
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتوصلان إلى اتفاق تجاري
وبموجب الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه «أكبر اتفاق على الإطلاق»، سيتم فرض رسوم بنسبة 15 في المائة على سلع الاتحاد الأوروبي الداخلة إلى الولايات المتحدة، ومنها السيارات ومشتريات أوروبية كبيرة من الطاقة والمعدات العسكرية الأميركية.
ترمب يستمع إلى ما تدلي به رئيسة المفوضية الأوروبية (أ.ف.ب)
وتُمثّل هذه الصفقة مكافأةً كبيرةً قبل الموعد النهائي لفرض الرسوم، الذي حدده ترمب في الأول من أغسطس (آب)، نظراً لكون الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أكبر شريكين تجاريين لبعضهما البعض بفارقٍ كبيرٍ، ويمثّلان ثلث التجارة العالمية. في عام 2024، وصلت تجارة السلع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى ما يقرب من تريليون دولار، مما يجعل الاتحاد الأوروبي؛ الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة.
وقال ترمب بعد محادثاته مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في تيرنبيري باسكتلندا، إن الاتحاد الأوروبي وافق على شراء طاقة أميركية بقيمة 750 مليار دولار، وانه سيشتري كميات هائلة من المعدات العسكرية من الولايات المتحدة.
وتابع قائلا: «الاتحاد الأوروبي وافق على استثمار 600 مليار دولار إضافية في الولايات المتحدة».
فيما قالت فون دير لاين، إنه تم الاتفاق على فرض رسوم جمركية بنسبة 15في المائة في جميع المجالات، موضحة أن الاتفاق سيجلب الاستقرار.
ردة فعل فود دير لاين على ما يصرح به ترمب (أ.ف.ب)
وكان ترمب هدّد في في 12 يوليو (تموز) بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المائة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول الموعد النهائي الذي ينتهي يوم الجمعة. وستُضاف هذه الرسوم إلى الرسوم الجمركية البالغة 25 في المائة على السيارات وقطع غيارها، و50 في المائة على الصلب والألمنيوم، المفروضة بالفعل.
وفي حديثه إلى الصحافيين خلال لقائه فون دير لاين قبل اجتماعهما المغلق، طالب ترمب بتجارة أكثر عدلاً مع الاتحاد الأوروبي، ومهدداً بفرض رسوم جمركية باهظة لتحقيق ذلك، مع إصراره على ألا تقل ضرائب الاستيراد الأميركية عن 15 في المائة.
فيما دعت فون دير لاين، إلى إعادة التوازن في التجارة الثنائية التي تُقدر بمليارات الدولارات بين الشريكين الحيويين. وفي حديثها للصحافيين، وضعت هي وترمب فرص التوصل إلى اتفاق بنسبة 50 - 50 مع اقتراب الموعد النهائي للبيت الأبيض يوم الجمعة.
ترمب وفون دير لاين في مستهل لقائهما (رويترز)
قال ترمب: «هذا الاتفاق أكبر من أي اتفاق آخر». وأشار إلى إمكانية إبرام اتفاق في وقت قصير. ووصف فون دير لاين بأنها «تحظى باحترام كبير»، وكان لقاؤه بها في ملعب تيرنبيري للغولف، حيث كان يلعب في الصباح، شرفاً كبيراً. قال الرئيس الجمهوري إن «نقطة الخلاف الرئيسية» كانت «العدالة».
وألمح ترمب إلى أن أي اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يجب أن «يخفض» معدل الرسوم الجمركية المقرر حالياً والبالغ 30 في المائة. وخلال تصريحاته أمام وسائل الإعلام، يوم الأحد، أشار إلى اتفاق أميركي حديث مع اليابان حدد معدلات الرسوم الجمركية على العديد من السلع بنسبة 15 في المائة، واقترح أن يوافق الاتحاد الأوروبي على اتفاق مماثل.
وعندما سُئل عما إذا كان مستعداً لقبول معدلات رسوم جمركية أقل من ذلك، أجاب «لا».
