
«نوبل للسلام»، وما أدراكم ما «نوبل للسلام»!
نعود الآن إلى جائزة نوبل.
سأبدأ بالقول، إن ترامب لا يُفترض به أن يكون سعيداً على وجه خاص «بالترشيح» الذي تبرّع به نتنياهو، لأن مثل هذا الترشيح بالذات سيعقّد الأمر أمام لجنة اختيار الجائزة مهما كانت درجة تسييسها، ومهما بلغت درجة التملّق السياسي عند اللجنة الخاصة بها، وهي تأتي من شخص مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.
من زاوية معيّنة فإنّ ترشيح نتنياهو هو سبب قوي لحجبها عن ترامب أكثر منه سبباً لمنحها. والمسألة قبل هذه المسخرة كلها أن ترامب وحتى تاريخه لم يفعل شيئاً واحداً له علاقة بأيّ سلام من أيّ نوعٍ كان، بل إن كل ما فعله ــ وهو في الواقع لم يفعل غيره ــ ليس سوى خلق حالة من الفوضى والتوتّر والتهديد والوعيد، ثم التراجع، ثم إعادة الكرّة نحو التهديد والوعيد، ثم التراجع، وهكذا دواليك.
بل هو في الواقع، وبما يخصّ منطقة الشرق الأوسط عموماً، وبما يخصّ الحرب الإبادية الإجرامية على القطاع، وعلى كل الشعب الفلسطيني لم يكن إلّا شريكاً مباشراً بها، ويتحمّل هو وإدارته قسطاً كبيراً عن الجرائم والفظائع التي تمّ ارتكابها.
وطالما أن مطلوباً للمحكمة الدولية يستطيع أن يرشّح شخصاً ـــ بصرف النظر عن منصبه ــ متهما على نطاق واسع من أوساط أميركية وعالمية بأنه مشارك مباشر في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، وعلى الشعب اللبناني والعراقي والإيراني، ومتهمّا، أيضاً، بالمشاركة «المتبجّحة» بضرب منشآت دولة ذات سيادة في إيران واليمن بالصوت والصورة، وطالما أنه أعلن بالصوت والصورة وهدّد بـ»الجحيم» وبالموت والدمار فإن مجرد التفكير بحصوله على مثل هذه الجائزة هو حالة جنون، وحالة انحدار قيمي وأخلاقي، وعُهر سياسي ليس له مثيل.
وبدلاً من كل هذا الإسفاف، وكل هذا الامتهان للأخلاق والأعراف والقيم، وكل هذا الاستخفاف بكل ما هو إنساني، وبدلاً من حفلات واحتفالات تقديس وترسيم القتل والإجرام والتوحُّش تعالوا إلى المباشرة الفلسطينية بترشيح من يستحقون الحصول على هذه الجائزة.
لا أدّعي أنني أعرف متطلبات الترشيح بحذافيرها، لكن آلاف مؤلفة من الشخصيات الوطنية الفلسطينية، من أعضاء فاعلين في منظماتهم السياسية والاجتماعية، والفكرية والثقافية والأكاديمية، وعشرات ومئات من الناشطين يستطيعون جمع عشرات آلاف التواقيع التي تؤيّد مرشحينا لهذه الجائزة.
وحتى تكون ترشيحاتنا بديلاً حقيقياً لترشيحات جوائز على القتل والبطش والإجرام تحت لافتات مزيّفة من «السلام» على الطريقة الصهيونية والأميركية، وحتى تكون ترشيحاتنا في صلب الهدف الحقيقي من هذه الجائزة بالرغم من كل العيوب السياسية التي شابت منحها، ولوّثت في بعض الحالات الفاقعة سمعتها، ودوافع منحها، فإن الترشيح الفلسطيني لها يجب ألا تشوبه أيّ شائبة من أيّ نوعٍ كان.
المرشّح الأوّل لهذه الجائزة هو ــ كما أرى ــ الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية الذي أثبت صلابةً وإصراراً على أداء واجبه الوطني والإنساني في ظروفٍ هي مستحيلة بكلّ مقاييسها، ليس في هذه الحرب العدوانية المجنونة على شعبنا، وعلى أهلنا في القطاع تحديداً، وإنّما في كل الظروف بالمطلق، وعلى مدى قرون من المعاناة الإنسانية.
