logo
إخفاق بوتين في الشرق الأوسط

إخفاق بوتين في الشرق الأوسط

Independent عربيةمنذ 16 ساعات
قبل بضع سنوات بدا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد رسخ نفوذ موسكو في الشرق الأوسط بعد عقود من التراجع. فمع توطيد بوتين العلاقات مع حلفاء روسيا التقليديين، مثل إيران وسوريا، وتطوير علاقات أكثر وداً مع إسرائيل والأنظمة العربية، بدا أن واقعيته البراغماتية تعد بديلاً مناسباً أكثر عما اعتبرته دول متعددة في المنطقة التزاماً أميركياً ساذجاً ومزعزعاً للاستقرار بهدف نشر الديمقراطية.
وقد سمحت هذه الاستراتيجية لروسيا بأن تصبح قوة موازنة راجحة لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، كما أنها جنت ثماراً على المستوى المحلي [في محيطها الجغرافي]. فقد التزم قادة الشرق الأوسط صمتاً ملحوظاً تجاه الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022. وحتى إسرائيل، الحليف الصدوق للولايات المتحدة، لم تنتقد روسيا، ولم تشارك في فرض عقوبات عليها.
ولكن على مدار الأشهر الـ20 الماضية، انهارت مكانة روسيا في الشرق الأوسط. فقد أدى رد إسرائيل على هجمات "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى تدمير ما يعرف بمحور المقاومة، وهو الشبكة المدعومة من إيران التي كانت روسيا قد نسجت معها علاقات وثيقة. فجأة، انهار نظام الأسد في سوريا، الذي ظل لفترة طويلة موالياً لروسيا [ركناً بارزاً في شبكة روسيا الزبائنية]. أما الضربات الأميركية والإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية فقد أضعفت إلى حد كبير أهم حليف إقليمي لروسيا. ونتيجة لذلك، تردى دور موسكو كراعٍ وضامن للأمن في المنطقة. وفي الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل الآن، انتفت الحاجة إلى موسكو.
وسوف تتردد أصداء إخفاقات موسكو إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. وسواء كان ذلك نتيجة قرار واع من بوتين بعدم التدخل، أو بسبب عجز الكرملين عن القيام بذلك، فإن تخلي روسيا عن شركائها في المنطقة يحمل عبرة قاسية سيعتبر بها شي جينبينغ والحزب الشيوعي الصيني: ففي أوقات الأزمات، لن تكون روسيا حليفاً يعول عليه.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن تراجع النفوذ الروسي في الشرق الأوسط يجب أن يحملها على إعادة النظر في التوازنات هناك. طوال سنوات، ناقش صانعو السياسات والباحثون مدى قوة العلاقة الروسية - الصينية، وما إذا كان ثمة فائدة ترتجى من محاولة دق إسفين بينهما أو تشجيع علاقات الاعتماد المتبادل بينهما، مع زيادة الكلف والأخطار التي يشكلها ذلك على كلا البلدين، ولكن الانتكاسات الأخيرة التي منيت بها موسكو في الشرق الأوسط أوضحت حقيقة أساسية طمستها خطابات الصين وروسيا عن علاقة خاصة بينهما. إن روسيا هي صديق في السراء فقط. ففي حال نشوب صراع أميركي - صيني، على سبيل المثال نزاع حول تايوان، في مستطاع واشنطن أن تتوقع بقاء موسكو على الحياد، تماماً مثلما فعلت مع شركائها في الشرق الأوسط.
الطريق إلى دمشق
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 لم تعد روسيا لاعباً دولياً رئيساً، بما في ذلك في الشرق الأوسط. فقد ركز الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين بدلاً من ذلك على دمج روسيا المتجهة نحو الديمقراطية مع الغرب، وكان يطمح للانضمام إلى مؤسسات غربية مثل مجموعة الدول السبع، ومنظمة التجارة العالمية، وحلف شمال الأطلسي، ولم يكرس سوى مساع وموارد ضئيلة للحفاظ على علاقات الحقبة السوفياتية مع خصوم الولايات المتحدة الاستبداديين، مثل إيران وسوريا. كما أن عقداً من الركود الاقتصادي حال دون انتظام روسيا في علاقات مع دول المنطقة.
