
اعتقالات تؤزِّم التوتر بين موسكو وباكو
وتدهورت العلاقات بين البلدين مجددا بعد أن شنَّت الشرطة الروسية حملة اعتقالات جماعية لأذربيجانيين في مدينة يكاتربنبورغ على خلفية قضية جنائية تعود إلى 2001، لكن الحملة هذه انتهت بوفاة شخصين، واستدعت أذربيجان على خلفيتها القائم بأعمال السفارة الروسية لديها للاحتجاج، فيما زعمت وسائل إعلامية أذربيجانية أنهم توفوا نتيجة تعرضهم للتعذيب.
كما قرر البرلمان الأذربيجاني عدم إرسال وفده إلى موسكو لحضور اجتماع اللجنة الثنائية للتعاون البرلماني، وألغت وزارة الثقافة الأذربيجانية جميع الفعاليات الثقافية الروسية في الجمهورية.
مصالح البلاد
إضافة لذلك، أجرت الداخلية الأذربيجانية عمليات تفتيش في مكتب وكالة "سبوتنيك أذربيجان" التابعة لوكالة "روسيا سيغودنيا" الدولية للإعلام واعتقلت اثنين من الصحفيين العاملين فيها.
ووصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الوضع بأنه "غير مقبول"، وطالب موسكو بوقف ما وصفها بأشكال التمييز، متهما في ذات الوقت روسيا بدعم أرمينيا وبإجراءات موجهة ضد مصالح بلاده.
كما أكد علييف استعداد بلاده "للدفاع عن مصالحها بكل الوسائل الممكنة"، وهو ما اعتبره خبراء إشارة واضحة على الاستعداد لسيناريو القوة.
ردًا على ذلك، اختار الكرملين عدم الرضوخ "للاستفزازات"، وأكد المتحدث الصحفي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن موسكو تأمل حل التوترات عبر الحوار والحفاظ على علاقات ودية مع باكو.
وهذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها العلاقات الروسية الأذربيجانية توترًا في الأشهر الأخيرة، ففي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحطمت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأذربيجانية في أكتاو بكازاخستان، واتهمت أذربيجان روسيا بالمسؤولية عن الحادث.
وتطرح الأزمة الحالية بين البلدين تساؤلات حول "تعاون الحلفاء" الذي أسسه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف في فبراير/شباط 2022، وقدرته على استيعاب الآثار السلبية للأزمة التي توشك على الخروج عن السيطرة.
ولا يقل أهميةً عن ذلك، تداعيات التوتر بين موسكو وباكو على مستقبل منطقة القوقاز ذات الحيوية الجيوسياسية، لوقوعها على تقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية، وفيما إذا كانت الأزمة ستشكل مقدمة لفقدان روسيا قبضتها على القوقاز.
وتتهم أذربيجان روسيا بدعم أرمينيا وعدم رغبتها في حل النزاع، بينما تنتقد روسيا أذربيجان لتقاربها مع تركيا والغرب.
وبينما يعتقد مراقبون أن التعاون بين البلدين سيستمر في بعض المجالات شريطة حل قضية كاراباخ ، تشير توقعات "متشائمة" إلى مزيد من تصعيد التوترات.
محاصرة نفوذ
ويقول الخبير في شؤون جنوب القوقاز، أندريه أريشيف، إن المشهد بات مفتوحا على كل الاحتمالات، بما في ذلك خسارة روسيا للدول "الصديقة" في الفضاء السوفياتي السابق.
ويضيف للجزيرة نت، أن أذربيجان كثّفت مواجهتها الدبلوماسية والإعلامية مع روسيا بشكل خاص بعد العملية الناجحة التي شنّتها القوات الروسية لتعطيل مصفاة كريمنشوك النفطية في أوكرانيا.
ويتابع، أنه وبما أن حقول النفط والبنية التحتية لنقل النفط من أذربيجان إلى أوكرانيا تخضع لسيطرة شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، والتي هي بدورها مرتبطة بمسؤولين في باكو عبر شركات خارجية، فحينها يمكن تفسير "الغضب" الأذربيجاني.
ويرى أريشيف أن باكو تسعى إلى مزيد من الاستقلال عن روسيا في سياستها الخارجية، بينما تنظر روسيا إلى المنطقة كمجال لمصالحها الإستراتيجية، ما سيؤدي بالضرورة إلى تناقضات وتوترات، لا سيما في قضايا الأمن والطاقة.
