
النخب العربية وتواطؤ الصمت: حين يكون السكوت شريكًا في الجريمة
كلماته الصارخة التي وجهها للنخب العربية والإسلامية، الدينية والسياسية والثقافية، ليست مجرد عتاب، بل هي اتهام صريح وشديد اللهجة، يحمّل فيه هذه النخب مسؤولية الدماء التي تُسفك على أرض فلسطين. إنه صمت لا يمكن تبريره، وعار لا يمحوه الزمن، فسكوت القادر على الكلام في زمن المذابح لا يُعد مجرد حياد، بل تواطؤاً حقيقيًا مع القتلة.
تدفعنا تلك التصريحات الصارخة إلى إعادة النظر في الدور التاريخي الذي يفترض أن تضطلع به النخب في العالم العربي والإسلامي، فإذا بها تنقسم إلى صنفين لا ثالث لهما: صنف مكبل بالهشاشة والعجز، يرهبه مجرد التفكير في المواجهة، وصنف آخر أكثر خطورة، يتقن التلون والتبرير، وقد ارتضى لنفسه لعب دور البوق للسلطة، يبيع قضاياه الكبرى على موائد السلطة مقابل فتات من المناصب والامتيازات. وفي الحالتين، تُترَك الشعوب بلا صوت حقيقي، ويتعطل الحراك الشعبي وتُجهض أي بوادر نهضة، بينما يستمر نزيف فلسطين بلا توقف منذ عامين، وسط صمت يُشبه الخيانة أكثر مما يشبه العجز.
هذا الواقع المؤلم لم يولد من فراغ، بل له جذوره العميقة التي ظهرت بوضوح في مرحلة ما بعد حرب أكتوبر 1973، حين شهدت دول الخليج طفرة مالية هائلة نتيجة ارتفاع أسعار النفط. استغلّ بعض الأنظمة الخليجية هذه الطفرة لترويج ودعم الفكر السلفي الوهابي بشكل ممنهج ومدروس، وسرعان ما تحوّل هذا التيار إلى أداة سياسية في أيدي الأنظمة الحاكمة، تُستخدم لتطويع الشعوب، وتخدير وعيها، وتجريم أي نزعة مقاومة أو تمرّد على الظلم والاستبداد.
لكن الخطر لم يتوقف عند هذا الحد. فقد أدركت القوى الاستعمارية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، القيمة الاستراتيجية لهذا التيار المتشدد، فعملت على توظيفه ضمن سياق الحرب الباردة، ولا سيما في أفغانستان، ثم أعادت استخدامه لاحقًا كوسيلة لتفتيت المجتمعات، وضرب الحركات التقدمية والقومية. وهنا نستحضر رؤية محمد عابد الجابري الذي يؤكد أن:
اليوم 09:20
18 تموز 09:07
"انتشار الوهابية والسلفية ليس ظاهرة دينية فحسب، بل هو أيضًا ظاهرة سياسية، تقف خلفها الأنظمة العربية لتبرير شرعيتها وتثبيت سلطتها، وتستخدمها القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة كأداة فعّالة لخلق التمزقات داخل المجتمعات العربية."
أما إدوارد سعيد، المفكر الذي كرّس مشروعه لكشف بنية الهيمنة الثقافية والاستعمارية، فقد اختصر هذا التواطؤ بقوله:
"تبنّت الولايات المتحدة الوهابية كأداة أيديولوجية لتقويض المشروع القومي العربي وضرب حركات التحرر الوطني، ما أسهم في خلق تشوّه كبير في الهوية الثقافية والسياسية العربية."
لقد تحوّلت الوهابية إلى ذراع أيديولوجي للاستبداد المحلي والهيمنة الأجنبية، وصارت أداة لإفراغ الإسلام من مضمونه التحرري والإنساني، وتحويله إلى طقوس شكلية تحرّم الثورة وتحرّض على طاعة الظالم، ما مهّد الطريق لتكريس أنظمة التبعية ومشاريع التفتيت الطائفي والعرقي التي مزّقت أوصال الأمة، وخلّفت شعوبًا مسحوقة ونخبًا صامتة أو متواطئة.
