
لمحات مستقبلية: ماذا نريد وكيف؟
في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، تبرز قضايا ومبادرات تحمل في طياتها رؤى استراتيجية تستحق التوقف عندها وتحليل أبعادها وتأثيراتها على المجتمعات. فمن الشراكات الدولية التي تعزز الاستقرار والتنمية المستدامة، مروراً بالاقتصاد الدائري الذي يشكل مستقبلاً اقتصادياً أكثر استدامة، وصولاً إلى الإجراءات الحازمة لضمان حماية الأسواق والمستهلكين، تتشكل معالم نهج متكامل يعكس رؤية متطورة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً ومسؤولية. فهذه الملفات لا تقتصر على كونها أخباراً مهمة، بل تحمل مضامين أعمق تتطلب القراءة والتأمل فيها لخدمة التنمية وتحقيق الاستقرار.توقفت أمام ثلاثة أخبار مهمة تحمل ملامح نهج ورؤية واستراتيجية عمل تستحق الدعم وتسليط الضوء عليها لمضامينها المهمة:الخبر الأول حول القمة الافتتاحية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، وجمهورية الصين الشعبية، حيث جاء الخطاب تأكيد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على أهمية الشراكات الدولية في تعزيز الاستقرار والتنمية المستدامة، مع التركيز على القضية الفلسطينية كأولوية سياسية وإنسانية، وتجديد الدعوة لحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة. هذا التأكيد يحمل دلالات مهمة، أبرزها الإشارة إلى الحاجة العاجلة للتحرك الدولي، فالحديث عن توفير المساعدات بشكل فوري يعكس خطورة الوضع الإنساني وضرر الحصار الاقتصادي، إذ إن الدمار الواسع في البنية التحتية، مع النقص الحاد في الموارد الأساسية، يعكس حجم المعاناة الإنسانية التي تشكل وصمة عار على المستوى الحقوقي. وبين كل ذلك، جاءت كلمة البحرين لتؤكد التزامها بدعم حقوق الفلسطينيين، مما يعزز التضامن العربي والدولي تجاه قضية العرب الأولى.أيضاً أبرز الخطاب الدور المحوري الذي تلعبه دول مجلس التعاون الخليجي، الآسيان، والصين في الاقتصاد العالمي، حيث تمثل هذه الدول مجتمعة حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويشير هذا الرقم إلى إمكانات التعاون الاقتصادي، خاصة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، الحياد الكربوني، والاستثمارات المشتركة، وهو ما يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي لهذه المناطق. كما جاءت دعوة البحرين لإبرام معاهدة دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي لتؤكد على أهمية الإدارة المسؤولة لهذه التكنولوجيا، لاسيما مع تزايد تأثيرها على الاقتصاد والمجتمع ومستقبل الإنسان. فهذه الدعوة تُظهر رغبة الدول المشاركة في ضبط الاستخدامات غير المنظمة للذكاء الاصطناعي، بما يضمن توافقها مع القيم الإنسانية والثقافية. ويمكن اعتبار هذا الخطاب الاستراتيجي العربي الشامل دعوة قوية للتضامن والعمل المشترك لمواجهة التحديات الراهنة، سواء أكانت اقتصادية أو إنسانية، وهو ما يعكس رؤية البحرين ودول الخليج العربي نحو مستقبل أكثر توازناً، يراعي حقوق الشعوب ويساهم في تحقيق الاستقرار العالمي.الخبر الثاني جاء لتناول منتدى الاقتصاد الدائري.. نحو اقتصاد مستدام، الذي نظمته سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى مملكة البحرين، والذي يهدف للالتزام بتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري كجزء من استراتيجيات التنمية المستدامة، والذي يهدف إلى تحسين كفاءة استغلال الموارد، وتقليل الهدر، وتعزيز إعادة التدوير، مما يسهم في تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة، إذ تشير تقديرات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري يمكن أن يضيف 4.5 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي ويوفر ملايين فرص العمل بحلول عام 2030. جاء في المنتدى أن الاقتصاد الدائري يعد نموذجاً اقتصادياً مبتكراً، اكتسب اهتماماً عالمياً متزايداً نظراً لدوره المحوري في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة. فهو يفتح المجال واسعاً للأفكار الإبداعية والابتكار في هذا المجال بما يخدم