
28 أبريل 1912..عندما تم تعيين ليوطي مقيما عاما بالمغرب
مدة القراءة: 5'
في مثل هذا اليوم من سنة 1912، باشر الجنرال ليوطي (ازداد في 17 نونبر 1854 وتوفي يوم 27 يوليوز 1934) مهامه كأول مقيم عام فرنسي في المغرب. وجاء ليوطي إلى المغرب بعد سنوات قضاها في مدغشقر ثم وهران بالجزائر، ليمارس مهام المقيم العام لـ 14 سنة كاملة. وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي بالمغرب.
وعندما وصل ليوطي إلى عاصمة المغرب آنذاك فاس، اصطدم فورا بثورات القبائل التي حاصرت المدينة احتجاجا ضد توقيع معاهدة الحماية.
وبعد يومه الأول في المدينة كتب إلى شقيقته بحسب ما أوردت مجلة " زمان" قائلا "وصلت إلى هنا (فاس) أمس، ثم التقيت بالسلطان. في المساء، تعرضت المدينة لهجوم هائل من شرقها وشمالها. صددنا المهاجمين بحلول ظهر اليوم الموالي، بعد أكثر من 12 ساعة من المقاومة الشرسة، تسللوا خلالها إلى داخل المدينة، فاضطررنا إلى حرب الشوارع، ومطاردتهم خطوة خطوة، دارا بدار. كانت خسائرنا كبيرة جدا".
وبعد أشهر من تواجده في المغرب كتب رسالة أخرى إلى الكونت ألبير دومان عضو البرلمان الفرنسي، يشرح فيها خطته لاحتلال المغرب قائلا "لو أمدتني فرنسا بمائة ألف جندي لن يجدي الأمر شيئا، ستجمد حركتهم. هذه البلاد لا يمكن معالجتها بالقوة فقط. الطريقة المعقولة، والوحيدة، والأنسب، والتي أرسلتني فرنسا من أجلها، أنا وليس شخصا آخر غيري، هي اللعب الدائم على حبلي السياسة والقوة".
بعد تحليله للوضع المغربي قرر ليوطي اعتماد "سياسة إسلامية" من أجل إحكام قبضته على البلاد، واعتمدت سياسة المقيم العام الفرنسي بحسب ما يورد المؤرخ المغربي جامع بيضا في مقال له على مبدأ التوقير والاحترام، تجاه كل ما يتعلق بـ"الأهالي": ديانتهم، عاداتهم المحلية، مؤسسات حكمهم، ومؤسساتهم الاجتماعية التقليدية٬ من قضاء وأحباس وتعليم. وكان الهدف من ذلك أن "لا يشعروا بأنهم يعيشون٬ مع الوجود الفرنسي".
وهكذا فقد منع ليوطي المغاربة من ولوج الحانات، و أمر بتجريم "السكر العلني"، ومنع غير المسلمين من دخول المساجد، وحظر التبشير...
وفي تعليق منه على "السياسة الإسلامية" التي انتهجها في المغرب قال الجنرال ليوطي بحسب ما أورده الباحث دانيال ريفي Daniel Rivet صاحب كتاب "ليوطي ومؤسسة الحماية الفرنسية بالمغرب"، (قال) "لم أتمكن حتى الآن من إحكام القبضة على المغرب، إلا بفضل سياستي الإسلامية. إني متأكد من جدواها، وأطلب بإلحاح ألا يفسد علي أحد لعبتي".
أتت سياسة ليوطي أكلها، ويتحدث بعض المؤرخين بحسب مقال منشور في مجلة الآن عدد 6 إلى 12 أبريل 2012، كيف ارتفعت الدعوات من على منابر المساجد بالشفاء لليوطي بعد إصابته بالتهاب كبدي سنة 1923، بل شاع بين المغاربة حينها أن المقيم العام اعتنق الاسلام.
