
ماذا لو أصرت المناهج على بقائها كما هي؟(2)
ماسة الدلقموني
إن تحققت فرضية فقدان العلامة لبريستيجها وسطوتها على العملية التعليمية، فإننا قد نقف أمام لحظة فاصلة تعيد ترتيب العلاقة بين المتعلم والمعرفة، وتفتح الباب لسؤال جوهري: ما الذي يتعلّمه الطالب حقًا حين لا يكون هناك رقمٌ يحكم على معارفه؟
اضافة اعلان
إن خسارة العلامة سلطتها لا تعني سقوط النظام، بل قد تكون بدايته الحقيقية. فالمنهج الذي لا يخاف من الفراغ الذي تركته العلامة، سيملؤه بالمعنى، بالنمو، وبإنسانية التعلم. ففي غياب العلامة كمؤشر نهائي، تخرج المناهج من قوقعة التلقين والسباق نحو الامتحان، وتدخل فضاء ما بعد العلامة لتتحرر من القيد العددي نحو العمق، وتُصمَّم لقياس النمو المعرفي والوجداني معًا، لا لإنزال حكم على الطالب بلغةٍ (80/100).
في سيناريو اليوم، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي رفيقًا للبشرية، تقف المناهج في حيرة من أمرها. فمعركتها الحقيقية لم تعد بين التقليد والحداثة، بل بين الجمود والاستجابة، في عالم لا يتوقف احترامًا لبطء أحد، يمضي فيه الذكاء الاصطناعي في تعلّم ذاتي متسارع، فارضًا واقعًا جديدًا تُحدَّد فيه القيمة بالقدرة على التكيف. عندها تدرك المناهج أن التغيير لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية.
لكن هذا التغيير، هذه المرة، لن يأتي على شكل شعارات عابرة أو دروس عن 'الذكاء الاصطناعي' تُضاف في الهامش، بل يأتي ليعيد تشكيل فلسفة التعليم من الجذر. سيفرض على المناهج التحرر من الجمود، لتصبح كائنًا حيًا، يتنفس التغيير، ويتغذى على التجريب، ويتطور بالتغذية الراجعة. لا يُقاس بثباته، بل بمرونته. لا يكرّس السلطة المعرفية، ولا يُصمَّم ليملأ الوقت، بل ليصنع المعنى ويوجد البيئة لبناء الذات. منهج يُعيد للمتعلم مكانته، لا كمنفذ لتعليمات، بل كإنسان يُفكّر، يُجرّب، ويخطئ لينمو.
لم يعد المنهج هو القائد الأوحد للعملية التعليمية. الذكاء الاصطناعي يعيد ترتيب العلاقة بين الطالب والمحتوى، فلا يعود المتعلم تابعًا لخطة مرسومة سلفًا، بل صانعًا لمسار تعلمه، بما يناسب احتياجاته وفضوله وسرعته الخاصة. يتحوّل المنهج من سلطة مغلقة إلى مرجع مرن، ومن خارطة صارمة إلى دعوة مفتوحة للاستكشاف. وهنا، لا يعود السؤال: 'ماذا سأُدرّس هذا الأسبوع؟'، بل: 'ما الذي يحتاجه هذا الطالب الآن؟'
وفي ظل هذا التحول، يتلاشى مفهوم 'الكتاب المقرر' كما عرفناه. لن تكون هناك نسخة واحدة من الحقيقة تُقدَّم للجميع بالطريقة نفسها، بل محتوى متغير، ينبض بالحياة، ويتشكل لحظة بلحظة. الذكاء الاصطناعي سيوفر مصادر متجددة، متعددة الوسائط، تستجيب لمستوى الطالب، واهتماماته، وسياقاته الخاصة. المعرفة لن تعود شيئًا نلقّنه، بل تجربة يعيشها الطالب، ويعيد تشكيلها بلغته، وفضوله، ووعيه.
نعم، من المخيف أن نعيش في زمن فقدان السيطرة، فالخوف ليس من الحداثة، بل من فقدان القبضة. التغيير الحقيقي لا يحتاج أدوات فحسب، بل يحتاج شجاعة ثقافية، ووعيًا فلسفيًا. ولذلك، ليس صعبًا لأنه تقني.. بل لأنه يهدّد بنية فكرية كاملة.
