logo
كيف خسرت روسيا قاذفات نووية بـ7 مليارات دولار خلال دقائق؟

كيف خسرت روسيا قاذفات نووية بـ7 مليارات دولار خلال دقائق؟

الجزيرةمنذ 2 أيام

شنت أوكرانيا أمس الأحد واحدة من أكبر هجماتها في الحرب مع جارتها روسيا، إذ استهدفت قاذفات روسية بعيدة المدى ذات قدرة نووية في سيبيريا وقواعد عسكرية أخرى ما ألحق أضرارا وخسائر مادية كبيرة.
فما الذي حصل بالأمس في هجوم "شبكة العنكبوت" الذي وصف بالأكثر ضراوة وكلف روسيا نحو 7 مليارات دولار خلال دقائق معدودة وبأسلحة رخيصة الثمن؟.
كيف وقع الهجوم؟
استهدفت أوكرانيا بطائرات مسيرة خفيفة قاذفات روسية بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية في قاعدة عسكرية في سيبيريا، وهو أول هجوم من نوعه حتى الآن حيث تبعد خطوط المواجهة أكثر من 4300 كيلومتر.
وأظهرت مقاطع فيديو وصور لم يجر التحقق من صحتها نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي قاذفات إستراتيجية روسية، الغرض منها إسقاط قنابل نووية على أهداف بعيدة، وهي تحترق في قاعدة بيلايا الجوية شمال إيركوتسك بعد انقضاض عشرات المسيرات الأوكرانية عليها.
وقالت أجهزة الأمن الأوكرانية إنها نفذت "عملية خاصة واسعة النطاق" استهدفت أربعة مطارات عسكرية في أنحاء روسيا.
وأضافت أن نحو 41 طائرة روسية تستخدم "لقصف المدن الأوكرانية" أصيبت، مشيرة خصوصا إلى قاذفات إستراتيجية من طرازات تو-95 وتو-22 وطائرات رادار من طراز إيه-50.
إعلان
وتنفذ أوكرانيا بانتظام هجمات بطائرات مسيّرة على مواقع داخل روسيا خلال الحرب المستمرة بينهما منذ 3 أعوام، ولكن هذه المرة يبدو أنها استخدمت أسلوب عمل مختلف تماما.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المسيّرات أطلقت من مواقع "في المنطقة المجاورة مباشرة" للمطارات، أي من داخل الأراضي الروسية. وأوضحت أن الهجوم استهدف أيضا مطارات أخرى في مناطق إيفانوفو وريازان وأمور، عند الحدود مع الصين في أقصى شرق روسيا، لكن تم صدها.
ما الأسلحة المستخدمة؟
وفق مصادر أوكرانية فقد قامت كييف بتهريب طائرات مسيّرة إلى روسيا، حيث تم إخفاؤها بعد ذلك في هياكل خشبية في أسقف حاويات شحن تم فتحها عن بعد لإطلاق المسيّرات.
وأظهرت مقاطع فيديو، نقلتها وسائل إعلام روسية لكن لم يتم التحقق من صحتها، طائرات مسيّرة تنطلق من شاحنات.
وأكد الرئيس فولوديمير زيلينسكي أن أحد أماكن التي أعد فيها الهجوم في روسيا "يقع بجانب مكتب" جهاز الأمن الفدرالي الروسي (أف اس بي).
وتم التخطيط للعملية الأوكرانية التي تحمل الاسم الرمزي "شبكة العنكبوت"، منذ أكثر من عام ونصف، وأشرف عليها زيلينسكي، وفقا للمصادر الأوكرانية.
وأكد زيلينسكي أن الهجوم تم باستعمال 117 مسيّرة وعدد مماثل من العناصر الذين "تم إخراجهم من الأراضي الروسية في الوقت المناسب".
لماذا لم تكتشفه موسكو؟
على الرغم من أن الجيش الروسي لم يعلن تفاصيل كثيرة عن الهجوم وتفاصيله والأضرار الناجمة عنه إلا أن مدونين ومحللين روس تحدثوا عما وصفوه بفشل استخباراتي لبلادهم.
واستنكر مدونون عسكريون روس "يوما أسود للطيران" في بلادهم بعد خسائر تعرضت له عدة مطارات روسية وما يدور الحديث عن إعطاب وتدمير حوالي 40 طائرة بينها قاذفات إستراتيجية تبلغ قيمتها جميعا حوالي 7 مليارات دولار.
واعتبرت قناة تلغرام "ريبار" المقربة من الجيش الروسي أن "هذه، دون مبالغة، ضربة قاسية للغاية"، منددة بـ"أخطاء خطرة" ارتكبتها الاستخبارات الروسية.
وعلى الطرف المقابل، أشاد زيلينسكي على غرار مسؤولين أوكرانيين آخرين بالنتائج ووصفها بأنها "رائعة للغاية" و"تستحق أن تذكر في كتب التاريخ".
ما الخسائر الناجمة؟
أعلن جهاز الأمن الأوكراني الأحد أن الهجوم بالمسيّرات الذي نفّذه ألحق أضرارا بالطيران العسكري الروسي تقدّر كلفتها بسبعة مليارات دولار، وطال ما نسبته 34% من القاذفات الروسية الإستراتيجية التي تحمل صواريخ كروز.
واليوم الاثنين، قال أندريه كوفالينكو المسؤول في مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني إن أوكرانيا دمرت 13 طائرة على الأقل خلال الهجوم على قواعد جوية روسية أمس الأحد، في وقت أكدت فيه مصادر أوكرانية أخرى أن عدد الطائرات التي تم تدميرها أو تضررت يبلغ أكثر من 40.
من جهتها، اعترفت وزارة الدفاع الروسية "باندلاع النيران في طائرات عدة بعد إطلاق مسيّرات" في منطقتي مورمانسك وإيركوتسك الواقعتين على التوالي في القطب الشمالي الروسي وشرق سيبيريا، إلا أنها لم تقدم تفاصيل إضافية عن حجم الخسائر وقيمتها.
ما التداعيات؟
في وقت يتوقع فيه مراقبون أن يكون الرد الروسي "قاسيا" و"غير مسبوق" على الهجوم الأوكراني الكبير والمفاجئ الذي استهدف مطارات عسكرية بعيدة عن الحدود بين البلدين، تلتزم موسكو الصمت رسميا في الحديث عن هذا الرد.
وتشبه بعض الأوساط السياسية والإعلامية الروسية ضربات الأحد واستهداف القاذفات الروسية بالمعنى الإستراتيجي بحادثة "بيرل هاربور الأميركية" التي كانت سببا بدخول الولايات المتحدة ب الحرب العالمية الثانية وضربها لليابان بالقنابل النووية.
ورأى بعض المحللين أن ضربة الأحد تمس العقيدة النووية الروسية التي عدلتها موسكو خلال الحرب وذلك كونها استهدفت القاذفات الإستراتيجية وهذا يستدعي "ردا نوويا من قبل روسيا"، إلا أن موسكو حتى الآن لم تفصح رسميا عن خسائرها أو ردها المتوقع أو الذي تنوي القيام به.
إلا أن الصمت الرسمي لم يمنع موسكو من مواصلة هجماتها الجوية شبه اليومية على الأراضي الأوكرانية، وقالت القوات الجوية الأوكرانية أمس الأحد أن روسيا أطلقت 472 طائرة مسيرة على البلاد خلال ساعات، وهو أعلى عدد للطائرات المسيرة في هجوم ليلي خلال الحرب.
وقالت القوات الجوية الأوكرانية في بيان إن روسيا أطلقت أيضا سبعة صواريخ. وأضافت أنه جرى إسقاط 382 من الطائرات المسيرة أو تحييدها، إلى جانب إسقاط ثلاثة من الصواريخ.
توقيت الهجوم؟
يأتي الهجوم الأوكراني الكبير في وقت تكثف فيه واشنطن مساعيها لإيجاد نهاية للحرب بين موسكو وكييف، وفي ظل تراجع عسكري أوكراني على بعض الجبهات ومحاولات كييف حشد الدعم الغربي مجددا لمواجهة الهجوم الروسي واستعادة الأراضي التي سيطرت عليها موسكو خلال الحرب.
كما أنه جاء قبل يوم واحد من اجتماع مسؤولين روس وأوكرانيين اليوم الاثنين في مدينة إسطنبول بتركيا لإجراء الجولة الثانية من محادثات السلام المباشرة منذ 2022.
ويرى محللون أن توقيت الهجوم الأوكراني القوي وغير المسبوق يأتي للحصول على موقع قوة على طاولة المفاوضات في إسطنبول لأنه وكما هو معروف أن القوي أو المنتصر هو الذي يفرض شروطه عادة عند وضع السلاح أو الجنوح للسلم.
ومنذ عودته إلى كرسي الرئاسة في يناير/ كانون الثاني الماضي، يطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب روسيا وأوكرانيا بإحلال السلام، لكنهما لم تتوصلا حتى الآن إلى اتفاق، وحذر البيت الأبيض مرارا من أن الولايات المتحدة "ستنسحب" من جهود إنهاء الحرب إذا حال عناد الجانبين دون التوصل إلى اتفاق سلام.
وأسفرت الجولة الأولى من المحادثات في 16 مايو/أيار الماضي عن أكبر عملية تبادل للأسرى في الحرب، لكنها لم تسفر عن أي بادرة سلام، أو حتى وقف لإطلاق النار، إذ اكتفى الطرفان بتحديد موقفيهما التفاوضيين المبدئيين.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"خلية النازيين".. كيف قتلت 9 مهاجرين مسلمين في 7 أعوام ؟
"خلية النازيين".. كيف قتلت 9 مهاجرين مسلمين في 7 أعوام ؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

