
مقتل "الككلي" يحدث زلزالا في ليبيا؟
بعد يوم خميس هادئ تقريبا مرّ على سكان طرابلس، إثر الاشتباكات التي دارت بين مجموعات مسلحة متنافسة في العاصمة الليبية طرابلس، الأسبوع الماضي، قُتل رجل أمن خلال "محاولة متظاهرين اقتحام مقر الحكومة الليبية في طرابلس"، بحسب بيان الحكومة، بعد تجدد التوتر، الجمعة الماضية، في عاصمة البلاد، كما أفادت وسائل إعلام محلية، بعد التظاهرة الكبيرة في وسط المدينة، باستقالة ستة وزراء ونواب وزراء من حكومة الدبيبة.
لا يزال التوتر في ليبيا، سيد الموقف، ما ينذر بانفجار جديد للأزمة الأمنية في البلاد، وفتح الطريق أمام تصعيد طويل الأمد في أكبر مدنها طرابلس، التي تحوّلت إلى خط مواجهة بين جهاز "الردع" واللواء 444.
وأظهرت صور حديثة مشاهد مروّعة لعربات متفحمة ومبان متضررة، تغطيها آثار الرصاص عقب اشتباكات استُخدمت فيها أسلحة رشاشة ثقيلة وقذائف.
وكانت وسائل إعلام ليبية قد أفادت بأن إجمالي عدد قتلى الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة طرابلس بلغ 58 قتيلا منذ بدايتها. وهذه التطورات ليس بالغريبة على بلد انتشرت فيه أكثر من 20 مليون قطعة سلاح خفيف وثقيل.
وكانت الممثلة السابقة للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، قد أشارت إلى أن "عدد الجماعات المسلحة الهجينة في غرب ليبيا، قد ارتفع بشكل كبير بعد أن وصل عددهم إلى حوالي 30 ألفا" منذ عام 2011.
والمشكل الحقيقي هو اختراق قوى أجنبية لهذه المجموعات، وأصبحت ليبيا ميدانا لصراع هذه القوى بالوكالة، وعلى حساب أمن الشعب الليبي وسيادة دولته. وهذا الوضع يزعج الجزائر التي ما فتئت تنادي بضرورة ترك الليبيين يديرون مصير بلادهم بأنفسهم، بعيدا عن التدخلات الأجنبية ولغة السلاح.
"الككلي" رجل الظل وصانع حكام طرابلس
وجود الجماعات المسلحة في غرب ليبيا ليس مجرد تمثيل ثانوي، إنها في قلب ديناميكية البحث عن مناطق جديدة للنفوذ والصراع عن السلطة، وهي تتعايش مع الحكومة، ولكنها أيضا تتفاعل وتؤثر عليها، بل وتنافسها، خاصة في ظل انعدام جيش نظامي قوي وموحد. وتعد قدرتها على العمل بطريقة شبه ذاتية ولجوئها إلى العنف، المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الأمني، كما يعيق وجودها إنشاء مؤسسات دولة قوية وموحدة، بما في ذلك جيش وطني موحد.
ويعتمد مستقبل الاستقرار السياسي والأمني إلى حد كبير على الطريقة التي سيتم بها إدارة قوتها وتأثيرها على المشهد السياسي الليبي، وربما من خلال التكامل أو المواجهة، في الإطار الأوسع لجهود التسوية السياسية.
لكن ماذا حدث بالضبط في طرابلس على مدار الأيام الماضية، مما جعل العاصمة الليبية تدخل في حالة من التوتر الأمني والحشد العسكري المتبادل بين الجماعات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا. وتتسارع الأحداث ليدخل التوتر مرحلة جديدة بتناقل تقارير عن مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار (مجموعة مسلحة بارزة تتبع المجلس الرئاسي)، في هذه الاشتباكات.
وكان "الككلي" رقما صعبا في المعادلة السياسية والعسكرية في غرب لبيبا، ويعدّ "رجل الظل وصانع حكام طرابلس"، حسب بعض وسائل الإعلام، من فائز السراج وحتى عبد الحميد الدبيبة، نظرا لقيادته أحد أكبر وأقوى التنظيمات المسلحة وهو "جهاز دعم الاستقرار" المعروف باسم "الغنيوات".
