
أكبر ألغاز إيلون ماسك
هل يجب على أي ثنائي من «الرجال العظماء» المحتملين في التاريخ أن ينتهي بهما المطاف إلى الصراع؟ اسأل يوليوس قيصر وبومبي، أوكتافيان وأنطوني، أو حتى (عضوي فريق «البيتلز» الموسيقي الشهير) جون لينون وبول ماكارتني. لكن ما يتصارعون عليه بالضبط يكون أقل قابلية للتنبؤ. لم أكن لأتخيل، قبل ستة أشهر، أن معركة أكتيوم بنسختها المعاصرة بين إيلون ماسك ودونالد ترمب ستكون حول عجز الموازنة.
ذلك لأنني، قبل ستة أشهر، كنت أرى اهتمام ماسك بالسياسة وتحوله التدريجي بعيداً عن ليبرالية عهد أوباما وإعادة اختراعه لنفسه زعيماً لليمين الرقمي، كنت أراها كلها انعكاساً لهدفين رئيسين: رغبته الجديدة في التصدي لتيار «اليقظة الثقافية»، وهي رغبة نابعة من تجربة التحول الجنسي لأحد أبنائه، ورغبته القديمة الجوهرية التي شكلت مسيرته المهنية: إرسال البشر إلى المريخ.
هاتان الرغبتان عزز بعضهما بعضاً. كان ماسك يتجه يميناً في القضايا الثقافية حين اشترى «تويتر»، ما جعله يتخلص من تحالفاته اليسارية السابقة التي كانت توفر له الدعم والرعاية من الديمقراطيين. هذا جعله أكثر ميلاً للتحالف الكامل مع ترمب والجمهوريين، إذ بدا واضحاً أن إدارة برئاسة كامالا هاريس ستكون معادية تماماً لمشاريعه التكنولوجية. وقد سبق له أن راهن بكل ما يملك في مشاريع جامحة، خصوصاً حلم الصواريخ المتجهة إلى المريخ، فبات رهانه السياسي طبيعياً.
وفق هذا الفهم لنياته، توقعت أن يلعب ماسك في إدارة ترمب الثانية دوراً يجمع بين كونه كبير التكنولوجيين، ورائد إزالة التنظيمات الحكومية، ومحارباً ضد تيار «اليقظة الثقافية»، تركيز على الفضاء والتكنولوجيا مع لمسة من حرب الثقافة.
لكن هذا لم يحدث. نعم، لعب جزئياً دور المحارب الثقافي في بعض التبريرات الآيديولوجية لحملة الكفاءة الحكومية ضد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، لكنه لم يكن المحرك الرئيس لمعركة البيت الأبيض ضد تيار «اليقظة».
كما أنه لم يتولَّ دوراً قيادياً في جهود الإدارة لتخفيف القوانين والقواعد التنظيمية الحكومية. كان هذا جزءاً من خطة لجنة الكفاءة الحكومية التي تولاها، لكنه تعثر عندما دفع إلى الإطاحة بشريكه في اللجنة فيفيك راماسوامي.
وبدلاً من ذلك، قدّم ماسك مشروعه الكبير على أنه حملة لخفض العجز، مغلفة بلغة نهاية العالم حول أزمة مالية وشيكة، وهي نغمة كانت قد اختفت من اليمين منذ ظهور ترمب على المسرح في 2015.
حدّة هذا الخطاب، إلى جانب الصعوبة الواضحة في تحقيق وفورات بمليارات الدولارات من خلال خفض عدد موظفي الوكالات الفيدرالية، جعلتا كثيرين يظنون أن كل ذلك مجرد دخان، وأن لجنة الكفاءة الحكومية لم تكن سوى وسيلة لمساعدة الدائرة الضيقة لترمب على فهم كيفية السيطرة الكاملة على السلطة التنفيذية.
وبالفعل، هناك من داخل البيت الأبيض من يرى أن اللجنة منحتهم نظرة معمّقة إلى الدولة الإدارية. لكن إذا أخذنا نيات ماسك كما صرّح بها، فأنا أصدقه إلى حدّ بعيد: يبدو أنه تبنّى رؤية لدوره في واشنطن كنسخة فردية من لجنة «سيمبسون - بولز» (التي شُكّلت في عهد إدارة أوباما لمعالجة العجز الفيدرالي)، لكن بطاقة ذهنية تجعله ينجح حيث فشل «الصقور الماليون» السابقون.