"خلية النازيين".. كيف قتلت 9 مهاجرين مسلمين في 7 أعوام ؟

تعددت الأسباب التي ساقتها المخابرات الألمانية الداخلية (هيئة حماية الدستور) عندما قررت قبل أيام اعتبار حزب البديل"كيانا يمينيا متطرفا". الهيئة عنونت هذه الأسباب بتهمة لا يمكن ردّها لأنها تضرب في أساس المادة الأولى من القانون الأساسي الألماني (الدستور): "لا مساس بكرامة الإنسان". ولم يكتف القرار بتفنيد أيديولوجية هذا الحزب وتحديدا ما وصفه بـ"الفهم السائد في الحزب الذي يقوم على أساس عرقي ولا يتوافق مع النظام الديمقراطي الحر"، بل خص المسلمين تحديدا بالقول إن هذا الفهم "يهدف إلى إقصاء فئات معينة من المشاركة المتكافئة في المجتمع وتحديدا المهاجرين من بلدان مسلمة وإلى التعامل معهم على أنهم ليسوا مواطنين متساوين" مع "الألمان بالدم". واعتمدت المخابرات الألمانية في اتخاذ القرار على قراءة برامج الحزب وعلى تسجيلات لمسؤولين كبار فيه يحرضون على الخروج من خانة التصريحات والبدء في العمل الفعلي على "تنقية" المجتمع الألماني من "الغرباء". فمنذ تأسيس هذا الحزب في بداية 2013 وإفراز الوحدة الألمانية قبل أكثر من ثلاثة عقود أحزابا نازية حُلّ بعضها وحُظر بعض آخر دون رجعة، منذ ذلك الحين تعوّد الرأي العام في ألمانيا على خطاب لا يكتفي بالتحريض على فئات "غير نقية" في المجتمع الألماني، بل يدعو جهارا إلى استخدام العنف ضدها وفي بعض الأحيان صراحة إلى القتل. "على الأقل، لدينا الآن عدد كافٍ من الأجانب من أجل القول إن استنساخ الهولوكوست أصبح أمرا مجديا". (مارسيل غراوف، موظف وعضو في حزب البديل) "إطلاق اسم عبد على ذوي البشرة السوداء أمر صحيح". (توماس زايتس، نائب في البرلمان الألماني عن حزب البديل). "المشكلة الكبيرة هي اعتبار أن أدولف هتلر يجسد الشر المطلق". (بيورن هوكه، أحد أبرز قادة حزب البديل) 219 ضحية منذ 1990 هذه الدعوات شكلت منذ بدء الحكومة الألمانية عام 1990 إحصاء ما أصبح يعرف لاحقا بـ"جرائم الكراهية" أساسا نظريا ومرجعية لجميع الجرائم التي نفذها نازيون جدد ضد "الغرباء". وبينما تقول السلطات الألمانية إن عدد ضحايا الجرائم التي ارتكبها نازيون جدد على أساس العرق يبلغ منذ البدء عام 1990 في إحصاء هذه الجرائم 113 شخصا تؤكد منظمات متخصصة أبرزها مؤسسة "أماديو أنطونيو" أن العدد أكبر بكثير ويبلغ منذ العام المذكور 219 شخصا. ولأن السلطات الألمانية لم تكن قبل إعادة توحيد الألمانيتين تحصي أعداد "جرائم الكراهية"، فسيكتفي هذا التحقيق بذكر الجرائم التي تمت أرشفتها وسيفصل بشكل خاص في سلسلة ارتكبتها الخلية النازية المعروفة باسم "NSU" في غضون سبعة أعوام وراح ضحيتها تسعة مهاجرين مسلمين وشرطية. وبينما ينتاب المتابع شعور بالاشمئزاز عند المرور على الغالبية العظمى من الجرائم المذكورة، يتوقف حتميا عند قصة خلية "NSU"، وذلك ليس بسبب بشاعتها، بل لعدم قدرته على الإجابة عن أسئلة ما زالت تحيّر ألمانيا. فمنذ اكتشاف الخلية صدفةً عندما وجدت الشرطة اثنين من أعضائها مقتوليْن وزعْم الرواية الرسمية أنهما انتحرا، منذ ذلك الحين ما زالت ألمانيا تبحث عن إجابات عن أسئلة مفتوحة: كيف صال وجال نازيون جدد من أقصى جنوب ألمانيا إلى أقصى شمالها وقتلوا عشرة أشخاص بلا حسيب أو رقيب؟ وكيف بدأ وانتهى مسلسل القتل الذي استمر قرابة 7 أعوام؟ ولماذا سقط الإعلام الألماني لدرجة أن صحفا رزينة وكبيرة اخترعت المصطلح العنصري "جرائم الشاورما التركية" (Döner-Morde) من أجل توصيف هذه الجرائم؟ وما علاقة أجهزة المخابرات الألمانية بما حدث وهل تكونت الخلية من 3 أشخاص فقط أم أنها أكبر بكثير؟ ولأن هذه السلسلة تنطبق عليها جميع شروط القصة البوليسية المُبهمة، فسنبدؤها من حلقتها الأخيرة. الخطة (ب) "العقل المدبر" للخلية النازية "NSU"، بياته تشيبه (Beate Zschäpe) تصول وتجول في شقتها الواقعة في شارع "Frühlingsstr" بمدينة تسفيكاو في شرق ألمانيا وتحرص على البقاء بالقرب من جهاز راديو وضعته في المطبخ. بعد انقضاء المدة المتفق عليها لتفعيل الخطة (ب)، جاءها الخبر اليقين: "إضرام النار في منزل متنقل بعد فشل عملية سطو على أحد البنوك والعثور على جثتي المتهميْن بتنفيذ العملية بعد انتحارهما". تشيبه عرفت أن الحديث يدور عن رفيقيها في الخلية أوفي بونهارت وأوفي موندلوس اللذين أوكلت لهما مهمة السطو على أحد البنوك بمدينة آيزناخ المجاورة وعرفت فورا ما العمل. بدأت -كما قالت في التحقيقات التي أفرجت عنها المخابرات الألمانية الداخليةـ كرجل آلي بتطبيق الخطة المتفق عليها مع بونهارت وموندلوس: إخراج ظروف الأقراص المدْمجة من المخزن وتحضيرها للإرسال. البحث في الشقة عن أية مبالغ نقدية. وأهم شيء إخراج غالون البنزين المخصص لفرضية فشل عملية السطو ودلقه في الشقة تحضيرا لإضرام النار فيها. بعد تطبيق الخطة (ب) عن ظهر قلب وخطوة بخطوة، توجهت تشيبه إلى أقرب صندوق بريد وعبّأته بـ12 مظروفا احتوت على الأقراص المدّمجة