logo
التبعية والتّبعية المتبادلة

التبعية والتّبعية المتبادلة

صحيفة الخليجمنذ 3 أيام
عبد الإله بلقزيز
التّبعيّة نوعان: تبعيّة التّابع لسيّد متبوع، وتبعيّة أندادٍ لبعضهم بعضاً. ليس من هامشِ استقلالٍ للتّابع في الحال الأولى، لأنّه مصادَر الإرادةِ من غيره الذي يَستتبعه ويُلْحِقه به، أمّا في الحال الثّانيّة فتكون التّبعيّة متبادَلة لا فعلاً إلحاقيّاً من جانبٍ واحدٍ هو جانبُ السّيّد القويّ أو الحاكم، وتكون الحاجةُ إليها ماسّة من طرفيْ العلاقة فيها حتّى وإنْ تفاوتتِ الأحجامُ والأنصبة.
تنتمي التّبعيّةُ التي من المعنى الأوّل إلى نصابٍ هو نصاب انعدامِ الاستقلال أو نصاب ما قبل الاستقلال، حيث الواقعُ فيها (أَكَانَ دولةً أو اقتصاداً...) لا يملك نظاماً مستقلاًّ بذاته عمّن يفرض عليه الاستتباع ويشُدُّه إليه بروابط الإخضاع. أمّا في معناها الثّاني فتنهض التّبعيّة المتبادلة على قاعدة استقلالٍ ناجزٍ لكيانات أطرافها الذين دعتْهم الحاجة إلى هذا النّوع من العلاقة التي لا يُذْهِب قيامها استقلال أيّ منهم بمقدار ما يزداد بها ذلك الاستقلالُ قوّةً ومتانة.
وما من شكٍّ في أنّ التّمييز بين هذين الضّربيْن من علاقة التّبعيّة ضروريّ لبيان الفارق بينهما، من جهة، ولفهم الأسباب التي تفرض، من جهةٍ ثانيّة، اللّجوء إلى تبعيّةٍ مّا لجوءاً اختيارياً لا من باب الاضطرار والاِنْكراه على ذلك: كما في حالة التّبعيّة المرادفة لفقدان الاستقلال الوطنيّ.
إذا كان للتّبعيّة، في معناها الأوّل، أسبابٌ تفرضها على الواقعة عليه (الإخضاعُ الأجنبيّ، ثقل المواريث الكولونياليّة، فقدان الاستقلال...)، فإنّ للتّبعيّة المتبادَلة بين طرفيْن أو أكثر ما يبرِّرها ويُملي الحاجة إليها حتّى مع وجود حالٍ من الاستقلال لدى قواها في الميادين الإنتاجيّة والاقتصاديّة.
قبل مئة عامٍ خلت، كان في وسْع أقوى البلدان والاقتصادات والبِنى الإنتاجيّة أن توفّر كفايتَها الذّاتيّة من الحاجات وأن تستغنيَ، بالتّالي، عن غيرها وتضمن استقلالَها الكامل. كان ذلك ممكناً قبل أن تتداخل اقتصادات العالم، بعد الحرب العالميّة الأولى، وتندفع عمليّة الإنتاج نحو مزيدٍ من التّخصّص الذي ساعد عليه التّقدُّم الحثيث في تثوير النّظام الصّناعيّ بالفتوحات التّقنيّة الجديدة، ومراكمة الخبرة الفنّيّة في مجالاتٍ صناعيّة وزراعيّة بعينها. على أنّ العامل الحاسم في هذا كلّه هو انتقال رؤوس الأموال من مَواطنها الأصل نازحة نحو فضاءات الرّبح في العالم في امتداد نشوء شركات ومجموعات استثماريّة عابرة للقوميّات. في هذا المناخ ستنشأ المصالح المتبادَلة بين الدّول والأمم على نحوٍ غيرِ قابلٍ للفكِّ أو للنّقض، وستُولَد من ذلك قيمٌ ومعايير جديدة في العلاقة بين الدّول والبلدان وبنى الإنتاج فيها، من قبيل: الشّراكة، والتّعاون، والتّكامل مروراً بما بات يعرَف - في الأدب الاقتصاديّ - باسم الاعتماد المتبادَل: تخفيفاً من وطأة عبارة التّبعيّة المتبادَلَة.
