logo
أزمة الكهرباء الكبرى في إيبيريا… هل أنقذ المغرب أوروبا من 'هجوم غير معلن'؟

أزمة الكهرباء الكبرى في إيبيريا… هل أنقذ المغرب أوروبا من 'هجوم غير معلن'؟

المغرب الآن٣٠-٠٤-٢٠٢٥

في دقائق معدودة، انطفأت شبه الجزيرة الإيبيرية، وساد الهلع بين سكان إسبانيا والبرتغال وجنوب فرنسا. لكن في زحمة الظلام، كان هناك منار واحد ظل مضيئًا ومستعدًا: المغرب.
الاثنين 28 أبريل، تمام الساعة 10:33 صباحًا بتوقيت غرينتش، انهار النظام الكهربائي في أجزاء واسعة من إسبانيا والبرتغال، وأصاب الشلل البنى التحتية الحيوية، من المستشفيات والمترو إلى إشارات المرور والبنوك. وفي حين سارعت الحكومتان لطمأنة السكان، طفت على السطح أسئلة أخطر من تلك التي طُرحت رسميًا:
هل كان ما حدث مجرد خلل تقني أم عملية مدروسة؟ ومن الذي استفاد من هذا 'الخلل'؟
سقوط كهربائي صاعق… و'رد مغربي برقّي'
أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن البلاد فقدت 15 غيغاواط من إنتاج الكهرباء في خمس ثوانٍ فقط – ما يعادل 60% من الطلب الوطني. أما رئيس الوزراء البرتغالي لويس مونتينيغرو فأكد أنه 'لا توجد مؤشرات على هجوم إلكتروني'، رغم اعترافه بعدم استبعاد الفرضيات. في المقابل، لجأ سانشيز مباشرة إلى الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، في مشهد غير مألوف يشير إلى احتمال 'خطر من خارج أوروبا'.
في خضم هذا الإرباك، برز المغرب كرقم صعب. فبينما كانت شبكات الطوارئ الأوروبية تحاول احتواء الكارثة، كانت محطات الكهرباء المغربية – الفحمية والغازية – تُعيد التوازن إلى الشبكة الإيبيرية عبر الكابلات البحرية القادمة من طنجة. لم يكن ذلك تدخلاً تقنيًا عاديًا، بل 'قرارًا استراتيجيًا' اتُخذ بسرعة، أنقذ الموقف في لحظة فراغ كهربائي غير مسبوقة.
هل هناك من أراد اختبار الهشاشة الأوروبية؟
لم يكن هذا أول تحوّل دراماتيكي في توازنات الطاقة المغاربية. ففي 2021، قررت الجزائر وقف تزويد المغرب بالغاز الطبيعي عبر أنبوب الغاز المغاربي الأوروبي. ردّت الرباط يومها بهدوء تقني وحنكة سياسية، إذ نسّقت مع مدريد عكس اتجاه الأنبوب، ليتحول الغاز الطبيعي المسال إلى المغرب عبر نفس البنية التحتية التي كانت تصب فيه قبل سنوات.
فهل يُعقل أن تكون هذه السابقة قد فتحت شهية بعض الفاعلين الجيوسياسيين لاختبار التحالف المغربي-الإسباني الجديد؟
وهل كانت أزمة 28 أبريل 'مجرد خلل'، أم رسالة خفية من جهة تعتبر أن المغرب لم يعد مجرد مستورد، بل فاعل طاقي مقلق في المعادلة الأوروبية؟
الخلل في فرنسا؟ أم على مستوى أعمق؟
مشغّل الشبكة الإسباني (REE) ألقى باللوم على خلل في الاتصال مع فرنسا، ما تسبب في سلسلة من الأعطال و'انفصال الشبكة الفرنسية-الإسبانية'. أما مشغل الشبكة البرتغالي (REN)، فصرّح أن ما حدث هو 'تذبذب كبير جدًا في الجهد الكهربائي بدأ في النظام الإسباني ثم امتد إلى البرتغال'.
لكن اللافت أن وسائل الإعلام بدأت تتحدث عن فرضية 'التخريب' أو 'الهجوم غير المعلن'، خاصة بعد تواصل سانشيز مع الناتو.
فإذا كانت شبكة كهرباء بحجم أوروبا تنهار في خمس ثوانٍ، فذلك يعني شيئًا واحدًا:
أن البنية التحتية الحساسة في أوروبا ليست محصنة – لا أمام الهجمات السيبرانية، ولا أمام الاضطرابات الجيوسياسية.
المغرب… حليف لا يُقدّر بثمن
في هذه اللحظة الحرجة، لم تكن باريس ولا برلين منقذي الموقف. بل كانت الرباط.
بينما غرق جزء من فرنسا في الظلام، وتوقفت الحياة في مدريد وبرشلونة، كانت الكهرباء تتدفق من محطة 'فرديوة' قرب طنجة نحو جنوب إسبانيا. شبكة الربط التي تعود لبداية التسعينات أثبتت فعاليتها، وتُعدّ اليوم أحد أقوى أدوات التعاون المتوسطي.
المغرب يُنقذ إسبانيا من أكبر انقطاع كهربائي في تاريخها: هل أصبح الرباط ضامنًا لأمن الطاقة الأوروبي؟
pic.twitter.com/UeZSUB3i2J
— المغرب الآن Maghreb Alan (@maghrebalaan)
April 30, 2025
المغرب لم يُسعف فقط جيرانه بالكهرباء، بل قدم 'درسًا في الاستعداد'، بعدما تمكّن من الحفاظ على استقرار شبكته المحلية، رغم الضغط الكبير، ولم تُسجّل إلا بعض الانقطاعات المحدودة في شمال وشرق المملكة.
رسائل في العتمة: من يسيطر على الضوء؟
هل ما حدث في 28 أبريل هو نسخة طاقية من الهجمات الهجينة التي أصبح الناتو يحذّر منها؟
هل دخلت أوروبا حقبة جديدة من الحروب غير التقليدية التي تستهدف الأعصاب الكهربائية لا الدبابات؟
وهل على أوروبا إعادة النظر في موقع المغرب داخل استراتيجية أمنها الطاقي؟
خاتمة: الرباط تقود من الخلف
في الظاهر، المغرب هو من تدخّل لإنقاذ جيرانه.
لكن في العمق، الرسالة كانت أوضح من أي وقت مضى:
الرباط لم تعد 'تابعًا طاقيًا'، بل 'شريكًا استراتيجيًا' لا غنى عنه في ضمان أمن الطاقة بأوروبا.
من أنبوب الغاز إلى خطوط الكهرباء، ومن الموانئ إلى الذكاء الصناعي، المغرب يبني ببطء لكن بثبات، موقعًا غير قابل للتجاوز في خريطة الأمن الإقليمي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إسبانيا تطالب باستبعاد إسرائيل من مسابقة "يوروفيجن"
إسبانيا تطالب باستبعاد إسرائيل من مسابقة "يوروفيجن"

