
كيف نفكر في قضايا الأمن الإقليمي للشرق الأوسط؟
أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
عادت قضايا الأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط إلى البروز في تقارير المراكز البحثية والتعليقات الصحفية. ويرجع ذلك إلى احتدام حالة الصراع المسلح على ساحات فلسطين، ولبنان، واليمن، وسوريا، وإيران، والخسائر والأضرار المادية والبشرية الهائلة التي أوجدتها. كما يرجع إلى تأثيرات هذه الصراعات في حالة الأمن الدولي. فالصراعات في الشرق الأوسط لها امتداداتها خارج إطار المنطقة.
الأمن الإقليمي:
بدايةً، ينبغي التمييز بوضوح بين مفهومي الأمن الجماعي، والأمن الإقليمي. وفي هذا الإطار، يشير الأمن الجماعي إلى حالة محددة تتعلق بتوقيع اتفاقية بين عدد من الدول تقضي بأن العدوان على إحداها يُعد عدواناً على بقية الأطراف، ويكون عليها التدخل للدفاع عن الدولة المُعتدى عليها. وهذه هي حالة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو منظمة معاهدة الأمن الجماعي في منطقة أوراسيا التي تضم روسيا وخمس دول كانت جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق.
أما الأمن الإقليمي، فيشير إلى حالة التعاون والتنسيق بين كل أو بعض دول منطقة ما، لتحقيق الاستقرار والأمن. ويكون ذلك بالاتفاق على الترتيبات والآليات لبناء الثقة فيما بينها، ومواجهة التهديدات المشتركة على المستويين الداخلي والخارجي، وتطوير فرص التنمية المستدامة لها، وتحقيق الأمن بمعناه الشامل. ومن أمثلة ذلك، في آسيا منظمة شنغهاي للتعاون، وفي إفريقيا مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والتي تتبعها قوات الإيكوموغ ECOMOG)).
ونقطة الانطلاق في قضايا الأمن الإقليمي بالشرق الأوسط، هي إدراك أنها منطقة صراعية بامتياز، وصفها هنري كيسنجر في كتابه 'النظام الدولي' بأنها 'مرجل الصراعات في العالم'؛ حيث تختلط فيها الصراعات الاجتماعية الممتدة داخل الدولة بالصراعات بين الدول وبتنافس القوى الكبرى على موارد الإقليم ومستقبله.
كما تتسم هذه المنطقة بوجود صراعات مستعصية على الحل حتى الآن، مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وصراعات المكونات الاجتماعية داخل بعض الدول وتداعياتها الإقليمية، والرؤى التوسعية لإسرائيل التي تحتل أراضٍ فلسطينية ولبنانية وسورية، وإيران التي دعمت لعقود أذرعها الموالية لها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وتحتل جزراً تابعة لدولة الإمارات، وتركيا التي سعت إلى مد نفوذها الإقليمي. أضف إلى ذلك، بيئة المنطقة المواتية لنشأة واستمرار مليشيات التطرف السياسي والعسكري.
ومؤدى ما تقدم، أن دول المنطقة تواجه تحديات أمنية عديدة عسكرية وغير عسكرية، لا تستطيع أي دولة بمفردها أن تتعامل معها، وتختلف تقديرات هذه الدول بشأن خطورة تلك التهديدات على أمنها وعلى كيفية التعامل معها، وعلى أولويات الأمن الإقليمي.
ووفقاً لتقديرات منشورة، فإن الفترة التي أعقبت 7 أكتوبر 2023، أثبتت العجز الإقليمي والدولي عن حل الحروب والصراعات في المنطقة سلمياً، وأدت إلى توسع غير مسبوق في استخدام القوة العسكرية في مناطق عديدة بالشرق الأوسط، وزيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة لدول المنطقة؛ مما ينبئ بتصعيد الموقف واستمرار الصراعات.
الترتيبات القائمة:
النتيجة الوحيدة لما تقدم، أنه لا معنى للحديث عن الأمن الجماعي للمنطقة الآن، وأن أقصى ما يمكن التفكير فيه هو بناء الأمن الإقليمي. فما هي الاتفاقيات والترتيبات القائمة في هذا الشأن؟
أقدم هذه الترتيبات هي اتفاقية التعاون الاقتصادي والدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية، والمُبرمة عام 1950، والتي لم يعد لها أثر قانوني أو وجود فعلي الآن، واتفاقية الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمُبرمة عام 2000. وكانت هناك محاولات أخرى تم التفاوض بشأنها ولكنها لم تتحقق، مثل الاقتراح المصري عام 2015 بإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، والاقتراح الأمريكي في فترة الولاية الرئاسية الأولى لدونالد ترامب عام 2017 بإنشاء التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط، وهو ما عُرف حينها باسم 'الناتو العربي'.
