
جولة لرئيس الجمهورية في «العدلية» وتشديد على «الحكم بالعدل وعدم الخضوع للضغوط والترهيب»
بيروت - ناجي شربل وأحمد عز الدين
قال رئيس الجمهورية العماد جوزف عون من قصر العدل «أقول للقضاة، احكموا بالعدل واستنادا إلى القوانين، فلا تبرئوا مجرما، ولا تجرموا بريئا، ولا تخضعوا للضغوط ولا للترهيب».
رئيس الجمهورية استهل نشاطه يوم الجمعة من قصر العدل في بيروت، حيث التقى وزير العدل عادل نصار، ثم انتقل إلى مجلس القضاء الأعلى يرافقه الوزير نصار، حيث التقى رئيس المجلس القاضي سهيل عبود.
ثم توجه رئيس الجمهورية إلى مكتب المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، والتقاه بحضور الوزير نصار والقاضي سهيل عبود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي أيمن عويدات. وبعدها توجه عون إلى مكتب النيابة العامة المالية، حيث التقى النائبة العامة المالية بالإنابة القاضية دورا الخازن، بحضور الوزير عادل نصار والقضاة عبود والحجار وعويدات.
وفي قصر بعبدا، استقبل رئيس الجمهورية رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في زيارة أولى للأخير إلى القصر الجمهوري بعد الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها رئيس الجمهورية بعد أيام قليلة من انتخابه في 9 يناير 2025.
وبعد اللقاء قال باسيل: «من الطبيعي أن يقابل تسليم السلاح بانسحاب إسرائيلي وتوقف الاعتداءات».
وشدد على ضرورة «تسليم السلاح إلى الدولة»، وقال:«من المنطقي أن يطالب لبنان في المقابل بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين»، مؤكدا أن «العودة الفورية باتت أمرا ضروريا، بعدما انتفى ارتباطها بأي مبرر، في ظل سقوط النظام (السابق) ورفع العقوبات».
وأضاف: «نأمل أن يلتقط حزب الله هذه الفرصة، كي نشعر جميعا أننا قد ربحنا، إذ إن هزيمة أحدنا تعني في النهاية هزيمة الجميع». كما شدد باسيل على موقفه المساند للعهد.
وفي مسألة الرد اللبناني على «الورقة الأميركية» التي عرضها الموفد توماس باراك العائد إلى بيروت يوم الاثنين، بدا أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يحاول إمساك العصا من المنتصف بهدف منع الوصول إلى مرحلة تتعثر معها المساعي الهادفة إلى إخراج لبنان من عنق الزجاجة التي يعيشها وسط حالة المراوحة منذ أشهر عدة.
ويلاقي بري في خطواته المساعي التي يبذلها رئيس الجمهورية عبر الفريق الذي يتواصل مع «الحزب» من قبله، والذي (الفريق) يعرض لدقة الوضع ويتفهم في المقابل طلب الضمانات التي يتحدث عنها «الفريق الآخر».
وقالت مصادر نيابية لـ «الأنباء»: «يخوض لبنان مباحثات تحت ضغوط على خطين: الأول سياسي - دولي من خلال التلويح بالتخلي عن دعم لبنان وتركه لمصيره من دون أي حلول اقتصادية أو مساعدات لإعادة الإعمار، حتى احتمال سقوط اتفاق وقف إطلاق النار وعودة الحرب مجددا. والثاني تزايد التصعيد الإسرائيلي خصوصا في البلدات الحدودية، حيث لجأ الجيش الإسرائيلي إلى تفجير المنازل».