هبة بريس

timeمنذ يوم واحد

  • هبة بريس

إسبانيا تطالب باستبعاد إسرائيل من مسابقة "يوروفيجن"

هبة بريس – وكالات طالب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الاثنين، باستبعاد إسرائيل من مسابقة يوروفيجن الغنائية الأوروبية، مؤكدًا على ضرورة إظهار 'التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يعاني من عبثية الحرب والقصف'. وقال بيدرو سانشيز، وفقا لـ'فرانس برس': 'لا يمكن أن نطبق معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالثقافة' معتبرا أنه إذا تم استبعاد روسيا من المنافسة بعد حرب أوكرانيا، فإن إسرائيل 'لا ينبغي' أن تشارك أيضا. وكان قد بث تلفزيونا بلجيكا وإسبانيا رسائل منددة بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، بالتزامن مع انطلاق النسخة الـ69 من مسابقة الأغنية الأوروبية 'يوروفيجن'، التي أُقيمت في مدينة بازل بسويسرا، بمشاركة إسرائيل. وعرض التلفزيون البلجيكي شاشة سوداء خلال بث مسابقة يوروفيجن، تخللها بيان يدين إسرائيل في ظل استمرار حربها على غزة. وجاء في الرسالة: 'ندين انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل وتدميرها لحرية الصحافة. لذلك؛ نُوقف الصورة للحظة. أوقفوا إطلاق النار الآن، أوقفوا الإبادة الجماعية'، وفقًا لصحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X مقالات ذات صلة