وقبل اجتماع ترمب وفون دير لاين، عقد مفاوضو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي محادثات نهائية بشأن الرسوم الجمركية التي تواجه قطاعات حيوية مثل السيارات والصلب والألمنيوم والأدوية.
وسافر الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، إلى أسكوتلندا يوم السبت، ووصل مفوض التجارة بالاتحاد الأوروبي ماروس سيفكوفيتش صباح الأحد. وصرّح لوتنيك لبرنامج «فوكس نيوز صنداي» بأنّ الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى فتح أسواقه أمام المزيد من الصادرات الأميركية لإقناع ترمب بخفض الرسوم الجمركية المُهدّد بها، والمُقرر تطبيقها في الأول من أغسطس.
في وقت سابق من هذا الشهر، بدا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قريبان من التوصل إلى اتفاق، لكن ترمب هدّد بدلاً من ذلك بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 في المائة. تغير الموعد النهائي لإدارة ترمب لبدء فرض الرسوم الجمركية في الأسابيع الأخيرة، لكنه الآن ثابت، كما تُصرّ الإدارة.
«لا تمديدات، لا فترات سماح. في الأول من أغسطس، تُحدَّد الرسوم الجمركية، وستُطبَّق، وستبدأ الجمارك في تحصيل الأموال، وننطلق»، هذا ما صرّح به لوتنيك لبرنامج يوم الأحد. وأضاف، مع ذلك، أنه حتى بعد ذلك «لا يزال بإمكان الناس التحدث مع الرئيس ترمب. أعني، إنه دائماً على استعداد للاستماع».
ومن المتوقع أن يلتقي ترمب، اليوم الاثنين، رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث سيحاول الأخير الضغط على الرئيس الأميركي لتسريع التوصل إلى اتفاق نهائي لخفض الرسوم الجمركية على الصلب البريطاني. وقال ترمب إنه سيلتقي ستارمر لـ«تحسين صفقة التجارة التي توصلنا إليها».
وقد أدت اتفاقية التجارة التي كشف عنها ترمب في الثامن من مايو (أيار) إلى خفض التعريفات الجمركية على شركات صناعة السيارات البريطانية وشركات تصنيع الطائرات، لكن منتجي الصلب اضطروا إلى الانتظار لفترة أطول بسبب المخاوف الأميركية بشأن سلاسل التوريد البريطانية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 16 دقائق
- الشرق الأوسط
إسرائيل والغضب العالمي
حين ترى «جلد» أي إسرائيلي يجرؤ على الظهور في الإعلام الغربي يُحاول أن يبرر ما تقوم به حكومته، يقابله عجز وإفلاس في القدرة على الدفاع والرد، ويستمر الجلد الفاخر على جميع القنوات بكل توجهاتها وخطوطها السياسية، بما فيها التي كانت بيتاً للصهيونية فيما مضى، فاعلم أن الرصيد الضخم الذي تم تجميعه طوال الأعوام السابقة من التعاطف انتهى. ثمانون عاماً احتفظ اليهود الغربيون، سواء الأوروبيون منهم أو الأميركيون، برصيد «تعاطفي» دولي حماهم طوال الفترة السابقة وأعطاهم الحق في أي رد فعل للدفاع عن أنفسهم، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م وهم يحصدون التعاطف باعتبارهم ضحايا للاضطهاد الإثني وحملات التطهير والإبادة التي جرت في أوروبا، وجمعوا رصيداً تعاطفياً كبيراً جداً من جريمة الهولوكوست التي ذهب ضحيتها 6 ملايين يهودي أُحرقوا على يد النازيين الألمان. الرصيد جُمع بشكل مدروس وممنهج، ولم يكن مجرد اجتهادات فردية، بل يقف وراء حجم الرصيد أذكى العقول وأغناها في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا، والحق يقال فإن معاناتهم لا يمكن لأي بشر أن يقلل