وأما المرشّحة الثانية لهذه الجائزة فهي الطبيبة الفلسطينية آلاء النجّار، التي تفوّقت في قدرتها على التحمُّل ما تعجز أن تتحمّله جبال راسيات.
الطبيبة الأمّ، والزوجة، والإنسانة هي حالة إنسانية نادرة في التاريخ البشري كلّه، بحدود ما نعلم، وبحدود ما عبّر عنه آلاف الناس بالاستناد إلى ذاكرتهم وقراءاتهم ومعارفهم، بل وحتى البحث المباشر بُعيد فقدها لأفراد أسرتها وهي على رأس عملها.
أيّ امرأة هذه، وأيّ طاقة تحمُّل، وأيّ إصرار وعزيمة وإيمان، وأيّ التزام وطني وإنساني هذا الذي سمعناه ورأيناه وتابعناه منها وعنها، بصوتها وصورتها؟
لم أكن لأتردّد لحظة واحدة، وأظنّ أن مئات الآلاف من الفلسطينيين، وربما الملايين، وعشرات الملايين في العالمين العربي والإسلامي، وربما أكثر منهم في بلدان أوروبا والعالم لن يتردّدوا بترشيح الإيطالية فرنشيسكا ألبانيز لهذه الجائزة كواحدة من أشجع نساء هذا العالم على قول الحقيقة كاملة، دون خوف أو وجل، ودون مواربة، وبشكل يثير أعلى درجات الإعجاب من كلّ إنسان، ومن كل شرفاء هذا العالم، ومن كل محبّي الحرّية والسلام فيه.
لكن الأجدى بترشيح ألبانيز هي المنظمات الدولية، وممثلو المجتمع المدني في بلدها، وفي أوروبا، أيضاً، حتى لا نأخذ حقهم في ذلك، وحتى يبقى شرف الترشيح لهم أوّلاً، خصوصاً وأنها المقرّرة الأممية بشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
نحن من خلال هذه الترشيحات ربما نساهم في إنقاذ هذه الجائزة من السقوط المدوّي المحتوم لها في حال إن مرّ وقُبل ترشيح ترامب لنيلها، ناهيكم عن الحال بنيلها. أظنّ أن الكثيرين من حملتها، وأُسرهم وأقاربهم ومعارفهم، وكل من يحيط بهم من كل الدوائر السياسية والأكاديمية والاجتماعية والثقافية سيتوجهون إلى الأكاديمية السويدية لثنيها عن قبول الترشيح، وأظنّهم سيلقون بالجائزة ويقذفونها في وجه الأكاديمية إن هي منحت ترامب هذه الجائزة، لأنّها في هذه الحالة تصبح مشوبةً بالكثير من الشوائب التي تتعدّى العيب السياسي، وتدخل في مساحة العار السياسي كذلك، وأيضاً.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة خبر
منذ 8 ساعات
- وكالة خبر
«أميركا أولاً» تتنمّر على العالم
قد يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيساً يعمل بشكل فردي، وأنه يقود الدولة شخصياً، أي دون ما يوصف بمؤسسات الدولة العميقة، أي الكونغرس، وكالة المخابرات المركزية، القضاء، حكام الولايات، وحتى الحكومة بوزرائها الذين عينهم بنفسه، وإذا ما حاولنا استعراض الطاقم المحيط به، بالكاد نتذكر أسماء نائب الرئيس، وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ولكان أهم اسم متداول في شرقنا الأوسطي هو ستيف ويتكوف، نظراً لتوسطه في ملفَي الحرب على غزة والتفاوض مع إيران، ويعود ذلك للهالة التي يحيط ترامب بها نفسه، خاصة من خلال إعلاناته وتصريحاته المتتابعة، إن كان عبر اللقاءات الصحافية، أو عبر «السوشيال ميديا»، حيث يحرص على مواصلة تصريحاته المثيرة للجدل في كل الاتجاهات، بما يجعله أكثر الرؤساء الأميركيين على هذه الصورة، منذ عهد رونالد ريغان، قبل عقود مضت. ومقابل ما ظهر على سلفه الديمقراطي جو بايدن، يحاول ترامب الظهور كرئيس قوي، لكن تسرعه، وإلى حد ما «اضطرابه» في بعض الأحيان، حين يعرب عن الشيء ونقيضه، في نفس الوقت، أو بعض وقت قصير، يكشف عن نقطة ضعفه هو الآخر، والحقيقة، أنه رغم أن البعض يعتبر ترامب رجلاً مزاجياً، أو حتى غير متزن، إلا أن كونه رئيس أكبر وأقوى دولة عسكرياً واقتصادياً حتى الآن، لا يعني أنه قد وصل للبيت الأبيض صدفة ولا اعتباطاً، خاصة أنه قد