على الرغم من وصفه بأنه مدني، إلا أن "الككلي" كان في السجن بسبب قضية جنائية في بداية ثورة فيفري 2011. في هذه الفترة، قام بجمع الشباب لتشكيل كتيبة حماية مقاطعة أبوسليم من أجل تأمينها خلال انهيار الدولة. لقد نمت هذه القوة ماديا وتدعمت بالأسلحة عن طريق السيطرة على بعض مؤسسات الدولة.
في سنوات 2019-2020، بموجب حكومة الاتفاق الوطني (GAN) بقيادة فايز السراج، تم تقنين هذه الكتيبة، وأصبحت أول كتيبة للأمن المركزي، ثم جهاز الدعم (ASS) بقرار من "السراج". وقد أعطى هذا التحول الشرعية "للككلي" للوصول والحصول على أموال الدولة، مما عزز قوته ونفوذه.
ولقد نسج "الككلي" علاقات جيدة للغاية وحقق تحالفا حقيقيا يعتمد على المصالح المتبادلة مع حكومة الوحدة الوطنية (Gun) لعبد الحميد الدبيبة، حتى أن "الككلي" ومجموعته دافعا بشراسة ضد محاولة "فتحي باشاغا" لتولي السلطة في طرابلس.
وتدهورت العلاقة في الآونة الأخيرة، بين جهاز الدعم وحكومة الوحدة الوطنية بسبب تصرفات "الككلي" التوسعية، حيث كان يوصف بأنه كان بمثابة "سلطة موازية أو منافسة لعبد الحميد الدبيبة".
فتصرفات "الككلي" توحي بأنه لم يعتبر نفسه فقط زعيم أبوسليم، ولكن زعيم "طرابلس". وكان "الدبيبة" قد أعرب عن إحباطه، معتبرا أنه لا يمكن أن يكون "رئيسا حقيقيا للحكومة" مع السلطة اللازمة في مواجهة تأثير "الككلي".
وساهم هجوم جماعة الككلي على الشركة القابضة للاتصالات (مؤسسة الدولة)، في زيادة هذا التدهور، فتم استدعاء "الككلي" لحضور اجتماع مع قادة عسكريين وأجهزة أمنية في معسكر "التكبالي"، التابع للواء 444، بقيادة محمود حمزة، لمناقشة سلوكه وتحدياته لسلطة الحكومة.
ووفقا للرواية التي تم نشرها على نطاق واسع، اندلعت مشادات شفهية وجسدية عنيفة خلال هذا الاجتماع، مما أدى إلى استخدام الأسلحة. فقُتل "الككلي"، وكذلك جميع حراسه، في حين قُتل ثلاثة حراس من الطرف الآخر.
بحلول عام 2012 يمكن تعداد نحو 30 مجموعة مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس وحدها، ومع منتصف عام 2017 سيطرت 4 مجموعات رئيسية، هي كتيبة ثوار طرابلس وقوة الردع وكتيبة النواصي والأمن المركزي فرع أبو سليم، في اتفاق تعايش ضمني بينها وبين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.
لكن سرعان ما غير اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الخريطة الأمنية على طرابلس، بعد شنه حربا عليها والتي اندلعت شرارتها في أفريل 2019، وأدت إلى إعادة توحيد المجموعات المسلحة، وتغيير المشهد الأمني بالكامل بعد انتهاء الحرب في جوان 2020.
وبعد تولي حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مقاليد السلطة في مارس 2021، خرجت واحدة من أبرز المجموعات المسلحة، وهي "كتيبة ثوار طرابلس"، من العاصمة عام 2022 إثر معارك عنيفة مع جهاز الردع.
لن ينسى الشعب الليبي تصريح السيد تبون، رئيس الجمهورية، في جوان 2021، عندما قال: "طرابلس خط أحمر"، هذه العبارة كان لها صدى كبير لدى الشارع الليبي. وأعاد الرئيس تبون تأكيد أن رسالة طرابلس "خط أحمر" وصلت إلى من يهمه الأمر، موضحا أن الجزائر كانت "مستعدة للتدخل" لمنع سقوط العاصمة الليبية.