من شأنها، فنحن هنا نتحدث بمقاييس إنسانية صرفة، إنما كانت الصهيونية العالمية منظمة وممنهجة بشكل يُدرس وتحوّلت إلى أنموذج تتعلم منه الأقليات ومضرب للمثل، وعلى قدر من الذكاء ودرجة عالية من المهنية، أحسنوا توظيف معاناتهم كي تشكل لهم فيما بعد مظلةً تحميهم وتكفيهم طوال السنوات الماضية منذ أسسوا دولة إسرائيل إلى اليوم. كان الرصيد كافياً للتبرير، ولمنح العذر والتغطية على كل ما ارتكبوه من بداية الاحتلال 1948م إلى يومنا هذا، خصوصاً أنَّ تعبئة الرصيد عملية ظلت مستمرة بلا توقف طوال تلك الفترة مستغلةً كل ما يمكن استغلاله، بما فيها القصور المهني العربي الذي لم يعرف كيف يخترق الحاجز، ويكشف انتهازية وسوء استغلال الصهيونية للمعاناة الإنسانية لليهود. سخّرت التنظيمات الصهيونية إمكانات هائلةً حوّلت الرصيد إلى فائض سمح لها بتهديد من يسائلهم أو يتجرأ أن يتعاطف مع الفلسطينيين. إنما وهنا المفاجأة تم استنزاف الرصيد بسرعة فائقة لم يكن أحدٌ يتصور أن رصيداً تم تجميعه في ثمانين عاماً تم استنوافه خلال عامين فقط، منذ أن بدأ نتنياهو انتقامه المشروع في نظر العالم لما حدث في السابع من أكتوبر, ومنذ اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي جميع قلاع وحصون وسدود وأسوار الصهيونية التي حجبت ولثمانين عاماً ما كانت إسرائيل ترتكبه من مجازر. اليوم جرد نتنياهو واليمين الإسرائيلي جميع الإسرائيليين، مدنيين وإعلاميين وعسكريين، من غطائهم المالي فعلياً ومعنوياً، ليس هناك رصيد تعاطفي يمكن أن ينقذ الإسرائيليين من غضب عالمي لم يسبق له مثيل، حتى التهديد بمعادة السامية انتهى رصيده وأفلس. ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى ببث مباشر من الداخل من مشاهد يبين حجم الفظائع المروعة من تجويع وقتل وحشي طغى على كل رصيد حتى رصيد الهولوكوست، وهو الأكبر. أي مدافع عن إسرائيل اليوم يسمع هذه العبارة: رصيدك غير كافٍ لتبرير جرائمك.


الشرق الأوسط
منذ 16 دقائق
- الشرق الأوسط
المسكّنات وحدها لا تكفي
اشتعلت الحروب في أكثر من بلد «شرق أوسطي»، وكانت إسرائيل طرفاً ثابتاً فيها، فقد واجهت «حزب الله» في لبنان وصفَّت معظم قادته، وفكَّكت جانباً كبيراً من قدراته العسكرية من دون أن تقضي عليه بشكل كامل، وما زال الحزب محور النقاش داخل لبنان وخارجه، وما زال المبعوث الأميركي توم برّاك مستمراً في جولاته المكوكية من أجل الوصول إلى اتفاق يتم فيه تسليم سلاح «حزب الله»، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التي تحتلها داخل لبنان والبدء في عملية الإعمار. من الوارد أنَّ يحسم الاتفاق مع «حزب الله» مسألة تسليم معظم سلاحه للدولة اللبنانية، لكنَّه لن يحسم قضية «آيديولوجيا الحزب» ولا طموحاته في العودة للصيغة القديمة التي سبقت الحرب، ولا في مناكفة بيئته الحاضنة مؤسسات «العهد الجديدة»، بخاصة أنَّها اعتادت أن تؤسس كيانات موازية للدولة اللبنانية ومدعومة من الخارج، وسيصبح الاتفاق على تسليم سلاح «حزب الله» بداية طريق طويل وشاق لبناء منظومة سياسية لبنانية قادرة على دمج الجانب الأكبر من أنصار الحزب والمتعاطفين معه في المؤسسات الجديدة. صحيح أنَّ المبعوث الأميركي أعلن أن قضية «حزب الله» قضية داخلية لبنانية، إلا أنه ربط «كل شيء» بتسليم السلاح، فلا دعم اقتصادياً ولا إعادة إعمار ولا تسليم