هذا، إذن، وجهٌ جديد من التّبعيّة المتبادَلَة التي ما عاد من مهربٍ منها لمجتمعٍ أو دولةٍ في عالم اليوم بعد أن حَمَل عليها التّطوُّر الاقتصاديّ العالميّ - ومنه انفتاحُ الاقتصادات والأسواق على بعضها- وسياساتُ الأولويّات في الإنتاج وما تقدّمه من فُرصٍ لتعظيم المصالح والأرباح.
ليس من شكٍّ في أنّ هذا المسار الجديد من التّبعيّة لم يضع حدّاً نهائيّاً للتّبعيّة في معناها الأوّل المألوف، لكنّه يسائل - على الأقلّ- مفهوم الاستقلال الاقتصاديّ الذي شدّدت عليه نظريّة التّبعيّة طويلاً بوصفه نقضاً لظاهرة التّبعيّة ويعيد فحص فرضيّته. ولدينا، في المعرض هذا، ملاحظتان:
*أولاهما، أنّ مفهوم الاستقلال الاقتصاديّ مفهوم نسبيّ، إلى حدٍّ بعيد، ولا يدُلّ على حالٍ من الاكتفاء الكلّيّ كما كان يُنْظَر إليه في بعض الأدب الفكريّ الحديث والمعاصر. لقد كانت طفرةُ النّظام الرّأسماليّ في طوره الإمپرياليّ دليلاً أوّليّاً على عُسْر نصْب الحدود بين البلدان واقتصاداتها. ولكن بعد أن تعمَّم هذا النّظام - عقب زوال النّظام الاشتراكيّ - ونشأتِ العولمة وغَزَتِ العالم كلَّه استكمل الدّليلُ شرائط صدقيّته، فما عاد يسيراً فهمُ الاستقلال ذاك إلاّ بما هو استقلالٌ نسبيّ، على ما تؤكِّد ذلك ظاهرة التّبعيّة المتبادَلَة.
* ثانيهما، أن التّبعيّة المتبادَلَة لا تكون أو يمتكن أمرُها إلا بين دولٍ واقتصاداتٍ نِدّيّة ومستقلّة، حيث العلاقةُ بينها ليست علاقةَ تابعٍ بمتبوع وعبْدٍ بسيّد وخاضعٍ بمسيطر، بل علاقة تَبادُلِ منافع وتبادلِ مصالحَ وحاجات بين اقتصادات مستقلّة: حتّى وإن كان استقلالُها نسبيّاً ومتفاوتاً. معنى هذا أنّ هذا الضّرب من التّبعيّة المتبادَلَة مستحيلُ القيام والوجود بين بلدانٍ (واقتصادات) تابعة وأخرى مسيطرة ومهيمنة، من جنس بلدان الجنوب - في معظمها الأعمّ - وبلدان الغرب. التّبعيّة الوحيدة التي تفترض نفسها، في هذه الحال، هي التي أشرنا إليها قبْلاً من حيث خضوعُ بنيات التّابع لبنيات المتبوع وانْحِكام الأولى بالثّانيّة، إنّها التّبعيّة في نسختها الرّثّة التي عرفتها البشريّة منذ زَحَفَ النّظام الرّأسماليّ على العالم وبَسَط سلطته...
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محمد بن راشد: الإمارات ماضية في ترسيخ نموذج تنموي فريد يقوم على الانفتاح والتنافسية
محمد بن راشد: الإمارات ماضية في ترسيخ نموذج تنموي فريد يقوم على الانفتاح والتنافسية

