logo
الاحتلال… ليس بالضرورة عسكريًا

الاحتلال… ليس بالضرورة عسكريًا

فنر محمد سعيد تمي ــ
عندما نسمع كلمة 'احتلال'، يتبادر إلى أذهاننا جندي أجنبي، ودبابة عند الزاوية، وعَلَم غريب يُرفع بالقوة فوق الأسطح.
لكن الحقيقة أوسع من هذا بكثير… فالاحتلال قد يكون أخطر حين لا يُحمل بالسلاح، بل يُحمل في العقول والقلوب والرقصات وحتى في تفاصيل الحياة اليومية.
الاحتلال قد يأتيك من الداخل، بأيدي أبناء البلد نفسه… لكن بفكر متعصب، متطرف، انتقامي.
هو احتلال لا يُرفع فيه علم، بل تُفرض فيه ثقافة قسرية، وعادات تُقدَّم على أنها 'الطبيعي'، وتقاليد يُراد بها طمس ما تبقى من روح المكان.
في دمشق، مثلاً، بعد انهيار حكم بشار الأسد البائد وهروبه من العاصمة، ودخول جماعات أخرى إلى السلطة، قادمة من إدلب ودرعا والمنطقة الشرقية، تغيّرت ملامح العاصمة بطريقة غريبة.
لم يعد الأمر مجرد 'نظام جديد'، بل غدت المدينة مسرحًا لاجتياح ثقافي واجتماعي، حيث ظهرت فجأة مظاهر دخيلة، فرضت نفسها بقوة على الشوارع والساحات.
الدبكات والرقصات والأزياء وحتى اللهجات
تحوّلت إلى رموز 'احتلال ناعم'، لكنها أكثر قسوة مما يبدو.
ليس لأن الناس تحتفل، بل لأن هناك محاولة لدفن هوية المدينة الأصلية واستبدالها بهوية أخرى، تحمل في طياتها ثأرًا قديمًا… كأنهم يقولون: 'نحن هنا، هذا زمننا، وهذه مدينتنا الآن.' وللأسف هذا ما نراه في كل مدن وجغرافية سوريا التي باتت تحت سيطرتهم.
الخطير في هذا النوع من الاحتلال، أنه لا يثير الصراخ ولا يُطلق الرصاص، بل يتم تسويقه كـ 'تحرير' أو 'تغيير طبيعي'، فيما هو في العمق عملية انتقام ثقافي.
وهذا ما يحدث اليوم في سوريا بشكل عام، حيث يتم مسح الذاكرة الجماعية تدريجيًا، بحجة 'أنهم حرروا المدينة'، بينما هم عمليًا يعيدون احتلالها بطريقة لا تقل خطورة عن الاحتلال الأجنبي.
اليوم، يتجسد هذا الاحتلال الناعم بأبشع صوره، عبر إشغال الناس بمشاريع وهمية، مثل تلك التي تروج لبناء أبراج ومراكز تجارية عملاقة في جبل قاسيون ومناطق أخرى بدمشق ومدن سورية أخرى. مشاريع أشبه بالأحلام، لا وجود لها إلا على الورق والشاشات. بل وصل الأمر إلى التوقيع على اتفاقيات شكلية، لا تستدعي حتى وجود الرئيس وفقًا للبروتوكولات الرسمية، كما حدث في مشروع 'مدينة بوابة دمشق للإعلام'.
كل ذلك يتم بهدف إلهاء السوريين عن واقعهم السياسي، وعن مراقبة مصير بلادهم، في خضم دوامة حربٍ خاصة دقيقة، تُصنع بعناية لإشغال العقول بالأوهام، وتُروّج عبر جيوش إلكترونية مدربة، تبث سمومها لتخدير كل مكونات
المجتمع السوري، كأنها حملات موجهة من الخارج، لكنها تعمل من الداخل بفعالية مدمرة.