لكن بوتين، الذي فاز بالرئاسة عام 2000، طوى تدريجاً تجاهل موسكو للشرق الأوسط. فبعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، سارع إلى تبني "الحرب العالمية على الإرهاب" التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. وفي سبيل دعم المساعي الحربية الأميركية في أفغانستان، أسهمت روسيا في تيسير إنشاء الولايات المتحدة قواعد عسكرية في ما كان بوتين يعتبره ضمن مجال نفوذه، أي جمهوريتي أوزبكستان وقرغيزستان السوفياتيتين السابقتين. حتى عندما اختلف بوتين مع بوش في شأن غزو العراق عام 2003 بسبب العلاقات الوثيقة بين الرئيس العراقي صدام حسين وروسيا، واصل الرئيس الروسي التعاون مع واشنطن في الشرق الأوسط في ملفات القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأبرزها السعي المشترك للحيلولة دون حيازة إيران السلاح النووي. عام 2010، صوتت روسيا إلى جانب الولايات المتحدة على قرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وهو قرار فرض حينها أشد العقوبات المتعددة الأطراف على طهران. وبعد خمس سنوات، انضمت روسيا إلى الولايات المتحدة، إلى جانب الصين وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، في توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة. وطوال هذه الفترة، تعاونت روسيا أيضاً مع الولايات المتحدة في محاربة منظمات إرهابية مختلفة في المنطقة، كان لبعضها صلات وثيقة بمتطرفين إسلاميين داخل روسيا.
وقد شكل الربيع العربي عام 2011 منعطفاً في سياسة بوتين الشرق أوسطية. فبينما احتفى قادة الولايات المتحدة وأوروبا بسقوط الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، تبنى بوتين، الذي كان حينذاك رئيساً للوزراء، وجهة نظر مغايرة حول الاحتجاجات. وفي اجتماعاته مع قادة غربيين، بمن فيهم الرئيس الأميركي باراك أوباما، حذر من أن انهيار الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي سيؤدي إلى حروب أهلية، ويقوي شوكة المتطرفين، ويشجع الإرهابيين، بل إنه انتقد علناً حليفه المقرب، الرئيس ديمتري ميدفيديف، لامتناعه عن التصويت على قرار لمجلس الأمن أجاز استخدام القوة ضد جيش الزعيم الليبي معمر القذافي، الذي كان يهدد بارتكاب فظائع جماعية في بنغازي، ثاني أكبر مدن ليبيا. وانتقد بوتين القرار بشدة ووصفه بأنه "معيب وتشوبه ثغرات كثيرة"، قائلاً إنه "يسمح بكل شيء" و"يشبه الدعوات للحروب الصليبية في العصور الوسطى".
لقيت مخاوف بوتين حول الاستقرار صدى في أوساط حكام الشرق الأوسط
في ذلك العام اندلع تحرك شعبي آخر ضد الاستبداد، لكن هذه المرة في روسيا. في ديسمبر (كانون الأول) 2011، نزل مئات الآلاف من الروس إلى الشوارع احتجاجاً على تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية. ومثلما اتهم واشنطن بالتحريض على الثورات ضد الأنظمة في مصر وليبيا وسوريا وتونس، ألقى بوتين باللوم على الولايات المتحدة في التظاهرات التي شهدها بلده ضد نظامه. وأدت التهديدات لحكمه في الداخل، التي كان بوتين مقتنعاً بأنها مدعومة من إدارة أوباما، إلى تخلي الزعيم الروسي عن التعاون مع الولايات المتحدة، مما كان له تداعيات كبيرة على السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط.
ولقيت مخاوف بوتين على الاستقرار صدى في أوساط حكام الشرق الأوسط، الذين اتفقوا على أن تغيير الأنظمة في المنطقة سيؤدي إلى وصول الإسلاميين المتطرفين إلى السلطة. واستغل بوتين هذه اللحظة لتوطيد العلاقات مع إسرائيل والأنظمة العربية، في وقت كانت فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة متوترة بسبب دعم واشنطن للتغيير السياسي في العالم العربي وتقاربها الملحوظ مع إيران. علاوة على ذلك، عمل بوتين على توطيد علاقاته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعدما استولى على السلطة في انقلاب عام 2013. وملأت روسيا الفراغ الذي خلفه الانسحاب الأميركي من ليبيا، وقدمت دعماً خطابياً [كلامياً] ومالياً للمشير خليفة حفتر، أمير الحرب القوي الذي يسيطر الآن على الجزء الشرقي من البلاد.