للأسرى ولا انسحاب إسرائيلياً كاملاً من الجنوب قبل تسليم السلاح، وهو أمر ما زال يرفضه الحزب. أما «المسكّن الأكبر» فكان في اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعد 12 يوماً من الحرب الدموية التي دمَّرت فيها أميركا وإسرائيل جانباً من منشآت إيران النووية وأضعفت قدراتها على تخصيب اليورانيوم، من دون أن تقضي بالكامل على مشروعها النووي، كما نجحت أميركا في الوقت نفسه في تقليص تهديد الفصائل العراقية التابعة لإيران لقواعدها في المنطقة من دون أن يعني ذلك اختفاء هذه التنظيمات، بل مثَّل إصرار «الحشد الشعبي» على دخول الجيش العراقي تحدياً للموقف الأميركي الرافض لهذه الخطوة ومعه كثير من المكونات العراقية. معضلة «مسكّن» الحرب الإيرانية - الإسرائيلية أنه لم يحل حتى الآن مشكلة البرنامج النووي الإيراني رغم المفاوضات الاستكشافية التي تجريها طهران مع الجانب الأوروبي، وأعلنت عدم تعاونها مع رئيس وكالة الطاقة الذرية، وتمسكت بتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، وهي كلها مواقف تشير إلى أن «مسكّن» إيقاف الحرب ما زال بعيداً عن أن يصبح علاجاً نهائياً يؤدي إلى اتفاق تسوية شاملة يدمج إيران ولو بصورة نقدية في المنظومة العالمية. أمَّا حرب غزة، فرغم أنَّ المعطيات الإقليمية المحيطة تقول إنَّه يجب بدورها أن «تسكن» على الأقل لمدة 60 يوماً، وهو موعد الهدنة المقترحة، فإنَّ عدم رغبة إسرائيل في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق نار يفرض عليها استحقاقات جديدة لا تريد أن تدفعها، بجانب عدم فهم «حماس» لطبيعة توازنات القوى عربياً وإقليمياً ودولياً، جعل الهدنة تتعثر أكثر من مرة. إن قبول «حماس» بعدم حكم قطاع غزة في اليوم التالي لنهاية الحرب لا يحل إشكاليات أخرى تتعلق بسلاحها، وهل ستسلم ما تبقى من سلاحها للإدارة الجديدة في القطاع وستخفي ما يمكن إخفاؤه من أسلحة خفيفة؟ وما هو مستقبل من تبقى من عناصرها ودورهم في القطاع؟ إن تحويل هدنة «تسكين الأوضاع» إلى تسوية شاملة لن يكون إلا باستعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة وإنهاء الاحتلال. سواء عاد وفد التفاوض الإسرائيلي والأميركي لاستكمال المفاوضات في الدوحة أم لا، فإنَّ الهدنة المقترحة تحتاج لكي تصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار والبدء في مسار تسوية سلمية إلى أدوات ضغط جديدة تبدأ في ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإصلاح السلطة والمنظمة وعدم الاكتفاء بحديث الرئيس الفرنسي عن اعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر (أيلول) المقبل والذي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه ليس له قيمة، إنما بضرورة إقناع الإدارة الأميركية بالتدخل الفعال لإتمام «صفقة» تسوية سلمية قائمة على حل الدولتين يطالب بها العالم وترفضها إسرائيل. لا يجب رفض تسكين الأوضاع من حيث المبدأ، ولا يجب النظر باستعلاء إلى أي اتفاق ولو مؤقتاً يحقن الدماء في أي منطقة في العالم وعدّه مجرد «مسكن» لا يحل المشكلة، إنما يجب الوعي أن هذه الاتفاقات أو المسكّنات التي شهدتها المنطقة، سواء مع إيران أو لبنان وربما غزة تفتح الباب للوصول إلى حلول دائمة وجذرية لن تحلها المسكنات إنما يمكن أن تكون خطوة على طريق العلاج الشامل الذي قد يكون جراحياً.