ولا توجد أي اتفاقية أو ترتيب أمني يشمل كل دول المنطقة أو كل الدول العربية، وتتسم الترتيبات الراهنة بعدم اقتصارها على دول المنطقة، في ظل مشاركة دول أخرى من خارجها. وتشمل تلك الترتيبات، القواعد العسكرية الأمريكية في عدد من دول المنطقة، والتي تحوي منظومات دفاع جوي وصاروخي مثل نظم 'باتريوت' و'ثاد'، والترتيبات والتفاهمات الأمنية التي تديرها القيادة المركزية الأمريكية، والاتفاقيات العسكرية الثنائية مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وثمة ترتيبات ذات طابع نوعي، تتصل بأحد مصادر التهديد كمكافحة الإرهاب الدولي، مثل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، الذي أعلنته السعودية عام 2015، ويضم في عضويته 42 دولة؛ ومركز القاهرة لمكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء.
وهناك ترتيبات نوعية أخرى تتعلق بالأمن البحري، مثل التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية، الذي أُنشئ في نوفمبر 2019 بقيادة الولايات المتحدة؛ وتحالف القوات البحرية المشتركة، الذي يركز أيضاً على أمن الممرات في المنطقة، ويضم 34 دولة منها تسع دول عربية هي البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وقطر والسعودية ودولة الإمارات واليمن؛ وعملية 'حارس الازدهار' لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر بقيادة أمريكية منذ ديسمبر 2023، ولم يتم الإعلان رسمياً عن دول المنطقة المشاركة فيها، باستثناء البحرين.
وظهرت صيغ أخرى من التعاون وتبادل الرأي في القضايا الإقليمية، اختلف حظها من المؤسسية، مثل التعاون بين مصر والأردن والعراق عام 2020، والذي يتضمن اجتماعات دورية على مستوى رؤساء الدول والوزراء؛ و'منتدى النقب'، الذي اشتركت فيه أربع دول عربية هي دولة الإمارات والبحرين ومصر والمغرب، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل عام 2022. أضف إلى ذلك، الوجود العسكري التركي في سوريا والعراق؛ وبعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام ومراقبة الحدود في سوريا ولبنان.
صيغة مقترحة:
تبدو صورة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط مركبة ومعقدة. ولا تتفق دول المنطقة على أولويات مصادر التهديد، بل يُمثل بعضها مصدراً دائماً لتهديد أمن دول أخرى، وتتعدد التحالفات والمحاور، إضافة إلى الدور الدولي المتمثل في الولايات المتحدة التي أصبحت طرفاً فاعلاً في مثل هذه الترتيبات.
ومؤدى ما تقدم، أن التفكير في الأمن الإقليمي اليوم لا بد أن يبدأ بتبني إجراءات لبناء الثقة بين الدول، لإزالة الشكوك المتبادلة وتهيئة الظروف لحل النزاعات بالطرق السلمية، وإدارة حوار بينها للاتفاق على أولويات مهددات الأمن الوطني والإقليمي، والترتيبات والآليات التي يمكن تبنيها. وهي إجراءات معروفة متداولة في دراسات صُنع السلام.
ولكن المشكلة في تطبيق إجراءات بناء الثقة في الشرق الأوسط، تكمن في أننا لا نتعامل مع مجرد صراعات سياسية أو اقتصادية بين الدول، ولكن مع صراعات نابعة من ممارسات إسرائيل وإنكارها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإصرارها على ضم أجزاء إضافية من الضفة الغربية واحتلال مناطق في لبنان وسوريا؛ أو صراعات اجتماعية ممتدة ذات طابع ديني أو مذهبي؛ أو عدم التوازن في القوة العسكرية بين دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن حجم الأخطار المحدقة بالمنطقة يفرض البحث في صيغ الأمن الإقليمي. ففي داخل الدول، هناك تهديدات الفقر، وتدهور البيئة، ونقص المياه، والطائفية، والتطرف والإرهاب. وخارجياً، هناك تهديدات الدخول في سباق تسلح، والاتجار بالبشر، وتهريب السلاح والمخدرات، وغيرها من الجرائم المنظمة العابرة للحدود.