في السياق ذاته، لا يمكن تجاهل التحالف البراغماتي الذي أقامه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع جماعة الإخوان المسلمين، في مواجهة التيارات الناصرية واليسارية والماركسية التي كانت تشكل العمود الفقري للتيارات المناهضة للهيمنة والاستبداد. هذا التحالف لم يكن مجرد خطوة سياسية ظرفية، بل فتح الباب واسعًا أمام إعادة هندسة الإسلام في صيغة تُناسب السلطة، حيث جرى تفريغه من مضمونه الثوري التحرري، وتحويله إلى دين طقوسي شكلي، يُروّج الطاعة المطلقة، ويُجرّم العصيان، ويُشرعن الخضوع. لقد استُبدل الإسلام الذي يقاوم الظلم، بإسلام يُروّج لقبول الواقع، ويُكرّس الاستبداد كقَدَر لا مفر منه.
إن صعود أبو محمد الجولاني إلى واجهة السلطة في شمال سوريا ليس حدثًا عارضًا أو خللًا طارئًا في المشهد السياسي، بل هو نتاج خالص لتحالفات إقليمية ودولية معلنة ومضمرة.
فالدعم الأميركي العلني، والتنفيذ التركي الميداني، والرضى الإسرائيلي الذي لم يخفِه نتنياهو، كلها عوامل تكشف أن ما يحدث هو إعادة إنتاج متقنة للعبة الإسلام السياسي كأداة في خدمة المشاريع المعادية لمصالح الأمة. الجولاني لا يمثل انتصارًا للثورة، بل انحرافًا بها، حيث أصبح جزءًا من بنية السيطرة، وأحد وجوه الإسلام الوظيفي الذي يُستخدم لتشويه مفاهيم التحرر، وتحويل المقاومة إلى سلعة تفاوضية رخيصة.
إن لهذا الصمت المخزي ثمنًا فادحًا لم تدفعه النخب، بل دفعته دماء الأبرياء في فلسطين، الذين تساقطوا بالآلاف تحت القصف والحصار والخذلان. لم يكن التخاذل مجازيًا، بل كان تواطؤًا صريحًا، جعل من النخب شريكة موضوعية – وربما قانونية – في الجريمة المستمرة. هذه الرقاب التي سكتت عن المجازر، هي رقاب مثقلة بدماء لا تجف، وبعار لا يمحوه اعتذار، ولا يغسله الزمن.
لم يعد كسر حاجز الصمت ترفًا نضاليًا أو شعارًا عاطفيًا، بل هو شرطٌ وجودي لاستعادة ما تبقى من كرامة الأمة. إن استنهاض الشارع العربي، وإعادة وصله بنبض القضايا الحقيقية، وبعث روح المقاومة والعدالة في ضميره، لم تعد خيارات سياسية بل هي ضرورات مصيرية.
فإما أن تصحو هذه الأمة من سباتها الطويل وتعيد إنتاج نخبها على أسس الكرامة والوعي، أو تظل حبيسة نخب متكلسة، رهينة للصمت والتواطؤ، مكبّلة بعار التاريخ ووصمة الدم الفلسطيني.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 31 دقائق
- الميادين
"Responsible Statecraft": "ألعاب الجوع" الإسرائيلية القاتلة في غزّة
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً يتناول الانتهاكات المروعة المرتبطة بعمليات توزيع الغذاء في غزة، مسلطاً الضوء على دور المتعاقدين الأميركيين العاملين ضمن مؤسسة تدعى "مؤسسة الإغاثة الإنسانية العالمية"، بالتواطؤ مع "الجيش" الإسرائيلي في ارتكاب جرائم محتملة ضد المدنيين الفلسطينيين الجوعى. أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية: أفاد تقرير بأنّ متعاقداً أميركياً آخر تقدّم مؤخّراً بروايات مروّعة عن فترة عمله لدى "مؤسسة الإغاثة الإنسانية العالمية"، وهي الجهة المسؤولة عن توزيع الغذاء في غزّة. وقد شُبهت هذه العملية بلعبة "هانغر غيم" لعبة الجوع، حيث وجّهت