
أزمة تكدّس الشيكل ... والحلول الممكنة
أزمة تكدّس الشيكل في البنوك العاملة في فلسطين، أزمة قديمة جديدة، وإن اشتدت في السنوات الأخيرة، وطفت آثارها على السطح في الآونة الأخيرة، سببها الرئيس القيود التي تضعها إسرائيل على استقبال فائض الشيكل من الاقتصاد الفلسطيني، على الرغم من وجود نص واضح على ذلك في برتوكول باريس الاقتصادي، ومنذ توقيعه لينظم العلاقة المالية ما بين السلطة الفلسطينية واسرائيل عام 1994، تضاعف الاقتصاد الفلسطيني، إلا أن إسرائيل تستقبل فقط (18) مليار شيكل سنوياً من عملتها في الاقتصاد الفلسطيني ومن خلال اربع دفعات سنوياً، وهو مبلغ لا يتناسب ونمو الاقتصاد الفلسطيني، حيث أن الاحتياج الفعلي هو شحن حوالي (30) مليار شيكل للبنوك الإسرائيلية سنوياً، مما يعني وجود فائض دائم للشيكل في الاقتصاد الفلسطيني، يرتفع في بعض الأشهر لمستويات حرجة كما هو الحال هذه الأيام، حيث يبلغ الشيكل المتكدّس في البنوك حوالي (13) مليار شيكل، الأمر الذي يعيق تغذية حسابات البنوك الفلسطينية لدى البنوك الإسرائيلية، والتي تتم من خلالها تنفيذ المعاملات المالية اللازمة لعمليات شراء وبيع السلع والخدمات ما بين فلسطين وإسرائيل، كما أنه يكلف البنوك العاملة في فلسطين تكاليف التخزين والتأمين والنقل، عدا عن تكلفة الفرصة البديلة، كما يحد من دور القطاع المصرفي كوسيط مالي في تنفيذ العمليات التجارية ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، الامر الذي يهدد بنشوء سوق سوداء واقتصاد غير رسمي.
وبعيداً عن تشخيص الأزمة، والتي أضحت معلومة الأسباب، فإنّ الأهم اجتراح حلول لمعالجتها، والتي يجوإطلاقكون ضمن مسارين، المسار الأول وهو المسار السياسي، فجوهر الأزمة سياسيّ وليس فنيّ، وهو ضمن توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية لتقويض أركان الدولة الفلسطينية، وخنق الاقتصاد الوطني، وخلق واقع طارد للاستثمار، وهدم للبناء المؤسسي للاقتصاد الوطني المنظّم، وللقطاع المصرفي القوي والمتين في فلسطين، وهي توجهات غير سرية ومعلنة، ويتحدث فيها وزير المالية الإسرائيلي "سموتريتش" على الملأ، ويحظى بدعم من الحكومة الإسرائيلية، وتأتي أزمة الشيكل في ذات سياق قرصنة إيرادات المقاصّة، واحتجازها، والتهديد بقطع العلاقة المصرفية، والتقييدات أمام الحركة التجارية، الأمر الذي يتطلب تدخلات على مستوى سياسي رفيع، من خلال حملة عبر الدول الشقيقة والصديقة، وحتى المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، للضغط على إسرائيل لاستقبال عملتها، واطلاق حملة دولية في سبيل ذلك، يُجنّد لها المستوى السياسي والسلك الدبلوماسي، ولنا في الوساطة المغربية في قضية إيرادات المقاصة التي كانت محتجزة في النرويج انموذج لجدوى التدخلات السياسية الخارجية.