وفي ضوء تعقيدات المشهد، لا بد أن يكون التفكير في قضايا الأمن الإقليمي مرناً ومبتكراً، يستفيد من خبرات أقاليم العالم الأخرى دون أن يسعى لتكرارها حرفياً في منطقتنا. فلا ينبغي البدء بالبحث في إقامة معاهدة شاملة أو تأسيس منظمة جديدة، بل أن يأخذ منهجاً تدرجياً، وأن يسير في اتجاهين متوازيين: اتجاه نوعي، يبدأ بالموضوعات محل الاتفاق وبالدول المستعدة للتعاون فيها، كالترتيبات التي أشرت إليها سلفاً؛ بحيث يمتد ذلك فيما بعد إلى موضوعات ودول أخرى. واتجاه آخر شامل، يبحث في مصدر الصراعات، كإقرار حق الشعوب في تقرير مصيرها، والصراعات الداخلية في الدول وتداعياتها الإقليمية، والنزعات التوسعية لبعض الدول؛ للوصول إلى صيغ تضمن أمن وسلامة جميع دول المنطقة وشعوبها.
وأهمية الجمع بين المسارين النوعي والشامل، أن الأول يمكن أن يتوقف مثلما حدث في الصراع العربي الإسرائيلي بعد أن قبلت الدول العربية استراتيجية 'السلام خطوة خطوة'، فتوقف الركب عندما بدأ التعامل مع القضايا جوهر الصراع.
ويبدو في المرحلة الراهنة، أن الولايات المتحدة طرف أساسي ومؤثر في تفاعلات الأمن الإقليمي بالشرق الأوسط، وبحكم تحالفها مع إسرائيل وعلاقاتها الوثيقة مع العديد من الدول العربية؛ فإنه لا يمكن استبعاد دورها. وليس هذا بغريب، فلمدة طويلة كانت الترتيبات الإقليمية في المنطقة تتم في إطار هيمنة أو تدخل أو مباركة قوة كبرى مثل إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945، وحلف بغداد عام 1955؛ ولكن من المهم ألا يصبح الطرف الخارجي هو المتحكم أو المهيمن على هذه الترتيبات. وينبغي أيضاً قبول التفكير في أن هذه الترتيبات لن تكون قاصرة على دول المنطقة، وإنما تشارك فيها واشنطن وبعض الدول الأخرى.
وينبغي ألا ننسى أن قلب وأكثرية دول منطقة الشرق الأوسط هي الدول العربية، إضافة إلى إيران وتركيا وإسرائيل. ومعنى ذلك، أن الدول العربية الفاعلة ينبغي أن تتحمل مسؤولية خاصة في هذا الأمر، وأن تأخذ المبادرة في اقتراح الأفكار بشأن الأمن الإقليمي في المنطقة، وألا يترك ذلك سواء للولايات المتحدة أم للدول الإقليمية الأخرى.
صحيح أن هناك أحياناً تبايناً في الرؤى بين بعض الدول العربية الفاعلة بشأن عدد من القضايا، ولا بأس في ذلك، وهو أمر معروف بين الدول الحليفة والشريكة؛ ولكن المهم أن تكون هناك قواعد وحدود لإدارة هذا التباين؛ بحيث تحصره في نطاق محدد، بينما يستمر التعاون حول القضية الأهم وهي مستقبل الدول والشعوب العربية والمنطقة.