ويشير إلى أن أذربيجان باتت تحسُّ نفسها "مكتفية ذاتيًا"، وأنها في خضم الخلافات مع روسيا، تستطيع أن تستفيد من الاتحاد الأوروبي ، الذي يقف في مقدمة "صقور" أعداء روسيا، بالحد الأدنى في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية.
كما لا ينفي أن خيارات موسكو قد تصبح محدودة، لأن استمرار الخلاف مع باكو قد يخلق تناغما أكبر بين أذربيجان وأرمينيا، وبالتالي محاصرة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز.
ويتابع أريشيف، أن الرؤية الأذربيجانية تقوم على أنه ما دامت روسيا منشغلة في أوكرانيا، فلن يتبقى لديها سوى موارد ضئيلة لاستعادة التوازنات التي خدمت نفوذها في المنطقة لأكثر من 30 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
قرار "الاشتباك"
من جانبه، يرى محلل شؤون رابطة الدول المستقلة، أينور كرمانوف، أن منطقة جنوب القوقاز تتجه نحو توازن قوى جديد، حيث ترى دول إقليمية، كأذربيجان و تركيا ، أن نفوذ روسيا بات يتقلص. وبذلك، يبدو من الطبيعي أن تبدأ أذربيجان بتوسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة بوتيرة أسرع بانتظار أن تعترف روسيا بتلاشي هذا الدور.
ووفقًا لكرمانوف، فإن افتعال المشاكل مع موسكو أو تضخيمها يأتي في سياق التمهيد لتصعيد لاحق، ستختلف فيه وسائل وأشكال المواجهة بين الجانبين، والتي ستدخل على خطها قوى إقليمية ودولية أخرى، معنية بتضييق الخناق الجيوسياسي على موسكو بكل مكان في العالم.
وحسب قوله، فإن قرار باكو "الاشتباك" مع روسيا لا يقتصر على الجانب الإنساني للقضية، الذي يتضمن حماية المواطنين الأذربيجانيين في روسيا، بل هو وسيلة أخرى لعلييف لاستعراض قوته وتعزيز صورته أمام الجمهور، وفي نفس الوقت، للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان التي بدأت تتفاقم في البلاد، على حد تعبيره.
في الوقت نفسه، أوضح أن تصريحات علييف "الصاخبة" تجاه روسيا تنبع من طموحات أعمق، داعيا صناع القرار في روسيا إلى "نزع النظارات الوردية"، لأن السياسة المُفرطة في ضبط النفس قد تلحق ضررا إستراتيجيًا بروسيا.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
ترامب يهدد بوتين.. ماذا حدث بينهما؟
يوم الاثنين 14 يوليو/ تموز 2025، ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحوّل جذري في نهجه تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا. فقد أعلن عزمه إرسال وحدات إضافية كبرى من منظومات الدفاع الجوي إلى أوكرانيا، في وقت تتعرض فيه مدنها لهجوم يومي متوسط يتجاوز 100 طائرة مسيّرة وصاروخ روسي. وذكرت تسريبات من البيت الأبيض أنه سأل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مكالمة هاتفية سابقة عن نوع الأسلحة الهجومية التي تحتاجها كييف لضرب موسكو مباشرة. كما أطلق ترامب أقوى تهديد بالعقوبات حتى الآن، مقترحًا فرض تعريفة جمركية ثانوية بنسبة 100٪ على الدول التي تشتري النفط الروسي، في حال لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار خلال 50 يومًا، أي بحلول 3 سبتمبر/ أيلول. لكن رغم لهجته المتشددة، فإن هذه التصريحات لم تُحدث تغييرًا ملموسًا. فقد سخر مسؤولون روس من حديثه عن ضرب موسكو. أما شحنات الدفاع الجوي، ورغم أهميتها، فإن إيصالها بالكميات التي تحدث عنها ترامب سيستغرق شهورًا عديدة. لم تُحرّك تهديدات ترامب بالعقوبات أسواق الطاقة، رغم أن مثل هذا الإجراء يُعادل محاولة حصار ثالث أكبر