الشرق الأوسط
منذ 16 دقائق
- الشرق الأوسط
أميركا والصين: «تناقض استراتيجي» بين القوتين
بدأ الرئيس ترمب ولايته الثانية بشن حرب تجارية واسعة على الصين، امتدت لاحقاً إلى حلفاء آخرين، تحت شعار حماية الاقتصاد الأميركي واستعادة التوازن التجاري. وقد انطلقت هذه المواجهة بفرض واشنطن رسوماً جمركية جديدة على واردات صينية تتجاوز قيمتها 120 مليار دولار. في المقابل، ردت بكين بفرض رسوم مضادة، حتى تجاوزت النسب المتبادلة على بعض السلع حاجز 100 في المائة. وكان ذلك امتداداً لنهج الرئيس ترمب في الحرب التجارية التي دشنها خلال ولايته الأولى عام 2018، والتي شكّلت تحولاً جذرياً في سياسة واشنطن تجاه الصين، وعكست توجهاً استراتيجياً واضحاً في التعاطي معها. هذا التصعيد الأميركي تجاه الصين لا يمكن فهمه بمعزل عن صعودها اللافت، أولاً على المستوى الاقتصادي، ثم لاحقاً على المستوى التكنولوجي. فبينما لم يكن الاقتصاد الصيني يتجاوز 6 في المائة من حجم الاقتصاد الأميركي في مطلع الستينات، أصبح اليوم يتجاوز 50 في المائة منه. ولو استمرت معدلات النمو على وتيرتها الحالية، فإن الاقتصاد الصيني، بحسب تقديرات كثير من المحللين، مرشح لتجاوز نظيره الأميركي خلال عقد من الزمن على أقصى تقدير. وهو ما أدى دون شك إلى إرباك صناع القرار في واشنطن، ودفعهم إلى إعادة تقييم العلاقة مع بكين. وقد دفع هذا التحول، في وقت مبكر، إدارة أوباما عام 2009، إلى إطلاق «الحوار الاستراتيجي - الاقتصادي» مع الصين، في محاولة لاحتواء التراجع النسبي في موقع الولايات المتحدة ضمن النظام الاقتصادي العالمي. وبينما كان التنافس بين واشنطن وبكين يدور على الزعامة الاقتصادية، شهد العقد الماضي تحولاً أكثر خطورة، مع دخول الصين بقوة إلى ميادين التكنولوجيا المتقدمة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي، وتقنيات الجيل الخامس، والحوسبة الكمية، وأشباه الموصلات. إذ لم تعُد بكين مجرد ورشة للعالم أو منافس تجاري؛ بل باتت عبر شركات كبرى مثل «هواوي» و«علي بابا» وغيرهما، تسعى لإعادة رسم خريطة الابتكار العالمي ونقل مركز ثقله من الغرب إلى الشرق. وقد دفع هذا التقدم السريع، الولايات المتحدة، إلى دق ناقوس الخطر، إدراكاً منها أن من يمتلك زمام التفوق في هذه المجالات لا يحدد فقط ملامح الاقتصاد العالمي؛ بل يعيد أيضاً صياغة موازين القوى الدولية في جوهرها. وعليه، فإن استمرار الصعود الصيني، اقتصادياً وتقنياً، لا يعد مجرد تحول في موازين التجارة العالمية؛ بل هو بحسب رأي محللين أميركيين بارزين، أمثال فريد زكريا، مؤشر واضح على تشكل نظام دولي متعدد الأقطاب. ويضيف باراغ خانا، أحد أبرز منظري هذا النظام الجديد، أن القرن الحادي والعشرين سيكون «قرناً آسيوياً»، تقوده شبكات من التكامل والتنافس بين قوى متعددة، وليس صراعاً ثنائياً بين واشنطن وبكين. نحن أمام نظام عالمي أكثر تعقيداً وتعدداً، ترسم ملامحه بالربط والابتكار، لا بالقوة المنفردة. ومع ازدياد الزخم الذي فرضه الصعود الصيني، وتنامي القلق الأميركي من التغييرات المحتملة في بنية النظام الدولي، برز اتجاهان فكريان رئيسيان داخل الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع الصين. الأول يدعو إلى إعادة التوازن في العلاقة من خلال ما يعرف