لكن، ماذا لو أصرت المناهج على بقائها كما هي؟
حينها، لن يكون الذكاء الاصطناعي هو التهديد الحقيقي للتعليم، بل التعليم ذاته حين يرفض أن يتبنى التغيير، وأن يرى الواقع كما هو، وحين يصر على قياس قيمته بمدى ثباته في عصر التكيف. والمفارقة أن مناهج الأمس، التي كانت تسعى لتثبيت النظام، قد تُصبح غدًا ما يُهدّد بقاءه.
فلنفترض أن العلامة تراجعت عن عرشها، فانفتح المنهج وتنفّس، متحررًا من سطوة الامتحانات بشكلها التقليدي، فهل يكون ذلك كافيًا لتحرير التعليم من أغلال الماضي، ما دام المتعلم ما يزال يُسأل: 'في أي حصة نحن الآن؟'
بينما نغوص أكثر في عالم التعليم المستقبلي، يسعدني أن أواصل معكم هذه الرحلة الفكرية في سلسلة ماذا لو، حيث نتخيّل معًا كيف يمكن أن يتطوّر التعليم في ظل الذكاء الاصطناعي. ربما تبدو هذه الأفكار للبعض وكأنها تأملات فلسفية.. نعم، لكنها فلسفة من النوع الذي يُمهّد الطريق لكل تحوّل كبير. فكل تغيير بدأ بسؤال بسيط، وكل ثورة فكرية وُلدت من تشكيكٍ في المألوف. وحتى نلتقي مجدداً إليكم سؤال المقال القادم: «ماذا لو انفجرت جدران المواد؟»
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الغد
منذ 15 ساعات
- الغد
كيف يتحول الذكاء الاصطناعي إلى سلاح ضد الأخبار الكاذبة؟
د. جهاد كمال فريج في عصر الثورة الرقمية وتسارع تدفق المعلومات، أصبحت الصحافة تقف على مفترق طرق: بين خطر الأخبار الزائفة المتصاعدة، وفرص التكنولوجيا الحديثة في حماية الحقيقة. من بين أبرز هذه التقنيات، يبرز الذكاء الاصطناعي كلاعب رئيسي قادر على قلب موازين العمل الإعلامي، من خلال أدوات تحقق، وتحليل، وتصفية للمحتوى، تسعى إلى مواجهة سيل من التضليل الذي يهدد مصداقية الإعلام. اضافة اعلان في الأردن، كما في بقية دول العالم، بات من الضروري على وسائل الإعلام، وخاصة الرقمية منها، مواكبة هذا التحول. لا يقتصر التحدي فقط على رصد الأكاذيب، بل يشمل بناء منظومة تقنية وأخلاقية وقانونية تدمج الذكاء الاصطناعي في صلب العملية الصحفية. يقول الدكتور نجم العيساوي، خبير تكنولوجيا الإعلام والذكاء الاصطناعي، إن "الذكاء الاصطناعي يشكل نقلة نوعية في عالم الإعلام الرقمي، فهو ليس مجرد أداة مساعدة، بل شريك فعلي في صناعة المحتوى الصحفي". ويضيف: "التقنيات الحديثة القائمة على التعلم الآلي والخوارزميات الذكية تتيح للصحفيين التحقق من الأخبار بسرعة غير مسبوقة، وتحليل البيانات الضخمة التي كانت تحتاج سابقًا لأيام أو أسابيع". ومع ذلك، يحذر العيساوي من مخاطر الاعتماد غير الواعي على هذه التقنيات، إذ إن الذكاء الاصطناعي "يعتمد على جودة البيانات التي يُغذى بها، وإذا كانت غير دقيقة أو متحيزة فإن النتائج ستكون مضللة"، ما يستدعي إشرافا بشريا دائما لضمان النزاهة والمهنية. من جهته، يرى الخبير القانوني الدكتور