ختاماً، إن الحكمة تتطلب تنحية الخلافات الجزئية قصيرة الأجل لصالح تصور استراتيجي لأمن المنطقة واستقرارها، فنحن نريد الاستثمار في التنمية والأمن والسلام للجميع.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 3 ساعات
- وكالة الصحافة المستقلة
إيطاليا تمنح الموافقة النهائية على بناء أطول جسر معلق في العالم إلى صقلية
المستقلة/- منحت روما الموافقة النهائية على مشروع بقيمة 13.5 مليار يورو لبناء أطول جسر معلق في العالم، يربط جزيرة صقلية بمنطقة كالابريا، الواقعة على حافة إيطاليا. ويزعم المصممون أن الجسر – المقرر بناؤه في واحدة من أكثر المناطق نشاطًا زلزاليًا في البحر الأبيض المتوسط – سيكون قادرًا على تحمل الزلازل. هذه أحدث محاولة من جانب المسؤولين الإيطاليين لإطلاق مشروع جسر ميسينا – وقد حاول العديد منهم على مر السنين، ولكن تم إلغاء الخطط لاحقًا بسبب مخاوف تتعلق بالتكلفة، والأضرار البيئية، والسلامة، أو احتمال تدخل المافيا. وأقرت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بأن المشروع لم يكون سهلاً. ومع ذلك، صرّحت يوم الأربعاء بأنها تعتبره 'استثمارًا في حاضر إيطاليا ومستقبلها'. وقالت ميلوني: 'نستمتع بالتحديات الصعبة عندما تكون منطقية'. ووفقًا للمشروع النهائي، سيمتد الجسر فوق مضيق ميسينا بطول 3.3 كيلومتر (2.05 ميل)، ويمتد بين برجين بارتفاع 400 متر (1300 قدم)، مع خطي سكة حديد في المنتصف وثلاثة مسارات مرورية على كلا الجانبين. تأمل روما في تصنيف الجسر كنفقات عسكرية ليُحتسب ضمن هدف حلف شمال الأطلسي (الناتو) المتمثل في تخصيص 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع. احتفل وزير النقل ماتيو سالفيني، زعيم حزب الرابطة اليميني وحليف ميلوني في الحكومة، بهذا الإنجاز، قائلاً إن الهدف هو إكمال الجسر بين عامي 2032 و2033. كما زعم أن الجسر سيوفر 120 ألف فرصة عمل سنويًا، وسيحقق نموًا اقتصاديًا في المنطقة. تُعدّ منطقتا صقلية وكالابريا من أفقر مناطق أوروبا. ومع ذلك، لا يزال المشروع بحاجة إلى موافقة مسبقة من محكمة المحاسبات الإيطالية، بالإضافة إلى وكالات بيئية، على المستوى الوطني ومستوى الاتحاد الأوروبي. كما يجب استشارة السكان المحليين على جانبي المضيق، ممن قد تُصادر ممتلكاتهم، ويمكنهم الطعن قانونيًا في القرار، مما يعني أن بناء الجسر قد يتأخر أو يتوقف تمامًا. لن تكون هذه المرة الأولى التي يُؤجّل فيها بناء الجسر. فمنذ وضع الخطط الأولى له قبل أكثر من 50 عامًا، اضطرت أفكارٌ مختلفةٌ إلى تأجيله لأسبابٍ مختلفة، وواجه معارضةً شديدةً لفترةٍ طويلة. وشمل ذلك مخاوفَ من اختلاس مبالغ طائلة من أموال دافعي الضرائب من قِبل مافيات صقلية وكالابريا، ذات النفوذ الواسع على السياسة والمجتمع في جنوب إيطاليا. يوم الأربعاء، كرّر سياسيون محليون استياءهم من قرار الحكومة. وصف السيناتور نيكولا إيرتو، من الحزب الديمقراطي، المشروع بأنه 'مثير للجدل والانقسام'، قائلاً إنه سيُحوّل 'موارد حيوية عن النقل المحلي والبنية التحتية الحديثة والمدارس الآمنة ومرافق الرعاية الصحية عالية الجودة'. وقالت جيوسي كامينيتي، عمدة فيلا سان جيوفاني القريبة من موقع بناء الجسر على ساحل كالابريا، إن مدينتها ستتضرر بشدة، وحثّت على تخصيص المزيد من الوقت للمشاورات. وانتقدت اللجنة الشعبية الكالابرية 'لا للجسر' إعلان يوم الأربعاء، وقالت إنه مناورة سياسية، وليس نتيجة تقييم فني شامل. كما تقول الجماعات المحلية المعارضة للجسر إن بنائه سيستهلك ملايين اللترات من المياه يوميًا، في حين تعاني كل من صقلية وكالابريا من الجفاف بشكل منتظم. حاليًا، الطريقة الوحيدة لعبور القطارات المضيق هي نقلها إلى عبّارات ونقلها عبر البحر في رحلة تستغرق 30 دقيقة.

