
الجاسوس البريطاني الذي هاجم الخطابي: فضح أخطر أسرار حرب الريف؟
صدر حديثاً عن منشورات 'مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية' عمل تاريخي بالغ الأهمية، يتمثل في الترجمة العربية لكتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' للكاتب والصحافي الإنجليزي الشهير والتر هاريس. تأتي هذه الترجمة، التي أنجزها الباحث والمترجم القدير حسن الزكري، بعد قرابة قرن كامل على صدور الطبعة الأصلية للكتاب باللغة الإنجليزية، لتتيح للقارئ العربي فرصة نادرة للغوص في تفاصيل حقبة مفصلية من تاريخ المغرب.
شهادة أجنبي من قلب المعارك: هاريس يفكك ألغاز حرب الريف
يُعتبر هذا الكتاب، المكون من ثلاثة عشر فصلاً، شهادة حية ومباشرة من عين مراقب أجنبي كان خبيراً بدهاليز السياسة المغربية وأوضاعها الداخلية. يستعرض هاريس في فصوله الأولى بذور الصراع الأوروبي حول المغرب قبيل فرض الحماية، مركزاً بشكل خاص على 'الاتفاق الودي' بين فرنسا وإنجلترا عام 1904، الذي يراه المؤلف أساس كل الترتيبات اللاحقة المتعلقة بمناطق النفوذ في المملكة. ينتقل بعدها لتقديم صورة بانورامية لمنطقة الريف، بجغرافيتها وتاريخها وخصائص سكانها وتقاليدهم وعلاقتهم بالسلطة.
من أنوال إلى إنزال الحسيمة: فصول المواجهة الدامية
يتعمق الكتاب في تفاصيل التدخل الإسباني في شمال المغرب، وتحديداً في الريف، مسلطاً الضوء على المصاعب الجمة التي واجهها الإسبان، والتي تُوجت بكارثة أنوال على يد القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي وتداعياتها المدوية. كما يتناول هاريس منطقة جبالة، وطبائع أهلها، والعلاقة الملتبسة التي جمعتهم بالإسبان وبزعيمهم الشهير أحمد الريسوني، والتي تأرجحت بين المواجهة والمهادنة. ولا يغفل الكتاب حصار شفشاون من قِبل الريفيين، والجهود الإسبانية المضنية لفك الحصار والانسحاب منها، وما تكبدوه من خسائر فادحة، وصولاً إلى عملية إنزال القوات الإسبانية، بقيادة الجنرالين بريمو دي ريبيرا وخوسي سانخورخو وبدعم فرنسي، بساحل الحسيمة في 8 شتنبر 1925، والتي اعتُبرت أول عملية إنزال بحري من نوعها في التاريخ العسكري، بهدف حسم الحرب.
ليوطي والفرنسيون: وجه آخر للاستعمار والمواجهة
يخصص هاريس جزءاً من كتابه لبدايات التدخل الفرنسي، وتوقيع معاهدة الحماية عام 1912، والدور المحوري للمارشال ليوطي كأول مقيم عام في تنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية وتحديث هياكل الدولة المغربية. كما يوثق الكتاب توغل الفرنسيين داخل البلاد واصطدامهم بالقبائل الريفية، مما أدى إلى مواجهة عسكرية طاحنة عند نهر ورغة بين ربيع وصيف 1925، انتهت بانسحاب الفرنسيين من المنطقة. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المفاوضات الشاقة بين الإسبان والفرنسيين من جهة والحكومة الريفية من جهة أخرى، وفشل مؤتمر وجدة بسبب رفض الريفيين للشروط المجحفة، وما تلا ذلك من تحالف استعماري أفضى إلى الهجوم الكاسح على معاقل المقاومة في الريف، والاستيلاء على تاركيست، معقل الخطابي، واستسلام الأخير ونفيه.
نظرة معاصرة وتحيزات مؤرخ: لماذا 'شرير' الكتاب هو الخطابي؟
نُشر كتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' عام 1927، أي بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب، مما يمنحه قيمة وثائقية فريدة كونه يقدم رؤية معاصرة للأحداث. وتكمن أهميته الإضافية في العلاقات الشخصية التي ربطت هاريس بأطراف النزاع، ولقاءاته ومراسلاته معهم، وخاصة مع الزعيم الخطابي، والتي ضمن صوراً لبعضها في طبعته الأصلية. إلا أن هذا الكتاب، الذي يُعد آخر ما كتبه هاريس عن المغرب، يختلف في طبيعته عن أعماله السابقة مثل 'المغرب الذي كان' و'أرض سلطان إفريقي'. فقد اختفى فيه الأسلوب الهزلي ليحل محله سرد تاريخي وتحليلي جاد. المثير للجدل أن هاريس، في هذا الكتاب، يصور محمد بن عبد الكريم الخطابي كـ'شرير' القصة، مدفوعاً، حسب زعمه، برغبة شخصية بحتة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويجادل بأن مستقبل الريف كان أفضل مع 'القوة التقدمية والحديثة' للحماية الفرنسية أو الإسبانية، متجاهلاً، كما يبدو، الإصلاحات التحديثية التي أدخلها الخطابي في الريف والتي مهدت للحركة الوطنية. ورغم جدية الكتاب، تظل تحيزات هاريس وافتراضاته حول تفوق الحضارة الأوروبية واضحة.