علي الزعبي، عميد كلية الحقوق في جامعة العقبة للتكنولوجيا، أن التشريعات الأردنية بحاجة إلى تحديث لمواكبة التحولات التقنية. ويقول: "قانون الجرائم الإلكترونية لم يتناول بوضوح تحديات الذكاء الاصطناعي في الإعلام، لذلك من المهم تعزيز آليات التحقق وتغليظ العقوبات على مروجي الأخبار الكاذبة"، مع ضرورة أن تأخذ التشريعات المستقبلية بعين الاعتبار قدرة هذه التقنيات على إنتاج محتوى زائف متقن يصعب كشفه. أما رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للبث الفضائي، محمد العضايلة، فيؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمثل "تحديا وفرصة في الوقت ذاته". ويوضح أن هذه التكنولوجيا قادرة على كشف الأخبار الزائفة وتحسين جودة المحتوى، لكنها قد تُستخدم بالمقابل في إنتاج فيديوهات وصور مزيفة تؤثر على الرأي العام، ما يتطلب يقظة مستمرة واستثمارا حقيقيا في البحث والتطوير. ويلفت الدكتور كامل خورشيد، أستاذ الإعلام الرقمي بجامعة الشرق الأوسط، إلى أن نجاح الإعلام الرقمي في مواجهة هذه التحديات مرهون بقدرة الصحفيين على التفاعل الإبداعي مع أدوات الذكاء الاصطناعي. ويقول: "الصحفي الرقمي الحديث يجب أن يكون مؤهلاً لاستخدام هذه الأدوات باحتراف، بحيث لا يتحول إلى مجرد منفذ آلي، بل يصبح مبدعا في تعزيز المحتوى والتحقق من الأخبار بكفاءة أكبر". ويرى خورشيد أن التوازن بين التقنية والبعد الإنساني هو سر نجاح التجربة الإعلامية في العصر الرقمي، حيث أن الذكاء الاصطناعي "يقلل الأخطاء البشرية ويزيد سرعة التحليل، لكنه لا يستطيع استبدال التفكير النقدي والبعد الإنساني في معالجة الأخبار". من جانبه، يشير الإعلامي زياد الرباعي إلى أن الاعتماد الكلي على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى إضعاف المهارات الصحفية التقليدية، التي لا غنى عنها لفهم السياقات وتحليل المضمون. ويقول: "الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنه ليس بديلاً كاملاً عن الخبرة والتحليل الصحفي، وهناك من يسعى لاستغلاله لإنتاج أخبار زائفة متطورة يصعب كشفها". ويؤكد الرباعي أن مؤسسات إعلامية بدأت باستخدام تقنيات متقدمة، مثل قراءة تعابير الوجه وحركات العيون، لرصد صدقية المتحدثين، إلا أن صانعي التزييف يطورون أدواتهم باستمرار، مما يجعل المعركة مفتوحة بين الصحافة والتضليل الرقمي. في المحصلة، فإن مستقبل الصحافة الأردنية في مواجهة الأخبار الكاذبة يتطلب منظومة متكاملة، تبدأ من تدريب الكوادر الإعلامية على أدوات الذكاء الاصطناعي، وتمر بتحديث التشريعات، وتنتهي ببناء وعي مجتمعي يدرك خطورة المعلومات المضللة. الذكاء الاصطناعي ليس عصا سحرية، لكنه قد يكون درعا فعالًا إذا ما تم استخدامه بعقلانية ومهنية، مع الحفاظ على جوهر الصحافة: البحث عن الحقيقة، وخدمة الناس.


