
قمم عربية تحت عباءة ترامب
في مشهد يعكس التفاوت الفادح بين مسارات السياسة والمآسي الإنسانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط جولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لم تكن مجرّد زيارة دبلوماسية، بل استعراضا لقوة الاقتصاد في تشكيل الجغرافيا السياسية، حيث حوَّل ترامب الدماء إلى أرقام، والمعاناة إلى فرص للابتزاز.
التريليون الذي يشتري الأمن ويُغذّي الحرب
بدأ ترامب جولته في السعودية، التي استقبلته كـ «فاتح»، لتُعلن عن صفقات تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، لكن الرجل الذي لا يشبع من المال والمجد طالب ببراغماتيته المعهودة برفع القيمة إلى تريليون دولار، معلناً أن «أمن الخليج يستحق أكثر».
هنا تتحول الأرواح إلى سلعة في سوق النخاسة الحديث: كل دولار يُضاف إلى الصفقة هو دمٌ جديد يُسكب في اليمن، وقنبلةٌ تُلقى على غزّة، ودعمٌ لآلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوقّف عن التهام الأرض الفلسطينية.
المال وسياسة التوازنات الهشّة
ثم جاءت قطر، التي لم تكن أقل سخاءً، حيث أُبرمت صفقاتٌ بقيمة 1.4 تريليون دولار، لكن اللافت كان تصريح ترامب الغامض الذي طالب فيه إيران بأن «تشكر أمير قطر شكراً عظيماً»، هذا التصريح، رغم سخرية سياقه يُسلّط الضوء على تعقيد الخيوط التي تتلاعب بالشرق الأوسط، حيث تتحرّك الدوحة على حبل مشدود بين المصالح المتضاربة: توازن بين نفوذ إيران وضغوط الخصوم العرب، وتحافظ على شراكتها مع واشنطن، التي لم تُخف استفادتها المالية من الصفقات.
وفي السياق ذاته، أبرمت الإمارات صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، شملت طائرات F-35 ومسيّرات متقدمة، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 1.4 تريليون دولار، مما رفع إجمالي الصفقات الخليجية إلى 4 تريليونات دولار.
إنه «الغموض الاستراتيجي» بامتياز: تظهر كأنها تُطفئ الحرائق التي تُشعلها واشنطن وتل أبيب، بينما تحمي مصالحها عبر استثمارات في القرار الغربي نفسه.
رمزية الابتذال في زمن المذابح
بلغت المهزلة ذروتها حين قُدّمت لترامب طائرةٌ فاخرةٌ وُصفت بـ «القصر الطائر»؛ تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، كـ «هدية» تليق بمن يُعيد تشكيل المنطقة على مقاس المصالح الأميركية - الإسرائيلية، لكن هذا المشهد المُخزي لم يكن سوى إهانة للضمير الإنساني، ففي اللحظة ذاتها التي تُضاء فيها شاشات العالم بأنوار الطائرة الذهبية، يُحاصر أطفال غزّة في ظلام الموت: مستشفياتُهم بلا كهرباء، وجثثُهم تتطايرت في ذات الآن فعلا - وبدون مبالغة - جرّاء تنفيذ مقاتلات الجيش الإسرائيلي حزاما ناريا بعشرة صواريخ متتالية، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين أثناء وجود ترامب في الخليج 378 شهيدا؛ جُلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعض المتواجدين دُفنوا تحت الأنقاض من شدّة الإنفجار، وآخرون بأجسادهم الهزيلة يبحثون عن قطرة ماء مخلوطة بالدماء بين الركام، تزامنا مع الأجواء الإحتفالية والتصفيق للرئيس الأمريكي.
غزّة، التي لم يدخل إليها أي نوع من المساعدات منذ بداية مارس/آذار، وهي أطول مدة لم تدخل بها مساعدات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023: الدواءُ نفد، والغذاءُ صار رفاهية، والهواءُ نفسه مُلوثٌ برائحة الموت، وبينما تُنفق المليارات على استثمارات أمريكية - خليجية مزعومة، يُمنع إدخال الأدوية الضرورية أو كيس طحين بطعم شظية إلى غزّة، وكأن حياة الطفل الفلسطيني أقل قيمة من ذخيرة الدبابة الإسرائيلية.