اتّهامات للجيش الإسرائيلي بإطلاق النار وقتل المئات من الفلسطينيين بزعم عدم التزامهم بالوقوف في الصفوف أو ارتكابهم مخالفات مزعومة أخرى أو حتّى من دون سبب إطلاقاً، وهم يكافحون يائسين للحصول على الغذاء. فمتعاقدو الأمن الأميركيون الذين وظّفوا للعمل مع "مؤسسة الإغاثة الإنسانية العالمية"، مُتّهمين بالمشاركة في عمليّات السيطرة على الحشود، سواء باستخدام القوّة المميتة أو أقلّ بدرجة، مع ورود تقارير عن استخدام الذخيرة الحيّة، والقنابل الصوتية، ورذاذ الفلفل. اليوم 09:27 25 تموز 13:22 وفي الأسبوع الماضي قتل ما لا يقلّ عن 20 شخصاً خلال تدافع المنتظرين، بينما أفادت الأمم المتحدة بأنّ أكثر من 1,050 شخصا قتلوا في أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء منذ شهر أيّار/مايو، منهم أكثر من 700 ضحية في مواقع توزيع المساعدات التي تشهد تصاعداً في أعمال العنف. وبحسب ما ورد قدم متعاقد أميركي آخر قصصاً مرعبة عن الفترة التي قضاها في العمل في المؤسسة الإنسانية العالمية، وهي المنظّمة المسؤولة عن توزيع الموادّ الغذائية في غزّة. في الشهر الماضي، قال 2 من المقاولين من شركتين أميركيتين مختلفتين لوكالة "أسوشيتد برس"، إنّ زملاءهم كانوا يطلقون النار على الحشود بذخيرة حية، بينما تقدّم آخر بشهادته وهو من قدامى المحاربين الذين خدموا في عدّة مناطق نزاع قال: "لم يحدث قط طوال مسيرتي العسكرية أن شاركت أو سمحت باستخدام القوّة ضدّ مدنيين أبرياء غير مسلّحين أبداً، ولن أفعل ذلك الآن، ولا يوجد حلّ إلّا بوضع حدّ لذلك." يضيف: "كان هناك رجل على الأرض على يديه وركبتيه محاولاً جمع حبات المعكرونة واحدة تلو الأخرى، وكان مدنيّاً وغير مسلّح، ولا يشكّل تهديداً، حين رشّه أحد موظّفي الشركة بعلبة كاملة من رذاذ الفلفل على وجهه، وهو أمر قاتل". وفي حالة أخرى كان واقفاً قرب امرأة فلسطينية حين القى عليها أحدهم قنبلة صوتية أصابتها وانهارت وسقطت على الأرض. في تلك اللحظة أدركت أنّني لا أستطيع الاستمرار". كما أصر الشاهد على أنّ المقاولين الأميركيين كانوا يطلقون الذخيرة الحية على الفلسطينيين بعد أن جمعوا طعامهم. وكان الجنود الإسرائيليّون قد أكّدوا صحّة هذه التقارير وقال بعضهم لمراسلي صحيفة "هآرتس" في الشهر الماضي، إنّهم تلقّوا أوامر بإطلاق النار على المدنيين العزل في المواقع حتّى عندما لم يكن هناك أيّ تهديد. كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخّراً أنّ جنود "الجيش" الإسرائيلي أطلقوا النار على حشد من الفلسطينيين يحملون أعلاماً بيضاء، لأنّّهم عبروا "الخط الأحمر". ويعمل المتعاقدون الأميركيون وكثير منهم كانوا جنودا في الجيش الأميركي سابقاً في غزّة منذ نيسان/أبريل. ويشاع أنّ كلّ موظّف يتقاضى 1500 دولار في اليوم مقابل العمل. قد لا يكون ذلك كافياً لتحمّل ما يشهدونه. ومع تقدّم المزيد للإدلاء بشهاداتهم، قد يتبيّن أنّ الحكومة الإسرائيلية ارتكبت خطأ كبيراً عندما اعتقدت أنّ إضفاء طابع أميركي على خطّتها الغذائية الوحشية في غزة سيكون مفيداً، لأنّ هؤلاء الأجانب قد يساهمون في نهاية المطاف في إسقاط هذه الخطّة بالكامل. نقله إلى العربية: حسين قطايا.