منتج للنفط في العالم. لكن التغيّر في موقف ترامب تجاه روسيا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا. فرغم ما يظهر من إعجابه الشخصي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن رؤيته للمصالح الإستراتيجية الأميركية تتعارض جذريًا مع رؤية بوتين. فترامب يريد تصدير المزيد من الغاز الأميركي، بينما يسعى بوتين لتعويض خسارته للأسواق الأوروبية بتصدير الغاز الروسي عبر أسواق بديلة. يهتم ترامب بغرينلاند لموقعها على طرق الشحن القطبية مستقبلًا، بينما تعتمد روسيا على طريق قطبي منافس لتعزيز دعم الصين لها. يريد بوتين السيطرة على أكبر قدر ممكن من الموارد المعدنية الأوكرانية، ويريد ترامب الشيء ذاته ولكن لحساب واشنطن. وكان ترامب قد تراجع، ولو متأخرًا، عن تعهده الأولي بإنهاء النزاع في يوم واحد، وهو ما أقرّ لاحقًا بأنه كان مبالغة. كما أن عداءه القديم لزيلينسكي، والذي يعود إلى فضيحة محاولته ابتزاز الرئيس الأوكراني لصالح حملته ضد بايدن (التي أدت إلى مساءلته للمرة الأولى في الكونغرس)، قد خفّ بعد أن وافقت كييف على شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن بشأن الموارد المعدنية. وقد أدرك ترامب أن بوتين لا يتفاوض بنية صادقة. إذ لم تحقق مفاوضات السلام بين كييف وموسكو في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران أي تقدم، بل حضرها الطرفان فقط لإرضاء ترامب وكسبه إلى صفّهما. ولعل إدراك ترامب هذا جاء بعدما رفع بوتين سقف مطالبه خلال تلك المفاوضات. فقد أصرّ على السيطرة على كل المناطق الأوكرانية الجنوبية والشرقية التي يدّعي ضمّها، رغم أنه لم يفرض سيطرته الكاملة عليها، بل وأضاف مطلب إنشاء "منطقة عازلة" في شمال أوكرانيا أيضًا. حتى الآن، لم تُحدث تغيّرات ترامب تأثيرًا حقيقيًا لسببين: أولًا، لأن تهديده بفرض رسوم جمركية على النفط الروسي لا يبدو جديًا من تلقاء نفسه. فترامب حذر دائمًا من ارتفاع أسعار النفط، وسبق أن انتقد علنًا القفزة في أسعار النفط عقب ضرباته لإيران في يونيو/حزيران. وثانيًا، لأن فرض رسوم جمركية ثانوية لم يُثبت فاعليته سابقًا. فترامب استخدم تهديدًا مماثلًا ضد صادرات فنزويلا في مارس/ آذار، ورغم تراجعها مؤقتًا، فإنها عادت للارتفاع بعدما زادت بكين مشترياتها منها. وفي ظل الحرب التجارية بين ترامب والصين، والتي شهدت تهديدات أميركية بفرض رسوم تفوق 100٪، فإن من غير المرجح أن تهتم بكين، أكبر مشترٍ للنفط الروسي، بتهديد مماثل. قرار ترامب بإمهال موسكو حتى 3 سبتمبر/ أيلول ربما يعقّد تمرير مشروع قانون في مجلس الشيوخ يفرض عقوبات إضافية على روسيا، رغم أن 83 من أصل 100 عضو في المجلس يشاركون في رعايته. كما أن قيادة الحزب الجمهوري في مجلسَي الشيوخ والنواب حذرة من إغضاب ترامب، الذي يطالب بسيطرة شبه مطلقة على سياسات حزبه. ومع أن ترامب دفع الأوروبيين إلى الاعتراف علنًا بأن دعمهم لكييف مكلف – وقد تجاوز دعمهم الجماعي ما قدمته الولايات المتحدة حتى قبل بداية ولاية ترامب الثانية – فإن المعدات والتكنولوجيا الأميركية ستظل أساس قدرة أوكرانيا على المقاومة أو تغيير مسار الحرب. غير أن إيصال الأسلحة الجديدة وتدريب القوات الأوكرانية على استخدامها سيستغرق وقتًا. وسيتوجب على ترامب تغيير نهجه. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تضغط اقتصاديًا على روسيا لإجبار بوتين على التفاوض بجدية بمفردها، بل يتطلب الأمر نهجًا متعدد الأطراف، وهو ما يصعب تحقيقه عندما تتصادم واشنطن مع حلفائها وشركائها. فيما يتعلق بالقيود الإضافية على صادرات النفط الروسي، فإن فرص ترامب لإقناع موسكو قليلة. لكن مثل هذه القيود قد تدفع الهند لتغيير موقفها. إذ تحوّلت نيودلهي من مشترٍ هامشي للنفط الروسي قبل الغزو الشامل إلى ثاني أكبر سوق له، ويشكل الآن 40٪ من وارداتها. وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري قال الأسبوع الماضي إن بلاده لن تغيّر موقفها، مشيرًا إلى أنها التزمت بقيود سابقة مثل سقف أسعار النفط الذي أقرته إدارة بايدن بالتعاون مع مجموعة السبع في 2022. وكان الغرض من هذا السقف هو السماح باستمرار تدفق النفط الروسي، ولكن مع الحد من عائداته، تفاديًا لاضطراب السوق. وهو منطق لا يزال يُحاكيه ترامب، وسبق أن دعمته وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لتأمين "صفقات" نفطية للهند والأسواق النامية. لكن الوزير الهندي أضاف أن بلاده قد تعيد النظر في موقفها إذا كان هناك اتفاق دولي على تغيير نمط شراء النفط الروسي. إذا أراد ترامب أن تكون تهديداته لموسكو موثوقة، فعليه أن يتبنى نهجًا دوليًا. بعض الخطوات يسهل اتخاذها. فبينما تتردد إدارة ترامب في فرض عقوبات جديدة، تقود بروكسل ولندن جهود استهداف "الأسطول الخفي" الروسي المستخدم للالتفاف على العقوبات وسقف الأسعار، وتقترحان حزمًا جديدة من العقوبات تشمل تعديل سقف أسعار النفط حين تكون الأسعار منخفضة. وقد أقرّ الاتحاد الأوروبي حزمتين من العقوبات خلال الأشهر الستة الماضية، آخرها في 18 يوليو/ تموز، ويُفترض أن يسارع ترامب إلى اعتماد الإجراءات نفسها. إذا استطاعت أوروبا أيضًا دعم فرض رسوم جمركية ثانوية أو غيرها من العقوبات على مشتري النفط الروسي، فإن ذلك سيزيد فاعلية الإجراء. كما يستطيع ترامب استهداف صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية عبر إدراج شركة "نوفاتك"، المصدّر الرئيسي، في قائمة العقوبات. لم تُقدِم أوروبا على هذه الخطوة حتى الآن، بل أعلنت فقط عن نيتها التوقف عن الشراء تدريجيًا بحلول نهاية العام المقبل. لكن بما أن سوق ناقلات الغاز المسال أصغر بكثير من سوق ناقلات النفط، فإن العقوبات الأميركية السابقة على مشاريع الغاز المسال الروسية كانت أصعب في التحايل عليها. الاقتصاد الروسي يئنّ أخيرًا تحت وطأة حرب بوتين وكل العقوبات الناتجة عنها. وتشير التقارير إلى أن البنوك الروسية بدأت مناقشات أولية بشأن شروط إنقاذها من قبل الدولة. ومع هذه المعاناة، تدّعي روسيا أنها سيطرت على بلدة في منطقة دنيبروبتروفسك (وسط أوكرانيا)، وهو ادعاء تنفيه كييف ولم يُتحقق منه بعد. ويمكن لترامب أن يؤثر فعليًا في مسار الحرب إذا تخلى عن مقاومته السماح لأوكرانيا بضرب البنية التحتية للطاقة الروسية. ترامب قد يكون أعلن عن نهج جديد تجاه روسيا، لكن ما إن كان هذا النهج سيتجاوز حدود الخطاب، يعتمد على مدى استعداده للعمل مع الشركاء والحلفاء، وتحمله تبعات هذا الضغط.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
هل انقلب ترامب على بوتين؟