التصريح الأخطر
وفي اللحظة التي لم يعد فيها للمأساة قاع، جاء التصريح الأخطر من ترامب:
«لدي تصورات جيدة جداً لغزّة لجعلها منطقة حُرّيّة، وسأكون فخوراً لو امتلكتها الولايات المتحدة».
هكذا، بلا حياء، تُختزل غزّة، بتاريخها ونضالها وشهدائها، إلى «ممتلكة» أمريكية محتملة. هذا التصريح يعكس العقلية الاستعمارية الحديثة، حيث تتحول الجغرافيا إلى مشروع عقاري، وتتبدّد السيادة في صفقة جاهزة تنتظر التوقيع.
التصريح الذي جاء عقب استعراض المليارات، لا يمكن فصله عن السياق الأشمل: مشروع أمريكي لسلخ غزّة من نضالها واحتلالها، وتحويلها إلى منطقة استثمارية مخصخصة، يُعاد إعمارها لا كحقّ إنساني، بل كمخطط رأسمالي تروّج له الإدارة الأميركية، مقابل تفريغها من شعبها، وطمس هويتها، وإنهاء قضيتها.
القمّة العربية (قمّة بغداد)
في هذا السياق، انعقدت القمّة العربية في بغداد؛ مشهدٌ بدا أقرب إلى مسرحية مُرتجلة، أو عجز ميزانية وزارية؛ والهروب منه هو: إقامة فعالية أو تصريحات متعدّدة لإنجازات وهمية؛ أبعد من أن تكون استجابة فعلية لحجم الكارثة والإبادة الجماعية والقتل بالتجويع والصواريخ والتهجير في غزّة.
قادة لا يعرفون كيف يواجهون المأساة، فاستعاضوا عن الفعل بخطابات عربية وقمم بروتوكولية، كمن يضع رقعة على جرح نازف، بينما الشرق الأوسط برُمّته على شفى حفرة، يُسحق قطاع غزّة في فكي الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُطعن في خاصرته العربية.
لقد أضحت هذه القمم، بكل ما تحمله من شعارات فارغة، عاجزة حتى عن إصدار بيان مُقنع، أو موقف يُحرّك ماء راكدا، فقمم كقمّة بغداد ليست سوى تكرار عقيم، باتت لا تُشكّل شيئا أمام القنابل المُلقاة على أطفال فلسطين في غزّة، ولا تحمل من ملامح القرار سوى أوراق الحضور والإنصراف.
رفع العقوبات بشرط التطبيع
في تحوّل مفاجئ، أعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات عن سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والذي تعمل حكومته على إعادة الإعمار بعد سقوط نظام الأسد. هنا تظهر مُفارقةٌ جديدة: فرفع العقوبات، الذي يُفترض أن يكون خطوةً إنسانية وتبعة بديهية بعد سقوط نظام الأسد، تحوّل إلى أداة ضغط سياسي مشروط بالتطبيع مع إسرائيل.
الشعب السوري، الذي دفع ثمن مقاومته للدكتاتورية الدموية، يُراد له اليوم أن يدفع فاتورة التقارب مع تل أبيب من قوت يومه وماء وطنه. إنها نسخة جديدة للإخضاع بوجه ناعم.
أيُّ عدالة هذه؟
المفارقة الأقسى أن ترامب، الذي يُغدِق عليه الخليج بالصفقات والهدايا، هو نفسه من يُصفّق لإسرائيل وهي تذبح الفلسطينيين، ويهنئ نتنياهو على «إنجازاته الأمنية». إنه الرجل الذي حوّل السياسة إلى بورصة: يبيع الأمن للسعودية، ويشتري الصمت من قطر، ويتلقى من الإمارات شهادة حُسن السلوك للهيمنة الإسرائليلية بإسم التنمية، ويطرح غزّة للبيع.
لكن ما يُفجِّر القلب غيظاً هو الصمت العربي المُطبق، فالقادة الذين يتبارون في استضافة ترامب هم أنفسهم مَن يغلقون حدودهم أمام لاجئي غزّة وفي الماضي سوريا، ويُشاركون في تطبيعٍ لا يُنتج إلا خنوعاً.