وأرسلتها إلى القنصلية التركية في ميونِخ ولأحد المساجد في هامبورغ ولمجموعة من وسائل الإعلام الألمانية المختارة ولدار نشر تحسب على اليمين المتطرف. بهذا ضمنت تشيبه انتشار محتوى هذه الأقراص على نطاق واسع. في هذه الأقراص، وثّق "الثلاثي الإرهابي النازي" قتل 9 مهاجرين 8 منهم أتراك وواحد يوناني وشرطية في غضون 7 أعوام متتالية، و43 محاولة قتل وتفجيرين استهدفا في مدينة كولونيا بغرب ألمانيا مناطق مهاجرين، مما أدى إلى إصابة 23 شخصا بجروح خطيرة، و15 عملية سطو وكل ذلك تم توثيقه بأسلوب تهكمي على الضحايا وصلت فيه درجة السخرية إلى التقديم لجميع هذه الجرائم على لسان بطل الفيلم الكوميدي الأميركي النمر الوردي (The Pink Panther). بعد أربعة أيام وتحديدا في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 ظهرت تشيبه برفقة محاميها في قسم للشرطة بمدينة يينا، حيث سلمت نفسها. الخبر انتشر كالنار في الهشيم خاصة بعد بدء السلطات والإعلام الربط بين تسليم شابة في ربيع عمرها نفسها للشرطة وتسريبات حول ضلوعها في ارتكاب عشر جرائم قتل لأسباب عنصرية. كل ذلك أثار ضجة كان لها ما بعدها: بدء التحقيقات فيما عرف لاحقا في ألمانيا بـ"محاكمة القرن" التي انطلقت في مايو/أيار 2013 واستمرت حتى يونيو 2018 وكلفت 30 مليون يورو وشهدت 438 جلسة شارك فيها 60 محاميا و600 شاهد و95 مدعيا عاما و40 مخبرا سريا وأطنان من الأوراق والصور وفي خضمّ كل ذلك، متهمة بقيت حتى آخر جلسة "غير مبالية بآلام أسر الضحايا ومجرمة عن اقتناع" على حد وصف أنور أوزاتا، أحد محامي الضحايا في حديث مع الجزيرة نت. أوزاتا يقول إن دور تشيبه في الخلية كان "مركزيا تحديدا على صعيد التنظيم لأنها كانت مع أوفي بونهارت وأوفي موندلوس جزءًا من نواة الثلاثي الإرهابي الذي كان مندمجا في خلية أكبر تتحمل مسؤولية ارتكاب جميع هذه الجرائم". وعن مراقباته للمتهمة أثناء جلسات المحكمة، يقول أوزاتا إنه "راقب متهمة صمتت طوال جلسات المحكمة ـوهذا حقهاـ وعندما كانت تكسر صمتها، كنا نسمع كلاما لا يحظى بالثقة ولا يمكن تصديقه (...) لم نسمع شهادة ندم مثلا ولم نلمس اهتماما بإيضاح ملابسات الجرائم. تشيبه كانت مجرمة عن اقتناع بقيت حتى النهاية مخلصة لجرائمها". في جلسة النطق بالحكم، تحول محيط محكمة ولاية بافاريا العليا إلى غابة من الكاميرات. من ألمانيا وخارجها جاء آلاف الصحفيين الذين كانوا شاهدين على إصدار حُكم بالسجن مدى الحياة على تشيبه بتهم الانتماء للخلية الإرهابية "NSU" (Nationalsozialistischer Untergrund) والضلوع في ارتكاب عشر جرائم قتل والمشاركة في تنفيذ هجومين بالقنابل، وعلى أربعة آخرين بالسجن مدة تتراوح بين عامين ونصف و10 أعوام.المحامي الشاب أنور أوزاتا الذي ينحدر من أصول تركية وصف الحكم على الشكل التالي: "الحكم في بعض جزئياته كان إيجابيا وفي البعض الآخر كان سلبيا. الإيجابي هو الحكم على تشيبه بالسجن مدى الحياة. أما السلبي فهو عدم قدرة المحكمة على إيضاح ما حدث لذوي الضحايا الذين أرادوا معرفة من قتل ذويهم وما هو الحجم الحقيقي لهذه الخلية ولماذا تم اختيار آبائهم وأولادهم بالذات". كيف بدأ مسلسل القتل؟ في التاسع من سبتمبر/أيلول 2000، ناب تاجر الورود أنور شِمشِك عن أحد موظفيه في كشك لبيع الورود بالقرب من مدينة نورنبرغ بولاية بافاريا. أثناء ترتيب شِمشِك بضاعته، فاجأه رجلان وأصابوه من الخلف بعدة طلقات في الرأس، مما أدى إلى موته بعد يومين متأثرا بجراحه. بهذا يكون أول ضحية للخلية النازية تاجر ورود. قبل قرابة عام، زار معد التحقيق مسرح الجريمة، حيث قابل عبد الكريم شِمشِك بن أنور شِمشِك. عبد الكريم الذي أصبح شابا مكتمل الأوصاف بدا متماسكا لغاية سؤاله عن الشيء الذي يربطه بهذا المكان. حينها، رد بصوت مرتجف: "طفولتي (...) في هذه الساحة كنت ألعب وأقضي وقتا جميلا بجانب والدي واليوم أتيت إلى هنا شابا للمشاركة في تدشين هذه الساحة باسم أبي". بعد هذه الجريمة، توقف القتل لمدة قرابة 10 أشهر لغاية يونيو/حزيران من عام 2001 الشهر الذي قتل فيه الثنائي أوفي بونهارت وأوفي موندلوس الخياط عبد الرحيم أزودورو في معمله للخياطة بمدينة نورنبرغ، وفي الشهر ذاته قتل في هامبورغ في الشمال تاجر الخضار سليمان تاش كوبرو. وفي أغسطس/آب من العام ذاته قتلت الخلية ذاتها في ميونخ بالجنوب تاجر الخضار هابل قيلِش.بعدها أوقفت الخلية القتل مدة عامين ونصف تقريبا حتى قتل محمد تورغوت في أحد أكشاك بيع الشاورما التركية بمدينة روستوك في أقصى شمال ألمانيا. في يونيو من عام 2004 نفذت الخلية هجوما بالقنابل المسمارية على محلات لأتراك في مدينة كولونيا في الغرب، مما أدى إلى إصابة 23 شخصا بجروح خطيرة.