
كيف يدفع ترامب بالاقتصاد الأميركي نحو الانكماش؟
من حرب التعريفات إلى عزلة الحلفاء: كيف يدفع ترامب بالاقتصاد الأميركي نحو الانكماش؟
عاد ترامب إلى البيت الأبيض مشعلًا الحرائق ذاتها التي كادت أن تلتهم الاقتصاد الأميركي قبل سنوات. وبحماسة شعبوية لا تعبأ بالعواقب، فتح جبهة جديدة مع الصين والعالم، تاركًا الأسواق تهتز، والحلفاء يتراجعون، والمصداقية الأميركية تتآكل.. إنها حرب بلا خطة، وصراع محكوم بالخسارة، حيث يدفع الأميركيون والعالم ثمن مغامرات رجل يحكم بالغرائز لا بالعقل.
تعود الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى الواجهة من جديد، لكن بثمنٍ أعلى وارتباكٍ أعمق. في أقل من مئة يوم، تبددت وعود ترامب بحماية الاقتصاد الأميركي، وظهرت ارتدادات السياسات الحمائية في تراجع الأسواق، وتآكل ثقة الحلفاء، واهتزاز صورة أميركا عالميًّا. فهل أصبح الاقتصاد الأميركي رهينة للشعبوية؟
منذ عودته إلى السلطة، أعاد ترامب إشعال فتيل الحرب التجارية مع الصين، دون مراجعة النتائج الكارثية التي خلفتها تجربته الأولى. ورغم تحذيرات الاقتصاديين، قرر الرئيس الأميركي إعادة فرض تعريفات جمركية، زاعمًا أنها 'تحمي الاقتصاد الوطني'، بينما الأرقام تقول العكس: العجز التجاري مع الصين يزداد وبلغ 295 مليار دولار، والضغوط تتزايد على الصناعات الأميركية التي تعتمد على سلاسل التوريد الصينية.
صراع الرقائق والهيمنة التكنولوجية
الحرب لم تبقَ عند حدود التجارة التقليدية، بل امتدت إلى التكنولوجيا؛ أميركا تسعى للحد من قدرات الصين في مجال الرقائق الإلكترونية، وتفرض قيودًا على تصدير المعدات والبرمجيات المتقدمة. في المقابل، تسارع الصين إلى بناء اكتفاء ذاتي، وتحظى بدعم ضمني من دول آسيوية كبرى مثل إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، بدأت تتقارب مع بكين اقتصاديًّا في ظل السياسات العدائية الأميركية.
المعادن والعناصر الأرضية النادرة.. إحدى نقاط ضعف أميركا الكبرى
من أبرز أوراق الضغط التي تملكها الصين سيطرتها شبه المطلقة على سوق المعادن والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد أساسية لصناعة الإلكترونيات، والبطاريات، والطاقة المتجددة، وحتى الأسلحة المتقدمة. أي قرار صيني بالحد من تصدير هذه العناصر -كما قررت الصين منذ بضعة أيام رداً على قرارات ترامب- يمكن أن يشل صناعات إستراتيجية في أميركا، ويزيد من هشاشة الاقتصاد الأميركي.
بوينج تدفع الثمن
وفي تطوّر مفاجئ، أعلنت الصين وقف صفقة ضخمة كانت ستشتري بموجبها طائرات من شركة 'بوينج'، في ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي. الرسالة واضحة: العلاقات لم تعد مستقرة، والسوق الصيني بات مفتوحًا أكثر أمام البدائل الأوروبية (إيرباص).
رغم تصريحات ترامب عن وجود مفاوضات مع الصين، نفت بكين ذلك، مطالبة بإلغاء جميع التعريفات أحادية الجانب. الخبراء يرون أن هذه السياسات تضر بالاقتصاد الأميركي وتفقده مكانته العالمية
التحوّلات العالمية: الحلفاء يبحثون عن بدائل
كندا، والاتحاد الأوروبي، وحتى بعض دول أميركا اللاتينية، بدأت تغيّر بوصلتها تدريجيًّا؛ فالثقة بواشنطن تضعف، والنموذج الأميركي لم يعد يُقنع الحلفاء كما في السابق. المبادرات الصينية مثل 'الحزام والطريق'، والنهج المتوازن في السياسة الخارجية، عناصر جذبت أطرافًا متعددة نحو بكين باعتبارها شريكًا أكثر استقرارًا وواقعية.