'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'
'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'

أكادير 24

timeمنذ 3 أيام

  • أكادير 24

'الصحراء المغربية في ميزان السياسة الدولية: كيف أعادت الرباط رسم خارطة المواقف العالمية؟'

تُظهر التحولات المتسارعة التي يعرفها النظام الدولي اليوم أن النزاعات الإقليمية لم تعد تُقرأ بمنظار الشعارات القديمة، بل من خلال مقاربات عملية تُراعي الاستقرار، الأمن، والتنمية. وفي هذا السياق، تبرز قضية الصحراء المغربية كواحدة من أبرز النماذج التي انتقلت من نزاع سياسي مُزمن إلى ملف استراتيجي تُعاد فيه صياغة المواقف وفق منطق الواقعية السياسية. حيث أن السياسة الخارجية المغربية منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش أسلافه المنعمين أخذت السياسة الخارجية منحى جديد، بدأت بتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية المغرب حليف رئيسي خارج الناتو عام 2003. وشكلت قضية الصحراء المغربية جوهر القضايا الخارجية للمملكة المغربية، حيث استطاعت الدبلوماسية المغربية، خلال العقدين الأخيرين، أن تُعيد تموقع ملف الصحراء على الأجندة الدولية، مستفيدة من تنويع الشراكات وتوسيع دوائر التأييد. والمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي طُرحت سنة 2007، باتت تُعتبر لدى عدد متزايد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، مرجعية واقعية وجادة لتسوية النزاع، بما يحفظ السيادة ويضمن للساكنة تدبير شؤونها المحلية في إطار الوحدة الوطنية. ويمكن بناء تحليلي على النقط التالية : 1- تطور المواقف الدولية من الحياد الى الحذر إلى الدعم الفعلي: شهدت المواقف الدولية إزاء قضية الصحراء المغربية تحولًا كبيرًا على مدار العقود الماضية، ما يعكس تغيرًا في فهم المجتمع الدولي للواقع الجيوسياسي وأولويات الاستقرار الإقليمي. ففي البداية، كان أكثر من 80% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتبنى موقفًا حياديًا حذرًا، حيث كانت تفضل دعم المسار الأممي دون الانحياز لأي طرف. هذا الحياد كان في الغالب نابعًا من الرغبة في الحفاظ على العلاقات مع جميع الأطراف، خصوصًا في ظل تعقيدات النزاع. لكن مع بداية العقد الثالث من القرن الـ21، بدأنا نلاحظ تحولًا نوعيًا في المواقف الدولية. ففي السنوات الأخيرة، أيدت أكثر من 30 دولة بشكل علني وصريح مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة المغربية منذ 2007، معتبرة إياها 'حلًا واقعيًا وذا مصداقية'. هذا التغيير لم يكن مجرد تعديل في الخطاب السياسي، بل كان تعبيرًا عن إدراك المجتمع الدولي لحق المغرب في سيادته على أقاليمه الجنوبية، ولأهمية الاستقرار في منطقة شمال إفريقيا. من أبرز محطات هذا التحول كان الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2020 بسيادة المغرب على صحرائه، وهو قرار استراتيجي تبنته إدارة الرئيس دونالد ترامب، وأكدت الإدارات اللاحقة على استمراريته. ثم تبعتها إسبانيا في مارس 2022، حيث أيدت رسميًا مبادرة الحكم الذاتي المغربية، مُعبرةً عن تغيير جذري في موقفها السياسي بعد سنوات من الحذر والتردد. كما لاقت المبادرة المغربية دعمًا مشابهًا من ألمانيا في يناير 2023، ومن هولندا أيضًا، التي أكدت أن المبادرة تمثل أساسًا جادًا لحل النزاع. أما بالنسبة لفرنسا، التي كانت في الماضي من الدول التي تحاول التوازن بين مواقفها لدعم مصالحها في المنطقة، فقد شهدت مواقفها تغيرًا لافتًا. على الرغم من محاولات بعض الأطراف التصعيدية، والاتهامات التي كانت توجه للمغرب حول التجسس، إلا أن الدبلوماسية المغربية الهادئة والرزينة كانت لها دور بارز في تحويل المواقف. في عام 2024، جاء الاعتراف الرسمي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمغربية الصحراء، وهو موقف يُعتبر نقطة فارقة في السياسة الفرنسية إزاء هذا النزاع. 