
الأمن السيبراني بالمغرب بين إختراق المعطيات الشخصية وهشاشة الحماية القانونية، دعوة إلى مراجعة القانون 08/09.
أكادير24 | Agadir24
في زمن ختزل فيه السلطة في من يملك القدرة على الوصول إلى المعلومة، لم تعد تهديدات الأمن تقتصر على السلاح التقليدي أو العنف المادي، بل باتت تأخذ أشكالا أكثر خفاءا وأشد إختراقا، تستهدف الوعي الجمعي، وتقوض الثقة في المؤسسات، وتنخر السيادة من بوابة الفضاء الرقمي.
لقد أصبح الأمن السيبراني اليوم خط الدفاع الأول لحماية المواطن وأمن الدولة، لا سيما حين تكون المعطيات ذات الطابع الشخصي هي نقطة الضعف الأكثر حساسية، والباب الخلفي الأخطر الواجب حمايته.
إن القانون رقم 08.09، بوصفه الإطار التشريعي الناظم لمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي بالمغرب، يعد مكسبا تشريعيا لا يستهان به من حيث المبدأ، إذ يؤسس لجملة من الحقوق والضمانات التي تحمي الأفراد من الاستعمال الجائر أو غير المشروع لمعلوماتهم الخاصة، ويحدث أجهزة رقابية مستقلة ، متمثلا في اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصيCNDP ، و المديرية العامة لأمن نظم المعلومات DGSSI التابعة لإدارة الدفاع الوطني، وهي الهيئة المكلفة بتأمين البنيات التحتية الحساسة، و الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات ANRT والتي تلعب دورا في وضع الإطار العام للأمن السيبراني.
غير أن هذا البناء القانوني، وإن بدا متماسكا على مستوى النص، سرعان ما تنكشف هشاشته أمام إختبار الواقع، خصوصا في ظل تواتر حوادث الاختراق الرقمي، والتي كان أبرزها، الإختراق غير المسبوق لموقع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث طالت يد العابتين قاعدة بيانات تشمل معطيات حساسة لملايين المواطنين المغاربة وحتى بعض الأجانب المرتبطين بعقود خاصة مع الدولة والمؤسسات الخاصة. حدث ليس معزول عن سياق دولي متسارع تتعاظم فيه حروب البيانات، ويستبدل فيه التجسس التقليدي بالتحكم في الخوارزميات، ويغدو فيه المواطن مادة خامة في سوق المعلومات، وساحة تجريب في معركة السيطرة على العقول وصناعة القرارات. فمن الاسم الكامل إلى العنوان ورقم الهاتف، ومن التصورات السياسية إلى السلوك الاستهلاكي، تتحول البيانات الشخصية إلى عملة صعبة تباع وتشترى، وتستعمل في الابتزاز الرقمي، والتأثير على الإنتخابات، وتوجيه الرأي العام، بل وحتى في خلق نزاعات داخلية تهدد الأمن والاستقرار.
فالخلل هنا لا يكمن فقط في ثغرات الأنظمة المعلوماتية، بل في بنية الوعي العام، وفي بطئ الدولة في إدراك التحول الجذري الذي تعرفه التهديدات الأمنية، وفي محدودية الترسانة القانونية التي لم تعد تواكب طموحات الرقمنة ولا مخاطرها. فالإختراق لا يقاس بعدد الحسابات المسربة فقط ، بل بمدى القدرة على تحويل هذه البيانات إلى أدوات للضغط والسيطرة، خاصة مع تنامي قدرات الذكاء الإصطناعي، ليصبح خطر التلاعب النفسي والسلوكي أكبر من مجرد سرقة رقم إنخراط أو رقم بطاقة تعريف وطنية.
فلم يعد مقبولا اليوم أن يترك المواطن وحيدا في ساحة معركة غير مرئية، ويطلب منه أن يكون حارسا لبياناته دون تمكينه من الوسائل القانونية والتقنية لذلك. كما لا يمكن للدولة أن تكتفي بردود فعل مناسباتية، بل يتعين عليها وضع سياسة سيبرانية شاملة، تتجاوز الطابع التقني الضيق إلى تصور سيادي شامل، يعيد الاعتبار للخصوصية بوصفها حقا دستوريا ومكونا من مكونات الكرامة الإنسانية.