والتر هاريس: الصحفي، الرحالة، وشاهد العصر
ولد والتر هاريس في لندن عام 1866، وبدأ رحلاته في سن مبكرة قبل أن يستقر في المغرب عام 1887، حيث عمل مراسلاً لصحيفة 'التايمز' لعقود. قضى هاريس معظم حياته في طنجة، وحظي بمكانة مؤثرة في الأوساط الغربية كشاهد عيان على مغرب ما قبل الاستعمار وفي أثنائه. كان مقرباً من آخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الوقت ذاته على علاقة وطيدة بالريسوني، كما شارك في الاتصالات خلال المراحل الأخيرة من حرب الريف، وارتبط بعلاقات ودية مع المارشال ليوطي ومسؤولين بريطانيين. توفي هاريس عام 1933 ودُفن في طنجة، تاركاً وراءه إرثاً من الكتابات التي لا تزال تثير النقاش والبحث. وتُعد هذه الترجمة الجديدة لحسن الزكري، وهي رابع عمل له يترجمه لهاريس، إضافة قيمة للمكتبة العربية وللباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب المعاصر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليوم 24
٠٨-٠٧-٢٠٢٥
- اليوم 24
العاصفة الإلكترونية.. "حسابات نفطية" تقود حملة معلومات مضللة عن تغير المناخ
شهدت منصات التواصل إطلاق مجموعة من التي روّجت لمعلومات مضللة ونظريات مؤامرة حول تغير المناخ. ويُظهر تحليل التفاعل على هذه أن حسابات مرتبطة بجهات نفطية في دول خليجية كانت في طليعة الجهات المحرّكة لها، بالتزامن مع أحداث دولية وإقليمية متصلة بالملف المناخي في تناقض مع المواقف المعلنة لهذه الدول، التي تدعي التزامها بالاتفاقيات الدولية بشأن المناخ. مقطع مصور تظهر فيه المرشحة السابقة للرئاسة الأميركية كاملا هاريس، تدعو فيه إلى « تقليل عدد السكان؛ لتحسين جودة الهواء ». نشر حساب باسم « Stop Age. 2030 » بمعرف @1Kuwty، على منصة التواصل الاجتماعي « إكس » هذا المقطع، مؤطراً إياه في سياق مؤامرة، تهدف إلى خفض أعداد المواليد، لتنفيذ أجندة المناخ. لم يكمل هذا الحساب الخبر بأن البيت الأبيض أوضح أن هاريس وقعت في زلة لسان، إذ خلطت بين كلمتي « Population » (السكان) و »Pollution » (التلوث). النص الصحيح كان يشير إلى تقليل التلوث لتحسين جودة الهواء والمياه للأطفال، من دون أي إشارة إلى تقليص عدد السكان. يروج هذا الحساب لعدة وسوم تنكر تغير المناخ؛ منها « #خدعة_التغير_المناخي »، ويلعب هذا الوسم دوراً في الترويج لنظريات المؤامرة، عبر وسم « #أجندة_2030 ». بالتعاون بين « أريج » و »كود فور أفريكا »، وفي إطار مشروع « Disarming Disinformation » الذي يقوده المركز الدولي للصحفيين ICFJ، حللنا التفاعل على مجموعة وسوم انطلقت من هذا الحساب وغيره من الحسابات. وكشف التحليل أن حسابات على منصة التواصل الاجتماعي « إكس » تتخذ من الكويت والسعودية مواقع جغرافية لها، تقود حملات تشكيك في التغير المناخي. كما رصد مشاركة حسابات لشخصيات كان بعضها يشغل منصباً رسمياً في كلا الدولتين، في حملات التضليل بشأن المناخ، على النقيض من السياسات الرسمية للبلدين اللذين صادقا على اتفاقية باريس للمناخ الموقعة عام 2015 والهادفة إلى تعزيز الاستجابة العالمية لتهديد التغيرات المناخية. علاوة على كشف التحليل للجهات التي وقفت وراء الترويج لتلك الوسوم، فقد أظهر أيضاً سعياً ممنهجاً لتضخيم التفاعل من خلال شبكات استخدمت حسابات آلية وشبه آلية، بهدف تصدير رأي عام زائف ودفع وسوم إنكار تغير المناخ إلى صدارة الوسوم الرائجة باللغة العربية. شهدت الوسوم المباشرة؛ مثل: « #خدعة_التغير_المناخي »، « و#كذبة_المناخ »، و »#خدعة_المناخ » تفاعلاً لافتاً، إذ ورد الوسم الأول في 2018، وحقق وصولاً تجاوز ستة ملايين و987 ألفاً، مع ذروات انتشار متعددة؛ كان أبرزها يوم الثامن من يناير 2024؛ وهو اليوم الأعلى تفاعلاً مع الوسم بـ 132 منشوراً، ثم الفترة بين 10 و12 أكتوبر 2024 عبر 221 منشوراً، صدرت غالبيتها من الكويت والعراق والسعودية. وذكر وسم « #كذبة_المناخ »، في 578 منشوراً، وحقق وصولاً تجاوز مليونين و112 ألفاً، مع ذروات مستمرة على مدار العام، أبرزها خلال يومي 10 و11 شتنبر 2024. وجاءت غالبية التدوينات من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي (371 منشوراً). وفيما يخص التدوينات الصادرة من موقع جغرافي معروف، حلت الكويت في المقام الأول ثم إيطاليا والسعودية. وذُكر وسم « #خدعة_المناخ » في سبعة منشورات، وحقق وصولاً تجاوز 40 ألفاً، وتركز التفاعل على الوسم في الكويت. كما لاحظنا أن المحتوى الأصلي في هذه الوسوم يبقى منخفضاً، ولا يتجاوز 6 في المئة، ما يشير إلى أن الاعتماد الأكبر في التفاعل كان على إعادة النشر والاقتباس والردود. وراجت