لقد وصلت هذه الحملات إلى حد تغيير معالم تاريخية وجغرافية بارزة في المدن السورية، خصوصًا في دمشق وحلب والساحل والسويداء وقبلهم بعفرين المحتلة.
في دمشق، تم مؤخرًا إزالة سيف ورمح تمثال صلاح الدين الأيوبي، في سابقة ليست مجرد عبث فردي، بل هي فعل ممنهج مقصود. وفي حلب، جرى تغيير معالم قلعة حلب تحت ذريعة 'الترميم'، كما تم إزالة تمثال 'الشهيد' في ساحة سعد الله الجابري، بحجة التحديث، وكلها خطوات تسير ضمن خطة لطمس معالم التاريخ السوري وتجريد المدن من روحها وهويتها، في إطار تثبيت مفهوم الاحتلال الناعم.
هذا الأسلوب ليس جديدًا. ففي عفرين، عند اجتياحها من قبل تركيا ومرتزقتها، جرى نهب وتدمير عشرات المواقع الاثرية وسرقتها إلى داخل التركي ومنها تمثال أثري في 'عين دارا' يعود إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. إنها عقلية واحدة ترفض الفن والجمال والرموز التاريخية، لكي يعمل على عملية تغيير الديمغرافي، لا لأنها تمثل نظامًا أو مرحلة
معينة، بل لأنها تعبّر عن روح المجتمع الكردي وإرثه العريق.
وهنا يبرز سؤال جوهري:
هل كان هدفنا حقًا هو 'تحرير' سوريا من نظام ظالم وحكمها لخمسين عامًا؟ أم أن ما يجري الآن هو انتقام خفي
من الشعب السوري، وتنفيذ لمشاريع احتلالية كانت حبيسة أدراج دول إقليمية، وعلى رأسها تركيا؟
إن ما يجري هو مشروع احتلال ناعم متكامل، يستغل حالة الانقسام والغضب في سوريا، ولا سيما دمشق، مستفيدًا من فئة غارقة في نشوة الوهم والانتقام، فئة لا علاقة لها بالحرية ولا بالثورة، بل تربت على أحقاد البعث العنصري، ونشأت في كنف الكراهية، لتصبح أداة بيد تلك الدول الطامعة.
هكذا يتم تجييش الناس ضد بعضهم البعض، ويُفتح الطريق لتلك الدول كي تنفذ مشاريعها الاستعمارية بأيدٍ سورية، عبر خلق الفوضى وتفتيت المجتمع.
حتى الأطفال لم يسلموا من هذا المشروع، إذ جرى استغلالهم بحجة الرياضة والفنون والعلم، بينما في الحقيقة يتم تدريبهم على التعصب والتطرف، بل وزرع مفاهيم الجهادية متشددة، على يد جماعات متطرفة قادمة من كل اصقاع العالم، لتخريج جيل جديد من المنغمسين في الفكر الجهادي المتشدد.
الحقيقة المرة أن ما يجري ليس مشروع دولة، ولا خطة لتحرير مجتمع من نظام بائد، بل هو مشروع جهادي متطرف، يحوّل سورية إلى بؤرة للإرهاب والتطرف الفكري والانحلال الثقافي.
في النهاية:
الاحتلال الأخطر هو الذي يجعل الناس يعتقدون أنه 'تحرير'.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قائد الثورة: سنوصل إيران إلى قمّة التقدم والمجد رغم أنوف الأعداء
قائد الثورة: سنوصل إيران إلى قمّة التقدم والمجد رغم أنوف الأعداء