وجاء ذلك في ملخص نشرته الرئاسة الجزائرية حول مقابلة أجرتها فضائية "الجزيرة" القطرية مع الرئيس تبون. وأكد تبون في حديثه على أن "الجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس، وأنها حين أعلنت أن طرابلس خط أحمر كانت تقصد ذلك جيدا.. الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر".
وفي جويلية 2020، قال الرئيس تبون، خلال استقباله فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، إن "طرابلس في نظر الجزائر تعتبر خطا أحمر نرجو عدم تجاوزه"، وذلك ردا على محاولة مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة عليها.
ويبدو أن جميع أطراف الفرقاء تقريبا لا يزالون متمسكين بضرورة مشاركة الجزائر الفعلية في المصالحة الوطنية الليبية، لأن الجزائر مؤهلة لأن تقود وتدعم المصالحة الليبية - الليبية.
وكان الدبيبة، من جهته، قد صرح، في أحد لقاءاته مع الرئيس تبون: "إن الجزائر لم تتدخل في الشأن الليبي خلال السنوات العشر الماضية"، وأن "ليبيا تنظر للجزائر كأخ أكبر".
وحتى تتضح الصورة حول وضعية المشهد السياسي والأمني المعقدة في طرابلس، هذه أبرز التشكيلات المسلحة الناشطة في طرابلس وهي: جهاز الردع، اللواء 444، جهاز دعم الاستقرار، جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، كتيبة فرسان جنزور، القوى الوطنية المتحركة، اللواء 51 مشاة، كتيبة أسود تاجوراء، اللواء 111 مجحفل وجهاز الشرطة القضائية.
لقد تعددت المجموعات المسلحة الليبية التي تتبع مسارات سياسية وإيديولوجية مختلفة، بعضها تم تسريحه وحلّه تدريجيا، وبعضها لا يزال ناشطا حتى وإن تغيّرت مسمياته وولاءاته لجهات داخلية وأخرى أجنبية، ولهذا ليس من السهل على الدبلوماسية الجزائرية، رغم ثقلها، أن تجمع هؤلاء الإخوة الفرقاء.
فالشقيقة ليبيا تدخل ضمن العمق الجغرافي الأمني للجزائر التي لن تدخر أي جهد لعودة السلم والسلام والاستقرار لكامل ربوع هذا البلد الذي يعيش أحلك فترة في تاريخه المعاصر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 10 ساعات
- النهار
ربيقة: الجزائر تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية
قال وزير المجاهدين وذوي الحقوق، العيد ربيقة، أن الجزائر دوماً تعتبر القضية الفلسطينية، قضيتها المركزية وقضية كل العرب والمسلمين، ومواقفها ثابتة من هذه القضية المركزية، وهو موقف نابع من الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مع ما ينطوي عليه من تطبيق القرارات الأممية، القاضية بحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ووطنهم. وفي كلمة ألقاها بمناسبة إحياء الذكرى 77 للنكبة الفلسطينية 15 ماي 1948/2025، أكد الوزير أن تلك المأساة الإنسانية التي حلت بالشعب الفلسطيني الأبي منذ سبعة وسبعين عامًا وهي ذكرى النكبة التي نشبت مخالبها الآثمة في أرض فلسطين ذات الخامس عشر من شهر ماي سنة 1948، وأسفرت كما هو معلوم عن تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم على أيدي الاحتلال الصهيوني، مما تمخض عن أزمة إنسانية مازالت تشكل هما لكل أحرار العالم إلى يوم الناس هذا. وأضاف الوزير 'إِن