يوم الاثنين 14 يوليو/ تموز 2025، ألمح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تحوّل جذري في نهجه تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا. فقد أعلن عزمه إرسال وحدات إضافية كبرى من منظومات الدفاع الجوي إلى أوكرانيا، في وقت تتعرض فيه مدنها لهجوم يومي متوسط يتجاوز 100 طائرة مسيّرة وصاروخ روسي. وذكرت تسريبات من البيت الأبيض أنه سأل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مكالمة هاتفية سابقة عن نوع الأسلحة الهجومية التي تحتاجها كييف لضرب موسكو مباشرة. كما أطلق ترامب أقوى تهديد بالعقوبات حتى الآن، مقترحًا فرض تعريفة جمركية ثانوية بنسبة 100٪ على الدول التي تشتري النفط الروسي، في حال لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار خلال 50 يومًا، أي بحلول 3 سبتمبر/ أيلول. لكن رغم لهجته المتشددة، فإن هذه التصريحات لم تُحدث تغييرًا ملموسًا. فقد سخر مسؤولون روس من حديثه عن ضرب موسكو. أما شحنات الدفاع الجوي، ورغم أهميتها، فإن إيصالها بالكميات التي تحدث عنها ترامب سيستغرق شهورًا عديدة. لم تُحرّك تهديدات ترامب بالعقوبات أسواق الطاقة، رغم أن مثل هذا الإجراء يُعادل محاولة حصار ثالث أكبر منتج للنفط في العالم. لكن التغيّر في موقف ترامب تجاه روسيا لا ينبغي أن يكون مفاجئًا. فرغم ما يظهر من إعجابه الشخصي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن رؤيته للمصالح الإستراتيجية الأميركية تتعارض جذريًا مع رؤية بوتين. فترامب يريد تصدير المزيد من الغاز الأميركي، بينما يسعى بوتين لتعويض خسارته للأسواق الأوروبية بتصدير الغاز الروسي عبر أسواق بديلة. يهتم ترامب بغرينلاند لموقعها على طرق الشحن القطبية مستقبلًا، بينما تعتمد روسيا على طريق قطبي منافس لتعزيز دعم الصين لها. يريد بوتين السيطرة على أكبر قدر ممكن من الموارد المعدنية الأوكرانية، ويريد ترامب الشيء ذاته ولكن لحساب واشنطن. وكان ترامب قد تراجع، ولو متأخرًا، عن تعهده الأولي بإنهاء النزاع في يوم واحد، وهو ما أقرّ لاحقًا بأنه كان مبالغة. كما أن عداءه القديم لزيلينسكي، والذي يعود إلى فضيحة محاولته ابتزاز الرئيس الأوكراني لصالح حملته ضد بايدن (التي أدت إلى مساءلته للمرة الأولى في الكونغرس)، قد خفّ بعد أن وافقت كييف على شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن بشأن الموارد المعدنية. وقد أدرك ترامب أن بوتين لا يتفاوض بنية صادقة. إذ لم تحقق مفاوضات السلام بين كييف وموسكو في مايو/ أيار ويونيو/ حزيران أي تقدم، بل حضرها الطرفان فقط لإرضاء ترامب وكسبه إلى صفّهما. ولعل إدراك ترامب هذا جاء بعدما رفع بوتين سقف مطالبه خلال تلك المفاوضات. فقد أصرّ على السيطرة على كل المناطق الأوكرانية الجنوبية والشرقية التي يدّعي ضمّها، رغم أنه لم يفرض سيطرته الكاملة عليها، بل وأضاف مطلب إنشاء "منطقة عازلة" في شمال أوكرانيا أيضًا. حتى الآن، لم تُحدث تغيّرات ترامب تأثيرًا حقيقيًا لسببين: أولًا، لأن تهديده بفرض رسوم جمركية على النفط الروسي لا يبدو جديًا من تلقاء نفسه. فترامب حذر دائمًا من ارتفاع أسعار النفط، وسبق أن انتقد علنًا القفزة في أسعار النفط عقب ضرباته لإيران في يونيو/حزيران. وثانيًا، لأن فرض رسوم جمركية ثانوية لم يُثبت فاعليته سابقًا. فترامب استخدم تهديدًا مماثلًا ضد صادرات فنزويلا في مارس/ آذار، ورغم تراجعها مؤقتًا، فإنها عادت للارتفاع بعدما زادت بكين مشترياتها منها. وفي ظل الحرب التجارية بين ترامب والصين، والتي شهدت تهديدات أميركية بفرض رسوم تفوق 100٪، فإن من غير المرجح أن تهتم بكين، أكبر مشترٍ للنفط الروسي، بتهديد مماثل. قرار ترامب بإمهال موسكو حتى 3 سبتمبر/ أيلول ربما يعقّد تمرير مشروع قانون في مجلس الشيوخ يفرض عقوبات إضافية على روسيا، رغم أن 