العرب في المزاد وصفقة التهجير
كنا نأمل، بعد أن حمل ترامب من الخليج ما يزيد على 4 تريليونات دولار من مقدّرات الأوطان العربية والإسلامية، أن يحمل في المقابل همّاً إنسانياً، أو حتى موقفًا سياسيا يكبح العدوان على غزّة، لكنّ المفاجأة جاءت مريرة، حين اتخذ فور عودته إلى واشنطن قراره الأخطر: تهجير مليون فلسطيني من القطاع إلى ليبيا، مقابل صفقة سياسية ليبية، بشرط الإفراج عن ملياراتها المجمّدة في البنوك الأميركية. هكذا تحوّلت غزّة إلى بند في مفاوضات مالية، وتحوّل الدم الفلسطيني إلى رقم في حساب بنكي مؤجّل الصرف.
هذا هو العصر الذي تُقاس فيه الكرامة بالدولار، وتُشترى السيادة بالمليار، بينما تُدفن العدالة تحت ركام المجازر، وغزّة، بكل دمها ودموعها، ستظل تقاوم، لا لتبقى فحسب، بل لتُذكّر العالم بأن القضية الفلسطينية لا تُشترى ولا تُباع، وأن الشعب الذي لا يملك إلّا حجراً، لا يمكن أن يُساق.
وغداً، حين يُكتب التاريخ، لن تُذكر الصفقات، بل الدماء التي صرخت «لا» في وجه طغيان الدولار رغم الدمار والمرار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
قمم عربية تحت عباءة ترامب
في مشهد يعكس التفاوت الفادح بين مسارات السياسة والمآسي الإنسانية، شهدت منطقة الشرق الأوسط جولة للرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لم تكن مجرّد زيارة دبلوماسية، بل استعراضا لقوة الاقتصاد في تشكيل الجغرافيا السياسية، حيث حوَّل ترامب الدماء إلى أرقام، والمعاناة إلى فرص للابتزاز. التريليون الذي يشتري الأمن ويُغذّي الحرب بدأ ترامب جولته في السعودية، التي استقبلته كـ «فاتح»، لتُعلن عن صفقات تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، لكن الرجل الذي لا يشبع من المال والمجد طالب ببراغماتيته المعهودة برفع القيمة إلى تريليون دولار، معلناً أن «أمن الخليج يستحق أكثر». هنا تتحول الأرواح إلى سلعة في سوق النخاسة الحديث: كل دولار يُضاف إلى الصفقة هو دمٌ جديد يُسكب في اليمن، وقنبلةٌ تُلقى على غزّة، ودعمٌ لآلة الحرب الإسرائيلية التي لا تتوقّف عن التهام الأرض الفلسطينية. المال وسياسة التوازنات الهشّة ثم جاءت قطر، التي لم تكن أقل سخاءً، حيث أُبرمت صفقاتٌ بقيمة 1.4 تريليون دولار، لكن اللافت كان تصريح ترامب الغامض الذي طالب فيه إيران بأن «تشكر أمير قطر شكراً عظيماً»، هذا التصريح، رغم سخرية سياقه يُسلّط الضوء على تعقيد الخيوط التي تتلاعب بالشرق الأوسط، حيث تتحرّك الدوحة على حبل مشدود بين المصالح المتضاربة: توازن بين نفوذ إيران وضغوط الخصوم العرب، وتحافظ على شراكتها مع واشنطن، التي لم تُخف استفادتها المالية من الصفقات. وفي السياق ذاته، أبرمت الإمارات صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 23 مليار دولار، شملت طائرات F-35 ومسيّرات متقدمة، بالإضافة إلى اتفاقية تعاون في مجال الذكاء الاصطناعي بقيمة 1.4 تريليون دولار، مما رفع إجمالي