في يونيو من عام 2005 عُثر على إسماعيل ياشار مقتولا في كشكه بمدينة نورنبرغ وبعد ستة أيام قتلت الخلية اليوناني تيودروس بولغاريدس في محله المتخصص في صناعة الأقفال. وفي أبريل/نيسان من عام 2006 قتل محمد كوباشك في كشكه الواقع بمدينة دورتموند في الغرب وخالد يوزغات في مقهى إنترنت بمدينة كاسل في الغرب أيضا. وفي أبريل/نيسان من عام 2007 أنهى بونهارت وأوفي موندلوس مسلسل القتل باغتيال الشرطية ميشيل كيزِفيتر وأصابوا ثلاثة زملاء لها بجروح خطيرة. مجرد أتراك بالنسبة لأسر الضحايا، شكلت هذه الجرائم مصيبتين. فمن ناحية، كان عليهم تحمل وقع قتل أولادهم وآبائهم بدم بارد ومن ناحية أخرى، خضعوا مدة أكثر من عشرة أعوام لتحقيقات استبعدت منذ البداية فرضية وقوف يمينيين متطرفين خلف الجرائم علما بأن دلائل كثيرة كانت تشير إلى ارتكابها وفق معادلة تلقائية معروفة وهي إذا كان الضحية مهاجرا فعلى الأغلب المنفذ يميني متطرف. بدلا من ذلك رجحت السلطات الألمانية فرضية ارتكاب هذه الجرائم على خلفية شبهات تتعلق بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والإدمان وحتى بالخيانة الزوجية. كل ذلك كان سببا في "قتل" أسر الضحايا اجتماعيا وعزلهم في محيطهم أو كما تقول سمية شِمشِك ابنة الضحية تاجر الورود أنور شِمشِك في كتاب نشرته في عام 2013: "قتلونا مرتين". تقول ابنة أول ضحية في كتاب "وطن مؤلم" إنها كانت في الـ14 من عمرها عندما عرفت عائلتها بقتل أبيها وبدلا من بدء السلطات الأمنية التحقيق في الاتجاه الصحيح، "اتهمتنا بارتباطنا بالمافيا وضايقتنا وتجسست علينا مدة 11 عاما ولم يسمح لنا بأن نكون ضحايا بضمائر نقية". ومما زاد الطين بلة قصر نظر الإعلام الألماني الذي اخترع المصطلح العنصري "" أو "جرائم الشاورما التركية" لتوصيف الجرائم علما بأن اثنين فقط من الضحايا كانا يعملان في أكشاك لبيع هذه الوجبة السريعة. صحيفة نورنبرغر تسايتونغ الصادرة في مدينة نورنبرغ التي كانت مسرحا للجرائم الأولى والثانية والسادسة ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما تساءلت: "هل يدور الحديث هنا عن كشف مستودعات للمخدرات؟ بعض الإشارات تدلل على هذه النظرية. فخط الهيروين الذي يربط أوروبا الشرقية بهولندا ـتضيف الصحيفةـ يمر عبر نورنبرغ وخط الكوكايين الذي يربط هولندا بإيطاليا يمر أيضا عبر نورنبرغ". هذه الصحيفة وصحف أخرى عنونت افتتاحياتها بجميع الفرضيات الممكنة إلا فرضية واحدة وهي وقوف يمينيين متطرفين خلف هذه الجرائم. فبينما تحدثت الصحيفة الصفراء الكبيرة (بيلد) عن سلسلة جرائم على خلفية تجارة المخدرات، ربطت المجلة المحسوبة على اليسار الليبرالي (دير شبيغل) بين الجرائم ومافيا الرهانات. أحمد كولاشي، رئيس تحرير النسخة الألمانية من صحيفة حرييت التركية لا يريد الطعن في زملاء له يعملون في صحف ألمانية واكتفى بمعاتبتهم بأدب. يقول كولاشي في حديث مع الجزيرة نت إن "الخبر (الانتحار المزعوم للنازييْن واعتقال العقل المدبر للخلية) فاجأنا لأن السلطات والإعلام لم ينطلقا ولو للحظة واحدة من احتمال أن تكون خلفية هذه الجرائم يمينية متطرفة بل مما وصف حينها ولسنوات طويلة بـجرائم الشاورما التركية. بعدها قيل إن الأمر ربما يتعلق بخلافات بين أتراك وأكراد وربما بجرائم غسيل الأموال". يضيف كولاشي "منذ ارتكاب الجريمة الأولى في عام 2000 توقعنا ـلم نكن نعرف- وإنما توقعنا أن نازيين يقفون وراء الجريمة ونشرنا ذلك ولكن لم يأخذنا ويأخذ تقاريرنا حينها أحد على محمل الجد". ولم تكن الصحافة التركية في ألمانيا الجهة الوحيدة التي امتعضت من هذه الأحكام المسبقة ومن إعادة تدوير الحقائق. فبعد بدء الإعلام والسلطات التحقيق في أوساط عائلات الضحايا بدلا من تعزيز فرضية وقوف يمينيين متطرفين خلفها، تجمعت عائلات الضحايا وبدأت تنظيم المظاهرات والفعاليات من أجل لفت الانتباه لاحتمال وقوف نازيين خلف الجرائم وللمطالبة بإيضاح جميع ملابساتها. من الأمثلة التي يحتذى بها على صعيد إحقاق الحق قصة إسماعيل يوزغات الذي فقد ابنه خالد في أبريل/نيسان 2006 بمدينة كاسل ويناضل منذ أعوام من أجل تغيير اسم شارع في هذه المدينة إلى شارع خالد يوزغات. فما قصة هذا الرجل الذي بقي على قيد الحياة لأنه غاب لفترة وجيزة عن مقهى إنترنت كان يملكه في كاسل؟ وما قصة المخبر السري الذي كان في المقهى الذي قتل فيه الابن خالد وادعى أمام المحكمة أنه لم يسمع ولم ير شيئا؟ المخبر "الأطرش الأعمى" قصة قتل خالد يوزغات في مقهى والده بمدينة كاسل تقدم دلائل واضحة على المعرفة المسبقة للمخابرات الألمانية بهذه الجرائم. فما دور السلطات الألمانية في عمليات القتل؟ عندما أدلى إسماعيل يوزغات بشهادته في ميونِخ، وصلت المحكمة إلى درجة من العاطفية لم تشهدها في جلسات سابقة. بدأ بالحديث عن محاولته إنقاذ ابنه بعد العثور عليه في المقهى مضرجا بالدماء. وصف ابنه بأنه شهيد. انفعل. ثم قفز من منصة الشهود وصاح في وجه بياته تشيبه: "لماذا قتلت حمْلي؟". تشيبه شبّكت ذراعيها وحدقت غير مبالية في فراغ. ولكن السجال وصل إلى ذروته عندما كذّب الأب يوزغات المخبر السري أندرياس تِمه (Andreas Temme) الذي كان في المقهى عندما أجهز النازيان على ابنه برصاصتين في الرأس. تِمه الذي عمل لجهاز المخابرات الداخلي في ولاية هِسن بقي في ست جلسات وأمام عدة لجان تحقيق برلمانية متمسكا برأيه حتى آخر لحظة: لم أر ولم أسمع شيئا ولم أشم حتى رائحة البارود، فهل كانت هذه أول كذبة يحاول المخبر تمريرها في المحكمة؟ لاحقا، وصف المخبر السري مشاهداته في مسرح الجريمة بالقول إنه أغلق الكمبيوتر وهمّ بالخروج وعندما لم ير يوزغات الابن وراء طاولته، وضع على الطاولة خمسين سنتا وغادر المقهى علما بأن جثة خالد كانت ملقاة على الأرض وراء الطاولة مباشرة. الكذبة رقم 2؟. ورغم ذلك، برر القاضي مانفرِد غوتسل إعفاء المخبر من المسؤولية بالقول إن شهادته كانت "معقولة ومفهومة وتحظى بالمصداقية". جهات كثيرة لم تقتنع بهذه الرواية أبرزها المجموعة البحثية البريطانية المرموقة " Forensic Architecture" التي أعادت تصميم المقهى بجميع تفاصيله وحجمه الحقيقي (77 مترا مربعا) وأعادت تمثيل الدقائق التسع والنصف التي حدثت الجريمة في غضونها. ووفق تقرير المجموعة فإن النتائج التي تم التوصل إليها تؤكد أن المخبر رأى جثة خالد خلف الطاولة. وحول قوله إنه لم يسمع إطلاق النار، يقول التقرير إن خبراء السمعيات في المجموعة يؤكدون أن صوت الطلقتين "كفيل بإحياء الأموات" متسائلين "فما بالك إذا كان هذا المخبر يجلس على بعد أمتار؟". جميع هذه التناقضات تضعنا أمام أسئلة محيرة: هل وُجد المخبر السري صدفة في المقهى؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فماذا فعل هناك؟ لماذا كذب أمام المحكمة ولجان التحقيق؟ هل كان ضالعا بشكل أو بآخر في الجريمة؟ هذا كله وجميع الأسئلة المتعلقة بدور المخابرات الألمانية في سلسلة الجرائم بقيت حتى النهاية بدون إجابات. الانتحار المزعوم دليل دامغ آخر على ضلوع أو معرفة جهاز المخابرات الألماني الداخلي (BKA) بتفاصيل هذه الجرائم وقدرته على إحباطها وهو الشكوك المنطقية في صحة الرواية الرسمية التي ساقتها المخابرات أمام لجان التحقيق والمحكمة بخصوص انتحار النازيين. تقول السلطات الألمانية حول "الانتحار المزعوم" للإرهابيين موندلوس وبونهارت إنهما أنهيا هذه السلسلة بانتحارهما عام 2011، وذلك على الشكل التالي: موندلوس أطلق النار على بونهارت وقتله ثم أضرم النار في المنزل المتحرك وبعدها، أطلق النار على نفسه. للوهلة الأولى تبدو هذه الرواية منطقية وحدثت في المنزل المتحرك دون تدخل خارجي. ولكن مربط الفرس في غموض هذه الرواية هو السلاح المستخدم لتنفيذ خطة الانتحار وهو ما يعرف بـ"البندقية المضخية" أو بندقية الصيد (Pumpgun). هذه البندقية سلاح تكراري يبلغ طوله 70 سنتمترا ويتطلب بعد إطلاق الرصاصة الأولى تقديم وتأخير المقبض يدويا من أجل إسقاط الفارغ. عملية إسقاط الفارغ لا مناص منها من أجل إطلاق الرصاصة الثانية. والآن لنعد تمثيل عملية الانتحار بحسب الرواية الرسمية: موندلوس أطلق النار على صدغ بونهارت وأرداه قتيلا. ثم أخّر وقدّم المقبض يدويا لإسقاط الفارغ. بعدها أضرم النار في المنزل وأطلق النار على نفسه، لتنتهي عملية الانتحار المزدوج بنجاح. في هذه الحال، كم عدد الفوارغ التي يجب على الشرطة أن تعثر عليها ملقاة على الأرض؟ المنطق يقول فارغ واحد فقط لأن الموتى -حتى لو كانوا نازيين- لا يستطيعون تأخير وتقديم المقبض من أجل إسقاط الفوارغ. ولكن الشرطة تقول إنها وجدت فارغين. من هنا يحق للمراقب أن يسأل من أين أتى الفارغ الثاني ومن أخّر وقدّم المقبض لإسقاطه؟ وهل انتحر موندلوس وبونهارت أم اغتيلا؟ وإذا صحت الفرضية الأخيرة، فمن اغتالهما أو من له مصلحة في اغتيالهما؟ ولكن محاولات أجهزة المخابرات الألمانية إخفاء ما يمكن إخفاؤه وحماية عناصرها المتورطين بشكل أو بآخر في هذه الجرائم شملت كذلك إتلاف جبال من الوثائق وإخفاء الدلائل وتقديم شهادات كاذبة أمام المحكمة، وذلك كله رغم جميع الطمأنات التي كانت تصدر على لسان أرفع المسؤولين الألمان. "سنفعل كل شيء من أجل إيضاح ملابسات الجرائم وكشف المتواطئين والداعمين والفاعلين وإصدار العقوبات العادلة ضد جميع المتورطين". فهل أوفت رئيسة الحكومة الألمانية حينها بهذا التعهد وتحديدا بالجزئية المتعلقة بملاحقة جميع المتورطين؟ الأحكام التي صدرت في نهاية سجال قضائي استمر خمسة أعوام اقتصرت على محاكمة العقل المدبر للخلية تشيبه وأربعة آخرين، علما بأن نتائج عدة تحقيقات برلمانية خلصت إلى أن خلية "NSU" أكبر بكثير من ثلاثة أشخاص. علاوة على ذلك، يؤكد محامو الضحايا وعائلاتهم أن العدد بالفعل أكبر بكثير، ومحاولات المخابرات الألمانية والنيابة العامة عرقلة التحقيقات وإبعاد الشبهات عن دور عشرات المخبرين السريين الذين نشطوا في أوساط الخلية الأمر الذي يستحق وصف ما حدث بأنه "فضيحة" و"صفعة في وجوه الضحايا" حسب المحامي أنور أوزاتا. عائشة يوزغات، والدة الشاب خالد يوزغات عاتبتهم جميعا بعفّة وأدب قائلة في اليوم الأخير للمحكمة: "عملتم بنشاط كخلية نحل ولكنكم لم تنتجوا العسل".