تحذيرات من عمالقة التجزئة: الأرفف قد تُصبح فارغة
في اجتماع مغلق، حذر رؤساء شركات وولمارت (Walmart)، وتارجت (Target)، وهوم ديبوت (Home Depot)، الرئيس ترامب من أن استمرار فرض التعريفات الجمركية سيؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، ما قد يتسبب في فراغ الأرفف في المتاجر خلال ستة أسابيع وارتفاع حاد في الأسعار، ما يضر بالمستهلكين الأميركيين ويزيد من الضغوط على الاقتصاد.
الأسواق تُعاقب ترامب: تراجع الثقة وتصاعد الانتقادات
مقالات حديثة في 'فاينانشال تايمز' و'وول ستريت جورنال' سلطت الضوء على تراجع الأسواق المالية نتيجة السياسات التجارية العدائية لترامب. ورغم تصريحات ترامب عن وجود مفاوضات مع الصين، نفت بكين ذلك، مطالبة بإلغاء جميع التعريفات أحادية الجانب. الخبراء يرون أن هذه السياسات تضر بالاقتصاد الأميركي وتفقده مكانته العالمية.
تآكل المؤسسات: من الجامعات إلى القضاء
ترامب لا يكتفي بالسياسات الاقتصادية المثيرة للجدل، بل يهاجم الجامعات العريقة مثل هارفارد، ويقوض حرية التعبير، ويهاجم القضاة ورئيس الاحتياطي الفيدرالي، ما يهدد استقلالية المؤسسات الأميركية ويضعف الديمقراطية. هذا النهج يخلق مناخًا من الخوف والامتثال، حيث يُتوقع من الجميع أن يكونوا 'رجال نعم" (Yes Sir Men)، ما يضر بالبحث العلمي والتعليم والخدمات الصحية، خاصة للفئات الأقل حظًّا.
محاولة حفظ ماء الوجه تزيد من تآكل الثقة
ومع تصاعد الانتقادات، حاول ترامب حفظ ماء الوجه بالإعلان عن وجود مفاوضات مع الصين، إلا أن بكين نفت ذلك بشكل قاطع، مؤكدة أنه لا توجد أي محادثات جارية، وأن استئنافها مشروط بإلغاء جميع التعريفات أحادية الجانب. هذا التناقض بين التصريحات الأميركية والواقع يعمق من أزمة الثقة في القيادة الأميركية، ويضعف مصداقية الرئاسة في أعين الحلفاء والخصوم على حد سواء.
من القمة إلى العزلة
في أقل من 100 يوم، تمكن ترامب من زعزعة أركان الاقتصاد الأميركي، وتخويف المستثمرين، وإرباك الحلفاء، وإضعاف مكانة أميركا عالميًّا. لكنه لا يزال متمسكًا بخطابه العنيد، مغلقًا أذنيه عن التحذيرات، ومستمرًّا في سياسات تُفقد أميركا أعظم ما تمتلكه: ثقة العالم بها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب القطرية
منذ 3 ساعات
- العرب القطرية
بمشاركة كبرى المؤسسات المالية العالمية.. «القطرية» تستعرض إستراتيجيتها المستقبلية
الدوحة - العرب استضافت الخطوط الجوية القطرية مؤتمرها السنوي للمستثمرين 2025 في مدينة الدوحة، بمشاركة نخبة من كبريات المؤسسات المالية العالمية، للاطلاع على الأرباح القياسية التي حققتها المجموعة واستراتيجيتها الطموحة في مسيرة التحول. واستعرضت الخطوط القطرية استراتيجيتها خلال السنوات المقبلة بحضور أبرز شركات التمويل العالمية في مجال الطيران، بما في ذلك شركات التأجير والخدمات المصرفية والتأمين، للحصول على لمحة شاملة عن الأداء المالي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية، وتوسع أسطولها وشبكة وجهاتها، وتميزها التنافسي، وجهودها الحثيثة في مجال الاستدامة، وخططها لتفعيل دور موظفيها، بالإضافة إلى رؤيتها للسنة المالية 2024/2025 وما بعدها. وترتكز استراتيجية الخطوط الجوية القطرية على أربع ركائز رئيسية وهي: تطوير التكنولوجيا من خلال تحديث الأسطول، وتعزيز العمليات، واستخدام وقود الطيران المستدام ووقود الطيران منخفض الكربون، والمشاركة في خطة تعويض الكربون وخفضه في قطاع الطيران الدولي (CORSIA). وحققت