الصفقات الخليجية إلى 4 تريليونات دولار. إنه «الغموض الاستراتيجي» بامتياز: تظهر كأنها تُطفئ الحرائق التي تُشعلها واشنطن وتل أبيب، بينما تحمي مصالحها عبر استثمارات في القرار الغربي نفسه. رمزية الابتذال في زمن المذابح بلغت المهزلة ذروتها حين قُدّمت لترامب طائرةٌ فاخرةٌ وُصفت بـ «القصر الطائر»؛ تبلغ قيمتها 400 مليون دولار، كـ «هدية» تليق بمن يُعيد تشكيل المنطقة على مقاس المصالح الأميركية - الإسرائيلية، لكن هذا المشهد المُخزي لم يكن سوى إهانة للضمير الإنساني، ففي اللحظة ذاتها التي تُضاء فيها شاشات العالم بأنوار الطائرة الذهبية، يُحاصر أطفال غزّة في ظلام الموت: مستشفياتُهم بلا كهرباء، وجثثُهم تتطايرت في ذات الآن فعلا - وبدون مبالغة - جرّاء تنفيذ مقاتلات الجيش الإسرائيلي حزاما ناريا بعشرة صواريخ متتالية، حيث بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين أثناء وجود ترامب في الخليج 378 شهيدا؛ جُلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعض المتواجدين دُفنوا تحت الأنقاض من شدّة الإنفجار، وآخرون بأجسادهم الهزيلة يبحثون عن قطرة ماء مخلوطة بالدماء بين الركام، تزامنا مع الأجواء الإحتفالية والتصفيق للرئيس الأمريكي. غزّة، التي لم يدخل إليها أي نوع من المساعدات منذ بداية مارس/آذار، وهي أطول مدة لم تدخل بها مساعدات منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023: الدواءُ نفد، والغذاءُ صار رفاهية، والهواءُ نفسه مُلوثٌ برائحة الموت، وبينما تُنفق المليارات على استثمارات أمريكية - خليجية مزعومة، يُمنع إدخال الأدوية الضرورية أو كيس طحين بطعم شظية إلى غزّة، وكأن حياة الطفل الفلسطيني أقل قيمة من ذخيرة الدبابة الإسرائيلية. التصريح الأخطر وفي اللحظة التي لم يعد فيها للمأساة قاع، جاء التصريح الأخطر من ترامب: «لدي تصورات جيدة جداً لغزّة لجعلها منطقة حُرّيّة، وسأكون فخوراً لو امتلكتها الولايات المتحدة». هكذا، بلا حياء، تُختزل غزّة، بتاريخها ونضالها وشهدائها، إلى «ممتلكة» أمريكية محتملة. هذا التصريح يعكس العقلية الاستعمارية الحديثة، حيث تتحول الجغرافيا إلى مشروع عقاري، وتتبدّد السيادة في صفقة جاهزة تنتظر التوقيع. التصريح الذي جاء عقب استعراض المليارات، لا يمكن فصله عن السياق الأشمل: مشروع أمريكي لسلخ غزّة من نضالها واحتلالها، وتحويلها إلى منطقة استثمارية مخصخصة، يُعاد إعمارها لا كحقّ إنساني، بل كمخطط رأسمالي تروّج له الإدارة الأميركية، مقابل تفريغها من شعبها، وطمس هويتها، وإنهاء قضيتها. القمّة العربية (قمّة بغداد) في هذا السياق، انعقدت القمّة العربية في بغداد؛ مشهدٌ بدا أقرب إلى مسرحية مُرتجلة، أو عجز ميزانية وزارية؛ والهروب منه هو: إقامة فعالية أو تصريحات متعدّدة لإنجازات وهمية؛ أبعد من أن تكون استجابة فعلية لحجم الكارثة والإبادة الجماعية والقتل بالتجويع والصواريخ والتهجير في غزّة. قادة لا يعرفون كيف