لم يتوقف ليوطي عند هذا الحد، فقد نجح بفضل سياسته الإسلامية في تجنيد العلماء، الكبار منهم خصوصا، أمثال أحمد بن المواز وأبي شعيب الدكالي وعلماء من مراكش، واستصدر منهم فتاوى تبيح اصطفاف المغاربة مع فرنسا في الحرب العالمية الأولى، علما أنهم سيقاتلون خلال هذه الحرب دولة إسلامية، هي الدولة العثمانية.
وتم تحت إمرته إخضاع السهول الأطلسية وجبال الأطلس المتوسط وتمت المواجهة ضد قبائل الريف. كما أنه كان يروج أفكار فرنسا التي ترى أن هذه الأعمال العسكرية تدخل في إطار سياسة التهدئة أي أنها ليست عملية غزو بل إخضاع لقبائل متمردة على السلطان.
وبذلك يكون قد نجح في اعتماد سياسة جنبت فرنسا كثيرا من الخسائر البشرية والمادية عن طريق استمالته لكبار رجال الدين والقواد الذين أطلق أيديهم في مناطق شاسعة وسمح لهم باستغلالها حسب أهوائهم شريطة ضمان الأمن داخلها.
وبعد انتهاء مهتمه على رأس الإقامة العامة، عاد ليوطي إلى فرنسا، لكن الحنين ظل يشده إلى المملكة الشريفة. عندها، رسم ليوطي مخططا لضريحه وأوصى بدفنه في المغرب، وأن تكتب على قبره بحسب ما أوردت مجلة "الآن" في مقالها العبارة التالية: "هنا يرقد لويس هوبير ليوطي، أول مقيم عام لفرنسا في المغرب، المتوفى في رحم الديانة الكاثوليكية التي حصل، في إطار إيمانه العميق بها، على آخر الأسرار المسيحية، والذي كان يحترم بعمق تقاليد الأسلاف والدين الإسلامي الذي حافظ عليه ومارسه سكان المغرب، حيث أراد أن يرقد، بين رحابهم، في هذه الأرض التي أحبها بشدة".
ليوطي والعاصمة والعلم
بعد نجاح الجنرال ليوطي في دفع السلطان مولاي حفيظ إلى الاستقالة (1908-1912) وتعويضه بأخيه مولاي يوسف (1912-1927) دفع هذا الأخير بحسب ما يشير بعض المؤرخين إلى توقيع ظهير متعلق بالعلم المغربي في 17 نونبر من سنة 1915، وجاء في الظهير "بسبب النماء الذي تعرفه المملكة الشريفة وبإشعاعها ومن أجل إعطائها رمزا يميزها بين الأمم الأخرى ولكي لا يكون خلط بينه وبين الأعلام التي أبدعها أسلافنا والتي تعتمدها البحرية قررنا تمييز علمنا بتزيينه في الوسط بخاتم سليمان ذو خمس فروع باللون الأخضر".
ومن ذلك التاريخ تم اعتماد علم للمغرب وهو العلم المكون من لواء أحمر تتوسطه نجمة خماسية متشابكة خضراء.
وإضافة إلى العلم المغربي كان للجنرال ليوطي دور أساسي في نقل عاصمة المغرب من فاس إلى الرباط. فبعدما كانت مدينة الرباط مهملة وشبه مهجورة، قرر المقيم العام الفرنسي انتشالها من براثن النسيان، واختارها عاصمة للبلاد.
ولم يكن اختيار الرباط عاصمة جديدة للدولة المغربية اعتباطيا، فقد أراد ليوطي من وراء ذلك تهميش مدينة فاس التي تحمل رصيدا تاريخيا وشرعية رمزية، وهي المدينة التي كانت تشهد احتجاجات تتخذ في عدة أحايين طابعا عنيفا ضد المستعمر الفرنسي.
كما أراد ليوطي من وراء قراره إبعاد السلطان المغربي عن تإثيرات رفض سكان فاس لسلطات الحماية.