الخطوط الجوية القطرية أداءً مالياً خلال العام 2025/2024 يعد الأقوى في تاريخها وفي جميع أقسامها بما في ذلك القطرية للشحن الجوي والشركة القطرية لتموين الطائرات والسوق الحرة القطرية، حيث بلغ صافي الأرباح 7.85 مليار ريال (2.15 مليار دولار أمريكي)، محققة بذلك زيادة قدرها 1.7 مليار ريال (0.5 مليار دولار أمريكي) مقارنة بالعام الماضي. كما قدمت القطرية للشحن الجوي، الشركة الرائدة عالمياً في قطاع الشحن الجوي، أداءً مالياً مبهراً حيث سجلت زيادة في الإيرادات بلغت نسبتها 17 بالمئة، محققةً بذلك أرباحاً تعدّ الأفضل منذ جائحة كوفيد-19. ويعزى ذلك إلى مرونة الشركة في التكيف مع ظروف سوق الشحن المتغيرة، والتركيز على الاستثمار في مجالات الرقمنة، والتحليلات العميقة المستندة إلى البيانات وموثوقيتها التي تعد الأفضل في فئتها.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
تراجع طفيف في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار
تراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بصورة طفيفة في بداية تعاملات اليوم الأحد في السوق الموازية بالمدن السورية، لكن العملة السورية حافظت على مستوياتها المسجلة على إثر إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامر تنفيذية تفضي إلى رفع العقوبات على سوريا. جاء ذلك بعد إعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا وما تبعه من إعلان أوروبي عن خطوة مماثلة. سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار انخفض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في حلب ودمشق وإدلب بالسوق الموازية إلى نطاق 9600 – 9700 ليرة مقابل الدولار من مستوى 9500 – 9600 المسجّل مساء أمس. تراجع سعر الصرف في السوق الموازية بالحسكة إلى نطاق 9750 – 9850 من 9650 – 9750 ليرة مقابل الدولار. في التعاملات الرسمية ثبّت مصرف سوريا المركزي سعر صرف الليرة عند 11 ألفا للشراء و11 ألفا و110 للبيع. الأوامر التنفيذية وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية الجمعة الماضية ترخيصا عاما يجيز المعاملات التي تشمل الحكومة السورية المؤقتة بقيادة الرئيس أحمد الشرع ، وكذلك البنك المركزي والشركات المملوكة للدولة. وقالت وزارة الخزانة -في بيان- إن الترخيص العام "يجيز المعاملات المحظورة بموجب لوائح العقوبات السورية، مما يرفع العقوبات المفروضة على سوريا بشكل فعال". إعلان وأضاف البيان "سيتيح الترخيص العام استثمارات جديدة ونشاطات جديدة للقطاع الخاص بما يتوافق مع إستراتيجية الرئيس 'أميركا أولا'". وحسب محللين اقتصاديين استطلعت الجزيرة آراءهم، فإن التغيرات الحالية في أسعار الصرف مردها إلى التأثيرات النفسية لإعلان رفع العقوبات، وهي التي تزيد التوقعات بارتفاع الطلب على الليرة في المستقبل القريب مع زيادة نشاط الاقتصاد لا سيما مع عودة السوريين في الخارج باستثمارات جديدة من بين روافد الاستثمار الأخرى. ورجّح المحللون أن يستقر سعر الصرف لكنهم استبعدوا أن يعود السعر إلى المستوى المنخفض السابق فوق 12 ألف ليرة مقابل الدولار، مؤكدين أن ما يؤثر بهذه التغيرات هو القناعات حول المستقبل مدفوعة بالأخبار السياسية. ويستبعد خبراء أيضا أن يكون لقرار رفع العقوبات الأميركي تأثير كبير على الاقتصاد السوري بصورة واقعية إلا بعد شهور كحد أدنى لأن القرار ليس سياسيا فقط بل يعقبه جوانب إجرائية؛ فالعقوبات قوانين وليست أوامر تنفيذية، والقوانين بحاجة لتصويت بالمؤسسات التشريعية.