لكن ما يثير فضولي حقاً هو: لماذا اختار هذا الدور بالتحديد؟ لم يكن الهوس بعجز الميزانية جزءاً كبيراً من شخصية «المشاكس الحادّ» التي تبنّاها ماسك على وسائل التواصل. في أوساط اليمين الجديد، يُنظر لقضايا العجز على أنها مملة.
فهل كان ذلك مجرد رد فعل طبيعي من رئيس تنفيذي أعطي بعض السلطة في واشنطن؛ أن أول شيء يفعله بعد «الاستحواذ» هو إصلاح التدفق النقدي؟ وإذا كانت التقارير عن تعاطيه للمواد المخدرة صحيحة، فهل هناك ما يجعل الكيتامين يمنح الميزانية الفيدرالية سحراً خاصاً؟ أو أن أحدهم أقنعه بأن الإسراف المالي هو العقبة الكبرى أمام تحويل البشر إلى نوع كوني، الحاجز العظيم الذي سيمنعنا من الهروب إلى النجوم؟ إن كان الأمر كذلك، فهذا الشخص أسدى لنا جميعاً خدمة سيئة. ليس لأن العجز غير مهم، بل لأنه مجال لا يمتلك فيه ماسك كفاءة خاصة، ولا تصلح أدوات وادي السيليكون التي صقلها في القطاع الخاص للتعامل مع التحدي السياسي لضبط نفقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية.
من الواضح أن ماسك لم يتوقف عن الاهتمام ببرنامج الفضاء: قرار البيت الأبيض (الغامض بدوره) بسحب ترشيح مرشحه المفضل لرئاسة «ناسا» كان أحد العوامل التي دفعته إلى معارضة تشريع ضريبي أساسي.
لكن في المعركة الخطابية التي يخوضها حالياً (بما في ذلك الهدنة المؤقتة) ضد صديقه الرئاسي السابق، لا يلعب ماسك دور المستقبليّ المُحبط، ولا الديناميّ الذي خذله الشعبويون. بل يتقمص دور «مُوبّخ العجز»، وهو دور لطالما شغله المملّون ومحبو إفساد المتعة (وقد كنت أحدهم أحياناً، صدقوني). وهذا موقع ضعيف جداً لإطلاق طموحاته الكونية مجدداً. قال ماسك عندما احتدم الخلاف: «أمام ترمب ثلاث سنوات ونصف أخرى رئيساً، لكنني سأكون موجوداً لأكثر من 40 عاماً».
أما أنا، فتوقعي أن إنتاجية ماسك في العقود الأربعة المقبلة ستكون أعظم إذا أدرك أن إصلاح العجز الفيدرالي هو مشروع طموح، لكن يجب أن يُترك لغيره.
* خدمة «نيويورك تايمز»
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 18 دقائق
- الشرق الأوسط
ترمب يقول إيران تشارك في مفاوضات الرهائن في غزة
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الاثنين إن إيران تشارك في مفاوضات تهدف إلى ترتيب اتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) لوقف إطلاق النار في قطاع غزة مقابل الإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم الحركة داخل القطاع. وأضاف ترمب للصحفيين في البيت الأبيض «غزة الآن في خضم مفاوضات ضخمة بيننا وبين حماس وإسرائيل، وإيران مشاركة بالفعل، وسنرى ما سيحدث مع غزة. نحن نريد استعادة الرهائن». ولم يخض ترمب في تفاصيل، ولم يرد البيت الأبيض بعد على طلب للحصول على تفاصيل حول مشاركة إيران. ولم ترد بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك على الفور على طلب للتعليق. واقترحت الولايات المتحدة وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما بين إسرائيل وحماس. وقالت إسرائيل إنها ستلتزم بالشروط لكن حماس ترفض الخطة حتى الآن. وبموجب الاقتراح، سيتم إطلاق سراح 28 رهينة إسرائيليا، منهم جثامين بعض القتلى، في الأسبوع الأول، مقابل إطلاق سراح 1236 أسيرا فلسطينيا ورفات 180 فلسطينيا. كما تحاول الولايات المتحدة وإيران بشكل منفصل التفاوض على إبرام اتفاق بشأن برنامج طهران النووي.


