جديدة، مختلفة، تؤمن بالوطن والمواطن، وتضعهما في مقدمة أولوياتها. فليس المطلوب اقتصادًا ينمو على الورق، بل اقتصادًا يُشبع الناس خبزًا وكرامة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

المريخ البورسعيدي يحصل على مليون دولار حال انتقال نجم بيراميدز للدوري الإماراتي
المريخ البورسعيدي يحصل على مليون دولار حال انتقال نجم بيراميدز للدوري الإماراتي

صدى البلد

timeمنذ 32 دقائق

  • صدى البلد

المريخ البورسعيدي يحصل على مليون دولار حال انتقال نجم بيراميدز للدوري الإماراتي

اقترب إبراهيم عادل، جناح نادي بيراميدز ومنتخب مصر، من خوض تجربة جديدة في الدوري الاماراتي، بعدما تم الاتفاق بشكل نهائي على انتقاله إلى صفوف نادي الجزيرة الإماراتي مقابل 5 ملايين دولار، في صفقة تُعد الأكبر في مسيرته حتى الآن. المريخ البورسعيدي يجني مليون دولار من المنتظر أن يحصل نادي المريخ البورسعيدي على 20% من قيمة الصفقة، وفقًا للبند المدرج في عقد انتقال اللاعب إلى بيراميدز قبل سنوات، حيث كانت إدارة النادي البورسعيدي قد ضمنت هذا الشرط تحسبًا لأي انتقال خارجي مستقبلي. يغادر اللاعب الشاب القاهرة صباح الثلاثاء، متوجهاً إلى الإمارات لإنهاء إجراءات انتقاله، ومن المقرر أن يخضع للفحوصات الطبية في نادي الجزيرة، تمهيدًا للإعلان الرسمي عن الصفقة بعد اجتياز الكشف بنجاح. وبمجرد انتهاء الإجراءات، سينضم إبراهيم عادل مباشرة إلى معسكر الجزيرة المُقام حاليًا في إسبانيا، ضمن استعدادات الفريق لانطلاقة الموسم الكروي الجديد. تفاصيل انتقال ابراهيم عادل للجزيرة الإماراتي وبحسب مصادر مطلعة، فإن إدارة بيراميدز المتواجدة حاليًا في الإمارات لعبت دورًا حاسمًا في تسهيل المفاوضات، خاصة بعد وصول العرض المالي إلى الرقم المطلوب من قبل النادي. ورغم رغبة اللاعب في خوض تجربة احترافية في أوروبا، فإن عدم توفر عرض يتناسب مع طموحاته الفنية والمالية جعله يميل إلى خوض تجربة قوية في الدوري الإماراتي، خاصة في ظل الجدية الكبيرة التي أبدتها إدارة نادي الجزيرة لحسم الصفقة. الجزيرة يدعم صفوفه بجناح بيراميدز وينتظر أن يضيف إبراهيم عادل قوة هجومية إلى صفوف الفريق الإماراتي، لما يتمتع به من مهارات فردية وسرعة في الأداء، جعلته محط أنظار أندية عدة داخل وخارج مصر خلال الفترات الماضية.

الحزم السعودي يتراجع عن ضم أحمد عبد القادر
الحزم السعودي يتراجع عن ضم أحمد عبد القادر