الغد
منذ 15 ساعات
- الغد
ماذا لو انفجرت جدران المواد؟ (3)
ماسة الدلقموني تراجعت سلطة العلامة في المقال الأول، فخفت وطأة السباق نحو رقمٍ محدد، وانفتح الباب أمام التعلّم ليأخذ نفسه الأول بعيدًا عن الركض خلف المعدلات. وفي المقال الثاني، حين تنفّست المناهج، لم تعد مضطرة لتطويع المعرفة كي تتماشى مع اختبارٍ أو معدلٍ يُحدّد مصير المتعلّم. تحرّرت من القوالب، وبدأت تبحث عن معناها خارج إطار التقييم. اضافة اعلان ولا بدّ لهذه التغيّرات أن تُحدث تشققات في بنية النظام. فحين تتراجع السلطة، ويتنفس المنهج، تتزلزل الشرعية التي بُنيت عليها تقسيمات التعليم التقليدي. وهنا تبدأ المواد الدراسية بالتململ.. لا لأنها ضعيفة، بل لأنها كُتبت في زمن كان يفرض على المعرفة أن تُفهرس وتُغلق داخل جدران، زمنٍ لم يُراعِ كيف يتعلّم الطفل، ولا كيف يُبنى العقل، بل يُراعي فقط كيف يُقيَّم ويُفرَز. في النظام الجديد، «انفجار المواد الدراسية» لن يأتي على شكل فوضى، بل كمشهد طبيعي لانهيار نظام فقد علّة وجوده. هذا الانفجار لا يعني إلغاء المحتوى، بل تحريره من سجن الفواصل الزمنية والجدران المنهجية ليخدم غاية أسمى، لا تُقاس فيها المعرفة بعدد الصفحات أو عدد الحصص، بل بمدى قدرتها على توليد المعنى، وإثارة التساؤل، وتحفيز التفكير. في عصرٍ أصبحت فيه المعرفة نهرًا متدفقًا يعبر الحدود ويتجاوز الجدران، ما زالت كثير من المدارس تُصرّ على توزيعها في قوالب منفصلة: حصة للرياضيات، وأخرى للفن، وثالثة للتاريخ، ورابعة للتكنولوجيا. مناهج تُفكّك العالم إلى أجزاء متباعدة، وتُقدّم المحتوى كما لو أن الفهم لا يتحقّق إلا بفصل الأشياء عن بعضها. لكن العالم لم يعد يتجزّأ بهذه الطريقة، والذكاء الاصطناعي تحديدًا لا يعيش في هذا التقسيم؛ فهو ابن التداخل. لا يقرأ الرياضيات دون أن يستدعي الفن، ولا يُفسّر ظاهرة طبيعية دون أن يستحضر التاريخ أو يتخيّل مستقبلًا. عندما تسأله، لا يُجيب بجملةٍ مغلقة، بل ينسج شبكة من المفاهيم، والصور، والروابط، والمقترحات العملية. فهو لا يتعامل مع المعرفة كخزائن منفصلة، بل كمجرةٍ من الأفكار المتفاعلة. وهنا يكمن أساس التصادم الحالي بين مناهج تُصنّف المعرفة لتضبطها وتقيّدها، وبين ذكاءٍ صناعي يُحرّر المعرفة ويُعيد تشكيلها على نحوٍ متداخل. فهو لا يفهم كيف يُنتظر من طالب أن ينمو في بيئة تعليمية تُلزمه بالإجابة داخل حدود مادة واحدة؟ وكيف لطفلٍ يُفكّر بطبيعته بطريقة استكشافية، أن يُجبر على تقطيع أسئلته وفق جدول الحصص؟ نعم، لقد بدأ العالم بالفعل بتجاوز جدران المواد الدراسية، بعدما أدرك أن تقسيم المعرفة إلى وحداتٍ منفصلة لم يعد يخدم عقل الطفل، ولا يُشبه طريقة تفكير الإنسان في القرن الحادي والعشرين. ففي فنلندا مثلا، لم تعد الفيزياء أو الجغرافيا أو الفنون تُدرّس كمقرراتٍ منفصلة، بل تُدمج ضمن مشروعاتٍ متعددة التخصصات تتناول قضايا حقيقية من الواقع. وفي كندا ونيوزيلندا، أصبح المنهج ينطلق من الظواهر أو الأسئلة الكبرى، لا من المواد، فتتداخل الرياضيات مع الفنون، والعلوم مع التاريخ، ضمن سياقٍ متكامل