خلال هذه الفترة، عزز بوتين أيضاً علاقته الشخصية برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان يخشى هو الآخر انهيار الدول وصعود الحكومات والحركات الإسلاموية في العالم العربي. وشاركه الشعور نفسه عديد من اليهود المحافظين المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق إلى إسرائيل، والذين كانت القنوات الإعلامية الروسية تتواصل معهم مباشرة. بالنسبة إليهم، كان بوتين قائداً محترماً وعملياً يدعم الاستقرار في منطقتهم.
وبعد الفوز بولاية رئاسية ثالثة عام 2012، وجد العداء المتصاعد لدى بوتين تجاه الولايات المتحدة، باعتبارها مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي والدولي، آذاناً صاغية ومتعاطفة بصورة خاصة عند المستبد الثيوقراطي الإيراني، آية الله علي خامنئي. منذ أن أصبح المرشد الأعلى عام 1989، سعى خامنئي سعياً دؤوباً منهجياً إلى توجيه السياسة الخارجية الإيرانية نحو روسيا والصين. ومع قتال "حزب الله"، وكيل إيران، إلى جانب القوات الجوية الروسية لدعم الديكتاتور السوري بشار الأسد في حرب أهلية وحشية، تعاظم تقارب العلاقات بين طهران وموسكو. أما "حماس"، التي كانت قد اتخذت في البداية موقفاً نقدياً من نظام الأسد، فقد انضمت في نهاية المطاف إلى محور إيران وروسيا. ولم يصنف الكرملين ولا بوتين "حماس" منظمة إرهابية، بل وصفاها بأنها حركة تحرر وطني، مشابهة للحركات في أميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا وأفريقيا التي كان يدعمها الاتحاد السوفياتي إبان الحرب الباردة. وفي الواقع، كانت قدرة بوتين على مد علاقات مع كل من إسرائيل و"حماس" في الوقت نفسه أمراً لافتاً، ودليلاً على نجاح دبلوماسيته في الشرق الأوسط في ذلك الحين.
صديق الطغاة
إن مساعي بوتين لتوسيع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط قد أثمرت في البداية وحققت نتائج ملموسة. فبعد أن شنت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا عام 2022، زودت إيران موسكو بآلاف الطائرات المسيرة الفتاكة من طراز "شاهد" لدعم المساعي الحربية الروسية. كما امتنعت الأنظمة العربية عن التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي، ولم تنضم إلى التحالف الدولي لفرض العقوبات عليها. وفي أكتوبر 2022، وقع بوتين وولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتفاقاً لتقليص صادرات النفط، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وأسهم في تمويل آلة الحرب الروسية. حتى إسرائيل خالفت موقف معظم دول العالم الديمقراطي بامتناعها عن انتقاد الغزو، وصوتت ضد قرار للأمم المتحدة يدين العدوان الروسي.
عندما كان نظام الأسد في سوريا يترنح عام 2015، أدى نشر بوتين للقوات الجوية الروسية، من أجل دعم القوات البرية السورية والإيرانية و"حزب الله"، إلى منح الديكتاتور السوري تسع سنوات إضافية في السلطة. وفي مقابل هذا الدعم، منح الأسد روسيا حق الوصول الدائم إلى قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية (قرب اللاذقية)، مما عزز الوجود البحري الروسي في البحر المتوسط، وأصبح رمزاً دائماً للوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط العربي. وقد أسهم التدخل العسكري الروسي في سوريا في تعزيز صورة روسيا كشريك حاسم وموثوق. وبخلاف الولايات المتحدة، لم تعظ روسيا قط مستبدي المنطقة بخطابات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وواصلت إمدادهم بالسلاح. في السنوات التي تلت الربيع العربي، ارتفعت صادرات الأسلحة الروسية إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك إلى مصر بقيادة السيسي، وإلى تركيا، حليفة "الناتو" التي وافقت على رغم من ذلك على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي "أس-400".
كل شيء انهار دفعة واحدة