خيارات بوتين الصعبة بعد الضربة الأوكرانية القاسية
خيارات بوتين الصعبة بعد الضربة الأوكرانية القاسية

الجزيرة

timeمنذ 5 ساعات

  • الجزيرة

خيارات بوتين الصعبة بعد الضربة الأوكرانية القاسية

استيقظ العالم صباح الأحد، 1 يونيو/ حزيران 2025، على عمل عسكري أوكراني، ضد روسيا ـ ثاني أعظم قوة عسكرية في العالم ـ يكاد يتطابق، تقريبًا، مع معركة بيرل هاربر في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941، عندما باغتت البحرية الإمبراطورية اليابانية، بـ 353 طائرة حربية، الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ، وهو الهجوم الذي غير مجرى التاريخ، وحمل واشنطن على التورط في الحرب العالمية الثانية. صحيح أن الهجوم الأوكراني قد يكون "نسخة" من بيرل هاربر، في مغامرته وجرأته، و"جنونه" إذا جاز التعبير، ولكنه يستنطق المساحات المسكوت عنها، حول حصانة الجيش الروسي أمنيًا من جهة، وقدرته على "الثأر" عسكريًا، من جهة أخرى. على نحو ما أقدمت عليه الإدارة الأميركية، ضد اليابان، وتجردها من إنسانيتها، حين ذهبت إلى أبعد نقطة من الانتقام، بغض النظر عن مآلاته على المستويين: الأخلاقي، والإنساني. باغت الأوكرانيون ـ يوم الأحد الماضي ـ الجيش الروسي، بـ 117 طائرة مسيرة مهربة إلى داخل روسيا، في عملية أطلق عليها الأوكرانيون "شبكة العنكبوت"، دمرت خلالها 40 طائرة روسية في أربع قواعد عسكرية، مما أسفر عن تدمير 34% من حاملات صواريخ كروز الإستراتيجية الروسية. ومن بين المفاجآت أو الصدمات المتلاحقة والمترتبة على العملية، ولعلها تحمل حزمة من الأسئلة التي من شأنها فتح ما استغلق على الرأي العام الروسي المصدوم والغاضب، أن أربع قواعد جوية روسية – منها اثنتان تبعدان آلاف الأميال عن أوكرانيا – قد تضررت بشكل كامل أو جزئي، وهي: بيلايا في منطقة إيركوتسك، سيبيريا، أولينيا في منطقة مورمانسك، أقصى شمال غرب روسيا، دياجليفو في منطقة ريازان الوسطى، وإيفانوفو في منطقة إيفانوفو الوسطى. وتقول التقديرات الأولية، إن الأضرار التي لحقت بالطيران الإستراتيجي الروسي تجاوزت الـ 7 مليارات دولار. العملية ـ بحسب إفادات الاستخبارات الأوكرانية ـ جرى التحضير لها بسريّة تامة، حيث استغرقت عامًا ونصف العام، أي 18 شهرًا، ولم يعلم عنها الروس شيئًا! التفاصيل ـ هنا ـ شديدة الأهمية، لجمع أجزاء الصورة المبعثرة، بشأن ثاني أكبر عملية عسكرية بعد بيرل هاربر تقريبًا، وما إذا كانت قد تمت، بخبرات أوكرانية محضة، أم بخبرات أمنية مشتركة مع الناتو، وما إذا كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان مطّلعًا على الخطط؛ بهدف تليين موقف بوتين المتصلّب وكسر شوكته، وحمله على القبول بأن ينزل عند التصور الأميركي بشأن تسوية سلمية تنهي الحرب. فبحسب السردية الأمنية الأوكرانية، والتي لم تكذبها روسيا الرسمية، فإن الطائرات بدون طيار، كانت مخبأة في كبائن خشبية متنقلة، مزودة بأسقف يتم التحكم بها عن بُعد على شاحنات، تم جلبها بالقرب من القواعد الجوية ثم إطلاقها في الوقت المناسب. بيدَ أن المفاجأة "المدوية" التي ربما زلزلت، صنّاع القرارَين: الأمني، والعسكري في موسكو، هو ما صرّح به الرئيس الأوكراني زيلينسكي حين قال: "الأمر الأكثر إثارة للاهتمام – ويمكننا أن نعلن ذلك علنًا – هو أن "غرفة" عمليتنا على الأراضي الروسية كانت تقع بجوار جهاز الأمن الفدرالي الروسي في إحدى مناطقه"، مؤكدًا أيضًا أن جميع الأشخاص المشاركين في العملية قد نُقلوا بأمان من روسيا قبل الغارات. تصريحات زيلينسكي، تعمدت "إذلال" القيادة السياسية الروسية بلا شك، وزعزعة ثقة بوتين في جيشه، وإبراق رسالة إلى الكرملين تفيد بأن الأمن القومي الروسي، بات مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى، ما سهل على الأوكرانيين، تنفيذ عملية عسكرية ضخمة ومجنونة، ولكنها ـ في الوقت ذاته ـ تشبه النزهة في اصطياد الأرانب البرية. في السياق، فقد كشفت العملية، مدى ضعف روسيا أمام الهجمات الأوكرانية غير التقليدية، وقد تجلى هذا في الهجوم المضاد