تَجَدُّدَ هذه الذكرى الأليمة، ذكرى النكبة هو في مغزاه الحقيقي تجدد طبيعي لنداء ظل يتكرر منذ سبعة وسبعين عاما وهو حق العودة الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال موقوف النفاد بفعل آلة الاحتلال التي ما فتئت تجهض كل تسوية أو اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني ومنها حقوق أولئك الذين هجروا قسرًا في شهر النكبة - ماي سنة 1948'. ووصال الوزير قائلا 'إن الجزائر التي أحيت منذ أيام قليلة ذكرى أليمة لا تقل ضراوتها عن النكبة الفلسطينية، وهي ذكرى مجازر الثامن ماي 1945 تقف حيال هاتين المأساتين موقف الاعتبار والتذكر والتثمين لتضحيات الشعبين الشقيقين الجزائري والفلسطيني في سبيل رسم مسارهما التحرري الذي حفته قساوة الاستعمار وبطش المحتلين، كما، وفي جانب مهم آخر تبقى الذاكرة المشتركة تنوء بأحمال التاريخ الاستعماري وما يجنيه على أوطاننا'. كما ذكر العيد ربيقة بموقف الجزائر اتجاه القضية الفلسطينية قائلا 'إننا إذ نشارككم إحياء الذكرى السابعة والسبعين لنكبة الشقيقة فلسطين ومع ما تعيشه اليوم من مأساة إنسانية، فإن الجزائر دوماً تعتبر القضية الفلسطينية، قضيتها المركزية وقضية كل العرب والمسلمين، ومواقفها ثابتة من هذه القضية المركزية، وهو موقف نابع من الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، مع ما ينطوي عليه من تطبيق القرارات الأممية، القاضية بحق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ووطنهم'. وتابع ربيقة 'كما أن الجزائر التي عانت أبلغ المعاناة في تاريخها من الاستدمار الفرنسي، وسجلت أروع الوقفات وأعظم التضحيات من أجل استقلالها وماتزال تحتفي بمخزون ذاكرتها التاريخية وهي تسجل دوما وأبداً موقفها الثابت من مسألة حق الشعب الفلسطيني في الأمن والحياة الكريمة ضمن دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف في إطار الشرعية الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في رسالته بمناسبة القمة العربية 2025، حين قال: 'نحن مطالبون اليوم بتعزيز التفافنا حول قضيتنا المركزية، لأن دفاعنا عن هذه القضية ليس جوداً أو تَكَرماً مِنَّا ، بقدر ما هو وفاء تجاه أمانة تاريخية تحملها الأمة العربية في أعناقها، وتُجَاهَ مسؤولية قانونية وأخلاقية وحضارية تتحملها الإنسانية جمعاء'. مشيرا أن هذا الموقف يعكس روح التناغم مع الثوابت التاريخية المستمدة من قيم ثورة أول نوفمبر 1954، على محور تصفية أشكال الاستعمار واحترام حقوق الشعوب والأوطان في الحياة الكريمة، وتحقيق السلم العالمي، الذي لن يتأتى في ظل التنكر للشرعية الدولية والاستنكاف عن مقررات الأمم المتحدة. وفي ختام كلمته، قال وزير المجاهدين 'بحول الله، ستزول المظلمة على الشعب الفلسطيني ويسترد أرضه، ويمن عليه بالنصر المكين وينعم كباقي شعوب المعمورة بحريته وسيادته، وستبقى مثل هذه الذكريات رغم آلامها مخزوناً لا ينضب من القيم السامية تنهل منها الأجيال، جيلاً بعد جيل'. كما جدد الترحيب بضيوف الجزائر الكرام، من فلسطين الشقيقة، في بلدهم أرض الشهداء والمجاهدين، لنقاسمهم إحياء هذه الذكرى بما تحمله من ألم وأمل.