وهكذا فقد تم استقدام السلطان مولاي يوسف إلى العاصمة الرباط، حيث تم اختيار منطقة تواركة لبناء القصر الملكي، كما أمر ليوطي معمارييه ببناء مختلف الإدارات المركزية المدنية والعسكرية والقضائية...
ورغم نهاية عهد الحماية ورحيل ليوطي عن البلاد، إلا أن قراراته واختياراته بقيت صامدة في وجه الزمن، وكتب لها الاستمرار إلى اليوم، فقوانينه "الإسلامية" مثل تلك التي تنص على تجريم الإفطار العلني خلال شهر رمضان، أو منع بيع الخمور لغير المسلمين، مازالت معتمدة إلى اليوم، كما أن العلم المغربي لا يزال هو نفسه، فضلا أن الرباط شهدت بعد الاستقلال بناء العديد من المرافق التي حولتها إلى عاصمة عصرية للبلاد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ 6 أيام
- المغرب اليوم
أنور السادات الجنرال الداهية
الضباط المصريون الذين قادوا حركة الجيش المصري ضد الملك فاروق، في 23 يوليو (تموز) سنة 1952، حملوا رتباً عسكرية متوسطة بين الرائد والمقدم. في ساعات قليلة تمكنوا من السيطرة على مصر، وأخرجوا الملك من البلاد. شكَّلوا مجلساً لقيادة الثورة برئاسة اللواء محمد نجيب. كانت خبرتهم السياسية محدودة، ودخلوا مبكراً في حراك سياسي واجتماعي واقتصادي داخلي وخارجي. اللواء نجيب كان الورقة التي كُتب عليها عنوان حركة الضباط، بحكم ثقل رتبته العسكرية وحضور اسمه، بصفته شخصية وطنية غير محسوبة على الملك فاروق. بعد إبعاد اللواء محمد نجيب عن حلبة السلطة، تقاسم أعضاء مجلس قيادة الثورة المناصب الوزارية، والمراكز الإدارية والأمنية والسياسية. شخص واحد من بينهم احتفظ بكرسي الظل، خلف جمال عبد الناصر الذي كان يسميه المعلم، وهو البكباشي أنور السادات الضابط الوحيد من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي سُجن في العهد الملكي، وطُرد من الجيش، ووُجهت له تهمة الاشتراك في اغتيال الوزير أمين عثمان. هام السادات على وجهه متنكراً، ومارس أعمالاً متواضعة من أجل لقمة العيش. لكنه لم ييأس أو يُحبط، وتمكن بدهائه أن يعود إلى الجيش، ملتحقاً بالحرس الملكي الحديدي. ضمّه جمال عبد الناصر إلى الخلية الأولى في تنظيم الضباط الأحرار. في ليلة القيام بالثورة، ذهب مع زوجته جيهان إلى السينما، وافتعل مشاجرة مع رجل يجلس بجانبه في قاعة العرض، واشتكاه في قسم للشرطة؛ تحسباً لما قد يحدث إذا فشلت الحركة وتم القبض على شركائه في التنظيم العسكري. نجحت الحركة وقام أنور السادات بإذاعة بيانها الأول. في ملاسنة بينه وبين زميل له في مجلس قيادة الثورة، قال له لقد تهربت ليلة الثورة وافتعلت معركة في السينما، رد عليه السادات قائلاً، أنا الوحيد بينكم جميعاً الذي دخل السجن لأسباب سياسية. في لقاء طويل لي بطرابلس مع خالد محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة المصرية، قال، لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر زعيماً كبيراً، أما الرئيس أنور السادات، فقد كان