البحرين ودول المنطقة كما هو في العالم، ويضمن تحسين مستقبلها. فهناك العديد من الشركات والمبادرات التي تطبق مبادئ الاقتصاد الدائري عالمياً، ويمكن البناء عليها والاستفادة منها، سواء في إدارة النفايات، تنقية المياه، إعادة تدوير الملابس، أو إعادة استخدام الإطارات المستعملة وتصنيعها من جديد، أو إعادة تدوير البلاستيك، وغيرها، فإن هذا النموذج يخلق فرصاً واعدة للشركات الصغيرة التي تسعى إلى التوسع في هذا المجال المتنامي. فما جاء في هذا المنتدى يعكس رؤية مشتركة ومتطورة بين البحرين والإمارات، مما يستحق تعزيز الوعي بأهميته وتشجيع الحكومات والشركات والأفراد على تبني استراتيجيات تدعم التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة. أما الخبر الثالث فقد تناول قضية تمس صحة المستهلكين وسلامة الأسواق، وهي قضية حيازة وتداول السلع الغذائية الفاسدة منتهية الصلاحية. فقد كشفت التحقيقات المكثفة التي أجرتها النيابة العامة في البحرين عن عمليات تعديل تواريخ الصلاحية وإعادة تسويق المنتجات بطرق غير قانونية، مما أدى إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق المتورطين.وتُظهر هذه القضية مدى التزام الجهات المختصة بتطبيق القوانين التي تحمي المستهلكين من الغش التجاري، حيث أمرت النيابة العامة بحبس 29 متهماً احتياطياً، إضافة إلى التحفظ على المستودع والشركة ومحلاتها التجارية، مما يعكس جدية التعامل مع مثل هذه الجرائم. فالقانون الموحد لمكافحة الغش التجاري في دول مجلس التعاون الخليجي يجرّم هذه الأفعال، ويضع عقوبات صارمة لضمان عدم تكرارها، كما أن منع انتشار السلع الفاسدة يسهم في الحفاظ على ثقة المستهلكين في المنتجات المحلية، فالتعامل الشفاف يعزز الرضا على رقابة الأسواق، فبيع وتناول منتجات منتهية الصلاحية قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل التسمم الغذائي، وهو ما يستدعي فرض عقوبات صارمة على المتورطين، مما يشكل رادعاً قوياً لأي محاولة مستقبلية للغش التجاري.وعوداً على بدء، فإن وجود السياسات الاقتصادية الواعدة، والشراكات الدولية الطموحة، والإجراءات القانونية الحاسمة، تسهم في رسم ملامح مستقبل أكثر استدامة وعدالة، فهذه الخطوات تعكس التزاماً حقيقياً بمبادئ النمو الاقتصادي المسؤول، والعدالة الاجتماعية، وضمان حقوق الأفراد في بيئة آمنة ومستقرة، ليبقى الدور الأكبر في دعم هذه التوجهات بمسؤولية وصدق وأمانة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
منذ ساعة واحدة
- البلاد البحرينية
البث المباشر يحقق نمواً متوقعاً بقيمة 17.8 مليار دولار بحلول عام 2030
من المتوقع أن يتضاعف حجم صناعة البث المباشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليصل إلى 17.8 مليار دولار بحلول عام 2030، وذلك وفقاً لتقرير "تيك توك" الذي صدر مؤخراً بالتعاون مع شركة الاستشارات العالمية "كيرني" تحت عنوان "تقرير مستقبل الترفيه". ومع وصول قيمة سوق البث المباشر في المنطقة حالياً إلى 8.1 مليار دولار في عام 2024، فإن هذا النمط من البث المباشر في المنطقة سرعان ما سيصبح أساس الاقتصاد الرقمي، مما يخلق مزيداً من فرص العمل ويعزز ريادة الأعمال ونمو الصناعة الإبداعية في جميع أنحاء المنطقة. صعود البث المباشر الترفيهي يتناول التقرير البث المباشر التفاعلي والمحتوى الذي يقدمه صناع المحتوى وتفاعلهم المباشر مع الجمهور وتأثير ذلك على إعادة تشكيل أنماط استخدام وسائل الإعلام، ودوره في توفير طرق جديدة للشركات تعود عليهم بالفائدة، وتدعم قطاع صناعة المحتوى المزدهر. ومن المتوقع أن ينمو قطاع البث المباشر في دولة الإمارات من 1.9 مليار دولار إلى 3.4 مليار دولار بحلول عام 2030. وقد قام أكثر من 10 مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبث المباشر مرة واحدة على الأقل، مما يؤكد على سهولة الوصول إلى هذا النمط من البث المباشر وشعبيته المتزايدة. وفي هذا الصدد، قال يحيى منير، مدير الثقة والتجارب في "TikTok LIVE" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يعيد البث المباشر تعريف