وكالة أنباء براثا
منذ يوم واحد
- وكالة أنباء براثا
بوتين يرفض مهلة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا
استبعدت مصادر مقربة من الكرملين، الثلاثاء، انصياع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتهديد نظيره الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات في حالة انقضاء مهلة حددها له لإنهاء الحرب في أوكرانيا تنتهي يوم الجمعة. ورجحت المصادر أن يتمسك بوتين بهدف السيطرة التامة على 4 مناطق في أوكرانيا، وفق رويترز. كما قالت 3 مصادر مطلعة على مناقشات في الكرملين، إن "تصميم بوتين على الاستمرار نابع من إيمانه بأن روسيا ستنتصر، واعتقاده بأن أي عقوبات جديدة لن يكون لها تأثير كبير بعد موجات متتالية من العقوبات الاقتصادية منذ بدء الحرب قبل 3 سنوات ونصف السنة". كذلك أفاد مصدران أن الزعيم الروسي لا يريد إغضاب ترامب، ويدرك أنه قد يهدر فرصة لتحسين العلاقات مع واشنطن والغرب، لكن أهدافه الحربية لها الأولوية. وأوضح أحد المصادر أن هدف بوتين هو السيطرة الكاملة على مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون من أوكرانيا، والتي تقول روسيا إنها أراضيها، ثم بعد ذلك مناقشة اتفاقية سلام. كما ذكر المصدر الأول أن عملية المحادثات الحالية، التي التقى فيها المفاوضون الروس والأوكرانيون 3 مرات منذ مايو، كانت محاولة من موسكو لإقناع ترامب بأن بوتين لا يرفض السلام، مردفاً أن المحادثات كانت خالية من أي مضمون حقيقي باستثناء مناقشات عمليات التبادل الإنسانية. "اقتصاده يئن" فيما علقت المتحدثة باسم البيت الأبيض آنا كيلي على تلك التصريحات قائلة إن "الرئيس ترامب يريد وقف عمليات القتل، ولهذا السبب يبيع أسلحة أميركية الصنع لأعضاء حلف شمال الأطلسي ويهدد بوتين برسوم جمركية وعقوبات قاسية إذا لم يوافق على وقف النار". من جهته، رأى ترامب أن انخفاض أسعار الطاقة يمكن أن يضغط على بوتين لوقف الحرب في أوكرانيا. وقال في مقابلة مع "سي إن بي سي": "إذا انخفضت أسعار الطاقة بما فيه الكفاية، سيتوقف بوتين عن قتل الناس.. إذا انخفضت أسعار الطاقة 10 دولارات أخرى للبرميل الواحد لن يكون لديه خيار آخر لأن اقتصاده يئن". يذكر أن الرئيس الأميركي كان هدد بفرض عقوبات جديدة على روسيا، وفرض رسوم جمركية 100%على الدول التي تشتري نفطها، وأكبرها الصين والهند، ما لم يوافق بوتين على وقف النار في أوكرانيا.


ساحة التحرير
منذ 3 أيام
- ساحة التحرير
أوكرانيا تتغذي على منطق الفوضى .. وأمريكا رأس حربة الصراع! توفيق سلاَّم
أوكرانيا تتغذي على منطق الفوضى .. وأمريكا رأس حربة الصراع! توفيق سلاَّم في خضم ضباب الحرب وتراشق التصريحات، تتكشف ملامح مرحلة خطرة من العلاقات الدولية، يتراجع فيها منطق التسوية ويصعد خطاب الهيمنة والغطرسة إلى مستويات الانتفاخ. ليست أوكرانيا مجرد دولة في صراع حدودي مع جارتها روسيا، بل تحولت إلى ميدان مركزي لحرب باردة تتجدد، وتتقاطع فيها مصالح حلف شمال الأطلسي ونفوذ الولايات المتحدة، ويتقوض فيها أي أمل في تسوية دبلوماسية حقيقية على الأقل في الوقت القريب. أوروبا التي تحرك دوافعها واشنطن منغمسة في الصراع، ولا تريد الخروج منه، وربما مشدودة إلى ذلك دون تراجع.. وأخيرًا اتخذت الحزمة ال 18 من العقوبات الاقتصادية الإضافية على روسيا. وفي قلب هذا المشهد، يظهر دونالد ترامب ليس كصانع سلام، بل رجل حرب كرمز