الإمارات اليوم

timeمنذ 33 دقائق

  • الإمارات اليوم

محمد بن راشد: الإمارات ماضية في ترسيخ نموذج تنموي فريد يقوم على الانفتاح والتنافسية

التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، جمعاً من أعيان البلاد وعدداً من الشيوخ ورجال الأعمال والتجار والمستثمرين والوزراء وكبار مسؤولي الجهات والدوائر الحكومية وشبه الحكومية، إلى جانب عدد من القيادات التنفيذية في مؤسسات القطاع الخاص، وذلك في مجلس «المضيف» بدار الاتحاد في دبي. ويأتي اللقاء في إطار حرص سموه الدائم على تعزيز التواصل المباشر مع مختلف مكونات المجتمع، وترسيخ نهج المشاركة والتشاور، وتبادل الرؤى حول مسارات التنمية، ودعم بيئة الأعمال، وتحفيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. نموذج تنموي فريد وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، خلال اللقاء، أن دولة الإمارات ماضية في ترسيخ نموذج تنموي فريد يقوم على الانفتاح والتنافسية، ودعم ريادة الأعمال، وتوفير أفضل البيئات الجاذبة للاستثمار. وقال سموه: «الإمارات رسّخت نهضتها التنموية بفضل طموحات لا تعرف حدوداً، ومنهج دولة يضع التقدم والريادة هدفاً لا حياد عنه، وتضع الإنسان في قلب التنمية، وتعتبر الشراكة مع العقول المبدعة والاستثمارات الجادة الطريق الأسرع نحو المستقبل، إن ما حققته دولة الإمارات من إنجازات فريدة خلال العقود الماضية هو انعكاس لرؤية تنموية شاملة، تقوم على الإرادة والتخطيط والعمل الجماعي، وتعتمد على شراكة متينة مع القطاع الخاص لبناء المستقبل». وأضاف سموه: «نواصل العمل لضمان أن تكون دولتنا دائماً وطن الفرص، ومركزاً للازدهار، وحاضنة لكل من يسهم في بنائها، اقتصادنا قائم على الثقة، ونجاحنا نابع من العمل المشترك والرؤى الطموحة لمستقبل لا يعرف التردد»، وقال سموه: «في كل مرحلة، كانت بلادنا تضع معياراً جديداً للتقدم، وتُرسّخ نموذجاً يحتذى في بناء اقتصاد قوي قائم على الابتكار، واليوم نرى نتائج هذه المسيرة في استقرارنا، وفي تماسك مجتمعنا، وفي قدرة اقتصادنا على التكيّف والنمو والتوسع». وأضاف سموه: «دبي جزء لا يتجزأ من هذه المسيرة التنموية الفريدة، وتمضي بثبات نحو ترسيخ مكانتها كمركز اقتصادي عالمي، وفق نهج متكامل يستشرف المستقبل، ويصنع الفرص وتُحرّكه الشراكة المثمرة بين القطاعين العام والخاص، بدعم من بنية تحتية وتشريعية هي الأفضل في المنطقة، أجندة دبي الاقتصادية (D33) تمضي بثبات، وتحقق أهدافها بأسرع مما خططنا له، مدفوعة بثقة المستثمرين، ونضج السوق، وقدرة الإمارة على جذب العقول والفرص من كل مكان، دبي لا ترضى إلا بالمركز الأول ولا تعرف إلا لغة الأفعال». دبي وجهة سياحية عالمية وخلال اللقاء، استمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إلى محاضرة بعنوان «الإمارات وجهة لأثرياء العالم»، قدّمها المدير التنفيذي لمؤسسة دبي للتسويق السياحي والتجاري بدائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، عصام كاظم، حيث سلطت المحاضرة الضوء على مكانة دولة الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، كوجهة مفضّلة للنخبة من المستثمرين ورواد الأعمال وأصحاب الثروات من مختلف أنحاء العالم، بفضل بيئتها الآمنة، وبنيتها التحتية المتقدمة، وجودة الحياة، والسياسات الاقتصادية المنفتحة، إلى جانب مكانتها المتنامية كمركز عالمي للمال والأعمال والابتكار. وقال عصام كاظم إن دولة الإمارات بشكل عام، ودبي بشكل خاص، أصبحتا في صدارة وجهات صناع القرار والمواهب ورجال الأعمال والسياح في العالم، مشيراً إلى أن 116 ألفاً من أثرياء العالم استقروا في الدولة، حسب إحصاءات عام 2023، وخلال عام 2024 تجاوز هذا العدد 131 ألف شخص، ويتوقع خلال العام الجاري تحقيق زيادة بنحو 10 آلاف شخص، مقارنة بالعام الماضي. وأضاف أنه بفضل رؤية القيادة الرشيدة شهد قطاع السياحة تطوراً كبيراً، حيث استضافت دبي نحو 9.88 ملايين زائر، خلال النصف الأول من العام الجاري، وأصبحت دبي أفضل وجهة في العالم للعيش والعمل والزيارة. واستعرض كاظم في محاضرته أبرز مؤشرات الجذب السياحي والاستثماري، إضافة إلى دور الاستراتيجية السياحية في دعم أهداف «أجندة دبي الاقتصادية (D33)»، وتعزيز مكانة دبي كمدينة عالمية رائدة. عرض لروبوت جديد كما اطّلع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على عرض حي للروبوت الجديد Unitree G1 من مختبرات دبي للمستقبل، قدّمه الدكتور أحمد العطار، مهندس روبوتات أول، والمهندسة ميثاء القايدي، مهندسة روبوتات، ويُعدّ الروبوت جزءاً من منظومة الابتكار التقني المتقدمة التابعة لمتحف المستقبل، ويتميّز بوزنه الخفيف، وقدرته العالية على التوازن، وإمكانية المشي والجري بانسيابية تحاكي الحركة البشرية، ويجسّد الروبوت G1 الجيل الجديد من التطورات في هندسة الروبوتات والذكاء الاصطناعي. وسيتم استخدام الروبوت ضمن العروض التفاعلية الدائمة في متحف المستقبل، حيث سيلعب دوراً في استقبال الزوار وتعريفهم بأحدث ما توصّلت إليه تقنيات الروبوتات على مستوى العالم، في خطوة تعكس التزام دبي المستمر بتسخير التكنولوجيا لخدمة الإنسان، وتعزيز موقعها الريادي في استشراف المستقبل، وفي ختام اللقاء وجّه الحضور خالص الشكر وعظيم الامتنان إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على هذا اللقاء الذي يعكس نهج سموه الأصيل في التواصل المباشر مع أبناء الوطن، ومختلف مكونات المجتمع. محمد بن راشد: • الإمارات رسّخت نهضتها التنموية بفضل طموحات لا تعرف حدوداً، ومنهج دولة يضع التقدم والريادة هدفاً لا حياد عنه. • دبي جزء لا يتجزأ من المسيرة التنموية الفريدة للإمارات.. وتمضي بثبات نحو ترسيخ مكانتها كمركز اقتصادي عالمي وفق نهج متكامل يستشرف المستقبل ويصنع الفرص.