يواجهون المأساة، فاستعاضوا عن الفعل بخطابات عربية وقمم بروتوكولية، كمن يضع رقعة على جرح نازف، بينما الشرق الأوسط برُمّته على شفى حفرة، يُسحق قطاع غزّة في فكي الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن يُطعن في خاصرته العربية. لقد أضحت هذه القمم، بكل ما تحمله من شعارات فارغة، عاجزة حتى عن إصدار بيان مُقنع، أو موقف يُحرّك ماء راكدا، فقمم كقمّة بغداد ليست سوى تكرار عقيم، باتت لا تُشكّل شيئا أمام القنابل المُلقاة على أطفال فلسطين في غزّة، ولا تحمل من ملامح القرار سوى أوراق الحضور والإنصراف. رفع العقوبات بشرط التطبيع في تحوّل مفاجئ، أعلن ترامب عن نيته رفع العقوبات عن سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع، والذي تعمل حكومته على إعادة الإعمار بعد سقوط نظام الأسد. هنا تظهر مُفارقةٌ جديدة: فرفع العقوبات، الذي يُفترض أن يكون خطوةً إنسانية وتبعة بديهية بعد سقوط نظام الأسد، تحوّل إلى أداة ضغط سياسي مشروط بالتطبيع مع إسرائيل. الشعب السوري، الذي دفع ثمن مقاومته للدكتاتورية الدموية، يُراد له اليوم أن يدفع فاتورة التقارب مع تل أبيب من قوت يومه وماء وطنه. إنها نسخة جديدة للإخضاع بوجه ناعم. أيُّ عدالة هذه؟ المفارقة الأقسى أن ترامب، الذي يُغدِق عليه الخليج بالصفقات والهدايا، هو نفسه من يُصفّق لإسرائيل وهي تذبح الفلسطينيين، ويهنئ نتنياهو على «إنجازاته الأمنية». إنه الرجل الذي حوّل السياسة إلى بورصة: يبيع الأمن للسعودية، ويشتري الصمت من قطر، ويتلقى من الإمارات شهادة حُسن السلوك للهيمنة الإسرائليلية بإسم التنمية، ويطرح غزّة للبيع. لكن ما يُفجِّر القلب غيظاً هو الصمت العربي المُطبق، فالقادة الذين يتبارون في استضافة ترامب هم أنفسهم مَن يغلقون حدودهم أمام لاجئي غزّة وفي الماضي سوريا، ويُشاركون في تطبيعٍ لا يُنتج إلا خنوعاً. العرب في المزاد وصفقة التهجير كنا نأمل، بعد أن حمل ترامب من الخليج ما يزيد على 4 تريليونات دولار من مقدّرات الأوطان العربية والإسلامية، أن يحمل في المقابل همّاً إنسانياً، أو حتى موقفًا سياسيا يكبح العدوان على غزّة، لكنّ المفاجأة جاءت مريرة، حين اتخذ فور عودته إلى واشنطن قراره الأخطر: تهجير مليون فلسطيني من القطاع إلى ليبيا، مقابل صفقة سياسية ليبية، بشرط الإفراج عن ملياراتها المجمّدة في البنوك الأميركية. هكذا تحوّلت غزّة إلى بند في مفاوضات مالية، وتحوّل الدم الفلسطيني إلى رقم في حساب بنكي مؤجّل الصرف. هذا هو العصر الذي تُقاس فيه الكرامة بالدولار، وتُشترى السيادة بالمليار، بينما تُدفن العدالة تحت ركام المجازر، وغزّة، بكل دمها ودموعها، ستظل تقاوم، لا لتبقى فحسب، بل لتُذكّر العالم بأن القضية الفلسطينية لا تُشترى ولا تُباع، وأن الشعب الذي لا يملك إلّا حجراً، لا يمكن أن يُساق. وغداً، حين يُكتب التاريخ، لن تُذكر الصفقات، بل الدماء التي صرخت «لا» في وجه طغيان الدولار رغم الدمار والمرار.