منشورات تشكك في التغير المناخي أيضاً على بعض الوسوم الأخرى؛ أهمها وسم « #أجندة_2030″، الذي روج لنظرية المؤامرة في قضايا عدة تتعلق بخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، أبرزها بشأن فيروس كورونا، واللقاحات، إلى جانب إنكار التغير المناخي. تمكنا من تحليل 20 ألف محتوى على وسم « #أجندة_2030 » منشور في الفترة بين مارس 2024 وديسمبر 2024. وصلت هذه المنشورات إلى أكثر من 58 مليون مستخدم، مع ذروة ملحوظة في أشهر: ماي، ويونيو، وأكتوبر. وفيما يخص التدوينات الصادرة من موقع جغرافي معروف، جاءت الكويت على رأس الدول المتفاعلة مع الوسم، يليها العراق ثم السعودية. كشف تحليل بيانات نشر الوسوم عن وجود أيام وأشهر تشهد ذروة في النشاط الرقمي، ما يعكس ارتباطاً محتملاً بين هذه التواريخ وأحداث خاصة بالمناخ. وبرزت أشهر ماي يونيو وشتنبر وأكتوبر 2024، بوصفها الأكثر تفاعلاً على الوسوم موضوع التحليل. وتبيّن من خلال رصد عدد المنشورات المرتبطة بالوسوم أن يوم السابع من سبتمبر سجل أعلى نسبة نشاط على أساس يومي بعدد بلغ 321 منشوراً. يليه 19 ماي بـ304 منشورات، ثم السادس من ماي بـ281 منشوراً. وتزامن النشر في أواخر ماي حتى منتصف يونيو 2024، مع انعقاد مؤتمر بون لتغير المناخ، الذي ضم اجتماعات الهيئات الفرعية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. كما تزامن مع يوم البيئة العالمي الذي يوافق الخامس من يونيو. وقد نُظّمت الاجتماعات التمهيدية للمؤتمر بين 27 ماي و2 يونيو، فيما انعقدت الدورة الرسمية من 3 إلى 13 يونيو 2024. وعقدت الاجتماعات التمهيدية للمؤتمر من 27 ماي إلى 2 يونيو. كما لوحظت أعداد مرتفعة من المنشورات في أيام أخرى، مثل 11 و22 أكتوبر. ويتزامن أكتوبر 2024 مع الأسبوع العالمي للفضاء، والذي يُحتفل به سنوياً ما بين الرابع والعاشر من الشهر. وركزت الفعالية عام 2024 على قضية الفضاء وتغير المناخ، ويوم البيئة العربي الذي يوافق يوم الـ 14 أكتوبر من كل عام. كما تزامن التفاعل خلال الشهر المذكور مع صدور تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، في الـ 24 من الشهر، والذي حذر من دخول العالم مرحلة حرجة في أزمة المناخ. معلومات مضللة تدفع بالوسوم إلى الذروة شهدت هذه الذروات تداول معلومات مضللة لاقت رواجاً واسعاً، أبرزها تداول حساب @AHshamsah، عبر وسم « #كذبة_المناخ » صورة لخريطتي طقس عُرضت في برنامج تلفزيوني ألماني. تظهر واحدة من الخريطتين درجات الحرارة في أحد أيام يونيو 2022 في أجزاء كبيرة من ألمانيا باللون الأحمر الداكن، وفي البرنامج التلفزيوني نفسه قبلها بخمس سنوات، عُرضت خريطة طقس أخرى ملونة بالأخضر، رغم أن درجات الحرارة حينها كانت أعلى مما هي عليه في الخريطة الجديدة. وتداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الصورتين بوصفهما دليلاً على نظرية « كذبة المناخ »، وإنكار حدوثه. الخريطتان مصدرهما البرنامج التلفزيوني الألماني « Tagesthemen »، الذي يُعرض يومياً على قناة « Das Erste ». والاختلاف في تصميم خريطتي الطقس يرجع إلى تغيّر الجهة المزوّدة بالنشرة الجوية؛ فالشركة التي كانت تنتج النشرة بخريطة الطقس ذات اللون الأخضر عام 2017 تُدعى Cumulus، وقد توقفت عن تزويد البرنامج بالنشرات الجوية عام 2020. ومنذ ذلك الحين، تولّت شركة Hessischer Rundfunk مسؤولية إنتاج النشرة الجوية في القناة. وقد أوضحت شركة Hessischer Rundfunk في رسالة إلكترونية لموقع TjekDet أنها كانت تستخدم أيضاً الألوان الحمراء على خرائطها عام 2017، عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة، خاصة في البرنامج الإخباري الآخر « Tagesschau »، الذي يُعرض أيضاً على قناة Das Erste، مع التنويه إلى أنه لا يجب الخلط بين هذا البرنامج وبين « Tagesthemen »، رغم تشابه الأسماء. منذ أن بدأت Hessischer Rundfunk بإنتاج النشرات لـ « Tagesthemen » عام 2020، أقدمت على توحيد التصميم ليصبح مطابقاً لما يُستخدم بالفعل في « Tagesschau ». ووفقاً لما ذكرته الشركة، فإنها تستخدم الألوان القوية لتمكين المشاهد من تصور درجات الحرارة في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق الريفية التي لا تُعرض فيها أرقام درجات الحرارة. في المقابل، كانت الشركة السابقة لإنتاج توقعات الطقس في برنامج Cumulus، تستخدم دائماً في نشرتها المذاعة على برنامج « Tagesthemen » الكتابة باللون الأبيض على خلفية خضراء، سواء كان الطقس دافئاً في يونيو، أو بارداً في مارس، أو حتى عندما تكون درجات حرارة تحت الصفر في يناير. وفي