يُحفّز الفهم ويغذي الفضول. هذه الدول لم تعد ترى في جدران المواد إلا عوائق ذهنية، وبدأت تُعيد تصميم تعليمها ليُشبه العقل البشري أكثر من أن يُشبه فهرس كتاب. قرأت عام 2011 عن مفهوم «التعلّم بعمق» (Learning in Depth)، لأدرك حينها فاقِدي التعليمي الخاص. فهذا النوع من التعلّم هو التعلّم الحقيقي، ونعم، وجود الذكاء الاصطناعي له تأثيرٌ ضخم في تحقّق هذا المفهوم العميق، والذي أراه – دون مبالغة – أصل كل تعلّم حقيقي. فهذا المفهوم لا يتعلق بكمية المعلومات التي يحفظها الطالب، بل بجودة العلاقة التي يبنيها مع المعرفة. في هذا النموذج، يتعمّق الطفل في موضوعٍ واحد على مدى سنوات، فيُصبح خبيرًا صغيرًا فيه. لا من باب التخصص المبكر، بل من باب إدراك كيف تُبنى المعرفة، وكيف تتصل الأشياء ببعضها البعض عبر الزمن. إنه نوعٌ من التعلّم يجعل الطفل لا يقرأ فقط، بل يُلاحظ، ويُحلّل، ويتساءل، ويضيف شيئًا من نفسه لما تعلّمه، وهو يغوص في عالم اهتماماته، سامحًا له أن يُشكّل فهمًا متشابكًا لا يعترف بالحدود المعرفية. مسؤوليتنا اليوم تكمن في تحضير طلابنا إلى عالم لا يمنحهم الأسئلة في ورقة، بل يرميها عليهم من كل زاوية. ولهذا، فإن تقديم أدوات الذكاء الاصطناعي للطلبة دون تحرير المناهج هو مجرد خداع تقني. هو كأن تمنح الطفل تلسكوبا، ثم تأمره ألا يرى أبعد من نافذة الصف. نحن بحاجة إلى إعادة تصوّر جذري للمناهج: في بنائها، وفي منطقها، وفي شكلها، كي نُصمّم تعلّما يُشبه الحياة نفسها: مترابطًا، فضوليًا، عابرًا للتصنيفات. وفي النهاية، لا يتعلق الأمر بالسؤال: «كيف ندمج الذكاء الاصطناعي في المناهج؟» بل بالسؤال الأعمق: هل نملك منهجًا قادرًا على أن يتعلّم معه؟ وربما حينها، لن يسألنا الطفل مجددًا: «ليش لازم أتعلم هذا؟» ويبقى السؤال: إذا تخلّصنا من الحصص، وحرّرنا المحتوى، وتجاوزنا الجدران.. فأين سيكون الصف؟ أو بالأحرى، هل ما زال الصف مكانًا… أم صار فكرة؟ بينما نغوص أكثر في عالم التعليم المستقبلي، يسعدني أن أواصل معكم هذه الرحلة الفكرية في سلسلة ماذا لو، حيث نتخيّل معًا كيف يمكن أن يتطوّر التعليم في ظل الذكاء الاصطناعي. ربما تبدو هذه الأفكار للبعض وكأنها تأملات فلسفية.. نعم، لكنها فلسفة من النوع الذي يُمهّد الطريق لكل تحوّل كبير. فكل تغيير بدأ بسؤال بسيط، وكل ثورة فكرية وُلدت من تشكيكٍ في المألوف. وحتى نلتقي مجدداً إليكم سؤال المقال القادم: «ماذا لو حمل الطالب غرفته الصفية في عقله؟»


الغد
منذ يوم واحد
- الغد
دراسة: الذكاء الاصطناعي يطوّر تقاليد اجتماعية شبيهة بالبشر
ذكرت دراسة جديدة أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يطور بشكل عفوي تقاليد اجتماعية مشابهة لتلك التي يتبعها البشر، حسبما ذكرت صحيفة "الجارديان". وأظهرت الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس أدفانسيس" (Science Advances) أنه عندما يتواصل وكلاء الذكاء الاصطناعي الذين يعتمدون على النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) مثل ChatGPT في مجموعات دون تدخل خارجي، يمكنهم البدء في تبنّي