كيفية إنشاء المحتوى واستهلاكه وتحقيق الدخل منه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ لم يعد هذا مجرد اتجاه خاص بصناع المحتوى، بل بات قوة اقتصادية سريعة النمو تفتح الفرص لصناع المحتوى والشركات والمجتمعات على حد سواء. لذا يسلط تقرير مستقبل الترفيه الضوء على حجم هذه الفرصة والدور المحوري الذي لا يزال البث المباشر يسهم به في دعم التحول الرقمي والإبداعي في المنطقة." التعرف على الفاعلين الرئيسيين في سلسلة قيمة البث المباشر يدعم البث المباشر في دولة الإمارات سلسلة قيمة متنامية تجمع بين صناع المحتوى والمنصات والجمهور. ويشكل أساس هذه السلسة صناع المحتوى، إذ يجري حوالي 115,000 منهم بث يومي على منصات البث المباشر في جميع أنحاء الدولة، ويقدمون محتوى بموضوعات متنوعة منها الترفيهي والتعليمي وما يتعلق بأنماط الحياة العصرية الجديدة والتنسيقات المتخصصة. وقد توفير مجموعة من الموارد والميزات في "تيك توك" لتمكين صناع المحتوى وتعريفهم بكيفية استفادة من "TikTok LIVE"، والعروض المختلفة وفرص تحقيق الدخل، مما يساعدهم على الظهور بحرفية أكبر ويوسع نطاق انتشارهم. وتوفر منصات مثل "TikTok LIVE" البنية التحتية وأدوات تحقيق الدخل التي تجعل هذه المنظومة ممكنة، ويأتي الجمهور ليكمل هذه الحلقة من خلال المشاركة والإهداء والاشتراكات. لتشكل هذه الجهات الفاعلة معاً منظومة حيوية مترابطة تقود النمو والابتكار الهادف. الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية للبث المباشر توصل تقرير "TikTok" إلى أن البث المباشر يقدم مساهمات حقيقية كبيرة في الميزانيات المحلية من خلال ضريبة القيمة المضافة وحدها. إذ تُقدَّر الإيرادات المالية من ضريبة القيمة المضافة في دولة الإمارات عام 2024 بقيمة 2.4 مليار دولار أمريكي. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 4.6 مليار دولار، مما يؤكد على الدور المحوري للبث المباشر في تشكيل الاقتصاد الرقمي في دولة الإمارات والمساهمة الكبيرة في الإيرادات الحكومية. استكشاف إمكانات البث المباشر تتمتع دولة الإمارات بوضع جيد يؤهلها لأن تصبح مركزاً إقليمياً للبث المباشر، وذلك بفضل بنيتها التحتية القوية واللوائح التنظيمية المتطورة والاهتمام الوطني بالنمو الرقمي. لذا فإن التعاون ضروري بين المنصات والهيئات الحكومية والجهات الفاعلة في القطاع لإطلاق هذه الإمكانات. فعلى سبيل المثال، ساهمت الشراكة الأخيرة مع مهرجان دبي للألعاب والرياضات الرقمية 2025 الذي تم بثه مباشرة عبر حساب @dubaifestivals على المنصة و@tiktoklive_mena في وصول المهرجان إلى مجتمع الألعاب الأوسع في المنطقة. ويشمل ذلك أيضاً توسيع نطاق الوصول إلى التدريب والمرافق، ودعم الأعمال التي يقودها صناع المحتوى، وتشجيع المحتوى الذي يتماشى مع أهداف التنمية الثقافية والوطنية. وبفضل الدعم المناسب، يمكن لدولة الإمارات جذب المواهب وزيادة تأثير القصص المحلية وتعزيز دورها كرائد في اقتصاد البث المباشر العالمي. تحفيز التحول الرقمي والتنويع الاقتصادي يتوافق نمو البث المباشر بنحو كبير مع استراتيجية الاقتصاد الرقمي لدولة الإمارات العربية المتحدة وطموحات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأوسع نطاقاً لتعزيز الابتكار والإبداع وريادة الأعمال. كما يتيح هذا النمط لصناع المحتوى عرض الثقافة والقصص والمواهب المحلية للجمهور العالمي، مما يجعل المنطقة مركزاً صاعداً للبث المباشر. القيمة الاجتماعية والاقتصادية الخفية تكشف نتائج التقرير أن تأثير البث المباشر يقتصر على المجال الترفيهي وحده، بل يمتد ليشمل النواحي الاقتصادية والاجتماعية. فمع الإيرادات المتوقعة بالمليارات، وآلاف الوظائف المدعومة، وتنامي قاعدة صناع المحتوى المحترفين، باتت ذه الصناعة ركيزة أساسية للاقتصاد الرقمي في الدولة. وهو ما سيفسح المجال أيضاً لمزيد من الأشخاص لتحقيق الفائدة المادية وبناء حياة مهنية ومشاركة آرائهم الخاصة. ومع مواصلة هذه المنظومة تطورها، سيمتد تأثيرها إلى الواقع بنحو يعزز الابتكار والشمول والنمو على المدى الطويل.