داهية سياسية دون منازع. لم ينافس على المناصب، وكان يقبل بالمكان الذي يضعه فيه المعلم جمال عبد الناصر طائعاً صامتاً. أعطى ابنه الأول اسم جمال، وكتب له كتاباً بعنوان «يا ولدي هذا عمك جمال». انفرط عقد مجلس قيادة الثورة، بعدما صار جمال عبد الناصر الزعيم الأوحد، وله وحده القرار، ولم يبق معه من الأعضاء سوى أنور السادات وحسين الشافعي. عيّن حسين الشافعي نائباً له. بقرار مفاجئ عيّن عبد الناصر السادات نائباً له، دون أن يحدد من هو النائب الأول ومن هو الثاني. رشحت أخبار تقول إنَّ جمال عبد الناصر وصلته معلومات استخباراتية، قبيل مغادرته إلى الرباط للمشاركة في مؤتمر القمة العربي في شهر ديسمبر (كانون الأول) سنة 1969، تفيد بأنه قد يتعرض لمحاولة اغتيال في الرباط، فقرر تعيين السادات نائباً له. لكن أعتقد أن تسريب هذا التبرير، كان الهدف منه الغمز في مدى ثقة عبد الناصر في قدرات أنور السادات القيادية، وكان أحد الصحافيين المصريين الكبار، المقرب من جمال عبد الناصر، هو مدبّج ذاك الغمز. السادات كان هو الأقرب إلى الرئيس جمال عبد الناصر في شهوره الأخيرة، حين تمكّن منه المرض، ونالت منه جروح الهزيمة. يقضي جمال عبد الناصر وزوجته تحية أمسياته مع السادات وزوجته جيهان في بيته. السادات يطوف به في تاريخ الحروب بما فيها من انتصارات وانكسارات، والقادة العظماء الذين ينهضون بقوة من رماد الضربات. خسارة ونستون تشرشل عندما كان وزيراً للبحرية البريطانية في الحرب العالمية الأولى في موقعة غاليبولي بتركيا، وانسحابه مهزوماً في موقعة دنكرك، في الحرب العالمية الثانية، وفي الختام قاد بريطانيا وحلفاءها إلى النصر على هتلر وموسوليني. رسما معاً رؤية المستقبل السياسية، واتفقا على أن الحل في الصراع مع إسرائيل، لا بد أن يكون سياسياً، وأن إزالة آثار العدوان واستعادة سيناء هي هدف مصر الأكبر، وأن أميركا بيدها أوراق الحل. في مثل هذا الشهر من سنة 1971، كنتُ طالباً بجامعة القاهرة، وعشت معركة السادات الأولى، مع ما سُمي مراكز القوى، وهم مجموعة الرئيس جمال عبد الناصر. توافقوا في البداية على دعم تولي أنور السادات رئاسة الجمهورية بعد رحيل عبد الناصر. حسبوه ضعيفاً ومن السهل السيطرة عليه وتوجيهه. لكنه يوم الخامس عشر من مايو (أيار) في تلك السنة تمكن بدهائه، من عزلهم جميعاً وهم من كانوا يتحكمون في كل مفاصل الدولة، وألقى بهم في السجون، وشكَّل منظومة عهده الجديد السياسية والعسكرية والإدارية. بدأ في التعبئة الشاملة للمعركة مع إسرائيل، وخاض معها معركة التضليل الاستراتيجي. وفي السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، تألق الجنرال أنور السادات وهزَّ العالم بتدمير خط بارليف الإسرائيلي، واندفاع الجيش المصري إلى سيناء. وبالدهاء والجرأة السياسية استعاد كامل سيناء. قال سياسي إسرائيلي: لقد استغفلنا الرئيس أنور السادات، أعطانا ورقة وأخذ مقابلها شبه قارة سيناء.