جريدة الايام
منذ 6 ساعات
- جريدة الايام
بنك الأردن يوقع اتفاقية تعاون مع مجلس إدارة النفايات الصلبة
بيت لحم - "الأيام": وقّع بنك الأردن اتفاقية تعاون مع المجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة لمحافظتي الخليل وبيت لحم، لدعم شراء حاويات بلاستيكية خضراء وتوزيعها في قرى وبلدات المحافظتين بقيمة 77,500 دولار. يأتي ذلك بحسب بيان صدر عن البنك، أمس، انطلاقا من مسؤوليته المجتمعية واستراتيجيته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال دعم المبادرات ذات العلاقة خلال العام 2025. ووقّع اتفاقية الدعم، الرئيس التنفيذي لفروع بنك الأردن في فلسطين، ورئيس المجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة لمحافظتي الخليل وبيت لحم، في مقر المجلس في قرية المنيا جنوب شرق بيت لحم، بحضور ممثلين عن الجانبين. ومن خلال الاتفاقية، سيساهم البنك في توفير 1800 حاوية بلاستيكية خضراء (صديقة للبيئة) سعة 240 لتراً، وتوزيعها في بلدات وقرى محافظتي الخليل وبيت لحم. وأكد الرئيس التنفيذي لفروع بنك الأردن في فلسطين، أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار استراتيجية تستجيب للاحتياجات الأساسية للمجتمع، وتحقق أهداف التنمية المستدامة، مشيرا إلى أن البنك يواصل تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع مؤسسات المجتمع المحلي في الضفة الغربية، عبر تمكينها من تطوير خدماتها المقدمة للمواطنين، وذلك عقب تنفيذه برنامج المظلة الإغاثية المتعددة لدعم الوضع الإنساني في قطاع غزة. ورحب الرئيس التنفيذي لفروع بنك الأردن في فلسطين بالشراكة الاستراتيجية المهمة التي تجمع البنك والمجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة لمحافظتي الخليل وبيت لحم، موضحا أن مساهمة البنك في شراء حاويات بلاستيكية خضراء، يخدم تحقيق ثلاثة أهداف من أهداف التنمية المستدامة وهي: "الصحة الجيدة والرفاه"، "العمل المناخي"، و"عقد الشراكات لتحقيق الأهداف". بدوره، أعرب رئيس المجلس عن فخره بالشراكة مع بنك الأردن التي ستنعكس بالإيجاب على الخدمات التي يقدمها المجلس للمواطنين، موضحا أن شراء الحاويات البلاستيكية الخضراء وتوزيعها في البلدات والقرى سيساهم بشكل كبير في الحد من تراكم النفايات وتكدسها بشكل عشوائي في الشوارع والأزقة، وتسهيل جمعها، ما سيقلل بشكل كبير الإخلال في التوازن البيئي وفقدان جمالية الطبيعة وتحسين الظروف الصحية وتقليل تلوث المياه الجوفية.


جريدة الايام
منذ 6 ساعات
- جريدة الايام
معادلة ترامب الجديدة في الشرق الأوسط: إسرائيل تفقد مكانتها
من منظور اقتصادي، يمكن اعتبار زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الخليج ناجحة للغاية؛ فقد وقّعت الولايات المتحدة مع السعودية وقطر والإمارات صفقات تفوق قيمتها التريليون دولار، في مقابل حصول هذه الدول على أسلحة وتكنولوجيا متقدمة. ولا يزال الوقت كفيلاً بإظهار إذا ما كانت هذه الصفقات ستتحقق فعلاً؛ إذ ظلّ جزء كبير من الصفقات، التي وقّعها ترامب خلال زيارته في سنة 2017، حبراً على ورق. ومن الصعب أيضاً التنبؤ بما إذا كانت الدول الثلاث، ولا سيما السعودية، قادرة، مالياً، على تحمّل النفقات، في ظل تراجُع أسعار النفط وصعوبات اقتصادية أُخرى. وعلى الرغم من أن الزيارة ركزت على الجانب الاقتصادي، فإنها حملت دلالات سياسية، لبعضها تبعات مهمة أيضاً على إسرائيل. تتمثل الدلالة الأولى في توجيه رسالة مهمة إلى إيران، خلال سير المفاوضات معها بشأن الملف