البلاد البحرينية
منذ ساعة واحدة
- البلاد البحرينية
النفط يتجه لتراجع أسبوعي مع ترقب لقرار أوبك+
تتجه أسعار النفط، خلال تعاملات الجمعة، نحو تسجيل انخفاض أسبوعي بأكثر من واحد بالمئة، وسط تقلب في القرارات القضائية بشأن الرسوم الجمركية الأميركية وترقب السوق لاحتمال زيادة إنتاج أوبك+. تحرك الأسواق انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 26 سنتا بما يعادل 0.41 بالمئة إلى 63.89 دولار للبرميل بحلول الساعة 0104 بتوقيت غرينتش. ويحل أجل عقود برنت الآجلة لشهر يوليو الجمعة. وتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 27 سنتا أو 0.44 بالمئة إلى 60.67 دولار للبرميل، بحسب بيانات وكالة رويترز. أعادت محكمة استئناف فيدرالية في الولايات المتحدة العمل برسوم الرئيس دونالد ترامب الجمركية مؤقتا يوم الخميس، ملغية قرار محكمة تجارية يوم الأربعاء علق تطبيق هذه الرسوم. وتسبب القرار في انخفاض أسعار النفط بأكثر من واحد بالمئة، الخميس، مع عكوف التعاملين على تقييم أثره. وقال محللون إن حالة الضبابية ستتواصل مع استمرار المعارك القضائية بشأن الرسوم الجمركية. ومن المتوقع أن يقرر تحالف أوبك+، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها، زيادة إنتاج النفط في يوليو عندما يجتمع السبت. وتسعى أوبك في الوقت نفسه إلى ضمان خفض بعض الدول مثل كازاخستان إنتاجها الذي تجاوز المستويات المتفق عليها. وقال روبرت ريني مدير أبحاث السلع والكربون لدى ويستباك في مذكرة "أصبحت المواجهة بين أوبك وكازاخستان أكثر وضوحا هذا الأسبوع". نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء الخميس عن نائب وزير الطاقة في كازاخستان القول إن بلاده أبلغت أوبك بعدم نيتها خفض إنتاجها النفطي. ورفض وزير الطاقة الكازاخستاني الخميس شكاوى أعضاء آخرين بشأن إنتاج كازاخستان الزائد، قائلا إن حصة بلاده من الإنتاج العالمي تقل عن اثنين بالمئة وإن سعر النفط فوق 70 إلى 75 دولارا للبرميل من المرجح أن يكون مناسبا لجميع الدول. وقال ريني "الأجواء مهيأة لزيادة أخرى كبيرة في الإنتاج" ربما تكون أعلى من الزيادة التي بلغت 411 ألف برميل يوميا التي تم الاتفاق عليها في الاجتماعين السابقين.