أخبارنا
١٦-٠٥-٢٠٢٥
- أخبارنا
حل حزب العمال الكردستاني : أي تأثير على مرتزقة البوليزاريو؟
شكل قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه خلال مؤتمره الأخير ووضع سلاحه ووقف العمل المسلح في مواجهة تركيا حدثا مفاجئا وبارزا على الساحة الدولية كما أنه سيعيد توزيع الأدوار على المنطقة الحدودية بين تركيا، سوريا، العراق وإيران على اعتبار علاقة هذا الحزب السياسي- الحركة المسلحة مع مجموعة من الحركات المشابهة رغم تغليفها في طابع سياسي في المنطقة سالفة الذكر. وكان حزب العمال الكردستاني قد تأسس سنة 1978 على يد مجموعة من الطلاب اليساريين الماركسيين في تركيا بطريقة سرية وبدأ في استقطاب الشباب ليبلغ ذروته في تسعينيات القرن الماضي من حيث عدد المنخرطين والقوة التنظيمية والعسكرية كما أنه كان يشكل علامة فارقة في حركات التحرر العالمية حيث كان يدعو لانفصال إقليم كردستان ككل عن كل الدول التي تتشارك في الحدود من خلال اقتطاع جزء جغرافي من العراق وسوريا وتركيا وإيران وتأسيس دولة كردية بحكومة مستقلة ذات سيادة. إلا أن تاريخ الأكراد في مساعيهم للانفصال لم تكن مرتبطة بتأسيس PKK فقط، وإنما هي ضاربة في التاريخ على الأقل منذ نهاية الحرب العالمية الأولى من خلال المفاوضات مع كمال أتاتورك، وما تلاها من تمردات عنيفة، ثم فيما بعد من خلال النزاع المسلح مع العراق خلال ستينيات القرن العشرين، فترت قليلا بعدها المواجهات لتستعر من جديد سنة 1975 بين الطرفين. لينتقل فيما بعد الصراع إلى تركيا سنوات الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت المواجهات أكثر دموية بسبب تقوية حزب العمال الكردستاني والدعم المالي والعسكري الذي أصبح يتلقاه. وبالغوص في الأسباب الحقيقية وراء اتخاذ الحزب قرار حل نفسه بتوجيه من مؤسسه عبد الله أوجلان وهو وراء القضبان، نجد عدة مسببات أهمها العزلة الجيوسياسية التي أصبح يعاني منها الحزب، بعد تقلص عدد حلفائه بالمنطقة مقارنة مع توسع عدد حلفاء تركيا، خصوصا بعد حملة الحرب على الإرهاب ومواجهة كل الحركات المسلحة. كما أن أربعة عقود من المواجهة المسلحة مع الدولة دون تحقيق حلم تكوين دولة كردية مستقلة تعتبر مدة طويلة تستوجب مراجعة للمنهج المستعمل من طرف الحزب. وكأي تنظيم حي يقوم بتقييم مواقفه ومراجعة أفكاره، فقد قام قياديو الحزب بمراجعة عقيدة الحزب والانتقال من فكرة المواجهة المسلحة إلى الانخراط السياسي لتحقيق الأهداف. دون نسيان تغير البنية المجتمعية للأكراد، الذين أصبحوا يبحثون عن ظروف عيش كريمة ومتطورة بعيدا عن زاوية الهوية المتزمتة، فلا خير لهم في دولة مستقلة قائمة على الهوية الكردية لا تتوفر فيها سبل الرفاهية والعيش الرغيد وتوفر الحقوق السياسية والثقافية والمدنية. بالنظر في تاريخ حركات التحرر التي انتقلت من مواجهة المستعمر إلى الدعوة للانفصال وبلقنة القطع الجغرافية على أساس عرقي أو مذهبي داخل الدولة الواحدة، نجد أن هذا الحركات في طريقها للانقراض، إما عن طريق منحها بعض الحقوق والحرية في التنظيم كما حدث مع كيبيك الكندية وكورسيكا الفرنسية، أو عن طريق الاندثار التام كما وقع مع المنظمة العنيفة إيطا الباسكية في إقليم الباسك الاسباني، ينضاف إليهم اليوم حزب العمال الكردستاني الذي