النووي، مفادها أن دول الخليج، إلى جانب الولايات المتحدة، شكّلت عملياً "طوق نجاة". صحيح أن ترامب زار ثلاث دول فقط، إلّا إن اجتماعه بممثلي الدول الست في مجلس التعاون الخليجي، والتي تشمل أيضاً الكويت وعُمان والبحرين، بعث رسالة موقف موحّد مناهض لإيران. وعلى أرض الواقع، ترتبط هذه الدول أيضاً بعلاقات مع إيران، لكن الزيارة والاجتماع يشيران إلى ترتيب الأولويات الحقيقي لدول الخليج فيما يتعلق بالقضية الإيرانية. الدلالة الثانية تتعلق بالأهمية المتصاعدة لهذه الدول الثلاث على الساحتين الإقليمية والدولية. صحيح أن أول زيارة قام بها ترامب في ولايته الأولى كانت أيضاً للسعودية، لكنه انتقل بعدها مباشرة إلى إسرائيل. ومن بين دول الخليج، يبدو أن استعراض الصداقة من جانب قطر كان مهماً، وذلك على خلفية الانتقادات الغربية والإسرائيلية الموجّهة إليها بشأن تمويل منظمات "إرهابية" ومناهج تعليمية "متطرفة". أمّا مصر، الغارقة في ديون ضخمة، فلا يسعها سوى النظر إلى شقيقاتها العربيات الثريات بعين الحسد. الدلالة الثالثة هي أن الصراع على سورية يشهد تحولاً. لا يزال اللغز قائماً بشأن إذا ما كان الحاكم الجديد لسورية، أحمد الشرع، غيّر توجُّهه فعلاً، لكن اللقاء الذي حظيَ بتغطية إعلامية واسعة بين الشرع وترامب قد يشير إلى الاتجاه الجديد الذي تسلكه سورية. من غير الواضح سبب مسارعة ترامب إلى التخلّي عن ورقة العقوبات دون أن يحصل، فعلياً، على مقابل ملموس لكل المطالب التي طرحها، غير أن الإغراء الذي وعد به كان يهدف إلى تعزيز القبضة الغربية، التي حظيت بدعم إضافي من خلال تعهّد سعودي بسداد ديون سورية للبنك الدولي. الدلالة الرابعة هي أن خطوط الفصل بين المعسكرات الإقليمية أصبحت أقل وضوحاً. خلال الحرب، نشأ تمييز واضح بين محور المقاومة بقيادة إيران، وبمشاركة سورية ولاعبين غير دولاتيين، مثل "حزب الله"، و"حماس"، والحوثيين، والميليشيات العراقية، وبين نخب المعسكر المعتدل الذي ضم إسرائيل والدول الموقّعة على اتفاقيات السلام والتطبيع، فضلاً عن السعودية. في المنتصف، وقف كلٌّ من تركيا وقطر، فتبنّت الأولى موقفاً معادياً لإسرائيل بوضوح، بينما لعبت الثانية دور الوسيط بين "حماس" وإسرائيل، مع ميل واضح لمصلحة "حماس". إن زيارة ترامب لقطر، إلى جانب لقائه الرئيس السوري، بحضور افتراضي للرئيس التركي أردوغان، تشير إلى أن خطوط التماس التي كانت تفصل بين هذه المعسكرات تمزّقت. إسرائيل تفقد مكانتها للدلالات السياسية المذكورة أعلاه تبعات مهمة على إسرائيل. الأولى والأهم، هي أن إسرائيل لم تعد الحليف المُفضَّل، ومن المؤكد أنها ليست الحليف الوحيد للولايات المتحدة في المنطقة. والأخطر من ذلك، أن دول الخليج تقدّم للولايات المتحدة خيارات اقتصادية ومالية لا تستطيع إسرائيل منافستها. وهذا الاستنتاج يقود إلى نتيجتين فرعيتين: أولاً: أن إسرائيل قد تفقد في المدى البعيد جزءاً من تفوّقها التكنولوجي لمصلحة دول المنطقة. ثانياً: أنها لن تحظى، بعد اليوم، بحُرية مطلقة في تنفيذ نزواتها السياسية، أو العسكرية، وإذا أرادت أن تكون جزءاً من المنطقة، وأن تستفيد من عضويتها في القيادة المركزية الأميركية، التي أدت دوراً حاسماً في الدفاع عن أجوائها خلال الهجوم الإيراني في نيسان 2024، فعليها أن تأخذ في الاعتبار أيضاً مصالح المعسكر الذي تسعى للانضمام إليه. النتيجة الثانية هي نشوء إمكانية لنسيج جديد من العلاقات مع تركيا وسورية. جاء اللقاء بين ترامب والشرع وأردوغان في سياق محادثات استكشافية جرت بين ممثلين