وفي موقف من التعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد، كتبت القاضية غادة عون على منصة «إكس»: «إلى كل مودع وإلى كل صديق، أرجو أن تعذروني على القراءة المتسرعة للتعميم رقم 169 الذي أصدره حاكم مصرف لبنان. بعد أن انجذبت بالمشهد السريالي لهذا التعميم، فاستهوتني عباراته المنمقة الجذابة واعتقدت خطأ أن المقصود هو بالفعل العدالة، دون أن أدري بعد قراءته مليا أن المقصود هو عكس ذلك تماما، وعكس ما يدعيه صاحبه من أنه يريد إنصاف المودعين وعدم تفضيل أحد على الآخر، فإذ بي أصاب بالدهشة بعد التمعن في كل مقاطعه وعباراته لأتساءل:
1 - كيف يكون إنصاف المودعين يا حضرة الحاكم، هل عن طريق منعهم من متابعة دعاواهم وإعطاء ذريعة للمصارف للامتناع عن إعادة الودائع دون إيجاد البديل؟ ودون أن يكون قد بذل أي مجهود للتدقيق في حسابات هذه المصارف التي قامت بتحويل أموال المودعين إلى الخارج لتنشئ لها عشرات الفروع هناك وتؤمن ازدهار أعمالها؟
2 - كيف يمكن إنصاف المودعين يا حضرة الحاكم في ظل غض النظر عن جرائم تبييض الأموال، من «أوبتيموم» إلى اختلاسات الحاكم السابق (رياض سلامة)، إلى القروض التي أخذتها المصارف في عز الأزمة وحولت الجزء الكبير منها إلى الخارج، وعدم بذل المجهود لاستعادة هذه الأموال، وهي أموال المودعين، في حين جرد هؤلاء من مدخراتهم وتركوا يعانون الفقر والعوز؟
3 - كيف يمكن أن تلغي يا حضرة الحاكم دور القضاء بشحطة قلم، وتنصب نفسك قاضيا وحاكما مطلقا في قضية بهذه الخطورة، فتلغي جميع الدعاوى وتحكم حكما مبرما بعدم جواز الاستجابة لأية دعوى يتقدم بها المودع للمطالبة باستعادة وديعته، وهو الضحية الوحيدة بهذه الجريمة، والذي كان خطأه الوحيد أنه وثق بالمصارف اللبنانية؟
4 - وكيف يمكن أن تعتبر حماية للنظام الاقتصادي العام إلزام المصارف بعدم تسديد التزاماتها تجاه المودع وحرمان هذا الأخير من الوصول إلى خواتيم دعاواه أمام القضاء؟ فعلى فرض أنك كنت تريد تحقيق العدالة بين المودع المقيم في لبنان والمودع في الخارج، فكان بإمكانك بكل بساطة لو صح هذا الزعم، أن تكتفي بمنع التحويلات بالعملة الأجنبية إلى الخارج للمودعين المقيمين خارج الأراضي اللبنانية، لا أن تلغي عمليا حق المودع في التقاضي وفي توسل الطرق القانونية للمطالبة بحقوقه! هذا غير مقبول بتاتا وبدها انتفاضة يا جماعة الخير».
وفي السياق عينه، نفذ «اتحاد المودعين المغتربين» اعتصاما أمام مصرف لبنان شارك فيه النائب د.فريد البستاني الذي اعتبر أنها «قضية وطنية بامتياز ومحقة لأن أموالنا لنا». وأكد أن «بعض النواب في المجلس يعرفون وجعكم، ونحن نطالب بإعادة هيكلة المصارف لأن المودع عماد المصرف. وتقدمت بمشروع قانون لاسترجاع أموال الناس بالعملة الأجنبية وهو في لجنة المال». وأشار إلى «إعادة أموال الناس مع الفوائد وإدخال من تسبب بذلك إلى السجن». وناشد «حاكم مصرف لبنان الذي نحترمه ولديه رؤية جديدة إلى إعادة الحق إلى أصحابه».
وختم: «أملنا كبير والأمور تسير نحو التقدم في تحصيل حقوقكم».
وفي سياق قانوني يتعلق بالتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، لم يحضر الوزير السابق النائب غازي زعيتر إلى قصر العدل للمثول أمام القاضي طارق البيطار كمدعى عليه، وأرجئت الجلسة إلى 18 يوليو. وسطر القاضي بيطار مذكرة إلى وزير العدل لإجراء المقتضى القانوني سندا للمادة 97 من النظام الداخلي للمجلس النيابي.
وفي يوميات الجنوب، استهدف الجيش الإسرائيلي بقذيفة مدفعية فجرا منزلا مأهولا يقع بمحيط تلة شواط في بلدة عيتا الشعب، فألحقت به أضرارا إضافية، بعد أن كانت قد استهدفته مرات سابقة بقنابل صوتية.