2- فتح القنصليات في الصحراء تكريس واقعي للسيادة : أن فتح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة ليس مجرد تطور دبلوماسي عابر، بل هو تحول جوهري في ملامح التوازنات الإقليمية والدولية حول ملف الصحراء المغربية. إنه تعبير واضح عن دعم فعلي وملموس لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وانعكاس لمكانة الرباط المتقدمة على المستوى القاري والدولي، اليوم وقد تجاوز عدد القنصليات المفتوحة في الصحراء أكثر من 28 قنصلية من مختلف القارات، أصبح من الواضح أن هناك إجماعًا دوليًا متناميًا على تجاوز منطق 'النزاع المفتعل'، والتعامل مع الأقاليم الجنوبية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من التراب الوطني المغربي. هذا الواقع الميداني يُعبر عن نفسه من خلال قرارات سيادية لدول اختارت أن تتموضع بوضوح إلى جانب الشرعية التاريخية والسياسية للمملكة. من منظور العلاقات الدولية، فإن هذا المعطى يُشكّل نقلة نوعية ففتح قنصلية في منطقة ما هو أداة دبلوماسية تعكس اعترافًا ضمنيًا، بل وأحيانًا صريحًا، بسيادة الدولة المضيفة على الإقليم المعني. وبالتالي، فإن هذه الخطوات تمثل دحضًا عمليًا لروايات الانفصال، وتؤكد أن المقاربة المغربية، التي تقوم على الحكم الذاتي تحت السيادة الوطنية، باتت تحظى بالقبول كحل وحيد واقعي وعملي لهذا النزاع الإقليمي. كما أن هذه الدينامية الدبلوماسية تُعد ترجمة لاستراتيجية المغرب في تعزيز عمقه الإفريقي والانفتاح على شركاء جدد من أمريكا اللاتينية وآسيا، بما يخدم التوازنات الجيوسياسية الجديدة. إن الدول التي قررت فتح تمثيلياتها في العيون والداخلة لا تقوم بذلك من باب المجاملة، بل لأنها ترى في المغرب شريكًا استراتيجيًا موثوقًا يضطلع بدور محوري في أمن واستقرار المنطقة، وفي تنمية إفريقيا جنوب الصحراء. سياسيًا، يُعبر هذا التوجه عن نهاية مرحلة التردد والغموض في المواقف الدولية، وبداية مرحلة الاعتراف الواقعي بمغربية الصحراء. وهو ما يشكل ورقة قوة أساسية في يد الدبلوماسية المغربية، ويمنحها موقعًا تفاوضيًا متقدمًا في كل المحافل الدولية، ويُحبط محاولات التشويش التي لا تزال تراهن على أطروحات لم تعد تجد صدى في الساحة الدولية. 3- تفكيك الهيمنة الرمزية للبوليساريو في الاتحاد الافريقي : ما يشهده الاتحاد الإفريقي اليوم من تحولات في موقفه من قضية الصحراء المغربية يُمثّل نهاية تدريجية للهيمنة الرمزية التي مارستها جبهة البوليساريو داخل المنظمة منذ ثمانينيات القرن الماضي. فخلال فترة غياب المغرب عن منظمة الوحدة الإفريقية، ثم الاتحاد الإفريقي لاحقًا، استغلت الجبهة، بدعم جزائري مكثف، هذا الفراغ لتكريس وجود 'جمهورية' غير معترف بها في الأمم المتحدة ولا في الغالبية الساحقة من دول العالم، وفرض سردية انفصالية داخل الفضاء القاري بدافع إيديولوجي أكثر منه قانوني أو سياسي. غير أن عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في يناير 2017، لم تكن عودة شكلية بل استراتيجية، هدفها إعادة التوازن وتصحيح اختلالات ظلت تهيمن على المواقف الإفريقية الرسمية. فبمجرد عودة المغرب، أطلق دينامية دبلوماسية واقتصادية فعالة، عبر تعزيز حضوره في أجهزة القرار داخل الاتحاد، وإبرام شراكات تنموية مباشرة مع دول إفريقية من غرب القارة إلى شرقها، بما في ذلك في مجالات البنية التحتية، الفلاحة، والتكوين المهني. هذا الحضور لم يُضعف فقط نفوذ البوليساريو داخل الاتحاد، بل أظهر أن الرؤية المغربية تستند إلى واقعية سياسية وتنموية لا يمكن تجاهلها. اليوم، أكثر من 30 دولة إفريقية سحبت اعترافها بـ'الجمهورية الصحراوية'، في مؤشر واضح على أن منطق الانفصال لم يعد يحظى بالدعم نفسه داخل القارة. بل إن البيانات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي في السنوات الأخيرة أصبحت تقتصر على دعم المسار الأممي دون الإشارة إلى الجبهة