إسرائيليين وسوريين في دولة الإمارات، وممثلين إسرائيليين وأتراك في أذربيجان. من الواضح أن هناك ترابطاً بين هذه التحركات التي تفتح المجال أمام تقارُب محتمل بين الدول الثلاث. مع ذلك، ثمة فرق جوهري بين حالة العلاقات الإسرائيلية – التركية، إذ توجد علاقات دبلوماسية قائمة، وبين حالة العداء القائمة بين إسرائيل وسورية، إذ لا يزال البلدان في حالة حرب، في ظل احتلال إسرائيل، وضمها هضبة الجولان، وسيطرتها على المنطقة المنزوعة السلاح. ويمكن إدراج لبنان أيضاً ضمن هذا النسيج الجديد من الفرص: الضربة التي تلقاها "حزب الله" أدت إلى إضعافه داخلياً، وانتخاب رئيس مسيحي معارض له، وازدياد الأصوات المطالِبة بفتح صفحة جديدة في العلاقات مع إسرائيل. النتيجة الثالثة تتعلق بالقضية الفلسطينية، على الرغم من أنها لم تحظَ باهتمام كبير خلال الزيارة، فقد اطّلع ترامب بشكل مباشر على الموقف العربي الجماعي الذي يطالب بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة، وهو موقف يشمل، بطبيعة الحال، أيضاً إطلاق سراح الأسرى. وإن لم يتبنَّ ترامب هذا الموقف العربي بصيغته الكاملة، فإنه بات يدرك بشكل أفضل، الآن، مدى قوته وتبعاته على تحقيق المصالح الأميركية. في الوقت نفسه، أظهرت الزيارة أن التطبيع مع السعودية ليس مطروحاً على الطاولة. لقد أدى السابع من تشرين الأول 2023 إلى تغيّر في الموقف السعودي تجاه حل القضية الفلسطينية. فكما رفضت إسرائيل في السابق مبادرة السلام العربية، ترفض الحكومة الإسرائيلية اليوم الدفع بـ"العملية السياسية"، في مقابل المقترح العربي - السعودي. ومن المهم التشديد على أن هذه الزيارة لم تُسفر عن أي قرار بشأن توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية والولايات المتحدة، أو بشأن منح واشنطن موافقة على برنامج نووي سعودي مدني، وهما شرطان كانا مرتبطَين، جوهرياً، باتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل. المعادلة الجديدة إن الاستنتاج الفوري من كل ما سبق، هو أن زيارة ترامب إلى الخليج عززت عزلة إسرائيل داخل معسكر الدول المعتدلة؛ لم يتم إخراج إسرائيل منه لكن مكانتها تضررت. ومع ذلك، فإن نظرة أعمق تكشف أن نتائج الزيارة السياسية تحمل في طياتها إمكانات إيجابية لإسرائيل، إذا أحسنت استغلالها. مثلما حدث بعد حرب 1967، حققت إسرائيل مكاسب عسكرية، لكنها لم تُترجم إلى إنجازات سياسية. فالحرب، حسبما علّمنا كلاوزفيتش، لا يمكن أن تكون هدفاً بحد ذاته، بل هي أداة من بين أدوات أُخرى لتحقيق مكاسب سياسية. إن اتخاذ قرار بإنهاء الحرب وإطلاق سراح الأسرى، في وقت باتت "حماس" مهزومة فعلياً، من دون دعم حقيقي، ولا قيادة، من شأنه أن يغيّر الموقف من إسرائيل على الساحتين الدولية والإقليمية، ويفتح أمامها المجال لاغتنام الفرص التي أتاحتها الحرب والزيارة. إن فرصة الاتفاق مع السعودية لم تُغلق، بالضرورة، فهي باتت مرهونة، الآن، باستعداد إسرائيل لإنهاء الحرب والمضيّ قدماً نحو حلّ القضية الفلسطينية، وفي المقابل فإن نافذة الفرص التي فُتحت تجاه تركيا وسورية لا تعتمد على تقدُّم في المسألة الفلسطينية، لكنها مشروطة بتغيير في سياسة إسرائيل تجاه هاتين الدولتين. ومع ذلك، يبدو أن حاجة نتنياهو ورغبته في الحفاظ على ائتلافه الحكومي تطغى على جميع هذه الفرص. وهكذا، يتضح مرة أُخرى أن المقولة الإسرائيلية الشهيرة، إن العرب، وخصوصاً الفلسطينيين، هم وحدهم الذين لا يفوّتون فرصة لتفويت الفرص، حسبما قال أبا إيبان، لم تعد لها أرضية يمكن الركون إليها.