شتنبر 2024، روج حساب @AHshamsah الذي يقود التفاعل على وسم « #كذبة_المناخ » لادعاء، مفاده: « تنفيذ خطة توزيع الكاميرات في كل مداخل ومخارج المناطق (لحساب استخدامك الكربوني بمسافة السيارة) وداخل الجمعيات (لحساب كربونك المرتبط بالسلع) ومنعك من التنقل أو شراء المزيد اذا تعديت المعدل المسموح وإلا بلوك على حسابك البنكي. وقد أُرفق هذا الادعاء بصورة لخبر من الكويت بعنوان: « الداخلية » لـ « الشؤون »: كاميرات المراقبة تتحملها « المشروعات التعاونية ». عند تتبّع الادعاء، تبيّن أن الصورة المرفقة لا علاقة لها بالبصمة الكربونية أو التغير المناخي كما زُعم، بل تعود الصورة إلى خبر نُشر بتاريخ السابع من غشت 2023، ويتعلق بتوجيه وكيل وزارة الداخلية الكويتية مخاطبة رسمية إلى نظيره في وزارة الشؤون الاجتماعية بالإنابة، يطلب فيها تحميل لجنة المشروعات التعاونية الوطنية تكاليف تركيب كاميرات المراقبة الأمنية في المناطق السكنية للجنة المشروعات التعاونية الوطنية. ويهدف هذا الإجراء إلى تمكين الجهات الأمنية من رصد وضبط المطلوبين أمنياً لحظة دخولهم أو خروجهم من هذه المناطق. يعد الانتشار الواسع للمعلومات المضللة أحد أخطر العوامل التي تعرقل جهود التصدي لأزمة المناخ، وفقاً لمبادرة « وعد المناخ » التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويرى البرنامج أن نشر المعلومات المُضللة ذات الصلة بالمناخ يرمي إلى تشويش الرأي العام، وعرقلة السياسات البيئية. ووفق تعريف الاتحاد الأوروبي لـ « التضليل المناخي »، فإن الحملات والمعلومات المضللة تقوض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة التغير المناخي، وتعيق تنفيذ السياسات ذات الصلة، والتعاون الدولي بشأن تغير المناخ. دول نفطية وراء التفاعل تحليل الوسوم أظهر أن غياب بيانات الموقع الجغرافي كان السمة الغالبة فيما نُشر عليها، وغياب الموقع الجغرافي قد يكون أحد مؤشرات النشاط الآلي على الوسوم. والبيانات التي أظهرت الموقع الجغرافي أوضحت أن بعض الدول النفطية كانت في مقدمة التفاعل والنشر على تلك الوسوم، أولها الكويت التي تصدّرت قائمة الدول الأكثر تفاعلاً، مسجّلة ألفاً و688 منشوراً عبر مختلف الوسوم، بوصول بلغ أكثر من خمسة ملايين و238 ألفاً، تلتها السعودية بـ 556 منشوراً، ووصول تجاوز 700 ألف مرة، ثم العراق في المرتبة الثالثة بـ 554 منشوراً، ووصول أكثر من 660 ألف مرة. تصدر الدول النفطية الثلاث قائمة التفاعل مع تلك الوسوم قادنا إلى البحث عن مدى اعتماد تلك الدول على النفط في اقتصادها، إذ تُعدّ السعودية والكويت والعراق من أبرز الدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على النفط، ما يجعل قضايا المناخ والتحول الطاقي موضع حساسية خاصة في الخطاب العام داخلها. في السعودية، شكل قطاع النفط نحو 31 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، انخفاضاً من 40 في المئة عام 2022. ورغم هذا التراجع، ما تزال الإيرادات النفطية تُشكل الحصة الأكبر من إجمالي الإيرادات العامة لعام 2024، بنسبة تقارب 60 في المئة، بحسب بيانات وزارة المالية. وبلغت الإيرادات النفطية 756.6 مليار ريال (نحو 200 مليار دولار)، مقابل 502.5 مليار ريال (نحو 134 مليار دولار) من الإيرادات غير النفطية. أما في الكويت، فقد استمر الاقتصاد في الاعتماد بشكل ملحوظ على القطاع النفطي، الذي أسهم بنسبة 43.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، ما يعكس ضعف التنويع الاقتصادي رغم الخطط الحكومية المتكررة. وتتجلى أعلى درجات الاعتماد على النفط في العراق، إذ شكّل 91 في المئة من الإيرادات في الموازنة الاتحادية في الفترة ما بين ديسمبر 2024 ومارس 2025. كما صنّف البنك الدولي العراق -في يوليوز 2022- ضمن أكثر الدول اعتماداً على النفط في العالم، مشيراً إلى أن عائدات النفط شكلت على مدار العقد الماضي 99 في المئة من صادرات البلاد، و85 في المئة من موازنة الحكومة، و42 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. يذكر تحالف العمل المناخي ضد المعلومات المضللة (CAAD)، لـ « أريج » أن منكري المناخ نجحوا في نشر الشكوك حول فاعلية السياسات المناخية، ومهاجمة أي جهة تنفذ إجراءات ترمي إلى مواجهة ظاهرة التغير المناخي. في المقابل، شكل نقص المعلومات مشكلة أكبر في النصف الجنوبي من العالم. وأخيراً، تستخدم المعلومات المضللة لتقويض العمل المناخي، ويحتمل أن هذا يعود إلى أن الاقتصاد القائم على الوقود الأحفوري في مراحله الأخيرة، وأن الاستبداد قد يكون أفضل طريقة لمواصلة الاستفادة منه. تحليل