83 من أصل 100 عضو في المجلس يشاركون في رعايته. كما أن قيادة الحزب الجمهوري في مجلسَي الشيوخ والنواب حذرة من إغضاب ترامب، الذي يطالب بسيطرة شبه مطلقة على سياسات حزبه. ومع أن ترامب دفع الأوروبيين إلى الاعتراف علنًا بأن دعمهم لكييف مكلف – وقد تجاوز دعمهم الجماعي ما قدمته الولايات المتحدة حتى قبل بداية ولاية ترامب الثانية – فإن المعدات والتكنولوجيا الأميركية ستظل أساس قدرة أوكرانيا على المقاومة أو تغيير مسار الحرب. غير أن إيصال الأسلحة الجديدة وتدريب القوات الأوكرانية على استخدامها سيستغرق وقتًا. وسيتوجب على ترامب تغيير نهجه. فلا يمكن للولايات المتحدة أن تضغط اقتصاديًا على روسيا لإجبار بوتين على التفاوض بجدية بمفردها، بل يتطلب الأمر نهجًا متعدد الأطراف، وهو ما يصعب تحقيقه عندما تتصادم واشنطن مع حلفائها وشركائها. فيما يتعلق بالقيود الإضافية على صادرات النفط الروسي، فإن فرص ترامب لإقناع موسكو قليلة. لكن مثل هذه القيود قد تدفع الهند لتغيير موقفها. إذ تحوّلت نيودلهي من مشترٍ هامشي للنفط الروسي قبل الغزو الشامل إلى ثاني أكبر سوق له، ويشكل الآن 40٪ من وارداتها. وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري قال الأسبوع الماضي إن بلاده لن تغيّر موقفها، مشيرًا إلى أنها التزمت بقيود سابقة مثل سقف أسعار النفط الذي أقرته إدارة بايدن بالتعاون مع مجموعة السبع في 2022. وكان الغرض من هذا السقف هو السماح باستمرار تدفق النفط الروسي، ولكن مع الحد من عائداته، تفاديًا لاضطراب السوق. وهو منطق لا يزال يُحاكيه ترامب، وسبق أن دعمته وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لتأمين "صفقات" نفطية للهند والأسواق النامية. لكن الوزير الهندي أضاف أن بلاده قد تعيد النظر في موقفها إذا كان هناك اتفاق دولي على تغيير نمط شراء النفط الروسي. إذا أراد ترامب أن تكون تهديداته لموسكو موثوقة، فعليه أن يتبنى نهجًا دوليًا. بعض الخطوات يسهل اتخاذها. فبينما تتردد إدارة ترامب في فرض عقوبات جديدة، تقود بروكسل ولندن جهود استهداف "الأسطول الخفي" الروسي المستخدم للالتفاف على العقوبات وسقف الأسعار، وتقترحان حزمًا جديدة من العقوبات تشمل تعديل سقف أسعار النفط حين تكون الأسعار منخفضة. وقد أقرّ الاتحاد الأوروبي حزمتين من العقوبات خلال الأشهر الستة الماضية، آخرها في 18 يوليو/ تموز، ويُفترض أن يسارع ترامب إلى اعتماد الإجراءات نفسها. إذا استطاعت أوروبا أيضًا دعم فرض رسوم جمركية ثانوية أو غيرها من العقوبات على مشتري النفط الروسي، فإن ذلك سيزيد فاعلية الإجراء. كما يستطيع ترامب استهداف صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية عبر إدراج شركة "نوفاتك"، المصدّر الرئيسي، في قائمة العقوبات. لم تُقدِم أوروبا على هذه الخطوة حتى الآن، بل أعلنت فقط عن نيتها التوقف عن الشراء تدريجيًا بحلول نهاية العام المقبل. لكن بما أن سوق ناقلات الغاز المسال أصغر بكثير من سوق ناقلات النفط، فإن العقوبات الأميركية السابقة على مشاريع الغاز المسال الروسية كانت أصعب في التحايل عليها. الاقتصاد الروسي يئنّ أخيرًا تحت وطأة حرب بوتين وكل العقوبات الناتجة عنها. وتشير التقارير إلى أن البنوك الروسية بدأت مناقشات أولية بشأن شروط إنقاذها من قبل الدولة. ومع هذه المعاناة، تدّعي روسيا أنها سيطرت على بلدة في منطقة دنيبروبتروفسك (وسط أوكرانيا)، وهو ادعاء تنفيه كييف ولم يُتحقق منه بعد. ويمكن لترامب أن يؤثر فعليًا في مسار الحرب إذا تخلى عن مقاومته السماح لأوكرانيا بضرب البنية التحتية للطاقة الروسية. ترامب قد يكون أعلن عن نهج جديد تجاه روسيا، لكن ما إن كان هذا النهج سيتجاوز حدود الخطاب، يعتمد على مدى استعداده للعمل مع الشركاء والحلفاء، وتحمله تبعات هذا الضغط.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