الوطن
منذ 8 ساعات
- الوطن
البحرين في قلب الشراكة الخليجية الآسيوية.. كلمات ولي العهد رئيس الوزراء ورسائل الدولة
توفيق السباعي من العاصمة الماليزية كوالالمبور، وبحضور أصحاب الجلالة والسمو والفخامة قادة الوفود المشاركة؛ ألقى صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه اللّه، كلمتين بارزتين خلال مشاركته نيابةً عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم حفظه اللّه ورعاه، في القمّتين الاستراتيجيّتين: القمّة الثانية بين مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان)، والقمّة الافتتاحيّة بين مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) وجمهوريّة الصين الشعبيّة. وقد حملت الكلمتان رسائل بعيدة المدى، عكست من خلالها مملكة البحرين مواقفها الثابتة، ورؤيتها العالميّة المتّزنة، ودورها الفاعل في بناء نظام دوليّ أكثر تعاوناً واستقراراً. جاءت كلمات سموّه متّسقة في بنيتها ومضمونها، حيث انطلقت من ركيزتين أساسيّتين: التأكيد على الشراكات متعدّدة الأطراف، والدعوة إلى استثمار التحدّيات العالميّة كفرص للابتكار والتكامل. ففي كلمته أمام قمّة الآسيان، أعاد سموّه التأكيد على الدور التأسيسيّ الّذي لعبته البحرين منذ انطلاق الحوار الخليجيّ الآسيويّ قبل خمسة عشر عاماً، حيث احتضنت المملكة أوّل اجتماع وزاريّ، في دلالة رمزيّة عميقة على التزامها التاريخيّ بدعم الجسور الاستراتيجيّة بين المنطقتين. وقد أكّدت الكلمة على فهم عميق للتحدّيات الدوليّة المعاصرة، من تغيّر المناخ إلى الأزمات الاقتصاديّة والجيوسياسيّة، مشدّدة على أهمّيّة التعاون، والابتكار، والاعتماد على رأس المال البشريّ والتعليم والبحث العلميّ كمدخلات أساسيّة لتحقيق استقرار طويل الأمد. وهنا تظهر مملكة البحرين كفاعل مؤسسيّ يدعو إلى تمكين الشعوب، وتعزيز الروابط الثقافيّة والإنسانيّة، بوصفها عوامل محوريّة في بناء شراكة مرنة ومستمرّة. كما أنّ دعوة سموّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء المجتمع الدوليّ إلى الاستجابة لمبادرة جلالة الملك المعظم أيّده اللّه، بشأن عقد مؤتمر دوليّ للسلام في الشرق الأوسط، هي تأكيد متكرّر على النهج الدبلوماسيّ الحكيم لمملكة البحرين في ترسيخ قيم السلام والحوار والتعايش كوسيلة لحلّ الأزمات، لاسيّما في ظلّ التوتّرات المتصاعدة إقليميّاً. وفي القمّة الخليجيّة-الآسيان-الصينيّة، تتعمّق هذه الرؤية لتأخذ أبعاداً أكثر شموليّة. إذ جاء خطاب سموّه ليؤكّد على إدراك البحرين لأهمّيّة التوازنات الدوليّة وتحوّلات مراكز القوّة، وعلى رأسها الصعود الآسيويّ، ممثّلاً في الصين ورابطة الآسيان. وقد أبرزت الكلمة قدرة مملكة البحرين على استثمار هذه التحوّلات لصالح شراكات أكثر استدامة، حيث دعا سموّه إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجدّدة، التحوّل الرقميّ، والتنمية المستدامة. واللافت أنّ سموّه لم يكتفِ بالإشادة بالفرص، بل أظهر وعياً نقديّاً بالتحدّيات المصاحبة للابتكار، لاسيّما في مجال الذكاء الاصطناعيّ، إذ جدّد دعوة مملكة البحرين لإبرام معاهدة دوليّة لتنظيمه أخلاقيّاً. وهي دعوة تنسجم مع سياسة بحرينيّة عميقة تقوم على المواءمة بين التقدّم التكنولوجيّ والقيم الإنسانيّة، وهو ما يميّز البحرين كلاعب إقليميّ يعلي من شأن القيم في خضمّ التحوّلات الرقميّة العالميّة.كما جاءت إشارات سموّه إلى دعم البحرين للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ وإعادة إعمار غزّة؛ لتؤكّد أنّ السياسة الخارجيّة البحرينيّة توازن دائمًا بين البعد الاستراتيجيّ والبعد الأخلاقيّ، وهو ما يعكس التزام المملكة الثابت بدعم القضايا العربيّة، والدعوة إلى حلول دائمة قائمة على العدالة والكرامة. رسائل سموّ وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله لم تكن فقط خطاباً سياسيّاً متّزناً، بل رؤية استراتيجيّة تؤسّس لنمط جديد لمرحلة ما بعد التحالفات التقليديّة، فالشراكة الخليجية مع دول الآسيان والصين أصبحت ضرورة تنمويّة واستراتيجيّة. وتأتي مملكة البحرين في قلب هذا التحوّل، حاملة قيمها ومبادئها، حاضرة برؤيتها، شريكة بصوتها، وصانعة لفصول جديدة في التعاون الدوليّ.