وكانت قوة من الجيش الإسرائيلي عملت فجرا أيضا على تفخيخ وتفجير محرك إحدى الجرافات الكبيرة التي تعمل لصالح إحدى ورش مجلس الجنوب، في إطار أعمال إزالة الردم بحي كركزان، عند الأطراف الشمالية لبلدة ميس الجبل داخل الأراضي اللبنانية على طريق ميس الجبل - حولا.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأنباء
منذ 2 ساعات
- الأنباء
بعبدا في قلب القرار: وحدة داخلية ودعم خارجي لـ «الورقة الأميركية» وموقع عون
بيروت ـ داود رمال في لحظة استثنائية من تاريخ لبنان، تحولت رئاسة الجمهورية إلى محور استقطاب وطني جامع قل نظيره في الأعوام الماضية. فخلال الأيام القليلة الماضية، ثبت القصر الجمهوري في بعبدا وظيفته الدستورية والسياسية كمركز للقرار الوطني، ومكانا لبلورة التوافقات الداخلية والخارجية، خصوصا فيما يتصل بتعامل الدولة اللبنانية مع «الورقة الأميركية» التي حملها الموفد توماس باراك. هذا التحول لم يكن مجرد مشهد بروتوكولي عابر، بل جسد مشهدا سياسيا لافتا من خلال توافد القوى السياسية اللبنانية، الحليفة منها والمعارضة، إلى القصر الجمهوري. زيارات متكررة ومتقاربة، جاءت من قادة كتل وشخصيات روحية ومرجعيات حزبية بارزة، كلها أشادت بموقف الدولة الرسمي، وأثنت على أداء رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، معتبرة أن مقاربته للملفات الوطنية، وفي مقدمها ملف السلاح والسيادة والهدنة في الجنوب، تتسم بالواقعية السياسية والهدوء الاستراتيجي، وهما عنصران نادرا ما اجتمعا في هذه المرحلة. في جوهر المقاربة الرئاسية، بحسب مصدر سياسي قال لـ «الأنباء»: «هناك حرص على حماية السلم الأهلي، وعلى عدم تضييع فرصة الحلول الديبلوماسية التي تلوح في الأفق، رغم العواصف الإقليمية التي تعقد المشهد. فالرئيس عون يوازن بين المتطلبات الداخلية لحماية وحدة اللبنانيين، وبين الالتزامات الخارجية للدولة اللبنانية. ويتعاطى مع الورقة الأميركية بوصفها فرصة يجب الاستفادة منها لا فرضا يرفض أو يمرر بلا شروط. هذا ما أعاد تأكيده الموفدون العرب والدوليون الذين زاروا بعبدا، وأعربوا عن ثقتهم بخيارات الدولة اللبنانية بقيادة رئيسها، مؤكدين أن التعاطي الرسمي مع الورقة الأميركية يظهر وعيا سياديا ورؤية وطنية واضحة». الدعم العربي والدولي للموقف اللبناني الرسمي لم يقتصر على الجانب الشكلي أو على التصريحات المجاملة، بل عبر عن نفسه بإشارات إيجابية تبنى عليها خطوات مقبلة، وأوضح المصدر ان «أحد هؤلاء الموفدين تحدث صراحة أن رئيس الجمهورية لديه مقاربة واقعية لمسألة السلاح، وهو يضع اهتماما كبيرا لمعالجتها، وأن الاتفاق على مقاربة الدولة لهذا الملف بات وشيكا، وأن التفاصيل الدقيقة تدرس بعناية، ما يعكس وجود مسار داخلي منظم يدار بحرفية وهدوء من قبل الرئاسة». ومن خلال النقاشات التي دارت في بعبدا حول ملفات المنطقة، وخصوصا بعد الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية، برزت مقاربة لبنانية متأنية، تسعى إلى تجنيب البلاد مزيدا من الانزلاق في النزاعات. وعبر الزوار عن «دعمهم الكامل للمقاربة المنطقية والواقعية التي يعتمدها رئيس الجمهورية، وقالوا انها تشكل ركيزة لأي توافق داخلي لبناني وأي تفاهم خارجي محتمل». اللافت في هذه المرحلة أن التأييد الذي يمنح لرئيس الجمهورية لا يقتصر على القوى السياسية التقليدية المتحالفة معه، بل يتجاوز الاصطفافات التاريخية ليشمل قوى معارضة ومرجعيات دينية وروحية، ما يوحي بأن لبنان، رغم عمق أزمته، يمتلك لحظة مهمة من التوافق حول الرئاسة، وحول الدور الذي تلعبه في هذه المرحلة الحساسة. ورأى المصدر ان «عون استطاع أن يفرض إيقاعا جديدا في التعاطي السياسي. إيقاع ينصت له الداخل ويراقبه الخارج. وقد تحول القصر الجمهوري في عهده إلى بوصلة سياسية فاعلة، تلخص اتجاهات القرار، وتستقبل الوفود بصيغة الحوار والانفتاح لا التنازع والتخندق. وفي زمن التصدع والانهيارات، من المهم جدا أن يجد اللبنانيون مرجعية وطنية يلتفون حولها، تعيد إلى الدولة معناها، وإلى القرار الرسمي هيبته».