كيف حوّل تدخل إسرائيل وإحباط واشنطن أزمة السويداء إلى مأزق معقد؟
بدا اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة السويداء السورية بارقة أمل لاحتواء أزمة متصاعدة، لكن تدخلات خارجية، والإرباك في الموقف الأميركي، حوّلت مشهد الجنوب السوري إلى مأزق بالغ التعقيد، يكاد يتجاوز في طبيعته المحلية حدود الداخل السوري ليتحول إلى مرآة لصراع النفوذ الإقليمي والدولي. فبينما تعلن الحكومة السورية سعيها لإعادة ضبط الوضع وحقن الدماء من خلال اتفاق هش لوقف إطلاق النار، بدت السويداء كأنها تدار بواقع سياسي مزدوج، تراوح فيه الدولة بين المبادرات المرحلية وبين صعوبة فرض سيطرتها على المحافظة التي أصبحت ميدانا مفتوحا للتجاذبات الطائفية والمطالب الفئوية. وقد بدا لافتا أن التهدئة، رغم انخراط الوسطاء الأميركيين والعرب في بلورتها، لا تزال رهينة شروط قوى محلية ترفض الاعتراف بشرعية الدولة، وتطالب بانسحاب القوات الحكومية مقابل وعود بخدمات ومساعدات لا تنفك ترفض في ظل توازنات دقيقة وحساسة. الكاتب السياسي محمود علوش اعتبر في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن الأزمة لم تعد مسألة محلية، بل صارت متداخلة بشكل مباشر مع العامل الإسرائيلي، الذي يتخذ من التوترات في السويداء مدخلا لتقويض الاستقرار السوري الهش. وحذر من أن غياب الدولة في هذه المناطق يتيح لإسرائيل مساحة لتعميق الانقسام الطائفي والمناطقي، سعيا نحو ترسيخ تصور لسوريا كدولة منقسمة وضعيفة، غير قادرة على فرض سلطتها، وهذه المقاربة تعني أن أي تهدئة مؤقتة لن تكون إلا محاولة لتسكين جرح تتعاظم خطورته إذا لم يعالج جذريا. فرص نجاح التهدئة وتقاطع هذا التحليل مع رؤية الباحث مؤيد غزلان، الذي ربط فرص نجاح التهدئة بمدى قدرة الحكومة على استعادة القرار من قوى محلية اتخذت من المظلومية الطائفية خطابا سياسيا، مستندة إلى دعم غير مباشر من إسرائيل. هذه المرجعية الجديدة، التي يقودها زعماء دينيون، صارت بحسب تعبيره تمارس دورا سياسيا موازيا للدولة، وتفرض شروطا تمس جوهر السيادة الوطنية، ما يعكس اختلالا خطيرا في التوازن بين مركز الدولة ومحيطها. أما من واشنطن، فقد أبدى المستشار السابق في البنتاغون آدم كليمنتز قلقا واضحا من أن الضربات الجوية الإسرائيلية تقوّض الرؤية الأميركية لإعادة تأهيل الدولة السورية ضمن تصور مرحلي لإعادة الإعمار والاستقرار. المفارقة أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ، بحسب كليمنتز، كانت تتابع بقلق تصرفات حكومة بنيامين نتنياهو التي تضع واشنطن أمام تناقض إستراتيجي: من جهة، تحاول الحفاظ على حليفها الإسرائيلي، ومن جهة أخرى ترى أن ممارساته تعرقل الأهداف الأميركية في سوريا. الرسائل الأميركية المتناقضة، كما ظهرت في تصريحات نقلها موقع "أكسيوس"، تعكس حالة من الإحباط داخل أروقة واشنطن تجاه السلوك الإسرائيلي في الجنوب السوري، إذ يرى مسؤولون أميركيون أن إسرائيل تتجاوز التفاهمات، وتستغل وضع الدروز لتبرير هجماتها على مراكز حكومية سورية، مما ينسف جهود الوساطة