أمّا على الصعيد الفني، فقد شكلت وزارة الاقتصاد الوطني خلية أزمة لمعالجة فائض الشيكل، وأطلقت سلطة النقد الفلسطينية جملة إجراءات فنية تخفف من الازمة، وهي جميعها إجراءات جيدة، ومهمة، وضرورية، ولكن غير كافية لوحدها لحل الازمة، لذا مطلوب العمل بشكل متوازٍ ما بين الإجراءات الفنية مع التدخلات السياسية، وضمن استراتيجية تشاركية يشارك فيها القطاع الحكومي والخاص والأهلي، والمجتمع المحلي، ومن تلك الإجراءات الفنية المطلوبة ضبط الشيكل في السوق الفلسطيني، أياً كان مصدره، من خلال تشريعات او إجراءات للإلزام بالتحويلات البنكية لحركة التجارة وتمويلها في بعض القطاعات ذات القيم النقدية المرتفعة مثل المحروقات والذهب والعقارات والتبغ وتبديل العملات، والتي تشكل المكوّن الأكبر للكتلة النقدية، إضافة الى تعزيز التحوّل الرقمي في فلسطين، خاصة وان (70%) من البالغين لديهم حسابات بنكية فاعلة، من خلال توفير البنية اللوجستية اللازمة، ومحفزات للتجار والمواطنين على حد سواء، ونشر الوعي المجتمعي حول أهمية التحوّل الرقمي، والأمان والموثوقية فيه، والتدرج نحو الزامية انفاذه، إضافة الى اطلاق البنوك لبرامج اقراض تنموية ميسرة بعملة الشيكل، من اجل توسيع القاعدة الإنتاجية، خاصة في القطاع الزراعي، والصناعات التحويلية، الأمر الذي يعزز الاقتصاد الوطني من جهة، ويتم استثمار فائض الشيكل بما يعود بالفائدة على كل من البنوك والمجتمع والمواطن من جهة ثانية، كذلك توجد ضرورة لتوفير مسارات لفائض الشيكل عبر البنوك الإقليمية أو الدولية ذات العلاقة المصرفية مع إسرائيل.
وعمليا تكلفة بقاء الوضع على ما هو عليه، هي التكلفة الأكبر مستقبلاً، والحلول الجزئية يمكن ان تحل الازمة مرحليا، ولكن لا تلبث إلاَ أن تستعر الأزمة مستقبلاً، لذا توجد ضرورة لتبني هذه الحلول وغيرها من الأفكار من الخبراء وأصحاب الصلة، وتعزيز الحوار الوطني من اجل الحفاظ على الكينونة الفلسطينية، وعلى مقومات الاقتصاد الوطني، وبنيان القطاع المصرفي، وافشال السياسات الإسرائيلية التي تستهدف الكل الفلسطيني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأسبوع
منذ 21 دقائق
- الأسبوع
محافظ المركزي الإسرائيلي: 20 مليار شيكل خسائر حرب الـ 12 يوماً مع إيران
بنك الاحتلال الإسرائيلي أقر محافظ البنك المركزي الإسرائيلي بالخسائر التي لحقت بالاقتصاد الإسرائيلي، جراء حرب الـ 12 يوماً التي شنتها على إيران، كاشفاً أن الحملة العسكرية الموجزة كبدت البلاد أعباء قدرت بنحو 1% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يوازي حوالي 20 مليار شيكل «بما يعادل 5.9 مليار دولار». وقال محافظ المركزي الإسرائيلي، أمير يارون، في تصريحات أدلى بها لوكالة «بلومبيرج»: «إذا تم تسوية الحرب على غزة على نحو مستدام، فسيكون ثمة طريق واضح لإسرائيل لكي تعود مجدداً إلى المسار المحتمل للنمو، ربما تعزز قدرتها على إدراك ما فاتها». واستعرض محافظ البنك المركزي الإسرائيلي التحديات المالية لبلاده قائلاً: «ينبغي على إسرائيل العمل على إعادة تقييم أولوياتها المتعلقة بتوازن الإنفاق المدني، والنفقات الدفاعية من أجل الحفاظ على وضعية مالية مسؤولة». وأضاف يارون، أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحتاج إلى مراجعة موازنة 2025 وزيادتها. وتابع بالقول: «إذا كان الوضع الجيوسياسي يتحسن، فإن