الوسوم والتفاعل معها قادنا إلى الوصول لعدد من الحسابات والشخصيات الرسمية والعامة، الأكثر تفاعلاً على كل الوسوم موضع التحليل. تشير بيانات موقع Botometer X لتحليل النشاط الآلي، إلى أن هذه الحسابات الأكثر تفاعلاً (باستثناء حساب « @saaraapkuwait » شبه الآلي من حيث نمط النشر واسم المستخدم)، تميل إلى أن تكون حسابات بشرية. ويعد هذا أحد خصائص الحملات التي يقود التفاعل عليها حسابات بشرية، في حين تعمل حسابات آلية على تضخيم التفاعل. ويعد الحساب الأول « Stop Age. 2030 » الذي يتخذ من الكويت موقعاً له، الأبرز في شبكة الحسابات المتفاعلة على الوسوم، وهو حساب يروج لنظريات مؤامرة عن المناخ، ومعارضة لأجندة الأمم المتحدة لعام 2030. ويقع في قلب الشبكة التي تروج لوسم « #خدعة_التغير_المناخي ». أما حساب @hanadialhamadi الذي يعد الثاني في شبكة الحسابات الأكثر تفاعلاً على الوسوم، فينطلق من الكويت، وتروج صاحبته للسردية نفسها التي يتبانها حساب @1kuwty. على النهج نفسه يسير حساب @saaraapkuwait، الذي يتبنى سردية نظرية المؤامرة، كما يذكر صراحة في خانة تعريف الخاصة به. وينطلق هذا الحساب هو الآخر من الكويت. أما الحساب الأخير في قائمة الأكثر تفاعلاً على مختلف الوسوم -وهو @ahshamsah- فيتصدّر التفاعل على وسم « #كذبة_المناخ »، الذي نشرت عبره المعلومات المضللة المذكورة. ورغم أن الحساب يذكر مدينة تورينو الايطالية موقعاً له، إلا أن طبيعة تفاعلاته تشير إلى اهتمامه بالشأن الكويتي. ويشارك هذا الحساب مع @hanadialhamadi في قيادة شبكة التفاعل على الوسم ذاته، كما يتبنّى السردية التي يروّج لها حساب @1kuwty. أجندة 2030 كشف تحليل البيانات أن الحساب @1kuwty شكّل المحور المركزي والأكثر تأثيراً في حملة الترويج للوسم، إذ لعب دور « العقدة الرئيسية » في شبكة من الحسابات التي تفاعلت معه بشكل مكثف. وأظهرت خريطة الشبكة بنية مركزية تشبه الدوائر المتمركزة حول الحساب، إذ تمثل العقد الأقرب إليه -والمُشار إليها بالألوان الرمادي والأسود والبرتقالي والأزرق- مجموعة نواة من الحسابات النشطة، في حين تشير الطبقات الأبعد، وعلى رأسها الطبقة البنفسجية، إلى أطراف الشبكة من الحسابات التي تفاعلت بشكل أقل أو وصلت إلى المحتوى في مراحل لاحقة، ما يعكس اتساع نطاق التأثير تدريجياً. على غرار ما حدث في وسم « #أجندة_2030″، يواصل الحساب @1kuwty لعب الدور المحوري بوصفه العنصر الأكثر مركزية وتأثيراً في الشبكة. وتُظهر خريطة التفاعل نمطاً متكرراً يكاد يكون مطابقاً من حيث الهيكل، إذ تتسم الشبكة بتركيز شديد حول الحساب ذاته، ما يعكس نمطاً منسقاً يعيد إنتاج نفسه عبر وسوم مختلفة. يبرز الحساب @ahshamsah بوصفه مركزاً محورياً في الشبكة المتفاعلة على الوسم، إذ يؤدي دور العقدة الأساسية في التفاعلات المرتبطة بالوسم. وتشير إحدى الحواف البرتقالية المتجهة منه نحو الحساب @hanadialhamadi إلى وجود مستوى قوي من التفاعل بين الطرفين. ورغم العدد المحدود من الاتصالات التي تربط حساب @hanadialhamadi ببقية الشبكة، إلا أن الحساب يؤدي دوراً بوصفه محوراً ثانوياً في النقاشات المرتبطة بالوسم. حسابات تضخيم سردية الحملة عبر تحليل السلوك الآلي المتمثل في النشاط المفرط، وتشابه المحتوى، وتكرار النقل من حساب المركز، رصدنا 20 حساباً تشير وتيرة النشر عليها إلى أنها غير بشرية. وتعيد هذه الحسابات نشر المحتوى ذاته من حساب محوري واحد هو @1Kuwty، ما يُعزز فرضية أن هذه الحسابات تشكل ما يشبه « سرباً دعائياً » وظيفته تضخيم الرسائل وفرضها رقمياً عبر التكرار والانتشار المكثف. وقاد تحليل التشابه الدلالي للخطاب على الوسوم إلى تحديد خمس مجموعات سردية هي الأكثر تكراراً، كان أبرزها « أجندة 2030 والوعي الجمعي »، والتي رُصدت في 234 منشوراً. وتستخدم وسوماً؛ مثل: #رسالة_اليوم و#الوعي_الجمعي و#اجندة_2030 بشكل متكرر. ويتركز مضمونها على تحذيرات من « أجندة 2030 » كآلية لفرض سياسات مراقبة أو تحكم اجتماعي، مع تأكيد على الوعي الجمعي وضرورة رفض ما يُصوَّر كإملاءات خارجية. والمجموعة السردية الأخرى هى « مناهضة خدعة التغير المناخي » والتي رُصدت في 51 منشوراً. ترفض بشكل مباشر وجود تغيّر مناخي أو تشكك في دوافع الجهات الداعية له، مع مضمون يصف « التغير المناخي » بأنه خدعة مدفوعة من شركات الطاقة أو جهات سياسية، مستخدمة كلمات مفتاحية؛ مثل « خدعة_التغير_المناخي »، و »مؤامرة، و »خداع ». ويشير تشابه المحتوى على الوسوم إلى محاولات الحشد لفرض سردية بعينها، ترفض أجندة التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030 