بـ«الاستيعاب التعاوني»، ويرى أن صعود الصين أمر لا يمكن تجاهله أو منعه، وأن الأفضل للولايات المتحدة هو دمج بكين في النظام الدولي القائم، ودفعها لتكون شريكاً مسؤولاً يلتزم بالقواعد، بدلاً من الدخول في مواجهة مباشرة. يتصدر هذا الاتجاه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق، الذي شدد في كتابه «عن الصين»، على ضرورة تقبل صعود بكين والتعاون معها، لتفادي صراع مدمر على النفوذ. ويؤمن كيسنجر بأن العلاقة بين البلدين يجب أن تبنى على التفاهم والحوار، لا على منطق الغلبة والمواجهة الصفرية، التي يرى أنها قد تقود إلى حرب كارثية. ويقترب من هذا الطرح توماس كريستنسن، أستاذ العلاقات الدولية ونائب مساعد وزير الخارجية الأميركي سابقاً، الذي يرى أن التنافس لا يمنع التعاون في ملفات عالمية كبرى مثل المناخ والصحة. وقد انعكست هذه المدرسة بشكل واضح، في سياسات عهدي كلينتون وأوباما، حيث تم دمج الصين في منظمة التجارة العالمية، وأطلق الحوار الاستراتيجي - الاقتصادي معها عام 2009. في المقابل، يرى الاتجاه الثاني أن الصين تمثل تهديداً استراتيجياً طويل الأمد، وأنها تسعى ليس فقط إلى توسيع نفوذها الإقليمي؛ بل إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يخدم مصالحها. هذه المدرسة تعرف بـ«المواجهة الاستراتيجية»، ويتصدرها باحثون ومسؤولون سابقون مثل أرون فريدبرغ من جامعة برنستون، الذي عمل ضمن فريق التخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي. في كتابه «صراع على السيادة: الصين وأميركا والمعركة على آسيا»، يرى فريدبرغ أن بكين لا تسعى فقط إلى التنمية؛ بل إلى الهيمنة، وأن على واشنطن أن تواجه هذا التمدد بحزم، خصوصاً في منطقة المحيط الهادئ. ويستشهد في هذا السياق بمقولة رئيس وزراء سنغافورة الأسبق لي كوان يو: «إذا لم تصمد في المحيط الهادئ، فلن تكون قوة عالمية»، ليخلص إلى أن السماح لصين غير ليبرالية بأن تفرض نفوذها في أكثر مناطق العالم حيوية، سيكون تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة وقيمها على مستوى العالم. ويبدو أن إدارة الرئيس دونالد ترمب قد حسمت موقفها مبكراً تجاه الصين، حيث مالت بوضوح إلى تبني مدرسة المواجهة، متجاوزة بذلك نهج التعاون والاحتواء الذي طبع سياسات الإدارات الأميركية السابقة. لم تعد بكين تعامل بوصفها مجرد شريك اقتصادي صاعد؛ بل بوصفها قوة طامحة لإعادة تشكيل النظام الدولي، وتحدي التفوق الأميركي في أكثر من مجال. هذا التحول الاستراتيجي لم يقتصر على الإجراءات الاقتصادية والتجارية؛ بل شمل أيضاً إعادة ترتيب أولويات الأمن القومي الأميركي، من خلال التركيز على تقليص الاعتماد على الصين، وتعزيز التحالفات الإقليمية في آسيا، وتحفيز سلاسل توريد بديلة، واحتواء الطموحات الصينية في مجالات التقنية والصناعة والتمويل. وبذلك، دخل التنافس بين واشنطن وبكين مرحلة ما يمكن وصفه بـ«التناقض الاستراتيجي المستدام»؛ فلم يعُد الخلاف ظرفياً أو قابلاً للاحتواء السريع؛ بل بات سمة بنيوية من سمات النظام الدولي الجديد. وأخيراً، أعتقد بالنسبة لدول الخليج، يبقى الرهان على سياسة متوازنة تتيح تعظيم الفرص مع الجانبين وحماية المصالح، مع الحفاظ على استقلالية القرار وتعزيز الاستقرار الإقليمي في بيئة دولية شديدة التنافس.