ذلك ربما يتيح التحول من الإنفاق الدفاعي إلى الإنفاق المدني، وربما إجراء زيادات أقل في النفقات الدفاعية». وعلى صعيد السياسة النقدية، فقد أبقى البنك المركزي الإسرائيلي على الفائدة الرئيسية عند مستوى 4.5 في المائة على مدار عام ونصف العام. وحدد يارون، عاملين اقتصاديين يلعبان بشكل متعارض: انخفاض قيمة الشيكل ونقص العمالة بسبب الانخراط في خدمة الاحتياط بالجيش الإسرائيلي. واعترف يارون بغموض الأمر نسبياً قائلاً «من الصعوبة بمكان معرفة أي من هذين العاملين سيكون له الغلبة وفي أي مرحلة سيحدث ذلك. وتابع مفسراً "لازلنا نعتقد بأنه في غضون عام يمكن أن نشهد القوى الأساسية العامة للاقتصاد تدفع معدلات التضخم للانحسار، لكن ما سيحدث على المدى القصير يصعب توقعه». وتتضمنت ميزانية إسرائيل لعام 2025 إنفاقًا قدره 756 مليار شيكل إسرائيلي «215 مليار دولار أمريكي، 187 مليار يورو» بزيادة قدرها 21% عن العام السابق. ومن المتوقع أن تكون هذه الميزانية الأكبر في تاريخ إسرائيل، وتشمل 38.6 مليار دولار أمريكي للدفاع، وفقًا لتقرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل. وللتعويض عن الضغوط المالية، لزيادة الإنفاق العسكري، رفعت الحكومة الضرائب وزادت ضريبة القيمة المضافة على معظم السلع والخدمات من 17% إلى 18% في بداية هذا العام كما ارتفعت ضريبة الصحة المُستقطعة من رواتب الموظفين ومساهمات التأمين.


وكالة الصحافة الفلسطينية
منذ 2 ساعات
- وكالة الصحافة الفلسطينية
الدولار مقابل الشيكل.. أسعار صرف العملات في فلسطين اليوم الخميس 26 يونيو
رام الله - صفا جاءت أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الشيكل الإسرائيلي، اليوم الخميس 26 يونيو/ حزيران 2025 على النحو التالي: سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل 3.39 شيكل. سعر صرف الدينار الأردني مقابل 4.79 شيكل. سعر صرف اليورو الأوروبي مقابل 3.97 شيكل. سعر صرف الجنيه المصري مقابل 0.068 شيكل.


بيروت نيوز
منذ 5 ساعات
- بيروت نيوز
بالأرقام.. إسرائيل تكشف الحصيلة الكاملة لخسائر الحرب مع إيران
كشفت وزارة الصحة الإسرائيلية اليوم الأربعاء، عن حصيلة الخسائر البشرية والمادية التي خلفتها الحرب الأخيرة مع إيران، ووصفتها مصادر عبرية بأنها 'من أكبر التحديات الصحية التي تواجه البلاد منذ سنوات'. وأفادت الوزارة بأن عدد المصابين بلغ 3345 شخصاً، فيما شُرّد أكثر من 11 ألف إسرائيلي نتيجة الأضرار المباشرة، وتم إيواؤهم في 97 مركز استقبال موزعة في مختلف المناطق. كما سجلت خطوط الدعم النفسي نحو 19 ألف طلب مساعدة خلال أيام الحرب، في وقت استقبلت فيه المستشفيات آلاف الجرحى في مختلف أنحاء البلاد. وأشارت الوزارة إلى أنه تمّت إعادة 650 من أفراد الطواقم الطبية إلى إسرائيل عبر رحلات إجلاء خاصة، على أن تصل غداً دفعة إضافية تضم 180 طبيباً من الخارج. وفي إطار الاستعدادات، أُضيف أكثر من ألف سرير إلى المستشفيات، بعضها في مواقف سيارات تحت الأرض جرى تجهيزها كوحدات طبية محصّنة تحسباً لهجمات إضافية. وفي خطوة لافتة، أعلنت وزارة الصحة تخصيص مليار شيكل لإعادة تأهيل مستشفى 'سوروكا' في بئر السبع، الذي تعرض لأضرار كبيرة خلال الحرب مع إيران. يُذكر أن إسرائيل كانت قد أعلنت مقتل 29 شخصاً في الهجوم الإيراني الذي شكّل تصعيداً غير مسبوق في المنطقة. (روسيا اليوم)