سيؤثر حله على حركات الأكراد في المنطقة ككل وسيدفع بها إلى إيجاد حلول سياسية مع الأنظمة الحاكمة خصوصا في سوريا والعراق. ويبقى أهم تحد أمام السلطات التركية، هو كيفية إدماج هذه الفئة من الشعب في المجتمع ومدى قدرتهم على الانصهار والتماهي مع منظومة تؤمن بالتعدد وتقبل الاختلافات العرقية والمذهبية. لا يمكن إغفال مؤشر مهم هو تضييق الخناق على ما تبقى من حركات المرتزقة الانفصاليين خصوصا جبهة البوليزاريو التي تعد شريكا استراتيجيا للحزب الكردي، وكانت تتلقى منه الدعم المالي والعسكري والتدريبي لعناصرهم. وبحل الحزب تجد الجبهة الانفصالية نفسها معزولة أكثر مما كانت عليه وفي مواجهة مصير محتوم يقضي بزوالها، كيف لا وهي الجبهة القائمة على قضية خاسرة لا شرعية لها. فبعد فقدان المرتزقة لدعم مليشيات حزب الله الشيعي، وانشغال إيران بمشاكلها الإقليمية، وحل الحزب الكردي، وتراجع حركات الانفصال في العالم لصالح موجات الاستقرار ودعم الدول من أجل تثبيت الاستقرار في السياقات الجيوسياسية الإقليمية، فإن مسألة تفكك وزوال جبهة البوليزاريو هي مسألة وقت ليس إلا.


أريفينو.نت
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أريفينو.نت
الجاسوس البريطاني الذي هاجم الخطابي: فضح أخطر أسرار حرب الريف؟
أريفينو.نت/خاص صدر حديثاً عن منشورات 'مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية' عمل تاريخي بالغ الأهمية، يتمثل في الترجمة العربية لكتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' للكاتب والصحافي الإنجليزي الشهير والتر هاريس. تأتي هذه الترجمة، التي أنجزها الباحث والمترجم القدير حسن الزكري، بعد قرابة قرن كامل على صدور الطبعة الأصلية للكتاب باللغة الإنجليزية، لتتيح للقارئ العربي فرصة نادرة للغوص في تفاصيل حقبة مفصلية من تاريخ المغرب. شهادة أجنبي من قلب المعارك: هاريس يفكك ألغاز حرب الريف يُعتبر هذا الكتاب، المكون من ثلاثة عشر فصلاً، شهادة حية ومباشرة من عين مراقب أجنبي كان خبيراً بدهاليز السياسة المغربية وأوضاعها الداخلية. يستعرض هاريس في فصوله الأولى بذور الصراع الأوروبي حول المغرب قبيل فرض الحماية، مركزاً بشكل خاص على 'الاتفاق الودي' بين فرنسا وإنجلترا عام 1904، الذي يراه المؤلف أساس كل الترتيبات اللاحقة المتعلقة بمناطق النفوذ في المملكة. ينتقل بعدها لتقديم صورة بانورامية لمنطقة الريف، بجغرافيتها وتاريخها وخصائص سكانها وتقاليدهم وعلاقتهم بالسلطة. من أنوال إلى إنزال الحسيمة: فصول المواجهة الدامية يتعمق الكتاب في تفاصيل التدخل الإسباني في شمال المغرب، وتحديداً في الريف، مسلطاً الضوء على المصاعب الجمة التي واجهها الإسبان، والتي تُوجت بكارثة أنوال على يد القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي وتداعياتها المدوية. كما يتناول هاريس منطقة جبالة، وطبائع أهلها، والعلاقة الملتبسة التي جمعتهم بالإسبان وبزعيمهم الشهير أحمد الريسوني، والتي تأرجحت بين المواجهة والمهادنة. ولا يغفل الكتاب حصار شفشاون من قِبل الريفيين، والجهود الإسبانية المضنية لفك الحصار والانسحاب منها، وما تكبدوه من خسائر فادحة، وصولاً إلى عملية إنزال القوات الإسبانية، بقيادة الجنرالين بريمو دي ريبيرا وخوسي سانخورخو