اذاعة طهران العربية

timeمنذ 3 ساعات

  • اذاعة طهران العربية

قائد الثورة: سنوصل إيران إلى قمّة التقدم والمجد رغم أنوف الأعداء

إحياء ذكرى الأربعين لشهداء الحرب المفروضة الأخيرة والتي أقيمت، صباح اليوم الثلاثاء، في حسينية الإمام الخميني (رض)، بحضور قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، إلى جانب عوائل الشهداء، وعدد من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، وجمع غفير من المواطنين، شدد سماحته على مكانة الشهادة وواجب مواصلة الطريق الذي رسمه الشهداء وقال: الجمهورية الإسلامية أظهرت للعالم أجمع الصلابة المنقطعة النظير لأسس النظام والبلاد. وتابع سماحته في كلمته قائلا: أن ما يعارضه الاستكبار العالمي، بقيادة أمريكا المجرمة، هو دينكم وعلمكم. إنهم يعارضون دينكم، ويعارضون هذا الإيمان الواسع للشعب. إنهم يعارضون هذه الوحدة في ظل الإسلام والقرآن الكريم، ويعارضون علمكم. وأشار قائد الثورة الإسلامية إلى أن ما يُقال عن الأسلحة النووية، والتخصيب، وما شابه، وحقوق الإنسان، وما شابهها، هي مجرد ذرائع . واعتبر سماحته أن الشعب الإيراني، بعون الله، لن يتخلى عن دينه وعلمه مضيفا القول: سنخطو خطوات واسعة في تعزيز إيماننا الديني، وتوسيع وتعميق معارفنا المتنوعة، رغما عن أنف العدو، وسنتمكن من إيصال إيران إلى قمة التقدم وقمة العزة، بفضل الله تعالى. وتابع: الشعب الإيراني يمتلك هذه القدرة، وسيُطبقها إن شاء الله، وسيُحقق النتائج المرجوة. وقال آية الله خامنئي: بالإضافة إلى الإنجازات العظيمة التي حققها الشعب الإيراني خلال الحرب المفروضة الاخيرة، والتي تُشيد بها شعوب العالم اليوم، فقد أظهرت الجمهورية الإسلامية وشعب إيران العزيز للعالم قوتهما وعزيمتهما وصمودهما. فلو كان الآخرون قد سمعوا عن ذلك فقط، فقد رأوها عن كثب الان. علاوة على ذلك، من المهم أن الجمهورية الإسلامية أظهرت للعالم صلابة أسس نظامها وبلدها .

قراءة نقدية في نص نوعا ميمان: اعتراف من الداخل!خالد صالح عطية
قراءة نقدية في نص نوعا ميمان: اعتراف من الداخل!خالد صالح عطية