الأنباء
منذ 11 ساعات
- الأنباء
النائب فادي علامة لـ «الأنباء»: مطلوب حوار مصارحة ومصالحة تحت سقف الدولة واتفاق الطائف
قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب النائب فادي علامة في حديث الى «الأنباء»: «الاقتراح الشعبوي بتعديل قانون الانتخاب بما يسمح للمغتربين اللبنانيين بالاقتراع لـ 128 نائبا، يوحي وكأنه عملية التفاف على اللجنة النيابية الفرعية المعنية بدراسة مجمل مشاريع قوانين الانتخاب المقدمة من قبل بعض النواب، والتي تتمثل فيها غالبية الكتل النيابية بما فيها النواب الموقعون على العريضة النيابية المطالبة بإدراج الاقتراح المذكور على جدول أعمال الجلسة التشريعية». وأضاف علامة: «كلام البعض بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري يفرض إرادته على جداول أعمال الجلسات التشريعية بحيث يدرج فيها ما يتناسب فقط ومصلحة الثنائي الوطني، مرفوض ومردود على اصحابه الذين يعلمون اكثر من غيرهم ان الرئيس بري يسهر على احترام وتطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب، ويتشاور بالتالي مع هيئة مكتب المجلس حول مضمون جدول الاعمال. وما بالك والرئيس بري لم يعلم بوجود عريضة نيابية الا أثناء انعقاد الجلسة التشريعية الاخيرة؟ كفى شعبويات وأصوات عالية لا شأن لها سوى تضليل الرأي العام وتوتير الاجواء». وتابع: «نحن في كتلة التنمية والتحرير مع تطبيق كامل بنود ومندرجات وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، لا سيما لجهة تحديد لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية وإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس شيوخ، فيما تتعامل بعض الكتل النيابية الأخرى مع الاتفاق المذكور على قاعدة الناقض والمنقوض والاستنسابية في تطبيق البنود، بحيث تطالب من جهة بتطبيقه كاملا وترفض من جهة ثانية ما نص عليه حيال قانون الانتخاب». وردا على سؤال قال علامة: «لا شك في أن قانون الانتخاب بصيغته الراهنة ليس مثاليا وقد اقره مجلس النواب تحت عبارة لمرة واحدة، فلماذا السعي الى تعديله وبالتالي اعتماده من جديد وبالتالي تكريسه كقانون انتخاب نهائي، بدلا من اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة عملا بما نص عليه اتفاق الطائف؟ ونشير الى ان ادعاء البعض ان قانون الانتخاب الحالي يميز بين اللبناني المقيم واللبناني المغترب، شعبوي بامتياز ومرفوض بالمطلق، وإلا كيف يفسرون موافقتهم سابقا على صيغة 6 نواب موزعين على القارات؟ وختم علامة بالقول: «المطلوب لتبديد الهواجس والخروج من دوامة الصراعات والنزاعات السياسية، حوار مصارحة ومصالحة تحت سقف الدولة واتفاق الطائف، خصوصا أن وجود الرؤساء جوزف عون ونبيه بري ونواف سلام على رأس السلطات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية، يعطي أملا جديدا بقيام لبنان وخروجه من النفق. نعلم ان الظروف والتطورات الراهنة في المنطقة الإقليمية فرضت نفسها على الواقع اللبناني، إلا أن اللقاءات بين الكتل النيابية كافة داخل مجلس النواب وعلى طاولات اللجان على اختلاف أنواعها ومهامها، تشكل بحد ذاتها حوارا رائعا بين اللبنانيين، فكيف بحوار عام للمصارحة والمصالحة برعاية رئيس الدولة؟».