وبدعم فرنسي، بساحل الحسيمة في 8 شتنبر 1925، والتي اعتُبرت أول عملية إنزال بحري من نوعها في التاريخ العسكري، بهدف حسم الحرب. ليوطي والفرنسيون: وجه آخر للاستعمار والمواجهة يخصص هاريس جزءاً من كتابه لبدايات التدخل الفرنسي، وتوقيع معاهدة الحماية عام 1912، والدور المحوري للمارشال ليوطي كأول مقيم عام في تنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية وتحديث هياكل الدولة المغربية. كما يوثق الكتاب توغل الفرنسيين داخل البلاد واصطدامهم بالقبائل الريفية، مما أدى إلى مواجهة عسكرية طاحنة عند نهر ورغة بين ربيع وصيف 1925، انتهت بانسحاب الفرنسيين من المنطقة. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المفاوضات الشاقة بين الإسبان والفرنسيين من جهة والحكومة الريفية من جهة أخرى، وفشل مؤتمر وجدة بسبب رفض الريفيين للشروط المجحفة، وما تلا ذلك من تحالف استعماري أفضى إلى الهجوم الكاسح على معاقل المقاومة في الريف، والاستيلاء على تاركيست، معقل الخطابي، واستسلام الأخير ونفيه. نظرة معاصرة وتحيزات مؤرخ: لماذا 'شرير' الكتاب هو الخطابي؟ نُشر كتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' عام 1927، أي بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب، مما يمنحه قيمة وثائقية فريدة كونه يقدم رؤية معاصرة للأحداث. وتكمن أهميته الإضافية في العلاقات الشخصية التي ربطت هاريس بأطراف النزاع، ولقاءاته ومراسلاته معهم، وخاصة مع الزعيم الخطابي، والتي ضمن صوراً لبعضها في طبعته الأصلية. إلا أن هذا الكتاب، الذي يُعد آخر ما كتبه هاريس عن المغرب، يختلف في طبيعته عن أعماله السابقة مثل 'المغرب الذي كان' و'أرض سلطان إفريقي'. فقد اختفى فيه الأسلوب الهزلي ليحل محله سرد تاريخي وتحليلي جاد. المثير للجدل أن هاريس، في هذا الكتاب، يصور محمد بن عبد الكريم الخطابي كـ'شرير' القصة، مدفوعاً، حسب زعمه، برغبة شخصية بحتة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويجادل بأن مستقبل الريف كان أفضل مع 'القوة التقدمية والحديثة' للحماية الفرنسية أو الإسبانية، متجاهلاً، كما يبدو، الإصلاحات التحديثية التي أدخلها الخطابي في الريف والتي مهدت للحركة الوطنية. ورغم جدية الكتاب، تظل تحيزات هاريس وافتراضاته حول تفوق الحضارة الأوروبية واضحة. والتر هاريس: الصحفي، الرحالة، وشاهد العصر ولد والتر هاريس في لندن عام 1866، وبدأ رحلاته في سن مبكرة قبل أن يستقر في المغرب عام 1887، حيث عمل مراسلاً لصحيفة 'التايمز' لعقود. قضى هاريس معظم حياته في طنجة، وحظي بمكانة مؤثرة في الأوساط الغربية كشاهد عيان على مغرب ما قبل الاستعمار وفي أثنائه. كان مقرباً من آخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الوقت ذاته على علاقة وطيدة بالريسوني، كما شارك في الاتصالات خلال المراحل الأخيرة من حرب الريف، وارتبط بعلاقات ودية مع المارشال ليوطي ومسؤولين بريطانيين. توفي هاريس عام 1933 ودُفن في طنجة، تاركاً وراءه إرثاً من الكتابات التي لا تزال تثير النقاش والبحث. وتُعد هذه الترجمة الجديدة لحسن الزكري، وهي رابع عمل له يترجمه لهاريس، إضافة قيمة للمكتبة العربية وللباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب المعاصر.