الاقتصادية
منذ 32 دقائق
- الاقتصادية
إدارة ترمب تطلب من محكمة الاستئناف الإبقاء على الرسوم لفترة أطول
باتت محكمة استئناف فدرالية أميركية أقرب إلى إصدار قرار بشأن ما إذا كان سيُسمح بالإبقاء على معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب لفترة أطول، بينما تتواصل المعركة القانونية حولها. وطلبت وزارة العدل الأميركية يوم الإثنين من محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة الفدرالية تمديد الوقف المؤقت السابق الذي فرضته على حكم محكمة أدنى صدر في 28 مايو، قضى بعدم قانونية معظم رسوم ترمب الجمركية. وقالت الحكومة إن الحكم يُلحق ضرراً بقدرة الرئيس على إدارة السياسة الخارجية. وبات بإمكان المحكمة الفدرالية الآن إصدار قرار في أي وقت بشأن ما إذا كانت ستُبقي العمل بالوقف المؤقت طيلة مسار عملية الاستئناف، التي يُرجح أن تمتد لأشهر. وقد أشارت الإدارة أيضاً إلى أنها ستلجأ إلى المحكمة العليا إذا ما قررت محكمة الاستئناف رفع الوقف الحالي. "إضعاف موقف أمريكا التفاوضي" جاء في مذكرة الإدارة أن السماح بتعليق العمل بالرسوم الجمركية من شأنه أن يُضعف "موقف أميركا التفاوضي خلال مفاوضات تجارية حساسة، ويشجّع الدول الأخرى على ابتزاز بلادنا اقتصادياً، مما قد يُلحق ضرراً كارثياً باقتصادنا". وكانت هيئة مكونة من ثلاثة قضاة في محكمة التجارة الأميركية قد قضت الشهر الماضي، في إطار دعويين أقامتهما مجموعة من الشركات الصغيرة وعدد من الولايات بقيادة الحزب الديمقراطي، بأن ترمب تجاوز سلطاته حين فرض الرسوم الجمركية بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977. وتشمل الرسوم المشمولة بالحكم الرسوم المتبادلة بنسبة 10% التي فرضها ترمب، ورسوم "يوم التحرير" التي أعلنها في الثاني من أبريل، فضلاً عن الإجراءات التي استهدفت الصين وكندا والمكسيك على خلفية تهريب الفنتانيل. أما الرسوم الأخرى المفروضة على الصلب والألمنيوم والسيارات، والتي فُرضت بموجب قوانين مختلفة، فلم يشملها الحكم. محاولة جديدة لوقف الرسوم في مسعاها لمنع تمديد الوقف المؤقت، استندت الشركات الصغيرة والولايات الديمقراطية التي أقامت الدعوى، إلى تصريحات علنية أدلى بها مسؤولون في الإدارة قللوا فيها من أهمية الحكم، وأشاروا إلى أن لديهم وسائل أخرى لفرض الرسوم الجمركية. وقد ردت الإدارة على هذا الطرح يوم الإثنين. وقالت الحكومة في مذكرتها: "تفكيك الرسوم الحالية في هذه اللحظة الحرجة، بناءً على افتراض أن الرئيس يمكنه نظرياً فرض رسوم جمركية أخرى (أقل فاعلية) لاحقاً، استناداً إلى سلطات أخرى، لا يعالج مشكلة التوقيت: فحالات الطوارئ قائمة الآن، والمفاوضات جارية الآن". جرى تعليق النظر في عدة دعاوى أخرى تطعن برسوم ترمب الجمركية، بانتظار قرار محكمة الاستئناف الفدرالية. وفي الأسبوع الماضي، أعلن قاضٍ في محكمة أدنى أنه سيسمح بمضي إحدى القضايا قدماً، وهي تتعلق بقرار ترمب إنهاء الإعفاء الجمركي الممنوح للطرود صغيرة القيمة القادمة من الصين.