الناجح لأوكرانيا عام 2022، واجتياح البحرية الروسية من وسط وغرب البحر الأسود، وهجوم كورسك العام الماضي. ومن جهة أخرى، يتوقع معظم المراقبين ردًا من الكرملين على الهجوم الأوكراني، وبينما يدعو بعض مدوّني الحرب الروس غير المتزنين إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي، فمن المرجح- كما يقول جون إي. هيربست في موقع atlantic council – أن ترد موسكو وفقًا للنهج العملياتي الحالي، على سبيل المثال، بشن هجمات جوية أكثر ضراوة. وبينما يُمثل تدمير الطائرات ضربة موجعة لسلاح الجو الروسي وهيبة بوتين، فإنه لا يُقارن في أهميته بالهجوم الأوكراني المضاد في خريف عام 2022. فوَفقًا لحسابات بوتين في هذه الحرب، تُعتبر الأسلحة النووية في المقام الأول أداةً خطابيةً لتخويف القادة الغربيين من دعم أوكرانيا بشكل أقوى. بيدَ أن ثمة سؤالًا، سيكون من الصعب الإجابة عنه، ولكن بوسع أي مراقب، أن يدلف إلى المنطقة القريبة مما حدث فعليًا، بشأن ما إذا كان البيت الأبيض، قد شاركت أجهزته الأمنية، في التحضير للعملية، أو على الأقل على علم بها. فلطالما وعد دونالد ترامب بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال في أوكرانيا خلال يوم واحد، لكن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على توليه ولايته الثانية، يبدو هذا الهدف بعيد المنال، وعبّر مؤخرًا عن استيائه من الزعيم الروسي عبر الإنترنت، وكتب على منصته "تروث سوشيال": إن بوتين "مجنون تمامًا" وإنه "يقتل الكثير من الناس بلا داعٍ" في أوكرانيا. وكان سيث جونز ـ رئيس قسم الدفاع والأمن في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) ـ قد حذر ترامب في وقت سابق من أن " روسيا تُفضّل أن ينتهي هذا الأمر بانتصارٍ في ساحة المعركة، بدلًا من الاضطرار إلى الدخول في أي نوع من محادثات السلام الجادة التي قد تُجبرها على التخلي عن بعض أهدافها". حتى اليوم، لم يُعلن البيت الأبيض سوى أن كييف لم تُعلمه بالعملية مُسبقًا، في حين وقع الهجوم بعد أيام قليلة من زيارة السيناتورين: ليندسي غراهام، وريتشارد بلومنثال إلى أوكرانيا، حيث أعلنا أن مجلس الشيوخ سيمضي قدمًا هذا الأسبوع في مشروع القانون الذي طال انتظاره لفرض عقوبات إضافية كبيرة على روسيا، فماذا كانا يفعلان هناك عشية توقيع الرئيس الأوكراني على هذه العملية غير المسبوقة؟! وأيًا ما كان الأمر، فإن إدارة ترامب، ليس بوسعها غير استثمار الهجوم الأوكراني الذي فتّ ـ بلا شك ـ في عضد التشكيلات الصلبة والإستراتيجية داخل الجيش الروسي، فوفق تقرير للإيكونوميست يوم الأحد فإن الكرملين ربما يملك أقل من 90 طائرة من طراز تو-22 وتو-95 وتو-160 إجمالًا تحت تصرفه، فيما أكد معهد دراسة الحرب ـ وهو مؤسسة بحثية مقرها الولايات المتحدة ـ أن هجمات الأحد "قد تقيد مؤقتًا -على الأقل- قدرة روسيا على تنفيذ ضربات طويلة المدى بطائرات بدون طيار وصواريخ في أوكرانيا". وعليه فقد يُرسل ترامب رسالة مفادها أنه إذا لم يستطع بوتين قبول وقف إطلاق النار، فستُفرض عقوبات جديدة كبيرة. مستغلًا النجاح الأوكراني الأخير في ساحة المعركة لتحقيق هدف ترامب نفسه: سلام دائم في أوكرانيا. بالنظر إلى تطوّرات المشهد العسكري والسياسي، لا يمكن الجزم بأن بوتين قد هُزم فعليًا، وإن كانت الضربات الأوكرانية المتكررة داخل العمق الروسي توحي بتحوّل في معادلات الردع التقليدية. فبوتين لا يزال يحتفظ بمفاتيح القوة العسكرية والنووية، وبسيطرته على أجهزة الدولة ووسائل الإعلام، ويواصل تأطير الحرب على أنها "معركة وجودية" ضد الغرب. ومع ذلك، فإن اتساع نطاق الضربات، وتزايد التململ الداخلي، وتآكل ثقة الشركاء الدوليين التقليديين، كلها مؤشرات على أن الكرملين يواجه تحديات غير مسبوقة. فالهزيمة، في السياق الروسي، ليست دائمًا سقوطًا عسكريًا مباشرًا، بل يمكن أن تبدأ من الشرخ في صورة "القائد الذي لا يُهزم". وفي هذا السياق، قد تكون الهزيمة الأخطر هي تلك التي لا يعلنها بوتين، بل تفرضها وقائع الداخل والضغوط المتراكمة من الخارج.