لفوضى سياسية جديدة تتغذى على الابتزاز، وتعيد إنتاج منطق الإمبراطوريات على أنقاض القانون الدولي. إعادة تفعيل جغرافيا الحرب الأزمة في أوكرانيا ليست وليدة لحظة، فمنذ العام 2014 تسير البلاد في مسار تصعيدي مستمر، يتغذى من تدخلات واسناد الغرب لدفع أوكرانيا نحو التحول إلى قاعدة لحلف شمال الأطلسي على حدود روسيا. بمعنى آخر أن الحرب ليست روسية-أوكرانية بالمفهوم الضيق، بل هي مواجهة شاملة بين روسيا والأطلسي، حيث تلعب أوكرانيا دور الوكيل العسكري والسياسي في صراع تتوسع خريطته الجغرافية ببطء ولكنه بثبات. الاتفاقات التي حاولت تركيا ووساطة أنقرة التوصل إليها في مباحثات إسطنبول كانت بداية واعدة، لكنها تعثرت تحت وطأة ضغوط الغرب، إذ لا يبدو أن الولايات المتحدة ومن خلفها حلف الأطلسي معنيون فعلاً بوقف النزيف الأوكراني- الروسي. كل المؤشرات تدل على استراتيجية استنزاف طويلة الأمد تهدف إلى إنهاك روسيا اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. الولايات المتحدة التي لم تخرج بعد من عقدة الأحادية القطبية، تجد نفسها اليوم في مواجهة متعددة الرؤوس، في أوروبا مع روسيا، وفي الشرق الأوسط مع إيران، وفي آسيا مع الصين. لكنها، رغم ما تدعيه من قوة، تبدو فاقدة لتوازنها الجيوسياسي، تستعرض عضلاتها أكثر مما تمارس نفوذًا حقيقيًا، وتراهن على إذكاء الصراعات بدل احتوائها. في هذا السياق، تعيد الإدارة الأمريكية تحت إدارة ترامب تفعيل جغرافيا الحرب، من أوكرانيا إلى بحر البلطيق، وكالينينغراد، وإلى الحدود الفنلندية، دول البلطيق كلها مسارح يجري توتيرها بتوسيع الناتو، حتى النمسا التي كانت دولة حياد سياسي تاريخي، يجري الآن دفعها نحو الأطلسي، في مخالفة صريحة لمعاهدات ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنها سياسة التطويق الاستراتيجي التي تجعل من روسيا دولة محاصرة، تُغلق عليها الجبهات واحدة تلو الأخرى. ترامب، الذي يدعي أنه يحمل مفاتيح السلام، لا يتحدث بلغة الدبلوماسية، بل بلغة دبلوماسية الرسوم الجمركية، وتصريحاته لا يمكن البناء عليها. وها هو اليوم، بعد سبعة أشهر من عودته إلى السلطة، يكشف حقيقة مشروعه، ليس مشروع تهدئة بل مشروع حرب. يتحدث بلغة التهديد والوعيد والتخويف والابتزاز السياسي والاقتصادي. حدد مهلة 10 أيام، لإنهاء الحرب الأوكرانية، وإن لم تسجب روسيا سيتخذ إجراءات فرض رسوم جمركية على حلفاء روسيا بنسبة 100%. ماذا بعد العشر ؟ الإجراءات التي سيتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بما فيها الإنذار الموجه لموسكو، لن تتمكن من التأثير على سير المعارك ونتيجتها في أوكرانيا. وتحديد مواعيد لتحقيق هذا الهدف (وقف إطلاق النار)، بغض النظر عن مدتها، لن يغير بأي حال. المنطق الأساسي الذي يقضي بأن روسيا لن تتخلى أبدًا عن رافعة نفوذها الرئيسة، وهو التفوق العسكري والهيمنة على أوكرانيا، دون تنازلات جوهرية من كييف والغرب، حسب ماتقول موسكو. ويبدو أن الولايات المتحدة، لا تستطيع تقديم الكثير من حيث التأثير على الديناميكية العسكرية الثنائية بين روسيا وأوكرانيا، وأن الحل الوحيد يكمن في دبلوماسية متسقة وإبداعية تأخذ في الاعتبار جميع التحديات والفرص في العلاقات الأمريكية-الروسية، لأن المخاطر تتجاوز بكثير أوكرانيا. وفي نفس الوقت، اعترف الرئيس الأمريكي بأنه غير متأكد من فعالية هذه القيود، أي رفع الرسوم الجمركية. وعلق