الشرق السعودية
منذ ساعة واحدة
- الشرق السعودية
"الساماريوم" في قلب محادثات واشنطن وبكين.. عنصر نادر يهدد توريد F-35
تسببت قيود صارمة تفرضها الصين على تصدير "مغناطيسات مقاومة للحرارة" في "أزمة إمدادات" تهدد القدرات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، فيما تعد المعادن الأرضية النادرة "قضية محورية " في محادثات التجارة الجارية حالياً في لندن بين واشنطن وبكين، حسبما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. وأوضحت الصحيفة، في تقرير نشرته، الاثنين، أنه بدون هذه المغناطيسات المقاومة للحرارة المصنوعة من معادن أرضية نادرة، ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا صعوبة في تعويض النقص الحاد في مخزون المعدات العسكرية التي استُنفدت مؤخراً، ما يسلط الضوء على "هشاشة سلاسل التوريد الغربية في ظل الهيمنة الصينية". وعلى مدى أكثر من عقد، فشلت الولايات المتحدة في تطوير بديل لإمدادات الصين من معدن أرضي نادر وغامض، يُعدّ ضرورياً لصناعة مغناطيسات تُستخدم في الصواريخ والطائرات المقاتلة والقنابل الذكية، وغيرها من المعدات العسكرية الأخرى، إذ تنتج بكين كامل إمدادات العالم من "الساماريوم" الذي يُستخدم بشكل شبه كامل في التطبيقات العسكرية. "لوكهيد مارتن" مستورد رئيس وتتميز مغناطيسات "الساماريوم" بقدرتها على تحمل درجات حرارة عالية تكفي لإذابة الرصاص دون أن تفقد قوتها المغناطيسية، ما يجعلها ضرورية لتحمل حرارة المحركات الكهربائية سريعة الحركة في الأماكن الضيقة، مثل مخاريط مقدمة الصواريخ. وأوضحت الصحيفة أن شركة "لوكهيد مارتن"، المتخصصة في الصناعات الجوية والعسكرية، تعد المستهلك الأميركي الرئيسي لهذا المعدن النادر، حيث تضع نحو 50 رطلاً من مغناطيسات "الساماريوم" في كل طائرة مقاتلة من طراز F-35. وصرّحت الشركة الأميركية في بيان مقتضب: "نجري تقييماً باستمرار لسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم لضمان الحصول على المواد الأساسية اللازمة التي تدعم مهام عملائنا". وفي 4 أبريل الماضي، أوقفت الصين تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، إلى جانب المغناطيسات المصنوعة منها، كما أنها تسيطر على معظم إمدادات العالم من هذه المعادن والمغناطيسات. "حماية الأمن القومي" وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن هذه المواد ذات استخدام مزدوج، مدني وعسكري، وأنه لن يُسمح بتصديرها إلا عبر تراخيص خاصة تصدرها الحكومة. ووفقاً للوزارة، فإن هذه الخطوة تهدف إلى "حماية الأمن القومي" و"الوفاء بالالتزامات الدولية مثل منع الانتشار". وأضافت الصحيفة أن الوزارة منحت بالفعل بعض التراخيص لتصدير مغناطيسات تحتوي على عنصرين من هذه المعادن الأرضية النادرة المحظورة، وهما "الديسبروسيوم" و"التيربيوم"، إلى شركات صناعة السيارات في أوروبا والولايات المتحدة. وتُستخدم المغناطيسات التي تحتوي على هذين العنصرين الأرضيين النادرين في أنظمة الفرامل والتوجيه، حيث يمكنها تحمل حرارة محركات البنزين، لكنها لا تتحمل بشكل موثوق الحرارة العالية التي تتطلبها التطبيقات العسكرية، ومع ذلك، لم تُظهر بكين أي مؤشرات حتى الآن بشأن السماح بتصدير "الساماريوم"، الذي لا يُستخدم إلا في تطبيقات مدنية قليلة. وبحسب الصحيفة، فقد بدأ المسؤولون الصينيون والأميركيون يوم الاثنين محادثات تجارية تستمر ليومين في لندن، إذ تعد إعادة تدفق المعادن الأرضية النادرة أولوية للمسؤولين الأميركيين، لكن القليل منهم يتوقع أن تلغي بكين نظام تراخيص التصدير الجديد بشكل كامل. ونقلت الصحيفة عن مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين، والذي ينسّق جهود القطاع الخاص الأميركي في بكين للحصول على المزيد من هذه المعادن، قوله: "لا أعتقد أن هذا النظام سيُلغى". اعتماد كلي ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن كانت قلقة للغاية من غياب الإمدادات المحلية من "الساماريوم" لدى الجيش الأميركي، لدرجة أنها أبرمت عقوداً ضخمة لبناء منشأتين لإنتاج هذا المعدن داخل البلاد، لكن لم يُبنَ أي منهما، لأسباب تجارية، مما جعل الولايات المتحدة تعتمد كلياً على الصين. وتابعت الصحيفة أن انقطاع إمدادات "الساماريوم" خلال الشهرين الماضيين يأتي في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا لإعادة بناء مخزوناتهم من الأسلحة المتطورة، التي تراجعت بشكل كبير بسبب الدعم العسكري لأوكرانيا بعد الغزو الروسي، وكذلك الدعم الأميركي لإسرائيل خلال حرب غزة. كما تحاول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب توريد المزيد من الأسلحة إلى تايوان، التي تدّعي بكين سيادتها عليها. وبالإضافة إلى وقف صادرات المعادن النادرة للاستخدام العسكري، فرضت الصين مؤخراً عقوبات على بعض شركات الدفاع الأميركية بسبب دورها في تسليح تايوان. وأوضحت "نيويورك تايمز" أن هذه العقوبات باتت الآن تمنع الشركات والأفراد الصينيين من إقامة أي علاقات مالية مع مقاولي الدفاع الأميركيين. وحتى وقت قريب، لم يكن لذلك تأثير كبير على صناعة "الساماريوم"، لأن الصين كانت تصدره إلى شركات كيميائية تخلطه مع الكوبالت قبل بيعه لشركات صناعة المغناطيسات، والتي بدورها تبيعه لشركات الأسلحة. "المستخدم النهائي" لكن ضوابط التصدير الجديدة التي فرضتها بكين على المعادن النادرة تنُص على أنه لا يمكن إصدار التراخيص إلا بناءً على "المستخدم النهائي" للمعدن في نهاية سلسلة التوريد، وهو ما قد يطال مباشرةً مقاولي الدفاع. ونقلت الصحيفة عن ستانلي تراوت، وهو خبير معادن في جامعة ولاية متروبوليتان في دنِفر، ومتخصص في مغناطيسات "الساماريوم" منذ سبعينيات القرن الماضي، قوله إن من بين الأنواع السبعة من المعادن الأرضية النادرة التي تفرض الصين قيوداً على تصديرها، يعتبر الطلب على ستة منها ذا طابع مدني إلى حد كبير. لكن "الساماريوم" يشكل استثناءاً، إذ أوضح تراوت أنه "يُستخدم بشكل حصري تقريباً في الأغراض العسكرية". وأضاف أنه وفقاً للوائح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، يجب أن تُصنّع مغناطيسات الاستخدام العسكري، بما في ذلك صبها أو صهرها، داخل الولايات المتحدة أو في دولة حليفة، لكن القواعد تسمح باستيراد مكونات المغناطيسات العسكرية من أي مكان، وهو ما مكّن من الاعتماد على "الساماريوم" الصيني منخفض التكلفة لسنوات. وأوضحت "نيويورك تايمز" أن المخاوف بشأن الاعتماد على بكين في الحصول على "الساماريوم" ليست جديدة، إذ كانت الجيوش الغربية تعتمد منذ سبعينيات القرن الماضي على مصنع كيميائي واحد في مدينة لاروشيل الفرنسية، كان يُكرّر "الساماريوم" المُستخرَج من أستراليا. لكن المصنع أُغلق في عام 1994، وذلك جزئياً لأسباب تتعلق بالتلوث، ولعدم قدرته على منافسة الإنتاج منخفض التكلفة من مدينة باوتو الصينية في منطقة منغوليا الداخلية، والمعروفة بضعف تطبيق معايير البيئة، حتى وفقاً للمعايير الصينية. وفي عام 2009، بدأ المشرعون الأميركيون يدقون ناقوس الخطر بشأن اعتماد الولايات المتحدة على مصافي "الساماريوم" في باوتو، وطلب الكونجرس من وزارة الدفاع وضع خطة بحلول العام التالي لمعالجة هذه القضية. وكان ذلك قبل أن تُوقف الصين في أواخر عام 2010 تصدير جميع أنواع المعادن النادرة السبعة عشر إلى اليابان لمدة شهرين، كجزء من نزاع إقليمي. ورداً على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة مشروعاً بقيمة مليار دولار لإصلاح وتوسيع وإعادة تشغيل منجمها الوحيد لهذه المعادن الأرضية النادرة، في منطقة ماونتن باس بولاية كاليفورنيا، والذي كان قد أوقف عملياته عام 1998 بسبب تسرب في خط أنابيب. الجدوى الاقتصادية وتوجد المعادن الأرضية النادرة في