الانفصالية، ما يُظهر تراجع تأثيرها الرمزي والمؤسساتي. كما أن العديد من الدول الإفريقية باتت ترفض مناقشة ملف الصحراء داخل الاتحاد، معتبرة أن مكانه الطبيعي هو تحت إشراف الأمم المتحدة، وهي رؤية تتقاطع مع الموقف المغربي. هذا التفكيك التدريجي لهيمنة البوليساريو داخل الاتحاد الإفريقي هو أيضًا انعكاس لتحوّل أوسع في العقليات داخل القارة، حيث لم تعد الدول الإفريقية، خصوصًا تلك التي تواجه تحديات تنموية وأمنية، ترى في دعم الكيانات الانفصالية خيارًا عقلانيًا. فهناك إدراك متزايد بأن دعم الوحدة الترابية للدول وتعزيز الاستقرار الإقليمي هو السبيل الحقيقي لتحقيق التكامل القاري، في إطار 'أجندة 2063' التي تضع في صلب أولوياتها الأمن والتنمية واندماج الشعوب. باختصار، ما نشهده اليوم داخل الاتحاد الإفريقي ليس فقط نهاية لمرحلة من التوظيف السياسي لقضية الصحراء، بل بداية لمرحلة جديدة تعكس نضجًا إفريقيًا متزايدًا في التعاطي مع القضايا السيادية بعيدًا عن الاصطفافات القديمة والضغوط الإيديولوجية. 4- المسار الأممي من الاستفتاء إلى الواقعية السياسية : أن المسار الأممي في قضية الصحراء المغربية شهد تطورًا ملحوظًا خلال العقود الماضية. في البداية، كان خيار الاستفتاء هو الحل الذي تبنته الأمم المتحدة في التسعينات، لكنه فشل بسبب الصعوبات الكبيرة في تحديد من يحق لهم التصويت بسبب التوزيع الديمغرافي المعقد والتدخلات السياسية. هذا الفشل دفع الأمم المتحدة إلى إعادة التفكير في الحلول المقترحة. منذ 2007، قدمت المملكة المغربية مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي، يتيح للأقاليم الجنوبية للمغرب قدرًا كبيرًا من الاستقلالية في تدبير شؤونها تحت السيادة المغربية. هذه المبادرة نالت تأييدًا واسعًا من قبل العديد من الدول الكبرى والمنظمات الدولية، التي اعتبرتها حلاً جادًا وذا مصداقية. اليوم، تدعو الأمم المتحدة إلى حل سياسي واقعي يعترف بالحقائق على الأرض، وهو ما يعني عمومًا تبني فكرة الحكم الذاتي كإطار لحل النزاع. الواقعية السياسية اليوم تقوم على الاعتراف بأن الحل لا يمكن أن يكون في الاستفتاء الذي أصبح غير قابل للتطبيق، وإنما في إيجاد تسوية تضمن حقوق جميع الأطراف ضمن إطار الوحدة الوطنية المغربية. وبذلك، أصبحت الواقعية السياسية هي السبيل الوحيد للمضي قدمًا نحو تسوية مستدامة، في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المعقدة في المنطقة. إن ما حققته الدبلوماسية المغربية في ملف الصحراء هو إنجاز استراتيجي يعكس نضجًا كبيرًا في منهجية الاشتغال السياسي الخارجي، وحنكة قيادية واضحة على أعلى مستوى. لقد استطاع المغرب، في ظرف وجيز نسبيًا، أن يُحوّل مواقف العديد من الدول الفاعلة من الحياد إلى الدعم العلني، بفضل دبلوماسية رزينة، متزنة، ومرتكزة على الشرعية التاريخية والقانونية. هذا التفوق لم يكن ليحدث لولا القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من قضية الصحراء أولوية مركزية في السياسة الخارجية للمملكة، ووظّف في ذلك أدوات متعددة: من الحضور الاقتصادي والروابط الإفريقية المتينة، إلى الحزم السيادي والانفتاح على الشراكات الدولية المؤثرة. فالرؤية الملكية قامت على إقناع العالم، لا بالصوت المرتفع، بل بالفعل الهادئ والواقعي، بأن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب الوطني، وأن مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الوحيد الجدي والعملي للنزاع. اليوم، يشهد المجتمع الدولي على تحول عميق في تموقع المغرب إقليميًا ودوليًا، وعلى قدرة دبلوماسيته على كسب الرهانات الكبرى دون تصعيد أو تنازلات تمس بمبادئه. إنها لحظة تؤكد أن المغرب، بقيادة جلالة الملك، لا يدافع فقط عن وحدته الترابية، بل يرسّخ نموذجًا سياسيًا واقعيًا ومسؤولًا في التعاطي مع الأزمات والنزاعات، ويُثبت أن السيادة تُبنى بالتدرج والثبات، لا بالشعارات.