سبق له إشغال منصب الرئيس قبل ولاية بايدن الرئاسية الوحيدة، أي أن «الدولة العميقة» تعرفه جيداً، كما كانت تعرف سلفه بايدن، الذي بدوره وقف على خشبة المسرح السياسي عقوداً طويلة، وشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما خلال ولايتين متتابعتين، بذلك نقول بثقة، إن صورة الولايات المتحدة، وحتى طبيعتها تظهر في صورة رؤسائها، وبالتحديد تظهر منذ نحو عشر سنوات في صورة شخصيتي دونالد ترامب وجو بايدن. وهذه الصورة تشكلت وتتضح معالمها هذه الأيام شيئاً فشيئاً، على وقع «تضعضع» مكانة الولايات المتحدة التي صارت إليها كزعيم وحيد للنظام العالمي، منذ انتهاء الحرب الباردة، مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، أي بعد عقود من النمو الاقتصادي الصيني الذي جعل من الصين الدولة العظمى أيام الحرب الباردة، بقوتها العسكرية وبتعدادها السكاني ومساحتها الجغرافية، منافساً اقتصادياً حقيقياً للولايات المتحدة، استناداً إلى ما تنتجه من سلع، رغم أن الولايات المتحدة، تستند في قوتها الاقتصادية لكونها «المتحكم المستبد» بالنظام العالمي، ويتجلّى ذلك في عدة أمور منها: اعتماد عملتها، الدولار الأميركي كعملة تداول دولي، تقوم الخزانة الأميركية بتحصيل العمولات مقابل التحويلات المصرفية بين دول وشعوب وحتى الأفراد في العالم، بما يدخل لتلك الخزانة عشرات التريليونات سنوياً، ومن تلك الأمور أيضاً حجم الاستثمارات والادخارات الدولية في البنوك والمصارف الأميركية، وأميركا كثيراً ما قامت بتجميد أرصدة بمليارات الدولارات للدول والأفراد لأسباب سياسية غير قانونية. وكما سبق لنا أن أشرنا في أكثر من مقال سابق، إلى أن ولاية بايدن الوحيدة وولايتي ترامب، شهدت المحاولة الأميركية لاحتواء أو قطع الطريق على ما تشكله كل من الصين وروسيا من تحدٍ لمكانة أميركا العالمية، أو من خروج عن طوع نظامها العالمي «المستبد»، وكان الفارق البين بين سياستَي بايدن وترامب، هو أن الأول أولى معالجة التحدي الروسي الأولوية، فيما الثاني يولي التحدي الصيني الأولوية، ولهذا أو بسبب هذا أعتبر أن بايدن قد لجأ للخيار العسكري في محاولة إعادة العالم لحظيرة النظام الأميركي قبل خروجه عنها رسمياً، فيما يلجأ ترامب للخيار الاقتصادي للوصول إلى نفس النتيجة. وبالطبع ترامب في ولايته الثانية أكثر نضجاً وخبرة وتجربة، ليس هو فقط، بل «الدولة العميقة» أيضاً التي ارتضته أو قبلته أو حتى اختارته رئيساً بشعاره «أميركا أولاً» وهو شعار صريح، يعني الحفاظ على النظام العالمي الأميركي، ومنع سقوطه وإقامة نظام عالمي آخر، تظهر إرهاصاته في القوة المتصاعدة لكل من الصين وروسيا، على الصعيدين السياسي العسكري، والسياسي الاقتصادي، وبعد أن كانت ولاية ترامب الأولى أقل وضوحاً في سيرها على هذا الطريق، حيث أمضاها مكتفياً بما حصل عليه حينها من استثمارات خليجية ومن «اتفاقيات أبراهام» ومن الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، أي في المجال الاقتصادي وفي المجال السياسي، بما منحه لإسرائيل من هدايا خاصة بالقدس والجولان والتطبيع. فيما أمضى بايدن ولايته، في إشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، بقصد استنزافها عسكرياً، وكان يتوقع سقوط نظامها سريعاً، وإعادتها لبيت الطاعة الأميركي، لكنه وجد نفسه مستنزفاً اقتصادياً في أوكرانيا، من خلال أكثر من 250 ملياراً قدمها كمعدات عسكرية، وهذا ما قوبل بالمعارضة الجمهورية، حيث تكمن أهمية ذلك في كون الحزبين الجمهوري والديمقراطي ركيزتي الدولة العميقة، كذلك اضطر بايدن لتقديم الكثير من الأموال لإسرائيل، والكثير