حدث كم
منذ 12 ساعات
- حدث كم
وفد مغربي هام يشارك في المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 في تيمور الشرقية
يشارك وفد مغربي هام في أشغال المؤتمر الإقليمي للجنة الـ24 التابعة للأمم المتحدة، المقرر تنظيمه ما بين 21 و23 ماي الجاري في ديلي، بتيمور الشرقية. ويرأس الوفد المغربي السفير الممثل الدائم للمغرب لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، عمر هلال، وسفير جلالة الملك في جاكرتا، رضوان الحسيني. كما يضم الوفد العديد من المسؤولين بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وكذا نائب رئيس المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية. وسيشكل هذا المؤتمر مناسبة للوفد المغربي من أجل إطلاع أعضاء اللجنة وباقي المشاركين على مستجدات قضية الصحراء المغربية، لاسيما دينامية الدعم الدولي المتزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي أضحت تحظى بتأييد أزيد من 117 بلدا، أي ما يفوق 60 بالمائة من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة. كما سيبرز الوفد المغربي الدعم الدولي المتنامي للاعتراف بمغربية الصحراء، من خلال تأكيد العديد من البلدان لمواقفها، من بينها عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، وهما فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، التي تقوم بصياغة قرارات المجلس بشأن قضية الصحراء المغربية. وسيسلط الضوء، كذلك، على التقدم الملموس الذي تشهده الأقاليم الجنوبية بفضل النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في 2015، بميزانية فاقت 10 ملايير دولار، والذي بلغ معدل إنجازه مستويات متقدمة. وسيكون هذا المؤتمر أيضا فرصة يذكر خلالها الوفد المغربي بمسؤولية الجزائر الثابتة في استمرار هذا النزاع، من خلال الكشف عن دورها التاريخي والسياسي بصفتها طرفا معنيا، كما تؤكد ذلك قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك القرار رقم 2756 الذي تم اعتماده في أكتوبر 2024. من جانب آخر، يشارك في هذا المؤتمر اثنان من منتخبي الصحراء المغربية، يتعلق الأمر بكل من السيدة غلا بهية عن جهة الداخلة-وادي الذهب، والسيد امحمد أبا عن جهة العيون-الساقية الحمراء، بدعوة من رئيسة اللجنة، كما دأبت على ذلك منذ سنوات.


الخبر
منذ يوم واحد
- الخبر
مقتل "الككلي" يحدث زلزالا في ليبيا؟
بعد يوم خميس هادئ تقريبا مرّ على سكان طرابلس، إثر الاشتباكات التي دارت بين مجموعات مسلحة متنافسة في العاصمة الليبية طرابلس، الأسبوع الماضي، قُتل رجل أمن خلال "محاولة متظاهرين اقتحام مقر الحكومة الليبية في طرابلس"، بحسب بيان الحكومة، بعد تجدد التوتر، الجمعة الماضية، في عاصمة البلاد، كما أفادت وسائل إعلام محلية، بعد التظاهرة الكبيرة في وسط المدينة، باستقالة ستة وزراء ونواب وزراء من حكومة الدبيبة. لا يزال التوتر في ليبيا، سيد الموقف، ما ينذر بانفجار جديد للأزمة الأمنية في البلاد، وفتح الطريق أمام تصعيد طويل الأمد في أكبر مدنها طرابلس، التي تحوّلت إلى خط مواجهة بين جهاز "الردع" واللواء 444. وأظهرت صور حديثة مشاهد مروّعة لعربات متفحمة ومبان متضررة، تغطيها آثار الرصاص عقب اشتباكات استُخدمت فيها أسلحة رشاشة ثقيلة وقذائف. وكانت وسائل إعلام ليبية قد أفادت بأن إجمالي عدد قتلى الاشتباكات التي اندلعت في العاصمة طرابلس بلغ 58 قتيلا منذ بدايتها. وهذه التطورات ليس بالغريبة على بلد انتشرت فيه أكثر من 20 مليون قطعة سلاح خفيف وثقيل. وكانت الممثلة السابقة للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، قد أشارت