عامة، وفي القلب منها العمل من أجل مواجهة ظاهرة التغير المناخي. شخصيات عامة يشير تحليل وسم « #خدعة_التغير_المناخي » إلى أن رابع أبرز المؤثرين عليه -من حيث وصول التغريدات- هو وزير الإسكان الكويتي وعضو مجلس الأمة السابق، شعيب المويزري، الذي شارك في نشر منشور لحساب « Stop Age. 2030 » يدون من الكويت. وحقق هذا المنشور أكثر من 70 ألف وصول خلال عام 2024. وخارج نطاق هذا الوسم، يشارك في الترويج لما يدعى « كذبة المناخ »، العضو السابق في المجلس الاقتصادي الأعلى بالسعودية محمد الصبان. وشغل الصبان منصب كبير مفاوضي السعودية في مؤتمرات الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وكان مستشاراً اقتصادياً بارزاً لوزارة البترول والثروة المعدنية. وقاد الوفد السعودي في العديد من المؤتمرات، مثل مؤتمر كوبنهاغن عام 2009. ودأب الصبان على إنكار دور النشاط البشري على التغير المناخي. ويتابع حسابه على منصة « إكس » 77.8 ألف متابع، حتى تاريخ نشر التحقيق. ونشر الصبان منشوراً في 29 أبريل 2023 على « تويتر » (إكس حالياً) يقول: « تغير المناخ دورات طبيعية لا علاقة لها بالنشاط الإنساني، عكس ما يتم تصويره من قبل الغرب لأغراض اقتصادية، بأن السبب في الدورة الجديدة للمناخ، هو الوقود الأحفوري، ويعزلون النفط بالذات. ولازال هنالك اُناس يُصدقون مقولتهم، لكون علماء منهم طبخوا ذلك وحصلوا على أموال طائلة!!!؟ » وتضع الأمم المتحدة ادعاء أن « تغير المناخ لا علاقة له بالنشاط الإنساني » على رأس قائمة الخرافات المتعلقة بالمناخ. وتشير إلى أن حرق الوقود الأحفوري يؤدي إلى خلق غطاء من التلوث يحبس حرارة الشمس على الأرض ويرفع درجات الحرارة العالمية، ثم يؤدي الاحترار العالمي إلى تغيرات أخرى، مثل: الجفاف، وشح المياه، والحرائق الشديدة، وارتفاع منسوب سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف العاتية، وتدهور التنوع البيولوجي. كما تفاعل معه على تلك المنشورات، الوزير المفوض بالخارجية السعودية سابقاً، فهد المنصوري: « وتأكيد لكلامك دكتورنا الحبيب دائماً الدول الحاقدة على المملكة وتطورها واعتبارها من أكثر دول العالم مصدره للنفط يستخدمون هذه العبارة في مؤتمرات تغير المناخ ». وتأتي مشاركة مسؤولين من الكويت والسعودية في الترويج لمعلومات مضللة متعلقة بالتغير المناخي، على النقيض من التوجهات الرسمية للبلدين اللذين صادقا على اتفاقية باريس. ويشير تحالف العمل المناخي ضد المعلومات المضللة إلى أن معظم حملات التضليل تستهدف بشكل استراتيجي تعطيل أي تحرك سياسي لمعالجة أزمة المناخ. وبالتالي، تلجأ الأحزاب السياسية المرتبطة بمصالح قطاع الوقود الأحفوري، سواء عبر تمويل الحملات أو اعتمادها على عائدات هذا القطاع في موازناتها الوطنية، إلى استخدام التضليل بشكل متكرر، إن لم يكن بشكل دائم، كأداة لتبرير استمرار استغلال الوقود الأحفوري، رغم كونه سبباً مباشراً لتغير المناخ. تواصلنا مع الشخصيات العامة المذكورة في التحقيق في إطار حق الرد، ولم يصلنا منها أي رد حتى تاريخ نشر التحقيق.


ناظور سيتي
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- ناظور سيتي
بعد مائة عام من صدوره.. كتاب 'فرنسا إسبانيا وحرب الريف' يصدر لأول مرة بالعربية
المزيد من الأخبار بعد مائة عام من صدوره.. كتاب 'فرنسا إسبانيا وحرب الريف' يصدر لأول مرة بالعربية ناظورسيتي: صدر حديثاً عن مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية عمل تاريخي بالغ الأهمية في سياق الذاكرة الجماعية الريفية والمغربية، ويتعلق الأمر بالترجمة العربية لكتاب 'فرنسا، إسبانيا وحرب الريف' للكاتب والصحافي البريطاني الشهير والتر هاريس، وهي الترجمة الرابعة للباحث والمترجم حسن الزكري، الذي سبق أن أخرج إلى القارئ العربي أعمالاً أخرى للمؤلف ذاته، مثل 'المغرب الذي كان' و*'أرض سلطان إفريقي'*. يكتسي هذا الإصدار طابعًا خاصًا، كونه لا يسلط الضوء فقط على تفاصيل واحدة من أكثر الحروب استعصاءً في التاريخ الاستعماري بشمال إفريقيا، بل لأنه كُتب بعيون شاهد عيان كان في قلب الأحداث، يراسل من المغرب صحيفة التايمز البريطانية، ويلتقي وجهاً لوجه بأبطال الصراع من الجانبين. كتاب خطير بلغة المؤرخ المعاصر نُشر الكتاب لأول مرة سنة 1927، بعد عام واحد فقط من نهاية حرب الريف التي هزّت 'دعائم إمبراطوريتين مزدوجتين' كما وصفها المؤرخ المغربي جرمان عياش في كتابه 'أصول حرب الريف'. ويمثل بذلك توثيقًا مباشرًا للحرب من داخل الميدان، من خلال قلم رجل عرف المغرب عن قرب، وعاش فيه منذ 1887، بل وكان