من الرصيد السياسي الأميركي على الصعيد العالمي، بسبب اضطراره للاصطفاف لجانب مجرمي الحرب الإسرائيليين. المهم أن ترامب في ولايته الثانية، يحاول الجمع بين الخيارين، فهو يخلص من جهة لإرثه كرجل اقتصاد، لكنه يقول بسلام القوة، أي أنه لم يعد يستبعد تماماً اللجوء للخيار العسكري، حيث يمكنه ذلك، وقد فعل فعلاً، ليس من خلال مواصلة تزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر لتواصل حربها على غزة، ولكن وحتى مع عقده لاتفاق وقف الحرب العسكرية بينه وبين اليمن، وفي ظل إجرائه التفاوض مع إيران، لم يمنح إسرائيل الضوء الأخضر، الذي لم يمنحه لها بايدن من قبل، في مهاجمة المواقع النووية والنفطية الإيرانية وحسب، بل شاركها في توجيه الضربة العسكرية التي كانت تحتاجها لقصف موقع «فوردو» النووي المحصن، والذي تعجز القوة العسكرية الإسرائيلية عن إلحاق الضرر به عبر قصفه. ومن الواضح تماماً، أن كلا الرجلين اتخذ نفس الموقف، أي أن هناك إجماعاً أميركياً، لكل مؤسسات الدولة العميقة، حيث إن الأمر يتجاوز الاجتهادات والتقديرات السياسية، على عدم القدرة على مواجهة لا الصين ولا روسيا عسكرياً، بسبب الرادع النووي بالطبع، الذي تمتلكه الدولتان مجتمعتين أو منفردتين، بل إن القدرة النووية الروسية تفوق ما لدى أميركا نفسها من قوة نووية، لذلك فإن ترامب في ولايته التي ما زالت بأولها، وإن كان سيظل مشغولاً بمعالجة هذه المسألة، أي أمر النظام العالمي الأميركي الذي صار مهدداً جدياً بالسقوط، فإنه سيجرب كل الوسائل والطرق، ولن يتورع عن فعل أي سيئ ممكن من أجل تحقيق هذه الغاية، والشيء الممكن بالطبع دون تكسير أدوات اللعبة السياسية الدولية، أو دون حرق العالم، هي فرض «الأتوات» على دول العالم، فأميركا بدلاً من الدخول في تنافس اقتصادي شريف مع الصين، يتمثل في الدخول لحقل الإنتاج الاقتصادي، تدخل من الباب السهل، وهو الحصول على الاستثمارات والعمولات وما إلى ذلك، وفي هذا السياق جاءت التعرفة الجمركية التي فرضها ترامب على معظم دول العالم، بفعل مرتجل أولاً، ثم سرعان ما قام بمراجعته، وتعديله لكن دون إلغائه أو التراجع عنه كطريق للمواجهة الاقتصادية مع الصين. ثم وبعد أن حاول أن يخرج تماماً من طريق بايدن العسكري، أي من وحل الحرب مع روسيا في أوكرانيا، من خلال «عصا دونكيشوت» التي لوح بها أو ظنها كافية لتحقيق ذلك الهدف، بإعلانه عن تفاوض مع روسيا لوقف الحرب، ما لم يحدث، تراجع قليلاً بتصدير الأوروبيين ليقوموا بمهمة مواجهة روسيا بالوقوف وراء أوكرانيا، وأنه من خلال «الناتو» الذي تقوده أميركا، ولكن بعد أن دعت الاتحاد الأوروبي إلى أن يزيد من مساهمته المالية بتمويل الحلف العسكري المشترك بينهما، بما يزيد على 5% من مساهمتها المالية السابقة، أي أن ترامب اضطر للتوقف عن حديث وقف الحرب مع روسيا على حساب الحقوق الأوكرانية، مقابل ما فرضه على الاتحاد الأوروبي من «أتاوة» مالية لحلف الناتو. الشيء نفسه يقوم ترامب بإعداده في الشرق، حيث لا ينسى أحد أن تركيزه على الصين أولاً، فبعد أن اضطر لتعديل طريقه الذي كان منفرداً بمواجهة الصين، مقابل مواجهة بايدن لروسيا، وتمثل ذلك بشن هجوم لا يجمع الصين وروسيا معاً وحسب، ولكن كل «بريكس» أي إحدى عشرة دولة رسمياً، تتضمن إضافة للصين وروسيا كلاً من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وكلاً من ومصر وإيران وإندونيسيا وإثيوبيا، لكن أحدث خبر بهذا الشأن هو ما ذكرته صحيفة «الفايننشال تايمز» من أن «البنتاغون» سأل اليابان وأستراليا عما ستقومان به في حال دخلت أميركا في حرب مع الصين بسبب تايوان ؟!.