لكن بعدما شنت حركة "حماس" هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، بدأت استراتيجية بوتين تتهاوى. فقد أطلقت إسرائيل عمليات عسكرية كبرى رداً على الهجوم، أولاً ضد "حماس" في غزة، ثم ضد "حزب الله" في لبنان، مما ألحق أضراراً جسيمة بالبنية القيادية والتنظيمية في الجماعتين. حاول بوتين تجنب الانحياز في الصراع، وعرض بدلاً من ذلك التوسط بين "حماس" وإسرائيل، وهي لفتة لم يكن نتنياهو ولا المجتمع الإسرائيلي مستعدين لقبولها، لكنه لم يقدم أيضاً أي مساعدة تذكر لـ"حماس" أو "حزب الله."
ثم، في ديسمبر 2024 انهار نظام الأسد. وفي غضون أيام، انهار الاستثمار الروسي الذي دام عقوداً لدعم الديكتاتورية. منح بوتين الأسد وعائلته اللجوء في روسيا، لكنه لم يتخذ أي إجراء لصد القوات المتمردة أثناء دخولها دمشق. وقد ترددت أصداء عدم تدخله في أرجاء المنطقة. وتعاظم ضعف "حزب الله" وبدأت وسائل الإعلام المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني تعلن تذمرها علناً من عجز روسيا عن إنقاذ شريكهما المشترك. وتلقت روسيا ضربة أكبر لسمعتها في الشرق الأوسط عندما قصفت القوات الإسرائيلية والأميركية المنشآت النووية الإيرانية في يونيو (حزيران). وبعد أيام فقط من الهجوم الأميركي على موقع "فوردو"، توجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو طلباً للدعم. فقدم بوتين إدانته الخطابية المعتادة للولايات المتحدة، لكنه لم يقدم أي مساعدة عسكرية جديدة لحليف روسيا الصدوق والأكثر وفاءً في الشرق الأوسط، على رغم بقاء إيران على موقفها الذي يقضي بتقديم دعم عسكري مباشر لروسيا في حربها في أوكرانيا. داخلياً، أصبح خامنئي ونظامه اليوم أضعف من أي وقت مضى، لكن بوتين لم يقدم شيئاً يذكر لدعم موقع المرشد الأعلى.
الخوف والكراهية
لاحظ القادة والمجتمعات في الشرق الأوسط تقاعس روسيا ولا مبالاتها في المنطقة. وكان رد الفعل داخل إيران واضحاً بصورة خاصة. كثيراً ما كان خامنئي مخلصاً لموسكو، ولكن مع ضعف موقفه الآن، تتعاظم حدة الانتقادات الموجهة لتقربه من روسيا. فالمعلقون الإيرانيون، الذين كانوا في السابق حذرين ومتحفظين على علاقة طهران بموسكو، باتوا الآن ينتقدون بوتين علناً لرفضه تضمين بند دفاعي مشترك في اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعتها طهران وموسكو في يناير (كانون الثاني)، (في حين أن الاتفاقات الروسية المماثلة مع بيلاروس وكوريا الشمالية تتضمن مثل هذا البند). في المقابل، انتقدت أصوات أخرى، من بينها نائب رئيس البرلمان الإيراني السابق علي مطهري، تأخر روسيا في تزويد إيران بنظام الدفاع الجوي الصاروخي "أس-400" الذي كان من شأنه أن يساعد في التصدي للضربات الإسرائيلية. وفي أعقاب الضربات الإسرائيلية والأميركية، نشرت صحيفة مؤثرة، أسسها ثلاثة رجال دين (من بينهم خامنئي) قبل عقود، افتتاحية لاذعة انتقدت القادة الذين دفعوا إيران نحو علاقات أوثق مع موسكو، في إشارة واضحة إلى خامنئي.
كان البعض حتى داخل صفوف الحرس الثوري الإسلامي، الذي يفترض غالباً أنه معقل للتعاطف المؤيد لروسيا، منزعجين لدرجة أنه عندما عرض بوتين التوسط بين إيران والولايات المتحدة، أشارت صحيفة مقربة من الحرس الثوري الإيراني إلى أن الرئيس الروسي كان يحاول في الواقع التوسل بإيران للحصول على صفقة أفضل مع الولايات المتحدة، من خلال دعم القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تنازلات أميركية في شأن أوكرانيا. وأصبح المعلقون على مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية يناقشون الآن علناً تاريخ الأطماع الاستعمارية الروسية في إيران في العهدين القيصري والسوفياتي. واكتسبت أصوات أعضاء المعارضة المؤيدين للديمقراطية الذين طالما انتقدوا توطيد العلاقات مع روسيا الاستبدادية صدى جديداً، سواء داخل إيران أو في صفوف الشتات الإيراني.
وتغيرت المواقف الإسرائيلية تجاه روسيا أيضاً. لا يبدو أن نتنياهو أو المجتمع الإسرائيلي مهتمان بخدمات الوساطة التي يقدمها بوتين مع إيران. وعندما توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مال نتنياهو نحو موسكو، لكن مع عودة ترمب إلى البيت الأبيض، تراجعت رغبة نتنياهو في الحفاظ على القرب من بوتين وروسيا الضعيفة.