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
تحدي "البراغي الصغيرة".. كم سيصبح سعر آيفون إذا صنعته أميركا؟
قال خبراء إن مسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصنيع هواتف آيفون، التي تنتجها شركة آبل، داخل الولايات المتحدة يواجه الكثير من التحديات القانونية والاقتصادية، أقلها تثبيت "البراغي الصغيرة" بطرق آلية، بحسبما أوردت رويترز. كان ترامب هدد يوم الجمعة الماضي بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على آبل في حال بيعها هواتف آيفون مصنعة في الخارج داخل الولايات المتحدة، وذلك في إطار سعي إدارته لدعم سوق العمل. "لا بأس.. لكن" وقال ترامب للصحفيين الجمعة الماضية إن الرسوم الجمركية البالغة 25% ستطبق أيضا على شركة سامسونغ وغيرها من صانعي الهواتف الذكية، ويتوقع أن تدخل الرسوم حيز التنفيذ في نهاية يونيو/حزيران المقبل. وأضاف ترامب "لن يكون من العدل" عدم تطبيق الرسوم على جميع الهواتف الذكية المستوردة. وأضاف "كان لدي تفاهم مع (الرئيس التنفيذي لشركة آبل) تيم (كوك) بأنه لن يفعل ذلك. قال إنه سيذهب إلى الهند لبناء مصانع. قلت له لا بأس أن يذهب إلى الهند ولكنك لن تبيع هنا من دون رسوم جمركية". كان وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قال لشبكة "سي بي إس" الشهر الماضي إن عمل "الملايين والملايين من البشر الذين يثبتون البراغي الصغيرة جدا لصنع أجهزة آيفون" سيأتي إلى الولايات المتحدة وسيصبح آليا، مما سيوفر وظائف للعمال المهرة مثل الميكانيكيين والكهربائيين. لكنه قال لاحقا لقناة "سي إن بي سي" إن كوك أخبره أن القيام بذلك يتطلب تكنولوجيا غير متوفرة بعد. وقال "لقد قال أحتاج إلى أذرع روبوتية وأن أقوم بذلك على نطاق ودقة يمكنني بهما جلبها (الصناعة) إلى هنا. وفي اليوم الذي أرى ذلك متاحا، ستأتي إلى هنا". ارتفاع أسعار آيفون وقال محامون وأساتذة بقطاع التجارة إن أسرع طريقة لإدارة ترامب للضغط على شركة آبل من خلال الرسوم الجمركية هي استخدام الآلية القانونية نفسها التي تفرض الرسوم على شريحة واسعة من الواردات. وقال دان إيفز المحلل في ويدبوش إن نقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة قد يستغرق ما يبلغ 10 سنوات، وقد يؤدي إلى أن يصل سعر جهاز آيفون الواحد إلى 3500 دولار. ويُباع أحدث إصدار من هواتف آيفون حاليا في حدود 1200 دولار. وأضاف إيفز "نعتقد أن مفهوم إنتاج آبل لأجهزة آيفون في الولايات المتحدة هو قصة خيالية غير ممكنة". وقال بريت هاوس أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا إن فرض رسوم جمركية على أجهزة آيفون سيزيد من تكاليف المستهلكين من خلال تعقيد سلسلة التوريد والتمويل الخاصة بشركة آبل. وأضاف "لا شيء من هذا إيجابي بالنسبة للمستهلكين الأميركيين". وتبيع آبل أكثر من 220 مليون هاتف آيفون سنويا حول العالم. تحدي الرسوم الجمركية وتشير تقديرات شركة كاونتربوينت ريسيرش إلى أن نحو 20% من إجمالي واردات آيفون إلى الولايات المتحدة الآن تأتي من الهند، في حين تأتي الواردات المتبقية من الصين. وقالت شركة آبل في وقت سابق من هذا الشهر إنه من المتوقع أن تضيف الرسوم الجمركية على الواردات من الصين نحو 900 مليون دولار إلى التكاليف خلال الربع المالي الممتد من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران المقبلين، وأنها ستستورد غالبية أجهزة آيفون المبيعة في الولايات المتحدة خلال هذه الفترة من الهند. ويتوقع المحللون منذ أشهر زيادة الأسعار من جانب آبل، لكنهم حذروا من أن مثل هذه الخطوة قد تكلفها حصة سوقية، خاصة أن منافسين مثل سامسونغ يحاولون جذب المستهلكين بميزات الذكاء الاصطناعي التي كانت آبل بطيئة في طرحها.