وكالة خبر
منذ يوم واحد
- وكالة خبر
ترامب: نأمل في حل أزمة غزة وتحقيق صفقة خلال الأسبوع المقبل
لم يستبعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريح أدلى به في 13 يوليو أثناء حديثه للصحفيين في قاعدة أندروز العسكرية قرب واشنطن، إمكانية حل الوضع في قطاع غزة خلال أسبوع. وقال ترامب ردا على سؤال حول تقدم المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة: تجري المفاوضات حول غزة، وآمل أن نتوصل إلى تسوية خلال الأسبوع المقبل. لنر ما سيحدث لاحقا". مساء الأربعاء الماضي، أشار ترامب إلى وجود "فرصة كبيرة جدا" للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال الأيام القليلة المقبلة. وأوضح ترامب أنه ناقش هذا الملف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زار واشنطن للمرة الثانية. وأضاف الرئيس الأمريكي في تصريحات للصحفيين: "ليس هناك ما هو مؤكد في الحروب سواء في غزة أو في أماكن أخرى نتعامل معها، لكنني أعتقد أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، وإذا لم يحدث ذلك، فربما في الأسبوع المقبل". وكشفت مصادر أمريكية وإسرائيلية أن الرئيس ترامب مارس "ضغطا شديدا" على نتنياهو خلال لقائهما الثاني في البيت الأبيض الثلاثاء، للقبول بوقف إطلاق النار في غزة. وبحسب تصريحات ترامب، فقد ركز الاجتماع، الذي عقد في المكتب البيضاوي مساء الثلاثاء، بشكل شبه كامل على الحرب في غزة، وقال: "غزة مأساة. علينا إيجاد حل لها. أنا أريد ذلك، ونتنياهو يريد، وأعتقد أن الطرف الآخر يريد أيضا". في يوم 6 يوليو تم في الدوحة استئناف عملية التفاوض بين حماس وإسرائيل، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة، في الدوحة، بهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول وقف إطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين هناك.


وكالة خبر
منذ يوم واحد
- وكالة خبر
الشرق الأوسط الجديد بين أجندتين
إذا كنّا نعيش حالة مخاض صعب لولادة الشرق الأوسط الجديد، حيث الحرائق لا تزال مشتعلةً في جغرافياتٍ عديدة منه، فإن أسئلة كثيرة لا تزال مطروحة بلا إجابات واضحة حولها. ذلك بفعل النتائج الملتبسة لحرب الاثني عشر يوماً وكذلك عدم الحسم على الجزء اللبناني من الجبهة الشمالية، وتعثر الجهود لإنهاء الحرب على غزة، حتى لو أُنجزت صفقة ويتكوف المعدلة قطرياً. هنالك أجندتان بشأن الشرق الأوسط الجديد، هما السعودية والإسرائيلية، وبينهما أميركا التي تعمل على التوفيق بينهما. منذ بدايات العمل الأميركي والدولي لتوليد الشرق الأوسط الجديد باعتماد مسار أبراهام التطبيعي كأحد أهم مرتكزاته، ظهرت القضية الفلسطينية كالعائق الرئيس المتبقي على إتمام مسيرته، حيث السعودية وشروطها الحاسمة.. «لا تطبيع دون تحقيق مسار سياسي يفضي إلى حل الدولتين» والمعني هنا بداهة هي الدولة التي لم تقم بعد. الأجندة السعودية بشأن الشرق الأوسط الجديد، تعززت بما هو قريب من الإجماع الدولي على أساسية حل القضية الفلسطينية، لإخماد المفاعل الأكثر نشاطاً