وخلف الأبواب المغلقة، يشعر قادة عرب بالرضا والسرور لأن البرنامج النووي الإيراني قد تراجع، ولأن جيش طهران، وبخاصة ترسانته الصاروخية، قد أثبت عجزه التام عن إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل أو بالقاعدة العسكرية الأميركية في قطر. إن عجز بوتين أو لا مبالاته في التأثير في الأحداث في المنطقة، سواءً من طريق الدبلوماسية أو السبل العسكرية، قد تحمل الأمير محمد بن سلمان إلى إعادة النظر في سياسته المدروسة بعناية لاستمالة الولايات المتحدة والصين وروسيا. قبل الضربات الإسرائيلية، كانت السعودية وروسيا قد تصادمتا بالفعل في شأن زيادة إنتاج النفط. وانتصرت الرياض، ومن المقرر أن تزيد "أوبك+" الإنتاج في أغسطس (آب)، مما أسعد واشنطن وأغضب موسكو.
"لا يمكن الاعتماد عليَّ"
إن قرارات بوتين بعدم مساعدة شركاء روسيا في الشرق الأوسط ينبغي أن توجه أيضاً رسالة إلى القادة في بكين حول قيمة روسيا كحليف في حال نشوب حرب بين الصين والولايات المتحدة في شأن تايوان.
إذا كان رفض روسيا دعم النظام الإيراني في أكثر أوقاته حرجاً يدل على شيء فهو أن موسكو لن تقدم مساعدة تذكر لبكين في وقت أزمتها. وعلى نحو مماثل، يشير تخلي موسكو عن نظام الأسد إلى أن القوات المسلحة الروسية لن تخوض حرباً ضد الولايات المتحدة. وفي حال نشوب صراع في آسيا، سيقتصر دعم بوتين على مواصلة إمداد الصين بالنفط والغاز. وكما صرح وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال اجتماع مع القادة الأوروبيين، ستظل روسيا قيمة بالنسبة إلى الصين طالما أنها مستمرة في القتال في أوكرانيا، مما يحول موارد الولايات المتحدة واهتمامها بعيداً من آسيا. ولكن لا يمكن التعويل عليها في أي أمر آخر.
وحري بإدارة ترمب أن تستخلص النتيجة نفسها. ففي الأشهر الأولى للإدارة، جادل بعض المحللين بأن الولايات المتحدة في حاجة إلى إبعاد روسيا عن الصين للمساعدة في احتواء بكين، وهي "صيغة عكسية لسياسة كيسنجر" [سياسة كيسنجر الأساسية قضت بالتقارب مع الصين لفصلها عن الاتحاد السوفياتي، أما الصيغة العكسية فهي التقارب مع روسيا لفصلها عن الصين]. كانت مثل هذه الخطوة لتشكل خطأً فادحاً آنذاك، وستكون خطأ أكبر اليوم. لقد أظهر بوتين أن روسيا غير جديرة بالثقة حتى بالنسبة إلى الأنظمة الديكتاتورية التي تربطها علاقات طويلة الأمد بموسكو. وستكون شريكاً أقل فاعلية لواشنطن في مواجهة الصين. فبوتين سيوفر للولايات المتحدة والعالم الديمقراطي الموارد نفسها التي قدمها للحكم الديني [الثيوقراطي] في طهران: لا شيء يذكر. لذا، أياً كان النهج الذي سيقرر ترمب اتباعه في النهاية مع بوتين، حري به أن يتخلى عن هدف محاولة إبعاد موسكو عن بكين.
كان النجاح الأولي لاستراتيجية موسكو في الشرق الأوسط يوحي بأن روسيا قد تكون شريكاً جيوسياسياً قيماً، بيد أن فشل هذه الاستراتيجية التام في نهاية المطاف يجب أن يثني ترمب وآخرين عن التودد إلى مهندسها.
*مايكل ماكفول هو مدير "معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية" والمتخصص في مجال العلوم السياسية وزميل في "معهد هوفر" في جامعة ستانفورد. شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا من عام 2012 إلى عام 2014. وهو مؤلف كتاب سيصدر قريباً بعنوان "المستبدون ضد الديمقراطيين: الصين، روسيا، أميركا، والفوضى العالمية الجديدة"
**عباس ميلاني هو مدير برنامج حميد وكريستينا مقدم لقسم الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، وزميل باحث في "معهد هوفر". وهو مؤلف كتاب "سيمرغ: صور في ذهني".
مترجم من فورين أفيرز، 25 يوليو (تموز) 2025
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب: سأقلّص مهلة الـ50 يوماً التي منحتها لروسيا
ترمب: سأقلّص مهلة الـ50 يوماً التي منحتها لروسيا