إلى أن "عدد الجماعات المسلحة الهجينة في غرب ليبيا، قد ارتفع بشكل كبير بعد أن وصل عددهم إلى حوالي 30 ألفا" منذ عام 2011. والمشكل الحقيقي هو اختراق قوى أجنبية لهذه المجموعات، وأصبحت ليبيا ميدانا لصراع هذه القوى بالوكالة، وعلى حساب أمن الشعب الليبي وسيادة دولته. وهذا الوضع يزعج الجزائر التي ما فتئت تنادي بضرورة ترك الليبيين يديرون مصير بلادهم بأنفسهم، بعيدا عن التدخلات الأجنبية ولغة السلاح. "الككلي" رجل الظل وصانع حكام طرابلس وجود الجماعات المسلحة في غرب ليبيا ليس مجرد تمثيل ثانوي، إنها في قلب ديناميكية البحث عن مناطق جديدة للنفوذ والصراع عن السلطة، وهي تتعايش مع الحكومة، ولكنها أيضا تتفاعل وتؤثر عليها، بل وتنافسها، خاصة في ظل انعدام جيش نظامي قوي وموحد. وتعد قدرتها على العمل بطريقة شبه ذاتية ولجوئها إلى العنف، المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الأمني، كما يعيق وجودها إنشاء مؤسسات دولة قوية وموحدة، بما في ذلك جيش وطني موحد. ويعتمد مستقبل الاستقرار السياسي والأمني إلى حد كبير على الطريقة التي سيتم بها إدارة قوتها وتأثيرها على المشهد السياسي الليبي، وربما من خلال التكامل أو المواجهة، في الإطار الأوسع لجهود التسوية السياسية. لكن ماذا حدث بالضبط في طرابلس على مدار الأيام الماضية، مما جعل العاصمة الليبية تدخل في حالة من التوتر الأمني والحشد العسكري المتبادل بين الجماعات المسلحة المسيطرة على العاصمة طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا. وتتسارع الأحداث ليدخل التوتر مرحلة جديدة بتناقل تقارير عن مقتل عبد الغني الككلي، رئيس جهاز دعم الاستقرار (مجموعة مسلحة بارزة تتبع المجلس الرئاسي)، في هذه الاشتباكات. وكان "الككلي" رقما صعبا في المعادلة السياسية والعسكرية في غرب لبيبا، ويعدّ "رجل الظل وصانع حكام طرابلس"، حسب بعض وسائل الإعلام، من فائز السراج وحتى عبد الحميد الدبيبة، نظرا لقيادته أحد أكبر وأقوى التنظيمات المسلحة وهو "جهاز دعم الاستقرار" المعروف باسم "الغنيوات". على الرغم من وصفه بأنه مدني، إلا أن "الككلي" كان في السجن بسبب قضية جنائية في بداية ثورة فيفري 2011. في هذه الفترة، قام بجمع الشباب لتشكيل كتيبة حماية مقاطعة أبوسليم من أجل تأمينها خلال انهيار الدولة. لقد نمت هذه القوة ماديا وتدعمت بالأسلحة عن طريق السيطرة على بعض مؤسسات الدولة. في سنوات 2019-2020، بموجب حكومة الاتفاق الوطني (GAN) بقيادة فايز السراج، تم تقنين هذه الكتيبة، وأصبحت أول كتيبة للأمن المركزي، ثم جهاز الدعم (ASS) بقرار من "السراج". وقد أعطى هذا التحول الشرعية "للككلي" للوصول والحصول على أموال الدولة، مما عزز قوته ونفوذه. ولقد نسج "الككلي" علاقات جيدة للغاية وحقق تحالفا حقيقيا يعتمد على المصالح المتبادلة مع حكومة الوحدة الوطنية (Gun) لعبد الحميد الدبيبة، حتى أن "الككلي" ومجموعته دافعا بشراسة ضد محاولة "فتحي باشاغا" لتولي السلطة في طرابلس. وتدهورت العلاقة في الآونة الأخيرة، بين جهاز الدعم وحكومة الوحدة الوطنية بسبب تصرفات "الككلي" التوسعية، حيث كان يوصف بأنه كان بمثابة "سلطة موازية أو منافسة لعبد الحميد الدبيبة". فتصرفات "الككلي" توحي بأنه لم يعتبر نفسه فقط زعيم أبوسليم، ولكن زعيم "طرابلس". وكان "الدبيبة" قد أعرب عن إحباطه، معتبرا أنه لا يمكن أن يكون "رئيسا حقيقيا للحكومة" مع السلطة اللازمة في مواجهة تأثير "الككلي". وساهم هجوم جماعة الككلي على الشركة القابضة للاتصالات (مؤسسة الدولة)، في زيادة هذا التدهور، فتم استدعاء "الككلي" لحضور اجتماع مع قادة عسكريين وأجهزة