مناورات "الأسد الإفريقي 2025" تجمع القوات المغربية والأمريكية في تدريبات مكثفة بأكادير
مناورات "الأسد الإفريقي 2025" تجمع القوات المغربية والأمريكية في تدريبات مكثفة بأكادير

يا بلادي

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • يا بلادي

مناورات "الأسد الإفريقي 2025" تجمع القوات المغربية والأمريكية في تدريبات مكثفة بأكادير

شارك أعضاء من القوات المسلحة الملكية المغربية مع مدربين من الجيش الأمريكي في تدريبات أكاديمية بمدينة أكادير الأسبوع الماضي، وذلك في إطار مناورات "الأسد الإفريقي 2025"، الحدث العسكري الأبرز الذي يُنظم سنويا في القارة الإفريقية. وفي مقطع فيديو نشرته يوم الاثنين خدمة توزيع المعلومات المرئية الدفاعية (DVIDS)، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، والتي توفر معلومات عامة عن الأنشطة العسكرية، ظهر جنود من القوات المسلحة الملكية المغربية وهم يتابعون بعناية ويدونون الملاحظات أثناء تقديم الجنود الأمريكيين تعليماتهم خلال تمرين أكاديمي عقد في 5 ماي. كما أظهر فيديو آخر أن تكوينا قد أُجري في 7 ماي. وتجمع نسخة 2025 من "الأسد الإفريقي" أكثر من 10,000 جندي من أكثر من 50 دولة، بما في ذلك سبعة من حلفاء الناتو. وتقام هذه التدريبات في كل من المغرب وغانا والسنغال وتونس، وتهدف إلى تعزيز الجاهزية العسكرية وتحسين الفعالية القتالية وترسيخ الشراكات. ووفقا للجيش الأمريكي، تسعى هذه المناورات إلى تعزيز القدرات المشتركة في بيئات معقدة ومتعددة المجالات، مما يمنح القوات المشاركة القدرة على الانتشار والقتال وتحقيق النصر. انطلقت مناورات "الأسد الإفريقي 2025" في 14 أبريل ومن المقرر أن تختتم في 23 ماي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store