رئيس الدولة يبدأ اليوم زيارة رسمية إلى روسيا
رئيس الدولة يبدأ اليوم زيارة رسمية إلى روسيا

الإمارات اليوم

timeمنذ 33 دقائق

  • الإمارات اليوم

رئيس الدولة يبدأ اليوم زيارة رسمية إلى روسيا

يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، اليوم، زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية. ويبحث سموه خلال الزيارة مع رئيس روسيا الاتحادية، فلاديمير بوتين، مختلف جوانب الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين وسبل تعزيزها، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة، وغيرها من المجالات التي تخدم التنمية المشتركة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

احتلال غزة.. انقسام حقيقي داخل إسرائيل أم مناورة سياسية؟
احتلال غزة.. انقسام حقيقي داخل إسرائيل أم مناورة سياسية؟

سكاي نيوز عربية

timeمنذ 38 دقائق

  • سكاي نيوز عربية

احتلال غزة.. انقسام حقيقي داخل إسرائيل أم مناورة سياسية؟

الخلاف الذي خرج إلى العلن بين رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي إيال زامير ووزير الدفاع إسرائيل كاتس، بشأن خطة احتلال غزة بالكامل، ليس تفصيلاً عابرًا في المشهد العسكري – السياسي الإسرائيلي. فقد عبر زامير عن تفضيله لعملية عسكرية "محدودة" بدل الانخراط في احتلال شامل، محذرًا من تبعات كارثية قد تطال الجيش نفسه، خاصة في ما يتعلق بمصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة. في المقابل، جاء رد كاتس صارمًا، مؤكدًا أن "زامير عليه تنفيذ قرارات الحكومة"، ما يعكس إصرار الجناح السياسي المتشدد في الحكومة على المضي قدمًا بخيار السيطرة الكاملة، رغم التحذيرات الأمنية. الكابينت على المحك اجتماع ا لكابينت الإسرائيلي المقرر، يوم الخميس، يُرتقب أن يكون مفصليًا، حيث يتناول بحسب تسريبات إعلامية خطة لتوسيع العمليات العسكرية وصولًا إلى فرض السيطرة الكاملة على القطاع، خصوصًا في المناطق التي يُعتقد أن الأسرى محتجزون فيها. ويأتي هذا التصعيد المحتمل رغم تحذيرات أممية وصفت الخطة بأنها "مقلقة للغاية"، و"ستؤدي إلى عواقب كارثية"، وفق تصريحات مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ميروسلاف يانشا أمام مجلس الأمن. في مشهد لا يقل إرباكًا عن الخلافات الإسرائيلية، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتزيد من الغموض حول الموقف الأميركي. فبينما أكد أن قرار احتلال غزة"يعود لتل أبيب"، تحدثت تقارير، أبرزها من موقع "أكسيوس"، عن نية إدارة ترامب تولي زمام المبادرة الإنسانية في غزة، في ظل تفاقم المجاعة وسوء التغذية. المفارقة أن واشنطن، بحسب "أكسيوس"، ترفض التورط الكامل وتُفضل دورًا دوليًا مشتركًا، مع إشارات إلى إمكانية مساهمة قطر ماليًا، وانخراط مصر والأردن لوجستيًا. لكن الباحث في العلاقات الدولية أشرف عكة يرى في هذه الخطوة بداية "هندسة للسيطرة تحت غطاء الإغاثة"، مشيرًا إلى وجود ما وصفه بـ"اتفاق ضمني" بين نتنياهو وترامب، يهدف إلى استثمار الحرب سياسيًا وانتخابيًا. خلال حديثه لبرنامج "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، رسم الباحث أشرف عكة مشهدًا قاتمًا، مشيرًا إلى أن "الكنز الاستراتيجي" الذي ينتظره نتنياهو وترامب من غزة، يبرّر – من وجهة نظرهما – تكبّد التكاليف السياسية والإنسانية، سواء داخل إسرائيل أو أمام الرأي العام العالمي. واعتبر عكة أن الحديث عن احتلال غزة أو توسيع الحرب ليس سوى مقدّمة لمرحلة تمتد حتى فبراير المقبل، أي قبيل الانتخابات الإسرائيلية. ووفق تقديره، فإن نتنياهو يراهن على الوقت لتحقيق مكاسب ميدانية تعزز موقفه داخليًا، رغم التناقض الواضح بين أهداف الحرب المعلنة: تحرير الأسرى من جهة، وسحق "حماس" من جهة أخرى. هل الانقسام حقيقي أم أداة ضغط؟ في تحليله، يرى عكة أن الانقسام داخل إسرائيل قد يكون حقيقيًا على مستوى المؤسسة الأمنية والعسكرية، لكنه لم ينجح في فرملة نتنياهو المدفوع برغبة في الحفاظ على الائتلاف الحاكم، وتحقيق اختراقات سياسية على حساب الدم الفلسطيني، على حد قوله. وأضاف "الكل يعلم أن رئيس الأركان وقادة الجيش في النهاية يخضعون للقرار السياسي"، مشددًا على أن "الشعب الفلسطيني هو من يدفع الثمن، وسط مجاعة غير مسبوقة، وتوسع مستمر في العمليات العسكرية". وفيما اعتبر عكة أن تصريحات ترامب حول الإغاثة تحمل طابعًا إنسانيًا ظاهريًا، إلا أنه حذر من خلفية سياسية تهدف إلى "تولي إدارة غزة" والتحكم بمسارات ما بعد الحرب. وقال: "ترامب ليس متألمًا على الشعب الفلسطيني، هناك عشرات المؤسسات الدولية القادرة على إدارة المساعدات، لكن واشنطن تريد فرض سيطرتها وابتزاز الإقليم". ويحذّر عكة من أن المرحلة القادمة قد تشهد "دفع السكان جنوبًا" كمقدّمة للتهجير الجماعي، ما يهدد بتصفية القضية الفلسطينية ، وليس فقط تفكيك حركة حماس. ولفت إلى أن : "الرئيس المصري تحدث بوضوح عن وجود تحركات لا يمكن القبول بها في المنطقة، وهو ما يشير إلى ضغوط واتصالات أميركية غير مقبولة". ومع التوتر المتصاعد، يلفت عكة إلى وجود "أصوات حقيقية داخل إسرائيل ترفض هذه السياسات"، من أكاديميين، وقادة سابقين في الجيش، بل وحتى دعوات للعصيان المدني. لكنه في الوقت ذاته يشكك بقدرة هذه الأصوات على قلب المعادلة، خصوصًا في ظل سيطرة اليمين المتطرف. ويختتم حديثه بالقول: " نتنياهو تخلّى عن الأسرى منذ اليوم الأول، وترامب يعلم أن الحرب لا تستهدف حماس فقط، بل المشروع الوطني الفلسطيني بكامله. ما يجري هو اختبار حقيقي للمجتمع الإسرائيلي وديمقراطيته: هل سيبقى أسير تطرف نتنياهو واندفاعه، أم يستفيق قبل فوات الأوان؟" الانقسام الإسرائيلي حول احتلال غزة يبدو حقيقيًا في الشكل، لكنه لم يتحوّل بعد إلى قوة كابحة لنتنياهو. أما الولايات المتحدة، فتتبنّى نهجًا مزدوجًا: تدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، بينما تُلمّح إلى مبادرة إنسانية ذات طابع إداري قد تعيد تشكيل غزة ما بعد الحرب. وفي ظل ذلك، يظل الفلسطينيون، خصوصًا في قطاع غزة، بين مطرقة الجوع وسندان الاستهداف، وسط غياب أفق سياسي حقيقي، وتحذيرات أممية من كارثة إنسانية متدحرجة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store