إن الأمن السيبراني ليس ترفا مؤسساتيا، ولا قضية تقنية تحال إلى الخبراء فحسب، بل هو سؤال سياسي بامتياز، تتقاطع فيه قضايا السيادة، والحريات الفردية، والمصلحة العامة، وحقوق الإنسان. ومن هذا المنطلق، فإننا ندعوا إلى مراجعة القانون 08.09 وتحيينه وفق المعايير الدولية والمعطيات المستجدة، كما نأمل أن تعمل الدولة على تجويد أداء المؤسسات المكلفة بحماية الأمن السيبراني الوطني وأن تضخها بكفاءات وطنية جديدة ، فأي تفريط في السيادة الرقمية وتهاون في صون الأمن المعلوماتي ، هو تهديد مباشر لأمن وسيادة الوطن .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة المحامين بأكادير والعيون مقبول لدى محكمة النقض
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
النائب الأول لرئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أكادير 24
منذ 2 ساعات
- أكادير 24
مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد (التفاصيل )
agadir24 – أكادير24 صادق مجلس النواب، خلال جلسة تشريعية عقدت اليوم الثلاثاء 20 ماي 2025، بالأغلبية على مشروع قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، بحضور وزير العدل عبد اللطيف وهبي، وذلك بعد مناقشات امتدت لنحو 8 ساعات. وحظي المشروع بتأييد 130 نائبا، مقابل معارضة 40 آخرين، دون تسجيل أي امتناع عن التصويت، ما يعكس تبايناً في المواقف تجاه مضامين النص الذي اعتبره الوزير وهبي 'محطة نوعية واستثنائية' في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب. وأكد وزير العدل، في عرضه أمام النواب، أن مشروع القانون الجديد يستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة، ويواكب المستجدات الدستورية والالتزامات الدولية للمملكة، عبر تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن العام وضمان الحقوق والحريات الفردية. وأوضح وهبي أن النص التشريعي تضمن تفاعلاً مع عدد مهم من التعديلات المقترحة، حيث تمت دراسة 1384 تعديلاً، بينما تم رفض جزء منها لأسباب قانونية وتقنية أو بسبب ما تتطلبه من إمكانيات مادية وبشرية ضخمة. ومن أبرز مستجدات المشروع: تعزيز ضمانات التحقيق الإعدادي تكريس مبدأ قرينة البراءة وعدم اعتبار الصمت اعترافا ضمنياً حماية ضحايا الاتجار بالبشر وفق المعايير الدولية توسيع استخدام الوسائل الرقمية في الإجراءات الجنائية الحد من اللجوء للاعتقال الاحتياطي وترشيد استعماله تسهيل إعادة الإدماج من خلال تحسين آليات رد الاعتبار والأداء والغرامات وشدّد الوزير على أن المشروع لا يُعد مجرد قانون، بل يشكل 'دستوراً للعدالة الجنائية' بالنظر لما يتضمنه من آليات لحماية حقوق المتقاضين، وتعزيز دور الدفاع، وضمان شروط المحاكمة العادلة، إلى جانب تقوية أدوات مكافحة الجريمة، بما فيها الجريمة المنظمة والجرائم المستجدة. ويأتي هذا المشروع في سياق إصلاح شامل تقوده وزارة العدل، ويتكامل مع قوانين أخرى، من ضمنها القانون الخاص بالعقوبات البديلة وتنظيم المؤسسات السجنية، في إطار رؤية متكاملة لعصرنة المنظومة القضائية بالمغرب.


أكادير 24
منذ 2 ساعات
- أكادير 24
'شهادات للبيع': فضيحة الماستر بأكادير تتكشف بسبب خلاف على ملياري سنتيم
agadir24 – أكادير24 فجّرت صفقة عقارية متعثرة فضيحة مدوية بجامعة ابن زهر في أكادير، بعد أن كشف أحد الأطراف عن تورط أستاذ جامعي في الاتجار بشهادات الماستر، إثر خلاف مالي بلغ ملياري سنتيم. وبحسب معطيات أولية، تعود فصول القضية إلى نزاع نشب بين الأستاذ الجامعي الموقوف ومشتكٍ كان قد باعه قطعة أرض بقيمة تقارب مليارين سنتيم، غير أن تماطُل الأستاذ في تسديد المستحقات دفع الطرف الآخر إلى فضح ما وصفه بـ'الأنشطة غير القانونية' المرتبطة بمنح شهادات دون استيفاء الشروط الأكاديمية. وصرّح المشتكي أنه حصل على شهادة جامعية دون أن يلتحق قطّ بمقاعد الدراسة، في حين سعى الأستاذ المتهم إلى الدفاع عن نفسه بتقديم وثائق تفيد بحضور المعني بالأمر ومشاركته في الدروس، وهي المعطيات التي نفى صحتها المشتكي جملة وتفصيلاً. ورغم ملتمس الدفاع بتمتيع المتهم بالسراح المؤقت مقابل ضمانات قانونية، قرّر قاضي التحقيق رفض الطلب، مفضلاً الإبقاء عليه رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار استكمال التحقيقات، وسط ترجيحات بالكشف عن أسماء وممارسات أخرى قد تعمّق من حجم الفضيحة داخل الحرم الجامعي.


أكادير 24
منذ 2 ساعات
- أكادير 24
أكادير : ضربة موجعة لشبكات الغش… الأمن يطيح ببائع أجهزة محظورة
agadir24 – أكادير24 في إطار حملتها المتواصلة لتحصين الامتحانات الإشهادية ومكافحة ظاهرة الغش، تمكنت عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بأكادير، بالتنسيق الوثيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، زوال اليوم الثلاثاء، من توقيف شخص يبلغ من العمر 32 عامًا للاشتباه في تورطه في حيازة وترويج أجهزة معلوماتية مهربة تستخدم في الغش خلال الامتحانات. جاءت هذه العملية النوعية في حي السلام بأكادير، حيث أوقفت الشرطة المشتبه فيه في حالة تلبس بحيازة وترويج هذه الأجهزة المحظورة. وقد أسفرت عملية التفتيش عن حجز كمية من هذه الوسائط، بالإضافة إلى مبالغ مالية يُشتبه في أنها من عائدات هذا النشاط الإجرامي. ويأتي هذا الإنجاز ليؤكد على الجهود الحثيثة التي تبذلها المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني للتصدي لكل أشكال الغش، وحماية مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب. وقد تم وضع المشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث القضائي الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك للكشف عن جميع ظروف وملابسات هذه القضية، وتحديد كافة الأفعال الإجرامية المنسوبة للمعني بالأمر، إضافة إلى الكشف عن أي امتدادات محتملة لهذا النشاط الإجرامي الذي يهدد مصداقية المنظومة التعليمية.