فرنانديز يرفض عرض الهلال السعودي الضخم ليستمر مع مانشستر يونايتد
فرنانديز يرفض عرض الهلال السعودي الضخم ليستمر مع مانشستر يونايتد

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

فرنانديز يرفض عرض الهلال السعودي الضخم ليستمر مع مانشستر يونايتد

قال برونو فرنانديز قائد مانشستر يونايتد اليوم الثلاثاء إنه رفض فرصة الانضمام إلى الهلال السعودي، واختار البقاء مع يونايتد لمواصلة اللعب "على أعلى مستوى". واعترف لاعب الوسط البرتغالي بأنه فكر في هذه الخطوة، التي ذكرت تقارير إعلامية أنها ستمنحه 4 أضعاف راتبه الحالي، بعد أن تلقى اتصالا من رئيس نادي الهلال. وقال فرنانديز الذي يستعد للمشاركة مع البرتغال في مواجهة ألمانيا، في تصريحات للصحفيين اليوم الثلاثاء "كانت هناك إمكانية لذلك، اتصل بي رئيس الهلال قبل شهر ليسألني عن الأمر". وأضاف "كان عرضا كبيرا وطموحا للغاية. وأتيحت لي فترة من أجل التفكير في المستقبل". وقرر فرنانديز في النهاية البقاء مع يونايتد، مدفوعا برغبته في مواصلة التنافس على الألقاب الكبرى وبتشجيع من عائلته ومدرب يونايتد روبن أموريم. وقال فرنانديز "كنت لأصبح مستعدا إذا قرر مانشستر يونايتد ذلك. تحدثتُ مع المدرب روبن أموريم الذي حاول جاهدا إقناعي بالعدول عن ذلك. قال النادي إنه لن يبيعني، إلا إذا رغبتُ في الرحيل". وأضاف "تحدثت مع زوجتي وعائلتي، وسألتني عن أهدافي الشخصية في مسيرتي الاحترافية". وتابع اللاعب البرتغالي "كان من السهل الانتقال إلى هناك، لكنني أرغب في البقاء على أعلى مستوى، والمشاركة في المسابقات الكبرى، وأشعر أنني قادر على هذا. أنا سعيد بقراري". وسجل فرنانديز (30 عاما) 19 هدفا وقدم 19 تمريرة حاسمة في 57 مباراة في كل المسابقات مع يونايتد الموسم الماضي، وفاز بجائزة أفضل لاعب في النادي للمرة الرابعة. ومع ذلك، كان الموسم مخيبا لآمال الفريق إذ أنهاه في المركز 15 في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو أسوأ مركز يحققه الفريق خلال نصف قرن، وخسر نهائي الدوري الأوروبي أمام توتنهام هوتسبير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store