الأنباء
منذ يوم واحد
- الأنباء
رسائل نارية قبل الهبوط السياسي والعسكري في لبنان
لم يكن اختيار إسرائيل استهداف أحد كوادر «فيلق القدس» قرب مطار رفيق الحريري الدولي في خلدة مجرد عملية أمنية عابرة تنضم إلى سجل طويل من عمليات التصفية. بل كان فعلا محسوبا في التوقيت والمكان يتجاوز البعد العسكري المباشر، ليصل إلى عمق المعادلات السياسية والأمنية الجارية في لبنان، خصوصا تلك التي تتعلق بالاشتباك المعلن بين إسرائيل و«محور المقاومة»، والضغوط الغربية المتصاعدة لوضع نهاية لصيغة السلاح الخارج عن سلطة الدولة اللبنانية. فمن الواضح أن إسرائيل، التي كان بمقدورها استهداف هذا الكادر في أي مكان آخر بعيدا عن العاصمة والمطار، تعمدت تنفيذ الضربة في منطقة ذات رمزية استراتيجية وأمنية. موقع خلدة ليس مجرد بقعة جغرافية قريبة من المطار الدولي، بل هو قلب واجهة لبنان الجوية والمدنية، وهو في الوقت عينه نقطة بالغة الأهمية أمنيا تقع على تماس مباشر مع المدخل الجنوبي للعاصمة بيروت ومع طريق الساحل الحيوي. اختيار هذا المكان، بحسب مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت، «هو رسالة واضحة بأن إسرائيل لم تعد تلتزم بأية قواعد اشتباك كانت تقوم على تفادي استهداف محيط المطار والمنشآت الحيوية، بل هي اليوم تسعى إلى تحطيم الخطوط الحمراء في سياق تصعيد تدريجي ومدروس». هذا التصعيد لا يمكن فصله عن الدينامية السياسية والعسكرية الجارية حاليا في الجنوب اللبناني، خصوصا مع اقتراب موعد التجديد لقوات «اليونيفيل» نهاية أغسطس، والمشاورات التي تقودها فرنسا داخل مجلس الأمن الدولي. وقال المصدر لـ «الأنباء»: «فرنسا التي لاتزال تؤمن بأهمية حفظ الاستقرار في الجنوب ضمن إطار القرار 1701، ترفض أي تغيير بمهمة القوة الدولية، لكنها تشدد في الوقت عينه على ضرورة تسريع انتشار الجيش اللبناني بكل المناطق الواقعة جنوب الليطاني، وتدفع بقوة نحو انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المتبقية، رغم إدراكها الكامل أن بنيامين نتنياهو لن يقدم أي تنازل في هذا الصدد». في هذا السياق، تأتي الضربة في خلدة لتقول للبنانيين وللشركاء الدوليين، خصوصا باريس وواشنطن، إن تل أبيب لن تنتظر طويلا لترجمة رؤيتها الخاصة لمرحلة «ما بعد الحرب» في غزة، وما بعد المفاوضات الجارية حول مستقبل السلاح في لبنان. فالأوساط الفرنسية «تدرك جيدا أن مهلة نهاية السنة الحالية التي طلبها المبعوث الأميركي توماس باراك من القيادات اللبنانية لنزع سلاح حزب الله ليست واقعية، لكنها لا تمانع في الدفع باتجاه خطوات تدريجية تؤدي إلى تقليص نفوذ الحزب العسكري، تمهيدا لإعادة ضبط ميزان القوى الداخلي بما يسمح بإعادة إطلاق مشروع الدولة من بوابة الاستقرار الأمني والمالي». ويوضح المصدر أن «الآلية الثلاثية لوقف إطلاق النار، التي تعنى بتوجيه الجيش اللبناني إلى مواقع التوتر في الجنوب، لاتزال غير قادرة على فرض السيطرة الكاملة، ما يعيد التأكيد على أن تنفيذ القرار 1701 بشكله الكامل لايزال مؤجلا. غير أن تل أبيب ترى أن توسيع بنك الأهداف ليشمل الضاحية ومحيط المطار يخلق مناخا ضاغطا على حزب الله، ويلزم الدولة اللبنانية بموقف أكثر حزما، خصوصا إذا ما ترافق ذلك مع تهديدات مباشرة بربط ملف إعادة الإعمار بمدى الالتزام بتفكيك الهيكل العسكري لحزب الله». باريس من جهتها، واستنادا إلى المصدر «وإن كانت تتريث في إصدار أحكام نهائية بشأن القدرة على نزع سلاح الحزب، فإنها لا تخفي رغبتها في استغلال اللحظة السياسية، خصوصا مع احتمال عقد مؤتمر إعادة الإعمار في الخريف، لربط الدعم الدولي بخطوات ملموسة تؤكد حصرية السلاح بيد الدولة، وهذا ما ترى فيه فرصة لتفعيل اتفاق الطائف بنسخته المعدلة دوليا، وليس فقط لبنانيا». في المحصلة، ما جرى في خلدة لا يمكن النظر إليه فقط كمشهد أمني، بل كجزء من سيناريو أكبر يعاد رسمه للبنان من الجو والبر والديبلوماسية. ويرى المصدر «إنها رسالة متعددة الطبقات: إلى الحزب بأن الحصانة الجغرافية لم تعد قائمة، وإلى الدولة اللبنانية بأن تماهيها مع ازدواجية السلاح بات مكلفا، وإلى المجتمع الدولي بأن إسرائيل لن تلتزم التهدئة ما لم يتحقق تغير حقيقي في قواعد اللعبة». وإذا كانت باريس ترى أن إنجاز مهمة نزع السلاح قبل نوفمبر قد يكون «جيدا جدا»، فإن تل أبيب تقول عبر خلدة «لن ننتظر حتى نوفمبر، فساعة الحسم بدأت تدق من الآن، وتحت جناح الطائرات المسيرة، لا تحت قبة الأمم المتحدة».