في إنتاج الحروب. كذلك نجحت الدبلوماسية السعودية في إقامة شبكة علاقات متوازنة مع الدول الفاعلة في العالم، ما أهّلها لأن تكون وسيطاً من موقع الشريك، في تسوية القضايا الشائكة، ليس فقط داخل بيئتها الشرق أوسطية وإنما في المسألة الأوكرانية وغيرها. وقد لوحظ فتور في الاندفاعة الإسرائيلية القديمة بشأن التطبيع الأهم مع المملكة، ومرده ما تعتبره إسرائيل ثمناً باهظاً يتعين عليها دفعه لقاء التطبيع السعودي، وهي غير جاهزة لدفع هذا الثمن حتى لو فكرت فيه، وذلك بفعل الصراع الداخلي فيها حول هذه النقطة بالذات، خصوصاً أن الائتلاف الحاكم صاحب القرار بهذا الشأن لا بد أن ينهار، إذا ما تقدمت الحكومة الحالية ولو بخطواتٍ متواضعة نحو تسويةٍ مع الفلسطينيين فيها إشارة لمفردة دولة. إضافة إلى أن قراءة الائتلاف الحاكم لمغزى وجود ترامب في البيت الأبيض بلغ من الشطط والمبالغة في التقدير، كما لو أن الرجل جاء إلى سدة الرئاسة لتطبيق صفقة القرن التي تجاوزتها الأحداث ولم تعد صالحة للتداول إذ سقطت مع سقوط صاحبها في الانتخابات الثانية. ترامب في زمن صفقة القرن، ليس هو نفسه في زمن حروب الشرق الأوسط الراهنة وحرب أوكرانيا. في ولايته الأولى كان العالم هادئاً بالقياس لما هو عليه الآن، وفي الولاية الثانية ألزم نفسه بإنهاء الحروب جميعاً، حتى أنه عمل بكل استطاعته على تجنب الدخول المباشر فيها، وحتى حين قام بضرب المنشآت النووية الإيرانية بعد اثني عشر يوماً من حربٍ ادعت إسرائيل أنها قامت بها على عاتقها، ظهر اختلافٌ جوهري بين الأجندة الإسرائيلية والأجندة الأميركية، من حيث الأهداف وأولوياتها. بعد ضرب المنشآت النووية الإيرانية بسلاح وعتاد لا تملك مثله إسرائيل، تراجعت مكانتها كثيراً إلى الوراء، لتتولى إدارة ترامب الملف الإيراني بصورة كاملة، ولا يُنكر مغزى أمره لنتنياهو بإرجاع الطائرات من منتصف الطريق إلى طهران، ليحوّل العلاقة مع الدولة الإسلامية من الضغط المباشر إلى الإغراء. الشرق الأوسط، المفترض أن يكون جديداً، تكتنفه الأسئلة الكثيرة التي أنتجتها الحروب من غزة إلى إيران وما بينهما، فحرب الجبهات السبع التي توغلت إسرائيل فيها تحت عنوان تشكيل الشرق الأوسط الجديد، لم تُحسم واحدةٌ منها، ومسار أبراهام الذي يعتبره ترامب أيقونته المتميزة، وأهم مؤهلاته للحصول على جائزة نوبل للسلام، لا يزال متعثراً أمام الحاجز السعودي، وإذا ما نحيّنا جانباً الادعاءات الإسرائيلية المبالغ فيها حول ريادتها في تشكيل الشرق الأوسط الجديد، فإن كلمة السر في إنجازه تظل بيد البيت الأبيض ورئيسه ترامب، أما نجاحه في أصعب مهمة في التاريخ وهي تغيير أخطر منطقةٍ في الكون، فهذا أمر مشكوك فيه، لأن إدارة ترامب لم تصل بعد إلى إنتاج توازن جديدٍ في المنطقة يفضي إلى الجَسر بين الأجندتين، الإسرائيلية والسعودية، وليس غير مشروع سلام متوازن تطرحه أميركا أو توافق عليه تكون فيه الدولة الفلسطينية أحد أساساته ومقوّمات نجاحه، فهل يفعلها الرئيس ترامب، أم يظل يرى الحل الفلسطيني من المنظار الإسرائيلي وحده.... سنرى.