أمنية في معسكر "التكبالي"، التابع للواء 444، بقيادة محمود حمزة، لمناقشة سلوكه وتحدياته لسلطة الحكومة. ووفقا للرواية التي تم نشرها على نطاق واسع، اندلعت مشادات شفهية وجسدية عنيفة خلال هذا الاجتماع، مما أدى إلى استخدام الأسلحة. فقُتل "الككلي"، وكذلك جميع حراسه، في حين قُتل ثلاثة حراس من الطرف الآخر. بحلول عام 2012 يمكن تعداد نحو 30 مجموعة مسلحة في العاصمة الليبية طرابلس وحدها، ومع منتصف عام 2017 سيطرت 4 مجموعات رئيسية، هي كتيبة ثوار طرابلس وقوة الردع وكتيبة النواصي والأمن المركزي فرع أبو سليم، في اتفاق تعايش ضمني بينها وبين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا. لكن سرعان ما غير اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الخريطة الأمنية على طرابلس، بعد شنه حربا عليها والتي اندلعت شرارتها في أفريل 2019، وأدت إلى إعادة توحيد المجموعات المسلحة، وتغيير المشهد الأمني بالكامل بعد انتهاء الحرب في جوان 2020. وبعد تولي حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مقاليد السلطة في مارس 2021، خرجت واحدة من أبرز المجموعات المسلحة، وهي "كتيبة ثوار طرابلس"، من العاصمة عام 2022 إثر معارك عنيفة مع جهاز الردع. لن ينسى الشعب الليبي تصريح السيد تبون، رئيس الجمهورية، في جوان 2021، عندما قال: "طرابلس خط أحمر"، هذه العبارة كان لها صدى كبير لدى الشارع الليبي. وأعاد الرئيس تبون تأكيد أن رسالة طرابلس "خط أحمر" وصلت إلى من يهمه الأمر، موضحا أن الجزائر كانت "مستعدة للتدخل" لمنع سقوط العاصمة الليبية. وجاء ذلك في ملخص نشرته الرئاسة الجزائرية حول مقابلة أجرتها فضائية "الجزيرة" القطرية مع الرئيس تبون. وأكد تبون في حديثه على أن "الجزائر كانت على استعداد للتدخل بصفة أو بأخرى لمنع سقوط طرابلس، وأنها حين أعلنت أن طرابلس خط أحمر كانت تقصد ذلك جيدا.. الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر". وفي جويلية 2020، قال الرئيس تبون، خلال استقباله فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية السابق، إن "طرابلس في نظر الجزائر تعتبر خطا أحمر نرجو عدم تجاوزه"، وذلك ردا على محاولة مليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة عليها. ويبدو أن جميع أطراف الفرقاء تقريبا لا يزالون متمسكين بضرورة مشاركة الجزائر الفعلية في المصالحة الوطنية الليبية، لأن الجزائر مؤهلة لأن تقود وتدعم المصالحة الليبية - الليبية. وكان الدبيبة، من جهته، قد صرح، في أحد لقاءاته مع الرئيس تبون: "إن الجزائر لم تتدخل في الشأن الليبي خلال السنوات العشر الماضية"، وأن "ليبيا تنظر للجزائر كأخ أكبر". وحتى تتضح الصورة حول وضعية المشهد السياسي والأمني المعقدة في طرابلس، هذه أبرز التشكيلات المسلحة الناشطة في طرابلس وهي: جهاز الردع، اللواء 444، جهاز دعم الاستقرار، جهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية، كتيبة فرسان جنزور، القوى الوطنية المتحركة، اللواء 51 مشاة، كتيبة أسود تاجوراء، اللواء 111 مجحفل وجهاز الشرطة القضائية. لقد تعددت المجموعات المسلحة الليبية التي تتبع مسارات سياسية وإيديولوجية مختلفة، بعضها تم تسريحه وحلّه تدريجيا، وبعضها لا يزال ناشطا حتى وإن تغيّرت مسمياته وولاءاته لجهات داخلية وأخرى أجنبية، ولهذا ليس من السهل على الدبلوماسية الجزائرية، رغم ثقلها، أن تجمع هؤلاء الإخوة الفرقاء. فالشقيقة ليبيا تدخل ضمن العمق الجغرافي الأمني للجزائر التي لن تدخر أي جهد لعودة السلم والسلام والاستقرار لكامل ربوع هذا البلد الذي يعيش أحلك فترة في تاريخه المعاصر.