دميتري مدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي على تصريحات ترامب بأنها تمثل خطوة نحو الحرب، بشأن التوصل إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، قائلا إن هذه 'خطوة نحو الحرب'. وكتب مدفيديف على منصة 'إكس': 'ترامب يلعب لعبة الإنذارات مع روسيا، 50 يومًا أو 10 أيام.. وقال:' عليه أن يتذكر أمرين: الأول، أن روسيا ليست إسرائيل، ولا حتى إيران. والثاني، كل إنذار جديد يُمثل تهديدًا وخطوة نحو الحرب، ليس بين روسيا وأوكرانيا، بل مع بلده، وأضاف 'لا تسلكوا درب جو النعسان!'. ميدفيديف، الذي لا يتحدث من موقع شخصي، بل كممثل لمجلس الأمن القومي الروسي، أرسل رسالة واضحة، بأن روسيا ليست دولة لتُضرب وتبتلع الأمر، بل قوة نووية عظمى، جاهزة للرد بما يوازي التهديد.. الدلالة الدبلوماسية في كلامه تكمن في رمزيته، فالرجل يتحدث بلغة 'الردع النووي غير المعلن'، ويكشف بوضوح أن التهديدات الأمريكية لم تعد تمر مرور الكرام، وأن استخدام أوكرانيا كورقة ضغط لم يعد بلا تكلفة. تصريحات ترامب، التي قلصت المهلة من خمسين إلى 10 أيام، تتجاوز البعد السياسي إلى منطق الغطرسة الإمبريالية. إنها محاولات حثيثة لتوسيع جبهة الحرب الاقتصادية على روسيا، عبر فرض العقوبات والضغط على الدول المتعاملة معها، وهو تصعيد خطير، يوازي في دلالته الاستعداد لاستخدام وسائل أكثر تطرفًا إذا لم تُذعن موسكو. رد ميدفيدف، اغاض الامبراطور الأمريكي، وهو ما جعله يتحدث بلغة التهديد مرة أخرى، ليقول:' علينا الحذر بعد تصرح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، وقد ارسلت غواصتين نوويتين' لم يحدد وجهتهما. ازدياد حجم الدعم الغربي المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا لم تتوقف، بل ازدادت من حيث النوع والكم. الحديث لم يعد عن ذخائر تقليدية، بل عن صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيرة قادرة على ضرب العمق الروسي، بما في ذلك موسكو نفسها. ومع التهديد الأمريكي غير الخجول بهذه الضربات، يبدو أن الغرب بات أكثر استعدادًا لتجاوز خطوط بوتين الحمراء، ربما يدرك حجم الرد الروسي المحتمل، ومع ذلك يستعلي على القدرات الروسية، أو هكذا تشير تلميحاته. ولهذا جاء رد ميدفيديف قويًا، عندما قال:' بأن حربنا ستكون مع أمريكا'. من هنا، لا تبدو احتمالات الحرب الشاملة مستبعدة. العالم يقترب من سيناريو غير مسبوق، حرب أوروبية جديدة، قد لا تخلو من نكهة نووية هذه المرة في حال تدخل الأطلسي. ومشروع السلام لم يعد له وكلاء، وأمريكا تقود العالم من جديد نحو هاوية، لا عبر الأخطاء، بل عبر التصميم. وإذا كانت الجغرافيا السياسية تقول إن أوكرانيا هي خط التماس بين روسيا والغرب، فإن ما نشهده اليوم هو تحولها إلى فتيل قد يشعل ما هو أبعد من حدود أوروبا الشرقية. صراع المصالح صار صراع بقاء، والخطاب السياسي تحول إلى صراع إرادات نووية.. والسؤال الذي لا بد أن نطرحه هو: هل نعيش الأيام الأخيرة لما تبقى من الحياة على الكوكب في ظل هذا الاهتراء؟ أم أن البشرية على عتبة التحول الكبير نحو عالم جديد، عالم التعدد القطبي الأكثر عدالة الذي تقوده الصين وروسيا؟ الجزم حول هذا التحول أن هناك حراكًا دوليًا يمضي، وهناك إصرار قوي معلن وغير معلن على هذا التحول، للخروج من عباءة الأحادية القطبية والتفكير الامبريالي بالهيمنة والنفوذ على العالم. 2025-08-04