الأسبوع

timeمنذ 33 دقائق

  • الأسبوع

الحزم السعودي يتراجع عن ضم أحمد عبد القادر

أحمد عبد القادر عمرو أسامة أكد الإعلامي أمير هشام، أن نادي الحزم السعودي تراجع عن اتمام صفقة التعاقد مع أحمد عبد القادر لاعب النادي الأهلي. وقال عبر برنامجه بلس 90 على قناة النهار الفضائية: الأهلي كان يرغب في إعارته لمدة موسم ولكن اللاعب رفض ذلك. وأضاف: أحمد عبد القادر رفض فكرة وضع شروط معينة في عقده مع نادي الحزم السعودي، منها الحصول على مبالغ مالية حال عودته وانتقاله لأي نادٍ مصري. وأكمل: رغم ذلك وافق الأهلي على بيع عبد القادر للحزم السعودي بـ مليون دولار، ومنحهم الموافقة على التفاوض مع اللاعب. وزاد: عبد القادر طلب التوقيع لمدة موسمين فقط، والحزم السعودي رفض وأصر على ان يوقع اللاعب 3 مواسم، كما طلب اللاعب وجود شرط جزائي، وأيضا رفض النادي السعودي. وأشار إلى أن الأمر يرتبط برغبة أحمد عبد القادر في الانضمام لنادي الزمالك مستقبلًا، وهذه أمور واضحة.

البنك المركزي العراقي والعملات القيادية
البنك المركزي العراقي والعملات القيادية

مركز الروابط

timeمنذ 36 دقائق

  • مركز الروابط

البنك المركزي العراقي والعملات القيادية

انخفضت مبيعات البنك المركزي من العملة الأجنبية ' القيادية' للشهر الثالث على التوالي، حيث بلغت 5.7 مليار دولار في شهر حزيران من العام الحالي، بتراجع نسبته 15.5% مقارنة بشهر أيار الذي سجلت فيه المبيعات 6.5 مليار دولار. وبهذا، وصلت مبيعات البنك المركزي من العملة الأجنبية في الأشهر الستة الأولى من السنة إلى 37.2 مليار دولار، منخفضة بنسبة 2.2% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي التي كانت قد سجلت 38.1 مليار دولار. كما انخفضت المبيعات النقدية للعملة الأجنبية إلى أدنى مستوى لها، حيث بلغت في شهر حزيران 99 مليون دولار فقط، وهي أقل قيمة مبيعات شهرية منذ بدء اعتماد المبيعات النقدية. وبذلك، بلغ إجمالي مبيعات البنك المركزي من العملة الأجنبية على طريقة المبيعات النقدية في الأشهر الستة الأولى من السنة 1.4 مليار دولار، بتراجع نسبته 21% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي التي كانت قد بلغت 1.76 مليار دولار. أما مبيعات العملة الأجنبية عبر آلية تعزيز الأرصدة، فقد بلغت 5.6 مليار دولار في شهر حزيران من العام الحالي، بزيادة قدرها 35% مقارنة بشهر حزيران من العام الماضي. وبذلك، بلغت مبيعات العملة الأجنبية عبر آلية تعزيز الأرصدة في الأشهر الستة الأولى من السنة 35.8 مليار دولار، مرتفعة بنسبة 37% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي التي كانت قد بلغت 26 مليار دولار. كما توقفت تمامًا آلية التسويات الدولية عبر البنك المركزي، وكذلك آلية التحويل عبر البنك المركزي، ليقتصر بيع العملة الأجنبية على آلية تعزيز الأرصدة والبيع النقدي للمسافرين. ورغم انخفاض المبيعات النقدية وتوقف التسويات الدولية، إلا أن سعر الدولار ظل مستقرًا ولم يتأثر بهذا التراجع. ومن المتوقع أن تصل مبيعات البنك المركزي لهذا العام إلى حوالي 70 مليار دولار، بانخفاض عن العام الماضي الذي تجاوزت فيه المبيعات 80 مليار دولار. إن تراجع مبيعات العملة الأجنبية، مع استقرار سعر الدولار في السوق الموازي وانخفاض مستويات التضخم، يستدعي مراجعة دقيقة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع. وهذا الأمر يمكن أن يكون مرتبطًا بإمكانية دخول معظم التجار إلى السوق الرسمية، مما يقلل الحاجة للعملة الصعبة في السوق الموازي، أو بتراجع الطلب على السلع، ما قد يعكس حالة من الركود الاقتصادي الذي يمر به السوق العراقي. المهندس منار العبيدي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store