الشرق الأوسط

timeمنذ 34 دقائق

  • الشرق الأوسط

ترمب: سأقلّص مهلة الـ50 يوماً التي منحتها لروسيا

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، إنه قرر تقليص مهلة الخمسين يوماً التي منحها لروسيا والمتعلقة بحربها في أوكرانيا، مبدياً خيبة أمله في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأضاف ترمب متحدثاً إلى جانب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قبل اجتماعهما في اسكوتلندا: «أشعر بخيبة أمل في الرئيس بوتين. سأقلص الخمسين يوماً التي منحته إياها إلى رقم أقل». ولم يحدد ترمب مهلة جديدة.

ترامب يهدد بوتين بتقليص المهلة التي حددها لإنهاء الحرب في أوكرانيا
ترامب يهدد بوتين بتقليص المهلة التي حددها لإنهاء الحرب في أوكرانيا

أرقام

timeمنذ 42 دقائق

  • أرقام

ترامب يهدد بوتين بتقليص المهلة التي حددها لإنهاء الحرب في أوكرانيا

أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الإثنين أنه قد يخفض مهلة الخمسين يومًا التي منحها للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وصرح "ترامب" للصحفيين خلال لقائه لرئيس الوزراء البريطاني "كير ستارمر" في اسكتلندا قائلاً: أشعر بخيبة أمل تجاه "بوتين"، بل بخيبة أمل كبيرة تجاهه، لذلك علينا إعادة النظر في الأمر، وسأخفض مدة الخمسين يومًا التي منحته إياها، حسبما نقلت "فرانس برس". وأضاف: تحدثت كثيرًا مع "بوتين"، لكنه يطلق الصواريخ على مدينة مثل كييف ويقتل الكثير من الناس.

طهران: زيارة من "وكالة الطاقة الذرية" في غضون أسبوعين
طهران: زيارة من "وكالة الطاقة الذرية" في غضون أسبوعين

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

طهران: زيارة من "وكالة الطاقة الذرية" في غضون أسبوعين

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، اليوم الإثنين، إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ستجري زيارة لإيران في غضون أسبوعين. وأضاف بقائي أنه سيتم تقديم دليل إرشادي في شأن مستقبل تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بناء على مشروع قانون أقره البرلمان في الآونة الأخيرة يفرض قيوداً على هذا التعاون. لا خطط لجولة سادسة وأكد بقائي، مجدداً، موقف إيران المتمثل في استئناف المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة إذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، لكنه قال إنه لا يوجد حالياً أي خطط لعقد جولة سادسة من المفاوضات النووية مع واشنطن. وقال بقائي، أيضاً، إنه ينبغي السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم، نظراً إلى أنها عضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. سلاح نووي يأتي ذلك بعد أيام قليلة من تصريح المدير العام للوكالة بأن طهران مستعدة لاستئناف المحادثات الفنية. ونص مشروع القانون، الذي صار قانوناً، على أن أي تفتيش مستقبلي للمواقع النووية الإيرانية من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتطلب موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضرورة السماح لها باستئناف عمليات التفتيش بعد الغارات الجوية الإسرائيلية والأميركية، الشهر الماضي، التي استهدفت تدمير البرنامج النووي لإيران وحرمانها من القدرة على صنع سلاح نووي. وكثيراً ما نفت طهران سعيها لامتلاك أسلحة نووية، مؤكدة أن برنامجها سلمي بحت. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قلق بالغ وتشعر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقلق بالغ إزاء مصير مخزونات إيرانية تبلغ نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب. وعقدت إيران والولايات المتحدة خمس جولات من المحادثات بوساطة سلطنة عمان، ولكن المحادثات تم تعليقها نتيجة حرب الشهر الماضي التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل. وواجهت المحادثات نقاط خلاف رئيسة، مثل طلب واشنطن من طهران وقف تخصيب اليورانيوم محلياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store