جميع أنحاء العالم، ولكن نادراً ما تتوفر بتركيزات عالية تسمح باستخراجها بشكل مجدٍ اقتصادياً، فضلاً عن كون هذه المعادن مترابطة بإحكام، ولذا فإن استخلاصها يتطلب كسر هذه الروابط عبر سلسلة من 100 عملية كيميائية أو أكثر باستخدام أحماض شديدة القوة، بحسب الصحيفة. ولم يحاول منجم "ماونتن باس" سابقاً فصل عنصر "الساماريوم" أو استخلاصه من الخامات التي يستخرجها، ولم يدرج هذه الخطوة حتى ضمن خطط التوسعة التي أجراها لاحقاً، فقد أُعيد فتح المنجم عام 2014، وتم التركيز على معادن أرضية نادرة أخرى، قبل أن يُغلق مجدداً ويفلس بعد عام واحد، لعدم قدرته على منافسة الإنتاج الصيني. وأشارت الصحيفة إلى أن شركة MP Materials، التي استحوذت على منجم ماونتن باس وأعادت تشغيله عام 2018، كانت في البداية ترسل الخامات إلى الصين لمعالجتها. وفي أوائل عام 2022، منحت وزارة الدفاع الأميركية الشركة مبلغ 35 مليون دولار لبدء إنتاج "الساماريوم" ومعادن نادرة أخرى تخضع لقيود التصدير الصينية. وصرّح جيمس ليتينسكي، الرئيس التنفيذي للشركة، أن MP Materials استثمرت نحو 100 مليون دولار من أموالها الخاصة لشراء المعدات اللازمة لتكرير هذه المعادن. لاحقاً، قدمت إدارة بايدن تمويلاً إضافياً بقيمة 351 مليون دولار لشركة Lynas Rare Earths الأسترالية لبناء منشأة لإنتاج "الساماريوم" في ولاية تكساس. لكن ليتينسكي أوضح أن سوق "الساماريوم" ضيق للغاية، بحيث لا يكون وجود منتجين اثنين له في الولايات المتحدة مجدياً اقتصادياً، لذا لم تقم MP Materials بتشغيل معداتها لمعالجة الساماريوم حتى الآن، ولا تزال هذه المعدات مُخزنة. أما Lynas Rare Earths فلم تنشئ مصنعها في تكساس، بعد أن تم تجديد تصريحها لتعدين المعادن الأرضية النادرة في ماليزيا، وهو التصريح الذي كان موقوفاً في وقت سابق. واختتم ليتينسكي بالقول: "MP Materials لن تكون مستعدة لتركيب معدات معالجة الساماريوم ما لم نحصل على شروط مالية أفضل من العملاء..لقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة من مجمل هذه التجربة". ونقلت الصحيفة عن جاي تروسديل، وهو دبلوماسي أميركي سابق لعب دوراً بارزاً في ملف المعادن الاستراتيجية في وزارة الخارجية في الفترة بين عامي 2014 و2015، قوله إن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت تركز على استخدام قواعد منظمة التجارة العالمية لإلزام الصين ببيع معادنها الأرضية النادرة. وأضاف: "لم يكن هناك شعور بالخطر في ذلك الوقت، لأن منظمة التجارة كانت تُعتبر الوسيلة المُثلى لحل مثل هذه النزاعات". وخلال فترة ولايته الأولى، قلّص الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل كبير مشاركة الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، وتدهورت العلاقات مع الصين. وعند تولّي جو بايدن الرئاسة، بدأت إدارته بإظهار اهتمام متزايد بقضية "الساماريوم". محادثات تجارية واجتمع مسؤولون كبار من الولايات المتحدة والصين في لندن، الاثنين، بهدف نزع فتيل توتر تجاري كبير اتسع نطاقه وتجاوز الرسوم الجمركية المتبادلة، فيما أبدت واشنطن استعدادها لإزالة القيود المفروضة على بعض صادرات التكنولوجيا، مقابل ضمانات بأن بكين ستخفف القيود على شحنات المعادن الأرضية النادرة. وتستمر محادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليوم إضافي في لندن، حيث من المقرر أن يلتقي مسؤولون من الجانبين مجدداً الثلاثاء، بعد يوم أول مكثف، وفقاً لما أفاد به مسؤول أميركي لوكالة "بلومبرغ". وأنهى ممثلو البلدين يومهم الأول من المفاوضات في لندن بعد أكثر من 6 ساعات في "لانكاستر هاوس"، وهو قصر من القرن التاسع عشر بالقرب من قصر باكنجهام في لندن. واختتمت المحادثات حوالي الساعة الثامنة مساءً بتوقيت لندن، ومن المقرر أن يلتقي المسؤولون مجدداً، الثلاثاء، الساعة العاشرة صباحاً.