ساحة التحرير

timeمنذ 9 ساعات

  • ساحة التحرير

قراءة نقدية في نص نوعا ميمان: اعتراف من الداخل!خالد صالح عطية

المقال المترجم عن صحيفة 'يديعوت أحرونوت' – الكاتبة: نوعا ميمان | ترجمة: الأستاذ عارف لوباني | نُشر في 'الملتقى الفلسطيني' بتاريخ 26 يوليو 2025، تحت عنوان: 'لماذا أعتقد أن المقارنة بالهولوكوست ضرورية؟' ——- قراءة نقدية في نص نوعا ميمان: اعتراف من الداخل! بقلم : خالد صالح عطية لم يكن ما كتبته نوعا ميمان مجرد تأمل صحفي أو مساهمة في نقاش ثقافي. كان بمثابة شهادة أخلاقية مرّة، خرجت من داخل البنية الإسرائيلية نفسها. اعتراف نادر، شجاع ومروّع في آن، بأن ما يجري في غزة اليوم لا يختلف في جوهره عن أفظع ما شهده القرن العشرون في أوروبا. ميمان، وهي ابنة المؤسسة، لا تكتفي بالملاحظة أو الاستعارة. إنها تمضي إلى المقارنة الصريحة: بين سياسات إسرائيل اليوم وبين أسوأ كوابيس التاريخ الحديث – الهولوكوست. تقول بوضوح: المجازر لا تحتاج إلى أفران غاز كي تُسمى إبادة. فالموت له أشكال أخرى؛ منها التجويع المُمنهج، والترحيل البطيء، وحرمان الناس من الدواء، والقتل المتلفز. إنه الإلغاء لا على الفور، بل بالتقسيط – أمام أعين عالمٍ لا يستطيع الادعاء بـ'أنه لم يكن يعلم'. لكن المفارقة القاتلة تكمن في أن هذه الصرخة التي دوّنتها ميمان، لو خرجت من فم فلسطيني، أو حتى من يهودي غير صهيوني، لاعتُبرت تحريضًا أو نفيًا للهولوكوست أو حتى 'معاداة للسامية'. إن الجرأة على المقارنة باتت جريمة في عرف النظام الأخلاقي الذي بنته أوروبا حول إسرائيل، بينما هي – من داخل هذا النظام – تملك شرعية الصراخ، ولو همسًا. تكتب ميمان: 'نحن نمثل دور الله… إله رهيب، منتقم، قاتل'. ليست هذه عبارة رمزية؛ بل خلاصة لجوهر ذهنية استعمارية إحلالية ترى نفسها فوق القانون، فوق البشر، فوق الأخلاق. إنها ذهنية تعتبر نفسها ضحية أبدية، حتى حين تكون الجلاد. تقرأ المقال كفلسطيني، فلا تدهشك التفاصيل بقدر ما يصفعك وضوحها. كل ما ذكرته، نعرفه. عشناه، وسُحقت بسببه مدننا، وقُطعت أوصالنا، وهُجّر أجدادنا. لكن الاعتراف به داخل إحدى أكبر الصحف الإسرائيلية يطرح سؤالًا أخلاقيًا كبيرًا: لماذا لا يُسمع هذا الصوت إلا حين يصدر من داخل الجدار؟ هل نحن بحاجة دائمًا إلى 'ضمير من الداخل' كي يُصدّق العالم روايتنا؟ وما جدوى الصدق إذا ظلّ محاصرًا داخل النصوص، لا يُغيّر شيئًا على الأرض؟ ميمان لا تبرر، بل تُدين. لا تكتب للتكفير، بل للتحذير. إنها لا تضع مسافة بينها وبين المذبحة، بل تقول صراحة: نحن فيها، ونحن فاعلوها. وهي إذ تفعل، تعرّي المنطق الإسرائيلي – أو ما تبقى منه – الذي لا يزال يحاول الادعاء بأنه يحمل أخلاق الضحية، بينما يمارس فصول الجريمة نفسها. ومع ذلك، لا ينبغي أن نُضفي على هذه الكتابة طابعًا مخلّصًا. فالنظام الذي أنتج ميمان، والذي سمح بمقالها، هو ذاته الذي يقصف ويجوع ويحاصر ويقتل. لا بأس في أن نقرأ، أن نُصغي، أن نُسجّل الشهادة. لكن لا يجوز أن نراهن على هذا الداخل، ولا على قدرته في إيقاف آلة القتل. فالدولة التي بُنيت على أنقاض شعبٍ آخر، وأُحيطت بشرعية دولية أُنتجت من رماد أوروبا ، لا تتغير بالاعترافات وحدها. لا سيما حين يكون العالم، الذي منحها تلك الشرعية، ما زال يستهلك موتنا كضرورة لبقاء توازنه الأخلاقي الهش. لهذا فإن مقال ميمان مهم، لا لأنه خلاص، بل لأنه دليل إدانة. يُضاف إلى آلاف الشهادات التي تفضح المشروع الصهيوني لا كدولة 'عادية'، بل كمستعمرة محمية بمنظومة أخلاق كاذبة. مقالها يفضح إسرائيل، لكنه يفضح أيضًا صمت العالم، وعجز الإنسانية، وتواطؤ القانون الدولي. ما كتبته ميمان يصلح أن يُقدَّم لمحكمة . لكنه أيضًا يصلح لأن يكون مرآة لأوروبا، لتُدرك أن الوحش الذي أنجبته، لم يمت. لقد تغيّر اسمه، وموضعه، ورايته. لكنه لا يزال يفعل الأمر ذاته: يُبيد، ويبرّر، ويُقنّن الجريمة. وإذا كان هناك درس واحد من الهولوكوست الحقيقي، فهو أن السكوت هو الجريمة الأولى. الرهان ليس على اعترافات الداخل، مهما بلغت قوتها، بل على ما يُبنى خارج هذا النظام كله. على وعي، لا يتوسل الاعتراف. على خطاب، لا يخاف من أن يُقارن، لأن الجريمة لا تتغير حين يُقال عنها اسمها الحقيقي. إننا لا نريد مقالات شجاعة فقط. نريد عدالة. ‎2025-‎07-29

الشيعة والتهميش المزمن في العراق!يوسف السعدي
الشيعة والتهميش المزمن في العراق!يوسف السعدي