شاهدًا على دخول الاستعمار، وأحد أهم الأصوات الصحفية التي رسمت صورة المغرب في المخيال الغربي قبل وبعد الحماية. يتكوّن الكتاب من 13 فصلًا تغوص في خلفيات النزاع الاستعماري حول المغرب، متتبعةً سلسلة الأحداث التي مهدت للحرب، من الاتفاق الودي الفرنسي-البريطاني سنة 1904، إلى تدخلات فرنسا وإسبانيا في الريف، وصولاً إلى الإنزال العسكري المشترك في ساحل الحسيمة سنة 1925. تفاصيل الحرب وتكالب القوى الكبرى يتناول هاريس بدايات التدخل الإسباني في الشمال، والمصاعب التي واجهتها القوات الإسبانية أمام مقاومة الريفيين بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي، مسلطاً الضوء على كارثة أنوال التي هزّت إسبانيا، ثم ينتقل إلى الحديث عن منطقة جبالة وزعيمها الشهير أحمد الريسوني، والعلاقات المعقدة بينه وبين الإسبان، وكذلك حصار مدينة شفشاون من قبل القوات الريفية. ويُفرد المؤلف مساحة مهمة للتدخل الفرنسي، بدءًا من معاهدة الحماية سنة 1912، ومروراً بتعيين اليوطي كمقيم عام، ومساهمته في تأسيس إدارة مركزية حديثة، وصولاً إلى المعركة الشهيرة في نهر ورغة بين القوات الفرنسية ومقاتلي الريف سنة 1925. كما يتوقف عند مفاوضات مؤتمر وجدة، الذي فشل بسبب تعنت الفرنسيين والإسبان، وانتهى بتشكيل تحالف عسكري بينهما للقضاء على جمهورية الريف. محمد بن عبد الكريم: 'الخصم الشرير' في عيون هاريس الكتاب يحمل نبرة أكثر جدية من مؤلفات هاريس السابقة، ويتخلى عن أسلوبه الساخر المعروف، ليحل محله سرد تحليلي صلب، تُقدَّم فيه شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي بوصفه 'الخصم الشرير'، مدفوعاً، حسب هاريس، برغبة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويرى هاريس أن انتصار الخطابي كان سيقود إلى مستقبل غامض للريف، مفضلاً 'الحداثة الاستعمارية' التي مثلتها فرنسا وإسبانيا. لكن في المقابل، يتجاهل هاريس بشكل لافت الإصلاحات المؤسساتية التي قام بها الزعيم الريفي في إطار مشروعه الجمهوري، والتي مهّدت لما سيعرف لاحقًا بالحركة الوطنية المغربية. قيمة الترجمة وسياقها تبرز أهمية الترجمة التي أنجزها الزكري في قدرتها على إعادة هذا العمل إلى الضوء بعد قرن على صدوره، في ظرفية لا تزال فيها حرب الريف تشكّل واحدة من أكثر فصول التاريخ المغربي إثارة للجدل، والتأمل، والتحليل. وقد حرص الزكري، وفق ما كتبه، على إبراز نظرة هاريس كمؤرخ معاصر يوثق الحدث من قلبه، ويرافقه بمراسلات وصور نادرة، من بينها مراسلات شخصية مع الزعيم الخطابي. وتفتح الترجمة المجال أمام الباحثين وعموم القرّاء لفهم أعمق للديناميات الاجتماعية والسياسية التي صنعت تلك المرحلة، ولتمثلات الغرب حيال الريف وأبطاله، وللصورة التي رسمتها الصحافة الغربية لمغرب في قبضة الاستعمار والصراع المسلح. من هو والتر هاريس؟ ولد والتر هاريس سنة 1866 بلندن، وبدأ الترحال في سن مبكرة قبل أن يحط رحاله بالمغرب سنة 1887، حيث استقر بمدينة طنجة التي ظلت مقره حتى وفاته سنة 1933. وكان هاريس مراسلًا لصحيفة التايمز، يتمتع بعلاقات وثيقة مع دوائر القرار في المغرب وبريطانيا وفرنسا، وكان صديقًا لآخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الآن ذاته على صلة وطيدة بالريسوني، واليوطي، وبن عبد الكريم، ما جعله مصدرًا فريدًا لتوثيق الحقبة. كتب هاريس عدة مؤلفات عن المغرب، من أبرزها: 'المغرب الذي كان' (1921)، و*'أرض سلطان إفريقي'* (1889)، وها هو عمله الأهم والأخير 'فرنسا، إسبانيا وحرب الريف' يعود اليوم في حلة عربية راقية عبر جهود الأستاذ حسن الزكري. أخيرا.. هذا الإصدار ليس مجرد ترجمة لكتاب، بل هو استعادة لذاكرة تاريخية منسية، ورؤية جديدة لحدث هزّ شمال المغرب وغير مجرى تاريخه، بقلم رجل كان هناك، في قلب الحدث. ومن خلال هذه الترجمة، يقدم حسن الزكري خدمة جليلة للباحثين والقراء في المغرب والعالم العربي، بفتح نافذة نادرة على أحد أكثر فصول التاريخ المغربي تعقيدًا وغموضًا


أريفينو.نت
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- أريفينو.نت
الجاسوس البريطاني الذي هاجم الخطابي: فضح أخطر أسرار حرب الريف؟