أشكال لغوية ومعايير اجتماعية بالطريقة نفسها التي يفعلها البشر أثناء تفاعلهم الاجتماعي. وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، أرييل فلينت أشيري: "يختلف عملنا عن معظم الأبحاث السابقة التي تناولت الذكاء الاصطناعي، حيث كانت تلك الأبحاث تعتبر الذكاء الاصطناعي ككيان منفرد، بينما نحن نظرنا إليه ككائن اجتماعي". اضافة اعلان وأضاف أشيري: "معظم الأبحاث حتى الآن كانت تتعامل مع النماذج اللغوية الكبيرة بشكل منفصل، لكن أنظمة الذكاء الاصطناعي في العالم الحقيقي ستتضمن في المستقبل العديد من الوكلاء المتفاعلين معاً". وتابع: "أردنا أن نعرف: هل يمكن لهذه النماذج تنسيق سلوكها من خلال تشكيل تقاليد، وهي اللبنات الأساسية للمجتمع؟ الجواب هو نعم، وما يفعلونه معاً لا يمكن تقليصه إلى ما يفعلونه بمفردهم". وتراوحت مجموعات الوكلاء الفرديين للنماذج اللغوية الكبيرة المستخدمة في الدراسة من 24 إلى 100 وكيل، وفي كل تجربة، تم إقران وكيلين عشوائياً، وطُلب منهما اختيار "اسم" من مجموعة من الخيارات، سواء كان حرفاً أو سلسلة من الرموز. عندما اختار الوكيلان الاسم نفسه، تم مكافأتهما، ولكن عندما اختارا خيارات مختلفة، تم معاقبتهما وعُرضت عليهما اختيارات بعضهما البعض. ورغم أن الوكلاء لم يكونوا على دراية بأنهم جزء من مجموعة أكبر، وأن ذاكرتهم كانت محدودة بتفاعلاتهم الأخيرة فقط، فإن تقليداً مشتركاً في التسمية نشأ بشكل عفوي عبر المجموعة دون وجود حل مُسبق، ما يحاكي المعايير التواصلية في الثقافة البشرية. التشابه مع البشر من جانبه، قال المؤلف المشارك في الدراسة، أندريا بارونشيلي، إن انتشار السلوك يشبه عملية خلق كلمات ومصطلحات جديدة في مجتمعنا. وأضاف بارونشيلي: "الوكلاء لا يقلدون قائداً. كلهم يحاولون التنسيق بنشاط، ودائماً في أزواج. كل تفاعل هو محاولة فردية للاتفاق على تسمية، دون أي رؤية شاملة". وتابع: "إنه يشبه مصطلح (Spam). لم يتم تعريفه رسمياً، ولكن من خلال جهود التنسيق المتكررة، أصبحت التسمية العالمية للبريد الإلكتروني غير المرغوب فيه". كما لاحظ الفريق تكوّن تحيزات جماعية بشكل طبيعي لا يمكن تتبعها إلى وكلاء فرديين. وفي تجربة أخيرة، تمكنت مجموعات صغيرة من وكلاء الذكاء الاصطناعي من توجيه المجموعة الأكبر نحو تقليد تسمية جديد. وتم الإشارة إلى ذلك على أنه دليل على ديناميكيات الكتلة الحرجة، حيث يمكن للأقلية الصغيرة، ولكن المصممة أن تؤدي إلى تغيير سريع في سلوك المجموعة بمجرد أن تصل إلى حجم معين، كما يحدث في المجتمع البشري. ورأى بارونشيلي أن الدراسة "تفتح أفقاً جديداً في أبحاث أمان الذكاء الاصطناعي. إنها تُظهر عمق تداعيات هذه الفئة الجديدة من الوكلاء الذين بدأوا في التفاعل معنا، وسيسهمون في تشكيل مستقبلنا". وأردف بالقول: "فهم كيفية عملهم هو المفتاح لقيادة تعايشنا مع الذكاء الاصطناعي، بدلاً من أن نكون خاضعين له. نحن ندخل إلى عالم حيث لا يقتصر الأمر على أن الذكاء الاصطناعي يتحدث فقط، بل يتفاوض، ويتناغم، وأحياناً يختلف بشأن السلوكيات المشتركة، تماماً كما نفعل نحن".- وكالات