الدولية ويدفع نحو مزيد من التوترات. غياب إستراتيجية شاملة على المستوى الداخلي، ما يزيد المشهد تعقيدا هو غياب إستراتيجية شاملة لدى الحكومة السورية، كما يراها البعض، مقابل سيولة سياسية داخل السويداء، تتجلى في تراجع النخب التقليدية واحتكار القرار من مرجعية دينية ذات صبغة سياسية، باتت ترفض حتى استقبال المساعدات الإنسانية من خارج المنظمات الأهلية. ويرى علوش أن إعادة ضبط العلاقة مع السويداء تتطلب نقلة نوعية لا تقتصر على التهدئة، بل على بلورة تصور سياسي جديد يعيد دمج المحافظة ضمن المشروع الوطني السوري بعيدا عن الاصطفافات الطائفية أو التجاذبات الخارجية. ويبرز التحدي الأكبر، بحسب غزلان، في السلاح المنفلت الذي يغذي دوامات من العنف وردود الفعل خارج إطار مؤسسات الدولة، مما يعيد إلى الأذهان تجارب مماثلة في دول شهدت انزلاقا نحو الفوضى الطائفية كالعراق ولبنان. فغياب الحسم القانوني وانتشار المليشيات المسلحة يعزز الانقسامات الأهلية، ويهدد بتحويل أي صدام عرضي إلى انفجار أهلي واسع، كما حصل في الاشتباك الأخير الذي اندلع بسبب حادث بسيط لكنه تطور بفعل السلاح العشوائي إلى أزمة أمنية كبرى. إخلال يغضب واشنطن ومن وجهة نظر أميركية، فإن استمرار إسرائيل في قصف الأراضي السورية يعد إخلالا بمسار تحاول واشنطن ضبطه بدقة، خصوصا أن تلك الضربات تضعف إمكانية دخول المنظمات الدولية والاستثمار في عملية الإعمار، وتخلق بيئة عدائية تنسف الجهود الدبلوماسية. لهذا يشير كليمنتز إلى أهمية الضغط على إسرائيل من خلال أدوات سياسية واقتصادية، وتفعيل دور الحلفاء الإقليميين مثل الأردن وتركيا وقطر، لضمان ألا تنفرد تل أبيب برسم ملامح ما بعد الصراع. كل ذلك يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي، فإما أن يتعامل مع أزمة السويداء كجزء من التحدي الكلي لاستقرار سوريا ووحدتها، أو أن يواصل تجاهله لمفاعيل التدخل الإسرائيلي، ما يعني الدفع نحو تفكك أعمق للدولة السورية. وفي ظل هشاشة الاتفاقات المرحلية، تبدو الحاجة ملحة لتوافق دولي لا يكتفي برصد التصريحات، بل يتحرك لتثبيت مسار سياسي طويل الأمد يحوّل الجنوب السوري من ساحة تصفية حسابات إلى منطقة مصالحة وطنية. ولعل الخلاصة الأبرز هي أن أزمة السويداء لم تعد مجرد اضطراب أمني في منطقة محدودة، بل تحوّلت إلى تجل مكثف لصراع الإرادات بين مشاريع متضادة: مشروع الدولة الساعية للاستقرار، ومشروع إقليمي يستثمر في الفوضى، وعجز دولي عن اتخاذ موقف حاسم. كيف بدأت الأزمة يشار إلى أن اشتباكات مسلحة اندلعت يوم 13 يوليو/تموز الجاري، بين عشائر بدوية ومجموعات درزية بالسويداء، أعقبتها تحركات للقوات الحكومية نحو المنطقة لفرض الأمن، لكنها تعرضت لهجمات من مجموعات وصفتها بـ"الخارجة على النظام والقانون" أسفرت عن مقتل عشرات الجنود. وفي إطار مساعيها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار بالسويداء كان آخرها أمس السبت. ولم تصمد اتفاقات وقف إطلاق النار الثلاثة السابقة طويلا، إذ تجددت الاشتباكات الجمعة الماضي إثر قيام مجموعة تابعة ل حكمت الهجري ، وهو أحد شيوخ عقل الدروز، بتهجير عدد من أبناء عشائر البدو وممارسة الانتهاكات ضدهم. وتحت ذريعة "حماية الدروز" استغلت إسرائيل الاضطرابات الأخيرة في السويداء وصعّدت عدوانها على سوريا، إذ شنت الأربعاء الماضي غارات مكثفة على 4 محافظات ومقري وزارة الدفاع وهيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.