أريفينو.نت/خاص صدر حديثاً عن منشورات 'مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية' عمل تاريخي بالغ الأهمية، يتمثل في الترجمة العربية لكتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' للكاتب والصحافي الإنجليزي الشهير والتر هاريس. تأتي هذه الترجمة، التي أنجزها الباحث والمترجم القدير حسن الزكري، بعد قرابة قرن كامل على صدور الطبعة الأصلية للكتاب باللغة الإنجليزية، لتتيح للقارئ العربي فرصة نادرة للغوص في تفاصيل حقبة مفصلية من تاريخ المغرب. شهادة أجنبي من قلب المعارك: هاريس يفكك ألغاز حرب الريف يُعتبر هذا الكتاب، المكون من ثلاثة عشر فصلاً، شهادة حية ومباشرة من عين مراقب أجنبي كان خبيراً بدهاليز السياسة المغربية وأوضاعها الداخلية. يستعرض هاريس في فصوله الأولى بذور الصراع الأوروبي حول المغرب قبيل فرض الحماية، مركزاً بشكل خاص على 'الاتفاق الودي' بين فرنسا وإنجلترا عام 1904، الذي يراه المؤلف أساس كل الترتيبات اللاحقة المتعلقة بمناطق النفوذ في المملكة. ينتقل بعدها لتقديم صورة بانورامية لمنطقة الريف، بجغرافيتها وتاريخها وخصائص سكانها وتقاليدهم وعلاقتهم بالسلطة. من أنوال إلى إنزال الحسيمة: فصول المواجهة الدامية يتعمق الكتاب في تفاصيل التدخل الإسباني في شمال المغرب، وتحديداً في الريف، مسلطاً الضوء على المصاعب الجمة التي واجهها الإسبان، والتي تُوجت بكارثة أنوال على يد القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي وتداعياتها المدوية. كما يتناول هاريس منطقة جبالة، وطبائع أهلها، والعلاقة الملتبسة التي جمعتهم بالإسبان وبزعيمهم الشهير أحمد الريسوني، والتي تأرجحت بين المواجهة والمهادنة. ولا يغفل الكتاب حصار شفشاون من قِبل الريفيين، والجهود الإسبانية المضنية لفك الحصار والانسحاب منها، وما تكبدوه من خسائر فادحة، وصولاً إلى عملية إنزال القوات الإسبانية، بقيادة الجنرالين بريمو دي ريبيرا وخوسي سانخورخو وبدعم فرنسي، بساحل الحسيمة في 8 شتنبر 1925، والتي اعتُبرت أول عملية إنزال بحري من نوعها في التاريخ العسكري، بهدف حسم الحرب. ليوطي والفرنسيون: وجه آخر للاستعمار والمواجهة يخصص هاريس جزءاً من كتابه لبدايات التدخل الفرنسي، وتوقيع معاهدة الحماية عام 1912، والدور المحوري للمارشال ليوطي كأول مقيم عام في تنفيذ السياسة الاستعمارية الفرنسية وتحديث هياكل الدولة المغربية. كما يوثق الكتاب توغل الفرنسيين داخل البلاد واصطدامهم بالقبائل الريفية، مما أدى إلى مواجهة عسكرية طاحنة عند نهر ورغة بين ربيع وصيف 1925، انتهت بانسحاب الفرنسيين من المنطقة. ويتطرق الكتاب أيضاً إلى المفاوضات الشاقة بين الإسبان والفرنسيين من جهة والحكومة الريفية من جهة أخرى، وفشل مؤتمر وجدة بسبب رفض الريفيين للشروط المجحفة، وما تلا ذلك من تحالف استعماري أفضى إلى الهجوم الكاسح على معاقل المقاومة في الريف، والاستيلاء على تاركيست، معقل الخطابي، واستسلام الأخير ونفيه. نظرة معاصرة وتحيزات مؤرخ: لماذا 'شرير' الكتاب هو الخطابي؟ نُشر كتاب 'فرنسا وإسبانيا وحرب الريف' عام 1927، أي بعد عام واحد فقط من انتهاء الحرب، مما يمنحه قيمة وثائقية فريدة كونه يقدم رؤية معاصرة للأحداث. وتكمن أهميته الإضافية في العلاقات الشخصية التي ربطت هاريس بأطراف النزاع، ولقاءاته ومراسلاته معهم، وخاصة مع الزعيم الخطابي، والتي ضمن صوراً لبعضها في طبعته الأصلية. إلا أن هذا الكتاب، الذي يُعد آخر ما كتبه هاريس عن المغرب، يختلف في طبيعته عن أعماله السابقة مثل 'المغرب الذي كان' و'أرض سلطان إفريقي'. فقد اختفى فيه الأسلوب الهزلي ليحل محله سرد تاريخي وتحليلي جاد. المثير للجدل أن هاريس، في هذا الكتاب، يصور محمد بن عبد الكريم الخطابي كـ'شرير' القصة، مدفوعاً، حسب زعمه، برغبة شخصية بحتة في الانتقام من إسبانيا بعد سجنه في مليلية. ويجادل بأن مستقبل الريف كان أفضل مع 'القوة التقدمية والحديثة' للحماية الفرنسية أو الإسبانية، متجاهلاً، كما يبدو، الإصلاحات التحديثية التي أدخلها الخطابي في الريف والتي مهدت للحركة الوطنية. ورغم جدية الكتاب، تظل تحيزات هاريس وافتراضاته حول تفوق الحضارة الأوروبية واضحة. والتر هاريس: الصحفي، الرحالة، وشاهد العصر ولد والتر هاريس في لندن عام 1866، وبدأ رحلاته في سن مبكرة قبل أن يستقر في المغرب عام 1887، حيث عمل مراسلاً لصحيفة 'التايمز' لعقود. قضى هاريس معظم حياته في طنجة، وحظي بمكانة مؤثرة في الأوساط الغربية كشاهد عيان على مغرب ما قبل الاستعمار وفي أثنائه. كان مقرباً من آخر سلاطين المغرب المستقل، وفي الوقت ذاته على علاقة وطيدة بالريسوني، كما شارك في الاتصالات خلال المراحل الأخيرة من حرب الريف، وارتبط بعلاقات ودية مع المارشال ليوطي ومسؤولين بريطانيين. توفي هاريس عام 1933 ودُفن في طنجة، تاركاً وراءه إرثاً من الكتابات التي لا تزال تثير النقاش والبحث. وتُعد هذه الترجمة الجديدة لحسن الزكري، وهي رابع عمل له يترجمه لهاريس، إضافة قيمة للمكتبة العربية وللباحثين والمهتمين بتاريخ المغرب المعاصر.