الميادين
منذ 34 دقائق
- الميادين
"الغارديان": لماذا تُؤجل محكمة العدل إصدار حكمها بشأن الإبادة الجماعية في غزة؟
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول بطء الإجراءات القضائية في محكمة العدل الدولية بشأن قضية الإبادة الجماعية التي تتهم فيها جنوب أفريقيا "إسرائيل" بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين في غزة، مقابل تدهور الأوضاع الإنسانية المتسارع في القطاع. أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية: بينما يموت الفلسطينيون في غزّة بأعداد متزايدة يومياً بسبب الجوع، ويتزايد عدد الباحثين القانونيين ومسؤولي الإغاثة والسياسيين الذين بدأوا يصفون أفعال "إسرائيل" بالإبادة الجماعية، فإن صدور حكم نهائي بشأن هذه المسألة من أعلى محكمة في العالم سيستغرق وقتاً طويلاً. قال خبراء في محكمة العدل الدولية إنّه من غير المرجح صدور حكم بشأن ما إذا كانت "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية في غزة قبل نهاية عام 2027 على أقرب تقدير، وسط تحذيرات من أنّ المجتمع الدولي لا ينبغي أن يستخدم بطء إجراءات المحكمة كذريعة لتأجيل اتخاذ إجراءات لوقف القتل. كان من المقرر أصلاً أن تقدّم "إسرائيل" ردها على تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها جنوب أفريقيا يوم الإثنين، لكن المحكمة منحت محاميها تمديداً لمدة ستة أشهر. قبلت هيئة المحكمة المكونة من 17 قاضياً حجة "إسرائيل" بأنها احتاجت إلى أكثر من تسعة أشهر مخصصة لإعداد قضيتها، لأنها زعمت أنّ "مسائل الأدلة" في عرض جنوب أفريقيا تعني أن "نطاق القضية لا يزال غير واضح". رد الفريق القانوني الجنوب أفريقي بأن أياً من الحجج التي قدمها المحامون الإسرائيليون لم تكن سبباً مشروعاً للتأخير، وأنّ إطالة أمد القضية أمر غير مبرر في ضوء حالة الطوارئ الإنسانية في غزة. لكن المحكمة انحازت إلى "إسرائيل"، التي لديها الآن حتى كانون الثاني/يناير المقبل لعرض قضيتها. قالت جولييت ماكنتاير، المحاضرة البارزة في القانون بجامعة جنوب أستراليا: "أعتقد أنّ محكمة العدل الدولية حذرة للغاية هنا بسبب المناخ السياسي". أضافت: "إنهم لا يريدون أن يُتَّهموا بتجاهل الحقوق الإجرائية لـ "إسرائيل" واعتبارها ارتكبت إبادة جماعية من دون منحهم الفرصة الكاملة للرد". منذ تأسيسها عام 1945، لطالما فضّلت محكمة العدل الدولية الحذر على السرعة في دورها كحَكَم نهائي بين الدول. قالت إيفا فوكوشيتش، الأستاذة المساعدة في التاريخ الدولي بجامعة أوتريخت: "تُعرف محكمة العدل الدولية ببطء مداولاتها. عمرها 80 عاماً، وترغب في العمل بطريقة معينة". بعد أن تُقدّم "إسرائيل" دفاعها في كانون الثاني/يناير المقبل، يُمنح كل طرف عادةً وقتاً كافياً لإعداد جولة أخرى من الحجج لمواجهة نقاط الطرف الآخر والتطورات الجديدة. قال مايكل بيكر، الذي عمل مسؤولاً قانونياً في محكمة العدل الدولية من عام 2010 إلى عام 2014، وهو الآن أستاذ مساعد في القانون الدولي لحقوق الإنسان في كلية ترينيتي بدبلن: "عادةً ما تستغرق الجولة الثانية حوالي ستة أشهر لكل طرف، أي عاماً آخر، ثم نصل إلى كانون الثاني/يناير 2027". إذا سارت الأمور بسلاسة ولم تكن هناك أي أحداث أو انقطاعات أخرى في الإجراءات، فستُعقد جلسة استماع في وقت ما من عام 2027، وربما في وقت مبكر بما يكفي من العام لإصدار حكم بحلول نهاية العام. مع ذلك، هناك مجموعة من العوامل التي قد تُؤجل القضية إلى عام 2028، بما في ذلك مطالبات دول أخرى بالتدخل. اليوم 10:45 25 تموز 13:22 لدى محكمة العدل الدولية أداة لمعالجة عدم التوافق بين وتيرة إجراءاتها وضرورة التعامل مع حالات كارثية مثل غزة. في عام 2024، أصدرت المحكمة ثلاث مجموعات من "التدابير المؤقتة"، في شكل تعليمات لـ "إسرائيل"، استجابةً لطلبات جنوب أفريقيا. في كانون الثاني/يناير من العام الماضي، قضت محكمة العدل الدولية بأن ادعاء الإبادة الجماعية "مقبول" وأقرت بأن "الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة معرض لخطر شديد بالتدهور قبل أن تُصدر المحكمة حكمها النهائي". وأمرت "إسرائيل" "باتخاذ جميع التدابير الممكنة" لوقف أعمال الإبادة الجماعية والتحريض عليها، واتخاذ "تدابير فورية وفعالة" للسماح بدخول المساعدات إلى غزة. وفي آذار/مارس 2024، أضافت المحكمة المزيد من التدابير التي تطالب بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وفي أيار/مايو، أمرت بوقف الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح الجنوبية وإعادة فتح معبر رفح من مصر أمام إيصال المساعدات. تجاهلت "إسرائيل" بشكل شبه كامل التدابير المؤقتة ورفضت اتهام الإبادة الجماعية ووصفته بأنه "شائن وكاذب"، ولم تطلب جنوب أفريقيا أي تدابير أخرى، على الرغم من فترات الحصار الشامل الذي فرضته "إسرائيل" على غزة هذا العام. ووفقاً لمصدر مقرب من فريقها القانوني، فقد كان للضغط المكثف من واشنطن تأثير. في شباط/فبراير، أصدر دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بوقف المساعدات لجنوب أفريقيا، منتقداً موقفها أمام محكمة العدل الدولية، مدعياً، من دون دليل، أنّ الأفريكانيين البيض في البلاد "ضحايا تمييز عنصري ظالم". مع ذلك، أصرت حكومة جنوب أفريقيا على أنها لا تنوي إسقاط قضية غزة. بصرف النظر عن وتيرة محكمة العدل الدولية البطيئة المتعمدة، فإن معيار الإثبات المطلوب للتوصل إلى حكم بشأن الإبادة الجماعية مرتفع للغاية. ففي الصفحة الأولى، لا تضع اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 معياراً صارماً، إذ تُعرّف الإبادة الجماعية بأنها التدمير المتعمد "كلياً أو جزئياً" لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. مع ذلك، في تفسيرها للاتفاقية، اشترطت محكمة العدل الدولية أدلة "قاطعة تماماً" على أن الدولة المتهمة كانت لديها نية الإبادة الجماعية في ارتكاب عمليات قتل جماعي، ولم تكن هناك دوافع أخرى محتملة ومنافسة، مثل مكافحة التمرد أو الاستيلاء على الأراضي. وبموجب هذا المعيار، لم تُصدر المحكمة بعد حكماً ضد أي دولة بتهمة الإبادة الجماعية. لدى هيئة القضاة الحالية فرصة لتخفيف هذا المعيار الصعب في قضية إبادة جماعية ستسبق غزة - فظائع ميانمار ضد شعب الروهينجا، والتي من المتوقع أن تبدأ جلسات الاستماع فيها مطلع العام المقبل. حتى من دون تغيير معيار محكمة العدل الدولية، يعتقد عدد متزايد من علماء القانون أنّ "إسرائيل"، بأفعالها في غزة، تتجاوز حتى هذا الحدّ العالي. وقال ماكنتاير: "مع أن الأمر بطيء ومحبط للغاية، إلا أن إحدى فوائد [الوتيرة المدروسة لمحكمة العدل الدولية] هي أنه عندما تجد المحكمة، وهو أمرٌ شبه حتمي في هذه المرحلة، أن "إسرائيل" ترتكب إبادة جماعية، سنكون قادرين على القول إنه لا شك في هذا الاستنتاج". وأياً كانت النتيجة، يجادل العديد من خبراء القانون الإنساني الدولي بأن التركيز على حكم الإبادة الجماعية قد يكون تشتيتاً خطيراً، مما يؤخر اتخاذ المجتمع الدولي إجراءً حاسماً في انتظار حكم محكمة العدل الدولية، في حين يُسمح باستمرار الجرائم الواضحة ضد الإنسانية. قال بيكر: "مشكلة هذا النوع من الهوس تكمن في أنه ينطوي على إيحاء ضمني بأنه إذا لم يستوفِ التعريف القانوني للإبادة الجماعية، فلا بأس". وأضاف: "إنه يُغفل حقيقة أننا إذا كنا نتحدث عن إبادة جماعية، فنحن بالفعل في وضع خطير للغاية منذ البداية. لا ينبغي أن يقتضي الأمر إبادة جماعية حتى يكون هناك التزام بالتدخل أو اتخاذ إجراء". نقلته إلى العربية: بتول دياب.


LBCI
منذ ساعة واحدة
- LBCI
بقائي: الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستجري زيارة لإيران
أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي أنّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ستجري زيارة لإيران في غضون أسبوعين. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من تصريح المدير العام للوكالة بأنّ طِهران مستعدة لاستئناف المحادثات الفنية. وأوضح بقائي أنّه سيُقدّم دليل إرشاديّ في شأن مستقبل تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بناء على قانون برلمانيّ صدر في الآونة الأخيرة يفرض قيودًا على هذا التعاون.