ساحة التحرير

timeمنذ 9 ساعات

  • ساحة التحرير

الشيعة والتهميش المزمن في العراق!يوسف السعدي

الشيعة والتهميش المزمن في العراق! يوسف السعدي منذ اللحظة التي أُغلقت فيها صفحة النبوة برحيل النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، دخل المسلمون منعطفًا سياسيًا حادًا ألقى بظلاله على حاضرهم ومستقبلهم. لم يكن الخلاف مجرد جدل حول آلية الخلافة، بل تحول إلى انقسام تاريخي عميق، عانى فيه الشيعة من تهميش سياسي، وحرمان اجتماعي، واضطهاد ديني متواصل. شكّلت حادثة 'السقيفة' منعطفًا سياسيًا تمخّض عنه تغييب دور البيت النبوي، وخصوصًا الإمام علي بن أبي طالب، الذي كان كثير من المسلمين – وخصوصًا أهل بيته – يرون أحقيته بالخلافة. ومنذ ذلك الانعطاف، وجد الشيعة أنفسهم في موقع 'المعارض' للسلطة، وهي صفة لم تفارقهم في معظم مراحل التاريخ الإسلامي. تتابعت على الشيعة قرون من الكبت تحت الحكم العباسي، ثم تكرّس التهميش في ظل الحكم العثماني، الذي لم يعترف رسميًا بوجودهم كمكوّن مستقل، بل نظر إليهم بريبة أمنية ودينية. وكان يُسمح لهم بممارسة شعائرهم في الخفاء أو ضمن هامش ضيق، مع تهميش المرجعيات الدينية الشيعية التي تمثل القيادة الروحية للمجتمع الشيعي. مع ولادة الدولة العراقية الحديثة تحت الحكم الملكي البريطاني، لم يُمنح الشيعة تمثيلًا عادلًا في مؤسسات الدولة. وكان الانطباع السائد لدى البريطانيين، ثم النخب السُنية التي سيطرت على الدولة، أن الشيعة 'موالون لإيران'، وهي تهمة سياسية أكثر منها واقعية، لكنها كانت كافية لإقصائهم عن الجيش، والسلك الدبلوماسي، والسلطة التنفيذية. ورغم أن الشيعة كانوا يشكّلون الأغلبية السكانية، إلا أن حضورهم السياسي كان ضعيفًا، بل مهمشًا تمامًا. وقُمعت انتفاضاتهم، مثل انتفاضة العشرين، وتم تحجيم المرجعية في النجف ومحاصرتها إداريًا واقتصاديًا. بلغ الاستبداد ذروته في عهد صدام حسين، حيث لم يقتصر الأمر على التهميش، بل تم اللجوء إلى القمع الدموي. أُعدم المئات من رجال الدين الشيعة، واستُهدفت المرجعية العليا، ودُمّرت قرى الجنوب، وجُفّفت الأهوار، وهُجّرت آلاف العوائل إلى إيران بحجة 'التبعية'، وهي جريمة تطهير طائفي موثقة. وكانت انتفاضة عام 1991، عقب حرب الخليج الثانية، لحظة انفجار مكبوتة، لكن النظام ردّ عليها بمجزرة دامية طالت أكثر من 100 ألف مدني في النجف وكربلاء والجنوب، وسط صمت دولي مطبق. ورغم وصول الشيعة إلى الحكم بعد عام 2003، لم تُحسم المظلومية بشكل كامل، بل اتخذت أشكالًا جديدة. فقد انتقل الشيعة من تهميش السلطة إلى فوضى السلطة، ومن الحرمان إلى التخبط، نتيجة ضعف الإدارة، وانتشار الفساد، والتدخلات الإقليمية. ولا تزال المناطق الشيعية، رغم تمثيلها في البرلمان، تعاني من نقص الخدمات، وغياب التنمية، وانتشار البطالة. كما أن الصورة النمطية عنهم كـ'ميليشيات' لا تزال تُستخدم أداةً للطعن في مشروعهم الوطني. مظلومية الشيعة في العراق ليست مجرد سردية طائفية، بل حقيقة سياسية واجتماعية ممتدة منذ قرون. وهي ليست دعوة للانتقام، بل للحقيقة والإنصاف والمواطنة العادلة. فالعدالة التاريخية تبدأ بالاعتراف، ثم بالتصحيح، لا بالإنكار. إن العراق لن يستقر إلا حين يشعر الشيعي، كما السني، والكردي، وكل مكوّن، أن هذا الوطن له، لا عليه. ‎2025-‎07-29

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store